صبح بتاريخ: 29 أغسطس 2006 تقديم بلاغ مشاركة بتاريخ: 29 أغسطس 2006 قانا المصرية ليست المشكلة في قطارات الدرجة الثالثة، ولكنك اذا دققت في خلفيات كارثة الموسم، ستجد أنها مشكلة مواطني الدرجة الثالثة. كما أن حلها لا يكون بعزل مدير السكة الحديد أو حتى بإقالة الوزير المختص، وانما يكون بإعادة النظر في ترتيب أولويات العمل الوطني، بما يضع مصلحة المجتمع فقرائه بوجه أخص على رأسها. أتحدث عن كارثة تصادم القطارين في مصر، التي وقعت فجر يوم الاثنين الأسود (21/8)، وأدت إلى قتل 58 مواطناً مصرياً وإصابة 143 آخرين، وجميعهم من فقراء مصر الذين يغادرون بيوتهم فجر كل يوم جرياً وراء أرزاقهم، كي يصلوا إلى القاهرة بينما سكانها يتثاءبون. وقد شاء حظهم أن يخرجوا في ذلك الصباح بلا عودة، حيث وصلوا إلى أبواب القاهرة أشلاء متفحمة أو جثثاً مشوهة بعدما تحولت رحلة البحث عن الرزق إلى مذبحة جماعية، ابيد فيها نفس عدد ضحايا مذبحة قانا في جنوب لبنان. قصص الضحايا التي نشرتها الصحف خلال الأسبوع الفائت تمزق القلب وتصيب قارئها باللوعة والأسى، بقدر ما أن التفاصيل والخلفيات التي جرى استدعاؤها بالمناسبة تملأ الإنسان بمزيج من الشعور بالغضب والنقمة. ذلك بأن كل الشواهد تدل على أننا لسنا بصدد حادثة استثنائية من قبيل ما دأب بعض المسؤولين على الادعاء أنه يقع في بلاد الدنيا، وهو الحق الذي يراد به باطل. لأن هناك فرقاً بين الحادث والظاهرة. ثم إن هناك فرقاً بين حادث يفاجئنا من حيث لا نحتسب، وبين آخر نعلم سلفاً أنه سيقع، بل يتوقع المسؤولون حدوثه كل صباح. كما ذكر وزير النقل في حواره المنشور في (23/8)، الأمر الذي يضعنا بإزاء اهمال جسيم، مما يصنف في القانون بأنه أقرب إلى العمد. فما نشرته الصحف القومية والحزبية والمستقلة يجمع على أن حوادث القطارات برزت على السطح بشكل لافت للنظر منذ بداية التسعينات، حتى اصبح عنوان “كوارث السكة الحديد” من بين العناوين التي شاعت في تلك الصحف، حيث لم يخل عام من دون أن يقع فيه حادث ضحاياه بالعشرات. ومن المعلومات التي تواتر نشرها أنه خلال السنوات الخمس الأخيرة وقع 59 حادثاً للقطار، بمعدل حادث كل شهر تقريباً، الأمر الذي ادى إلى قتل 579 مواطناً مصرياً (لا تنس أن الأرقام الرسمية المتعلقة بالخسائر والبلايا يجري “تخفيضها” إلى حد كبير). من ناحية أخرى، فإن جميع المسؤولين في الدولة، وفي السكة الحديد بوجه أخص، مجمعون على أن ثمة انهياراً في المرفق. وهذا الانهيار الشامل استمر تحت نظر الجميع، ولم يتحرك أحد لعلاجه بشكل جاد. رغم أن نحو مليون ونصف المليون مصري اغلبيتهم الساحقة من الفقراء والمستضعفين يستخدمون القطار يومياً. وهؤلاء معرضون دائماً لخطر محقق، الأمر الذي يكاد يحول ركوب القطارات إلى شيء اقرب إلى العمليات الانتحارية. سأعتمد في تحرير المشكلة على تصريحات وزير النقل، محمد منصور، خصوصاً الحوار الذي اجرته معه صحيفة “المصري اليوم”، ونشر في (23/8). في