أستاذ هيرو دا مقال للدكتور علاء الأسواني .. هيعجب حضرتك وياريت تتابع مقالاته
لماذ يكرهون شباب الثورة
حدثت هذه الواقعة من سنوات
ذهبت لأودع مبلغا في حسابي بالبنك فوجدت الفرع مزدحما.كان هناك موظف يعمل خلف الشباك الوحيد المفتوح وأمامه طابور طويل من الناس ينتظرون دورهم. وقفت في آخر الطابور خلف رجل مسن بدا عليه الارهاق وهمس لي:
ـــ قدامنا ساعة على الأقل.حاجة تقرف.
قلت له:
ــــ المفروض يفتحوا شباكين أو ثلاثة بدلا من تعطيل الناس.
تطلع إلي وابتسم في صمت.كان الطابور يتحرك ببطء والناس يتململون ويشتكون بصوت خافت.فجأة شممت رائحة عطر نسائي قوى وسمعت وقع حذاء حريمي ورأيت سيدة في الأربعينيات شعرها طويل يتدلى على كتفيها. ترتدي بنطلونا ضيقا من الجلد الأسود وبلوزة بيضاء تكشف عن ذراعيها وجزءا كبيرا من صدرها..تجاهلت السيدة الطابور وتقدمت حتى وصلت إلى الشباك ثم قالت للموظف بصوت عال ليسمع الجميع:
ـــ أنا صحفية وعندي موعد في رئاسة الجمهورية بعد ساعة. من فضلك خلصني الأول.
كان لذكر رئاسة الجمهورية أثر قوي على الواقفين فلم يعترض أحد.بات الأمر فوق احتمالي فتركت مكاني في آخر الطابور وتوجهت بسرعة الى السيدة وصحت:
ــ ليس من حقك تجاهل الطابور. هؤلاء الناس ينتظرون منذ ساعة ولديهم مصالح مثلك.
ردت بوقاحة:
ــ أنت ما بتسمعش؟!. بأقول عندي ميعاد في الرئاسة.
قلت لها:
ــــ احنا ما بنخافش من رئاسة الجمهورية. تفضلى اقفى في آخر الطابور
تطورت المشادة بيننا وعلا صوتنا وفوجئت بالموظف يقول:
ـــ أنا مش عارف أشتغل .. لما تخلصوا الخناقة قولوا لي.
أغلق الشباك وانسحب للداخل.. احتج الواقفون واندفعت السيدة إلى داخل الفرع وبعد لحظات جاءني ساع وقال لي:
ــــ السيد مدير الفرع عاوز حضرتك.
كان مدير الفرع رجلا هادئا في الأربعينيات من عمره.. وجدت السيدة جالسة أمامه وقد وضعت ساقا على ساق وراحت تنظر لي بتحد. استقبلني المدير بترحاب وسألني عما حدث فحكيت له وقلت:
ـــ القانون يجب أن يطبق على الجميع. الناس واقفة في الطابور من ساعة.
ــــ معلهش. المدام عندها ظرف استثنائي.
ـــ في الطابور كثيرون عندهم ظروف استثنائية.
ــــ عملاء البنك والحمد لله يتميزون بروح التعاون.
ـــ المفروض ان حضرتك كمدير تمنع الاستثناءات تماما.
ـــ العملاء عارفين ان فيه استثناءات وموافقين عليها.
ــــ من قال لك إنهم موافقين..؟
ـــ الدليل ان ما حدش اشتكى غيرك .. تسمح لي بسؤال:
ــ تفضل
ــ حضرتك طول عمرك عايش في مصر؟!
ــ لا. عشت في أمريكا و أوروبا فترة.
ضحك المدير وقال:
ــــ كده فهمت. دائما الناس اللى بتعيش في الغرب لما يرجعوا يبقوا عاوزين يطبقوا اللى شافوه هناك .. عاوز أقول لحضرتك ان الثقافة المصرية غير الغربية. احنا كشعب مصري عريق لنا تقاليدنا وخصوصيتنا.
زادني هذا المنطق السقيم غضبا فقلت له:
ــ يعنى قصدك الفساد جزء من ثقافتنا..؟
بدا عليه الانزعاج وقال:
ـــ ايه دخل الفساد بموضوعنا ؟! دى مجرد موائمات تفرضها طبيعة الظروف.
ــــ أي استثناء يعتبر فساد.
قال لي:
ـــ اسمح لي أخلص الموضوع بطريقتي.
نادى الساعي وطلب مني ومن السيدة المبالغ التي نريد إيداعها. أعطته السيدة المبلغ أما أنا فقلت:
ــ أشكرك لكني أفضل أن أقف في الطابور مع الناس..
تطلع إلي باستغراب ثم صافحني بود وقال:
ــــ لو احتجت اى شيء من البنك. مكتبي مفتوح.
عندما عدت إلى الطابور.كان الشباك لازال مغلقا وكان هناك رجل وامرأتان يتحدثون للموظف ليقنعوه باستئناف العمل. وقفت في نهاية الطابور. لدهشتي تطلع الواقفون نحوي باستنكار وغضب وسرعان ما انهالت على التعليقات الحادة:
ــــ عاجبك التعطيل اللى عملته ..؟
ــــ .منك لله يا شيخ.
ـــ لو كنت سبت الست خلصت مصلحتها كان زماننا دلوقت روحنا بيوتنا.
ـــ كل واحد يعمل لنا زعيم ويعطل مصالحنا.
لم أرد عليهم. انفتح الشباك أخيرا واستأنف الموظف العمل. حان دوري بعد فترة فأودعت المبلغ في حسابي وعدت إلى البيت وأنا مستاء..لم أكن غاضبا من السيدة التي تجاهلت الطابور بقدر غضبي من الناس الذين دافعت عن حقهم فوقفوا ضدي واعتبروا أنني أضعت وقتهم الثمين مع أنهم وقفوا طويلا بغير أن يجرءوا على الاعتراض.
أتذكر هذه الواقعة القديمة كلما استمعت إلى أحد يلعن شباب الثورة ..
هؤلاء الشباب كان لديهم اختيارات في الحياة أفضل من أن يتعرضوا للقتل والتعذيب والاعتقال، لقد قاموا بالثورة دفاعا عن حقوق الناس فاذا بهؤلاء الذين يدافعون عنهم ينقلبون عليهم ويصدقون أنهم خونة قبضوا أموالا لهدم الدولة إلى آخر هذه الاتهامات السخيفة الكاذبة التي يرددها الإعلام الساقط بغير أن يثبتها بدليل واحد..كيف صار بعضنا يكره من يضحي بحياته وعينيه دفاعا عن كرامتنا..؟
الطبيعي أن تكون الثورة مكروهة من فلول نظام مبارك لأنها تهدد مصالحهم..؟ أما أن يكره الفقراء الثورة التي قامت لإنصافهم فهو أمر شاذ يحتاج الى دراسة..؟ هل أصبح بعض المصريين يفضلون الظلم مع الاستقرار على الحرية مع الثورة..؟ هل يحس بعض المصريين بالضيق عندما يرى شبابا في عمر أبنائه يتحدون الديكتاتور بشجاعة بينما عاشوا هم يؤثرون السلامة ويتجنبون أي مواجهة مع السلطة .؟؟!
كلها أسئلة تحتاج الى بحث لأن اجابتها ستوضح لنا ما يحدث في مصر الآن.
الديمقراطية هي الحل