الأخوات الفاضلات (فولانة) و (نانا) و (سى السيد)
تحية طيبة وبعد ..
أتقدم لسيادتكم بعظيم شكرى وامتنانى لكونكم أول من رد على موضوعى حتى ولو كان ذلك لمجرد تفعيل النقاش .. وعظيم شكرى وامتنانى مرة أخرى لكونى كنت محتاجاً لمثل هذه الردود الواعية العامرة بأطروحاتها وتساؤلاتها حتى يمكننى الإسترسال فى توضيح نظريتى.
أرجو منكم الرجوع إلى الردود الثلاثة الواردة من كل من (فولانة) و (نانا) و (سى السيد) وتعقيب (فولانة"الضاحك" عليه), ذلك أن الصورة الكاملة لمجموع أفكاركم التلقائية وتعليقاتكم الملهمة - أنتم الثلاثة - سوف تساعد كثيرا فى توضيح الصورة.
ردنا المتواضع :
من مجمل جميع النقاط التى إشتملت عليها الردود الثلاث المشار إليها بالإضافة للتعليق الضاحك, أستسمح سيادتكم بتوضيح الآتى :
1. مفهوم (الحيادية) الذى أتناوله وأدعى أنه مفهوم لم يسبق له مثيل, هو مفهوم لا يتعلق مطلقاً بالقضاء أو الأحكام أو الطرفين المتخاصمين ولا يتعلق أيضاً بالسياسة الدولية, فلو كان كذلك لما وضعته تحت بند (الموضوعات الشخصية).
2. (الحيادية) المقصودة هنا هى موقف الإنسان (الشخصى) فى قدرته على النظر إلى أقرانه من بنى البشر بصورة (محايدة) قبل الحكم (الشخصى) عليه.
3. و (الحيادية) التى أطرحها كموقف شخصى يجب أن تكون هى القاعدة المتغلغلة فى كافة نفوس البشر, بحيث لا يترك إلا الحالات الصارخة كاستثناء يتم اللجوء فيها لمسألة الإحتكام لطرف آخر : (تعاليم دينية, قانون, قضاء, تحكيم, نصيحة), فلا معنى ولا فاعلية للجوء لطرف (محايد) دون وجود هذه القاعدة الأساسية المتغلغلة فى نفوسنا, والدليل ما نحن عليه الآن كبشر بصورة عامة من بؤس وشقاء رغم وجود كافة الأنظمة المعنية بالعدل.
4. والموضوع بهذه الصورة ليس بالهين كما تتصورون, فالجميع – وأدعى إستثناء شخصى من ذلك – لا يستطيعون النظر للآخرين بصورة (محايدة).
5. ولنأخذ أمثلة من ردود سيادتكم.
6. الأستاذة الفاضلة (فلانة) - متفقاً معها فى الرؤية الأخت الملهمة (نانا) - ذكرت فى ردها "أن الحكم المحايد هو الحكم الموضوعى الذى لا ينحاز لطرف على حساب الاخر".
7. ووفقاً للنظرية المطروحة, فإن الشخص (المحايد فى نفسه) - وهو هنا (بالصدفة) أختنا الرائعة (فولانة) – يجب أن ينظر إلى جميع البشر نظرة متساوية ويشعر (فى قرارة نفسه وليس ظاهرياً) أن جميع البشر متساوون.. وهذا الشعور الداخلى أسميه الحيادية ؟
8. ثم فى تعليقها "الضاحك" على الصورة المصاحبة لرد (سى السيد) نجدها - هى نفسها من تعليقها على الصورة وتساؤل إبنتها "حفظها الله" العلمى الواقعى – نجدها مندهشة من شكل صاحب الصورة, فهى هى لم تنظر إليه بنظرة (محايدة).
9. وإياك يا أختاه أن تعتبرى فى كلامى أى ملامة أو إنتقاد, فلو كنت فى مجال الملامة لوجهتها لإناس آخرين تعليقاتهم لا تنتمى لأسلوبك المتحضر الذى علقت به على الموضوع.
