بن ابى شيبة بتاريخ: 13 يناير 2003 تقديم بلاغ مشاركة بتاريخ: 13 يناير 2003 حينما رأيت كلمة ممنوع الكلام فى الفرق قلت سبحان الله وهل أضاع الأمة الا الفرق المختلفة" كل مجموعة تحمل ماتراه مناسبا لها من أفكار واعتقادات حتى ظهر الفساد فى البر والبحر فمثلا فى الجاهلية الأولى ترى عباد الأوثان "اتباع عمرو بن لحى الخزاعى" قبحه الله ولكن حينما انعدم العلم وظهر الجهل وهذا بقدر الله ظهر عباد القبور من الصوفيه ...وزعموا وأصبح الفساد فى الاعتقاد حدث ولا حرج فيعتقدون بان البدوى و الجيلانى والشعرانى والمرسى أبو العباس والرفاعى لهم يد فى تصريف أمور الكون..فيذهب أحدهم يستغيث بهم عند المصائب ويقول مدد يا بدوى اغثنى وأصبح ممن يشد اليه الرحال دون المساجد الثلاثه ولو كان عمرو بن لحى يعيش فى هذا الزمان لعلم أنه ورعا تقيا فالمشركين قديما ما كانوا يفعلوا هذا وَيَعْبُدُونَ مِن دُونِ اللّهِ مَا لاَ يَضُرُّهُمْ وَلاَ يَنفَعُهُمْ وَيَقُولُونَ هَـؤُلاء شُفَعَاؤُنَا عِندَ اللّهِ قُلْ أَتُنَبِّئُونَ اللّهَ بِمَا لاَ يَعْلَمُ فِي السَّمَاوَاتِ وَلاَ فِي الأَرْضِ سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى عَمَّا يُشْرِكُونَ فهذه الآيه تبين أنهم سواع لكن أفجع من هذا هُوَ الَّذِي يُسَيِّرُكُمْ فِي الْبَرِّ وَالْبَحْرِ حَتَّى إِذَا كُنتُمْ فِي الْفُلْكِ وَجَرَيْنَ بِهِم بِرِيحٍ طَيِّبَةٍ وَفَرِحُواْ بِهَا جَاءتْهَا رِيحٌ عَاصِفٌ وَجَاءهُمُ الْمَوْجُ مِن كُلِّ مَكَانٍ وَظَنُّواْ أَنَّهُمْ أُحِيطَ بِهِمْ دَعَوُاْ اللّهَ مُخْلِصِينَ لَهُ الدِّينَ لَئِنْ أَنجَيْتَنَا مِنْ هَـذِهِ لَنَكُونَنِّ مِنَ الشَّاكِرِينَ فَلَمَّا أَنجَاهُمْ إِذَا هُمْ يَبْغُونَ فِي الأَرْضِ بِغَيْرِ الْحَقِّ يَا أَيُّهَا النَّاسُ إِنَّمَا بَغْيُكُمْ عَلَى أَنفُسِكُم مَّتَاعَ الْحَيَاةِ الدُّنْيَا ثُمَّ إِلَينَا مَرْجِعُكُمْ فَنُنَبِّئُكُم بِمَا كُنتُمْ تَعْمَلُونَ استغاثوا بالله وقت الشده.............اما عباد القبور وقت الشده لا يقول اللهم اغثنا بل يقول مدد يا بدوى كما كان على عهد الشيخ محمد عبد الوهاب الذى حارب الضلال فلما علم الغرب وأذنابهم أطلقوا عليهم وهابيون لأنه أراد احياء أصل الدين وهو ما دعا أيه الأنبياْ والرسل وهدم البدع وتراه واضحا فى كتابه التوحيد أما ابناء هذا العصر يريدون عدم الكلام فى الفرق ........وهذا لآ يصح فهل هم أعلم من سيد ولد آدم محمد صلى الله عليه وسلم حينما قال "لا تزال طائفه من أمتى..........." الحديث وقال".........وستفترق أمتى على ثلاث وسبعون فرقة كلها فى النار الا واحده ......وبين الطائفة الناجيه حينما قال"هى الجماعه" وتأتى لفظة أخرى تبين من هى الجماعة"ما عليه الآن أنا وأصحابى"..... والسؤال هو هل اذا اتفقنا جميعا على الاتحاد فى وجه الأعداء فهل ينصرنا الله لأن العدد كبيريخيف ........... الجواب"لَقَدْ نَصَرَكُمُ اللّهُ فِي مَوَاطِنَ كَثِيرَةٍ وَيَوْمَ حُنَيْنٍ إِذْ أَعْجَبَتْكُمْ كَثْرَتُكُمْ فَلَمْ تُغْنِ عَنكُمْ شَيْئًا وَضَاقَتْ عَلَيْكُمُ الأَرْضُ بِمَا رَحُبَتْ ثُمَّ وَلَّيْتُم مُّدْبِرِينَ " وأيضا يأتى كلام الله المبين لاَّ خَيْرَ فِي كَثِيرٍ مِّن نَّجْوَاهُمْ إِلاَّ مَنْ أَمَرَ بِصَدَقَةٍ أَوْ مَعْرُوفٍ أَوْ إِصْلاَحٍ بَيْنَ النَّاسِ وَمَن يَفْعَلْ ذَلِكَ ابْتَغَاء مَرْضَاتِ اللّهِ فَسَوْفَ نُؤْتِيهِ أَجْرًا عَظِيمًا وَمَن يُشَاقِقِ الرَّسُولَ مِن بَعْدِ مَا تَبَيَّنَ لَهُ الْهُدَى وَيَتَّبِعْ غَيْرَ سَبِيلِ الْمُؤْمِنِينَ نُوَلِّهِ مَا تَوَلَّى وَنُصْلِهِ جَهَنَّمَ وَسَاءتْ مَصِيرًا " فهل من سبيل المؤمنين سب الصحابه"الرافضه" الخمينى وعباده فهل من سبيل المؤمنين صرف أنواع العباده من خوف وذل واستغاثه وذبح وطواف بالقبور وحلول واتحاد"الصوفيه" أمثال الجفرى وعمر هاشم عاملهم الله بما يستحقون هل من سبيل المؤمنين اخاء الكفره من النصارى عباد الصليب واليهود الزنادقه "لا داعى لذكره فهو علم كالشمس" يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُواْ لاَ تَتَّخِذُواْ آبَاءكُمْ وَإِخْوَانَكُمْ أَوْلِيَاء إَنِ اسْتَحَبُّواْ الْكُفْرَ عَلَى الإِيمَانِ وَمَن يَتَوَلَّهُم مِّنكُمْ فَأُوْلَـئِكَ هُمُ الظَّالِمُونَ وأيضا فى سورة براءه التى يدل اسمها على فضح هؤلاء وَقَالَتِ الْيَهُودُ عُزَيْرٌ ابْنُ اللّهِ وَقَالَتْ النَّصَارَى الْمَسِيحُ ابْنُ اللّهِ ذَلِكَ قَوْلُهُم بِأَفْوَاهِهِمْ يُضَاهِؤُونَ قَوْلَ الَّذِينَ كَفَرُواْ مِن قَبْلُ قَاتَلَهُمُ اللّهُ أَنَّى يُؤْفَكُونَ والمائده "يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُواْ لاَ تَتَّخِذُواْ الَّذِينَ اتَّخَذُواْ دِينَكُمْ هُزُوًا وَلَعِبًا مِّنَ الَّذِينَ أُوتُواْ الْكِتَابَ مِن قَبْلِكُمْ وَالْكُفَّارَ أَوْلِيَاء وَاتَّقُواْ اللّهَ إِن كُنتُم مُّؤْمِنِينَ " "يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُواْ لاَ تَتَّخِذُواْ الْيَهُودَ وَالنَّصَارَى أَوْلِيَاء بَعْضُهُمْ أَوْلِيَاء بَعْضٍ وَمَن يَتَوَلَّهُم مِّنكُمْ فَإِنَّهُ مِنْهُمْ إِنَّ اللّهَ لاَ يَهْدِي الْقَوْمَ الظَّالِمِينَ " والممتحنة"يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لَا تَتَّخِذُوا عَدُوِّي وَعَدُوَّكُمْ أَوْلِيَاء تُلْقُونَ إِلَيْهِم بِالْمَوَدَّةِ وَقَدْ كَفَرُوا بِمَا جَاءكُم مِّنَ الْحَقِّ يُخْرِجُونَ الرَّسُولَ وَإِيَّاكُمْ أَن تُؤْمِنُوا بِاللَّهِ رَبِّكُمْ إِن كُنتُمْ خَرَجْتُمْ جِهَادًا فِي سَبِيلِي وَابْتِغَاء مَرْضَاتِي تُسِرُّونَ إِلَيْهِم بِالْمَوَدَّةِ وَأَنَا أَعْلَمُ بِمَا أَخْفَيْتُمْ وَمَا أَعْلَنتُمْ وَمَن يَفْعَلْهُ مِنكُمْ فَقَدْ ضَلَّ سَوَاء السَّبِيلِ " وأيضا هل من سبيل المؤمنين تقديم العقل على النقل "اشاعرة الأزهر" هذا غير الانحراف فى الأسماء والصفات..... وقال أبو بكر رضى الله عنه لما حدثه الكفار عما يقوله الرسول صلى الله عليه وسلم فى رحلة الاسراء والمعراج فقال ان قال هذا فقدصدق........انه حقا رجل بأمه.كماقال محمد صلى الله عليه وسلم وأيضا ليس من سبيل المؤمنين "الارجاء"وهى باختصار طالما أنت تعلم وتعرف أنه لا أله الا الله وتقولها لايضيرك ترك صلاه ولا سب للدين "انت مع أبى بكر" أمثال ربيع المدخلى ومدرسة الأردن والقوصى مندوبهم لدى مصر.........ومعلوم عند العوام فضلا عن الختصين أ ن الايمان قول وعمل يزيد وينقص فالله الله بالتمسك بسبيل المؤمنين وهو طريق واحد وطائفه واحده فكونوا منها ولا تتبعوا أهل الأهواء من أحزاب وجماعات كل حزب بما لدهم فرحون....عن أبي نجيح العرباض بن سارية رضي الله عنه قال: وعظَنا رسول الله (صلى الله عليه وسلم) موعظةً وجلت منها القلوب وذرفت منها العيون، فقلنا: يا رسول الله كأنها موعظة مودّع، فأوصِنا، قال: أوصيكم بتقوى الله عزّ وجلّ، والسمع والطاعة وإن تأمر عليكم عبد، فإنه من يعش منكم فسيرى اختلافاً كثيراً، فعليكم بسنتي وسنة الخلفاء الراشدين المهديين عضوا عليها بالنواجذ، وإياكم ومحدثات الأمور، فإن كل بدعة ضلالة، وكل ضلالة في النار". (رواه أبو داود والترمذي وقال حديث حسن صحيح) ...عن أم المؤمنين أم عبد الله عائشة رضي الله عنها قالت: قال رسول الله (صلى الله عليه وسلم) : "من أحدث في أمرنا هذا ما ليس منه فهو رد". (رواه البخاري ومسلم) وفي رواية لمسلم: "من عمل عملاً ليس عليه أمرنا فهو رد". والحمد لله الهادى الى سبيل الرشاد.............. أخوكم فى الله بن ابى شيبة المصرى رابط هذا التعليق شارك المزيد من خيارات المشاركة
Proud Muslim بتاريخ: 13 يناير 2003 تقديم بلاغ مشاركة بتاريخ: 13 يناير 2003 جزاك الله خيرا أخي الكريم بن أبي شيبة . أصبت فيما قلت . و لكن لي تعليق صغير بخصوص أشاعرة الأزهر . يعني لا يصح أن نلحق الأشاعرة بأهل الضلال من صوفية و روافض و مرجئة و غيرهم , فلو كان الأشاعرة ضلالا لضللنا معهم أخي الكريم , نقول أنه جانبهم الصواب في مسألة الأسماء و الصفات , لكن أن نقول أنهم ضالون سيكون حكما على علماء و أئمة , فابن حجر و النوي كما تعلم كانوا اشاعرة في العقيدة و لكنهم من أئمة أهل السنة , و كن منصفا في حق الشاعرة كما كان شيخ الاسلام ابن تيمية رحمه الله , مع انه اختلف معهم و لكنه أنصفهم في علمهم و عملهم . راجع كلام الشيخ ابن العثيمين رحمه الله في كتاب (فتاوى العقيدة ) . طبعا كلامك في بقية النقاط سليم تماما , جزاك الله خيرا , فعلا الارجاء أكبر مصيبة اصيبت بها الأمة . طبعا الحمد لله على نعمة كوني على اعتقاد اهل السنة و الجماعة , فلا تأويل و لا تحريف و لا تمثيل و لا تعطيل . اللهم اهدنا و اهدي بنا . تحياتي . ذو العقل يشقى في النعيم بعقله.. واخو الجهالة في الشقاوة ينعم هذه مدونتي: Fathy رابط هذا التعليق شارك المزيد من خيارات المشاركة
بن ابى شيبة بتاريخ: 14 يناير 2003 كاتب الموضوع تقديم بلاغ مشاركة بتاريخ: 14 يناير 2003 جزانا واياكم ولكن تصحيحا أخى الكريم..........قال الشيخ محمد عبد المقصود حفظه الله لا يجب أن نقول أن ابن حجر و النووى و غيرهم رحمهم الله أشاعرة ولكن نقول قالوا بقولهم...كأبى حنيفه فى مسألة الايمان فقد قال بقول المرجئه ونفى العمل لكنه ليس مرجىء.......واقرأ كلام ابن حجر فى الفتح فى باب الايمان وهو يتبرأ من أقوال الأشاعرة .وللشيخ سفر رساله عن الأشاعره يوضح فيها ذلك...... رابط هذا التعليق شارك المزيد من خيارات المشاركة
Proud Muslim بتاريخ: 14 يناير 2003 تقديم بلاغ مشاركة بتاريخ: 14 يناير 2003 جزاك الله خيرا , حفظ الله الشيخ محمد عبد المقصود , و هم فعلا قالوا بأقوال الأشاعرة , ولكن ما هو خلاف أهل السنة مع الأشاعرة؟؟ الأسماء و الصفات , بل الصفات فقط !! قالوا بأقوالهم في هذا الموضوع , فهل للأشاعرة قول في مسألة أخرى ينافي اعتقاد اهل السنة و الجماعة ؟؟ وما قولك في صلاح الدين الأيوبي ؟؟ و العز بن عبد السلام و القرطبي ؟؟؟ طبعا هذا لا يعني ان ما قالوه صحيح . ثم نعم هناك غلاة الأشاعرة و لكن منهم من كان قريبا جدا الى عقيدة أهل السنة و الجماعة , فلنفرق بيت غلاتهم و بين منصفيهم , و لنل غلاة الأشاعرة . بالنسبة لقول الامام أبو حنيفة فهو قال بقول الماتريدية في مسألة الايمان , و هذا كلام الدكتور السيد العربي حفظه الله . جزاك الله خيرا أخي الكريم على الموضوع . ذو العقل يشقى في النعيم بعقله.. واخو الجهالة في الشقاوة ينعم هذه مدونتي: Fathy رابط هذا التعليق شارك المزيد من خيارات المشاركة
بن ابى شيبة بتاريخ: 14 يناير 2003 كاتب الموضوع تقديم بلاغ مشاركة بتاريخ: 14 يناير 2003 الأشاعرة فضيلة الشيخ/ سفر بن عبد الرحمن الحوالي -------------------------------------------------------------------------------- الفهرس -------------------------------------------------------------------------------- مقدمة موقف شيخ الإسلام ابن تيمية من الأشاعرة معنى مصطلح أهل السنة ودخول الأشاعرة فيه أو عدمه موقف ابن حجر من الأشاعرة الأصول المنهجية في مذهبهم إثبات وجود الله التوحيد الإيمان القرآن القدر السببية وأفعال المخلوقات الحكمة الغائبة النبوات التحسين والتقبيح التأويل السمعيات التكفير الصحابة والإمامة الصفات فارق منهجي ونموذجي: التناقض ومكابرة العقل ضابط من ضوابط معرفة الفرق واختلافها من أهل القبلة لا من أهل السنة كلمة التوحيد أساس توحيد الكلمة -------------------------------------------------------------------------------- مقدمة الحمد لله والصلاة والسلام على من لا نبي بعده. وبعد: فقد اطلعت على ما نشرته مجلة (المجتمع) في الأعداد من رقم627-632، والمقالات السابقة لها كذلك المقالتان المتضادتان في العدد 646 مما كتبه الشيخان الفوزان والصابوني عن مذهب الأشاعرة. وإذا كان من حق أي قارئ مسلم أن يهتم بالموضوع وأن يدلي برأيه إن كان لديه جديد، فكيف بمن هو متخصص في هذا الموضوع مثلي؟ فالأشاعرة جزء من موضوع رسالتي لدكتوراه "ظاهرة الإرجاء في الفكر الإسلامي" إذ هي أكبر فرق المرجئة الغلاة. ولن أستعجل نتائج بحثي ولكن حسبي أن أدّعي دعوى وأطرحها للمناقشة وأقبل بكل سرور من يدلي بوجهة نظره فيها. فمن واقع إسلامي وتخصصي رأيت أن أقول كلمة عسى الله أن ينفع بها، -ويعلم الله أني لو لم أشعر أن قولها واجب ضروري لما سطرتها- ولكن الموضوع أكبر من أن يسكت عليه أو يجامل فيه. ولي على كلام الشيخين ملاحظات:- أما الصابوني فلا يؤسفني أن أقول إن ما كتبه عن عقيدة السلف والأشاعرة يفتقر إلى أساسيات بدائية لكل باحث في العقيدة كما أن أسلوبه بعيدا كثيرا عن المنهج العلمي الموثق وعن الأسلوب المتعقل الرصين. وقد استبشرت بالبيان الأخير خيراً وحسبته بيان رجوع وبراءة فإذا هو بيان إصرار وتوكيد. ونظرا لكونه ليس إلا جزءاً من تيار بدعي يراد له اكتساح الأمة. ونظراً لتعرضه لقضايا بالغة الخطورة تحتاج إلى بحث مستفيض لا تسعه المقالات الصحفية فسوف أرجئ الكلام عنه إلى حين يتيسر لي بإذن الله إخراج الرد في الصورة التي أراها. وليكن معلوما أن هذا الرد الموعود ليس مقصودا به الصابوني ولا غيره من الأشخاص فالمسألة أكبر من ذلك وأخطر، إنها مسألة مذهب بدعي له وجوده الواقعي الضخم فالفكر الإسلامي حيث تمتلئ به كثير من كتب التفسير وشروح الحديث وكتب اللغة والبلاغة والأصول فضلاً عن كتب العقائد والفكر، كما أن له جامعاته الكبرى ومعاهده المنتشرة في اكبر بلاد الإسلام من الفلبين إلى السنغال. وقد ظهرت في الآونة الأخيرة محاولات ضخمة متواصلة لترميمه وتحديثه تشرف عليها هيئات رسمية كبرى ويغذونها المستشرقون بما ينبشونه من تراثه ويخرجون من مخطوطاته. ولهذا وجب على كل قادر أن يبين لأمته الحق وينصح لها مهما لقي فإن مما كان يبايع عليه النبي صلى الله عليه ويلم أصحابه النصح لكل مسلم وأن يقولوا الحق لا تأخذهم فيه لومة لائم. أما فضيلة الشيخ الفوزان فقد أحسن إلى (المجتمع) وقرائها بتلك المقالة، فقد عرض فيها -على قصرها- حقائق أصولية مركزة في أسلوب علمي رصين. وله العذر كل العذر - إذ لم أستوف الرد على الصابوني وبيان التناقضات التي هي سمة من سمات المنهج الأشعري نفسه، لأن الموضوع أكبر من أن تحيط به مقالة صحفية. ولهذا رأيت من واجبي أن أضيف إلى ما كتبه فضيلته مستدركاً ما لا يجوز تأجيله إلى ظهور الرد المتكامل. سفر بن عبد الرحمن الحوالي الفهرس -------------------------------------------------------------------------------- موقف شيخ الإسلام ابن تيمية من الأشاعرة أولاً: فات فضيلته أن يرد على الصابوني فيما عزاه إلى شيخ الإسلام -مكرراً إياه- من قوله "الأشعرية أنصار أصول الدين والعلماء أنصار فروع الدين". ولعل الشيخ وثق في نقل الصابوني مع أن الصابوني -على ما أرجح- أول من يعلم بطلان نسبة هذا الكلام لشيخ الإسلام ابن تيمية، ولغة العبارة نفسها ليست من أسلوب شيخ الإسلام، والغريب حقاً أنه أعاد هذا العزو في بيانه الأخير بالعدد 646 مؤكدا إصراره على التمويه والتدليس. وأنا أطلب من كل قارئ أن يراجع النص في ج 4 ص 16 من مجموع الفتاوي ليجد بنفسه قبل تلك العبارة نفسها كلمة "قال" فالكلام محكي منقول وقائله هو المذكور في أول الكلام -آخر سطر من ص 15- حيث يقول شيخ الإسلام: "وكذلك رأيت في فتاوى الفقيه أبي محمد هو والد إمام الحرمين أبو المعالي الجويني (وهو أشعري) رجع آخر عمره إلى عقيدة السلف فتوى طويلة.... قال فيها: "إلى أن يقول: "قال: وأما لعن العلماء الأئمة الأشعرية فمن لعنهم عزز وعادت اللعنة عليه .. والعلماء أنصار فروع الدين والأشعرية أنصار أصول الدين. "وقال: وأما دخولهم النار..." الخ. وفي أخر هذه الفتوى نفسها يقول شيخ الإسلام (ص 158-159، وانظر أيضا 156). "وأيضا فيقال لهؤلاء الجهمية الكلامية مصاحب هذا الكلام أبي محمد وأمثاله كيف تدعون طريقة السلف وغاية ما عند السلف أن يكونوا متابعين لرسول الله صلى الله عليه وسلم؟". إلى أن يقول "وأبو محمد وأمثاله قد سلكوا مسلك الملاحدة الذين يقولون إن الرسول لم يبين الحق في باب التوحيد(1)" . الخ. وبهذا يتضح قطعا: (أ ) أن العبارة المذكورة ليست من قول شيخ الإسلام بل قائلها أشعري يمدح مذهبه (2) . (ب ) أن شيخ الإسلام نسب هذا القائل ومذهبه إلى الجهمية الكلابية وأتباع طريقة السلف وهذا ينفي ما حاول الصابوني تدليسه في مقالاته الست تماماً. وبالمناسبة أذكر بعض ما يحضرني من الكتب التي ألفها شيخ الإسلام في الرد على الأشاعرة نصاً غير التي رد عليهم فيها مع غيرهم:- 1- درء تعارض العقل والنقل وهو كله رد عليهم بالأصالة كما نص في مقدمته. حيث استفتحه بذكر قانونهم الكلي الآتي في ص 12. 2- بيان تلبيس الجهمية المسمى بنقص التأسيس، رد فيه على إمامهم الثاني "الفخر الرازي" صاحب تأسيس التقديس أو أساس التقديس. 3- التسعينية وهي التي كتبها في الأشهر الأخيرة من حياته -رحمه الله- جوابا عن محاكمة الأشاعرة له (3) . 4- شرح العقيدة الأصفهانية وهي شرح لعقيدة الشمس الأصفهاني التي جرى فيها على أصول الأشاعرة. 5- الفتوى الحموية: معروفة. 6- الرسالة المدنية: وهي في الجزء (6) من مجموع الفتاوى. 7- النبوات: وهو نقص لكلام الباقلاني خاصة والأشاعرة عامة في النبوات. 8- الإيمان: وهو نقد الأشاعرة في الإيمان وذكر بقية المرجئة تبعا. 9- القاعدة المراكشية: وهي كالبيان لمذهب الإمام مالك وأئمة المالكية في العقيدة ضد المتأخرين من مالكية المغاربة المائلين إلى مذهب الأشعري، وهي في الجزء الخامس من مجموع الفتاوي وطبعت محققة. 10- المناظرة في العقيدة الواسطية: ألفها في محاكمة الأشاعرة له بسبب الواسطية وهي في الجزء الثالث من مجموع الفتاوي. 11- الاستقامة: كتبة نقضاً لكتاب القشيري الصوفي الأشعري وبين فيه أن عقيدة أئمة السلوك المعتبرين هي مذهب السلف وأن بداية الانحراف في العقيدة عند المنتسبين للتصوف فبالجملة إنما جاءت متأخرة في أوائل القرن الخامس حين انتشر مذهب الأشعري. ولتلميذه ابن القيم رحمه الله -في الرد على الأشاعرة كتب منها:- (1) مختصر الصواعق المرسلة فيه أصولهم ومنها موقفهم من النصوص. (2) شفاء العليل: معظمه عنهم. (3) العقيدة النونية: معظمها عنهم. (4) اجتماع الجيوش الإسلامية: كله رد على مذهبهم خصوصاً في نفي العلو. هذا ولم يصدر من شيخ الإسلام مدح مطلق للأشاعرة أبداً. وإنما غاية مدحه لهم (كما في ج12 من الفتاوى) أن يصفهم بأنهم أقرب من غيرهم وأن مذهبهم مركب من الوحي والفلسفة أو يمدح المشتغلين منهم بالحديث لا لكونهم أشاعرة ولكن لاشتغالهم بالسنة مع سؤال المغفرة لهم فيما وافقوا فيه متكلمي مذهبهم. لكن هذا أقل بكثير من المواضع التي صرح فيها بتبديعهم وتضليلهم وفساد منهجهم فهي أكثر من أن تحصر. كما أنه حدد -رحمه الله- متى يعد المنتسب إلى الأشعري من أهل السنة فقال: "أما من قال بكتاب الإبانة الذي صنفه الأشعري في آخر عمره ولم يظهر مقالة تناقض ذلك فهذا يعد من أهل السنة، لكن مجرد الانتساب إلى الأشعري بدعة لاسيما لأنه بذلك يوهم حسنا لكل من انتسب هذه النسبة وينفتح بذلك أبواب شر(4)" ... أي أن من كان على عقيدة السلف منهم لا ينبغي له الانتساب للأشعري لأنه بدعة ومذمة. ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ (1) انظر أيضاً ص 156 من الجزء نفسه وهذا الكلام المنقول من ص 158 لا بد أن الصابوني قرأه لأنه استشهد بكلام بعده في ص 167 من الفتوى. (2) قائلها هو أبو محمد الجويني والد أبي المعالي (توفي 440) وقد رجع آخر عمره إلى عقيدة السلف وشهد له بذلك شيخ الإسلام في مواضع، وكتب في توبته النصحية المطبوعة مع المجموعة المنبرية، وطبعها المكتب الإسلامي معزوة إلى ابن شيخ الحزاميين وهو الخطأ، ومناسبة فتواه هذه هي صدور مراسيم سلطانية بلعن أصحاب البدع -ومنهم الأشاعرة- على المنابر، انظر المنتظم لابن الجوزي حوادث سنة 433 وما بعدها. (3) وهي أول رسالة في المجلد الخامس من الفتاوي الكبرى (الطبعة الطويلة) وهي تشمل الجزء الخامس كله من الطبعة التي قدم لها مخلوف، وسمعت أنها تحقق بجامعة الإمام وهي جديرة بالعناية. (4) مجموع الفتاوى: 6/359. الفهرس -------------------------------------------------------------------------------- معنى مصطلح أهل السنة ودخول الأشاعرة فيه أو عدمه ثانيا: أحسن الشيخ في مطالبة الصابوني بأي دليل صحيح على مسألة تكفير الأشاعرة، ويضاف إلى كرم فضيلته: إن الحاصل فعلاً هو العكس فالأشاعرة هم الذين كفروا وما يزالون يُكفرون أتباع السلف بل كفروا كل من قال أن الله تعالى موصوف بالعلو كما -سيأتي هنا- وحسبك تكفيرهم واضطهادهم لشيخ الإسلام وهو ما لم يفعله أه السنة بعالم أشعري قط. وقد سطر -رحمه الله- بعض أجورهم عليه في أول التسعينية وصرح به كل من كتب عن سيرته. ولولا الإطالة لأوردت بعض ما تصرح به كتب عقيدتهم من اتهامه بالزندقة والكفر والضلال. ومن الأمثلة المعاصرة كتب الكوثري ومقالاته وكتاب (براءة الأشعريين) نقل لنا عن بعض أهل العلم أن صاحبه هو عبد الفتاح أبو غدة وكتاب "ابن تيمية ليس سلفياً" وبعض ما ورد في كتاب "أركان الإيمان (5)" . فيا عجباً لهؤلاء القوم يكفرونه ثم يدعون أنهم وإياه على مذهب واحد ويشملهم جميعاً اسم "السنة والجماعة"!! وإذا كانت كتب الأشاعرة تتبرأ من "الحشوية والمجسمة والنابتة" وغير ذلك مما يلقبون به أهل السنة والجماعة فكيف يكونون وهم سواء!! ثالثاً: كان بودي أن يفصل الشيخ معنى مصطلح أهل السنة ودخول الأشاعرة فيه أو عدمه وهي التي يدندن حولها الصابوني، وأنا أوجز جداً فأقول: إن مصطلح أهل السنة والجماعة يطلق ويراد به معنيان: (أ ) المعنى الأعم: وهو ما يقابل الشيعة فيقال: المنتسبون للإسلام قسمان: أهل السنة والشيعة، مقلما عنون شيخ الإسلام كتابه في الرد على الرافضي "منهاج السنة" وفيه بين هذين المعنيين (6) وصرح أن ما ذهبت إليه الطوائف المبتدعة من أخل السنة بالمعنى الأخص. وهذا المعنى يدخل فيه كل من سوى الشيعة كالأشاعرة. لاسيما والأشاعرة فيما يتعلق بموضوع الصحابة والخلفاء متفقون مع أهل السنة وهي نقطة الاتفاق المنهجية الوحيدة كما سيأتي. (ب ) المعنى الأخص: وهو ما يقابل المبتدعة وأهل الأهواء وهو الأكثر استعمالا كتب الجرح والتعديل فإذا قالوا عن الرجل أنه صاحب سنة أو كان سنياً أو من أهل السنة ونحوها فالمراد أنه ليس من إحدى الطوائف البدعية كالخوارج والمعتزلة والشيعة وليس صاحب كلام وهوى. وهذا المعنى لا يدخل فيه الأشاعرة أبدا بل هم خارجون عنه وقد نص الإمام أحمد وابن المديني على أن من خاض في شيء من علم الكلام لا يعتبر من أهل السنة وإن أصاب بكلامه السنة حتى يدع الجدل ويسلم للنصوص، فلم يشترطوا موافقة السنة فحسب بل التلقي والاستمداد منها (7) فمن تلقى من السنة ولم يوافقوا في النتائج فكيف يكونوا من أهلها. وسنأتي بحكمهم عند أئمة المذاهب الأربعة من الفقهاء فما بالك بأئمة الجرح والتعديل من أصحاب الحديث:- 1- عند المالكية: روى حافظ المغرب وعلمها الفذ ابن عبد البر بسند عن فقيه المالكية بالمشرق ابن خويز منداذ "أنه قال في كتاب الشهادات شرحاً لقول مالك لا تجوز شهادة أهل البدع والأهواء، وقال: "أهل الأهواء عند مالك وسائر أصحابنا هم أهل الكلام فكل متكلم فهو من أهل الأهواء والبدع أشعريا كان أو غير أشعري ولا تقبل له شهادة في الإسلام أبداً ويهجر ويؤدب على بدعته فإن تمادي عليها استتيب منها. (8) وروي ابن عبد البر نفسه في "الانتقاء" عن الأئمة الثلاثة "مالك وأبي حنيفة والشافعي نهيهم عن الكلام وزجر أصحابه وتبديعهم وتعزيزهم ومثله ابن القيم في اجتماع الجيوش الإسلامية فماذا يكون الأشاعرة إن لم يكونوا أصحاب كلام؟ 2- عند الشافعية: قال الإمام أبو العباس بن سريج الملقب بالشافعي الثاني وقد كان معاصراً للأشعري: لا نقول بتأويل المعتزلة والأشعرية والجهمية والملحدة والمجسمة والمشبهة والكرامية والمكيفة بل نقلبها بلا تأويل ونؤمن بها بلا تمثيل. (9)" قال الإمام أبو الحسن الكرجي من علماء القرن الخامس الشافعية ما نصه: "لم يزل الأئمة الشافعية يأنفون ويستنكفون أن ينسبوا إلى الأشعري ويتبرءون مما بنى الأشعري مذهبه عليه وينهون أصحابهم وأحبابهم عن الحوم حواليه على ما سمعت من عدة من المشايخ والأئمة، وضرب مثالاً بشيخ الشافعية في عصره الإمام أبو حامد الاسفرائيني الملقب "الشافعي الثالث" قائلاً: "ومعلوم شدة الشيخ على أصحاب الكلام حتى ميز أصول فقه الشافعي من أصول الشعري، وعلق عنه أبو بكر الراذقاني وهو عندي، وبه اقتدى الشيخ أبو إسحاق الشيرازي في كتابيه اللمع والتبصرة حتى لو وافق قول الأشعري وجهاً لأصحابنا ميزةً وقال: "هو قول بعض أصحابنا وبه قالت الأشعرية ولم يعدهم من أصحاب الشافعي، استنكفوا منهم ومن مذهبهم في أصول الفقه فضلاً عن أصول الدين" (10) أ.هـ. وبنحو قوله بل أشد منه قال شيخ الإسلام آلهروي الأنصاري. (11) 3- الحنفية: معلوم أن واضع الطحاوية وشارحها كلاهما حنفيان، وكان الإمام الطحاوي معاصراً للأشعري وكتب هذه العقيدة لبيان معتقد الإمام أبي حنيفة وأصحابه وهي مشابهة لما في الفقه الأكبر عنه وقد نقلوا عن الإمام أنه صرح بكفر من قال إن الله ليس على العرش أو توقف فيه وتلميذه أبو يوسف كفر بشراً المريسي، ومعلوم أن الأشاعرة ينفون العلو وينكرون كونه تعالى على العرش ومعلوم أيضا أن أصولهم مستمدة من بشر المريسي (12)!! . 4- الحنابلة: موقف الحنابلة من الأشاعرة أشهر من أن يذكر فمنذ بدّع الإمام أحمد "ابن كلاب" وأمر بهجره -وهو المؤسس الحقيقي للمذهب الأشعري- لم يزل الحنابلة معهم في معركة طويلة، وحتى في أيام دولة نظام الملك -التي استطالوا فيها- وبعدها كان الحنابلة يخرجون من بغداد كل واعظ يخلط قصصه بشيء من مذهب الأشاعرة. ولم يكن ابن القشيري إلا واحداً ممن تعرض لذلك، وبسبب انتشار مذهبهم وإجماع علماء الدولة سيما الحنابلة على محاربته ادر الخليفة القادر منشور "الاعتقاد القادري" أوضح فيه العقيدة الواجب على الأمة اعتقادها سنة 433هـ (14) . وكذلك يفعل أتباعهم في عصرنا هذا بمليء خطبهم الحماسية أو مواعظهم وقصصهم وما يسمونه بالكتب الفكرية لثقة قرائهم -من الشباب المتحمس- العمياء بهم ولجهل أكثر هؤلاء الشباب بعقيدتهم الصحيحة التي كان عليها سلفهم الصالح من تبعهم بإحسان. هذا وليس ذم الأشاعرة وتبديعهم خاصة بأئمة المذاهب المعتبرين بل هو منقول أيضا عن أئمة السلوك الذين كانوا أقرب إلى السنة واتباع السلف، فقد نقل شيخ الإسلام في الاستقامة كثيراً من أقوالهم في ذلك وإنهم يعتبرون موافقة عقيدة الأشعرية منافياً لسلوك طريق الولاية والاستقامة حتى أن عبد القادر الجيلاني لما سئل "هل كان لله ولي على غير اعتقاد أحمد بن حنبل؟. قال: ما كان ولا يكون (15)" . هذا موجز مختصر جداً لحكم الأشاعرة في المذاهب الأربعة فما ظنك بحكم رجال الجرح والتعديل مما يعلم أن مذهب الأشاعرة هو رد خبر الآحاد جملة وأن في الصحيحين أحاديث موضوعة أدخلها الزنادقة.. وغيرها من العوام وانظر إن شئت ترجمة إمامهم المتأخر الفخر الرازي فيا لميزان ولسان الميزان. فالحكم الصحيح في الأشاعرة أنهم من أهل القبلة لا شك في ذلك أما أنهم من أهل السنة فلا وسيأتي تفصيل ذلك في الموضوعات التالية: وها هنا حقيقة كبرى أثبتها علماء الأشعرية الكبار بأنفسهم -كالجويني وابن أبي المعالي والرازي والغزالي وغيرهم- وهي حقيقة إعلان حيرتهم وتوبتهم ورجوعهم إلى مذهب السلف، وكتب الأشعرية المتعصبة مثل طبقات الشافعية أوردت ذلك في تراجمهم أو بعضه فما دلالة ذلك؟. إذا كانوا من أصلهم على عقيدة أهل السنة والجماعة فعن أي شيء رجعوا؟ ولماذا رجعوا؟. وإلى أي عقيدة رجعوا؟. ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ 5- وانظر عن القدامى: الرد الوافر على من زعم أن ابن تيمية شيخ الإسلام كافر، وكتاب الحصني: دفع شبهة من شبه وتمرد. ولعلم فبعض هذه الكتب المعاصرة باسم مستعار، وممن اعترف بموقفهم من شيخ الإسلام الشيخ محمد أبو زهرة في كتابه ابن تيمية ص 56 ومن ذلك قول صاحب حواشي على شرح الكبرى للسنوسي قوله: "ابن تيمية.. أي الحنبلي المشهور زنديق وبغضه للدين وأهله لا يخفي" ص 62. وانظر في كتاب وهبي غاوجي أركان الإيمان ص 297- 299. 6- ج 2 ص163 تحقيق محمد رشاد سالم. 7- أنظر شرح أصول اعتقاد أهل السنة والجماعة. اللالكائي، تحقيق الأخ أحمد بن سعد بن حمدان: (1/157، 165). 8- جامع بيان العلم وفضله 2/117 تحقيق عثمان محمد عثمان، وهو 2/96 من الطبعة المنبرية. 9- توفي ابن سريج سنة 306: انظر تاريخ بغداد 4/290 وسير أعلام النبلاء 14/201 والظاهر أنه توفي قبل رجوع الأشعري لمذهب السلف، والأشعري توفي 324 أو 330 على قولين. وانظر عقيدة ابن سريج في اجتماع الجيوش الإسلامية ص 62. 