لوحة القادة
المحتوى صاحب التقييم الأعلى
عرض المحتوى صاحب أعلى تقييم في 09/20/13 في جميع الأقسام
-
خاتمة الموضوع:السابقة القضائية ليست سوى حكم محكمة عُليا يسرى على المحاكم الأقل درجة منها , و تكون فى نفس نطاق اختصاصها, فالسابقة القضائية المصرية لا تسرى على محاكم الأردن مثلا, و إن كانت هناك مثل هذه الحالات( و التى ليست نادرة), و لكن فى نظم قضائية أخرى كما سأشرح بعد. و تكون للسابقة " الملزمة للمحاكم" قوة القانون فى الحالات المشابهة للقضية التى صدر فيها هذا الحكم. و لكن ليس كل حكم محكمة يُشكّل سابقة, فإذا كان الحكم ليس سوى إعمالا طبيعيا للقاعدة القانونية, فلا يعتبر الحكم سابقة, حيث أن كلمة "سابقة" تعنى حرفيا " أنها لم يسبق لها مثيل" و حكم المحكمة المكون "للسابقة" لا يخالف القانون , بل يكون تطبيقا للقانون, و لكن بتفسير لبعض كلماته على نحو لم يتم من قبل, طبقا للتغير فى الظروف السياسية, و الإجتماعية, و الإقتصادية, و البيئية.. و قد قدمت نموذجا لمثل هذه السوابق, فى القضية "الفرضية "التى نشرتها سابقا , و التى اقتبستها من إحدى مقالات المرحوم الدكتور محمود الأفوكاتو, و التى ذكر فيها: أنه عندما فسرت محكمة ابتدائية إنجيزية كلمة " عربات مُحرّكية", ( أى تدار بالموتور) بأن قصد المشرع كان إدراج تحت توصيف "العربات المُحرّكية" فى القانون: كل من السيارات, و الأتوبيسات, و الجرارات, و اللوريات, و الكراكات الخ, و لكن المشرع لم يقصد إدراج: ......." كرسى للمُقعد يديره موتور كهربائى صغير, يدار ببطارية, و ليس ثقيل الوزن, و لا يُخرج عادما, و لا يضر بيئيا بالحدائق العامة, و خضرتها و زهورها و جوها النقى". عندما تستأنف البلدية ( فرضا) هذا الحكم, و لكن محكمة الإستئناف تؤيده, هنا يصبح هذا "التفسير" الوارد فى هذا الحكم مُلزما لجميع المحاكم الإبتدائية, و لكنه ليس ملزما لمحاكم الإستئناف الأخرى, و لكن لو بلغ الأمر إلى محكمة النقض, و أقرت هذا التفسير, يصبح هذا " التفسير" سابقة قضائية" تسرى على جميع المحاكم فى الدولة, و يكون لها قوة القانون. إذن , ليس كل حكم إستئنافى خالقا لسابقة, فالأحكام الإستئنافية قد تؤدى إلى الآتى: 1- إلغاء حكم سابق 2- تغيير الحكم السابق 3- تبديل مواقف المدعى أو المدعى عليه 4- إبداء إعتراض على الحكم السابق 5- تقديم تفسير لكلمة فى القانون لم تقدمها محكمة أخرى من قبل. و هذه الحالة رقم 5 الأخيرة هى التى يمكن أن تخلق سابقة قضائية. و لكن لهذا شروط: 1- يتكون الحكم من شقين, الشق الأول هو المبدأ القانونى الذى استند إليه القاضى فى إصدار الحكم, و يسمى هذا الجزء باللاتينية: ratio decidendi أى سند أو سبب الحكم و يتكون الشق الثانى من بعض ما ورد فى حيثيات الحكم: كالتعليق على جسامة الجريمة, و قسوة الجانى, وآلام أسرة المجنى عليه, و كثير من هذه المواد الإنشائية التى يجيدها بعض القضاة. و يسمى باللاتينية: obiter dicta أى كلمات تقال " على الماشى" فى هذه الحالة بالذات, و لا تدخل فى المبدأ الذى توصل إليه القاضى. 2- الحكم الذى يُكوّن السابقة لا يقتبس منه سوى " ratio decidendi, 3- لتطبيق السابقة, يجب أن تتشابه الأحداث و الظروف فى القضية الجديدة مع أحداث القضية المُنتج حُكمها للسابقة. 4- يُمكن لقاضى محكمة إدنى التهرب من تطبيق السابقة فى القضية المنظورة أمامه , و ذلك بذكر أن أحداث هذه القضية تختلف عن أحداث السابقة القضائية.