10. فأنا هنا يتساوى فى نظرى تعليق سيادتك على الصورة بصرف النظر عن التراجع عنه أو عدمه, كما يتساوى عندى رد فعل أى شخص آخر ينظر إلى الصورة ثم يتمالك مشاعره – أى يسيطر عليها – حتى لا تظهر أمام الآخرين كنوع من المجاملة أو العطف أو الرحمة أو الشفقة أو التواضع للطبقة التى من المفروض أن ينتمى إليها صاحب الصورة, فكل هذه المشاعر غير (محايدة), وكذلك هؤلاء فنانى التصوير الفوتوغرافى العظماء الذين يعرضون مثل هذه الصور لإناس من البشر كتحفة فنية بتجاعيدها أو (أصالتها) فى مجالات عالمية مثل الناشيونال جوغرافيك أو غيرها هؤلاء أيضاً لا يملكون شعوراً محايداً تجاه غيرهم من البشر, وبالمناسبة أنا لا أعتقد أنها صورة (سى السيد الحقيقى), فهو أيضاً غير محايد فى نظرته للصورة التى اختارها لموضوعه.
11. إذن من هو المحايد هنا, مرة أخرى أدعى لنفسى أننى كذلك, فأنا على سبيل المثال لا الحصر أحضر مؤتمرات عديدة فى مجال التحكيم الدولى والتى يتم عقدها بالعديد من الفنادق الخمس نجوم واختلط بالنخب من رجالات الدولة فى هذه المؤتمرات: وزراء, رجال علم يشار لهم بالبنان, واتوجه ضمن برنامج المؤتمر إلى البوفيه المفتوح الذى يتضمن أكلات من كافة أنحاء العالم, على مستوى السيمون فيميه وأنواع الجمبرى الفاخر وغير ذلك الكثير والكثير, واستمتع بصحبة هؤلاء القوم أيما استمتاع واتجاوب معهم ويتجاوبون بانسجام تام, فهل تعرفين أين قمت بتناول إفطارى قبل الصعود إلى الفندق.
12. لقد توجهت إلى أحد الشوارع الجانبية وانضممت إلى الواقفين على عربة (فول بالزيت الحار) ومعظمهم لهم سمة الرجل الموجود فى الصورة واستمتع – هنا أيضاً - بصحبة هؤلاء القوم أيما استمتاع واتجاوب معهم ويتجاوبون بانسجام تام.
13. وقد تنبعث من هؤلاء القوم الذين يطلق عليهم البسطاء رائحة معينة قد لا يتحملها آخرون من غير المحايدين, ومع ذلك وللعجب هم لا يشمون هذه الرائحة فيما بين أنفسهم كطبقة معينة, ويجب هنا أن أعى (كمحايد) أنه من المحتمل إنبعاث رائحة نفاذة منى يشعر بها إناس آخرون من طبقة أخرى فى الوقت الذى لا أشعر أنا بهذه الرائحة, وبالتالى يجب على أن أعذرهم إذا حاولوا تجنبى والإبتعاد عنى, وأن أجد حل آخر يرضينى بعيداً عن تجاهل هذه الحقيقة.
14. ومثلما لا أستطيع أن أطلب منك أن يكون لديك نفس الشعور تجاه طبقة معينة من البشر, فإنه يجب عليك إذا أردت أن تكونى محايدة أن تعذرى كبار القوم فى تعاملهم مع من هم مثلى بعلياء وتكبر, وقد يلجأون فى ذلك لدرجات متفاوتة من البطش والطغيان فى سبيل الإحتفاظ دائماً بهذا الفارق بينى وبينهم, مثلما يفعل أى شخص آخر فى أى طبقة عليا أو وسطى أو دنيا, فى سبيل ألا يسمح للطبقة الأدنى من الإلتحام بطبقته.
15. فالإحساس بدوافع الآخرين (المتجبرين, الطغاة, ....) وتقديره هو الشعور المحايد الذى قد يسمح فى يوم من الأيام بالمصالحة بين كافة البشر, حيث سنتمكن حينئذ من حصر القليلين منهم المتطرف فى جبروته والتعامل معهم بسهولة ويسر لقلة عددهم.
هناك الكثير .. ولكن قدرتى الذهنية تخوننى فى مثل سنى المتقدم, لذا سأتوقف عند هذا الحد تاركاً لشخصكم الكريم إعادة تفعيل الموضوع بنفحاتكم الثاقبة بغرض جعله أكثر تركيزاً حتى يستطيع الفاضل العزيز (سى السيد) إستيعابه وأعتقد أن لديه قدرة تفوق قدرتنا جميعاً على ذلك, لكن هو غاوى يعمل إنه مش فاهم.
أتوقع ردكم فى أقرب فرصة .. مع رجاء ألا أكون قد أطلت عليكم.
أخيكم أو والدكم وربما جدكم العجوز
المحايد