10- التسعينية: 238-239 وانظر شرح الأصفهاني: 31 من ج5 من الفتاوى الكبرى نفسها وانظر عن الكرجي وعقيدته: اجتماع الجيوش الإسلامية ومختصر العلو وله ترجمة في طبقات الشافعية لابن السبكي وطبقات الشافعية لابن كثير (مخطوط). 11- يلاحظ أن كلا من الشافعية والحنابلة يدعي الهروي لمذهبهم ورجح شيخ الإسلام أنه يأخذ من كليهما ويتبع الأثر. انظر (شيخ الإسلام عبد الله الهروي ص 96) وقوله فيهم نقله في التسعينية: 277 عن كتاب ذم الكلام "وهو يحقق بجامعة الإمام كما قرأت. وانظر أيضا عن موقف الشافعية درء التعارض 2/106. 12- انظر عبر ما ذكر سير أعلام النبلاء ترجمة بشر 10/200-201 والحموية: ص14-15 طبعة قصي الخطيب. 13- أنظر المنتظم لابن الجوزي أحداث سنة: 433، 469، 475 وغيرها ج 8و ج9. 14- ص 81- 89 و 105- 109. 15- ومنها شرح الباجوري -أو البيجوري- على الجوهرة 1:82 طبعة محمد علي صبيح. الفهرس -------------------------------------------------------------------------------- موقف ابن حجر من الأشاعرة رابعاً: دعوى الأشاعرة أن أكثر أئمة المسلمين مذهبهم دعوى عارية عن الدليل يكذبها الواقع التاريخي، وكتب الأشاعرة نفسها عند تعريف مذهبي السلف والخلف تقول إن مذهب السلف هو مذهب القرون الثلاثة وبعضها يقول إنه مذهب القرون الخمسة(15) فما بقي بعد هذه القرون؟ وصدقوا فالثابت تاريخياً أن مذهب الأشاعرة لم ينتشر إلا في القرن الخامس إثر انتشار كتب الباقلاني (16) . ولولا ضيق المجال لسردت قائمة متوازية أذكر فيها كبار الأشاعرة ومن عاصرهم من كبار أهل السنة والجماعة الذين يفوقون أولئك عدداً وعلماً وفضلاً، وحسبك ما جمعه ابن القيم في اجتماع الجيوش الإسلامية والذهبي في العلو وقبلهما اللالكائي. أما عوام المسلمين فالأصل فيهم أنهم على عقيدة السلف لأنها الفطرة التي يولد عليها الإنسان وينشأ عليها المسلم بلا تلقين ولا تعليم (من حيث الأصل) فكل من لم يلقنه المبتدعين بدعتهم ويدرسوه كتبهم فليس من حق أي فرقة أن تدعيه إلا أهل السنة والجماعة. ومن الأدلة على ذلك الإنسان الذي يدخل في الإسلام حديثاً، فهل تستطيع أي فرقة أن تقول أنه معتزلي أو اشعري؟ أما نحن فبمجرد إسلامه يصبح واحداً منا. وإن شئت المثال على عقيدة العوام فاسأل الملايين من المسلمين شرقاً وغرباً هل فيهم من يعتقد أن الله لا داخل العالم ولا خارجه ولا فوقه ولا تحته كما تقول الأشاعرة. أم أنهم كلهم مفطورون على أنه تعالى فوق المخلوقات، وهذه الفطرة تظل ثابتة في قلوبهم حتى وإن وجدوا من يلقنهم في أذهانهم تلك المقولة الموروثة عن فلاسفة اليونان (17) . وقس على هذا نظرية الكسب والكلام النفسي ونفي التأثير وأشباهها مما سترى في عقائد الأشاعرة على الموضوع الذي يجب التنبه غليه هو التفريق بين متكلمي الأشاعرة كالرازي والآمدي والشهرستاني والبغدادي والإيجي ونحوهم وبين من تأثير بمذهبهم عن حسن نية واجتهاد أو متابعة خاطئة أو جهل بعلم الكلام أو لاعتقاد أنه لا تعارض بين ما أخذ منهم وبين النصوص ومن هذا القسم أكثر الأفاضل الذي يحتج بذكرهم الصابوني وغيره وعلى رأسهم الحافظ ابن حجر -رحمه الله-. ولست أشك أن الموضوع يحتاج لبسط وإيضاح ومع هذا فإنني أقدم للقراء لمحة موجزة عن موقف ابن حجر من الأشاعرة: ومن المعلوم أن إمام الأشعرية المتأخر الذي ضبط المذهب وقعَد أصوله هو الفخر الرازي (ت 606 هـ) فنشر فكره في الشام ومصر واستوفيا بعض القضايا في المذهب (وفكر هؤلاء الثلاثة هو الذي كان الموضوع الرئيسي في كتاب درء التعارض) وأعقبهم الأيجي صاحب المواقف (الذي كان معاصراً لشيخ الإسلام ابن تيمية) فألف "المواقف" الذي هو تقنين وتنظيم لفكر الرازي ومدرسته وهذا الكتاب هو عمدة المذهب قديماً وحديثاً. وقد ترجم الحافظ الذهبي -رحمه الله- في الميزان وغيره للرازي والآمدي بما هما أهله، ثم جاء ابن السبكي -ذلك الأشعري المتعصب- فتعقبه وعنف عليه ظلماً. ثم جاء ابن حجر -رحمه الله- فألف لسان الميزان فترجم لهما بطبيعة الحال -ناقلاً كلام ابن السبكي ونقده للذهبي (18) - ولم يكن بخاف عليه مكانتهما وإمامتهما في المذهب كما ذكر طرفاً من شنائع الآرموي ضمن ترجمة الرازي. فإذا كان موقف ابن حجر لأن موقفه هو الذي يحدد انتماءه لفكر هؤلاء القوم أو عدمه؟ إن الذين يقرأ ترجمتيهما في اللسان لا يمكن أن يقول إن ابن حجر على مذهبهما أبداً كيف وقد أورد نقولا كثيرة موثقة عن ضلالهما وشنائعهما التي لا يقرها أي مسلم فضلاً عمن هو في علم الحافظ وفضله؟ على أنه قال في آخر ترجمة الرازي "أوصى بوصية تدل على أنه حسّن اعتقاده". وهذه العبارة التي قد يفهم منها أنها متعاطفة مع الرازي ضد مهاجميه هي شاهد لما نقول نحن هنا فإن وصية الرازي التي نقلها ابن السبكي نفسه صريحة في رجوعه إلى مذهب السلف. فبعد هذا نسأل: أكان ابن حجر يعتقد أن يؤيد عقيدة الرازي التي في كتبه أم عقيدته التي في وصيته؟ الإجابة واضحة من عبارته نفسها. هذه واحدة. والأخرى: أن الحافظ في الفتح قد نقد الأشاعرة باسمهم الصريح وخالفهم فيما هو من خصائص مذهبهم فمثلا خالفهم في الإيمان، وإن كان تقريره لمذهب السلف فيه يحتاج لتحرير. ونقدهم في مسألة المعرفة وأول واجب على المكلف في أول كتابه وآخره (19) . كما أنه نقد شيخهم في التأويل "ابن فورك" في تأويلاته التي نقلها عنه في شرح كتاب التوحيد في الفتح وذم التأويل والمنطق مرجحاً منهج الثلاثة القرون الأولى كما أنه يخالفهم في الاحتجاج بحديث الآحاد في العقيدة (20) وغيرها من الأمور التي لا مجال لتفصيلها هنا. والذي أراه أن الحافظ -رحمه الله- أقرب شيء غلى عقيدة مفوضة الحنابلة كأبي يعلى ونحوه ممن ذكرهم شيخ الإسلام في درء تعارض العقل والنقل(21) ووصفهم بمحبة الآثار والتمسك بها لكنهم وافقوا بعض أصول المتكلمين وتابعوهم ظانين صحتها عن حسن نية. ولو قيل أن الحافظ -رحمه الله- كان متذبذباً في عقيدته لكان ذلك اقرب إلى الصواب كما يدل عليه شرحه لكتاب التوحيد. والله أعلم. وقد كان من الحنابلة من ذهب إلى أبعد من هذا كابن الجوزي وابن عقيل وابن الزاغوني. ومع ذلك فهؤلاء كانوا أعداء الداء للأشاعرة، ولا يجوز بحال أن يعتبروا أشاعرة فما بالك بأولئك. والظاهر أن سبب هذا الاشتباه في نسبة بعض العلماء للشاعرة أو أهل السنة والجماعة هو أن الأشاعرة فرقة كرمية انشقت عن أصلها "المعتزلة" ووافقت السلف في بعض القضايا وتأثرت بمنهج الوحي، في حين أن بعض من هم على مذهب أهل السنة والجماعة في الأصل تأثروا بسبب من الأسباب بأهل الكلام في بعض القضايا وخالفوا فيها مذهب السلف. فإذا نظر الناظر إلى المواضع التي يتفق فيها هؤلاء وهؤلاء ظن أن الطائفتين على مذهب واحد. فهذا التدخل بينهما هو مصدر اللبس. وكثير ما تجد في كتب الجرح والتعديل -ومنها لسان الميزان للحافظ ابن حجر العسقلاني -قولهم عن الرجل- أنه وافق المعتزلة في أشياء من مصنفاته أو وافق الخوارج في بعض أقوالهم وهكذا ومع هذا لا يعتبرونه معتزليا أو خارجياً، وهذا المنهج إذا طبقناه على الحافظ وعلى النووي وأمثالهما لم يصح اعتبارهم أشاعرة وإنما يقال وافقوا الأشاعرة في أشياء، مع ضرورة بيان هذه الأشياء واستدراكها عليهم حتى يمكن الاستفادة من كتبهم بلا توجس في موضوعات العقيدة (22). ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ 15- ومنها شرح الباجوري -أو البيجوري- على الجوهرة 1:82 طبعة محمد علي صبيح. 16- انظر الاستقامة: 105 وتبين كذب المفتري لابن عساكر ص 410 بتحقيق الكوثري. 17- بل إن متكلمي الأشاعرة الذين ينفون العلو بكل جرأة ويستندون غلى شبهات كثيرة، تجد في خبايا كلامهم إقرارا به دون أن يشعروا. لأن مغالبة الفطرة من أصعب الأمور. فالرازي مثلاً -مع إنكاره الشديد للعلو في (التأسيس والتفسير) قال في التفسير إن الله (خسف بقارون فجعل الأرض فوقه ورفع محمداً صلى الله عليه وسلم فجعله قاب قوسين تحته) 1/248. ط. بيروت. والرفع يدل على علو الله. 18- ترجمة الرازي: 4/426 والآمدي: 6/134. 19- أنظر فتح الباري: 1/46، 3/357-361، 13/347-350. 20- أنظر فتح الباري: 1/46، 3/357-361، 13/347-350. 21- المصدر السابق: 13/253، 259، 407 وغيرها كثير. 22- وقد رأينا في واقعنا المعاصر علماء فضلاء وافقوا الاشتراكيين أو الديموقراطيين أو القوميين في أشياء للأسباب نفسها. ولم يعدهم أحد اشتراكيين أو قوميين. الفهرس -------------------------------------------------------------------------------- الأصول المنهجية في مذهبهم خامساً: قال فضيلة الشيخ الفوزان عن الأشاعرة: "نعم هم من أخل السنة والجماعة في بقية أبواب الإيمان والعقيدة وليسوا منهم في باب الصفات". وهذا سبق قلم من فضيلته ومثل هذه الدعوى هي التي يهش لها الأشاعرة المعاصرون يروجونها، لأنه إذا كان الفارق هو الصفات فقط قالوا إن الخلاف فيها أصله الاجتهاد والكل متفقون على التنزيه فكأنه ى خلاف إذاً... وربما قالوا نحن مستعدون أن نثبت لله يداً وعيناً وسائر الصفات في سبيل توحيد الصف ووحدة الكلمة!!! وليكن معلوما أن ابتداء أمر الأشاعرة أنهم توسلوا إلى أهل السنة أن يكفوا عن هجرهم وتبديعهم وتضليلهم وقالوا: نحن معكم ندافع عن الدين وننازل الملحدين (23) ، فاغتر بهذا بعض علماء أهل السنة وسكتوا عنهم فتمكن الأشاعرة في الأمة ثم في النهاية استطاعوا على أولئك واستأثروا بهذا الاسم دون أهله، وأصبحوا هم يضللوا أهل السنة ويضطهدونهم ويلقبونهم بأشنع الألقاب. فحتى لا تتكرر هذه المشكلة وإحقاقا للحق رأيت من واجبي أن اسهم بتفصيل مذهب الأشاعرة في كل أبواب العقيدة ليتضح أنهم على منهج فكري مستقل في كل الأبواب والأصول، ويختلفون مع أهل السنة والجماعة من أول مصدر التلقي حتى آخر السمعيات ما عدا قضية واحدة فقط. وإليك هذه الأصول المنهجية في مذهبهم. موجزة وميسرة ما أمكن -عدا أقوالهم في الصفات وعدا الفرعيات التي لا تدخل تحت حصر -مع التنبيه مقدما إلى ما بينها متناقض لا يخفى على القارئ الفطن: الأول: مصدر التلقي: (أ ) مصدر التلقي عند الأشاعرة هو العقل وقد صرح الجويني والرازي والبغدادي والغزالي والآمدي والإيجي وابن فورك والسنوي وسراج الجوهرة وسائر أئمتهم بتقديم العقل على النقل عند التعارض، وعلى هذا يرى المعاصرون منهم، ومن هؤلاء السابقين من صرح بأن الأخذ بظواهر الكتاب والسنة اصل من أصول الكفر وبعضهم خففها فقال هو اصل الضلالة!!. ولضرورة الاختصار أكتفي بمثالين مع الإحالة إلى ما في الحاشية لمن أراد المزيد: الأول: وضع الرازي في أساس التقديس القانون الكلي للمذهب في ذلك فقال: "الفصل الثاني والثلاثون في أن البراهين العقلية إذا صارت معارضة بالظواهر النقلية فكيف الحال فيها؟ أعلم أن الدلائل القطعية العقلية إذا قامت على ثبوت شيء ثم وجدنا أدلة نقلية يشعر ظاهرها بخلاف ذلك فهناك لا يخلو الحال من أحد أمور أربعة: (1) إما أن يصدق مقتضى العقل والنقل فيلزم تصديق النقيضين وهو محال. (2) وإما أن يبطل فيلزم تكذيب النقيضين وهو محال. (3) وإما أن يصدق الظواهر النقلية ويكذب الظواهر العقلية وذلك باطل. لأنه لا يمكننا أن نعرف صحة الظواهر النقلية إلا إذا عرفنا بالدلائل العقلية إثبات الصانع وصفاته وكيفية دلالة المعجزة على صدق الرسول صلى الله عليه وسلم وظهور المعجزات على محمد صلى الله عليه وسلم. ولو جوزنا القدح في الدلائل العقلية القطعية صار العقل متهما غير مقبول القول. ولو كان كذلك لخرج أن يكون مقبول القول في هذه الأصول وإذا لم تثبت هذه الأصول خرجت الدلائل النقلية عن كونها مفيدة. فثبت أن القدح في العقل لتصحيح النقل يفضي إلى القدح في العقل والنقل معا وأنه باطل. ولما بطلت الأقسام الأربعة لم يبق إلا أن يقطع بمقتضى الدلائل العقلية - القاطعة بان هذه الدلائل النقلية إما أن يقال أنها غير صحيحة (24) . أو يقال إنها صحيحة إلا أن المراد منها غير ظواهرها. ثم إن جوزنا التأويل اشتغلنا على سبيل التبرع (25) بذكر تلك التأويلات على التفصيل. وإن لم يجز التأويل فوضنا العلم بها إلى الله تعالى. فهذا هو القانون الكلي المرجوع إليه في جميع المتشابهات وبالله التوفيق" أهـ. الثاني: يقول السنوسي (ت 885) في شرح الكبرى: "وأما من زعم أن الطريق بدا إلى معرفة الحق الكتاب والسنة ويحرم ما سواهما فالرج عليه أن حجتيهما لا تعرف إلا بالنظر العقلي، وأيضاً فقد وقعت فيها ظواهر من اعتقدها على ظاهرها كفر عند جماعة وابتدع". ويقول: "أصول الكفر ستة.." ذكر خمسة ثم قال: "سادسا: التمسك في أصول العقائد بمجرد ظواهر الكتاب والسنة من غير عرضها على البراهين العقلية والقواطع الشعرية". (ب ) صرح متكلموهم ومنهم من سبق في فقرة "أ" أن نصوص الكتاب والسنة ظنية الدلالة ولا تفيد اليقين إلا إذا سلمت من عشر عوارض منها: الأضمار والتخصيص والنقل والاشتراك والمجاز.. الخ. وسلمت بعد هذا من المعارض العقلي بل قالوا: من احتمال المعارض العقائد!!. (ج) موقفهم من السنة خاصة أنه لا يثبت بها عقيدة بل المتواتر منها يجب تأويله وآحادها لا يجب الاشتغال بها حتى على سبيل التأويل، حتى إن إمامهم الرازي قطع بأن رواية الصحابة كلهم مظنونة بالنسبة لعدالتهم وحفظهم سواء، وإنه في الصحيحين أحاديث وضعها الزنادقة.. إلى آخر مالا استجير نقله لغير المختصين، وهو في كتابه أساس التقديس والأربعين. (د) تقرا في كتب عقيدتهم قديمها وحديثها المائة صفحة أو أكثر فلا تجد فيها آية ولا حديثاً لكنك قد تجد في كل فقرة "قال الحكماء" أو "قال المعلم الأول" أو "قالت الفلاسفة" ونحوها.. (هـ) مذهب طائفة منهم وهو صوفيتهم كالغزالي والحامي -في مصدر التلقي هو تقديم الكشف والذوق على النص وتأويل النص ليوافقه وقد يصححون بعض الأحاديث ويضعفونها حسب هذا الذوق كحديث إسلام أبوي النبي صلى الله عليه وسلم ودخولهما الجنة بزعمهم. ويسمون هذا "العلم اللدني" جرياً على قاعدة الصوفية "حدثني قلبي عن ربي" (26). ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ 23- أنظر سير أعلام النبلاء: 15/90، مقابلة الشعري لإمام السنة في عصره "البريهاري" أنظر ترجمته في طبقات الحنابلة ورسالته القيمة في السنة، التي ساقها صاحب الطبقات. 24- يلاحظ أن الدلائل النقلية تشمل نصوص الكتاب والسنة معا فكيف يقال أنها غير صحيحة دون تفريق بينهما، مع أن مجرد إطلاقها على السنة وحدها في غاية الخطورة. 25- هل وصلت قيمة نصوص الوحي إلى حد أن الاشتغال بتأويلها -الذي هو تحريف لها يعتبر تبرعاً إحساناً؟! 26- انظر عن مصدر التلقي عندهم: درء تعارض العقل والنقل فهو كله رد عليهم وقد استفتحه بذكر قانونهم الكلي في التعارض، أساس التقديس للرازي: 168- 173، الشامل للجويني: 561، الإرشاد له: 359-360، شرح الكبرى للسنوسي: 502 المواقف للإيجي: 39-40، مختصر الصواعق 33،258، مشكل الحديث لابن فورك: مقدمته وخاتمته. الفهرس -------------------------------------------------------------------------------- إثبات وجود الله الثاني: إثبات وجود الله: ومعلوم أن مذهب السلف هو أن وجوده تعالى أمر فطري معلوم بالضرورة والأدلة عليه في الكون والنفس والآثار والآفاق والوحي أجل من الحصر، ففي كل شيء له آية وعليه دليل. أما الأشاعرة فعندهم دليل يتيم هو دليل "الحدوث والقدم" وهو الاستدلال على وجود الله بأن الكون حادث وكل حادث فلا بد من محدث قديم، وأخص صفات هذا القديم مخالفته للحوادث وعدم حلولها فيه ومن مخالفته للحوادث إثبات أنه ليس جوهراً ولا عرضاً ولا جسماً ولا في جهة ولا مكان.. الخ ثم أطالوا جدا في تقرير هذه القضايا هذا وقد رتبوا عليه من الأصول الفاسدة ما لا يدخل تحت العد مثل إنكارهم لكثير من الصفات كالرضا والغضب والاستواء بشبهة نفي حلول الحوادث في القديم ونفي الجوهرية والعرضية والجهة والجسمية... إلى آخر المصطلحات البدعية التي جعلوا نفيها أصولاً وأنفقوا الأعمال والمداد في شرحها ونفيها أصولاً وأنفقوا الأعمار والمداد في شرحها ونفيها. ولو أنهم قالوا الكون مخلوق وكل مخلوق لابد له من خالق لكان أيسر وأخصر مع أنه ليس الدليل الوحيد ولكنهم تعمدوا موافقة الفلاسفة حتى في ألفاظهم. ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ 27- أنظر الأبواب الأولى من أي كتاب في عقيدتهم، ومجموع الفتاوى: 2/7-23 وأول شرح الاصبهانية: ويلاحظ أن تعمدهم استخدام كلمة (حادث) سببه أنهم لو قالوا (مخلوق) لألزمهم الفلاسفة بأن هذا هو موضوع النزاع لولا يستدل بالدعوى على نفسها في نظرهم، ومع هذا فالفلاسفة يقولون الكون قديم ولا نسلم أنه حادث، فالأشاعرة كما قال شيخ الإسلام (لا للإسلام نصروا ولا للفلاسفة كسروا). الفهرس -------------------------------------------------------------------------------- التوحيد الثالث: التوحيد: التوحيد عند أهل السنة والجماعة معروف بأقسامه الثلاثة وهو عندهم أول واجب على المكلف، أما الأشاعرة قدماؤهم ومعاصروهم فالتوحيد عندهم هو نفي التثنية أو التعدد ونفي التبعيض والتركيب والتجزئة أي حسب تعبيرهم "نفي الكمية المتصلة والكمية المنفصلة" ومن هذا المعنى فسروا الإله بأنه الخالق أو القادر على الاختراع وأنكروا بعض الصفات كالوجه واليد والعين لأنها تدل على التركيب والأجزاء عندهم. أما التوحيد الحقيقي وما يقابله من الشرك ومعرفته والتحذير منه فلا ذكر له في كتب عقيدتهم إطلاقا ولا ادري أين يضعونه أفي كتب الفروع؟ فليس فيها أم يتركونه بالمرة فهذا الذي أجزم به. أما أول واجب عند الأشاعرة فهو النظر أو القصد إلى النظر أو أول واجب جزء من النظر أو .. إلى آخر فلسفتهم المختلف فيها وعندهم أن الإنسان إذا بلغ سن التكليف وجب عليه النظر ثم الإيمان واختلفوا فيمن مات قبل النظر أو في أثنائه. أيحكم له بالإسلام أم بالكفر؟! وينكر الأشاعرة المعرفة الفطرية ويقولون إن من آمن بالله بغير طريق النظر فإنما هو مقلد ورجح بعضهم كفره واكتفى بعضهم بتعصيته، وهذا ما خالفهم فيه الحافظ ابن حجر -رحمه الله- ونقل أقوالاً كثيرة في الرد عليهم وإن لازم قولهم تكفير العوام بل تكفير الصدر الأول .(28) ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ 28- عن الفقرة أنظر: نهاية الأقدام للشهرستاني: 90، شرح الكبرى: 304، غاية المرام للأمدي: 149، كبرى اليقينيات: 91- 93، الله جل جلاله: سعيد حوى: 131 أركان الإيمان لوهبي غاوجي: 30 وبخصوص أول واجب والمعرفة الفطرية أنظر: درء تعارض العقل والنقل ج 7، 8، 9 كلها. الأنصاف للباقلاني: 22، الإرشاد: 3 المواقف: 32-33، الشامل: 120، أصول الدين للبغدادي: 254- 255، فتح الباري 3/ 357،، 361، 13/347- 358. الفهرس -------------------------------------------------------------------------------- الإيمان الرابع: الإيمان: الأشاعرة في الإيمان مرجئة جهمية أجمعت كتبهم قاطبة على أن الإيمان هو التصديق القلبي، واختلفوا في النطق بالشهادتين أيكفي عند تصديق القلب أم لا بد منه، قال صاحب الجوهرية: وفسر الإيمان بالتصديق __________ والنطق فيها لخلف بالتحقيق وقد رجح الشيخ حسن أيوب من المعاصرين أن المصدق بقلبه ناج عند الله وإن لم ينطق بهما ومال إليه البوطي. فعلى كلامهم لا داعي لحرص النبي صلى الله عليه وسلم أن يقول عمه أبو طالب لا إله إلا الله لأنه لاشك في تصديقه له بقلبه، وهو من شابهه على مذهبهم من أهل الجنة!! هذا وقد أولوا كل آية أو حديث ورد في زيادة الإيمان ونقصانه أو وصف بعض شعبه بأنها إيمان أو من الإيمان .(29) ولهذا أطال شيخ الإسلام -رحمه الله- الرد عليهم بأسمائهم كالأشعري والباقلاني والجويني وشراح كتبهم وقرر انهم على مذهب جهم بعينه. وفي رسالتي فصل طويل عن هذه القضية فلا أطيل به هنا. ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ 29- أنظر الأنصاف: 55، الإرشاد: 397، غاية المرام: 311، المواقف: 384 الإيمان لشيخ الإسلام: أكثره رد عليهم فلا حاجة لتحديد الصفحات، تبسيط العقائد الإسلامية، حسن أيوب: 29- 33 كبرى اليقينيات: 196. الفهرس -------------------------------------------------------------------------------- القرآن الخامس: القرآن: وقد أفردت موضوعه لأهميته القصوى، وهو نموذج بارز للمنهج الأشعري القائم على التلفيق الذي يسميه الأشاعرة المعاصرون "التوفيقية" حيث انتهج التوسط بين أهل السنة والجماعة وبين المعتزلة في كثير من الأصول فتناقض واضطرب. فمذهب أهل السنة والجماعة أن القرآن كلام الله غير مخلوق وأنه تعالى يتكلم بكلام مسموع تسمعه الملائكة وسمعه جبريل وسمعه موسى -عليه السلام- ويسمعه الخلائق يوم القيامة. ومذهب المعتزلة أنه مخلوق. أما مذهب الأشاعرة فمن التوفيقية -التي لم يحالفها التوفيق- بين المعنى واللفظ. فالكلام الذي يثبتونه لله تعالى هو معنى أزلي أبدي قائم بالنفس ليس بحرف ولا صوت ولا يوصف بالخبر ولا الإنشاء. واستدلوا بالبيت المنسوب للأخطل النصراني: إن الكلام لفي الفؤاد وإنما___________ جعل اللسان على الفؤاد دليلاً أما الكتب المنزلة ذات الترتيب والنظم والحروف ومنها القرآن -فليست هي كلامه تعالى على الحقيقة بل هي "عبارة عن كلام الله النفسي. والكلام النفسي شيء واحد في ذاته لكن إذا جاء التعبير عنه بالعبرانية فهو توراة وإن جاء بالسريانية فهو إنجيل وإن جاء بالعربية فهو قرآن، فهذه الكتب كلها مخلوقة ووصفها بأنها كلام الله مجاز لأنها تعبير عنه." واختلفوا في القرآن خاصة فقال بعضهم: "وإن الله خلقه أولا في اللوح المحفوظ ثم أنزله في صحائف إلى السماء الدنيا" فكان جبريل يقرأ هذا الكلام المخلوق ويبلغه لمحمد صلى الله عليه وسلم. وقال آخرون: إن الله أفهم جبريل كلامه النفسي وأفهمه جبريل لمحمد صلى الله عليه وسلم فالنزول نزول إعلام وإفهام لا نزول حركة وانتقال (لأنهم ينكرون علو الله) ثم اختلفوا في الذي عبر عن الكلام النفسي بهذا اللفظ والنظم العربي من هو؟. فقال بعضهم: هو جبريل، وقال بعضهم: بل هو محمد صلى الله عليه وسلم !!. واستدلوا بمثل قوله تعالى: "إنه لقول رسول كريم" في سورتي الحاقة والانشقاق حيث أضافه في الأولى غلى محمد صلى الله عليه وسلم وفي الأخرى إلى جبريل بأن اللفظ لأحد الرسولين "جبريل أو محمد" وقد صرح الباقلاني بالأول وتابعه الجويني. قال شيخ الإسلام: "وفي إضافته تعالى إلى هذا الرسول تارة وإلى هذا تارة دليل على أنه إضافة بلاغ وأداء لا إضافة إحداث لشيء منه وإنشاء كما يقول بعض المبتدعة الأشعرية من أن حروفه ابتداء جبريل أو محمد مضاهاة منهم في نصف قولهم لمن قال أنه قول البشر من مشركي العرب" (30). وعلى القول أن القرآن الذي نقرؤه في المصاحف مخلوق سار الأشاعرة المعاصرون وصرحوا، فكشفوا بذلك ما أراد شارح الجوهرة أن يستره حين قال: "يمتنع أن يقال إن القرآن مخلوق إلا في مقام التعليم" (31). ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ 30- مجموع الفتاوي. 31- عن القرآن عندهم أنظر: الأنصاف: 96- 97 وما بعدها، الإرشاد: 128- 137، أصول الدين: 107، المواقف 293، شرح الباجوري على الجوهرة 64-66، 84. متن الدردير 25 من مجموع مهمات المتون، التسعينية وقد استغرق موضوع الرد عليهم في القرآن أكثر مباحثها ومن أعظمهما وأنفسها ما ذكره في الوجه السابع والسبعين فليراجع. الفهرس -------------------------------------------------------------------------------- القدر السادس: القدر: أراد الأشاعرة هنا أن يوفقوا بين الجبرية والقدرية فجاءوا بنظرية الكسب وهي في مالها جبرية خالصة لأنها تنفي أي قدرة للعبد أو تأثير أما حقيقتها النظرية -الفلسفية فقد عجز الأشاعرة أنفسهم عن فهمها فضلا عن إفهامها لغيرهم ولهذا قيل: مما يقـال ولا حقيقـة تحته ______________ معقولة تدنـوا إلى الإفهـام الكسب عند الأشعري والحال ______________ عند البهشمي وطفرة النظام ولهذا قال الرازي الذي عجز هو الآخر عن فهمها: "إن الإنسان مجبور في صورة مختار". أما البغدادي فأراد أن يوضحها فذكر مثالا لأحد أصحابه في تفسيرها شبه فيه اقتران قدرة الله بقدرة العبد مع نسبة الكسب إلى العبد "بالحجر الكبير قد يعجز عن حمله رجل ويقدر آخر على حمله منفرداً به فإذا اجتمعا جميعا على حمله كان حصول الحمل بأقوالهما، ولا خرج أضعفهما بذلك عن كونه حاملاً"!! وعلى مثل هذا المثال الفاسد يعتمد الجبرية وبه يتجرأ القدرية المنكرون، لأنه لو أن الأقوى من الرجلين عذب الضعيف، وعاقبه على حمل الحجر فإنه يكون ظالماً باتفاق العقلاء، لأن الضعيف لا دور له في الحمل، وهذه المشاركة الصورية لا تجعله مسؤولا عن حمل الحجر. والإرادة عند الأشاعرة معناها "المحبة والرضا" وأولوا قوله تعالى: "ولا يرضى لعباده الكفر" بأنه لا يرضاه لعباده المؤمنين! فبقي السؤال وارداً عليهم: وهل رضيه للكفار أم فعلوه وهو لم يرده؟ ومن هذا القبيل كلامهم في الاستطاعة، والحاصل أنهم في هذا الباب خرجوا منا لمنقول والمعقول ولم يعربوا عن مذهبهم فضلا عن البراهين عليه!! (32). ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ 32- الأنصاف: 45-46، بهوامش الكوثري، الإرشاد: 187-203، أصول الدين: 133، نهاية الأقدام: 77، المواقف: 311، شفاء العليل 259- 261 وغيرها. الفهرس -------------------------------------------------------------------------------- السببية وأفعال المخلوقات السابع: السببية وأفعال المخلوقات: ينكر الأشاعرة الربط العادي بإطلاق وأن يكون شيء يؤثر في شيء وأنكروا كل "باء سببية" في القرآن، وكفروا وبدعوا من خالفهم ومأخذهم فيها هو مأخذهم في القدر، فمثلا عندهم: من قال أن النار تحرق بطبعها أو هي علة الإحراق فهو كافر مشرك لأنه لا فاعل عندهم إلا الله مطلقا حتى أن أحد نحاة الأندلس من دولة الموحدين التومرتية الأشعرية هدم "نظرية العامل" عند النجاة مدعيا أن الفاعل هو الله!!. قالوا إن الأسباب علاقات لا موجبات حتى أنهم يقولون: الرجل إذا كسر الزجاجة ما انكسرت بكسره وإنما انكسرت عند كسره، والنار إذا أحرقت ما تحرق ما احترق بسببها وإنما احترق عندها لا بها فالإنسان إذا أكل حتى شبع ما شبع بالأكل وإنما شبع عند الأكل. ومن قال عندهم أن النار تحرق بقوة أودعها الله قيها فهو مبتدع ضال، قالوا أن فاعل الإحراق هو الله ولكن فعله يقع مقترنا بشيء ظاهري مخلوق، فلا ارتباط عندهم بين سبب ومسبب أصلا وإنما المسالة اقتران كاقتران الزميلين من الأصدقاء في ذهابهما وإيابهما. ومن متونهم في العقيدة: والفعل في التأثير ليس إلا ________ للواحد القهار جل وعلا ومن يقل بالطبع أو بالعلة ________ فذاك كفر عند أهل الملة ومن يقل بالقوة المودعة ________ فـذاك بدعـي فلا تلتفت والغريب أن هذا هو مذهب ما يسمى المدرسة الوضعية من المفكرين الغربيين المحدثين ومن وافقهم من ملاحدة العرب، وما ذاك إلا لأن الأشاعرة والوضعيين كرهما ناقل عن الفكر الفلسفي الإغريقي. (33) ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ 33- المصادر السابقة في القدر، وشرح الكبرى: 184، شرح أم البراهين: 11، 80-81، منظومة الدردرير 240 وقد أفردناها عن القدر لأنهم يفردونها وقد يقدمونها باعتبارها من قضايا الكفر والإيمان!! وعن المدرسة الوضعية انظر "المنطق الوضعي" زكي نجيب محمود فهو أحدهم. الفهرس -------------------------------------------------------------------------------- الحكمة الغائبة الثامن: الحكمة الغائبة: ينفي الأشاعرة قطعاً أن يكون لشيء من أفعال الله تعالى علة مشتملة على حكمة تقتضي إيجاد الفعل أو عدمه، وهذا نص كلامهم تقريباً، وهو رد فعل لقول أو عدمه، وهذا نص كرمهم تقريبا، وهو رد فعل لقول المعتزلة بالوجوب على الله حتى أنكر الأشاعرة كل لام تعليل في القرآن وقالوا أن كونه يفعل شيئا لعلة ينافي كونه مختارا مريدا. وهذا الأصل تسمية بعض كتبهم "نفي الغرض عن الله" ويعتبرونه من لوازم التنزيه، وجعلوا أفعاله تعالى كلها راجعة إلى محض المشيئة ولا تعليق لصفة أخرى -كالحكمة مثلا- بها، ورتبوا على هذا أصولا فاسدة كقولهم بجواز أن يخلد الله في النار أخلص أوليائه ويخلد في الجنة افجر الكفار، وجواز التكليف بما لا يطاق ونحوها. وسبب هذا التأصيل الباطل عدم فهمهم ألا تعارض بين المشيئة والحكمة أو المشيئة والرحمة. ولهذا لم يثبت الأشاعرة الحكمة مع الصفات السبع واكتفوا بإثبات الإرادة مع أن الحكمة تقتضي الإرادة والعلم وزيادة حتى أن من المعاصرين من أضافها مثل سعيد حوى .