ذلك الحوار قال الوزير ما يلي: إن لدى هيئة السكك الحديدية 140 جراراً للقطارات انتهى عمرها الافتراضى، أي أنها تعمل منذ أكثر من 30 سنة، وهذه تمثل 25% من رصيد الجرارات. كما يوجد 200 جرار اقترب عمرها من الانتهاء، أي قاربت على الثلاثين. وهذا معناه أن 50% من الجرارات التي تنقل الناس تحتاج إلى تحديث. (التقرير الاحصائى لوزارة النقل ذكر أن 70% من الجرارات تجاوزت العمر الافتراضي للتشغيل). هناك حاجة ملحة أيضاً إلى تطوير كل الورش ونظم الصيانة. كما أن عربات السكة الحديد ذاتها حالتها متدهورة، وخطوط السكة الحديد تحتاج إلى تطوير وصيانة شاملين، والإشارات بدورها بحاجة إلى تطوير، والمكهرب منها 15% فقط، أي أن 85% من تلك الإشارات تعمل بالنظام اليدوي. حين سئل عما فعلته الوزارة لتشغيل المرفق بكفاءة، إذا كان كل ما فيه قديماً ويحتاج إلى إصلاح، كان رد الوزير كالتالي: (الحكومة اشترت جرارات كثيرة في آخر السبعينات والثمانينات، وبعد ذلك توقفت!). هناك خبراء تم استدعاؤهم لدراسة كل اوضاع الهيئة، وهؤلاء يقومون الآن بمراجعة شاملة لكل ظروف عملها، في النواحي الفنية والبشرية. وسيقدمون تقريرهم بعد أربعة أشهر. الهيئة تخسر سنوياً 1،6 مليار جنيه. وقد طلبت الوزارة من الحكومة مبلغ 8،5 مليار لحل مشكلاتها المزمنة. وللمساهمة في توفير الموارد المالية المطلوبة فقد اقترحت تعديل بعض مواد القانون بحيث يسمح للقطاع الخاص بالعمل في المجتمعات العمرانية الجديدة من خلال تقديم خدمة مميزة لسكانها. وما يتحقق من دخل في هذا الباب سوف يوجه لتحسين الخدمة في قطارات الدرجتين الثالثة والثانية. في كلام الوزير إشارات مهمة للغاية، بعضها خطير والبعض الآخر محير. فهو يقرر مثلاً أن الحكومة توقفت عن شراء أي جرارات للقطارات منذ نحو ربع قرن. ويعترف بأن نصف الجرارات المستخدمة حالياً تجاوزت العمر الافتراضى، وأن كل نظم ورش الهيئة تحتاج إلي تحديث وتطوير. وإذا اضفنا إلى ذلك ما ذكره التقرير الإحصائي لوزارة النقل الذي صدر في مايو/ أيار ،2006 في أن 50% من أسطول هيئة السكك الحديدية (3337 عربة قطار خارج الخدمة)، فمعنى ذلك أننا بصدد وضع لا يمكن أن يوصف بأنه فضائحي إلى حد الكارثة. وفي حين قال الوزير إنه كلف مجموعة من الخبراء بدراسة مشكلات واحتياجات السكك الحديدية، وإنهم سينتهون من تقريرهم خلال أربعة أشهر، فإن الوزير السابق الدكتور عصام شرف، صرح للجريدة ذاتها في (25/8)، بأنه خلال الأشهر الثمانية التي قضاها في منصبة انتهى من إعداد ستة مجلدات، تضمنت تحديداً “لكل صغيرة وكبيرة في احتياجات الهيئة”، وأن الدولة لم تهتم بها! وذلك إذا صح فإنه يعد نموذجاً للازدواجية واهدار الجهد والوقت والمال. من ناحية أخرى، فإن حديث الوزير عن حاجة المرفق إلى أكثر من 8 مليارات جنيه، محل نظر. فهذا التقرير أعلن قبل أن ينتهي الخبراء الذين تحدث عنهم من المهمة التي كلفوا بها. ثم إن وزير النقل السابق وصف هذه الخطوة المفاجئة