من أكثر الكتاب إنسانية فيما قرأت
نشأته نبيلا روسيا
دراسته الشرقية واللغة العربية
التحاقه بالجيش وعمله ضابط مدفعية
كتاباته الأدبية عن الحرب والسلام
معاركه مع الكنيسة الأرثوذكسية
التصاقه بالفقراء ودعوته للسلام
احياءه لتراث الشعوب
كتابه عن حكم النبي محمد
وهذه حكاية الرسائل المتبادلة مع مفتي الديار المصرية الإمام محمد عبده
لقد أعجب الشيخ محمد عبده والذى كان مفتى الديار المصرية فى ذلك الوقت بكتابات تولستوي الروسي الإنساني، وبعد أن حرم المجمع الكنسي تولستوى عام 1901 من الكنيسة لنقده لها، أرسل الإمام محمد عبده عام 1904 إلى الفيلسوف تولستوى رسالة يقول فيه: “أيها الحكيم الجليل.. مسيو تولستوي، لم نحظ بمعرفة شخصك..وكلنا لم نحرم التعارف بروحك، سطع علينا نور من أفكارك.. وأشرقت فى آفاقنا شموس من آرائك.. ألفت بين نفوس العقلاء ونفسك. هداك الله إلى معرفة الفطرة التى فطر الناس عليها ووفقك إلى الغاية التى هدى البشر اليها فأدركت أن الإنسان جاء إلى هذا الوجود لينبت بالعلم ويتم بالعمل ولأن يكون ثمرته تعبا ترتاح بها نفسه.. وسعيا يبقى به ويرقى به جنسه وشعرت بالشقاء الذى نزل بالناس لما انحرفوا عن سنة الفطرة.. واستعملوا قواهم ـ التى لم يمنحوها إلا ليسعدوا بها ـ فيما كدر راحتهم وزعزع طمأنينتهم. وأضاف محمد عبده في رسالته قائلا: “لقد نظرت نظرة فى الدين مزقت حجب التقاليد ووصلت بها إلى حقيقة التوحيد.. ورفعت صوتك تدعو الناس إلى ما هداك الله إليه.. وتقدمت أمامهم بالعمل لتحمل نفوسهم عليه.. فكما كنت بقولك هاديا للعقول كنت بعملك حاثا للعزائم والهمم.. وكما كانت آراؤك ضياء يهتدى بها كان مثالك فى العمل..إماما يقتدى به المسترشدون.. وكما كان وجودك توبيخا من الله للأغنياء.. كان مددا من عنايته للفقراء.. وأن أرفع مجد بلغته وأعظم جزاء نلته على متاعبك فى النصح والإرشاد.. هو هذا الذى سموه “بالحرمان” و “البعاد” فليس ما كان إليك من رؤساء الدين سوى اعتراف منهم أْعلنوه للناس بأنك لست من القوم الضالين فاحمد الله على أن فارقوك بأقوالهم كما كنت فارقتهم. هذا وان نفوسنا الشيقة إلى ما يتجدد من آثار قلمك فيما تستقبل من أيام عمرك وإنا نسأل الله أن يمد فى حياتك ويحفظ عليك قواك.. ويفتح أبواب القلوب لفهم ما تقول.. ويسوق الناس إلى الاقتداء بك فيما تعمل والسلام”.
ورد تولستوي على رسالة محمد عبده، وقال: صديقى العزيز، لقد تلقيت رسالتكم الطيبة الحافلة بالمديح وها أنذا أسارع بالرد عليها مؤكدا لكم أولا السعادة الكبرى التى أعطتنى إياها إذ جعلتنى على اتصال برجل متنور.. حتى ولو كان ينتمى إلى إيمان يختلف عن إيمانى الذى ولدت فيه وترعرعت عليه.. ومع هذا فإنى أشعر بأن ديننا واحد ـ لأنى أعتقد أن ضروب الإيمان مختلفة ومتعددة. وأضاف تولستوي في رسالته: “وإنى لآمل ألا أكون مخطئا إذ أفترض ـ عبر ما يأتى فى رسالتكم ـ بأننى أدعو إلى الدين نفسه الذى هو دينكم.. الدين الذى يقوم على الاعتراف بالله وبشريعة الله التى هى حب القريب ومبادرة الآخر بما نريد من الآخر أن يبادرنا به.. إننى مؤمن بأن كل المبادئ الدينية الحقيقية تنبع من هذا المصدر والأمر ينطبق على كل الديانات.. وإننى لأرى أنه بمقدار ما تمتلئ الأديان بضروب الجمود الفكرى والأفكار المتبعة والأعاجيب والخرافات.. بمقدار ما تفرق بين الناس بل تؤدى إلى توليد العداوات فيما بينهم.. وفى المقابل بمقدار ما تخلد الأديان إلى البساطة وبمقدار ما يصيبها النقاء تصبح أكثر قدرة على بلوغ الهدف الأسمى للإنسانية ووحدة الجميع. وهذا هو السبب الذى جعل رسالتكم تبدو لى ممتعة وفى النهاية ارجو أن تتقبلوا يا جناب المفتى تعاطف صديقكم.. تولستوى”. ولا تزال لحد الآن في متحف تولستوي الشهير في العاصمة الروسية موسكو، رسالتان موضوعتان في صندوق زجاجي أنيق، إحداهما مكتوبة باللغة العربية، بتوقيع مفتي الديار المصرية، محمد عبده، والأخرى باللغة الفرنسية، بتوقيع الأديب الروسي العالمي ليو تولستوي، لتكونا شاهدتين على الروابط الثقافية القديمة التي جمعت بين الرجلين.