اذهب إلى المحتوى
محاورات المصريين

تركيا بين العلمنة والاسلام


Mohammad Abouzied

Recommended Posts

تعيش تركيا منذ القضاء على الخلافة الإسلامية على يد مجموعة من العسكرتاريا وبعد مؤتمر لوزان عام 1923 أزمة هوية إذ يتنازعها تياران الأول علماني تعود جذوره إلى الحركة الطورانية ومن ثم حركة تركيا الفتاة والانقلابيين بقيادة مجموعة من أحفاد اليهود الذين طردوا من أسبانيا في أواخر القرن التاسع عشر واستقروا في سلانيك أمثال كمال أتاتورك وقره صو ونعوم أفندي وغيرهم. والثاني إسلامي تعود جذوره إلى محاولات السلطان عبدالحميد في إصلاح الدولة العثمانية وإلى حركة الإصلاح التي دعا إليها جمال الدين الأفغاني ومحمد عبدوه ومن ثم بحركة الأخوان المسلمين التي ولدت في مصر كما تأثرت مؤخرا بظاهرة الصحوة الإسلامية التي يشهدها العالم الإسلامي منذ عقد السبعينيات. وبين المد والجزر والانفراج والقمع تمكنت الحركة الإسلامية في تركيا من دخول اللعبة السياسية وأن تصبح فاعل رئيس في الساحة السياسية التركية.

تُعدُ تركيا إحدى الدول الإسلامية الشرق أوسطية الرئيسية لما تتمتع به من مزايا جغرافية ومقومات بشرية ومادية وأهمية تاريخية وحضارية وهي دولة آسيوية أوربية يصل عدد سكانها إلى 66 مليون نسمة وتعداد قواتها العسكرية كما جاء في تقرير التوازن العسكري في العالم الصادر في عام 2000 عن المعهد الدولي للدراسات الإستراتيجية إلى 610 ألف جندي وحرس وطني يصل إلى 218 ألف وقدر عدد الاحتياط في عام 1999 بحوالي 379 ألف إضافة إلى عضويتها في حلف شمال الأطلسي. وتمتلك حوالي 4200 دبابة و14 غواصة و5 مدمرات و22 فرقاطة و24 كاسحات الغام و49 زورق منها 21 حاملة صواريخ علاوة على 505 طائرات مقاتلة. ويبلغ إجمالي الناتج المحلي 186 مليار دولار ونمو اقتصادي بلغ أدنى مستوى له في عام 1999 إذ قدر بنحو-2,3% وحققت تركيا خلال الأعوام 1994-1999 تحسن ملحوظ في خفض نسبة التضخم من 3و106% إلى 64,8%. ونظراً إلى هذه الأهمية فإنه من الطبيعي أن تثير التطورات السياسية في تركيا اهتمامات العالم.

وعليه كثر الجدل داخل وخارج تركيا حول إمكانية تولي الإسلاميين للسلطة في تركيا وخاصة منذ تولي نجم الدين اربكان زعيم حزب الرفاه رئاسة الحكومة. ففي حين رحبت عدد من الدول العربية والإسلامية أبدت دول غربية وعربية وإسلامية أخرى مخاوفها من ظهور الأصولية الإسلامية في تركيا وانعكاساتها على مجمل الأوضاع السياسية ليس في تركيا فحسب ولكن في الشرق الأوسط على وجه العموم. وتحدثت الحكومات "الديمقراطية" في الغرب عن ما يمكن أن تخلفه حكومة يتزعمها الأصوليون الأتراك على مختلف الأصعدة: المحلي والأوربي والعالمي وما يمكن أن يمثله ذلك من تهديد للديمقراطية في تركيا من ناحية وللمصالح الغربية في منطقة الشرق الأوسط من ناحية ثانية. أعلنت الأوساط الصهيونية عن مخاوفها من وصول الإسلاميون إلى السلطة في تركيا وما يمكن أن يترتب عليه من إخلال في ميزان القوة بين الكيان الصهيوني والمسلمين في حالة تخلي تركيا عن التزاماتها الموقعة مع إسرائيل واختيار الانضمام إلى الحلف الإسلامي المعادي لوجود الكيان الصهيوني. في وسط هذا الجدل بين المتحمسين والرافضين والمترقبين تسلم نجم الدين اربكان السلطة وهو يقف على أرضية سياسية هشة واضطره في واقع الأمر إلى الائتلاف مع من ساهم حزب الرفاه في إخراجه من السلطة بتهمة الفساد بعد أن رفض مسعود يلماظ زعيم حزب الوطن الأم تقاسم السلطة مع حزب الرفاه الإسلامي. وتأتي موافقته على منح حزب الدكتورة تانسو تشيلر المناصب السيادية كالخارجية والدفاع وتخليه كذلك عن وزارة التربية والتعليم وموافقته أن يكون نصيب حزبه في الحكومة التي يترئاسها الوزارات الخدمية بمثابة المفاجئة أثارت نوع من الدهشة لدى كثير من مؤيديه في الداخل والمتحمسين له في الخارج وتسائل الكثير عن الهدف من ذلك.