( يُعرف ذلك بمصطلح : تفريد الوقائع) و السوابق القضائية يمكن أحيانا أن تطبق فى دولة أخرى عن طريق " الإستحسان" و ليس عن طريق " الإلزام" فقد يستشهد محام أمريكى بقضية إنجليزية شهيرة أرست سابقة مهمة, و قد لجأت أستراليا إلى إقتباس كثير من السوابق الإنجليزية, إلى أن كون النظام القضائى الأسترالى سوابقه النابعة عن محاكمه. و إغفال السوابق القضائية التى أستقر عليها الفقه القضائى فى مصر سببه واضح, و عمدى, و مقصود. فالمشرع المصرى أردا أن يحرم المحاكم من حق البحث عن نية المشرع, حيث أن الدستور و القانون مكتوبان بطريقة تحقق تماما ما يريده رئيس السلطة التنفيذية,الذى لا يرى أن دور المحاكم هو تغير ما أراد رئيس السلطة أن يكون قانونا. و لأن المحاكم المصرية حاولت إرساء بعض السوابق القضائية فى الماضى, فقد ردت الحكومة على هذه المحاولة بأمرين: الأول : تجاهل هذه الأحكام التى تفسر القانون على غير هوى السلطة التنفيذية الثانى: قصر الحكم على القضية الأصلية, و إصدار تعليمات بأن من من يتضرر من موقف قانونى معين, عليه , أثناء نظر قضيته, إثبات أن وقائع حالته " تتطابق تماما" مع القضية التى يستند إليها المتضرر كسابقة , أى أن العبرة هنا هى تشابه الوقائع, و ليس تشابه الموقف القانونى, أى التفسير القانونى للوقائع كما ثبت فى القضية التى يُستشهد بها كسابقة, و يتبع ذلك أن على من يريد الإستشهاد بسابقة قضائية, عليه إقناع قاضى قضيته من جديد بالمبادئ التى وردت فى السابقة القضائية. و سكون رد القاضى: سالتزم بوقائع قضيتك, و أحكم فيها بما أراه. و لا يوجد قانونيا أو دستوريا حاليا ما يُلزم القاضى المصرى بتطبيق سابقة قضائية, حيث أن هذا ليس منصوصا عليه فى الدستور, و إن كان مبدءا قانونيا تلتزم به جميع النظم القانونية الدستورية فى العالم. و مجرد إغفال ذكر" فقه السوابق القضائية" فى الدستور ضمن مصادر القانون( الذى يصر المشرع على استعمال بدلا منه مصطلح " "التشريع") هو فى حد ذاته تجريد صريح للمحاكم من حقها فى إرساء سوابق قضائية, قد تفضح الفشل التشريعى. و على هذا, يمكن القول أن التوقف فى الأخذ بالسابقة القضائية كمصدر من مصادر القانون( و ليس " التشريع" كما سبق الشرح) قد تم فور قيام ثورة يوليو 52, و التوقف عن ذكر السوابق القضائية و فقهها فى الدساتير اللاحقة كمصدر من مصادر القانون, (و إن كانت هناك بعض الحالات الفردية التى لم يكن الحكم فيها يشكل تغييرا جوهريا فى مفهوم القانون السائد, و قبلتها المحاكم كسوابق قضائية, ليس لأنها ملزمة, بل لأنها حلت مشكلة). لعل هذا يشرح أسباب تفاوت و تعارض الأحكام القضائية, فى ظل "عزف فردى", و ليس جماعى, حيث يحق للعازف الفرد, أن يكون لحنه نشازا, خارجا عن اللحن الذى يفضله الجميع. تقبلوا تحياتى2 نقاط
-
ذكرت فى الفقرة السابقة أن العرف هو من أهم مصادر القانون, و قبل أن أشرح دور " العرف" كمصدر من مصادر "القانون", ( و ليس مصدرا " للتشريع" الذى ورد ذكره فى الدساتير الأخيرة, و الذى يُقصد به القانون الوضعى الصادر من المجلس النيابى,, و الذى يعتبر مصدرا أساسيا "للقانون") , أود أن أضيف مصادر أخرى للقانون ( و ليس "التشريع" , الذى هو مجرد مصدر من مصادر القانون) وهى: الشرائع السماوية, و خاصة فى شأن الأحوال الشخصية, مبادى القانون الطبيعى وقواعد العدالة مبادئ الفقه القضائى, و السوابق القضائية. الاتفاقات الدولية, و مبادئ إعلان حقوق الإنسان, و قد تضمن دستور 1936 كل هذه المبادئ, كما أكد تواجدها " القانون المدنى"رقم 131 لعام 1948, الذى نصت مادته الأولى على: تسرى النصوص التشريعية على جميع المسائل التى تتناول هذه النصوص فى لفظها او فى فحواها . (2) فاذا لم يوجد نص تشريعى يمكن تطبيقه ، حكم القاضى بمقتضى العرف ، (3) فاذا لم يوجد ، فبمقتضى مبادئ الشريعة الاسلامية ، (4) فاذا لم توجد ، فبمقتضى مبادى القانون الطبيعى وقواعد العدالة و لم يتضمن المشرع المصرى هذه الأحكام من فراغ, فمعظم دساتير العالم تتضمن مصادر أخرى للقانون, تطبق فى حالة غياب نص تشريعى يحكم وقائع معينة, فالتشريع هو المصدر الرئيسى للقانون, و ليس هو كل القانون. و القانون الإنجليزى المسمى " بالقانون