(34) ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ 34- انظر المواقف: 331، شرح الكبرى: 322، 423، شرح أم البراهين: 36، النبوات 163-230، مجموع الفتاوي: 16/299، وقد أطال ابن القيم في رد شبه الأشاعرة في شفاء العليل: أنظر مثلا من 391 إلى 521، حيث رد عليهم من 36 وجها ومنهاج السنة: 1/128 الطبعة القديمة. الله جل جلاله: 90 وقد ذكر الحكمة ضمن الظواهر ولم يذكرها ضمن الصفات. الفهرس -------------------------------------------------------------------------------- النبوات التاسع: النبوات: يختلف مذهب الأشاعرة عن مذهب أهل السنة والجماعة في النبوات اختلافا بعيداً، فهم يقررون أن إرسال الرسل راجع للمشيئة المحضة -كما في الفقرة السابقة- ثم يقررون أنهلا دليل على صدق النبي إلا المعجزة لكنها لا تكون مقرونة بإدعاء النبوة والتحدي، قالوا: ولو ادعى الساحر أو الكاهن النبوة لسلبه الله معرفة السحر رأساً وإلا كان هذا إضلالا من الله وهو يمتنع عليه الإضلال.. إلى آخر ما يقررونه مما يخالف المنقول والمعقول، ولضعف مذهبهم في النبوات مع كونها من أخطر أبواب العقيدة إذ كل أمورها متوقفة على ثبوت النبوة أغروا أعداء الإسلام بالنيل منه واستطال عليهم الفلاسفة والملاحدة. والصوفية منهم كالغزالي يفسرون الوحي تفسيرا قرمطياً فيقولون هو إنتقاش العلم الفائض من العقل الكلي في العقل الجزئي(35) . أما في موضوع العصمة فينكرون صدور الذنب عن الأنبياء ويؤولون الآيات والأحاديث الكثيرة تأويلا متعسفاً متكلفاً كالحال في تأويلات الصفات. (36) ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ 35- انظر الإرشاد: 306، 356، غاية المرام 318، الرسالة اللدنية: 1:114- 118 (من مجموعة القصور العوالي). 36- نهاية الأقدام: 370، شرح الكبرى: 429، غاية المرام 234، المواقف 323، مجموع الفتاوى 8/432-436، التسعينية: 247. الفهرس -------------------------------------------------------------------------------- التحسين والتقبيح العاشر: التحسين والتقبيح: ينكر الأشاعرة أن يكون للعقل والفطرة أي دور في الحكم على الأشياء بالحسن والقبح ويقولون مرد ذلك إلى الشرح وحده، وهذا رد فعل مغال، لقول البراهمة والمعتزلة أن العقل يوجب الحسن وقبح القبيح، وهو مع منافاته للنصوص مكابرة للعقول، ومما يترتب عليه من الأصول الفاسدة قولهم أن الشرع قد يأتي بما هو قبيح في العقل فإلغاء دور العقل بالمرة اسلم من نسبة القبح إلى الشرع مثلا ومثلوا لذلك بذبح الحيوان فإنه إيلام له بلا ذنب وهو قبيح فيا لعقل ومع ذلك أباحه الشرع، وهذا في الحقيقة قول البراهمة الذين يحرمون أكل الحيوان فلما عجز هؤلاء عن رد شبهتهم ووافقوهم عليها أنكروا حكم العقل من أصله وتوهموا أنهم بهذا يدافعون عن الإسلام. كما أن من أسباب ذلك مناقضة أصل من قال بوجوب الثواب والعقاب على الله بحكم العقل ومقتضاه. (37) ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ 37- المصادر السابقة. الفهرس -------------------------------------------------------------------------------- التأويل الحادي عشر: التأويل: ومعناه المبتدع صرف اللفظ عن ظاهره الراجح إلى احتمال مرجوح لقرينه فهو بهذا المعنى تحريف للكلام عن مواضعه كما قرر ذلك شيخ الإسلام. وهو أصل منهجي من أصول الأشاعرة وليس هو خاصاً بمبحث الصفات بل يشمل أكثر نصوص الإيمان خاصة ما يتعلق بإثبات زيادته ونقصانه وتسمية بعض شعبه إيماناً ونحوها وكذا بعض نصوص الوعد والوعيد وقصص الأنبياء خصوصاً موضوع العصمة، وبعض الأوامر التكليفيه أيضا. وضرورته لمنهج عقيدتهم أصلها أنه لما تعارضت عندهم الأصول العقلية التي قرروها بعيداً عن الشرع مع النصوص الشرعية وقعوا في مأزق رد الكل أو أخذ الكل فوجدوا في التأويل مهربا عقليا من التعارض الذي اختلقته أوهامهم ولهذا قالوا إننا مضطرون للتأويل وإلا أوقعنا القرآن في التناقض. وأن الخلف لم يؤولوا عن هوى ومكابرة وإنما عن حاجة واضطرار؟ فأي تناقض في كتاب الله يا مسلمون نضطر معه إلى رد بعضه أو الإعتراف للأعداء بتناقضه؟ وقد اعترف الصابوني بأن في مذهب الأشاعرة "تأويلات غربية" فما المعيار الذي عرف بها لغريب من غير الغريب؟ وهنا لا بد من زيادة التأكيد على أن مذهب السلف لا تأويل فيه لنص من النصوص الشرعية إطلاقا ولا يوجد نص واحد -لا في الصفات ولا غيرها- اضطر السلف إلى تأويله ولله الحمد، وكل الآيات والأحاديث التي ذكرها الصابوني وغيره تحمل في نفسها ما يدل على المعنى الصحيح الذي فهمه الصلف منها والذي يدل على تنزيه الله تعالى دون أدنى حاجة إلى التأويل. أما التأويل في كلام السلف فله معنيان: (1) التفسير كما تجد في تفسير الطبري ونحوه "القول في تأويل هذه الآية" أي تفسيرها. (2) الحقيقة التي يصير إليها الشيء كما في قوله تعالى: "هذا تأويل رؤياي من قبل" أي تحقيقها. وقوله: "يوم يأتي تأويله". أي تحقيقه ووقوعه. أما التأويل فله مفهوم آخر: راجع الحاشية. وإن تعجب فاعجب لهذه اللفظة النابية التي يستعملها الأشاعرة م النصوص وهي أنها "توهم" التشبيه ولهذا وجب تأويلها فهل في كتاب الله إيهام أم أن العقول الكاسدة تتوهم والعقيدة ليست مجال توهم. فالعيب ليس في ظاهر النصوص -عياذا بالله- ولكنه في الإفهام- بل الأوهام السقيمة. أما دعوى أن الإمام أحمد استثنى ثلاثة أحاديث وقال لا بد من تأويلها فهي قرية عليه افتراها الغزالي في (الإحياء وفيصل التفرقة) ونفاها شيخ الإسلام سندا ومتنا. وحسب الأشاعرة في باب التأويل ما فتحوه على الإسلام من شرور بسببه فإنهم لما أولوا ما أولوا تبعتهم الباطنية واحتجت عليهم في تأويل الحلال والحرام والصلاة والصوم والحج والحشر والحساب، وما من حجة يحتج بها الأشاعرة عليهم في الأحكام والآخرة إلا احتج الباطنية عليهم بمثلها أو أقوى منها من واقع تأويلهم للصفات. وإلا فلماذا يكون تأويل الأشاعرة لعلو الله -الذي تقطع به العقول والفطر والشرائع -تنزيها وتوحيداً وتأويل الباطنية للبعث والحشر كفرا وردة؟(38) . أليس كل منهما ردا لظواهر مع أن نصوص العلو أكثر واشهر من نصوص الحشر الجسماني؟. ولماذا يكفر الأشاعرة الباطنية ثم يشركونهم في أصل من أعظم أصولهم؟ ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ 38- عن التأويل جملة انظر كتاب ابن فورك كاملا، والإنصاف: 56، 165، وغيرها والإرشاد: فصل كامل له، أساس التقديس: فصل كامل أيضاً. وعن الثلاثة الأحاديث انظر: أحياء علوم الدين طبعة الشعب: 1/179 والرد في مجموع الفتاوي 5/398 وانظر كذلك 6/397، 580 تنبيه حول التأويل: التأويل الذي يذكره الفقهاء في باب البغاة وقد يرد في بعض كتب العقيدة لاسيما في موضوع التكفير والاستحلال هو غير التأويل المذكور هنا إن كانت أكثرالكتب تسمية تأويلا وهو في الحقيقة تأويلا لأن الفعل الماضي منه "تأول". فالتأويل هو: وضع الدليل في غير موضعه باجتهاد أو شبه تنشأ من عدم فهم دلالة النص، وقد يكون المتأول مجتهداً مخطئا فيعذر وقد يكون متعسفاً متوهماً فلا يعذر وعلى كل حال يجب الكشف عن حاله وتصحيح فهمه قبل الحكم عليه ولهذا كان من مذهب السلف عدم تكفير المتأويل حتى تقام عليه الحجة مثلما حصل مع بعض الصحابة الذين شربوا الخمر في عهد عمر متأولين قوله تعالى "ليس على الذين آمنوا وعملوا الصالحات جناح فيما طمعوا" الآية. ومثل هذا من أول بعض الصفات عن حسن نية متأولا قوله تعالى "ليس كمثله شيء" فهو مؤول متأولا ولا يكفر، ولهذا لم يطلق السلف تكفير المخالفين في الصفات أو غيرها لأن بعضهم أو كثير منهم متأولون، أما الباطنية فلا شك في كفرهم لن تأويلهم ليس له أي شبه بل أرادوا هدم الإسلام عمدا بدليل أنهم لم يكتفوا بتأويل الأمور الاعتقادية بل أولوا الأحكام العملية كالصلاة والصوم والحج. الخ. الفهرس -------------------------------------------------------------------------------- السمعيات الثاني عشر: السمعيات: يقسم الأشاعرة أصول العقيدة بحسب مصدر التلقي إلى ثلاثة أقسام: (1) قسم مصدره العقل وحده وهو معظم البواب ومنه باب الصفات ولهذا يسمون الصفات السبع "عقلية" وهذا القسم هو "ما يحكم العقل بوجوبه" دون توقف على الوحي عندهم. (2) قسم مصدره العقل والنقل معا كالرؤية 0على خلاف بينهم فيها- وهذا القسم هو "ما يحكم العقل بجوازه استقلالا أو بمعاضدة الوحي. (3) قسم مصدره النقل وحده وهو السمعيات أو المغيبات من أمور الآخرة كعذاب القبر والصراط والميزان وهو عندهم: مالا يحكم العقل باستحالته لكن لو لم يرد به الوحي لم يستطع العقل إدراكه منفردا. ويدخلون فيه التحسين والتقبيح والتحليل والتحريم. والحاصل أنهم في صفات الله جعلوا العقل حاكما وفي إثبات الآخرة جعلوا العقل عاطلا وفي الرؤية جعلوه مساويا. فهذه الأمور الغيبية نتفق معهم على إثباتها لكننا نخالفهم فيا/أخذ والمصدر، فهم يقولون عند ذكر أي أمر منها نؤمن به لأن العقل لا يحكم باستحالته ولأن الشرع جاء به ويكررون ذلك دائماً، أما في مذهب أهل السنة والجماعة فلا منافاة بين العقل والنقل أصلا ولا تضخيم للعقل في جانب وإهدار في جانب وليس هناك أصل من أصول العقيدة يستقل بإثباته أبدا كما أنه ليس هناك اصل منها لا يستطيع العقل إثباته أبدا. فالإيمان بالآخرة وهو اصل كل السمعيات ليس هو في مذهب أهل السنة والجماعة سمعياً فقط بل أن الأدلة عليه من القرآن هي نفسها عقلية كما أن الفطر السليمة تشهد به فهو حقيقة مركوزة في أذهان البشر ما لم يحرفهم عنها حارف. لكن لو أن العقل حكم باستحالة شيء من تفصيلاته -فرضاً وجدلاً- فحكمه مردود وليس إيماننا به متوقفا على حكم العقل. وغاية الأمر أن العقل قد يعجز عن تصوره أما أن يحكم باستحالته فغير وارد ولله الحمد. (39) ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ 39- انظر الإرشاد: 358، 340، وانظر الجزء الثاني من مجموع الفتاوي 7-27. الفهرس -------------------------------------------------------------------------------- التكفير الثالث عشر: التكفير: التكفير عند أهل السنة والجماعة حق لله تعالى لا يطلق إلا على من يسحقه شرعا ولا تردد في إطلاقه على من ثبت كفره بشروطه الشرعية. أما الأشاعرة فهم مضطرون إضرابا كبيرا فتارة يقولون نحن لا نكفر أحدا وتارة يقولون نحن لا نكفر إلا من كفرنا وتارة يكفرون بأمور لا تستوجب أكثر من التفسيق أو التبديع وتارة يكفرون بأمور لا توجب مجرد التفسيق وتارة يكفرون بأمور هي نفسها شرعية. ويجب على كل مسلم أن يعتقدها. فأما قولهم لا نكفر أحدا فباطل قطعاً إذ في المنتسبين إلى الإسلام فضلا عن غيرهم كفار لا شك في كفرهم وأما قولهم لا نكفر إلا من كفرنا فباطل كذلك إذ ليس تكفير أحد لنا بمسوغ أن نكفره إلا إذا كان يستحق ذلك شرعاً. وأما تكفير من لا يستحق سوى التبديع فمثل تصريحهم في اغلب كتبهم بتكفير من قال إن الله جسم لا كالأجسام وهذا ليس بكافر بل هو ضال مبتدع لأنه أتى بلفظ لم يرد به الشرع والأشاعرة تستعمل ما هو مثله وشر منه. وأما تكفير من لا يستحق حتى مجرد الفسق أو المعصية فكما مر في الفقرة السابعة من تكفيرهم من قال أن النار علة الإحراق والطعام علة الشبع. وأما التكفير بما هو حق في نفسه يجب اعتقاده فنحو تكفيرهم لمن يثبت علو الله ومن لم يؤمن بالله على طرية أهل الكلام وكقولهم أن الأخذ بظواهر النصوص من أصول الكفر كقولهم أن عبادة الأصنام فرع من مذهب المشبهة ويعنون بهم أهل السنة والجماعة. ومن شواهد تكفير بعضهم قديماً وحديثاً لشيخ الإسلام ابن تيمية وابن القيم وحسبك ما في كتب الكوثري وتلميذه مؤلف براءة الأشعريين. (40) ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ 40- انظر المواقف: 392، ومصادر المبحث "السابع"، أساس التقديس: 16، 196، شرح الكبرى 62 أركان الإيمان: 298-299. الفهرس -------------------------------------------------------------------------------- الصحابة والإمامة الرابع عشر: الصحابة والإمامة: من خلال استعراضي لأكثر أمهات كتب الأشاعرة وجدت أن موضوع الصحابة هو الموضوع الوحيد الذي يتفقون فيه مع أهل السنة والجماعة وقريب منه موضوع الإمامة. ولا يعني هذا الاتفاق التام بل هم مخالفون في تفصيلات كثيرة لكنها ليست داخلة في بحثنا هنا لأن غرضنا -كما في سائر الفقرات- إنما هو المنهج والأصول. الفهرس -------------------------------------------------------------------------------- الصفات الخامس عشر: الصفات: والحديث عنها يطول وتناقضهم وتحكمهم فيها أشهر وأكثر، وكل مذهبهم في الصفات مركب من بدع سابقة وأضافوا إليه بدعا أحدثوها فاصبح غاية في التلفيق المتنافر. ولن أتحدث عن هذا الباب هنا لني التزمن ببيان الأصول التي خالفوا فيها أهل السنة والجماعة عدا الصفات. أما مخالفتهم في الصفات فمعروفة وإن كان كثير من أسس نظرياتهم فيها يحتاج لجلية ونسف. ولعل هذا ما يكون في الرد المتكامل بإذن الله. الفهرس -------------------------------------------------------------------------------- فارق منهجي ونموذجي: التناقض ومكابرة العقل هل بقي شك؟ بعد هذه المخالفات المنهجية في أبواب العقيدة كلها وبعد هذا التميز الفكري الواضح لمذهب الأشاعرة إضافة إلى التميز التاريخي هل بقي شك في خروجهم عن مذهب أهل السنة والجماعة الذي هو مذهب السلف الصالح. لا أظن أي عارف بالمذهبين ولو من خلال ما سبق هنا يتصور ذلك. ومع هذا فسوف أضيف فوارق منهجية أخرى وضوابط في علم الفرق والمقالات لا يشك في صدقها مطلع بل سأكتفي بفارق واحد وضابط واحد: فارق منهجي ونموذجي: التناقض ومكابرة العقل: ليس هناك مذهب اكثر تناقضا من مذهب الأشاعرة -الهم إلا مذهب الرافضة- لكن الرافضة كما قال الإمام: أحمد: "ليست الرافضة من الإسلام في شيء". كما قال شيخ الإسلام: "إن الرافضة قوم لا عقل لهم ولا نقل"، أما هؤلاء فيدعون العقل ويحكمونه في النقل ثم يتناقضون تناقضاً يبرؤ منه العقل ويخلو مذهب أهل السنة والجماعة من أدنى شائبة منه ولله الحمد، وكما سيلاحظ القارئ هنا يرجع معظم تناقضهم إلى كونهم لم يسلموا للوحي تسليما كاملاً ويعرفوا للعقل منزلته الحقيقية وحدوده الشرعية ولم يلتزموا بالعقل التزاما واضحاً ويرسموا منهجا عقليا متكاملاً كالمعتزلة والفلاسفة بل خلطوا وركبوا فتناقضوا واضطربوا. وإليك أمثلة سريعة للتناقض ومكابرة العقل: 1- قالوا: أنه لا يجوز أن يرى الأعمى بالمشرق البقعة بالأندلس. 2- قالوا: إن الجهة مستحيلة في حق الله ثم قالوا بإثبات الرؤية ولهذا قيل فيهم: "من أنكر الجهة واثبت الرؤية فقد أضحك الناس على عقله". 3- قالوا: إن لله سبع صفات عقلية يسمونها "معاني" هي "الحياة واعلم والقدرة والإرادة والسمع والبصر والكلام ولم يكتفوا بهذا التحكم المحض، بل قالوا غن له سبع صفات أخرى يسمونها "معنوية" وهي "كونه حيا وكونه عالما وكونه قادرا وكونه مريدا وكونه سميعا وكونه بصيرا وكونه متكلما" ثم لم يأتوا في التفريق بين المعاني والمعنوية بما يستسيغه عقل بل غاية ما قالوا أن هذه الأخيرة أحوال فإذا سألتهم ما الحال؟. قالوا صفة لا معدومة ولا موجودة... 4- قالوا:إنه لا اثر لشيء من المخلوقات في شيء ولا فعل مطلقا ثم قالوا إن للإنسان كسبا يجازى لأجله، فكيف يجازى على مالا أثر له فيه مطلقاً (راجع فقرتي: السادس والسابع). 5- قالوا: بنفي الحكمة والتعليل في أفعال الله مطلقا، ثم إن الله يجعل لكل نبي معجزة لأجل إثبات صدق النبي فتناقضوا بين ما يسمونه "نفي الحكمة والغرض وبين إثبات الله للرسول تفريقا بينه وبين المتنبئ. 6- قالوا: بأن أحاديث الآحاد مهما صحت لا يثني عليها عقيدة ثم أسسوا مذهبهم وبنوه في اخطر الأصول والقضايا (الإيمان، القرآن، العلو) على بيتين غير ثابتين عن شاعر نصراني -الأخطل- هما: (1) إن الكلام لفي الفؤاد إنما جعل اللسان على الفؤاد دليلا (2) قد استوى بشر على العراق من غير سيف ودم مهراق 7- قالوا: بأن رفع النقيضين محال -وهو كذلك- محتجين بها في مسائل ثم قالوا في صفة من أعظم وأبين الصفات "العلو": إن الله لا داخل العالم ولا خارجه ولا فوقه ولا تحته ولا عن يمنيه ولا عن شماله... وقالوا عن الأحوال: هي صفات لا معدومة ولا موجودة فرفعوا النقيضين معاً. 8- قالوا: إن العقل يقدم على النقل عند التعارض بل العقل هو الأصل والنقل إن وافقه قبل وإن خالفه رد أو أول، ثم قالوا إن العقل لا يحسن شيئا ولا يقبحه، فجعلوا -مثلا- نصوص علو الله معارضة للقواطع العقلية في حين جعلوا قبح الزنا والكذب مسألة سمعية... 9- قالوا: إن تأويل آيات الصفات واجب يقتضيه التنزيه وتأويل آيات الحشر والأحكام كفر يخرج من الملة... أما من دعا غير الله أو ذبح له واستغاث به أو تحاكم غلى الطاغوت فلم يتعرضوا لذكره أصلا. 10-قالوا: إن من قال إن النار تحرق بطبعها كافر مشرك ومن أنكر علو الله على خلقه موحد منزه. 11 -جزموا بأن من لم يبلغه الشرع غير مؤاخذ بإطلاق وردوا أو أولوا النصوص في ذلك. ثم قالوا: إن على كل مكلف وإن كان مولودا من أبوين مسلمين في ديار الإسلام وهو يظهر الإسلام -عليه إذا بلغ سن التكليف أن ينظر في حدوث العالم ووجود الله فإن مات قبل النظر أو في أثنائه اختلفوا في الحكم بإسلامه وجزم بعضهم بكفره(41) . هذا فيض من تناقضهم مع أصولهم ومكابرتهم للعقل السليم ومن أراد الاستزادة والتفصيل فليراجع التسعينية لشيخ الإسلام ابن تيمية. وهناك قضية بالغة الخطورة لا سيما في هذا العصر وهي الأخطاء العلمية عن الكون التي تمتلئ بها كتب الأشاعرة والتي يتخذها الملاحدة، وسيلة للطعن في الإسلام وتشكيك المسلمين في دينهم. من ذلك ما حشده صاحب المواقف في أول كتابه من فصول طويلة عن الفلك والحرارة والضوء والمعادن وغيرها مما قد يكون ذا شان في عصره لكنه اليوم أشبه بأساطير اليونان أو خرافات العجائز. ومن ذلك قول البغدادي إن أهل السنة (42) أجمعوا على وقوف الأرض وسكونها (43) واستدل على ذلك في كتابه أصول الدين "بمعنى اسم الله الباسط" قال: لأنه بسط الأرض وسماها بساطا خلاف زعم الفلاسفة والمنجمين أنها كروية (44) ومثله صاحب المواقف الذي أكد أنها مبسوطة وأن القول بأنها كرة من زعم الفلاسفة(45) . ورحم الله شيخ الإسلام ابن تيمية ما كان أعظمه حين قال: "والخطأ فيما تقوله المتفلسفة في الإلهيات والنبوات والمعاد والشرائع أعظم من خطأ المتكلمين. وأما فيما يقولونه في العلوم الطبيعية والرياضية فقد يكون صواب المتفلسفة أكثر من صواب من رد عليهم من أهل الكلام، فإن أكثر أهل الكلام في هذه الأمور بلا علم ولا عقل ولا شرع. (46) ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ 41- شرح الباجوري: 31، شرح الكبرى: 39، 210، 213، حاشية السوقي: 54-70-97، مصادر الموضوعات السابقة. 42- يعني بهم الأشاعرة كعادته هو وبعض أصحابه ولهذا يجب التفطن لمثل هذا عند النقل من كتبهم. 43- الفرق بين الفرق: 318. 44- انظر ص 124. 45- انظر المواقف : 199، 217، 219. الفهرس -------------------------------------------------------------------------------- ضابط من ضوابط معرفة الفرق واختلافها ضابط من ضوابط معرفة الفرق واختلافها: ومن المعلوم لدى الباحثين في الفرق واختلافها أن لكل فرقة أساسا منهجيا تتفق عليه طوائفها وترجع إليه أصولها وقواعدها ومن خالف فيه خرج عن انتسابه لها ومن لم ينطبق عليه لم يدخل فيها. فمثلا كل من قال بالأصول الخمسة فهو معتزلي كل من قال أن الإنسان مجبور على أفعاله فهو جبري وكل من قال إن الإيمان هو المعرفة أو التصديق فهو مرجئ وكل من قال بالكلام النفسي والكسب فهو أشعري.. إلى آخر ما هو معروف. وهذا ضابط منهجي يحدد به الباحث الفرقة والانتماء إليها. وبتطبيق هذا الضابط الذي لا خلاف في تحديده يتبين قطعاً أن المرجئة والقدرية والمعتزلة ليسوا من أهل السنة والجماعة وهذا ما تقوله الأشاعرة ولا تخالف فيه. ومن الثابت عن كثير من السلف وعليه جرى المصنفون في الفرق والمقالات من أهل السنة والأشاعرة أن أصول الفرق الثنتين وسبعين الخارجة عن أهل السنة والجماعة أربع "القدرية، والشيعة، والخوارج، والمرجئة". فنقول بعد ذلك: إذا كان المرجئ والقدري ليسا من أهل السنة فما حكم من جمع بين الأرجاء والقدر أو الأرجاء والجبر أو جمع بين الأصول المعتزلة وقول الرافضة؟. أيكون هذا من أهل السنة والجماعة؟ أم أكثر بعدا عنهم؟. والجواب الطبيعي معروف. وعليه نقول: 1- إذا كانت المرجئة الخالصة (أي التي لم تخلط بالأرجاء شيئا من البدع في الصفات أو غيرها) ليست هي أهل السنة والجماعة ولا منهم، فكيف يكون حال الأشاعرة الذين جاءوا بالرجاء كاملاً وزادوا عليه بدعا أخرى في أبواب العقيدة الأخرى كما مر سابقا. 2- إذا كانت الجبرية الخالصة ليست هي أهل السنة والجماعة ولا منهم فكيف يكون حال الأشاعرة الذين جاءوا بالكسب (الذي اعترف بدعة على أي حال) وزادوا عليه كما سبق. أضف إلى هذا أن كل ذم للصوفية فللأشاعرة منه نصيب لأن أكثر أئمة الصوفية المنحرفين كالغزالي وابن القشيري كانوا أشاعرة. 3- هل يرضى الأشاعرة أن يقال عنهم معتزلة فإن قالوا: لا. وهو المتوقع قلنا: وأهل السنة والجماعة لا يرضون أن يقال عنهم أشاعرة أبداً، فإن خالفونا. قلنا: تعالوا لنقيس نحن وأنتم المسافة بيننا وبينكم وبين المعتزلة وعندها ترون أنكم أقرب إليهم منكم إلينا وإن كنتم أقرب إليها منهم. 4- لو أن أي باحث في الفرق يعرف أصولها وضوابط تحديدها اطلع على كتب فرقة من الفرق أو على من الأعلام فوجدها مملؤة شتما وتضليلا وتبديعاً وتكفير لفرقة معينة فهل يجوز له أن يكتب في بحثه أن هذه الفرقة وتلك سواء أو أن هذه جزء من هذه وهل يقبل هذا منه أي أستاذ للفرق والمذاهب؟. 5- بل لو سمعت أحدا من العامة يشتم طائفة من الناس فقلت له أنت منهم، افيرضى بهذا أم يعتبره شتما له؟. فما القول إذن في الأشاعرة الذين تمتلئ كتبهم بشتم وتضليل وتبديع أهل السنة والجماعة وأحياناً بتكفيرهم. أيصح بعد هذا أن نقول إنهم منهم؟. وإن أردت التأكد فأسال أي اشعري ما المراد بقول الرازي أو الجويني أو الأيجي.. الخ. (الحشوية، المجسمة، الثابتة، مثبتو الجهة، القائلون بأن الحوادث تحل في الله..الخ) (47). إن الأجوبة كلها بدهية ولكن ماذا نصنع وقد ابتلينا بمن ينكر البدهات. أيهما الفرقة الناجية؟ قد أوضحنا فيما سبق أن أهل السنة والجماعة والأشاعرة فرقتان مختلفتان، وهذا يستلزم تحديد أيهما الفرقة الناجية؟. وما أوضح هذا التحديد أسهله، لكن مكابرة بعض الأشاعرة بادعاء أن الأشاعرة وأهل السنة والجماعة كلاهما ناج يجعلنا نبدأ بإلقاء سؤال عن الفرقة الناجية: أهي فرقة واحدة أم فرقتان؟ والجواب: مع بداهته لكل ذي عقل -مفروغ منه نصا، فقد أخبر النبي صلى الله عليه وسلم في روايات كثيرة لحديث افتراق هذه الأمة على ثلاث وسبعين فرقة: "إنها كلها في النار إلا واحدة". وما قال صلى الله عليه وسلم ولا أحد من أصحابه ولا تابعيهم أنها اثنتان. وعليه جاء تفسير قوله تعالى: "وأن هذا صراطي مستقيما فاتبعوه ولا وتتبعوا السبل فتفرق بكم عن سبيله"أن الطريق المستقيم هو السنة والسبل هي الأهواء، وما هو إلا طريق واحد كما خط النبي صلى الله عليه وسلم بيده. وعلى هذا سارت كتب الفرق -السني منها والبدعي- فهي تقرر أن الفرقة الناجية واحدة ثم تدعي كل فرقة أنها هي هذه الواحدة. بقي إذن أن يقال: ما هي صفة هذه الفرقة وعلامتها؟ والجواب أنه جاء في بعض روايات الحديث نفسه -من طرق يقوي بعضها بعضا- أنها "ما أنا عليه وأصحابي" ومعناها قطعا صحيح، ولا تخالف فيه الأشاعرة بل في الجوهرة: وكل خير في اتباع من سلف _________ وكل شر في ابتداع من خلف فنقول لهم إذن: أكان مما عليه النبي صلى الله عليه وسلم وأصحابه وسلف الأمة: تقديم العقل على النقل أو نفي الصفات ما عدا المعنوية والمعاني، أو الاستدلال بدليل الحدوث والقدم، أو الكلام عن الجوهر والعرض والجسم والحال... أو نظرية الكسب، أو أن الإيمان هو مجرد التصديق القلبي، أو القول بأن الله لا داخل العالم ولا خارجه ولا فوقه ولا تحته، أو الكلام النفسي الذي لا صيغة له، أو نفي قدرة العبد وتأثير المخلوقات، أو إنكار الحكمة والتعليل... إلى آخر ما في عقيدتكم؟ إننا نربأ بكل مسلم أن يظن ذلك أو يقوله. بل نحن نزيدكم إيضاحا فنقول: أن هذه العقائد التي أدخلتموها في الإسلام وجعلتموها عقيدة الفرقة الناجية بزعمكم. هي ما كان عليه فلاسفة اليونان ومشركوا الصابئة وزنادقة أهل الكتاب. لكن ورثها عنهم الجهم بن صفوان وبشر المريسي وابن كلاب وأنتم ورثتموها عن هؤلاء، فهي من تركه الفلاسفة والابتداع وليست من ميراث النبوة والكتاب. ومن أوضح الأدلة على ذلك أننا ما نزال حتى اليوم نرد عليكم بما ألفه أئمة السنة الأولون من كتب في الردود على "الجهمية" كتبوها قبل ظهور مذهبهم بزمان، ومنهم الإمام أحمد والبخاري وأبو داود والدارمي وابن أبي حاتم.. فدل هذا على أن سلفكم أولئك الثلاثة وأشباههم مع ما زدتم عليهم وركبتم من كلامهم من بدع جديدة. على أن المراء حول الفرقة الناجية ليس جديداً من الأشاعرة فقد عقدوا لشيخ الإسلام ابن تيمية محاكمة كبرى بسبب تأليفه :العقيدة الواسطية" وكان من أهم التهم الموجهة إليه أنه قال في أولها: "فهذا اعتقاد الفرقة الناجية.". إذ وجدوا هذا مخالفا لما تقرر لديهم من الفرقة الناجية هي الأشاعرة والماتريدية (48). وكان من جواب شيخ الإسلام لهم أنه أحضر أكثر من خمسين كتابا من كتب المذاهب الربعة وأهل الحديث والصوفية والمتكلمين كلها توافق ما في الواسطية وبعضها ينقل إجماع السلف على مضمون تلك العقيدة: وتحداهم -رحمه الله- قائلاً: "قد أمهلت كل من خالفني في شيء منها ثلاثة سنين فإن جاء بحرف واحد عن أحد من القرون الثلاثة.. يخالف ما ذكرت فأنا أرجع عن ذلك". قال: "ولم يستطيع المتنازعون مع طول تفتيشهم كتب البلد وخزائنه أن يخرجوا ما يناقض ذلك عن أحد من أئمة الإسلام وسلفه "(49). فهل يريد الأشاعرة المعاصرون أن نجدد التحدي ونمدد المهلة أم يكفي أن نقول لهم ناصحين: إنه لا نجاة لفرقة ولا لأحد في الابتداع وإنما النجاة كل النجاة في التمسك والإتباع.... ترجوا النجاة ولم تسلك مسالكها ـــــــــــ إن السفينة لا تجري على اليبس ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ 47- ومن العجيب أن الماتردية يخرجون الشاعرة من أهل السنة ويدعونه لأنفسهم وهم أكثر فرقتين في الإسلام تقاربا واشتراكاً في الأصول رابط هذا التعليق شارك المزيد من خيارات المشاركة
