قطـــــرات
كانت ملابسي العسكرية ممزقه والدم يسيل من كتفي التي أصيبت في تلك المعركة اللعينة..تلك المعركة التي ناشدتني أمي بألا أشارك فيها..لكنه نداء الواجب..هكذا قلت لها في تلك اللحظة..ولكني اعلم في قرارت نفسي انه نداء الدم والدمار.. لكنه إصرار شاب يريد أن يثبت قوته وقدرته..
ليتني أصغيت إليكِ يا أماه..ولكن هل اهرب!اجل ولما لا؟طالما أنها معركة لا طائل منها سوى الموت والخراب.. فقط لأن القائد يريد هذا....ما الذي جنيته!! قتلت الكثير..سقطوا أمام عيني... كنت أرى في أعينهم نظرة استعطاف كادت ان تحرق .جسدي..لم ارحم توسلاتهم..ذلك الشيخ العجوز يضم زوجته....ذلك الطفل يخبئ طفلة تصغره بعام أو اقل..قتلتهم جميعا..حتى أتت تلك الفتاة ....وقفت إمامي بصلابة..وجهتُ سلاحي نحوها.. نظرت إلي يعينان قويتان وقالت...هيا أطلق رصاصتك.. ماذا تنتظر أيها الجندي الجبان...
ثارت حَفيظتي.. كدت أن أطلق الرصاصة..ارتعشت يدي..سقط رشاشي ..دنوت منه.. أسرعت والتقطته...وجهته نحوي.... توسلت إليها...ابتسمت بثقة وقالت..اذهب من هنا....وأعطتني قارورة ماء..غريب أمر هذه الفتاه!!
أفرغت الرشاش من الرصاص ..ركضت .... لم أشعر إلا برصاصة تخترق كتفي...ولكن كيف!!هل هي من فعل ذلك؟ لا يبدو عليها الغدر!! التفت خلفي..فوجدته ....انه هو...أجل هو..ذلك الشيخ العجوز..لازال به رمق من حياه.. أخذ الرشاش من الفتاه..نسيت به رصاصة واحده... هرولت ...خائفاً..مرتعداً...لم اهتم بمن خلفي من جنود..لم اعد إلى القائد..ارتميت في أحضان الصحراء..تلقفتني بحرارتها الحارقة..لم احتملها..همت على وجهي أياما ..حتى انتهى الماء...استسلمت للموت الذي اقترب مني كقرب الحبيب ..توقفت عن السير.. ورقدت على تراب الصحراء الذهبي... تسللت إلى مسامعي أصواتاً متناقضة.. .-.طلقات رصاص....صرخات..عويل.. نواح... بكاء-....تتخللها موسيقى صاخبة..وكأن الجنود يتراقصون على جثامين فتيات عاهرات..و يحتسون بهجة انتصارهم...حاولت أن أعود أدراجي..علّي أنال رشفة تعيد إلي الرمق... شعرت بقطرات تبلل شفتاي.. فتحت عيناي..فوجدت أني لأزلت بمكاني لم اتحرك.. بحثت حولي..فلمحتها ..نعم..هي .. كان الذئب قد نهش جسدها النحيل.. فسال دمها..قبل أن يلحق بها احدهم.. فيحملها على حصانه... وقطراتها تسيل لا لتلون تراب الصحراء.. بل لتستقر في فمي ..فشربت حتى ارتويت....
تمت
شـــــهد 31 مارس2014