العرفى" و يسمى بالإنجليزية Common Law و الذى يسميه بعض الكتاب " بالقانون الغير مكتوب ", لم يصدر ثلاثة أرباعه من أى برلمان أو مجلس تشريعى, بل كانت معظم أحكامه مستمدة من أحكام قضائية قديمة, اكتسبت صفة السوابق القضائية, و التى احتضنها الفقه القضائى البريطانى, نظرا لأنها خلاصة أحكام نهائية, كاشفة عن قواعد العدل, و مرسخة لقاعدة سيادة القانون على الجميع بالتساوى, و تسمى Case Law. أى القانون المستمد من أحكام سابقة. و قد احتضن الفقه القانونى العالمى مبدأ اعتبار الأتفاقات الدولية, و مبادئ إعلان حقوق الإنسان, مصادر إضافية من مصادر القانون, بالإضافة إلى " التشريع ", أى " القانون الوضعى" , الذى هو المصدر الرئيسى للقانون حتى فى انجلترا نفسها, حيث أن القانون الصادر حاليا من البرلمان الإنجليزى, يجُب و يلغى القانون المقتبس من السوابق القضائية, و العرف الإنجليزى Common Law. و السؤال هنا هو: لماذا تعمد فقهاء قوانين ما بعد ثورة يوليو 1952 عدم استعمال كلمة " القانون" و استبدلوها بكلمة"التشريع" فى دساتير ما بعد الثورة؟ سأشرح ذلك فى فقرة تالية.1 نقطة
-
و الآن, سأناقش مصطلح "القانون" , الذى يشير أحيانا إلى أمور لا تتعلق بالقانون الذى نناقشه الآن, مثل قوانين الطبيعة, و منها قوانين "الجاذبية", و القوانين"الفلكية", و قوانين" المد و الجزر", الخ.فالقانون الذى أتحدث عنه هو القانون الذى تُطبقه محاكم الدول المختلفة بواسطة نظام قضائى منصوص عليه فى دساتير تلك الدول. و تبسيطا لشرح ماهية هذا "القانون", يمكن تعريف" القانون" بأنه مجموعة من القواعد التى تصدرها الدولة لرعيتها, فى شكل أوامر و نواهى, مقصود بها تنظيم العلاقة بين الدولة و الأفراد, و بين الأفراد بعضهم بعضا, كما تتضمن قواعد إنشاء مؤسسات الدولة, و حماية اقتصادها, و ضمان حماية ممتلكات الدولة و الافراد. و بعض هذه القوانين يكون مصدره " التشريع". و لكن توجد مصادر أخرى للقانون غير "التشريع" سأتحدث عنها قريبا, و بعد شرح مصطلح " التشريع". 1. مصطلح " التشريع" يعنى أمورا عدة, سواء فى اللغة العربية, أو الإنجليزية, أو الفرنسية. 2. فقد يقصد به " عملية صنع القانون فى المجالس النيابية" 3. أو قد يقصد به " قانون تم إصداره بمعرفة المجالس النيابية" 4. و " المشرع" هنا يكون المجلس النيابى الذى تصدر منه القوانين " التشريعية" لكن , كما ذكرت عاليه, فإن "للقانون" مصادر أخرى تنص عليها صراحة أو ضمنا دساتير الدول المختلفة, حيث أن المحاكم مُلزمة بإيجاد حلول قانونية للمشاكل المعروضة أمامها, مثل تطبيق القوانين العرفية , أى القواعد التى يتفق عليها فئة من المجتمع , فى حالة غياب " قانون تشريعى" يمكن تطبيقه على بعض الأمور التى قد لا تتواجد فى أماكن أخرى من الدولة, مثل سكان الواحات, و مرسى مطروح, و شلاتين, و النوبة. و تكتسب تلك القواعد العرفية صفة القانون, و تطبقها المحاكم فى حالة غياب نص قانونى تشريعى, بشرط توافر بعض الشروط. • أن لا تكون القاعدة العرفية متعارضة مع قوانين البلاد " التشريعية" • أن تكون القاعدة العرفية مُطبقة بالتواتر, أى التكرار منذ فترة طويلة فى تاريخ البلد • أن يكون للقاعدة العرفية مجلس مهمته تطبيق تلك القواعد , و يسمى " المجلس العرفى", و الذى يقوم بمهام المحاكم فى المناطق النائية, التى يكون من الصعب على أطراف النزاع حلها فى المدن البعيدة التى بها محاكم. إذن, فإن العرف يعتبر مصدرا شرعيا و قانونيا, تطبقه المحاكم فى حالة عدم وجود نصوص فى القوانين المدنية يمكنها حل النزاع. و سأشرح دور العرف كبذرة لإنشاء قوانين لم يُصدرها "مشرّع" , أى برلمان أو مجلس نيابى . كما سأشرح مصادر أخرى "للقانون", تغافلت عنها دساتير مصر الأخيرة , لحكمة سأذكرها فى وقتها. إلى اللقاء مع الفقرة التالية1 نقطة
-
1 نقطة