بن ابى شيبة بتاريخ: 14 يناير 2003 كاتب الموضوع تقديم بلاغ مشاركة بتاريخ: 14 يناير 2003 الأشاعرة فضيلة الشيخ/ سفر بن عبد الرحمن الحوالي -------------------------------------------------------------------------------- الفهرس -------------------------------------------------------------------------------- مقدمة موقف شيخ الإسلام ابن تيمية من الأشاعرة معنى مصطلح أهل السنة ودخول الأشاعرة فيه أو عدمه موقف ابن حجر من الأشاعرة الأصول المنهجية في مذهبهم إثبات وجود الله التوحيد الإيمان القرآن القدر السببية وأفعال المخلوقات الحكمة الغائبة النبوات التحسين والتقبيح التأويل السمعيات التكفير الصحابة والإمامة الصفات فارق منهجي ونموذجي: التناقض ومكابرة العقل ضابط من ضوابط معرفة الفرق واختلافها من أهل القبلة لا من أهل السنة كلمة التوحيد أساس توحيد الكلمة -------------------------------------------------------------------------------- مقدمة الحمد لله والصلاة والسلام على من لا نبي بعده. وبعد: فقد اطلعت على ما نشرته مجلة (المجتمع) في الأعداد من رقم627-632، والمقالات السابقة لها كذلك المقالتان المتضادتان في العدد 646 مما كتبه الشيخان الفوزان والصابوني عن مذهب الأشاعرة. وإذا كان من حق أي قارئ مسلم أن يهتم بالموضوع وأن يدلي برأيه إن كان لديه جديد، فكيف بمن هو متخصص في هذا الموضوع مثلي؟ فالأشاعرة جزء من موضوع رسالتي لدكتوراه "ظاهرة الإرجاء في الفكر الإسلامي" إذ هي أكبر فرق المرجئة الغلاة. ولن أستعجل نتائج بحثي ولكن حسبي أن أدّعي دعوى وأطرحها للمناقشة وأقبل بكل سرور من يدلي بوجهة نظره فيها. فمن واقع إسلامي وتخصصي رأيت أن أقول كلمة عسى الله أن ينفع بها، -ويعلم الله أني لو لم أشعر أن قولها واجب ضروري لما سطرتها- ولكن الموضوع أكبر من أن يسكت عليه أو يجامل فيه. ولي على كلام الشيخين ملاحظات:- أما الصابوني فلا يؤسفني أن أقول إن ما كتبه عن عقيدة السلف والأشاعرة يفتقر إلى أساسيات بدائية لكل باحث في العقيدة كما أن أسلوبه بعيدا كثيرا عن المنهج العلمي الموثق وعن الأسلوب المتعقل الرصين. وقد استبشرت بالبيان الأخير خيراً وحسبته بيان رجوع وبراءة فإذا هو بيان إصرار وتوكيد. ونظرا لكونه ليس إلا جزءاً من تيار بدعي يراد له اكتساح الأمة. ونظراً لتعرضه لقضايا بالغة الخطورة تحتاج إلى بحث مستفيض لا تسعه المقالات الصحفية فسوف أرجئ الكلام عنه إلى حين يتيسر لي بإذن الله إخراج الرد في الصورة التي أراها. وليكن معلوما أن هذا الرد الموعود ليس مقصودا به الصابوني ولا غيره من الأشخاص فالمسألة أكبر من ذلك وأخطر، إنها مسألة مذهب بدعي له وجوده الواقعي الضخم فالفكر الإسلامي حيث تمتلئ به كثير من كتب التفسير وشروح الحديث وكتب اللغة والبلاغة والأصول فضلاً عن كتب العقائد والفكر، كما أن له جامعاته الكبرى ومعاهده المنتشرة في اكبر بلاد الإسلام من الفلبين إلى السنغال. وقد ظهرت في الآونة الأخيرة محاولات ضخمة متواصلة لترميمه وتحديثه تشرف عليها هيئات رسمية كبرى ويغذونها المستشرقون بما ينبشونه من تراثه ويخرجون من مخطوطاته. ولهذا وجب على كل قادر أن يبين لأمته الحق وينصح لها مهما لقي فإن مما كان يبايع عليه النبي صلى الله عليه ويلم أصحابه النصح لكل مسلم وأن يقولوا الحق لا تأخذهم فيه لومة لائم. أما فضيلة الشيخ الفوزان فقد أحسن إلى (المجتمع) وقرائها بتلك المقالة، فقد عرض فيها -على قصرها- حقائق أصولية مركزة في أسلوب علمي رصين. وله العذر كل العذر - إذ لم أستوف الرد على الصابوني وبيان التناقضات التي هي سمة من سمات المنهج الأشعري نفسه، لأن الموضوع أكبر من أن تحيط به مقالة صحفية. ولهذا رأيت من واجبي أن أضيف إلى ما كتبه فضيلته مستدركاً ما لا يجوز تأجيله إلى ظهور الرد المتكامل. سفر بن عبد الرحمن الحوالي الفهرس -------------------------------------------------------------------------------- موقف شيخ الإسلام ابن تيمية من الأشاعرة أولاً: فات فضيلته أن يرد على الصابوني فيما عزاه إلى شيخ الإسلام -مكرراً إياه- من قوله "الأشعرية أنصار أصول الدين والعلماء أنصار فروع الدين". ولعل الشيخ وثق في نقل الصابوني مع أن الصابوني -على ما أرجح- أول من يعلم بطلان نسبة هذا الكلام لشيخ الإسلام ابن تيمية، ولغة العبارة نفسها ليست من أسلوب شيخ الإسلام، والغريب حقاً أنه أعاد هذا العزو في بيانه الأخير بالعدد 646 مؤكدا إصراره على التمويه والتدليس. وأنا أطلب من كل قارئ أن يراجع النص في ج 4 ص 16 من مجموع الفتاوي ليجد بنفسه قبل تلك العبارة نفسها كلمة "قال" فالكلام محكي منقول وقائله هو المذكور في أول الكلام -آخر سطر من ص 15- حيث يقول شيخ الإسلام: "وكذلك رأيت في فتاوى الفقيه أبي محمد هو والد إمام الحرمين أبو المعالي الجويني (وهو أشعري) رجع آخر عمره إلى عقيدة السلف فتوى طويلة.... قال فيها: "إلى أن يقول: "قال: وأما لعن العلماء الأئمة الأشعرية فمن لعنهم عزز وعادت اللعنة عليه .. والعلماء أنصار فروع الدين والأشعرية أنصار أصول الدين. "وقال: وأما دخولهم النار..." الخ. وفي أخر هذه الفتوى نفسها يقول شيخ الإسلام (ص 158-159، وانظر أيضا 156). "وأيضا فيقال لهؤلاء الجهمية الكلامية مصاحب هذا الكلام أبي محمد وأمثاله كيف تدعون طريقة السلف وغاية ما عند السلف أن يكونوا متابعين لرسول الله صلى الله عليه وسلم؟". إلى أن يقول "وأبو محمد وأمثاله قد سلكوا مسلك الملاحدة الذين يقولون إن الرسول لم يبين الحق في باب التوحيد(1)" . الخ. وبهذا يتضح قطعا: (أ ) أن العبارة المذكورة ليست من قول شيخ الإسلام بل قائلها أشعري يمدح مذهبه (2) . (ب ) أن شيخ الإسلام نسب هذا القائل ومذهبه إلى الجهمية الكلابية وأتباع طريقة السلف وهذا ينفي ما حاول الصابوني تدليسه في مقالاته الست تماماً. وبالمناسبة أذكر بعض ما يحضرني من الكتب التي ألفها شيخ الإسلام في الرد على الأشاعرة نصاً غير التي رد عليهم فيها مع غيرهم:- 1- درء تعارض العقل والنقل وهو كله رد عليهم بالأصالة كما نص في مقدمته. حيث استفتحه بذكر قانونهم الكلي الآتي في ص 12. 2- بيان تلبيس الجهمية المسمى بنقص التأسيس، رد فيه على إمامهم الثاني "الفخر الرازي" صاحب تأسيس التقديس أو أساس التقديس. 3- التسعينية وهي التي كتبها في الأشهر الأخيرة من حياته -رحمه الله- جوابا عن محاكمة الأشاعرة له (3) . 4- شرح العقيدة الأصفهانية وهي شرح لعقيدة الشمس الأصفهاني التي جرى فيها على أصول الأشاعرة. 5- الفتوى الحموية: معروفة. 6- الرسالة المدنية: وهي في الجزء (6) من مجموع الفتاوى. 7- النبوات: وهو نقص لكلام الباقلاني خاصة والأشاعرة عامة في النبوات. 8- الإيمان: وهو نقد الأشاعرة في الإيمان وذكر بقية المرجئة تبعا. 9- القاعدة المراكشية: وهي كالبيان لمذهب الإمام مالك وأئمة المالكية في العقيدة ضد المتأخرين من مالكية المغاربة المائلين إلى مذهب الأشعري، وهي في الجزء الخامس من مجموع الفتاوي وطبعت محققة. 10- المناظرة في العقيدة الواسطية: ألفها في محاكمة الأشاعرة له بسبب الواسطية وهي في الجزء الثالث من مجموع الفتاوي. 11- الاستقامة: كتبة نقضاً لكتاب القشيري الصوفي الأشعري وبين فيه أن عقيدة أئمة السلوك المعتبرين هي مذهب السلف وأن بداية الانحراف في العقيدة عند المنتسبين للتصوف فبالجملة إنما جاءت متأخرة في أوائل القرن الخامس حين انتشر مذهب الأشعري. ولتلميذه ابن القيم رحمه الله -في الرد على الأشاعرة كتب منها:- (1) مختصر الصواعق المرسلة فيه أصولهم ومنها موقفهم من النصوص. (2) شفاء العليل: معظمه عنهم. (3) العقيدة النونية: معظمها عنهم. (4) اجتماع الجيوش الإسلامية: كله رد على مذهبهم خصوصاً في نفي العلو. هذا ولم يصدر من شيخ الإسلام مدح مطلق للأشاعرة أبداً. وإنما غاية مدحه لهم (كما في ج12 من الفتاوى) أن يصفهم بأنهم أقرب من غيرهم وأن مذهبهم مركب من الوحي والفلسفة أو يمدح المشتغلين منهم بالحديث لا لكونهم أشاعرة ولكن لاشتغالهم بالسنة مع سؤال المغفرة لهم فيما وافقوا فيه متكلمي مذهبهم. لكن هذا أقل بكثير من المواضع التي صرح فيها بتبديعهم وتضليلهم وفساد منهجهم فهي أكثر من أن تحصر. كما أنه حدد -رحمه الله- متى يعد المنتسب إلى الأشعري من أهل السنة فقال: "أما من قال بكتاب الإبانة الذي صنفه الأشعري في آخر عمره ولم يظهر مقالة تناقض ذلك فهذا يعد من أهل السنة، لكن مجرد الانتساب إلى الأشعري بدعة لاسيما لأنه بذلك يوهم حسنا لكل من انتسب هذه النسبة وينفتح بذلك أبواب شر(4)" ... أي أن من كان على عقيدة السلف منهم لا ينبغي له الانتساب للأشعري لأنه بدعة ومذمة. ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ (1) انظر أيضاً ص 156 من الجزء نفسه وهذا الكلام المنقول من ص 158 لا بد أن الصابوني قرأه لأنه استشهد بكلام بعده في ص 167 من الفتوى. (2) قائلها هو أبو محمد الجويني والد أبي المعالي (توفي 440) وقد رجع آخر عمره إلى عقيدة السلف وشهد له بذلك شيخ الإسلام في مواضع، وكتب في توبته النصحية المطبوعة مع المجموعة المنبرية، وطبعها المكتب الإسلامي معزوة إلى ابن شيخ الحزاميين وهو الخطأ، ومناسبة فتواه هذه هي صدور مراسيم سلطانية بلعن أصحاب البدع -ومنهم الأشاعرة- على المنابر، انظر المنتظم لابن الجوزي حوادث سنة 433 وما بعدها. (3) وهي أول رسالة في المجلد الخامس من الفتاوي الكبرى (الطبعة الطويلة) وهي تشمل الجزء الخامس كله من الطبعة التي قدم لها مخلوف، وسمعت أنها تحقق بجامعة الإمام وهي جديرة بالعناية. (4) مجموع الفتاوى: 6/359. الفهرس -------------------------------------------------------------------------------- معنى مصطلح أهل السنة ودخول الأشاعرة فيه أو عدمه ثانيا: أحسن الشيخ في مطالبة الصابوني بأي دليل صحيح على مسألة تكفير الأشاعرة، ويضاف إلى كرم فضيلته: إن الحاصل فعلاً هو العكس فالأشاعرة هم الذين كفروا وما يزالون يُكفرون أتباع السلف بل كفروا كل من قال أن الله تعالى موصوف بالعلو كما -سيأتي هنا- وحسبك تكفيرهم واضطهادهم لشيخ الإسلام وهو ما لم يفعله أه السنة بعالم أشعري قط. وقد سطر -رحمه الله- بعض أجورهم عليه في أول التسعينية وصرح به كل من كتب عن سيرته. ولولا الإطالة لأوردت بعض ما تصرح به كتب عقيدتهم من اتهامه بالزندقة والكفر والضلال. ومن الأمثلة المعاصرة كتب الكوثري ومقالاته وكتاب (براءة الأشعريين) نقل لنا عن بعض أهل العلم أن صاحبه هو عبد الفتاح أبو غدة وكتاب "ابن تيمية ليس سلفياً" وبعض ما ورد في كتاب "أركان الإيمان (5)" . فيا عجباً لهؤلاء القوم يكفرونه ثم يدعون أنهم وإياه على مذهب واحد ويشملهم جميعاً اسم "السنة والجماعة"!! وإذا كانت كتب الأشاعرة تتبرأ من "الحشوية والمجسمة والنابتة" وغير ذلك مما يلقبون به أهل السنة والجماعة فكيف يكونون وهم سواء!! ثالثاً: كان بودي أن يفصل الشيخ معنى مصطلح أهل السنة ودخول الأشاعرة فيه أو عدمه وهي التي يدندن حولها الصابوني، وأنا أوجز جداً فأقول: إن مصطلح أهل السنة والجماعة يطلق ويراد به معنيان: (أ ) المعنى الأعم: وهو ما يقابل الشيعة فيقال: المنتسبون للإسلام قسمان: أهل السنة والشيعة، مقلما عنون شيخ الإسلام كتابه في الرد على الرافضي "منهاج السنة" وفيه بين هذين المعنيين (6) وصرح أن ما ذهبت إليه الطوائف المبتدعة من أخل السنة بالمعنى الأخص. وهذا المعنى يدخل فيه كل من سوى الشيعة كالأشاعرة. لاسيما والأشاعرة فيما يتعلق بموضوع الصحابة والخلفاء متفقون مع أهل السنة وهي نقطة الاتفاق المنهجية الوحيدة كما سيأتي. (ب ) المعنى الأخص: وهو ما يقابل المبتدعة وأهل الأهواء وهو الأكثر استعمالا كتب الجرح والتعديل فإذا قالوا عن الرجل أنه صاحب سنة أو كان سنياً أو من أهل السنة ونحوها فالمراد أنه ليس من إحدى الطوائف البدعية كالخوارج والمعتزلة والشيعة وليس صاحب كلام وهوى. وهذا المعنى لا يدخل فيه الأشاعرة أبدا بل هم خارجون عنه وقد نص الإمام أحمد وابن المديني على أن من خاض في شيء من علم الكلام لا يعتبر من أهل السنة وإن أصاب بكلامه السنة حتى يدع الجدل ويسلم للنصوص، فلم يشترطوا موافقة السنة فحسب بل التلقي والاستمداد منها (7) فمن تلقى من السنة ولم يوافقوا في النتائج فكيف يكونوا من أهلها. وسنأتي بحكمهم عند أئمة المذاهب الأربعة من الفقهاء فما بالك بأئمة الجرح والتعديل من أصحاب الحديث:- 1- عند المالكية: روى حافظ المغرب وعلمها الفذ ابن عبد البر بسند عن فقيه المالكية بالمشرق ابن خويز منداذ "أنه قال في كتاب الشهادات شرحاً لقول مالك لا تجوز شهادة أهل البدع والأهواء، وقال: "أهل الأهواء عند مالك وسائر أصحابنا هم أهل الكلام فكل متكلم فهو من أهل الأهواء والبدع أشعريا كان أو غير أشعري ولا تقبل له شهادة في الإسلام أبداً ويهجر ويؤدب على بدعته فإن تمادي عليها استتيب منها. (8) وروي ابن عبد البر نفسه في "الانتقاء" عن الأئمة الثلاثة "مالك وأبي حنيفة والشافعي نهيهم عن الكلام وزجر أصحابه وتبديعهم وتعزيزهم ومثله ابن القيم في اجتماع الجيوش الإسلامية فماذا يكون الأشاعرة إن لم يكونوا أصحاب كلام؟ 2- عند الشافعية: قال الإمام أبو العباس بن سريج الملقب بالشافعي الثاني وقد كان معاصراً للأشعري: لا نقول بتأويل المعتزلة والأشعرية والجهمية والملحدة والمجسمة والمشبهة والكرامية والمكيفة بل نقلبها بلا تأويل ونؤمن بها بلا تمثيل. (9)" قال الإمام أبو الحسن الكرجي من علماء القرن الخامس الشافعية ما نصه: "لم يزل الأئمة الشافعية يأنفون ويستنكفون أن ينسبوا إلى الأشعري ويتبرءون مما بنى الأشعري مذهبه عليه وينهون أصحابهم وأحبابهم عن الحوم حواليه على ما سمعت من عدة من المشايخ والأئمة، وضرب مثالاً بشيخ الشافعية في عصره الإمام أبو حامد الاسفرائيني الملقب "الشافعي الثالث" قائلاً: "ومعلوم شدة الشيخ على أصحاب الكلام حتى ميز أصول فقه الشافعي من أصول الشعري، وعلق عنه أبو بكر الراذقاني وهو عندي، وبه اقتدى الشيخ أبو إسحاق الشيرازي في كتابيه اللمع والتبصرة حتى لو وافق قول الأشعري وجهاً لأصحابنا ميزةً وقال: "هو قول بعض أصحابنا وبه قالت الأشعرية ولم يعدهم من أصحاب الشافعي، استنكفوا منهم ومن مذهبهم في أصول الفقه فضلاً عن أصول الدين" (10) أ.هـ. وبنحو قوله بل أشد منه قال شيخ الإسلام آلهروي الأنصاري. (11) 3- الحنفية: معلوم أن واضع الطحاوية وشارحها كلاهما حنفيان، وكان الإمام الطحاوي معاصراً للأشعري وكتب هذه العقيدة لبيان معتقد الإمام أبي حنيفة وأصحابه وهي مشابهة لما في الفقه الأكبر عنه وقد نقلوا عن الإمام أنه صرح بكفر من قال إن الله ليس على العرش أو توقف فيه وتلميذه أبو يوسف كفر بشراً المريسي، ومعلوم أن الأشاعرة ينفون العلو وينكرون كونه تعالى على العرش ومعلوم أيضا أن أصولهم مستمدة من بشر المريسي (12)!! . 4- الحنابلة: موقف الحنابلة من الأشاعرة أشهر من أن يذكر فمنذ بدّع الإمام أحمد "ابن كلاب" وأمر بهجره -وهو المؤسس الحقيقي للمذهب الأشعري- لم يزل الحنابلة معهم في معركة طويلة، وحتى في أيام دولة نظام الملك -التي استطالوا فيها- وبعدها كان الحنابلة يخرجون من بغداد كل واعظ يخلط قصصه بشيء من مذهب الأشاعرة. ولم يكن ابن القشيري إلا واحداً ممن تعرض لذلك، وبسبب انتشار مذهبهم وإجماع علماء الدولة سيما الحنابلة على محاربته ادر الخليفة القادر منشور "الاعتقاد القادري" أوضح فيه العقيدة الواجب على الأمة اعتقادها سنة 433هـ (14) . وكذلك يفعل أتباعهم في عصرنا هذا بمليء خطبهم الحماسية أو مواعظهم وقصصهم وما يسمونه بالكتب الفكرية لثقة قرائهم -من الشباب المتحمس- العمياء بهم ولجهل أكثر هؤلاء الشباب بعقيدتهم الصحيحة التي كان عليها سلفهم الصالح من تبعهم بإحسان. هذا وليس ذم الأشاعرة وتبديعهم خاصة بأئمة المذاهب المعتبرين بل هو منقول أيضا عن أئمة السلوك الذين كانوا أقرب إلى السنة واتباع السلف، فقد نقل شيخ الإسلام في الاستقامة كثيراً من أقوالهم في ذلك وإنهم يعتبرون موافقة عقيدة الأشعرية منافياً لسلوك طريق الولاية والاستقامة حتى أن عبد القادر الجيلاني لما سئل "هل كان لله ولي على غير اعتقاد أحمد بن حنبل؟. قال: ما كان ولا يكون (15)" . هذا موجز مختصر جداً لحكم الأشاعرة في المذاهب الأربعة فما ظنك بحكم رجال الجرح والتعديل مما يعلم أن مذهب الأشاعرة هو رد خبر الآحاد جملة وأن في الصحيحين أحاديث موضوعة أدخلها الزنادقة.. وغيرها من العوام وانظر إن شئت ترجمة إمامهم المتأخر الفخر الرازي فيا لميزان ولسان الميزان. فالحكم الصحيح في الأشاعرة أنهم من أهل القبلة لا شك في ذلك أما أنهم من أهل السنة فلا وسيأتي تفصيل ذلك في الموضوعات التالية: وها هنا حقيقة كبرى أثبتها علماء الأشعرية الكبار بأنفسهم -كالجويني وابن أبي المعالي والرازي والغزالي وغيرهم- وهي حقيقة إعلان حيرتهم وتوبتهم ورجوعهم إلى مذهب السلف، وكتب الأشعرية المتعصبة مثل طبقات الشافعية أوردت ذلك في تراجمهم أو بعضه فما دلالة ذلك؟. إذا كانوا من أصلهم على عقيدة أهل السنة والجماعة فعن أي شيء رجعوا؟ ولماذا رجعوا؟. وإلى أي عقيدة رجعوا؟. ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ 5- وانظر عن القدامى: الرد الوافر على من زعم أن ابن تيمية شيخ الإسلام كافر، وكتاب الحصني: دفع شبهة من شبه وتمرد. ولعلم فبعض هذه الكتب المعاصرة باسم مستعار، وممن اعترف بموقفهم من شيخ الإسلام الشيخ محمد أبو زهرة في كتابه ابن تيمية ص 56 ومن ذلك قول صاحب حواشي على شرح الكبرى للسنوسي قوله: "ابن تيمية.. أي الحنبلي المشهور زنديق وبغضه للدين وأهله لا يخفي" ص 62. وانظر في كتاب وهبي غاوجي أركان الإيمان ص 297- 299. 6- ج 2 ص163 تحقيق محمد رشاد سالم. 7- أنظر شرح أصول اعتقاد أهل السنة والجماعة. اللالكائي، تحقيق الأخ أحمد بن سعد بن حمدان: (1/157، 165). 8- جامع بيان العلم وفضله 2/117 تحقيق عثمان محمد عثمان، وهو 2/96 من الطبعة المنبرية. 9- توفي ابن سريج سنة 306: انظر تاريخ بغداد 4/290 وسير أعلام النبلاء 14/201 والظاهر أنه توفي قبل رجوع الأشعري لمذهب السلف، والأشعري توفي 324 أو 330 على قولين. وانظر عقيدة ابن سريج في اجتماع الجيوش الإسلامية ص 62. 10- التسعينية: 238-239 وانظر شرح الأصفهاني: 31 من ج5 من الفتاوى الكبرى نفسها وانظر عن الكرجي وعقيدته: اجتماع الجيوش الإسلامية ومختصر العلو وله ترجمة في طبقات الشافعية لابن السبكي وطبقات الشافعية لابن كثير (مخطوط). 11- يلاحظ أن كلا من الشافعية والحنابلة يدعي الهروي لمذهبهم ورجح شيخ الإسلام أنه يأخذ من كليهما ويتبع الأثر. انظر (شيخ الإسلام عبد الله الهروي ص 96) وقوله فيهم نقله في التسعينية: 277 عن كتاب ذم الكلام "وهو يحقق بجامعة الإمام كما قرأت. وانظر أيضا عن موقف الشافعية درء التعارض 2/106. 12- انظر عبر ما ذكر سير أعلام النبلاء ترجمة بشر 10/200-201 والحموية: ص14-15 طبعة قصي الخطيب. 13- أنظر المنتظم لابن الجوزي أحداث سنة: 433، 469، 475 وغيرها ج 8و ج9. 14- ص 81- 89 و 105- 109. 15- ومنها شرح الباجوري -أو البيجوري- على الجوهرة 1:82 طبعة محمد علي صبيح. الفهرس -------------------------------------------------------------------------------- موقف ابن حجر من الأشاعرة رابعاً: دعوى الأشاعرة أن أكثر أئمة المسلمين مذهبهم دعوى عارية عن الدليل يكذبها الواقع التاريخي، وكتب الأشاعرة نفسها عند تعريف مذهبي السلف والخلف تقول إن مذهب السلف هو مذهب القرون الثلاثة وبعضها يقول إنه مذهب القرون الخمسة(15) فما بقي بعد هذه القرون؟ وصدقوا فالثابت تاريخياً أن مذهب الأشاعرة لم ينتشر إلا في القرن الخامس إثر انتشار كتب الباقلاني (16) . ولولا ضيق المجال لسردت قائمة متوازية أذكر فيها كبار الأشاعرة ومن عاصرهم من كبار أهل السنة والجماعة الذين يفوقون أولئك عدداً وعلماً وفضلاً، وحسبك ما جمعه ابن القيم في اجتماع الجيوش الإسلامية والذهبي في العلو وقبلهما اللالكائي. أما عوام المسلمين فالأصل فيهم أنهم على عقيدة السلف لأنها الفطرة التي يولد عليها الإنسان وينشأ عليها المسلم بلا تلقين ولا تعليم (من حيث الأصل) فكل من لم يلقنه المبتدعين بدعتهم ويدرسوه كتبهم فليس من حق أي فرقة أن تدعيه إلا أهل السنة والجماعة. ومن الأدلة على ذلك الإنسان الذي يدخل في الإسلام حديثاً، فهل تستطيع أي فرقة أن تقول أنه معتزلي أو اشعري؟ أما نحن فبمجرد إسلامه يصبح واحداً منا. وإن شئت المثال على عقيدة العوام فاسأل الملايين من المسلمين شرقاً وغرباً هل فيهم من يعتقد أن الله لا داخل العالم ولا خارجه ولا فوقه ولا تحته كما تقول الأشاعرة. أم أنهم كلهم مفطورون على أنه تعالى فوق المخلوقات، وهذه الفطرة تظل ثابتة في قلوبهم حتى وإن وجدوا من يلقنهم في أذهانهم تلك المقولة الموروثة عن فلاسفة اليونان (17) . وقس على هذا نظرية الكسب والكلام النفسي ونفي التأثير وأشباهها مما سترى في عقائد الأشاعرة على الموضوع الذي يجب التنبه غليه هو التفريق بين متكلمي الأشاعرة كالرازي والآمدي والشهرستاني والبغدادي والإيجي ونحوهم وبين من تأثير بمذهبهم عن حسن نية واجتهاد أو متابعة خاطئة أو جهل بعلم الكلام أو لاعتقاد أنه لا تعارض بين ما أخذ منهم وبين النصوص ومن هذا القسم أكثر الأفاضل الذي يحتج بذكرهم الصابوني وغيره وعلى رأسهم الحافظ ابن حجر -رحمه الله-. ولست أشك أن الموضوع يحتاج لبسط وإيضاح ومع هذا فإنني أقدم للقراء لمحة موجزة عن موقف ابن حجر من الأشاعرة: ومن المعلوم أن إمام الأشعرية المتأخر الذي ضبط المذهب وقعَد أصوله هو الفخر الرازي (ت 606 هـ) فنشر فكره في الشام ومصر واستوفيا بعض القضايا في المذهب (وفكر هؤلاء الثلاثة هو الذي كان الموضوع الرئيسي في كتاب درء التعارض) وأعقبهم الأيجي صاحب المواقف (الذي كان معاصراً لشيخ الإسلام ابن تيمية) فألف "المواقف" الذي هو تقنين وتنظيم لفكر الرازي ومدرسته وهذا الكتاب هو عمدة المذهب قديماً وحديثاً. وقد ترجم الحافظ الذهبي -رحمه الله- في الميزان وغيره للرازي والآمدي بما هما أهله، ثم جاء ابن السبكي -ذلك الأشعري المتعصب- فتعقبه وعنف عليه ظلماً. ثم جاء ابن حجر -رحمه الله- فألف لسان الميزان فترجم لهما بطبيعة الحال -ناقلاً كلام ابن السبكي ونقده للذهبي (18) - ولم يكن بخاف عليه مكانتهما وإمامتهما في المذهب كما ذكر طرفاً من شنائع الآرموي ضمن ترجمة الرازي. فإذا كان موقف ابن حجر لأن موقفه هو الذي يحدد انتماءه لفكر هؤلاء القوم أو عدمه؟ إن الذين يقرأ ترجمتيهما في اللسان لا يمكن أن يقول إن ابن حجر على مذهبهما أبداً كيف وقد أورد نقولا كثيرة موثقة عن ضلالهما وشنائعهما التي لا يقرها أي مسلم فضلاً عمن هو في علم الحافظ وفضله؟ على أنه قال في آخر ترجمة الرازي "أوصى بوصية تدل على أنه حسّن اعتقاده". وهذه العبارة التي قد يفهم منها أنها متعاطفة مع الرازي ضد مهاجميه هي شاهد لما نقول نحن هنا فإن وصية الرازي التي نقلها ابن السبكي نفسه صريحة في رجوعه إلى مذهب السلف. فبعد هذا نسأل: أكان ابن حجر يعتقد أن يؤيد عقيدة الرازي التي في كتبه أم عقيدته التي في وصيته؟ الإجابة واضحة من عبارته نفسها. هذه واحدة. والأخرى: أن الحافظ في الفتح قد نقد الأشاعرة باسمهم الصريح وخالفهم فيما هو من خصائص مذهبهم فمثلا خالفهم في الإيمان، وإن كان تقريره لمذهب السلف فيه يحتاج لتحرير. ونقدهم في مسألة المعرفة وأول واجب على المكلف في أول كتابه وآخره (19) . كما أنه نقد شيخهم في التأويل "ابن فورك" في تأويلاته التي نقلها عنه في شرح كتاب التوحيد في الفتح وذم التأويل والمنطق مرجحاً منهج الثلاثة القرون الأولى كما أنه يخالفهم في الاحتجاج بحديث الآحاد في العقيدة (20) وغيرها من الأمور التي لا مجال لتفصيلها هنا. والذي أراه أن الحافظ -رحمه الله- أقرب شيء غلى عقيدة مفوضة الحنابلة كأبي يعلى ونحوه ممن ذكرهم شيخ الإسلام في درء تعارض العقل والنقل(21) ووصفهم بمحبة الآثار والتمسك بها لكنهم وافقوا بعض أصول المتكلمين وتابعوهم ظانين صحتها عن حسن نية. ولو قيل أن الحافظ -رحمه الله- كان متذبذباً في عقيدته لكان ذلك اقرب إلى الصواب كما يدل عليه شرحه لكتاب التوحيد. والله أعلم. وقد كان من الحنابلة من ذهب إلى أبعد من هذا كابن الجوزي وابن عقيل وابن الزاغوني. ومع ذلك فهؤلاء كانوا أعداء الداء للأشاعرة، ولا يجوز بحال أن يعتبروا أشاعرة فما بالك بأولئك. والظاهر أن سبب هذا الاشتباه في نسبة بعض العلماء للشاعرة أو أهل السنة والجماعة هو أن الأشاعرة فرقة كرمية انشقت عن أصلها "المعتزلة" ووافقت السلف في بعض القضايا وتأثرت بمنهج الوحي، في حين أن بعض من هم على مذهب أهل السنة والجماعة في الأصل تأثروا بسبب من الأسباب بأهل الكلام في بعض القضايا وخالفوا فيها مذهب السلف. فإذا نظر الناظر إلى المواضع التي يتفق فيها هؤلاء وهؤلاء ظن أن الطائفتين على مذهب واحد. فهذا التدخل بينهما هو مصدر اللبس. وكثير ما تجد في كتب الجرح والتعديل -ومنها لسان الميزان للحافظ ابن حجر العسقلاني -قولهم عن الرجل- أنه وافق المعتزلة في أشياء من مصنفاته أو وافق الخوارج في بعض أقوالهم وهكذا ومع هذا لا يعتبرونه معتزليا أو خارجياً، وهذا المنهج إذا طبقناه على الحافظ وعلى النووي وأمثالهما لم يصح اعتبارهم أشاعرة وإنما يقال وافقوا الأشاعرة في أشياء، مع ضرورة بيان هذه الأشياء واستدراكها عليهم حتى يمكن الاستفادة من كتبهم بلا توجس في موضوعات العقيدة (22). ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ 15- ومنها شرح الباجوري -أو البيجوري- على الجوهرة 1:82 طبعة محمد علي صبيح. 16- انظر الاستقامة: 105 وتبين كذب المفتري لابن عساكر ص 410 بتحقيق الكوثري. 17- بل إن متكلمي الأشاعرة الذين ينفون العلو بكل جرأة ويستندون غلى شبهات كثيرة، تجد في خبايا كلامهم إقرارا به دون أن يشعروا. لأن مغالبة الفطرة من أصعب الأمور. فالرازي مثلاً -مع إنكاره الشديد للعلو في (التأسيس والتفسير) قال في التفسير إن الله (خسف بقارون فجعل الأرض فوقه ورفع محمداً صلى الله عليه وسلم فجعله قاب قوسين تحته) 1/248. ط. بيروت. والرفع يدل على علو الله. 18- ترجمة الرازي: 4/426 والآمدي: 6/134. 19- أنظر فتح الباري: 1/46، 3/357-361، 13/347-350. 20- أنظر فتح الباري: 1/46، 3/357-361، 13/347-350. 21- المصدر السابق: 13/253، 259، 407 وغيرها كثير. 22- وقد رأينا في واقعنا المعاصر علماء فضلاء وافقوا الاشتراكيين أو الديموقراطيين أو القوميين في أشياء للأسباب نفسها. ولم يعدهم أحد اشتراكيين أو قوميين. الفهرس -------------------------------------------------------------------------------- الأصول المنهجية في مذهبهم خامساً: قال فضيلة الشيخ الفوزان عن الأشاعرة: "نعم هم من أخل السنة والجماعة في بقية أبواب الإيمان والعقيدة وليسوا منهم في باب الصفات". وهذا سبق قلم من فضيلته ومثل هذه الدعوى هي التي يهش لها الأشاعرة المعاصرون يروجونها، لأنه إذا كان الفارق هو الصفات فقط قالوا إن الخلاف فيها أصله الاجتهاد والكل متفقون على التنزيه فكأنه ى خلاف إذاً... وربما قالوا نحن مستعدون أن نثبت لله يداً وعيناً وسائر الصفات في سبيل توحيد الصف ووحدة الكلمة!!! وليكن معلوما أن ابتداء أمر الأشاعرة أنهم توسلوا إلى أهل السنة أن يكفوا عن هجرهم وتبديعهم وتضليلهم وقالوا: نحن معكم ندافع عن الدين وننازل الملحدين (23) ، فاغتر بهذا بعض علماء أهل السنة وسكتوا عنهم فتمكن الأشاعرة في الأمة ثم في النهاية استطاعوا على أولئك واستأثروا بهذا الاسم دون أهله، وأصبحوا هم يضللوا أهل السنة ويضطهدونهم ويلقبونهم بأشنع الألقاب. فحتى لا تتكرر هذه المشكلة وإحقاقا للحق رأيت من واجبي أن اسهم بتفصيل مذهب الأشاعرة في كل أبواب العقيدة ليتضح أنهم على منهج فكري مستقل في كل الأبواب والأصول، ويختلفون مع أهل السنة والجماعة من أول مصدر التلقي حتى آخر السمعيات ما عدا قضية واحدة فقط. وإليك هذه الأصول المنهجية في مذهبهم. موجزة وميسرة ما أمكن -عدا أقوالهم في الصفات وعدا الفرعيات التي لا تدخل تحت حصر -مع التنبيه مقدما إلى ما بينها متناقض لا يخفى على القارئ الفطن: الأول: مصدر التلقي: (أ ) مصدر التلقي عند الأشاعرة هو العقل وقد صرح الجويني والرازي والبغدادي والغزالي والآمدي والإيجي وابن فورك والسنوي وسراج الجوهرة وسائر أئمتهم بتقديم العقل على النقل عند التعارض، وعلى هذا يرى المعاصرون منهم، ومن هؤلاء السابقين من صرح بأن الأخذ بظواهر الكتاب والسنة اصل من أصول الكفر وبعضهم خففها فقال هو اصل الضلالة!!. ولضرورة الاختصار أكتفي بمثالين مع الإحالة إلى ما في الحاشية لمن أراد المزيد: الأول: وضع الرازي في أساس التقديس القانون الكلي للمذهب في ذلك فقال: "الفصل الثاني والثلاثون في أن البراهين العقلية إذا صارت معارضة بالظواهر النقلية فكيف الحال فيها؟ أعلم أن الدلائل القطعية العقلية إذا قامت على ثبوت شيء ثم وجدنا أدلة نقلية يشعر ظاهرها بخلاف ذلك فهناك لا يخلو الحال من أحد أمور أربعة: (1) إما أن يصدق مقتضى العقل والنقل فيلزم تصديق النقيضين وهو محال. (2) وإما أن يبطل فيلزم تكذيب النقيضين وهو محال. (3) وإما أن يصدق الظواهر النقلية ويكذب الظواهر العقلية وذلك باطل. لأنه لا يمكننا أن نعرف صحة الظواهر النقلية إلا إذا عرفنا بالدلائل العقلية إثبات الصانع وصفاته وكيفية دلالة المعجزة على صدق الرسول صلى الله عليه وسلم وظهور المعجزات على محمد صلى الله عليه وسلم. ولو جوزنا القدح في الدلائل العقلية القطعية صار العقل متهما غير مقبول القول. ولو كان كذلك لخرج أن يكون مقبول القول في هذه الأصول وإذا لم تثبت هذه الأصول خرجت الدلائل النقلية عن كونها مفيدة. فثبت أن القدح في العقل لتصحيح النقل يفضي إلى القدح في العقل والنقل معا وأنه باطل. ولما بطلت الأقسام الأربعة لم يبق إلا أن يقطع بمقتضى الدلائل العقلية - القاطعة بان هذه الدلائل النقلية إما أن يقال أنها غير صحيحة (24) . أو يقال إنها صحيحة إلا أن المراد منها غير ظواهرها. ثم إن جوزنا التأويل اشتغلنا على سبيل التبرع (25) بذكر تلك التأويلات على التفصيل. وإن لم يجز التأويل فوضنا العلم بها إلى الله تعالى. فهذا هو القانون الكلي المرجوع إليه في جميع المتشابهات وبالله التوفيق" أهـ. الثاني: يقول السنوسي (ت 885) في شرح الكبرى: "وأما من زعم أن الطريق بدا إلى معرفة الحق الكتاب والسنة ويحرم ما سواهما فالرج عليه أن حجتيهما لا تعرف إلا بالنظر العقلي، وأيضاً فقد وقعت فيها ظواهر من اعتقدها على ظاهرها كفر عند جماعة وابتدع". ويقول: "أصول الكفر ستة.." ذكر خمسة ثم قال: "سادسا: التمسك في أصول العقائد بمجرد ظواهر الكتاب والسنة من غير عرضها على البراهين العقلية والقواطع الشعرية". (ب ) صرح متكلموهم ومنهم من سبق في فقرة "أ" أن نصوص الكتاب والسنة ظنية الدلالة ولا تفيد اليقين إلا إذا سلمت من عشر عوارض منها: الأضمار والتخصيص والنقل والاشتراك والمجاز.. الخ. وسلمت بعد هذا من المعارض العقلي بل قالوا: من احتمال المعارض العقائد!!. (ج) موقفهم من السنة خاصة أنه لا يثبت بها عقيدة بل المتواتر منها يجب تأويله وآحادها لا يجب الاشتغال بها حتى على سبيل التأويل، حتى إن إمامهم الرازي قطع بأن رواية الصحابة كلهم مظنونة بالنسبة لعدالتهم وحفظهم سواء، وإنه في الصحيحين أحاديث وضعها الزنادقة.. إلى آخر مالا استجير نقله لغير المختصين، وهو في كتابه أساس التقديس والأربعين. (د) تقرا في كتب عقيدتهم قديمها وحديثها المائة صفحة أو أكثر فلا تجد فيها آية ولا حديثاً لكنك قد تجد في كل فقرة "قال الحكماء" أو "قال المعلم الأول" أو "قالت الفلاسفة" ونحوها.. (هـ) مذهب طائفة منهم وهو صوفيتهم كالغزالي والحامي -في مصدر التلقي هو تقديم الكشف والذوق على النص وتأويل النص ليوافقه وقد يصححون بعض الأحاديث ويضعفونها حسب هذا الذوق كحديث إسلام أبوي النبي صلى الله عليه وسلم ودخولهما الجنة بزعمهم. ويسمون هذا "العلم اللدني" جرياً على قاعدة الصوفية "حدثني قلبي عن ربي" (26). ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ 23- أنظر سير أعلام النبلاء: 15/90، مقابلة الشعري لإمام السنة في عصره "البريهاري" أنظر ترجمته في طبقات الحنابلة ورسالته القيمة في السنة، التي ساقها صاحب الطبقات. 24- يلاحظ أن الدلائل النقلية تشمل نصوص الكتاب والسنة معا فكيف يقال أنها غير صحيحة دون تفريق بينهما، مع أن مجرد إطلاقها على السنة وحدها في غاية الخطورة. 25- هل وصلت قيمة نصوص الوحي إلى حد أن الاشتغال بتأويلها -الذي هو تحريف لها يعتبر تبرعاً إحساناً؟! 26- انظر عن مصدر التلقي عندهم: درء تعارض العقل والنقل فهو كله رد عليهم وقد استفتحه بذكر قانونهم الكلي في التعارض، أساس التقديس للرازي: 168- 173، الشامل للجويني: 561، الإرشاد له: 359-360، شرح الكبرى للسنوسي: 502 المواقف للإيجي: 39-40، مختصر الصواعق 33،258، مشكل الحديث لابن فورك: مقدمته وخاتمته. الفهرس -------------------------------------------------------------------------------- إثبات وجود الله الثاني: إثبات وجود الله: ومعلوم أن مذهب السلف هو أن وجوده تعالى أمر فطري معلوم بالضرورة والأدلة عليه في الكون والنفس والآثار والآفاق والوحي أجل من الحصر، ففي كل شيء له آية وعليه دليل. أما الأشاعرة فعندهم دليل يتيم هو دليل "الحدوث والقدم" وهو الاستدلال على وجود الله بأن الكون حادث وكل حادث فلا بد من محدث قديم، وأخص صفات هذا القديم مخالفته للحوادث وعدم حلولها فيه ومن مخالفته للحوادث إثبات أنه ليس جوهراً ولا عرضاً ولا جسماً ولا في جهة ولا مكان.. الخ ثم أطالوا جدا في تقرير هذه القضايا هذا وقد رتبوا عليه من الأصول الفاسدة ما لا يدخل تحت العد مثل إنكارهم لكثير من الصفات كالرضا والغضب والاستواء بشبهة نفي حلول الحوادث في القديم ونفي الجوهرية والعرضية والجهة والجسمية... إلى آخر المصطلحات البدعية التي جعلوا نفيها أصولاً وأنفقوا الأعمال والمداد في شرحها ونفيها أصولاً وأنفقوا الأعمار والمداد في شرحها ونفيها. ولو أنهم قالوا الكون مخلوق وكل مخلوق لابد له من خالق لكان أيسر وأخصر مع أنه ليس الدليل الوحيد ولكنهم تعمدوا موافقة الفلاسفة حتى في ألفاظهم. ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ 27- أنظر الأبواب الأولى من أي كتاب في عقيدتهم، ومجموع الفتاوى: 2/7-23 وأول شرح الاصبهانية: ويلاحظ أن تعمدهم استخدام كلمة (حادث) سببه أنهم لو قالوا (مخلوق) لألزمهم الفلاسفة بأن هذا هو موضوع النزاع لولا يستدل بالدعوى على نفسها في نظرهم، ومع هذا فالفلاسفة يقولون الكون قديم ولا نسلم أنه حادث، فالأشاعرة كما قال شيخ الإسلام (لا للإسلام نصروا ولا للفلاسفة كسروا). الفهرس -------------------------------------------------------------------------------- التوحيد الثالث: التوحيد: التوحيد عند أهل السنة والجماعة معروف بأقسامه الثلاثة وهو عندهم أول واجب على المكلف، أما الأشاعرة قدماؤهم ومعاصروهم فالتوحيد عندهم هو نفي التثنية أو التعدد ونفي التبعيض والتركيب والتجزئة أي حسب تعبيرهم "نفي الكمية المتصلة والكمية المنفصلة" ومن هذا المعنى فسروا الإله بأنه الخالق أو القادر على الاختراع وأنكروا بعض الصفات كالوجه واليد والعين لأنها تدل على التركيب والأجزاء عندهم. أما التوحيد الحقيقي وما يقابله من الشرك ومعرفته والتحذير منه فلا ذكر له في كتب عقيدتهم إطلاقا ولا ادري أين يضعونه أفي كتب الفروع؟ فليس فيها أم يتركونه بالمرة فهذا الذي أجزم به. أما أول واجب عند الأشاعرة فهو النظر أو القصد إلى النظر أو أول واجب جزء من النظر أو .. إلى آخر فلسفتهم المختلف فيها وعندهم أن الإنسان إذا بلغ سن التكليف وجب عليه النظر ثم الإيمان واختلفوا فيمن مات قبل النظر أو في أثنائه. أيحكم له بالإسلام أم بالكفر؟! وينكر الأشاعرة المعرفة الفطرية ويقولون إن من آمن بالله بغير طريق النظر فإنما هو مقلد ورجح بعضهم كفره واكتفى بعضهم بتعصيته، وهذا ما خالفهم فيه الحافظ ابن حجر -رحمه الله- ونقل أقوالاً كثيرة في الرد عليهم وإن لازم قولهم تكفير العوام بل تكفير الصدر الأول .(28) ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ 28- عن الفقرة أنظر: نهاية الأقدام للشهرستاني: 90، شرح الكبرى: 304، غاية المرام للأمدي: 149، كبرى اليقينيات: 91- 93، الله جل جلاله: سعيد حوى: 131 أركان الإيمان لوهبي غاوجي: 30 وبخصوص أول واجب والمعرفة الفطرية أنظر: درء تعارض العقل والنقل ج 7، 8، 9 كلها. الأنصاف للباقلاني: 22، الإرشاد: 3 المواقف: 32-33، الشامل: 120، أصول الدين للبغدادي: 254- 255، فتح الباري 3/ 357،، 361، 13/347- 358. الفهرس -------------------------------------------------------------------------------- الإيمان الرابع: الإيمان: الأشاعرة في الإيمان مرجئة جهمية أجمعت كتبهم قاطبة على أن الإيمان هو التصديق القلبي، واختلفوا في النطق بالشهادتين أيكفي عند تصديق القلب أم لا بد منه، قال صاحب الجوهرية: وفسر الإيمان بالتصديق __________ والنطق فيها لخلف بالتحقيق وقد رجح الشيخ حسن أيوب من المعاصرين أن المصدق بقلبه ناج عند الله وإن لم ينطق بهما ومال إليه البوطي. فعلى كلامهم لا داعي لحرص النبي صلى الله عليه وسلم أن يقول عمه أبو طالب لا إله إلا الله لأنه لاشك في تصديقه له بقلبه، وهو من شابهه على مذهبهم من أهل الجنة!! هذا وقد أولوا كل آية أو حديث ورد في زيادة الإيمان ونقصانه أو وصف بعض شعبه بأنها إيمان أو من الإيمان .(29) ولهذا أطال شيخ الإسلام -رحمه الله- الرد عليهم بأسمائهم كالأشعري والباقلاني والجويني وشراح كتبهم وقرر انهم على مذهب جهم بعينه. وفي رسالتي فصل طويل عن هذه القضية فلا أطيل به هنا. ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ 29- أنظر الأنصاف: 55، الإرشاد: 397، غاية المرام: 311، المواقف: 384 الإيمان لشيخ الإسلام: أكثره رد عليهم فلا حاجة لتحديد الصفحات، تبسيط العقائد الإسلامية، حسن أيوب: 29- 33 كبرى اليقينيات: 196. الفهرس -------------------------------------------------------------------------------- القرآن الخامس: القرآن: وقد أفردت موضوعه لأهميته القصوى، وهو نموذج بارز للمنهج الأشعري القائم على التلفيق الذي يسميه الأشاعرة المعاصرون "التوفيقية" حيث انتهج التوسط بين أهل السنة والجماعة وبين المعتزلة في كثير من الأصول فتناقض واضطرب. فمذهب أهل السنة والجماعة أن القرآن كلام الله غير مخلوق وأنه تعالى يتكلم بكلام مسموع تسمعه الملائكة وسمعه جبريل وسمعه موسى -عليه السلام- ويسمعه الخلائق يوم القيامة. ومذهب المعتزلة أنه مخلوق. أما مذهب الأشاعرة فمن التوفيقية -التي لم يحالفها التوفيق- بين المعنى واللفظ. فالكلام الذي يثبتونه لله تعالى هو معنى أزلي أبدي قائم بالنفس ليس بحرف ولا صوت ولا يوصف بالخبر ولا الإنشاء. واستدلوا بالبيت المنسوب للأخطل النصراني: إن الكلام لفي الفؤاد وإنما___________ جعل اللسان على الفؤاد دليلاً أما الكتب المنزلة ذات الترتيب والنظم والحروف ومنها القرآن -فليست هي كلامه تعالى على الحقيقة بل هي "عبارة عن كلام الله النفسي. والكلام النفسي شيء واحد في ذاته لكن إذا جاء التعبير عنه بالعبرانية فهو توراة وإن جاء بالسريانية فهو إنجيل وإن جاء بالعربية فهو قرآن، فهذه الكتب كلها مخلوقة ووصفها بأنها كلام الله مجاز لأنها تعبير عنه." واختلفوا في القرآن خاصة فقال بعضهم: "وإن الله خلقه أولا في اللوح المحفوظ ثم أنزله في صحائف إلى السماء الدنيا" فكان جبريل يقرأ هذا الكلام المخلوق ويبلغه لمحمد صلى الله عليه وسلم. وقال آخرون: إن الله أفهم جبريل كلامه النفسي وأفهمه جبريل لمحمد صلى الله عليه وسلم فالنزول نزول إعلام وإفهام لا نزول حركة وانتقال (لأنهم ينكرون علو الله) ثم اختلفوا في الذي عبر عن الكلام النفسي بهذا اللفظ والنظم العربي من هو؟. فقال بعضهم: هو جبريل، وقال بعضهم: بل هو محمد صلى الله عليه وسلم !!. واستدلوا بمثل قوله تعالى: "إنه لقول رسول كريم" في سورتي الحاقة والانشقاق حيث أضافه في الأولى غلى محمد صلى الله عليه وسلم وفي الأخرى إلى جبريل بأن اللفظ لأحد الرسولين "جبريل أو محمد" وقد صرح الباقلاني بالأول وتابعه الجويني. قال شيخ الإسلام: "وفي إضافته تعالى إلى هذا الرسول تارة وإلى هذا تارة دليل على أنه إضافة بلاغ وأداء لا إضافة إحداث لشيء منه وإنشاء كما يقول بعض المبتدعة الأشعرية من أن حروفه ابتداء جبريل أو محمد مضاهاة منهم في نصف قولهم لمن قال أنه قول البشر من مشركي العرب" (30). وعلى القول أن القرآن الذي نقرؤه في المصاحف مخلوق سار الأشاعرة المعاصرون وصرحوا، فكشفوا بذلك ما أراد شارح الجوهرة أن يستره حين قال: "يمتنع أن يقال إن القرآن مخلوق إلا في مقام التعليم" (31). ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ 30- مجموع الفتاوي. 31- عن القرآن عندهم أنظر: الأنصاف: 96- 97 وما بعدها، الإرشاد: 128- 137، أصول الدين: 107، المواقف 293، شرح الباجوري على الجوهرة 64-66، 84. متن الدردير 25 من مجموع مهمات المتون، التسعينية وقد استغرق موضوع الرد عليهم في القرآن أكثر مباحثها ومن أعظمهما وأنفسها ما ذكره في الوجه السابع والسبعين فليراجع. الفهرس -------------------------------------------------------------------------------- القدر السادس: القدر: أراد الأشاعرة هنا أن يوفقوا بين الجبرية والقدرية فجاءوا بنظرية الكسب وهي في مالها جبرية خالصة لأنها تنفي أي قدرة للعبد أو تأثير أما حقيقتها النظرية -الفلسفية فقد عجز الأشاعرة أنفسهم عن فهمها فضلا عن إفهامها لغيرهم ولهذا قيل: مما يقـال ولا حقيقـة تحته ______________ معقولة تدنـوا إلى الإفهـام الكسب عند الأشعري والحال ______________ عند البهشمي وطفرة النظام ولهذا قال الرازي الذي عجز هو الآخر عن فهمها: "إن الإنسان مجبور في صورة مختار". أما البغدادي فأراد أن يوضحها فذكر مثالا لأحد أصحابه في تفسيرها شبه فيه اقتران قدرة الله بقدرة العبد مع نسبة الكسب إلى العبد "بالحجر الكبير قد يعجز عن حمله رجل ويقدر آخر على حمله منفرداً به فإذا اجتمعا جميعا على حمله كان حصول الحمل بأقوالهما، ولا خرج أضعفهما بذلك عن كونه حاملاً"!! وعلى مثل هذا المثال الفاسد يعتمد الجبرية وبه يتجرأ القدرية المنكرون، لأنه لو أن الأقوى من الرجلين عذب الضعيف، وعاقبه على حمل الحجر فإنه يكون ظالماً باتفاق العقلاء، لأن الضعيف لا دور له في الحمل، وهذه المشاركة الصورية لا تجعله مسؤولا عن حمل الحجر. والإرادة عند الأشاعرة معناها "المحبة والرضا" وأولوا قوله تعالى: "ولا يرضى لعباده الكفر" بأنه لا يرضاه لعباده المؤمنين! فبقي السؤال وارداً عليهم: وهل رضيه للكفار أم فعلوه وهو لم يرده؟ ومن هذا القبيل كلامهم في الاستطاعة، والحاصل أنهم في هذا الباب خرجوا منا لمنقول والمعقول ولم يعربوا عن مذهبهم فضلا عن البراهين عليه!! (32). ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ 32- الأنصاف: 45-46، بهوامش الكوثري، الإرشاد: 187-203، أصول الدين: 133، نهاية الأقدام: 77، المواقف: 311، شفاء العليل 259- 261 وغيرها. الفهرس -------------------------------------------------------------------------------- السببية وأفعال المخلوقات السابع: السببية وأفعال المخلوقات: ينكر الأشاعرة الربط العادي بإطلاق وأن يكون شيء يؤثر في شيء وأنكروا كل "باء سببية" في القرآن، وكفروا وبدعوا من خالفهم ومأخذهم فيها هو مأخذهم في القدر، فمثلا عندهم: من قال أن النار تحرق بطبعها أو هي علة الإحراق فهو كافر مشرك لأنه لا فاعل عندهم إلا الله مطلقا حتى أن أحد نحاة الأندلس من دولة الموحدين التومرتية الأشعرية هدم "نظرية العامل" عند النجاة مدعيا أن الفاعل هو الله!!. قالوا إن الأسباب علاقات لا موجبات حتى أنهم يقولون: الرجل إذا كسر الزجاجة ما انكسرت بكسره وإنما انكسرت عند كسره، والنار إذا أحرقت ما تحرق ما احترق بسببها وإنما احترق عندها لا بها فالإنسان إذا أكل حتى شبع ما شبع بالأكل وإنما شبع عند الأكل. ومن قال عندهم أن النار تحرق بقوة أودعها الله قيها فهو مبتدع ضال، قالوا أن فاعل الإحراق هو الله ولكن فعله يقع مقترنا بشيء ظاهري مخلوق، فلا ارتباط عندهم بين سبب ومسبب أصلا وإنما المسالة اقتران كاقتران الزميلين من الأصدقاء في ذهابهما وإيابهما. ومن متونهم في العقيدة: والفعل في التأثير ليس إلا ________ للواحد القهار جل وعلا ومن يقل بالطبع أو بالعلة ________ فذاك كفر عند أهل الملة ومن يقل بالقوة المودعة ________ فـذاك بدعـي فلا تلتفت والغريب أن هذا هو مذهب ما يسمى المدرسة الوضعية من المفكرين الغربيين المحدثين ومن وافقهم من ملاحدة العرب، وما ذاك إلا لأن الأشاعرة والوضعيين كرهما ناقل عن الفكر الفلسفي الإغريقي. (33) ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ 33- المصادر السابقة في القدر، وشرح الكبرى: 184، شرح أم البراهين: 11، 80-81، منظومة الدردرير 240 وقد أفردناها عن القدر لأنهم يفردونها وقد يقدمونها باعتبارها من قضايا الكفر والإيمان!! وعن المدرسة الوضعية انظر "المنطق الوضعي" زكي نجيب محمود فهو أحدهم. الفهرس -------------------------------------------------------------------------------- الحكمة الغائبة الثامن: الحكمة الغائبة: ينفي الأشاعرة قطعاً أن يكون لشيء من أفعال الله تعالى علة مشتملة على حكمة تقتضي إيجاد الفعل أو عدمه، وهذا نص كلامهم تقريباً، وهو رد فعل لقول أو عدمه، وهذا نص كرمهم تقريبا، وهو رد فعل لقول المعتزلة بالوجوب على الله حتى أنكر الأشاعرة كل لام تعليل في القرآن وقالوا أن كونه يفعل شيئا لعلة ينافي كونه مختارا مريدا. وهذا الأصل تسمية بعض كتبهم "نفي الغرض عن الله" ويعتبرونه من لوازم التنزيه، وجعلوا أفعاله تعالى كلها راجعة إلى محض المشيئة ولا تعليق لصفة أخرى -كالحكمة مثلا- بها، ورتبوا على هذا أصولا فاسدة كقولهم بجواز أن يخلد الله في النار أخلص أوليائه ويخلد في الجنة افجر الكفار، وجواز التكليف بما لا يطاق ونحوها. وسبب هذا التأصيل الباطل عدم فهمهم ألا تعارض بين المشيئة والحكمة أو المشيئة والرحمة. ولهذا لم يثبت الأشاعرة الحكمة مع الصفات السبع واكتفوا بإثبات الإرادة مع أن الحكمة تقتضي الإرادة والعلم وزيادة حتى أن من المعاصرين من أضافها مثل سعيد حوى .(34) ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ 34- انظر المواقف: 331، شرح الكبرى: 322، 423، شرح أم البراهين: 36، النبوات 163-230، مجموع الفتاوي: 16/299، وقد أطال ابن القيم في رد شبه الأشاعرة في شفاء العليل: أنظر مثلا من 391 إلى 521، حيث رد عليهم من 36 وجها ومنهاج السنة: 1/128 الطبعة القديمة. الله جل جلاله: 90 وقد ذكر الحكمة ضمن الظواهر ولم يذكرها ضمن الصفات. الفهرس -------------------------------------------------------------------------------- النبوات التاسع: النبوات: يختلف مذهب الأشاعرة عن مذهب أهل السنة والجماعة في النبوات اختلافا بعيداً، فهم يقررون أن إرسال الرسل راجع للمشيئة المحضة -كما في الفقرة السابقة- ثم يقررون أنهلا دليل على صدق النبي إلا المعجزة لكنها لا تكون مقرونة بإدعاء النبوة والتحدي، قالوا: ولو ادعى الساحر أو الكاهن النبوة لسلبه الله معرفة السحر رأساً وإلا كان هذا إضلالا من الله وهو يمتنع عليه الإضلال.. إلى آخر ما يقررونه مما يخالف المنقول والمعقول، ولضعف مذهبهم في النبوات مع كونها من أخطر أبواب العقيدة إذ كل أمورها متوقفة على ثبوت النبوة أغروا أعداء الإسلام بالنيل منه واستطال عليهم الفلاسفة والملاحدة. والصوفية منهم كالغزالي يفسرون الوحي تفسيرا قرمطياً فيقولون هو إنتقاش العلم الفائض من العقل الكلي في العقل الجزئي(35) . أما في موضوع العصمة فينكرون صدور الذنب عن الأنبياء ويؤولون الآيات والأحاديث الكثيرة تأويلا متعسفاً متكلفاً كالحال في تأويلات الصفات. (36) ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ 35- انظر الإرشاد: 306، 356، غاية المرام 318، الرسالة اللدنية: 1:114- 118 (من مجموعة القصور العوالي). 36- نهاية الأقدام: 370، شرح الكبرى: 429، غاية المرام 234، المواقف 323، مجموع الفتاوى 8/432-436، التسعينية: 247. الفهرس -------------------------------------------------------------------------------- التحسين والتقبيح العاشر: التحسين والتقبيح: ينكر الأشاعرة أن يكون للعقل والفطرة أي دور في الحكم على الأشياء بالحسن والقبح ويقولون مرد ذلك إلى الشرح وحده، وهذا رد فعل مغال، لقول البراهمة والمعتزلة أن العقل يوجب الحسن وقبح القبيح، وهو مع منافاته للنصوص مكابرة للعقول، ومما يترتب عليه من الأصول الفاسدة قولهم أن الشرع قد يأتي بما هو قبيح في العقل فإلغاء دور العقل بالمرة اسلم من نسبة القبح إلى الشرع مثلا ومثلوا لذلك بذبح الحيوان فإنه إيلام له بلا ذنب وهو قبيح فيا لعقل ومع ذلك أباحه الشرع، وهذا في الحقيقة قول البراهمة الذين يحرمون أكل الحيوان فلما عجز هؤلاء عن رد شبهتهم ووافقوهم عليها أنكروا حكم العقل من أصله وتوهموا أنهم بهذا يدافعون عن الإسلام. كما أن من أسباب ذلك مناقضة أصل من قال بوجوب الثواب والعقاب على الله بحكم العقل ومقتضاه. (37) ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ 37- المصادر السابقة. الفهرس -------------------------------------------------------------------------------- التأويل الحادي عشر: التأويل: ومعناه المبتدع صرف اللفظ عن ظاهره الراجح إلى احتمال مرجوح لقرينه فهو بهذا المعنى تحريف للكلام عن مواضعه كما قرر ذلك شيخ الإسلام. وهو أصل منهجي من أصول الأشاعرة وليس هو خاصاً بمبحث الصفات بل يشمل أكثر نصوص الإيمان خاصة ما يتعلق بإثبات زيادته ونقصانه وتسمية بعض شعبه إيماناً ونحوها وكذا بعض نصوص الوعد والوعيد وقصص الأنبياء خصوصاً موضوع العصمة، وبعض الأوامر التكليفيه أيضا. وضرورته لمنهج عقيدتهم أصلها أنه لما تعارضت عندهم الأصول العقلية التي قرروها بعيداً عن الشرع مع النصوص الشرعية وقعوا في مأزق رد الكل أو أخذ الكل فوجدوا في التأويل مهربا عقليا من التعارض الذي اختلقته أوهامهم ولهذا قالوا إننا مضطرون للتأويل وإلا أوقعنا القرآن في التناقض. وأن الخلف لم يؤولوا عن هوى ومكابرة وإنما عن حاجة واضطرار؟ فأي تناقض في كتاب الله يا مسلمون نضطر معه إلى رد بعضه أو الإعتراف للأعداء بتناقضه؟ وقد اعترف الصابوني بأن في مذهب الأشاعرة "تأويلات غربية" فما المعيار الذي عرف بها لغريب من غير الغريب؟ وهنا لا بد من زيادة التأكيد على أن مذهب السلف لا تأويل فيه لنص من النصوص الشرعية إطلاقا ولا يوجد نص واحد -لا في الصفات ولا غيرها- اضطر السلف إلى تأويله ولله الحمد، وكل الآيات والأحاديث التي ذكرها الصابوني وغيره تحمل في نفسها ما يدل على المعنى الصحيح الذي فهمه الصلف منها والذي يدل على تنزيه الله تعالى دون أدنى حاجة إلى التأويل. أما التأويل في كلام السلف فله معنيان: (1) التفسير كما تجد في تفسير الطبري ونحوه "القول في تأويل هذه الآية" أي تفسيرها. (2) الحقيقة التي يصير إليها الشيء كما في قوله تعالى: "هذا تأويل رؤياي من قبل" أي تحقيقها. وقوله: "يوم يأتي تأويله". أي تحقيقه ووقوعه. أما التأويل فله مفهوم آخر: راجع الحاشية. وإن تعجب فاعجب لهذه اللفظة النابية التي يستعملها الأشاعرة م النصوص وهي أنها "توهم" التشبيه ولهذا وجب تأويلها فهل في كتاب الله إيهام أم أن العقول الكاسدة تتوهم والعقيدة ليست مجال توهم. فالعيب ليس في ظاهر النصوص -عياذا بالله- ولكنه في الإفهام- بل الأوهام السقيمة. أما دعوى أن الإمام أحمد استثنى ثلاثة أحاديث وقال لا بد من تأويلها فهي قرية عليه افتراها الغزالي في (الإحياء وفيصل التفرقة) ونفاها شيخ الإسلام سندا ومتنا. وحسب الأشاعرة في باب التأويل ما فتحوه على الإسلام من شرور بسببه فإنهم لما أولوا ما أولوا تبعتهم الباطنية واحتجت عليهم في تأويل الحلال والحرام والصلاة والصوم والحج والحشر والحساب، وما من حجة يحتج بها الأشاعرة عليهم في الأحكام والآخرة إلا احتج الباطنية عليهم بمثلها أو أقوى منها من واقع تأويلهم للصفات. وإلا فلماذا يكون تأويل الأشاعرة لعلو الله -الذي تقطع به العقول والفطر والشرائع -تنزيها وتوحيداً وتأويل الباطنية للبعث والحشر كفرا وردة؟(38) . أليس كل منهما ردا لظواهر مع أن نصوص العلو أكثر واشهر من نصوص الحشر الجسماني؟. ولماذا يكفر الأشاعرة الباطنية ثم يشركونهم في أصل من أعظم أصولهم؟ ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ 38- عن التأويل جملة انظر كتاب ابن فورك كاملا، والإنصاف: 56، 165، وغيرها والإرشاد: فصل كامل له، أساس التقديس: فصل كامل أيضاً. وعن الثلاثة الأحاديث انظر: أحياء علوم الدين طبعة الشعب: 1/179 والرد في مجموع الفتاوي 5/398 وانظر كذلك 6/397، 580 تنبيه حول التأويل: التأويل الذي يذكره الفقهاء في باب البغاة وقد يرد في بعض كتب العقيدة لاسيما في موضوع التكفير والاستحلال هو غير التأويل المذكور هنا إن كانت أكثرالكتب تسمية تأويلا وهو في الحقيقة تأويلا لأن الفعل الماضي منه "تأول". فالتأويل هو: وضع الدليل في غير موضعه باجتهاد أو شبه تنشأ من عدم فهم دلالة النص، وقد يكون المتأول مجتهداً مخطئا فيعذر وقد يكون متعسفاً متوهماً فلا يعذر وعلى كل حال يجب الكشف عن حاله وتصحيح فهمه قبل الحكم عليه ولهذا كان من مذهب السلف عدم تكفير المتأويل حتى تقام عليه الحجة مثلما حصل مع بعض الصحابة الذين شربوا الخمر في عهد عمر متأولين قوله تعالى "ليس على الذين آمنوا وعملوا الصالحات جناح فيما طمعوا" الآية. ومثل هذا من أول بعض الصفات عن حسن نية متأولا قوله تعالى "ليس كمثله شيء" فهو مؤول متأولا ولا يكفر، ولهذا لم يطلق السلف تكفير المخالفين في الصفات أو غيرها لأن بعضهم أو كثير منهم متأولون، أما الباطنية فلا شك في كفرهم لن تأويلهم ليس له أي شبه بل أرادوا هدم الإسلام عمدا بدليل أنهم لم يكتفوا بتأويل الأمور الاعتقادية بل أولوا الأحكام العملية كالصلاة والصوم والحج. الخ. الفهرس -------------------------------------------------------------------------------- السمعيات الثاني عشر: السمعيات: يقسم الأشاعرة أصول العقيدة بحسب مصدر التلقي إلى ثلاثة أقسام: (1) قسم مصدره العقل وحده وهو معظم البواب ومنه باب الصفات ولهذا يسمون الصفات السبع "عقلية" وهذا القسم هو "ما يحكم العقل بوجوبه" دون توقف على الوحي عندهم. (2) قسم مصدره العقل والنقل معا كالرؤية 0على خلاف بينهم فيها- وهذا القسم هو "ما يحكم العقل بجوازه استقلالا أو بمعاضدة الوحي. (3) قسم مصدره النقل وحده وهو السمعيات أو المغيبات من أمور الآخرة كعذاب القبر والصراط والميزان وهو عندهم: مالا يحكم العقل باستحالته لكن لو لم يرد به الوحي لم يستطع العقل إدراكه منفردا. ويدخلون فيه التحسين والتقبيح والتحليل والتحريم. والحاصل أنهم في صفات الله جعلوا العقل حاكما وفي إثبات الآخرة جعلوا العقل عاطلا وفي الرؤية جعلوه مساويا. فهذه الأمور الغيبية نتفق معهم على إثباتها لكننا نخالفهم فيا/أخذ والمصدر، فهم يقولون عند ذكر أي أمر منها نؤمن به لأن العقل لا يحكم باستحالته ولأن الشرع جاء به ويكررون ذلك دائماً، أما في مذهب أهل السنة والجماعة فلا منافاة بين العقل والنقل أصلا ولا تضخيم للعقل في جانب وإهدار في جانب وليس هناك أصل من أصول العقيدة يستقل بإثباته أبدا كما أنه ليس هناك اصل منها لا يستطيع العقل إثباته أبدا. فالإيمان بالآخرة وهو اصل كل السمعيات ليس هو في مذهب أهل السنة والجماعة سمعياً فقط بل أن الأدلة عليه من القرآن هي نفسها عقلية كما أن الفطر السليمة تشهد به فهو حقيقة مركوزة في أذهان البشر ما لم يحرفهم عنها حارف. لكن لو أن العقل حكم باستحالة شيء من تفصيلاته -فرضاً وجدلاً- فحكمه مردود وليس إيماننا به متوقفا على حكم العقل. وغاية الأمر أن العقل قد يعجز عن تصوره أما أن يحكم باستحالته فغير وارد ولله الحمد. (39) ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ 39- انظر الإرشاد: 358، 340، وانظر الجزء الثاني من مجموع الفتاوي 7-27. الفهرس -------------------------------------------------------------------------------- التكفير الثالث عشر: التكفير: التكفير عند أهل السنة والجماعة حق لله تعالى لا يطلق إلا على من يسحقه شرعا ولا تردد في إطلاقه على من ثبت كفره بشروطه الشرعية. أما الأشاعرة فهم مضطرون إضرابا كبيرا فتارة يقولون نحن لا نكفر أحدا وتارة يقولون نحن لا نكفر إلا من كفرنا وتارة يكفرون بأمور لا تستوجب أكثر من التفسيق أو التبديع وتارة يكفرون بأمور لا توجب مجرد التفسيق وتارة يكفرون بأمور هي نفسها شرعية. ويجب على كل مسلم أن يعتقدها. فأما قولهم لا نكفر أحدا فباطل قطعاً إذ في المنتسبين إلى الإسلام فضلا عن غيرهم كفار لا شك في كفرهم وأما قولهم لا نكفر إلا من كفرنا فباطل كذلك إذ ليس تكفير أحد لنا بمسوغ أن نكفره إلا إذا كان يستحق ذلك شرعاً. وأما تكفير من لا يستحق سوى التبديع فمثل تصريحهم في اغلب كتبهم بتكفير من قال إن الله جسم لا كالأجسام وهذا ليس بكافر بل هو ضال مبتدع لأنه أتى بلفظ لم يرد به الشرع والأشاعرة تستعمل ما هو مثله وشر منه. وأما تكفير من لا يستحق حتى مجرد الفسق أو المعصية فكما مر في الفقرة السابعة من تكفيرهم من قال أن النار علة الإحراق والطعام علة الشبع. وأما التكفير بما هو حق في نفسه يجب اعتقاده فنحو تكفيرهم لمن يثبت علو الله ومن لم يؤمن بالله على طرية أهل الكلام وكقولهم أن الأخذ بظواهر النصوص من أصول الكفر كقولهم أن عبادة الأصنام فرع من مذهب المشبهة ويعنون بهم أهل السنة والجماعة. ومن شواهد تكفير بعضهم قديماً وحديثاً لشيخ الإسلام ابن تيمية وابن القيم وحسبك ما في كتب الكوثري وتلميذه مؤلف براءة الأشعريين. (40) ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ 40- انظر المواقف: 392، ومصادر المبحث "السابع"، أساس التقديس: 16، 196، شرح الكبرى 62 أركان الإيمان: 298-299. الفهرس -------------------------------------------------------------------------------- الصحابة والإمامة الرابع عشر: الصحابة والإمامة: من خلال استعراضي لأكثر أمهات كتب الأشاعرة وجدت أن موضوع الصحابة هو الموضوع الوحيد الذي يتفقون فيه مع أهل السنة والجماعة وقريب منه موضوع الإمامة. ولا يعني هذا الاتفاق التام بل هم مخالفون في تفصيلات كثيرة لكنها ليست داخلة في بحثنا هنا لأن غرضنا -كما في سائر الفقرات- إنما هو المنهج والأصول. الفهرس -------------------------------------------------------------------------------- الصفات الخامس عشر: الصفات: والحديث عنها يطول وتناقضهم وتحكمهم فيها أشهر وأكثر، وكل مذهبهم في الصفات مركب من بدع سابقة وأضافوا إليه بدعا أحدثوها فاصبح غاية في التلفيق المتنافر. ولن أتحدث عن هذا الباب هنا لني التزمن ببيان الأصول التي خالفوا فيها أهل السنة والجماعة عدا الصفات. أما مخالفتهم في الصفات فمعروفة وإن كان كثير من أسس نظرياتهم فيها يحتاج لجلية ونسف. ولعل هذا ما يكون في الرد المتكامل بإذن الله. الفهرس -------------------------------------------------------------------------------- فارق منهجي ونموذجي: التناقض ومكابرة العقل هل بقي شك؟ بعد هذه المخالفات المنهجية في أبواب العقيدة كلها وبعد هذا التميز الفكري الواضح لمذهب الأشاعرة إضافة إلى التميز التاريخي هل بقي شك في خروجهم عن مذهب أهل السنة والجماعة الذي هو مذهب السلف الصالح. لا أظن أي عارف بالمذهبين ولو من خلال ما سبق هنا يتصور ذلك. ومع هذا فسوف أضيف فوارق منهجية أخرى وضوابط في علم الفرق والمقالات لا يشك في صدقها مطلع بل سأكتفي بفارق واحد وضابط واحد: فارق منهجي ونموذجي: التناقض ومكابرة العقل: ليس هناك مذهب اكثر تناقضا من مذهب الأشاعرة -الهم إلا مذهب الرافضة- لكن الرافضة كما قال الإمام: أحمد: "ليست الرافضة من الإسلام في شيء". كما قال شيخ الإسلام: "إن الرافضة قوم لا عقل لهم ولا نقل"، أما هؤلاء فيدعون العقل ويحكمونه في النقل ثم يتناقضون تناقضاً يبرؤ منه العقل ويخلو مذهب أهل السنة والجماعة من أدنى شائبة منه ولله الحمد، وكما سيلاحظ القارئ هنا يرجع معظم تناقضهم إلى كونهم لم يسلموا للوحي تسليما كاملاً ويعرفوا للعقل منزلته الحقيقية وحدوده الشرعية ولم يلتزموا بالعقل التزاما واضحاً ويرسموا منهجا عقليا متكاملاً كالمعتزلة والفلاسفة بل خلطوا وركبوا فتناقضوا واضطربوا. وإليك أمثلة سريعة للتناقض ومكابرة العقل: 1- قالوا: أنه لا يجوز أن يرى الأعمى بالمشرق البقعة بالأندلس. 2- قالوا: إن الجهة مستحيلة في حق الله ثم قالوا بإثبات الرؤية ولهذا قيل فيهم: "من أنكر الجهة واثبت الرؤية فقد أضحك الناس على عقله". 3- قالوا: إن لله سبع صفات عقلية يسمونها "معاني" هي "الحياة واعلم والقدرة والإرادة والسمع والبصر والكلام ولم يكتفوا بهذا التحكم المحض، بل قالوا غن له سبع صفات أخرى يسمونها "معنوية" وهي "كونه حيا وكونه عالما وكونه قادرا وكونه مريدا وكونه سميعا وكونه بصيرا وكونه متكلما" ثم لم يأتوا في التفريق بين المعاني والمعنوية بما يستسيغه عقل بل غاية ما قالوا أن هذه الأخيرة أحوال فإذا سألتهم ما الحال؟. قالوا صفة لا معدومة ولا موجودة... 4- قالوا:إنه لا اثر لشيء من المخلوقات في شيء ولا فعل مطلقا ثم قالوا إن للإنسان كسبا يجازى لأجله، فكيف يجازى على مالا أثر له فيه مطلقاً (راجع فقرتي: السادس والسابع). 5- قالوا: بنفي الحكمة والتعليل في أفعال الله مطلقا، ثم إن الله يجعل لكل نبي معجزة لأجل إثبات صدق النبي فتناقضوا بين ما يسمونه "نفي الحكمة والغرض وبين إثبات الله للرسول تفريقا بينه وبين المتنبئ. 6- قالوا: بأن أحاديث الآحاد مهما صحت لا يثني عليها عقيدة ثم أسسوا مذهبهم وبنوه في اخطر الأصول والقضايا (الإيمان، القرآن، العلو) على بيتين غير ثابتين عن شاعر نصراني -الأخطل- هما: (1) إن الكلام لفي الفؤاد إنما جعل اللسان على الفؤاد دليلا (2) قد استوى بشر على العراق من غير سيف ودم مهراق 7- قالوا: بأن رفع النقيضين محال -وهو كذلك- محتجين بها في مسائل ثم قالوا في صفة من أعظم وأبين الصفات "العلو": إن الله لا داخل العالم ولا خارجه ولا فوقه ولا تحته ولا عن يمنيه ولا عن شماله... وقالوا عن الأحوال: هي صفات لا معدومة ولا موجودة فرفعوا النقيضين معاً. 8- قالوا: إن العقل يقدم على النقل عند التعارض بل العقل هو الأصل والنقل إن وافقه قبل وإن خالفه رد أو أول، ثم قالوا إن العقل لا يحسن شيئا ولا يقبحه، فجعلوا -مثلا- نصوص علو الله معارضة للقواطع العقلية في حين جعلوا قبح الزنا والكذب مسألة سمعية... 9- قالوا: إن تأويل آيات الصفات واجب يقتضيه التنزيه وتأويل آيات الحشر والأحكام كفر يخرج من الملة... أما من دعا غير الله أو ذبح له واستغاث به أو تحاكم غلى الطاغوت فلم يتعرضوا لذكره أصلا. 10-قالوا: إن من قال إن النار تحرق بطبعها كافر مشرك ومن أنكر علو الله على خلقه موحد منزه. 11 -جزموا بأن من لم يبلغه الشرع غير مؤاخذ بإطلاق وردوا أو أولوا النصوص في ذلك. ثم قالوا: إن على كل مكلف وإن كان مولودا من أبوين مسلمين في ديار الإسلام وهو يظهر الإسلام -عليه إذا بلغ سن التكليف أن ينظر في حدوث العالم ووجود الله فإن مات قبل النظر أو في أثنائه اختلفوا في الحكم بإسلامه وجزم بعضهم بكفره(41) . هذا فيض من تناقضهم مع أصولهم ومكابرتهم للعقل السليم ومن أراد الاستزادة والتفصيل فليراجع التسعينية لشيخ الإسلام ابن تيمية. وهناك قضية بالغة الخطورة لا سيما في هذا العصر وهي الأخطاء العلمية عن الكون التي تمتلئ بها كتب الأشاعرة والتي يتخذها الملاحدة، وسيلة للطعن في الإسلام وتشكيك المسلمين في دينهم. من ذلك ما حشده صاحب المواقف في أول كتابه من فصول طويلة عن الفلك والحرارة والضوء والمعادن وغيرها مما قد يكون ذا شان في عصره لكنه اليوم أشبه بأساطير اليونان أو خرافات العجائز. ومن ذلك قول البغدادي إن أهل السنة (42) أجمعوا على وقوف الأرض وسكونها (43) واستدل على ذلك في كتابه أصول الدين "بمعنى اسم الله الباسط" قال: لأنه بسط الأرض وسماها بساطا خلاف زعم الفلاسفة والمنجمين أنها كروية (44) ومثله صاحب المواقف الذي أكد أنها مبسوطة وأن القول بأنها كرة من زعم الفلاسفة(45) . ورحم الله شيخ الإسلام ابن تيمية ما كان أعظمه حين قال: "والخطأ فيما تقوله المتفلسفة في الإلهيات والنبوات والمعاد والشرائع أعظم من خطأ المتكلمين. وأما فيما يقولونه في العلوم الطبيعية والرياضية فقد يكون صواب المتفلسفة أكثر من صواب من رد عليهم من أهل الكلام، فإن أكثر أهل الكلام في هذه الأمور بلا علم ولا عقل ولا شرع. (46) ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ 41- شرح الباجوري: 31، شرح الكبرى: 39، 210، 213، حاشية السوقي: 54-70-97، مصادر الموضوعات السابقة. 42- يعني بهم الأشاعرة كعادته هو وبعض أصحابه ولهذا يجب التفطن لمثل هذا عند النقل من كتبهم. 43- الفرق بين الفرق: 318. 44- انظر ص 124. 45- انظر المواقف : 199، 217، 219. الفهرس -------------------------------------------------------------------------------- ضابط من ضوابط معرفة الفرق واختلافها ضابط من ضوابط معرفة الفرق واختلافها: ومن المعلوم لدى الباحثين في الفرق واختلافها أن لكل فرقة أساسا منهجيا تتفق عليه طوائفها وترجع إليه أصولها وقواعدها ومن خالف فيه خرج عن انتسابه لها ومن لم ينطبق عليه لم يدخل فيها. فمثلا كل من قال بالأصول الخمسة فهو معتزلي كل من قال أن الإنسان مجبور على أفعاله فهو جبري وكل من قال إن الإيمان هو المعرفة أو التصديق فهو مرجئ وكل من قال بالكلام النفسي والكسب فهو أشعري.. إلى آخر ما هو معروف. وهذا ضابط منهجي يحدد به الباحث الفرقة والانتماء إليها. وبتطبيق هذا الضابط الذي لا خلاف في تحديده يتبين قطعاً أن المرجئة والقدرية والمعتزلة ليسوا من أهل السنة والجماعة وهذا ما تقوله الأشاعرة ولا تخالف فيه. ومن الثابت عن كثير من السلف وعليه جرى المصنفون في الفرق والمقالات من أهل السنة والأشاعرة أن أصول الفرق الثنتين وسبعين الخارجة عن أهل السنة والجماعة أربع "القدرية، والشيعة، والخوارج، والمرجئة". فنقول بعد ذلك: إذا كان المرجئ والقدري ليسا من أهل السنة فما حكم من جمع بين الأرجاء والقدر أو الأرجاء والجبر أو جمع بين الأصول المعتزلة وقول الرافضة؟. أيكون هذا من أهل السنة والجماعة؟ أم أكثر بعدا عنهم؟. والجواب الطبيعي معروف. وعليه نقول: 1- إذا كانت المرجئة الخالصة (أي التي لم تخلط بالأرجاء شيئا من البدع في الصفات أو غيرها) ليست هي أهل السنة والجماعة ولا منهم، فكيف يكون حال الأشاعرة الذين جاءوا بالرجاء كاملاً وزادوا عليه بدعا أخرى في أبواب العقيدة الأخرى كما مر سابقا. 2- إذا كانت الجبرية الخالصة ليست هي أهل السنة والجماعة ولا منهم فكيف يكون حال الأشاعرة الذين جاءوا بالكسب (الذي اعترف بدعة على أي حال) وزادوا عليه كما سبق. أضف إلى هذا أن كل ذم للصوفية فللأشاعرة منه نصيب لأن أكثر أئمة الصوفية المنحرفين كالغزالي وابن القشيري كانوا أشاعرة. 3- هل يرضى الأشاعرة أن يقال عنهم معتزلة فإن قالوا: لا. وهو المتوقع قلنا: وأهل السنة والجماعة لا يرضون أن يقال عنهم أشاعرة أبداً، فإن خالفونا. قلنا: تعالوا لنقيس نحن وأنتم المسافة بيننا وبينكم وبين المعتزلة وعندها ترون أنكم أقرب إليهم منكم إلينا وإن كنتم أقرب إليها منهم. 4- لو أن أي باحث في الفرق يعرف أصولها وضوابط تحديدها اطلع على كتب فرقة من الفرق أو على من الأعلام فوجدها مملؤة شتما وتضليلا وتبديعاً وتكفير لفرقة معينة فهل يجوز له أن يكتب في بحثه أن هذه الفرقة وتلك سواء أو أن هذه جزء من هذه وهل يقبل هذا منه أي أستاذ للفرق والمذاهب؟. 5- بل لو سمعت أحدا من العامة يشتم طائفة من الناس فقلت له أنت منهم، افيرضى بهذا أم يعتبره شتما له؟. فما القول إذن في الأشاعرة الذين تمتلئ كتبهم بشتم وتضليل وتبديع أهل السنة والجماعة وأحياناً بتكفيرهم. أيصح بعد هذا أن نقول إنهم منهم؟. وإن أردت التأكد فأسال أي اشعري ما المراد بقول الرازي أو الجويني أو الأيجي.. الخ. (الحشوية، المجسمة، الثابتة، مثبتو الجهة، القائلون بأن الحوادث تحل في الله..الخ) (47). إن الأجوبة كلها بدهية ولكن ماذا نصنع وقد ابتلينا بمن ينكر البدهات. أيهما الفرقة الناجية؟ قد أوضحنا فيما سبق أن أهل السنة والجماعة والأشاعرة فرقتان مختلفتان، وهذا يستلزم تحديد أيهما الفرقة الناجية؟. وما أوضح هذا التحديد أسهله، لكن مكابرة بعض الأشاعرة بادعاء أن الأشاعرة وأهل السنة والجماعة كلاهما ناج يجعلنا نبدأ بإلقاء سؤال عن الفرقة الناجية: أهي فرقة واحدة أم فرقتان؟ والجواب: مع بداهته لكل ذي عقل -مفروغ منه نصا، فقد أخبر النبي صلى الله عليه وسلم في روايات كثيرة لحديث افتراق هذه الأمة على ثلاث وسبعين فرقة: "إنها كلها في النار إلا واحدة". وما قال صلى الله عليه وسلم ولا أحد من أصحابه ولا تابعيهم أنها اثنتان. وعليه جاء تفسير قوله تعالى: "وأن هذا صراطي مستقيما فاتبعوه ولا وتتبعوا السبل فتفرق بكم عن سبيله"أن الطريق المستقيم هو السنة والسبل هي الأهواء، وما هو إلا طريق واحد كما خط النبي صلى الله عليه وسلم بيده. وعلى هذا سارت كتب الفرق -السني منها والبدعي- فهي تقرر أن الفرقة الناجية واحدة ثم تدعي كل فرقة أنها هي هذه الواحدة. بقي إذن أن يقال: ما هي صفة هذه الفرقة وعلامتها؟ والجواب أنه جاء في بعض روايات الحديث نفسه -من طرق يقوي بعضها بعضا- أنها "ما أنا عليه وأصحابي" ومعناها قطعا صحيح، ولا تخالف فيه الأشاعرة بل في الجوهرة: وكل خير في اتباع من سلف _________ وكل شر في ابتداع من خلف فنقول لهم إذن: أكان مما عليه النبي صلى الله عليه وسلم وأصحابه وسلف الأمة: تقديم العقل على النقل أو نفي الصفات ما عدا المعنوية والمعاني، أو الاستدلال بدليل الحدوث والقدم، أو الكلام عن الجوهر والعرض والجسم والحال... أو نظرية الكسب، أو أن الإيمان هو مجرد التصديق القلبي، أو القول بأن الله لا داخل العالم ولا خارجه ولا فوقه ولا تحته، أو الكلام النفسي الذي لا صيغة له، أو نفي قدرة العبد وتأثير المخلوقات، أو إنكار الحكمة والتعليل... إلى آخر ما في عقيدتكم؟ إننا نربأ بكل مسلم أن يظن ذلك أو يقوله. بل نحن نزيدكم إيضاحا فنقول: أن هذه العقائد التي أدخلتموها في الإسلام وجعلتموها عقيدة الفرقة الناجية بزعمكم. هي ما كان عليه فلاسفة اليونان ومشركوا الصابئة وزنادقة أهل الكتاب. لكن ورثها عنهم الجهم بن صفوان وبشر المريسي وابن كلاب وأنتم ورثتموها عن هؤلاء، فهي من تركه الفلاسفة والابتداع وليست من ميراث النبوة والكتاب. ومن أوضح الأدلة على ذلك أننا ما نزال حتى اليوم نرد عليكم بما ألفه أئمة السنة الأولون من كتب في الردود على "الجهمية" كتبوها قبل ظهور مذهبهم بزمان، ومنهم الإمام أحمد والبخاري وأبو داود والدارمي وابن أبي حاتم.. فدل هذا على أن سلفكم أولئك الثلاثة وأشباههم مع ما زدتم عليهم وركبتم من كلامهم من بدع جديدة. على أن المراء حول الفرقة الناجية ليس جديداً من الأشاعرة فقد عقدوا لشيخ الإسلام ابن تيمية محاكمة كبرى بسبب تأليفه :العقيدة الواسطية" وكان من أهم التهم الموجهة إليه أنه قال في أولها: "فهذا اعتقاد الفرقة الناجية.". إذ وجدوا هذا مخالفا لما تقرر لديهم من الفرقة الناجية هي الأشاعرة والماتريدية (48). وكان من جواب شيخ الإسلام لهم أنه أحضر أكثر من خمسين كتابا من كتب المذاهب الربعة وأهل الحديث والصوفية والمتكلمين كلها توافق ما في الواسطية وبعضها ينقل إجماع السلف على مضمون تلك العقيدة: وتحداهم -رحمه الله- قائلاً: "قد أمهلت كل من خالفني في شيء منها ثلاثة سنين فإن جاء بحرف واحد عن أحد من القرون الثلاثة.. يخالف ما ذكرت فأنا أرجع عن ذلك". قال: "ولم يستطيع المتنازعون مع طول تفتيشهم كتب البلد وخزائنه أن يخرجوا ما يناقض ذلك عن أحد من أئمة الإسلام وسلفه "(49). فهل يريد الأشاعرة المعاصرون أن نجدد التحدي ونمدد المهلة أم يكفي أن نقول لهم ناصحين: إنه لا نجاة لفرقة ولا لأحد في الابتداع وإنما النجاة كل النجاة في التمسك والإتباع.... ترجوا النجاة ولم تسلك مسالكها ـــــــــــ إن السفينة لا تجري على اليبس ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ 47- ومن العجيب أن الماتردية يخرجون الشاعرة من أهل السنة ويدعونه لأنفسهم وهم أكثر فرقتين في الإسلام تقاربا واشتراكاً في الأصول رابط هذا التعليق شارك المزيد من خيارات المشاركة
بن ابى شيبة بتاريخ: 14 يناير 2003 كاتب الموضوع تقديم بلاغ مشاركة بتاريخ: 14 يناير 2003 الأشاعرة فضيلة الشيخ/ سفر بن عبد الرحمن الحوالي -------------------------------------------------------------------------------- الفهرس -------------------------------------------------------------------------------- مقدمة موقف شيخ الإسلام ابن تيمية من الأشاعرة معنى مصطلح أهل السنة ودخول الأشاعرة فيه أو عدمه موقف ابن حجر من الأشاعرة الأصول المنهجية في مذهبهم إثبات وجود الله التوحيد الإيمان القرآن القدر السببية وأفعال المخلوقات الحكمة الغائبة النبوات التحسين والتقبيح التأويل السمعيات التكفير الصحابة والإمامة الصفات فارق منهجي ونموذجي: التناقض ومكابرة العقل ضابط من ضوابط معرفة الفرق واختلافها من أهل القبلة لا من أهل السنة كلمة التوحيد أساس توحيد الكلمة -------------------------------------------------------------------------------- مقدمة الحمد لله والصلاة والسلام على من لا نبي بعده. وبعد: فقد اطلعت على ما نشرته مجلة (المجتمع) في الأعداد من رقم627-632، والمقالات السابقة لها كذلك المقالتان المتضادتان في العدد 646 مما كتبه الشيخان الفوزان والصابوني عن مذهب الأشاعرة. وإذا كان من حق أي قارئ مسلم أن يهتم بالموضوع وأن يدلي برأيه إن كان لديه جديد، فكيف بمن هو متخصص في هذا الموضوع مثلي؟ فالأشاعرة جزء من موضوع رسالتي لدكتوراه "ظاهرة الإرجاء في الفكر الإسلامي" إذ هي أكبر فرق المرجئة الغلاة. ولن أستعجل نتائج بحثي ولكن حسبي أن أدّعي دعوى وأطرحها للمناقشة وأقبل بكل سرور من يدلي بوجهة نظره فيها. فمن واقع إسلامي وتخصصي رأيت أن أقول كلمة عسى الله أن ينفع بها، -ويعلم الله أني لو لم أشعر أن قولها واجب ضروري لما سطرتها- ولكن الموضوع أكبر من أن يسكت عليه أو يجامل فيه. ولي على كلام الشيخين ملاحظات:- أما الصابوني فلا يؤسفني أن أقول إن ما كتبه عن عقيدة السلف والأشاعرة يفتقر إلى أساسيات بدائية لكل باحث في العقيدة كما أن أسلوبه بعيدا كثيرا عن المنهج العلمي الموثق وعن الأسلوب المتعقل الرصين. وقد استبشرت بالبيان الأخير خيراً وحسبته بيان رجوع وبراءة فإذا هو بيان إصرار وتوكيد. ونظرا لكونه ليس إلا جزءاً من تيار بدعي يراد له اكتساح الأمة. ونظراً لتعرضه لقضايا بالغة الخطورة تحتاج إلى بحث مستفيض لا تسعه المقالات الصحفية فسوف أرجئ الكلام عنه إلى حين يتيسر لي بإذن الله إخراج الرد في الصورة التي أراها. وليكن معلوما أن هذا الرد الموعود ليس مقصودا به الصابوني ولا غيره من الأشخاص فالمسألة أكبر من ذلك وأخطر، إنها مسألة مذهب بدعي له وجوده الواقعي الضخم فالفكر الإسلامي حيث تمتلئ به كثير من كتب التفسير وشروح الحديث وكتب اللغة والبلاغة والأصول فضلاً عن كتب العقائد والفكر، كما أن له جامعاته الكبرى ومعاهده المنتشرة في اكبر بلاد الإسلام من الفلبين إلى السنغال. وقد ظهرت في الآونة الأخيرة محاولات ضخمة متواصلة لترميمه وتحديثه تشرف عليها هيئات رسمية كبرى ويغذونها المستشرقون بما ينبشونه من تراثه ويخرجون من مخطوطاته. ولهذا وجب على كل قادر أن يبين لأمته الحق وينصح لها مهما لقي فإن مما كان يبايع عليه النبي صلى الله عليه ويلم أصحابه النصح لكل مسلم وأن يقولوا الحق لا تأخذهم فيه لومة لائم. أما فضيلة الشيخ الفوزان فقد أحسن إلى (المجتمع) وقرائها بتلك المقالة، فقد عرض فيها -على قصرها- حقائق أصولية مركزة في أسلوب علمي رصين. وله العذر كل العذر - إذ لم أستوف الرد على الصابوني وبيان التناقضات التي هي سمة من سمات المنهج الأشعري نفسه، لأن الموضوع أكبر من أن تحيط به مقالة صحفية. ولهذا رأيت من واجبي أن أضيف إلى ما كتبه فضيلته مستدركاً ما لا يجوز تأجيله إلى ظهور الرد المتكامل. سفر بن عبد الرحمن الحوالي الفهرس -------------------------------------------------------------------------------- موقف شيخ الإسلام ابن تيمية من الأشاعرة أولاً: فات فضيلته أن يرد على الصابوني فيما عزاه إلى شيخ الإسلام -مكرراً إياه- من قوله "الأشعرية أنصار أصول الدين والعلماء أنصار فروع الدين". ولعل الشيخ وثق في نقل الصابوني مع أن الصابوني -على ما أرجح- أول من يعلم بطلان نسبة هذا الكلام لشيخ الإسلام ابن تيمية، ولغة العبارة نفسها ليست من أسلوب شيخ الإسلام، والغريب حقاً أنه أعاد هذا العزو في بيانه الأخير بالعدد 646 مؤكدا إصراره على التمويه والتدليس. وأنا أطلب من كل قارئ أن يراجع النص في ج 4 ص 16 من مجموع الفتاوي ليجد بنفسه قبل تلك العبارة نفسها كلمة "قال" فالكلام محكي منقول وقائله هو المذكور في أول الكلام -آخر سطر من ص 15- حيث يقول شيخ الإسلام: "وكذلك رأيت في فتاوى الفقيه أبي محمد هو والد إمام الحرمين أبو المعالي الجويني (وهو أشعري) رجع آخر عمره إلى عقيدة السلف فتوى طويلة.... قال فيها: "إلى أن يقول: "قال: وأما لعن العلماء الأئمة الأشعرية فمن لعنهم عزز وعادت اللعنة عليه .. والعلماء أنصار فروع الدين والأشعرية أنصار أصول الدين. "وقال: وأما دخولهم النار..." الخ. وفي أخر هذه الفتوى نفسها يقول شيخ الإسلام (ص 158-159، وانظر أيضا 156). "وأيضا فيقال لهؤلاء الجهمية الكلامية مصاحب هذا الكلام أبي محمد وأمثاله كيف تدعون طريقة السلف وغاية ما عند السلف أن يكونوا متابعين لرسول الله صلى الله عليه وسلم؟". إلى أن يقول "وأبو محمد وأمثاله قد سلكوا مسلك الملاحدة الذين يقولون إن الرسول لم يبين الحق في باب التوحيد(1)" . الخ. وبهذا يتضح قطعا: (أ ) أن العبارة المذكورة ليست من قول شيخ الإسلام بل قائلها أشعري يمدح مذهبه (2) . (ب ) أن شيخ الإسلام نسب هذا القائل ومذهبه إلى الجهمية الكلابية وأتباع طريقة السلف وهذا ينفي ما حاول الصابوني تدليسه في مقالاته الست تماماً. وبالمناسبة أذكر بعض ما يحضرني من الكتب التي ألفها شيخ الإسلام في الرد على الأشاعرة نصاً غير التي رد عليهم فيها مع غيرهم:- 1- درء تعارض العقل والنقل وهو كله رد عليهم بالأصالة كما نص في مقدمته. حيث استفتحه بذكر قانونهم الكلي الآتي في ص 12. 2- بيان تلبيس الجهمية المسمى بنقص التأسيس، رد فيه على إمامهم الثاني "الفخر الرازي" صاحب تأسيس التقديس أو أساس التقديس. 3- التسعينية وهي التي كتبها في الأشهر الأخيرة من حياته -رحمه الله- جوابا عن محاكمة الأشاعرة له (3) . 4- شرح العقيدة الأصفهانية وهي شرح لعقيدة الشمس الأصفهاني التي جرى فيها على أصول الأشاعرة. 5- الفتوى الحموية: معروفة. 6- الرسالة المدنية: وهي في الجزء (6) من مجموع الفتاوى. 7- النبوات: وهو نقص لكلام الباقلاني خاصة والأشاعرة عامة في النبوات. 8- الإيمان: وهو نقد الأشاعرة في الإيمان وذكر بقية المرجئة تبعا. 9- القاعدة المراكشية: وهي كالبيان لمذهب الإمام مالك وأئمة المالكية في العقيدة ضد المتأخرين من مالكية المغاربة المائلين إلى مذهب الأشعري، وهي في الجزء الخامس من مجموع الفتاوي وطبعت محققة. 10- المناظرة في العقيدة الواسطية: ألفها في محاكمة الأشاعرة له بسبب الواسطية وهي في الجزء الثالث من مجموع الفتاوي. 11- الاستقامة: كتبة نقضاً لكتاب القشيري الصوفي الأشعري وبين فيه أن عقيدة أئمة السلوك المعتبرين هي مذهب السلف وأن بداية الانحراف في العقيدة عند المنتسبين للتصوف فبالجملة إنما جاءت متأخرة في أوائل القرن الخامس حين انتشر مذهب الأشعري. ولتلميذه ابن القيم رحمه الله -في الرد على الأشاعرة كتب منها:- (1) مختصر الصواعق المرسلة فيه أصولهم ومنها موقفهم من النصوص. (2) شفاء العليل: معظمه عنهم. (3) العقيدة النونية: معظمها عنهم. (4) اجتماع الجيوش الإسلامية: كله رد على مذهبهم خصوصاً في نفي العلو. هذا ولم يصدر من شيخ الإسلام مدح مطلق للأشاعرة أبداً. وإنما غاية مدحه لهم (كما في ج12 من الفتاوى) أن يصفهم بأنهم أقرب من غيرهم وأن مذهبهم مركب من الوحي والفلسفة أو يمدح المشتغلين منهم بالحديث لا لكونهم أشاعرة ولكن لاشتغالهم بالسنة مع سؤال المغفرة لهم فيما وافقوا فيه متكلمي مذهبهم. لكن هذا أقل بكثير من المواضع التي صرح فيها بتبديعهم وتضليلهم وفساد منهجهم فهي أكثر من أن تحصر. كما أنه حدد -رحمه الله- متى يعد المنتسب إلى الأشعري من أهل السنة فقال: "أما من قال بكتاب الإبانة الذي صنفه الأشعري في آخر عمره ولم يظهر مقالة تناقض ذلك فهذا يعد من أهل السنة، لكن مجرد الانتساب إلى الأشعري بدعة لاسيما لأنه بذلك يوهم حسنا لكل من انتسب هذه النسبة وينفتح بذلك أبواب شر(4)" ... أي أن من كان على عقيدة السلف منهم لا ينبغي له الانتساب للأشعري لأنه بدعة ومذمة. ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ (1) انظر أيضاً ص 156 من الجزء نفسه وهذا الكلام المنقول من ص 158 لا بد أن الصابوني قرأه لأنه استشهد بكلام بعده في ص 167 من الفتوى. (2) قائلها هو أبو محمد الجويني والد أبي المعالي (توفي 440) وقد رجع آخر عمره إلى عقيدة السلف وشهد له بذلك شيخ الإسلام في مواضع، وكتب في توبته النصحية المطبوعة مع المجموعة المنبرية، وطبعها المكتب الإسلامي معزوة إلى ابن شيخ الحزاميين وهو الخطأ، ومناسبة فتواه هذه هي صدور مراسيم سلطانية بلعن أصحاب البدع -ومنهم الأشاعرة- على المنابر، انظر المنتظم لابن الجوزي حوادث سنة 433 وما بعدها. (3) وهي أول رسالة في المجلد الخامس من الفتاوي الكبرى (الطبعة الطويلة) وهي تشمل الجزء الخامس كله من الطبعة التي قدم لها مخلوف، وسمعت أنها تحقق بجامعة الإمام وهي جديرة بالعناية. (4) مجموع الفتاوى: 6/359. الفهرس -------------------------------------------------------------------------------- معنى مصطلح أهل السنة ودخول الأشاعرة فيه أو عدمه ثانيا: أحسن الشيخ في مطالبة الصابوني بأي دليل صحيح على مسألة تكفير الأشاعرة، ويضاف إلى كرم فضيلته: إن الحاصل فعلاً هو العكس فالأشاعرة هم الذين كفروا وما يزالون يُكفرون أتباع السلف بل كفروا كل من قال أن الله تعالى موصوف بالعلو كما -سيأتي هنا- وحسبك تكفيرهم واضطهادهم لشيخ الإسلام وهو ما لم يفعله أه السنة بعالم أشعري قط. وقد سطر -رحمه الله- بعض أجورهم عليه في أول التسعينية وصرح به كل من كتب عن سيرته. ولولا الإطالة لأوردت بعض ما تصرح به كتب عقيدتهم من اتهامه بالزندقة والكفر والضلال. ومن الأمثلة المعاصرة كتب الكوثري ومقالاته وكتاب (براءة الأشعريين) نقل لنا عن بعض أهل العلم أن صاحبه هو عبد الفتاح أبو غدة وكتاب "ابن تيمية ليس سلفياً" وبعض ما ورد في كتاب "أركان الإيمان (5)" . فيا عجباً لهؤلاء القوم يكفرونه ثم يدعون أنهم وإياه على مذهب واحد ويشملهم جميعاً اسم "السنة والجماعة"!! وإذا كانت كتب الأشاعرة تتبرأ من "الحشوية والمجسمة والنابتة" وغير ذلك مما يلقبون به أهل السنة والجماعة فكيف يكونون وهم سواء!! ثالثاً: كان بودي أن يفصل الشيخ معنى مصطلح أهل السنة ودخول الأشاعرة فيه أو عدمه وهي التي يدندن حولها الصابوني، وأنا أوجز جداً فأقول: إن مصطلح أهل السنة والجماعة يطلق ويراد به معنيان: (أ ) المعنى الأعم: وهو ما يقابل الشيعة فيقال: المنتسبون للإسلام قسمان: أهل السنة والشيعة، مقلما عنون شيخ الإسلام كتابه في الرد على الرافضي "منهاج السنة" وفيه بين هذين المعنيين (6) وصرح أن ما ذهبت إليه الطوائف المبتدعة من أخل السنة بالمعنى الأخص. وهذا المعنى يدخل فيه كل من سوى الشيعة كالأشاعرة. لاسيما والأشاعرة فيما يتعلق بموضوع الصحابة والخلفاء متفقون مع أهل السنة وهي نقطة الاتفاق المنهجية الوحيدة كما سيأتي. (ب ) المعنى الأخص: وهو ما يقابل المبتدعة وأهل الأهواء وهو الأكثر استعمالا كتب الجرح والتعديل فإذا قالوا عن الرجل أنه صاحب سنة أو كان سنياً أو من أهل السنة ونحوها فالمراد أنه ليس من إحدى الطوائف البدعية كالخوارج والمعتزلة والشيعة وليس صاحب كلام وهوى. وهذا المعنى لا يدخل فيه الأشاعرة أبدا بل هم خارجون عنه وقد نص الإمام أحمد وابن المديني على أن من خاض في شيء من علم الكلام لا يعتبر من أهل السنة وإن أصاب بكلامه السنة حتى يدع الجدل ويسلم للنصوص، فلم يشترطوا موافقة السنة فحسب بل التلقي والاستمداد منها (7) فمن تلقى من السنة ولم يوافقوا في النتائج فكيف يكونوا من أهلها. وسنأتي بحكمهم عند أئمة المذاهب الأربعة من الفقهاء فما بالك بأئمة الجرح والتعديل من أصحاب الحديث:- 1- عند المالكية: روى حافظ المغرب وعلمها الفذ ابن عبد البر بسند عن فقيه المالكية بالمشرق ابن خويز منداذ "أنه قال في كتاب الشهادات شرحاً لقول مالك لا تجوز شهادة أهل البدع والأهواء، وقال: "أهل الأهواء عند مالك وسائر أصحابنا هم أهل الكلام فكل متكلم فهو من أهل الأهواء والبدع أشعريا كان أو غير أشعري ولا تقبل له شهادة في الإسلام أبداً ويهجر ويؤدب على بدعته فإن تمادي عليها استتيب منها. (8) وروي ابن عبد البر نفسه في "الانتقاء" عن الأئمة الثلاثة "مالك وأبي حنيفة والشافعي نهيهم عن الكلام وزجر أصحابه وتبديعهم وتعزيزهم ومثله ابن القيم في اجتماع الجيوش الإسلامية فماذا يكون الأشاعرة إن لم يكونوا أصحاب كلام؟ 2- عند الشافعية: قال الإمام أبو العباس بن سريج الملقب بالشافعي الثاني وقد كان معاصراً للأشعري: لا نقول بتأويل المعتزلة والأشعرية والجهمية والملحدة والمجسمة والمشبهة والكرامية والمكيفة بل نقلبها بلا تأويل ونؤمن بها بلا تمثيل. (9)" قال الإمام أبو الحسن الكرجي من علماء القرن الخامس الشافعية ما نصه: "لم يزل الأئمة الشافعية يأنفون ويستنكفون أن ينسبوا إلى الأشعري ويتبرءون مما بنى الأشعري مذهبه عليه وينهون أصحابهم وأحبابهم عن الحوم حواليه على ما سمعت من عدة من المشايخ والأئمة، وضرب مثالاً بشيخ الشافعية في عصره الإمام أبو حامد الاسفرائيني الملقب "الشافعي الثالث" قائلاً: "ومعلوم شدة الشيخ على أصحاب الكلام حتى ميز أصول فقه الشافعي من أصول الشعري، وعلق عنه أبو بكر الراذقاني وهو عندي، وبه اقتدى الشيخ أبو إسحاق الشيرازي في كتابيه اللمع والتبصرة حتى لو وافق قول الأشعري وجهاً لأصحابنا ميزةً وقال: "هو قول بعض أصحابنا وبه قالت الأشعرية ولم يعدهم من أصحاب الشافعي، استنكفوا منهم ومن مذهبهم في أصول الفقه فضلاً عن أصول الدين" (10) أ.هـ. وبنحو قوله بل أشد منه قال شيخ الإسلام آلهروي الأنصاري. (11) 3- الحنفية: معلوم أن واضع الطحاوية وشارحها كلاهما حنفيان، وكان الإمام الطحاوي معاصراً للأشعري وكتب هذه العقيدة لبيان معتقد الإمام أبي حنيفة وأصحابه وهي مشابهة لما في الفقه الأكبر عنه وقد نقلوا عن الإمام أنه صرح بكفر من قال إن الله ليس على العرش أو توقف فيه وتلميذه أبو يوسف كفر بشراً المريسي، ومعلوم أن الأشاعرة ينفون العلو وينكرون كونه تعالى على العرش ومعلوم أيضا أن أصولهم مستمدة من بشر المريسي (12)!! . 