بأنها تعبر عن الافتقاد إلى الثقة وإلى التخطيط. كما أن رئيس نقابة العاملين بالسكة الحديد، فاروق نصار، قال في تصريحات منشورة إن مسألة عجز الموارد المالية للهيئة مبالغ فيها إلى حد كبير، وأنه لا توجد رغبة جادة في حل مشكلات السكك الحديدية لأن هناك من يريد أن يستخدم العجز مبرراً لخصخصتها. وتحدث عن أراضٍ تملكها الهيئة قيمتها الميدانية 25 مليار جنيه، وعن ملايين الأطنان من الخردة التي لا يستفاد من قيمتها، في حين تتعرض للسرقة يومياً. من ناحية ثالثة، فإننا إذا عدنا إلى الرقم 5ر8 مليار جنيه المطلوبة للنهوض بالمرفق خلال 5 سنوات، فسنلاحظ أن جريدة “الأهرام” ذكرت على الصفحة الأولى في (22/8) أن رئيس الوزراء صرح أثناء زيارته للمصابين في حادث التصادم بأن الحكومة “اعتمدت المبلغ”. ولكن الجريدة ذاتها نقلت على الصفحة الخامسة على لسان الدكتور أحمد نظيف قوله إن وزير النقل عرض على مجلس الوزراء خطة للنهوض بالمرفق بتكلفة أكثر من 8 مليارات جنيه، وتلك معلومة أخرى مغايرة. غير أن صحيفة “مصر اليوم” نشرت في (23/8) تصريحات أدلى بها رئيس لجنة النقل والمواصلات في مجلس الشعب، حمدي الطحان، قال فيها إن الحكومة لم تستجب لما طلبه وزير النقل. ودعاه لمصارحة الناس بهذه “الحقيقة”. وهي معلومة أكدها وزير النقل السابق في حديثه. كما نشرت الصحيفة في العدد ذاته خبراً مؤداه أن الحكومة استجابت بنسبة 46% فقط للمطالب المالية لهيئة السكك الحديدية، في ميزانية العام المالي 2006/7002 وأن لجنة الخطة والموازنة بمجلس الشعب اعدت تقريراً انتهى إلى أن ما تم اعتماده للسكك الحديدية سيكون له تأثيره السلبي في مشروعات الهيئة وكفاءة التشغيل بها. آية ذلك أن الهيئة طلبت 142 مليون جنيه لتطوير نظام الأمان بالقطارات، ولكن وزارة التخطيط اعتمدت 50 مليوناً فقط، بعجز 92 مليون جنيه. ما الذي يعنيه ذلك كله؟ لا يحتمل الأمر مداراة. ولا مفر من الاعتراف بأمور عدة، أولها أن الحكومة اربكها المشهد الكارثي المفاجئ، فعملت جاهدة على احتوائه، سواء بالحديث عن الاعتمادات المالية اللازمة بالنهوض به، أو بتحسين أحوال العاملين فيه، اضافة إلى المسارعة إلى تعويض الضحايا وأسرهم. ثاني الاعترافات أن النهوض بالمرفق لم يكن يوماً ما ضمن أولويات الحكومة، رغم تعدد حوادث القطارات والتحذيرات التي ما برحت تطلق في أعقابها، أحدها التقرير المهم الذي اعده مجلس الشورى عقب مصيبة قطار الصعيد، التي وقعت في عام ،2002 ولقي فيها أكثر من 370 من فقراء المصريين مصرعهم. ثالث الاعترافات أن المسؤولين الحقيقيين الكبار، لم يحاسب أحد منهم عن الكوارث المستمرة في ذلك المرفق. ولا بد أن يستوقفنا في هذا الصدد الحكم الذي اصدره المستشار سعد عبد الواحد، الذي قضى فيه ببراءة 11 شخصاً اتهموا بالتقصير الذي أدى إلى كارثة قطار الصعيد، وقال الرجل في منطوق حكمه إن عدالة القضاء ترفض أن يكون هؤلاء وأمثالهم كبش فداء. وهي اشارة خطيرة لها دلالتها التي غض الجميع الطرف عنها، الأمر الذي لا يستغرب معه استمرار الإهمال والفساد في المرفق. المشهد على جملته يستدعي مجموعة من الأسئلة الكبيرة، منها: لماذا لا تحدد بوضوح مسؤولية الكبار عن جريمة الإهمال الجسيم الذي اصبح عنواناً للسكك الحديدية، بدلاً من تعليق المشكلة في رقاب ناظر المحطة أو عامل التحويلة أو غيرهما من صغار الموظفين؟ إذا لم تكن سلامة المواطنين وحماية أرواحهم ضمن أولويات برامج الحكومة، فما الملفات التي استأثرت بالأولوية، وهل صحيح ما يهمس به البعض من أن ميزانية أمن النظام احتلت الأولوية واصبحت متقدمة على مختلف عناوين أمن المجتمع؟ ألا يعد انهيار مرفق النقل نموذجاً للانهيار الكبير الحاصل في مجموع الخدمات التي تقدم للفقراء والمستضعفين في مصر، خصوصاً في مجالات التعليم والصحة والإسكان؟ لقد قلت ذات مرة إنك لا تستطيع أن تعيش أو تقضي مصلحة في مصر إذا كنت مواطناً فقط، حيث تلزمك دائماً صفة أخرى ترفعك إلى مقام المواطن الممتاز أو مواطن الدرجة الأولى. ومن أسف أن البراهين تأتينا كل حين مؤيدة هذا الرأي. وإذا لم تصدقني ففتش في قوائم ضحايا صدام القطارين أو غرقى العبارة، أو الذين يفقدون حياتهم كل يوم في حوادث الطرق. وسوف تتأكد بنفسك أن كل هؤلاء ضحايا ينتمون إلى تلك الفئة سيئة الحظ، الذين هم مواطنون فقط. 06-08-28 وعينُ الرِّضا عن كلَّ عيبٍ كليلة ٌ وَلَكِنَّ عَينَ السُّخْطِ تُبْدي المَسَاوِيَا وَلَسْتُ بَهَيَّــــــابٍ لمنْ لا يَهابُنِي ولستُ أرى للمرءِ ما لا يرى ليــا فإن تدنُ مني، تدنُ منكَ مودتــي وأن تنأ عني، تلقني عنكَ نائيــــا كِلاَنــا غَنِيٌّ عَنْ أخِيه حَيَـــــاتَــه وَنَحْنُ إذَا مِتْنَـــا أشَدُّ تَغَانِيَــــــــا رابط هذا التعليق شارك المزيد من خيارات المشاركة
Sherief AbdelWahab بتاريخ: 29 أغسطس 2006 تقديم بلاغ مشاركة بتاريخ: 29 أغسطس 2006 ولا بد أن يستوقفنا في هذا الصدد الحكم الذي اصدره المستشار سعد عبد الواحد، الذي قضى فيه ببراءة 11 شخصاً اتهموا بالتقصير الذي أدى إلى كارثة قطار الصعيد، وقال الرجل في منطوق حكمه إن عدالة القضاء ترفض أن يكون هؤلاء وأمثالهم كبش فداء. علقنا على ذلك غير مرة .. لا يوجد كباش فداء في هذه النوعية من القضايا ، كما أن الحكم عنى لي بالنسبة كمواطن مصري أن لا فاعل ولا خطأ فيما حدث .. يعني قضاء وقدر .. (وش كمال الشناوي في فيلم الكرنك .. كلنا مجرمييين .. كلنا ضحايا) :closedeyes: دي طلعت آوت من الكاتب الكبير فهمي هويدي .. خلص الكلام Sherief El Ghandour<br /><br />a furious Egyptian رابط هذا التعليق شارك المزيد من خيارات المشاركة
Recommended Posts
انشئ حساب جديد أو قم بتسجيل دخولك لتتمكن من إضافة تعليق جديد
يجب ان تكون عضوا لدينا لتتمكن من التعليق
انشئ حساب جديد
سجل حسابك الجديد لدينا في الموقع بمنتهي السهوله .
سجل حساب جديدتسجيل دخول
هل تمتلك حساب بالفعل؟ سجل دخولك من هنا.
سجل دخولك الان