جاء قبول نجم الدين اربكان بتشكيل الحكومة بمثابة التحدي والاختبار في نفس الوقت فهو يعلم بأن علم السياسة يُعرف على أنه علم الاختيار أو ما يطلق عليه البعض فن الممكن وفي حسابات المكسب والخسارة فإن الفرصة التي أمامه يجب استثمارها لأنه في حالة النجاح يكون قد كسب اللعبة أضاع الفرصة على الآخرين الذين راهنوا على أن حزب الرفاه لن يتمكن من تشكيل الحكومة لكونه لا يتمتع بالأغلبية المطلوبة ولن تقبل أيا من الأحزاب العلمانية تقاسم السلطة معه من ناحية كما أن المعسكر الغربي الذي تنتمي إليه تركيا والمؤسسة العسكرية في الداخل لن تقبل بوصول الإسلاميين إلى السلطة على غرار ما حدث في دول إسلامية أخرى من ناحية أخرى. وعليه فإن الرهان على حزب الرفاه هو رهان على حصان خاسر لأن عدم تمكن الرفاه من تشكيل الحكومة يعني انتخابات برلمانية جديدة تأمل جميع الأطراف السياسية الفاعلة في تركيا الاستفادة منها.

وقراءة سياسية لواقع الحال في تركيا، على الرغم من قلة وقصر التجارب التي تولت فيها الأحزاب الإسلامية لزمام الأمور في تركيا فقد حققت فترة تولي حزب الرفاه المسؤولية عدد من النجاحات على الصعيدين الداخلي والخارجي. وتمثل ذلك (أولاً) في استمرار الائتلاف على الرغم من ما تعرض له أربكان من انتقادات بعد زيارته لليبيا. (ثانياً) نجاح حزب الرفاه في الفوز بعدد من البلديات على رأسها بلدية استنبول التي يرأسها السيد رجب أردوغان الذي ينظر إليه على أنه الخليفة المنتظر لأربكان في زعامة الحزب في المستقبل. (ثالثاً): تضاعف عدد أعضاء حزب الرفاه خلال الفترة الوجيزة منذ تولي الحزب زمام السلطة ليصل إلى 4 مليون عضو كان أربكان يسعى لأن يرفعه إلى 8 مليون عضو بنهاية فترة حكمه. (رابعاً): نجاح أربكان في تجسير الفجوة بين تركيا وعدد من الدول الإسلامية والانفتاح على العالم الإسلامي إذ تمكن من توقيع اتفاق تعاون وصفقة نفط مع إيران واستعادة 5و1 -2 مليار دولار ديون قديمة من ليبيا. (خامساً): حافظ على العلاقات الطبيعية بين بلاده والغرب ونجح في الحصول من الولايات المتحدة على تنازلات هامة عندما قبلت الأخيرة بشروط الحكومة التركية المتشددة من اجل استخدام الولايات المتحدة للقواعد التركية. (سادساً): نجاحه في استخدام سياسة العصا والجزرة في سعيه لحسم الصراع الدائر مع الحزب التركي الكردستاني لصالح الدولة التركية واتفاقه الأخير مع مسعود البرزاني الذي يقضي بتخلي تركيا عن إقامة شريط أمني في شمال العراق مقابل تعهد الأخير بمنع الحزب التركي الكردستاني من شن هجمات على تركيا من شمال العراق ومحاولة التوصل إلى اتفاق مماثل مع سوريا بوساطة إيرانية وسعيه لاستيعاب الأكراد الأتراك من خلال زيارته لمناطق الأكراد وتعهده بتنميتها وفتح قنوات الاتصال والحوار السياسي مع القيادات المعتدلة منهم. (سابعاً): نجح في إعطاء نموذجاً تركياً للإسلام السياسي قلب المفاهيم السائدة في الغرب والعالم الإسلامي مما أثار موجة انتقادات في الصحف الغربية لمواقف الولايات المتحدة والدول الأوربية