4- الحنابلة: موقف الحنابلة من الأشاعرة أشهر من أن يذكر فمنذ بدّع الإمام أحمد "ابن كلاب" وأمر بهجره -وهو المؤسس الحقيقي للمذهب الأشعري- لم يزل الحنابلة معهم في معركة طويلة، وحتى في أيام دولة نظام الملك -التي استطالوا فيها- وبعدها كان الحنابلة يخرجون من بغداد كل واعظ يخلط قصصه بشيء من مذهب الأشاعرة. ولم يكن ابن القشيري إلا واحداً ممن تعرض لذلك، وبسبب انتشار مذهبهم وإجماع علماء الدولة سيما الحنابلة على محاربته ادر الخليفة القادر منشور "الاعتقاد القادري" أوضح فيه العقيدة الواجب على الأمة اعتقادها سنة 433هـ (14) . وكذلك يفعل أتباعهم في عصرنا هذا بمليء خطبهم الحماسية أو مواعظهم وقصصهم وما يسمونه بالكتب الفكرية لثقة قرائهم -من الشباب المتحمس- العمياء بهم ولجهل أكثر هؤلاء الشباب بعقيدتهم الصحيحة التي كان عليها سلفهم الصالح من تبعهم بإحسان. هذا وليس ذم الأشاعرة وتبديعهم خاصة بأئمة المذاهب المعتبرين بل هو منقول أيضا عن أئمة السلوك الذين كانوا أقرب إلى السنة واتباع السلف، فقد نقل شيخ الإسلام في الاستقامة كثيراً من أقوالهم في ذلك وإنهم يعتبرون موافقة عقيدة الأشعرية منافياً لسلوك طريق الولاية والاستقامة حتى أن عبد القادر الجيلاني لما سئل "هل كان لله ولي على غير اعتقاد أحمد بن حنبل؟. قال: ما كان ولا يكون (15)" . هذا موجز مختصر جداً لحكم الأشاعرة في المذاهب الأربعة فما ظنك بحكم رجال الجرح والتعديل مما يعلم أن مذهب الأشاعرة هو رد خبر الآحاد جملة وأن في الصحيحين أحاديث موضوعة أدخلها الزنادقة.. وغيرها من العوام وانظر إن شئت ترجمة إمامهم المتأخر الفخر الرازي فيا لميزان ولسان الميزان. فالحكم الصحيح في الأشاعرة أنهم من أهل القبلة لا شك في ذلك أما أنهم من أهل السنة فلا وسيأتي تفصيل ذلك في الموضوعات التالية: وها هنا حقيقة كبرى أثبتها علماء الأشعرية الكبار بأنفسهم -كالجويني وابن أبي المعالي والرازي والغزالي وغيرهم- وهي حقيقة إعلان حيرتهم وتوبتهم ورجوعهم إلى مذهب السلف، وكتب الأشعرية المتعصبة مثل طبقات الشافعية أوردت ذلك في تراجمهم أو بعضه فما دلالة ذلك؟. إذا كانوا من أصلهم على عقيدة أهل السنة والجماعة فعن أي شيء رجعوا؟ ولماذا رجعوا؟. وإلى أي عقيدة رجعوا؟. ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ 5- وانظر عن القدامى: الرد الوافر على من زعم أن ابن تيمية شيخ الإسلام كافر، وكتاب الحصني: دفع شبهة من شبه وتمرد. ولعلم فبعض هذه الكتب المعاصرة باسم مستعار، وممن اعترف بموقفهم من شيخ الإسلام الشيخ محمد أبو زهرة في كتابه ابن تيمية ص 56 ومن ذلك قول صاحب حواشي على شرح الكبرى للسنوسي قوله: "ابن تيمية.. أي الحنبلي المشهور زنديق وبغضه للدين وأهله لا يخفي" ص 62. وانظر في كتاب وهبي غاوجي أركان الإيمان ص 297- 299. 6- ج 2 ص163 تحقيق محمد رشاد سالم. 7- أنظر شرح أصول اعتقاد أهل السنة والجماعة. اللالكائي، تحقيق الأخ أحمد بن سعد بن حمدان: (1/157، 165). 8- جامع بيان العلم وفضله 2/117 تحقيق عثمان محمد عثمان، وهو 2/96 من الطبعة المنبرية. 9- توفي ابن سريج سنة 306: انظر تاريخ بغداد 4/290 وسير أعلام النبلاء 14/201 والظاهر أنه توفي قبل رجوع الأشعري لمذهب السلف، والأشعري توفي 324 أو 330 على قولين. وانظر عقيدة ابن سريج في اجتماع الجيوش الإسلامية ص 62. 10- التسعينية: 238-239 وانظر شرح الأصفهاني: 31 من ج5 من الفتاوى الكبرى نفسها وانظر عن الكرجي وعقيدته: اجتماع الجيوش الإسلامية ومختصر العلو وله ترجمة في طبقات الشافعية لابن السبكي وطبقات الشافعية لابن كثير (مخطوط). 11- يلاحظ أن كلا من الشافعية والحنابلة يدعي الهروي لمذهبهم ورجح شيخ الإسلام أنه يأخذ من كليهما ويتبع الأثر. انظر (شيخ الإسلام عبد الله الهروي ص 96) وقوله فيهم نقله في التسعينية: 277 عن كتاب ذم الكلام "وهو يحقق بجامعة الإمام كما قرأت. وانظر أيضا عن موقف الشافعية درء التعارض 2/106. 12- انظر عبر ما ذكر سير أعلام النبلاء ترجمة بشر 10/200-201 والحموية: ص14-15 طبعة قصي الخطيب. 13- أنظر المنتظم لابن الجوزي أحداث سنة: 433، 469، 475 وغيرها ج 8و ج9. 14- ص 81- 89 و 105- 109. 15- ومنها شرح الباجوري -أو البيجوري- على الجوهرة 1:82 طبعة محمد علي صبيح. الفهرس -------------------------------------------------------------------------------- موقف ابن حجر من الأشاعرة رابعاً: دعوى الأشاعرة أن أكثر أئمة المسلمين مذهبهم دعوى عارية عن الدليل يكذبها الواقع التاريخي، وكتب الأشاعرة نفسها عند تعريف مذهبي السلف والخلف تقول إن مذهب السلف هو مذهب القرون الثلاثة وبعضها يقول إنه مذهب القرون الخمسة(15) فما بقي بعد هذه القرون؟ وصدقوا فالثابت تاريخياً أن مذهب الأشاعرة لم ينتشر إلا في القرن الخامس إثر انتشار كتب الباقلاني (16) . ولولا ضيق المجال لسردت قائمة متوازية أذكر فيها كبار الأشاعرة ومن عاصرهم من كبار أهل السنة والجماعة الذين يفوقون أولئك عدداً وعلماً وفضلاً، وحسبك ما جمعه ابن القيم في اجتماع الجيوش الإسلامية والذهبي في العلو وقبلهما اللالكائي. أما عوام المسلمين فالأصل فيهم أنهم على عقيدة السلف لأنها الفطرة التي يولد عليها الإنسان وينشأ عليها المسلم بلا تلقين ولا تعليم (من حيث الأصل) فكل من لم يلقنه المبتدعين بدعتهم ويدرسوه كتبهم فليس من حق أي فرقة أن تدعيه إلا أهل السنة والجماعة. ومن الأدلة على ذلك الإنسان الذي يدخل في الإسلام حديثاً، فهل تستطيع أي فرقة أن تقول أنه معتزلي أو اشعري؟ أما نحن فبمجرد إسلامه يصبح واحداً منا. وإن شئت المثال على عقيدة العوام فاسأل الملايين من المسلمين شرقاً وغرباً هل فيهم من يعتقد أن الله لا داخل العالم ولا خارجه ولا فوقه ولا تحته كما تقول الأشاعرة. أم أنهم كلهم مفطورون على أنه تعالى فوق المخلوقات، وهذه الفطرة تظل ثابتة في قلوبهم حتى وإن وجدوا من يلقنهم في أذهانهم تلك المقولة الموروثة عن فلاسفة اليونان (17) . وقس على هذا نظرية الكسب والكلام النفسي ونفي التأثير وأشباهها مما سترى في عقائد الأشاعرة على الموضوع الذي يجب التنبه غليه هو التفريق بين متكلمي الأشاعرة كالرازي والآمدي والشهرستاني والبغدادي والإيجي ونحوهم وبين من تأثير بمذهبهم عن حسن نية واجتهاد أو متابعة خاطئة أو جهل بعلم الكلام أو لاعتقاد أنه لا تعارض بين ما أخذ منهم وبين النصوص ومن هذا القسم أكثر الأفاضل الذي يحتج بذكرهم الصابوني وغيره وعلى رأسهم الحافظ ابن حجر -رحمه الله-. ولست أشك أن الموضوع يحتاج لبسط وإيضاح ومع هذا فإنني أقدم للقراء لمحة موجزة عن موقف ابن حجر من الأشاعرة: ومن المعلوم أن إمام الأشعرية المتأخر الذي ضبط المذهب وقعَد أصوله هو الفخر الرازي (ت 606 هـ) فنشر فكره في الشام ومصر واستوفيا بعض القضايا في المذهب (وفكر هؤلاء الثلاثة هو الذي كان الموضوع الرئيسي في كتاب درء التعارض) وأعقبهم الأيجي صاحب المواقف (الذي كان معاصراً لشيخ الإسلام ابن تيمية) فألف "المواقف" الذي هو تقنين وتنظيم لفكر الرازي ومدرسته وهذا الكتاب هو عمدة المذهب قديماً وحديثاً. وقد ترجم الحافظ الذهبي -رحمه الله- في الميزان وغيره للرازي والآمدي بما هما أهله، ثم جاء ابن السبكي -ذلك الأشعري المتعصب- فتعقبه وعنف عليه ظلماً. ثم جاء ابن حجر -رحمه الله- فألف لسان الميزان فترجم لهما بطبيعة الحال -ناقلاً كلام ابن السبكي ونقده للذهبي (18) - ولم يكن بخاف عليه مكانتهما وإمامتهما في المذهب كما ذكر طرفاً من شنائع الآرموي ضمن ترجمة الرازي. فإذا كان موقف ابن حجر لأن موقفه هو الذي يحدد انتماءه لفكر هؤلاء القوم أو عدمه؟ إن الذين يقرأ ترجمتيهما في اللسان لا يمكن أن يقول إن ابن حجر على مذهبهما أبداً كيف وقد أورد نقولا كثيرة موثقة عن ضلالهما وشنائعهما التي لا يقرها أي مسلم فضلاً عمن هو في علم الحافظ وفضله؟ على أنه قال في آخر ترجمة الرازي "أوصى بوصية تدل على أنه حسّن اعتقاده". وهذه العبارة التي قد يفهم منها أنها متعاطفة مع الرازي ضد مهاجميه هي شاهد لما نقول نحن هنا فإن وصية الرازي التي نقلها ابن السبكي نفسه صريحة في رجوعه إلى مذهب السلف. فبعد هذا نسأل: أكان ابن حجر يعتقد أن يؤيد عقيدة الرازي التي في كتبه أم عقيدته التي في وصيته؟ الإجابة واضحة من عبارته نفسها. هذه واحدة. والأخرى: أن الحافظ في الفتح قد نقد الأشاعرة باسمهم الصريح وخالفهم فيما هو من خصائص مذهبهم فمثلا خالفهم في الإيمان، وإن كان تقريره لمذهب السلف فيه يحتاج لتحرير. ونقدهم في مسألة المعرفة وأول واجب على المكلف في أول كتابه وآخره (19) . كما أنه نقد شيخهم في التأويل "ابن فورك" في تأويلاته التي نقلها عنه في شرح كتاب التوحيد في الفتح وذم التأويل والمنطق مرجحاً منهج الثلاثة القرون الأولى كما أنه يخالفهم في الاحتجاج بحديث الآحاد في العقيدة (20) وغيرها من الأمور التي لا مجال لتفصيلها هنا. والذي أراه أن الحافظ -رحمه الله- أقرب شيء غلى عقيدة مفوضة الحنابلة كأبي يعلى ونحوه ممن ذكرهم شيخ الإسلام في درء تعارض العقل والنقل(21) ووصفهم بمحبة الآثار والتمسك بها لكنهم وافقوا بعض أصول المتكلمين وتابعوهم ظانين صحتها عن حسن نية. ولو قيل أن الحافظ -رحمه الله- كان متذبذباً في عقيدته لكان ذلك اقرب إلى الصواب كما يدل عليه شرحه لكتاب التوحيد. والله أعلم. وقد كان من الحنابلة من ذهب إلى أبعد من هذا كابن الجوزي وابن عقيل وابن الزاغوني. ومع ذلك فهؤلاء كانوا أعداء الداء للأشاعرة، ولا يجوز بحال أن يعتبروا أشاعرة فما بالك بأولئك. والظاهر أن سبب هذا الاشتباه في نسبة بعض العلماء للشاعرة أو أهل السنة والجماعة هو أن الأشاعرة فرقة كرمية انشقت عن أصلها "المعتزلة" ووافقت السلف في بعض القضايا وتأثرت بمنهج الوحي، في حين أن بعض من هم على مذهب أهل السنة والجماعة في الأصل تأثروا بسبب من الأسباب بأهل الكلام في بعض القضايا وخالفوا فيها مذهب السلف. فإذا نظر الناظر إلى المواضع التي يتفق فيها هؤلاء وهؤلاء ظن أن الطائفتين على مذهب واحد. فهذا التدخل بينهما هو مصدر اللبس. وكثير ما تجد في كتب الجرح والتعديل -ومنها لسان الميزان للحافظ ابن حجر العسقلاني -قولهم عن الرجل- أنه وافق المعتزلة في أشياء من مصنفاته أو وافق الخوارج في بعض أقوالهم وهكذا ومع هذا لا يعتبرونه معتزليا أو خارجياً، وهذا المنهج إذا طبقناه على الحافظ وعلى النووي وأمثالهما لم يصح اعتبارهم أشاعرة وإنما يقال وافقوا الأشاعرة في أشياء، مع ضرورة بيان هذه الأشياء واستدراكها عليهم حتى يمكن الاستفادة من كتبهم بلا توجس في موضوعات العقيدة (22). ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ 15- ومنها شرح الباجوري -أو البيجوري- على الجوهرة 1:82 طبعة محمد علي صبيح. 16- انظر الاستقامة: 105 وتبين كذب المفتري لابن عساكر ص 410 بتحقيق الكوثري. 17- بل إن متكلمي الأشاعرة الذين ينفون العلو بكل جرأة ويستندون غلى شبهات كثيرة، تجد في خبايا كلامهم إقرارا به دون أن يشعروا. لأن مغالبة الفطرة من أصعب الأمور. فالرازي مثلاً -مع إنكاره الشديد للعلو في (التأسيس والتفسير) قال في التفسير إن الله (خسف بقارون فجعل الأرض فوقه ورفع محمداً صلى الله عليه وسلم فجعله قاب قوسين تحته) 1/248. ط. بيروت. والرفع يدل على علو الله. 18- ترجمة الرازي: 4/426 والآمدي: 6/134. 19- أنظر فتح الباري: 1/46، 3/357-361، 13/347-350. 20- أنظر فتح الباري: 1/46، 3/357-361، 13/347-350. 21- المصدر السابق: 13/253، 259، 407 وغيرها كثير. 22- وقد رأينا في واقعنا المعاصر علماء فضلاء وافقوا الاشتراكيين أو الديموقراطيين أو القوميين في أشياء للأسباب نفسها. ولم يعدهم أحد اشتراكيين أو قوميين. الفهرس -------------------------------------------------------------------------------- الأصول المنهجية في مذهبهم خامساً: قال فضيلة الشيخ الفوزان عن الأشاعرة: "نعم هم من أخل السنة والجماعة في بقية أبواب الإيمان والعقيدة وليسوا منهم في باب الصفات". وهذا سبق قلم من فضيلته ومثل هذه الدعوى هي التي يهش لها الأشاعرة المعاصرون يروجونها، لأنه إذا كان الفارق هو الصفات فقط قالوا إن الخلاف فيها أصله الاجتهاد والكل متفقون على التنزيه فكأنه ى خلاف إذاً... وربما قالوا نحن مستعدون أن نثبت لله يداً وعيناً وسائر الصفات في سبيل توحيد الصف ووحدة الكلمة!!! وليكن معلوما أن ابتداء أمر الأشاعرة أنهم توسلوا إلى أهل السنة أن يكفوا عن هجرهم وتبديعهم وتضليلهم وقالوا: نحن معكم ندافع عن الدين وننازل الملحدين (23) ، فاغتر بهذا بعض علماء أهل السنة وسكتوا عنهم فتمكن الأشاعرة في الأمة ثم في النهاية استطاعوا على أولئك واستأثروا بهذا الاسم دون أهله، وأصبحوا هم يضللوا أهل السنة ويضطهدونهم ويلقبونهم بأشنع الألقاب. فحتى لا تتكرر هذه المشكلة وإحقاقا للحق رأيت من واجبي أن اسهم بتفصيل مذهب الأشاعرة في كل أبواب العقيدة ليتضح أنهم على منهج فكري مستقل في كل الأبواب والأصول، ويختلفون مع أهل السنة والجماعة من أول مصدر التلقي حتى آخر السمعيات ما عدا قضية واحدة فقط. وإليك هذه الأصول المنهجية في مذهبهم. موجزة وميسرة ما أمكن -عدا أقوالهم في الصفات وعدا الفرعيات التي لا تدخل تحت حصر -مع التنبيه مقدما إلى ما بينها متناقض لا يخفى على القارئ الفطن: الأول: مصدر التلقي: (أ ) مصدر التلقي عند الأشاعرة هو العقل وقد صرح الجويني والرازي والبغدادي والغزالي والآمدي والإيجي وابن فورك والسنوي وسراج الجوهرة وسائر أئمتهم بتقديم العقل على النقل عند التعارض، وعلى هذا يرى المعاصرون منهم، ومن هؤلاء السابقين من صرح بأن الأخذ بظواهر الكتاب والسنة اصل من أصول الكفر وبعضهم خففها فقال هو اصل الضلالة!!. ولضرورة الاختصار أكتفي بمثالين مع الإحالة إلى ما في الحاشية لمن أراد المزيد: الأول: وضع الرازي في أساس التقديس القانون الكلي للمذهب في ذلك فقال: "الفصل الثاني والثلاثون في أن البراهين العقلية إذا صارت معارضة بالظواهر النقلية فكيف الحال فيها؟ أعلم أن الدلائل القطعية العقلية إذا قامت على ثبوت شيء ثم وجدنا أدلة نقلية يشعر ظاهرها بخلاف ذلك فهناك لا يخلو الحال من أحد أمور أربعة: (1) إما أن يصدق مقتضى العقل والنقل فيلزم تصديق النقيضين وهو محال. (2) وإما أن يبطل فيلزم تكذيب النقيضين وهو محال. (3) وإما أن يصدق الظواهر النقلية ويكذب الظواهر العقلية وذلك باطل. لأنه لا يمكننا أن نعرف صحة الظواهر النقلية إلا إذا عرفنا بالدلائل العقلية إثبات الصانع وصفاته وكيفية دلالة المعجزة على صدق الرسول صلى الله عليه وسلم وظهور المعجزات على محمد صلى الله عليه وسلم. ولو جوزنا القدح في الدلائل العقلية القطعية صار العقل متهما غير مقبول القول. ولو كان كذلك لخرج أن يكون مقبول القول في هذه الأصول وإذا لم تثبت هذه الأصول خرجت الدلائل النقلية عن كونها مفيدة. فثبت أن القدح في العقل لتصحيح النقل يفضي إلى القدح في العقل والنقل معا وأنه باطل. ولما بطلت الأقسام الأربعة لم يبق إلا أن يقطع بمقتضى الدلائل العقلية - القاطعة بان هذه الدلائل النقلية إما أن يقال أنها غير صحيحة (24) . أو يقال إنها صحيحة إلا أن المراد منها غير ظواهرها. ثم إن جوزنا التأويل اشتغلنا على سبيل التبرع (25) بذكر تلك التأويلات على التفصيل. وإن لم يجز التأويل فوضنا العلم بها إلى الله تعالى. فهذا هو القانون الكلي المرجوع إليه في جميع المتشابهات وبالله التوفيق" أهـ. الثاني: يقول السنوسي (ت 885) في شرح الكبرى: "وأما من زعم أن الطريق بدا إلى معرفة الحق الكتاب والسنة ويحرم ما سواهما فالرج عليه أن حجتيهما لا تعرف إلا بالنظر العقلي، وأيضاً فقد وقعت فيها ظواهر من اعتقدها على ظاهرها كفر عند جماعة وابتدع". ويقول: "أصول الكفر ستة.." ذكر خمسة ثم قال: "سادسا: التمسك في أصول العقائد بمجرد ظواهر الكتاب والسنة من غير عرضها على البراهين العقلية والقواطع الشعرية". (ب ) صرح متكلموهم ومنهم من سبق في فقرة "أ" أن نصوص الكتاب والسنة ظنية الدلالة ولا تفيد اليقين إلا إذا سلمت من عشر عوارض منها: الأضمار والتخصيص والنقل والاشتراك والمجاز.. الخ. وسلمت بعد هذا من المعارض العقلي بل قالوا: من احتمال المعارض العقائد!!. (ج) موقفهم من السنة خاصة أنه لا يثبت بها عقيدة بل المتواتر منها يجب تأويله وآحادها لا يجب الاشتغال بها حتى على سبيل التأويل، حتى إن إمامهم الرازي قطع بأن رواية الصحابة كلهم مظنونة بالنسبة لعدالتهم وحفظهم سواء، وإنه في الصحيحين أحاديث وضعها الزنادقة.. إلى آخر مالا استجير نقله لغير المختصين، وهو في كتابه أساس التقديس والأربعين. (د) تقرا في كتب عقيدتهم قديمها وحديثها المائة صفحة أو أكثر فلا تجد فيها آية ولا حديثاً لكنك قد تجد في كل فقرة "قال الحكماء" أو "قال المعلم الأول" أو "قالت الفلاسفة" ونحوها.. (هـ) مذهب طائفة منهم وهو صوفيتهم كالغزالي والحامي -في مصدر التلقي هو تقديم الكشف والذوق على النص وتأويل النص ليوافقه وقد يصححون بعض الأحاديث ويضعفونها حسب هذا الذوق كحديث إسلام أبوي النبي صلى الله عليه وسلم ودخولهما الجنة بزعمهم. ويسمون هذا "العلم اللدني" جرياً على قاعدة الصوفية "حدثني قلبي عن ربي" (26). ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ 23- أنظر سير أعلام النبلاء: 15/90، مقابلة الشعري لإمام السنة في عصره "البريهاري" أنظر ترجمته في طبقات الحنابلة ورسالته القيمة في السنة، التي ساقها صاحب الطبقات. 24- يلاحظ أن الدلائل النقلية تشمل نصوص الكتاب والسنة معا فكيف يقال أنها غير صحيحة دون تفريق بينهما، مع أن مجرد إطلاقها على السنة وحدها في غاية الخطورة. 25- هل وصلت قيمة نصوص الوحي إلى حد أن الاشتغال بتأويلها -الذي هو تحريف لها يعتبر تبرعاً إحساناً؟! 26- انظر عن مصدر التلقي عندهم: درء تعارض العقل والنقل فهو كله رد عليهم وقد استفتحه بذكر قانونهم الكلي في التعارض، أساس التقديس للرازي: 168- 173، الشامل للجويني: 561، الإرشاد له: 359-360، شرح الكبرى للسنوسي: 502 المواقف للإيجي: 39-40، مختصر الصواعق 33،258، مشكل الحديث لابن فورك: مقدمته وخاتمته. الفهرس -------------------------------------------------------------------------------- إثبات وجود الله الثاني: إثبات وجود الله: ومعلوم أن مذهب السلف هو أن وجوده تعالى أمر فطري معلوم بالضرورة والأدلة عليه في الكون والنفس والآثار والآفاق والوحي أجل من الحصر، ففي كل شيء له آية وعليه دليل. أما الأشاعرة فعندهم دليل يتيم هو دليل "الحدوث والقدم" وهو الاستدلال على وجود الله بأن الكون حادث وكل حادث فلا بد من محدث قديم، وأخص صفات هذا القديم مخالفته للحوادث وعدم حلولها فيه ومن مخالفته للحوادث إثبات أنه ليس جوهراً ولا عرضاً ولا جسماً ولا في جهة ولا مكان.. الخ ثم أطالوا جدا في تقرير هذه القضايا هذا وقد رتبوا عليه من الأصول الفاسدة ما لا يدخل تحت العد مثل إنكارهم لكثير من الصفات كالرضا والغضب والاستواء بشبهة نفي حلول الحوادث في القديم ونفي الجوهرية والعرضية والجهة والجسمية... إلى آخر المصطلحات البدعية التي جعلوا نفيها أصولاً وأنفقوا الأعمال والمداد في شرحها ونفيها أصولاً وأنفقوا الأعمار والمداد في شرحها ونفيها. ولو أنهم قالوا الكون مخلوق وكل مخلوق لابد له من خالق لكان أيسر وأخصر مع أنه ليس الدليل الوحيد ولكنهم تعمدوا موافقة الفلاسفة حتى في ألفاظهم. ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ 27- أنظر الأبواب الأولى من أي كتاب في عقيدتهم، ومجموع الفتاوى: 2/7-23 وأول شرح الاصبهانية: ويلاحظ أن تعمدهم استخدام كلمة (حادث) سببه أنهم لو قالوا (مخلوق) لألزمهم الفلاسفة بأن هذا هو موضوع النزاع لولا يستدل بالدعوى على نفسها في نظرهم، ومع هذا فالفلاسفة يقولون الكون قديم ولا نسلم أنه حادث، فالأشاعرة كما قال شيخ الإسلام (لا للإسلام نصروا ولا للفلاسفة كسروا). الفهرس -------------------------------------------------------------------------------- التوحيد الثالث: التوحيد: التوحيد عند أهل السنة والجماعة معروف بأقسامه الثلاثة وهو عندهم أول واجب على المكلف، أما الأشاعرة قدماؤهم ومعاصروهم فالتوحيد عندهم هو نفي التثنية أو التعدد ونفي التبعيض والتركيب والتجزئة أي حسب تعبيرهم "نفي الكمية المتصلة والكمية المنفصلة" ومن هذا المعنى فسروا الإله بأنه الخالق أو القادر على الاختراع وأنكروا بعض الصفات كالوجه واليد والعين لأنها تدل على التركيب والأجزاء عندهم. أما التوحيد الحقيقي وما يقابله من الشرك ومعرفته والتحذير منه فلا ذكر له في كتب عقيدتهم إطلاقا ولا ادري أين يضعونه أفي كتب الفروع؟ فليس فيها أم يتركونه بالمرة فهذا الذي أجزم به. أما أول واجب عند الأشاعرة فهو النظر أو القصد إلى النظر أو أول واجب جزء من النظر أو .. إلى آخر فلسفتهم المختلف فيها وعندهم أن الإنسان إذا بلغ سن التكليف وجب عليه النظر ثم الإيمان واختلفوا فيمن مات قبل النظر أو في أثنائه. أيحكم له بالإسلام أم بالكفر؟! وينكر الأشاعرة المعرفة الفطرية ويقولون إن من آمن بالله بغير طريق النظر فإنما هو مقلد ورجح بعضهم كفره واكتفى بعضهم بتعصيته، وهذا ما خالفهم فيه الحافظ ابن حجر -رحمه الله- ونقل أقوالاً كثيرة في الرد عليهم وإن لازم قولهم تكفير العوام بل تكفير الصدر الأول .(28) ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ 28- عن الفقرة أنظر: نهاية الأقدام للشهرستاني: 90، شرح الكبرى: 304، غاية المرام للأمدي: 149، كبرى اليقينيات: 91- 93، الله جل جلاله: سعيد حوى: 131 أركان الإيمان لوهبي غاوجي: 30 وبخصوص أول واجب والمعرفة الفطرية أنظر: درء تعارض العقل والنقل ج 7، 8، 9 كلها. الأنصاف للباقلاني: 22، الإرشاد: 3 المواقف: 32-33، الشامل: 120، أصول الدين للبغدادي: 254- 255، فتح الباري 3/ 357،، 361، 13/347- 358. الفهرس -------------------------------------------------------------------------------- الإيمان الرابع: الإيمان: الأشاعرة في الإيمان مرجئة جهمية أجمعت كتبهم قاطبة على أن الإيمان هو التصديق القلبي، واختلفوا في النطق بالشهادتين أيكفي عند تصديق القلب أم لا بد منه، قال صاحب الجوهرية: وفسر الإيمان بالتصديق __________ والنطق فيها لخلف بالتحقيق وقد رجح الشيخ حسن أيوب من المعاصرين أن المصدق بقلبه ناج عند الله وإن لم ينطق بهما ومال إليه البوطي. فعلى كلامهم لا داعي لحرص النبي صلى الله عليه وسلم أن يقول عمه أبو طالب لا إله إلا الله لأنه لاشك في تصديقه له بقلبه، وهو من شابهه على مذهبهم من أهل الجنة!! هذا وقد أولوا كل آية أو حديث ورد في زيادة الإيمان ونقصانه أو وصف بعض شعبه بأنها إيمان أو من الإيمان .(29) ولهذا أطال شيخ الإسلام -رحمه الله- الرد عليهم بأسمائهم كالأشعري والباقلاني والجويني وشراح كتبهم وقرر انهم على مذهب جهم بعينه. وفي رسالتي فصل طويل عن هذه القضية فلا أطيل به هنا. ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ 29- أنظر الأنصاف: 55، الإرشاد: 397، غاية المرام: 311، المواقف: 384 الإيمان لشيخ الإسلام: أكثره رد عليهم فلا حاجة لتحديد الصفحات، تبسيط العقائد الإسلامية، حسن أيوب: 29- 33 كبرى اليقينيات: 196. الفهرس -------------------------------------------------------------------------------- القرآن الخامس: القرآن: وقد أفردت موضوعه لأهميته القصوى، وهو نموذج بارز للمنهج الأشعري القائم على التلفيق الذي يسميه الأشاعرة المعاصرون "التوفيقية" حيث انتهج التوسط بين أهل السنة والجماعة وبين المعتزلة في كثير من الأصول فتناقض واضطرب. فمذهب أهل السنة والجماعة أن القرآن كلام الله غير مخلوق وأنه تعالى يتكلم بكلام مسموع تسمعه الملائكة وسمعه جبريل وسمعه موسى -عليه السلام- ويسمعه الخلائق يوم القيامة. ومذهب المعتزلة أنه مخلوق. أما مذهب الأشاعرة فمن التوفيقية -التي لم يحالفها التوفيق- بين المعنى واللفظ. فالكلام الذي يثبتونه لله تعالى هو معنى أزلي أبدي قائم بالنفس ليس بحرف ولا صوت ولا يوصف بالخبر ولا الإنشاء. واستدلوا بالبيت المنسوب للأخطل النصراني: إن الكلام لفي الفؤاد وإنما___________ جعل اللسان على الفؤاد دليلاً أما الكتب المنزلة ذات الترتيب والنظم والحروف ومنها القرآن -فليست هي كلامه تعالى على الحقيقة بل هي "عبارة عن كلام الله النفسي. والكلام النفسي شيء واحد في ذاته لكن إذا جاء التعبير عنه بالعبرانية فهو توراة وإن جاء بالسريانية فهو إنجيل وإن جاء بالعربية فهو قرآن، فهذه الكتب كلها مخلوقة ووصفها بأنها كلام الله مجاز لأنها تعبير عنه." واختلفوا في القرآن خاصة فقال بعضهم: "وإن الله خلقه أولا في اللوح المحفوظ ثم أنزله في صحائف إلى السماء الدنيا" فكان جبريل يقرأ هذا الكلام المخلوق ويبلغه لمحمد صلى الله عليه وسلم. وقال آخرون: إن الله أفهم جبريل كلامه النفسي وأفهمه جبريل لمحمد صلى الله عليه وسلم فالنزول نزول إعلام وإفهام لا نزول حركة وانتقال (لأنهم ينكرون علو الله) ثم اختلفوا في الذي عبر عن الكلام النفسي بهذا اللفظ والنظم العربي من هو؟. فقال بعضهم: هو جبريل، وقال بعضهم: بل هو محمد صلى الله عليه وسلم !!. واستدلوا بمثل قوله تعالى: "إنه لقول رسول كريم" في سورتي الحاقة والانشقاق حيث أضافه في الأولى غلى محمد صلى الله عليه وسلم وفي الأخرى إلى جبريل بأن اللفظ لأحد الرسولين "جبريل أو محمد" وقد صرح الباقلاني بالأول وتابعه الجويني. قال شيخ الإسلام: "وفي إضافته تعالى إلى هذا الرسول تارة وإلى هذا تارة دليل على أنه إضافة بلاغ وأداء لا إضافة إحداث لشيء منه وإنشاء كما يقول بعض المبتدعة الأشعرية من أن حروفه ابتداء جبريل أو محمد مضاهاة منهم في نصف قولهم لمن قال أنه قول البشر من مشركي العرب" (30). وعلى القول أن القرآن الذي نقرؤه في المصاحف مخلوق سار الأشاعرة المعاصرون وصرحوا، فكشفوا بذلك ما أراد شارح الجوهرة أن يستره حين قال: "يمتنع أن يقال إن القرآن مخلوق إلا في مقام التعليم" (31). ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ 30- مجموع الفتاوي. 31- عن القرآن عندهم أنظر: الأنصاف: 96- 97 وما بعدها، الإرشاد: 128- 137، أصول الدين: 107، المواقف 293، شرح الباجوري على الجوهرة 64-66، 84. متن الدردير 25 من مجموع مهمات المتون، التسعينية وقد استغرق موضوع الرد عليهم في القرآن أكثر مباحثها ومن أعظمهما وأنفسها ما ذكره في الوجه السابع والسبعين فليراجع. الفهرس -------------------------------------------------------------------------------- القدر السادس: القدر: أراد الأشاعرة هنا أن يوفقوا بين الجبرية والقدرية فجاءوا بنظرية الكسب وهي في مالها جبرية خالصة لأنها تنفي أي قدرة للعبد أو تأثير أما حقيقتها النظرية -الفلسفية فقد عجز الأشاعرة أنفسهم عن فهمها فضلا عن إفهامها لغيرهم ولهذا قيل: مما يقـال ولا حقيقـة تحته ______________ معقولة تدنـوا إلى الإفهـام الكسب عند الأشعري والحال ______________ عند البهشمي وطفرة النظام ولهذا قال الرازي الذي عجز هو الآخر عن فهمها: "إن الإنسان مجبور في صورة مختار". أما البغدادي فأراد أن يوضحها فذكر مثالا لأحد أصحابه في تفسيرها شبه فيه اقتران قدرة الله بقدرة العبد مع نسبة الكسب إلى العبد "بالحجر الكبير قد يعجز عن حمله رجل ويقدر آخر على حمله منفرداً به فإذا اجتمعا جميعا على حمله كان حصول الحمل بأقوالهما، ولا خرج أضعفهما بذلك عن كونه حاملاً"!! وعلى مثل هذا المثال الفاسد يعتمد الجبرية وبه يتجرأ القدرية المنكرون، لأنه لو أن الأقوى من الرجلين عذب الضعيف، وعاقبه على حمل الحجر فإنه يكون ظالماً باتفاق العقلاء، لأن الضعيف لا دور له في الحمل، وهذه المشاركة الصورية لا تجعله مسؤولا عن حمل الحجر. والإرادة عند الأشاعرة معناها "المحبة والرضا" وأولوا قوله تعالى: "ولا يرضى لعباده الكفر" بأنه لا يرضاه لعباده المؤمنين! فبقي السؤال وارداً عليهم: وهل رضيه للكفار أم فعلوه وهو لم يرده؟ ومن هذا القبيل كلامهم في الاستطاعة، والحاصل أنهم في هذا الباب خرجوا منا لمنقول والمعقول ولم يعربوا عن مذهبهم فضلا عن البراهين عليه!! (32). ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ 32- الأنصاف: 45-46، بهوامش الكوثري، الإرشاد: 187-203، أصول الدين: 133، نهاية الأقدام: 77، المواقف: 311، شفاء العليل 259- 261 وغيرها. الفهرس -------------------------------------------------------------------------------- السببية وأفعال المخلوقات السابع: السببية وأفعال المخلوقات: ينكر الأشاعرة الربط العادي بإطلاق وأن يكون شيء يؤثر في شيء وأنكروا كل "باء سببية" في القرآن، وكفروا وبدعوا من خالفهم ومأخذهم فيها هو مأخذهم في القدر، فمثلا عندهم: من قال أن النار تحرق بطبعها أو هي علة الإحراق فهو كافر مشرك لأنه لا فاعل عندهم إلا الله مطلقا حتى أن أحد نحاة الأندلس من دولة الموحدين التومرتية الأشعرية هدم "نظرية العامل" عند النجاة مدعيا أن الفاعل هو الله!!. قالوا إن الأسباب علاقات لا موجبات حتى أنهم يقولون: الرجل إذا كسر الزجاجة ما انكسرت بكسره وإنما انكسرت عند كسره، والنار إذا أحرقت ما تحرق ما احترق بسببها وإنما احترق عندها لا بها فالإنسان إذا أكل حتى شبع ما شبع بالأكل وإنما شبع عند الأكل. ومن قال عندهم أن النار تحرق بقوة أودعها الله قيها فهو مبتدع ضال، قالوا أن فاعل الإحراق هو الله ولكن فعله يقع مقترنا بشيء ظاهري مخلوق، فلا ارتباط عندهم بين سبب ومسبب أصلا وإنما المسالة اقتران كاقتران الزميلين من الأصدقاء في ذهابهما وإيابهما. ومن متونهم في العقيدة: والفعل في التأثير ليس إلا ________ للواحد القهار جل وعلا ومن يقل بالطبع أو بالعلة ________ فذاك كفر عند أهل الملة ومن يقل بالقوة المودعة ________ فـذاك بدعـي فلا تلتفت والغريب أن هذا هو مذهب ما يسمى المدرسة الوضعية من المفكرين الغربيين المحدثين ومن وافقهم من ملاحدة العرب، وما ذاك إلا لأن الأشاعرة والوضعيين كرهما ناقل عن الفكر الفلسفي الإغريقي. (33) ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ 33- المصادر السابقة في القدر، وشرح الكبرى: 184، شرح أم البراهين: 11، 80-81، منظومة الدردرير 240 وقد أفردناها عن القدر لأنهم يفردونها وقد يقدمونها باعتبارها من قضايا الكفر والإيمان!! وعن المدرسة الوضعية انظر "المنطق الوضعي" زكي نجيب محمود فهو أحدهم. الفهرس -------------------------------------------------------------------------------- الحكمة الغائبة الثامن: الحكمة الغائبة: ينفي الأشاعرة قطعاً أن يكون لشيء من أفعال الله تعالى علة مشتملة على حكمة تقتضي إيجاد الفعل أو عدمه، وهذا نص كلامهم تقريباً، وهو رد فعل لقول أو عدمه، وهذا نص كرمهم تقريبا، وهو رد فعل لقول المعتزلة بالوجوب على الله حتى أنكر الأشاعرة كل لام تعليل في القرآن وقالوا أن كونه يفعل شيئا لعلة ينافي كونه مختارا مريدا. وهذا الأصل تسمية بعض كتبهم "نفي الغرض عن الله" ويعتبرونه من لوازم التنزيه، وجعلوا أفعاله تعالى كلها راجعة إلى محض المشيئة ولا تعليق لصفة أخرى -كالحكمة مثلا- بها، ورتبوا على هذا أصولا فاسدة كقولهم بجواز أن يخلد الله في النار أخلص أوليائه ويخلد في الجنة افجر الكفار، وجواز التكليف بما لا يطاق ونحوها. وسبب هذا التأصيل الباطل عدم فهمهم ألا تعارض بين المشيئة والحكمة أو المشيئة والرحمة. ولهذا لم يثبت الأشاعرة الحكمة مع الصفات السبع واكتفوا بإثبات الإرادة مع أن الحكمة تقتضي الإرادة والعلم وزيادة حتى أن من المعاصرين من أضافها مثل سعيد حوى .(34) ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ 34- انظر المواقف: 331، شرح الكبرى: 322، 423، شرح أم البراهين: 36، النبوات 163-230، مجموع الفتاوي: 16/299، وقد أطال ابن القيم في رد شبه الأشاعرة في شفاء العليل: أنظر مثلا من 391 إلى 521، حيث رد عليهم من 36 وجها ومنهاج السنة: 1/128 الطبعة القديمة. الله جل جلاله: 90 وقد ذكر الحكمة ضمن الظواهر ولم يذكرها ضمن الصفات. الفهرس -------------------------------------------------------------------------------- النبوات التاسع: النبوات: يختلف مذهب الأشاعرة عن مذهب أهل السنة والجماعة في النبوات اختلافا بعيداً، فهم يقررون أن إرسال الرسل راجع للمشيئة المحضة -كما في الفقرة السابقة- ثم يقررون أنهلا دليل على صدق النبي إلا المعجزة لكنها لا تكون مقرونة بإدعاء النبوة والتحدي، قالوا: ولو ادعى الساحر أو الكاهن النبوة لسلبه الله معرفة السحر رأساً وإلا كان هذا إضلالا من الله وهو يمتنع عليه الإضلال.. إلى آخر ما يقررونه مما يخالف المنقول والمعقول، ولضعف مذهبهم في النبوات مع كونها من أخطر أبواب العقيدة إذ كل أمورها متوقفة على ثبوت النبوة أغروا أعداء الإسلام بالنيل منه واستطال عليهم الفلاسفة والملاحدة. والصوفية منهم كالغزالي يفسرون الوحي تفسيرا قرمطياً فيقولون هو إنتقاش العلم الفائض من العقل الكلي في العقل الجزئي(35) . أما في موضوع العصمة فينكرون صدور الذنب عن الأنبياء ويؤولون الآيات والأحاديث الكثيرة تأويلا متعسفاً متكلفاً كالحال في تأويلات الصفات. (36) ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ 35- انظر الإرشاد: 306، 356، غاية المرام 318، الرسالة اللدنية: 1:114- 118 (من مجموعة القصور العوالي). 36- نهاية الأقدام: 370، شرح الكبرى: 429، غاية المرام 234، المواقف 323، مجموع الفتاوى 8/432-436، التسعينية: 247. الفهرس -------------------------------------------------------------------------------- التحسين والتقبيح العاشر: التحسين والتقبيح: ينكر الأشاعرة أن يكون للعقل والفطرة أي دور في الحكم على الأشياء بالحسن والقبح ويقولون مرد ذلك إلى الشرح وحده، وهذا رد فعل مغال، لقول البراهمة والمعتزلة أن العقل يوجب الحسن وقبح القبيح، وهو مع منافاته للنصوص مكابرة للعقول، ومما يترتب عليه من الأصول الفاسدة قولهم أن الشرع قد يأتي بما هو قبيح في العقل فإلغاء دور العقل بالمرة اسلم من نسبة القبح إلى الشرع مثلا ومثلوا لذلك بذبح الحيوان فإنه إيلام له بلا ذنب وهو قبيح فيا لعقل ومع ذلك أباحه الشرع، وهذا في الحقيقة قول البراهمة الذين يحرمون أكل الحيوان فلما عجز هؤلاء عن رد شبهتهم ووافقوهم عليها أنكروا حكم العقل من أصله وتوهموا أنهم بهذا يدافعون عن الإسلام. كما أن من أسباب ذلك مناقضة أصل من قال بوجوب الثواب والعقاب على الله بحكم العقل ومقتضاه. (37) ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ 37- المصادر السابقة. الفهرس -------------------------------------------------------------------------------- التأويل الحادي عشر: التأويل: ومعناه المبتدع صرف اللفظ عن ظاهره الراجح إلى احتمال مرجوح لقرينه فهو بهذا المعنى تحريف للكلام عن مواضعه كما قرر ذلك شيخ الإسلام. وهو أصل منهجي من أصول الأشاعرة وليس هو خاصاً بمبحث الصفات بل يشمل أكثر نصوص الإيمان خاصة ما يتعلق بإثبات زيادته ونقصانه وتسمية بعض شعبه إيماناً ونحوها وكذا بعض نصوص الوعد والوعيد وقصص الأنبياء خصوصاً موضوع العصمة، وبعض الأوامر التكليفيه أيضا. وضرورته لمنهج عقيدتهم أصلها أنه لما تعارضت عندهم الأصول العقلية التي قرروها بعيداً عن الشرع مع النصوص الشرعية وقعوا في مأزق رد الكل أو أخذ الكل فوجدوا في التأويل مهربا عقليا من التعارض الذي اختلقته أوهامهم ولهذا قالوا إننا مضطرون للتأويل وإلا أوقعنا القرآن في التناقض. وأن الخلف لم يؤولوا عن هوى ومكابرة وإنما عن حاجة واضطرار؟ فأي تناقض في كتاب الله يا مسلمون نضطر معه إلى رد بعضه أو الإعتراف للأعداء بتناقضه؟ وقد اعترف الصابوني بأن في مذهب الأشاعرة "تأويلات غربية" فما المعيار الذي عرف بها لغريب من غير الغريب؟ وهنا لا بد من زيادة التأكيد على أن مذهب السلف لا تأويل فيه لنص من النصوص الشرعية إطلاقا ولا يوجد نص واحد -لا في الصفات ولا غيرها- اضطر السلف إلى تأويله ولله الحمد، وكل الآيات والأحاديث التي ذكرها الصابوني وغيره تحمل في نفسها ما يدل على المعنى الصحيح الذي فهمه الصلف منها والذي يدل على تنزيه الله تعالى دون أدنى حاجة إلى التأويل. أما التأويل في كلام السلف فله معنيان: (1) التفسير كما تجد في تفسير الطبري ونحوه "القول في تأويل هذه الآية" أي تفسيرها. (2) الحقيقة التي يصير إليها الشيء كما في قوله تعالى: "هذا تأويل رؤياي من قبل" أي تحقيقها. وقوله: "يوم يأتي تأويله". أي تحقيقه ووقوعه. أما التأويل فله مفهوم آخر: راجع الحاشية. وإن تعجب فاعجب لهذه اللفظة النابية التي يستعملها الأشاعرة م النصوص وهي أنها "توهم" التشبيه ولهذا وجب تأويلها فهل في كتاب الله إيهام أم أن العقول الكاسدة تتوهم والعقيدة ليست مجال توهم. فالعيب ليس في ظاهر النصوص -عياذا بالله- ولكنه في الإفهام- بل الأوهام السقيمة. أما دعوى أن الإمام أحمد استثنى ثلاثة أحاديث وقال لا بد من تأويلها فهي قرية عليه افتراها الغزالي في (الإحياء وفيصل التفرقة) ونفاها شيخ الإسلام سندا ومتنا. وحسب الأشاعرة في باب التأويل ما فتحوه على الإسلام من شرور بسببه فإنهم لما أولوا ما أولوا تبعتهم الباطنية واحتجت عليهم في تأويل الحلال والحرام والصلاة والصوم والحج والحشر والحساب، وما من حجة يحتج بها الأشاعرة عليهم في الأحكام والآخرة إلا احتج الباطنية عليهم بمثلها أو أقوى منها من واقع تأويلهم للصفات. وإلا فلماذا يكون تأويل الأشاعرة لعلو الله -الذي تقطع به العقول والفطر والشرائع -تنزيها وتوحيداً وتأويل الباطنية للبعث والحشر كفرا وردة؟(38) . أليس كل منهما ردا لظواهر مع أن نصوص العلو أكثر واشهر من نصوص الحشر الجسماني؟. ولماذا يكفر الأشاعرة الباطنية ثم يشركونهم في أصل من أعظم أصولهم؟ ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ 38- عن التأويل جملة انظر كتاب ابن فورك كاملا، والإنصاف: 56، 165، وغيرها والإرشاد: فصل كامل له، أساس التقديس: فصل كامل أيضاً. وعن الثلاثة الأحاديث انظر: أحياء علوم الدين طبعة الشعب: 1/179 والرد في مجموع الفتاوي 5/398 وانظر كذلك 6/397، 580 تنبيه حول التأويل: التأويل الذي يذكره الفقهاء في باب البغاة وقد يرد في بعض كتب العقيدة لاسيما في موضوع التكفير والاستحلال هو غير التأويل المذكور هنا إن كانت أكثرالكتب تسمية تأويلا وهو في الحقيقة تأويلا لأن الفعل الماضي منه "تأول". فالتأويل هو: وضع الدليل في غير موضعه باجتهاد أو شبه تنشأ من عدم فهم دلالة النص، وقد يكون المتأول مجتهداً مخطئا فيعذر وقد يكون متعسفاً متوهماً فلا يعذر وعلى كل حال يجب الكشف عن حاله وتصحيح فهمه قبل الحكم عليه ولهذا كان من مذهب السلف عدم تكفير المتأويل حتى تقام عليه الحجة مثلما حصل مع بعض الصحابة الذين شربوا الخمر في عهد عمر متأولين قوله تعالى "ليس على الذين آمنوا وعملوا الصالحات جناح فيما طمعوا" الآية. ومثل هذا من أول بعض الصفات عن حسن نية متأولا قوله تعالى "ليس كمثله شيء" فهو مؤول متأولا ولا يكفر، ولهذا لم يطلق السلف تكفير المخالفين في الصفات أو غيرها لأن بعضهم أو كثير منهم متأولون، أما الباطنية فلا شك في كفرهم لن تأويلهم ليس له أي شبه بل أرادوا هدم الإسلام عمدا بدليل أنهم لم يكتفوا بتأويل الأمور الاعتقادية بل أولوا الأحكام العملية كالصلاة والصوم والحج. الخ. الفهرس -------------------------------------------------------------------------------- السمعيات الثاني عشر: السمعيات: يقسم الأشاعرة أصول العقيدة بحسب مصدر التلقي إلى ثلاثة أقسام: (1) قسم مصدره العقل وحده وهو معظم البواب ومنه باب الصفات ولهذا يسمون الصفات السبع "عقلية" وهذا القسم هو "ما يحكم العقل بوجوبه" دون توقف على الوحي عندهم. (2) قسم مصدره العقل والنقل معا كالرؤية 0على خلاف بينهم فيها- وهذا القسم هو "ما يحكم العقل بجوازه استقلالا أو بمعاضدة الوحي. (3) قسم مصدره النقل وحده وهو السمعيات أو المغيبات من أمور الآخرة كعذاب القبر والصراط والميزان وهو عندهم: مالا يحكم العقل باستحالته لكن لو لم يرد به الوحي لم يستطع العقل إدراكه منفردا. ويدخلون فيه التحسين والتقبيح والتحليل والتحريم. والحاصل أنهم في صفات الله جعلوا العقل حاكما وفي إثبات الآخرة جعلوا العقل عاطلا وفي الرؤية جعلوه مساويا. فهذه الأمور الغيبية نتفق معهم على إثباتها لكننا نخالفهم فيا/أخذ والمصدر، فهم يقولون عند ذكر أي أمر منها نؤمن به لأن العقل لا يحكم باستحالته ولأن الشرع جاء به ويكررون ذلك دائماً، أما في مذهب أهل السنة والجماعة فلا منافاة بين العقل والنقل أصلا ولا تضخيم للعقل في جانب وإهدار في جانب وليس هناك أصل من أصول العقيدة يستقل بإثباته أبدا كما أنه ليس هناك اصل منها لا يستطيع العقل إثباته أبدا. فالإيمان بالآخرة وهو اصل كل السمعيات ليس هو في مذهب أهل السنة والجماعة سمعياً فقط بل أن الأدلة عليه من القرآن هي نفسها عقلية كما أن الفطر السليمة تشهد به فهو حقيقة مركوزة في أذهان البشر ما لم يحرفهم عنها حارف. لكن لو أن العقل حكم باستحالة شيء من تفصيلاته -فرضاً وجدلاً- فحكمه مردود وليس إيماننا به متوقفا على حكم العقل. وغاية الأمر أن العقل قد يعجز عن تصوره أما أن يحكم باستحالته فغير وارد ولله الحمد. (39) ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ 39- انظر الإرشاد: 358، 340، وانظر الجزء الثاني من مجموع الفتاوي 7-27. الفهرس -------------------------------------------------------------------------------- التكفير الثالث عشر: التكفير: التكفير عند أهل السنة والجماعة حق لله تعالى لا يطلق إلا على من يسحقه شرعا ولا تردد في إطلاقه على من ثبت كفره بشروطه الشرعية. أما الأشاعرة فهم مضطرون إضرابا كبيرا فتارة يقولون نحن لا نكفر أحدا وتارة يقولون نحن لا نكفر إلا من كفرنا وتارة يكفرون بأمور لا تستوجب أكثر من التفسيق أو التبديع وتارة يكفرون بأمور لا توجب مجرد التفسيق وتارة يكفرون بأمور هي نفسها شرعية. ويجب على كل مسلم أن يعتقدها. فأما قولهم لا نكفر أحدا فباطل قطعاً إذ في المنتسبين إلى الإسلام فضلا عن غيرهم كفار لا شك في كفرهم وأما قولهم لا نكفر إلا من كفرنا فباطل كذلك إذ ليس تكفير أحد لنا بمسوغ أن نكفره إلا إذا كان يستحق ذلك شرعاً. وأما تكفير من لا يستحق سوى التبديع فمثل تصريحهم في اغلب كتبهم بتكفير من قال إن الله جسم لا كالأجسام وهذا ليس بكافر بل هو ضال مبتدع لأنه أتى بلفظ لم يرد به الشرع والأشاعرة تستعمل ما هو مثله وشر منه. وأما تكفير من لا يستحق حتى مجرد الفسق أو المعصية فكما مر في الفقرة السابعة من تكفيرهم من قال أن النار علة الإحراق والطعام علة الشبع. وأما التكفير بما هو حق في نفسه يجب اعتقاده فنحو تكفيرهم لمن يثبت علو الله ومن لم يؤمن بالله على طرية أهل الكلام وكقولهم أن الأخذ بظواهر النصوص من أصول الكفر كقولهم أن عبادة الأصنام فرع من مذهب المشبهة ويعنون بهم أهل السنة والجماعة. ومن شواهد تكفير بعضهم قديماً وحديثاً لشيخ الإسلام ابن تيمية وابن القيم وحسبك ما في كتب الكوثري وتلميذه مؤلف براءة الأشعريين. (40) ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ 40- انظر المواقف: 392، ومصادر المبحث "السابع"، أساس التقديس: 16، 196، شرح الكبرى 62 أركان الإيمان: 298-299. الفهرس -------------------------------------------------------------------------------- الصحابة والإمامة الرابع عشر: الصحابة والإمامة: من خلال استعراضي لأكثر أمهات كتب الأشاعرة وجدت أن موضوع الصحابة هو الموضوع الوحيد الذي يتفقون فيه مع أهل السنة والجماعة وقريب منه موضوع الإمامة. ولا يعني هذا الاتفاق التام بل هم مخالفون في تفصيلات كثيرة لكنها ليست داخلة في بحثنا هنا لأن غرضنا -كما في سائر الفقرات- إنما هو المنهج والأصول. الفهرس -------------------------------------------------------------------------------- الصفات الخامس عشر: الصفات: والحديث عنها يطول وتناقضهم وتحكمهم فيها أشهر وأكثر، وكل مذهبهم في الصفات مركب من بدع سابقة وأضافوا إليه بدعا أحدثوها فاصبح غاية في التلفيق المتنافر. ولن أتحدث عن هذا الباب هنا لني التزمن ببيان الأصول التي خالفوا فيها أهل السنة والجماعة عدا الصفات. أما مخالفتهم في الصفات فمعروفة وإن كان كثير من أسس نظرياتهم فيها يحتاج لجلية ونسف. ولعل هذا ما يكون في الرد المتكامل بإذن الله. الفهرس -------------------------------------------------------------------------------- فارق منهجي ونموذجي: التناقض ومكابرة العقل هل بقي شك؟ بعد هذه المخالفات المنهجية في أبواب العقيدة كلها وبعد هذا التميز الفكري الواضح لمذهب الأشاعرة إضافة إلى التميز التاريخي هل بقي شك في خروجهم عن مذهب أهل السنة والجماعة الذي هو مذهب السلف الصالح. لا أظن أي عارف بالمذهبين ولو من خلال ما سبق هنا يتصور ذلك. ومع هذا فسوف أضيف فوارق منهجية أخرى وضوابط في علم الفرق والمقالات لا يشك في صدقها مطلع بل سأكتفي بفارق واحد وضابط واحد: فارق منهجي ونموذجي: التناقض ومكابرة العقل: ليس هناك مذهب اكثر تناقضا من مذهب الأشاعرة -الهم إلا مذهب الرافضة- لكن الرافضة كما قال الإمام: أحمد: "ليست الرافضة من الإسلام في شيء". كما قال شيخ الإسلام: "إن الرافضة قوم لا عقل لهم ولا نقل"، أما هؤلاء فيدعون العقل ويحكمونه في النقل ثم يتناقضون تناقضاً يبرؤ منه العقل ويخلو مذهب أهل السنة والجماعة من أدنى شائبة منه ولله الحمد، وكما سيلاحظ القارئ هنا يرجع معظم تناقضهم إلى كونهم لم يسلموا للوحي تسليما كاملاً ويعرفوا للعقل منزلته الحقيقية وحدوده الشرعية ولم يلتزموا بالعقل التزاما واضحاً ويرسموا منهجا عقليا متكاملاً كالمعتزلة والفلاسفة بل خلطوا وركبوا فتناقضوا واضطربوا. وإليك أمثلة سريعة للتناقض ومكابرة العقل: 1- قالوا: أنه لا يجوز أن يرى الأعمى بالمشرق البقعة بالأندلس. 2- قالوا: إن الجهة مستحيلة في حق الله ثم قالوا بإثبات الرؤية ولهذا قيل فيهم: "من أنكر الجهة واثبت الرؤية فقد أضحك الناس على عقله". 3- قالوا: إن لله سبع صفات عقلية يسمونها "معاني" هي "الحياة واعلم والقدرة والإرادة والسمع والبصر والكلام ولم يكتفوا بهذا التحكم المحض، بل قالوا غن له سبع صفات أخرى يسمونها "معنوية" وهي "كونه حيا وكونه عالما وكونه قادرا وكونه مريدا وكونه سميعا وكونه بصيرا وكونه متكلما" ثم لم يأتوا في التفريق بين المعاني والمعنوية بما يستسيغه عقل بل غاية ما قالوا أن هذه الأخيرة أحوال فإذا سألتهم ما الحال؟. قالوا صفة لا معدومة ولا موجودة... 4- قالوا:إنه لا اثر لشيء من المخلوقات في شيء ولا فعل مطلقا ثم قالوا إن للإنسان كسبا يجازى لأجله، فكيف يجازى على مالا أثر له فيه مطلقاً (راجع فقرتي: السادس والسابع). 5- قالوا: بنفي الحكمة والتعليل في أفعال الله مطلقا، ثم إن الله يجعل لكل نبي معجزة لأجل إثبات صدق النبي فتناقضوا بين ما يسمونه "نفي الحكمة والغرض وبين إثبات الله للرسول تفريقا بينه وبين المتنبئ. 6- قالوا: بأن أحاديث الآحاد مهما صحت لا يثني عليها عقيدة ثم أسسوا مذهبهم وبنوه في اخطر الأصول والقضايا (الإيمان، القرآن، العلو) على بيتين غير ثابتين عن شاعر نصراني -الأخطل- هما: (1) إن الكلام لفي الفؤاد إنما جعل اللسان على الفؤاد دليلا (2) قد استوى بشر على العراق من غير سيف ودم مهراق 7- قالوا: بأن رفع النقيضين محال -وهو كذلك- محتجين بها في مسائل ثم قالوا في صفة من أعظم وأبين الصفات "العلو": إن الله لا داخل العالم ولا خارجه ولا فوقه ولا تحته ولا عن يمنيه ولا عن شماله... وقالوا عن الأحوال: هي صفات لا معدومة ولا موجودة فرفعوا النقيضين معاً. 8- قالوا: إن العقل يقدم على النقل عند التعارض بل العقل هو الأصل والنقل إن وافقه قبل وإن خالفه رد أو أول، ثم قالوا إن العقل لا يحسن شيئا ولا يقبحه، فجعلوا -مثلا- نصوص علو الله معارضة للقواطع العقلية في حين جعلوا قبح الزنا والكذب مسألة سمعية... 9- قالوا: إن تأويل آيات الصفات واجب يقتضيه التنزيه وتأويل آيات الحشر والأحكام كفر يخرج من الملة... أما من دعا غير الله أو ذبح له واستغاث به أو تحاكم غلى الطاغوت فلم يتعرضوا لذكره أصلا. 10-قالوا: إن من قال إن النار تحرق بطبعها كافر مشرك ومن أنكر علو الله على خلقه موحد منزه. 11 -جزموا بأن من لم يبلغه الشرع غير مؤاخذ بإطلاق وردوا أو أولوا النصوص في ذلك. ثم قالوا: إن على كل مكلف وإن كان مولودا من أبوين مسلمين في ديار الإسلام وهو يظهر الإسلام -عليه إذا بلغ سن التكليف أن ينظر في حدوث العالم ووجود الله فإن مات قبل النظر أو في أثنائه اختلفوا في الحكم بإسلامه وجزم بعضهم بكفره(41) . هذا فيض من تناقضهم مع أصولهم ومكابرتهم للعقل السليم ومن أراد الاستزادة والتفصيل فليراجع التسعينية لشيخ الإسلام ابن تيمية. وهناك قضية بالغة الخطورة لا سيما في هذا العصر وهي الأخطاء العلمية عن الكون التي تمتلئ بها كتب الأشاعرة والتي يتخذها الملاحدة، وسيلة للطعن في الإسلام وتشكيك المسلمين في دينهم. من ذلك ما حشده صاحب المواقف في أول كتابه من فصول طويلة عن الفلك والحرارة والضوء والمعادن وغيرها مما قد يكون ذا شان في عصره لكنه اليوم أشبه بأساطير اليونان أو خرافات العجائز. ومن ذلك قول البغدادي إن أهل السنة (42) أجمعوا على وقوف الأرض وسكونها (43) واستدل على ذلك في كتابه أصول الدين "بمعنى اسم الله الباسط" قال: لأنه بسط الأرض وسماها بساطا خلاف زعم الفلاسفة والمنجمين أنها كروية (44) ومثله صاحب المواقف الذي أكد أنها مبسوطة وأن القول بأنها كرة من زعم الفلاسفة(45) . ورحم الله شيخ الإسلام ابن تيمية ما كان أعظمه حين قال: "والخطأ فيما تقوله المتفلسفة في الإلهيات والنبوات والمعاد والشرائع أعظم من خطأ المتكلمين. وأما فيما يقولونه في العلوم الطبيعية والرياضية فقد يكون صواب المتفلسفة أكثر من صواب من رد عليهم من أهل الكلام، فإن أكثر أهل الكلام في هذه الأمور بلا علم ولا عقل ولا شرع. (46) ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ 41- شرح الباجوري: 31، شرح الكبرى: 39، 210، 213، حاشية السوقي: 54-70-97، مصادر الموضوعات السابقة. 42- يعني بهم الأشاعرة كعادته هو وبعض أصحابه ولهذا يجب التفطن لمثل هذا عند النقل من كتبهم. 43- الفرق بين الفرق: 318. 44- انظر ص 124. 45- انظر المواقف : 199، 217، 219. الفهرس -------------------------------------------------------------------------------- ضابط من ضوابط معرفة الفرق واختلافها ضابط من ضوابط معرفة الفرق واختلافها: ومن المعلوم لدى الباحثين في الفرق واختلافها أن لكل فرقة أساسا منهجيا تتفق عليه طوائفها وترجع إليه أصولها وقواعدها ومن خالف فيه خرج عن انتسابه لها ومن لم ينطبق عليه لم يدخل فيها. فمثلا كل من قال بالأصول الخمسة فهو معتزلي كل من قال أن الإنسان مجبور على أفعاله فهو جبري وكل من قال إن الإيمان هو المعرفة أو التصديق فهو مرجئ وكل من قال بالكلام النفسي والكسب فهو أشعري.. إلى آخر ما هو معروف. وهذا ضابط منهجي يحدد به الباحث الفرقة والانتماء إليها. وبتطبيق هذا الضابط الذي لا خلاف في تحديده يتبين قطعاً أن المرجئة والقدرية والمعتزلة ليسوا من أهل السنة والجماعة وهذا ما تقوله الأشاعرة ولا تخالف فيه. ومن الثابت عن كثير من السلف وعليه جرى المصنفون في الفرق والمقالات من أهل السنة والأشاعرة أن أصول الفرق الثنتين وسبعين الخارجة عن أهل السنة والجماعة أربع "القدرية، والشيعة، والخوارج، والمرجئة". فنقول بعد ذلك: إذا كان المرجئ والقدري ليسا من أهل السنة فما حكم من جمع بين الأرجاء والقدر أو الأرجاء والجبر أو جمع بين الأصول المعتزلة وقول الرافضة؟. أيكون هذا من أهل السنة والجماعة؟ أم أكثر بعدا عنهم؟. والجواب الطبيعي معروف. وعليه نقول: 1- إذا كانت المرجئة الخالصة (أي التي لم تخلط بالأرجاء شيئا من البدع في الصفات أو غيرها) ليست هي أهل السنة والجماعة ولا منهم، فكيف يكون حال الأشاعرة الذين جاءوا بالرجاء كاملاً وزادوا عليه بدعا أخرى في أبواب العقيدة الأخرى كما مر سابقا. 2- إذا كانت الجبرية الخالصة ليست هي أهل السنة والجماعة ولا منهم فكيف يكون حال الأشاعرة الذين جاءوا بالكسب (الذي اعترف بدعة على أي حال) وزادوا عليه كما سبق. أضف إلى هذا أن كل ذم للصوفية فللأشاعرة منه نصيب لأن أكثر أئمة الصوفية المنحرفين كالغزالي وابن القشيري كانوا أشاعرة. 3- هل يرضى الأشاعرة أن يقال عنهم معتزلة فإن قالوا: لا. وهو المتوقع قلنا: وأهل السنة والجماعة لا يرضون أن يقال عنهم أشاعرة أبداً، فإن خالفونا. قلنا: تعالوا لنقيس نحن وأنتم المسافة بيننا وبينكم وبين المعتزلة وعندها ترون أنكم أقرب إليهم منكم إلينا وإن كنتم أقرب إليها منهم. 4- لو أن أي باحث في الفرق يعرف أصولها وضوابط تحديدها اطلع على كتب فرقة من الفرق أو على من الأعلام فوجدها مملؤة شتما وتضليلا وتبديعاً وتكفير لفرقة معينة فهل يجوز له أن يكتب في بحثه أن هذه الفرقة وتلك سواء أو أن هذه جزء من هذه وهل يقبل هذا منه أي أستاذ للفرق والمذاهب؟. 5- بل لو سمعت أحدا من العامة يشتم طائفة من الناس فقلت له أنت منهم، افيرضى بهذا أم يعتبره شتما له؟. فما القول إذن في الأشاعرة الذين تمتلئ كتبهم بشتم وتضليل وتبديع أهل السنة والجماعة وأحياناً بتكفيرهم. أيصح بعد هذا أن نقول إنهم منهم؟. وإن أردت التأكد فأسال أي اشعري ما المراد بقول الرازي أو الجويني أو الأيجي.. الخ. (الحشوية، المجسمة، الثابتة، مثبتو الجهة، القائلون بأن الحوادث تحل في الله..الخ) (47). إن الأجوبة كلها بدهية ولكن ماذا نصنع وقد ابتلينا بمن ينكر البدهات. أيهما الفرقة الناجية؟ قد أوضحنا فيما سبق أن أهل السنة والجماعة والأشاعرة فرقتان مختلفتان، وهذا يستلزم تحديد أيهما الفرقة الناجية؟. وما أوضح هذا التحديد أسهله، لكن مكابرة بعض الأشاعرة بادعاء أن الأشاعرة وأهل السنة والجماعة كلاهما ناج يجعلنا نبدأ بإلقاء سؤال عن الفرقة الناجية: أهي فرقة واحدة أم فرقتان؟ والجواب: مع بداهته لكل ذي عقل -مفروغ منه نصا، فقد أخبر النبي صلى الله عليه وسلم في روايات كثيرة لحديث افتراق هذه الأمة على ثلاث وسبعين فرقة: "إنها كلها في النار إلا واحدة". وما قال صلى الله عليه وسلم ولا أحد من أصحابه ولا تابعيهم أنها اثنتان. وعليه جاء تفسير قوله تعالى: "وأن هذا صراطي مستقيما فاتبعوه ولا وتتبعوا السبل فتفرق بكم عن سبيله"أن الطريق المستقيم هو السنة والسبل هي الأهواء، وما هو إلا طريق واحد كما خط النبي صلى الله عليه وسلم بيده. وعلى هذا سارت كتب الفرق -السني منها والبدعي- فهي تقرر أن الفرقة الناجية واحدة ثم تدعي كل فرقة أنها هي هذه الواحدة. بقي إذن أن يقال: ما هي صفة هذه الفرقة وعلامتها؟ والجواب أنه جاء في بعض روايات الحديث نفسه -من طرق يقوي بعضها بعضا- أنها "ما أنا عليه وأصحابي" ومعناها قطعا صحيح، ولا تخالف فيه الأشاعرة بل في الجوهرة: وكل خير في اتباع من سلف _________ وكل شر في ابتداع من خلف فنقول لهم إذن: أكان مما عليه النبي صلى الله عليه وسلم وأصحابه وسلف الأمة: تقديم العقل على النقل أو نفي الصفات ما عدا المعنوية والمعاني، أو الاستدلال بدليل الحدوث والقدم، أو الكلام عن الجوهر والعرض والجسم والحال... أو نظرية الكسب، أو أن الإيمان هو مجرد التصديق القلبي، أو القول بأن الله لا داخل العالم ولا خارجه ولا فوقه ولا تحته، أو الكلام النفسي الذي لا صيغة له، أو نفي قدرة العبد وتأثير المخلوقات، أو إنكار الحكمة والتعليل... إلى آخر ما في عقيدتكم؟ إننا نربأ بكل مسلم أن يظن ذلك أو يقوله. بل نحن نزيدكم إيضاحا فنقول: أن هذه العقائد التي أدخلتموها في الإسلام وجعلتموها عقيدة الفرقة الناجية بزعمكم. هي ما كان عليه فلاسفة اليونان ومشركوا الصابئة وزنادقة أهل الكتاب. لكن ورثها عنهم الجهم بن صفوان وبشر المريسي وابن كلاب وأنتم ورثتموها عن هؤلاء، فهي من تركه الفلاسفة والابتداع وليست من ميراث النبوة والكتاب. ومن أوضح الأدلة على ذلك أننا ما نزال حتى اليوم نرد عليكم بما ألفه أئمة السنة الأولون من كتب في الردود على "الجهمية" كتبوها قبل ظهور مذهبهم بزمان، ومنهم الإمام أحمد والبخاري وأبو داود والدارمي وابن أبي حاتم.. فدل هذا على أن سلفكم أولئك الثلاثة وأشباههم مع ما زدتم عليهم وركبتم من كلامهم من بدع جديدة. على أن المراء حول الفرقة الناجية ليس جديداً من الأشاعرة فقد عقدوا لشيخ الإسلام ابن تيمية محاكمة كبرى بسبب تأليفه :العقيدة الواسطية" وكان من أهم التهم الموجهة إليه أنه قال في أولها: "فهذا اعتقاد الفرقة الناجية.". إذ وجدوا هذا مخالفا لما تقرر لديهم من الفرقة الناجية هي الأشاعرة والماتريدية (48). وكان من جواب شيخ الإسلام لهم أنه أحضر أكثر من خمسين كتابا من كتب المذاهب الربعة وأهل الحديث والصوفية والمتكلمين كلها توافق ما في الواسطية وبعضها ينقل إجماع السلف على مضمون تلك العقيدة: وتحداهم -رحمه الله- قائلاً: "قد أمهلت كل من خالفني في شيء منها ثلاثة سنين فإن جاء بحرف واحد عن أحد من القرون الثلاثة.. يخالف ما ذكرت فأنا أرجع عن ذلك". قال: "ولم يستطيع المتنازعون مع طول تفتيشهم كتب البلد وخزائنه أن يخرجوا ما يناقض ذلك عن أحد من أئمة الإسلام وسلفه "(49). فهل يريد الأشاعرة المعاصرون أن نجدد التحدي ونمدد المهلة أم يكفي أن نقول لهم ناصحين: إنه لا نجاة لفرقة ولا لأحد في الابتداع وإنما النجاة كل النجاة في التمسك والإتباع.... ترجوا النجاة ولم تسلك مسالكها ـــــــــــ إن السفينة لا تجري على اليبس ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ 47- ومن العجيب أن الماتردية يخرجون الشاعرة من أهل السنة ويدعونه لأنفسهم وهم أكثر فرقتين في الإسلام تقاربا واشتراكاً في الأصول رابط هذا التعليق شارك المزيد من خيارات المشاركة
Recommended Posts
انشئ حساب جديد أو قم بتسجيل دخولك لتتمكن من إضافة تعليق جديد
يجب ان تكون عضوا لدينا لتتمكن من التعليق
انشئ حساب جديد
سجل حسابك الجديد لدينا في الموقع بمنتهي السهوله .
سجل حساب جديدتسجيل دخول
هل تمتلك حساب بالفعل؟ سجل دخولك من هنا.
سجل دخولك الان