العدائية من الأحزاب والتيارات الإسلامية ودعت إلى ضرورة فتح الحوار مع هذه التيارات بعد أن أثبتت التجربة التركية، ومن قبلها الماليزية، بزعامة مهاتير محمد الذي يسعى لتحويل بلاده من دولة متخلفة إلى دولة متقدمة بنهاية العقد الثاني من هذا القرن، مدى الاعتدال. وعلى الرغم من ذلك لم تقبل الأطراف العلمانية المسيطرة على المؤسسة العسكرية السماح باقتسام السلطة مع التيار الإسلامي وقادة الأزمة بين الطرفين إلى حل حزب الرفاه ومصادرة ممتلكاته واتهام قياداته بالتحريض على قلب نظام الحكم لمنعهم من ممارسة السياسة. ولم يستسلم أصحاب التيار الإسلامي أمام سلاح التيار العلماني وقاموا بتأسيس حزب إسلامي جديد تحت مسمى حزب الفضيلة الذي أصبح الوريث الشرعي لحزب الرفاه بقيادة جديدة وأنظم إليه معظم نواب البرلمان الإسلاميين الذين كانوا أعضاء في حزب الرفاه وأصبح حزب الفضيلة ممثل في البرلمان التركي بنحو مائة عضو إلا أنها كانت هدنة قصيرة الأمد. وما لبث العلمانيون من خلال المؤسسات التي يهيمنون عليها أن جروا حزب الفضيلة إلى مواجهة جديدة مع السلطة بحجة مخالفة ميثاق الحزب لمبادئ الدستور العلماني الذي تقوم عليه تركيا. ولم يختلف مصير حزب الفضيلة عن مصير سلفه حزب الرفاه إذ أصدرت المحكمة الدستورية قرار بحل الحزب. وفي إطار سياسة المد والجزر بين التيارين تقدم عدد من الإسلاميين بطلب الترخيص لهم بتأسيس حزب إسلامي جديد تحت مسمى حزب السعادة وقد أصدرت المحكمة الدستورية يوم الخميس الموافق 19 يوليو 2001 قرارها بالموافقة على تشكيل الحزب الإسلامي الجديد. وإذا كان ما يميز الحزب الجديد عن أسلافه من الأحزاب الإسلامية السابقة هو تعهده باحترام الدستور وعدم السعي إلى تغيير النظام العلماني السائد في تركيا والتزامه بالعمل الديني فإن أهمية الترخيص تكمن في كونه يفتح المجال لعودة زعيم إسلامي بارز هو رئيس بلدية إسطنبول السابق رجب طيب أردوغان، وهو زعيم إسلامي شاب يتوقع له كثيرون قيادة التيار السياسي الإسلامي، إلى الساحة السياسية بعد منعه في عام 1999 من ممارسة السياسة مدى الحياة لاتهامه بإلقاء خطاب سياسي تضمن أشعارا اعتبرها القضاء تحريضا على الحقد. ويطالب أردوغان بزعامة الجناح الحديث للنواب السابقين لحزب الفضيلة الإسلامي وهو القوة السياسية الثالثة في البلاد والذي حظرته المحكمة الدستورية الشهر الماضي بتهمة القيام بـ "نشاطات معادية للعلمانية". ونجح أردوغان في ضم نحو نصف نواب حزب الفضيلة في البرلمان إلى تجمعه السياسي الجديد ولربما يسعى الأخير إلى تشكيل حزب إسلامي آخر لتقوية الجبهة الإسلامية في داخل تركيا انسجاما مع الشارع التركي الذي بدأ يتزايد تأييده لإصلاح النظام التركي على أسس إسلامية.

وفي ظل هذه الظروف والمعطيات غير المشجعة قبل التيار الإسلامي التحدي كما قبل تقديم العديد من التنازلات للتيار العلماني بهدف تضييع الفرصة على خصومه السياسيين في الداخل والخارج وهم كثر وليحقق عدد من الأهداف غير المعلنة والتي يمكن إيجازها فيما يلي:

(1) أن يؤكد على أن تركيا على الرغم من العلمنة والتغريب الذي شهدته في العقود الماضية فإنها لا تزال تبحث عن تراثها الحضاري وهُويتها الإسلامية وإذا كانت روسيا قد تنكرت للشيوعية التي حكمتها في أعقاب الحرب العالمية الأولى ورجعت إلى نصرا نيتها من خلال مسميات مختلفة فإنه من باب أولى أن تعود تركيا إلى إسلامها الذي به سادت العالم لأكثر من ستة قرون. (2) أن يبرهن للأطراف الداخلية والخارجية مدى التوافق بين الإسلام والديمقراطية ويبدد مخاوفهم من أن الأحزاب الإسلامية إذا وصلت إلى السلطة ستتخلى عن النهج الديمقراطية وتتحول إلى نظم شمولية. (3) أن يبدد مخاوف الغرب من عودة الصدام بين الإسلام بصفة عامة، والأصوليون الإسلاميون على وجه الخصوص في حالة وصولهم إلى السلطة، مع الغرب وأنهم لا يشكلون خطراً يهدد الحضارة الغربية ويدحض بالتالي افتراءات المفكر اليهودي صمويل هانتغتون في أطروحته صدام الحضارات. (4) أن يثبت للناخب التركي أن المنهج الإسلامي لا يقل في فاعلية في مواجهة القضايا السياسية المعاصرة ومعالجة المشكلات السياسية والاقتصادية والاجتماعية التي يواجهها المجتمع التركي عن الأيديولوجيات الوضعية المعاصرة بشتى صنوفها ومناهجها العلمانية والإلحادية سواء كانت الليبرالية أو الماركسية أو الاشتراكية العلمية. (5) التأكيد العملي على أن الإسلام يقر بمبدأ التعددية السياسية ويرفض الزيف والإرهاب ولا يقوم على كبت الحريات والسياسات القسرية لأن الإسلام في جوهره يرفض الدكتاتورية ويؤكد على الحرية الشخصية شريطة أن لا تكون على حساب الحقوق العامة للمجتمع. كما أنه عقيدة تحرر وليس تخلف كما يدعي البعض الذين استخدموا هذا الإدعاء خلال العقود الماضية كسلاح في وجه الأحزاب والتيارات الإسلامية لمنعها من الوصول إلى السلطة لضمان خلو الساحة السياسية في الدول الإسلامية للتيارات العلمانية واليسارية التي لم تقود هذه الأمة إلا إلى الانحطاط والتخلف والتبعية للغرب. (6) رغبة القائمين على التيار الإسلامي في تغيير العديد من المفاهيم التي سادت تركيا خلال الثمانية عقود المنصرمة وتمثلت في سعي النخب الحاكمة لربط تركيا بأوربا وفي انحيازها التام لصالح الغرب من خلال عضويتها في حلف الأطلنطي وفتح الأراضي والأجواء التركية للقوات الأمريكية وشبه القطيعة مع عمقها الإستراتيجي وهو العالم الإسلامي من خلال علاقات خاصة مع الكيان الصهيوني وافتعال الأزمات في علاقاتها بالدول العربية والإسلامية وخاصة المجاورة وعلى رأسها أزمة المياه وقضية الأكراد ومشكلات الحدود. فهل يقبل العلمانيون هذه المرة بالتعايش مع الأحزاب الإسلامية الجديد والأسئلة التي تطرح نفسها هنا تتمحور في إمكانية حدوث مصالحة وطنية بين التيارات الإسلامية والعلمانية في العالم الإسلامي في ظل القبول بالديمقراطية كخيار إستراتيجي لدعم الأمن والاستقرار الداخلي والإقليمي طرح مشروع وجدير بالبحث والدراسة للخروج بالأمة من المأزق الذي تعانيه والنفق المظلم الذي أدخلت نفسها فيه.

آلا باليت قومي يعقلون.

http://www.hhalkim.com/trknislam.htm

يأتي في آخر الزمان قوم حدثاء الأسنان سفهاء الأحلام يقولون من خير قول البرية يمرقون من الإسلام كما يمرق السهم من الرمية لا يجاوز إيمانهم حناجرهم فأينما لقيتموهم فاقتلوهم فإن في قتلهم أجرا لمن قتلهم يوم القيامة

رابط هذا التعليق
شارك

انشئ حساب جديد أو قم بتسجيل دخولك لتتمكن من إضافة تعليق جديد

يجب ان تكون عضوا لدينا لتتمكن من التعليق

انشئ حساب جديد

سجل حسابك الجديد لدينا في الموقع بمنتهي السهوله .

سجل حساب جديد

تسجيل دخول

هل تمتلك حساب بالفعل؟ سجل دخولك من هنا.

سجل دخولك الان
  • المتواجدون الآن   0 أعضاء متواجدين الان

    • لا يوجد أعضاء مسجلون يتصفحون هذه الصفحة
×
×
  • أضف...