معظم أو كل الحاضرين هنا في محاورات المصريين نشأوا سياسيا و فكريا في ظل ثقافة الرأي الواحد ، بداية من جمع التوكيلات للمحامي - زعيم الأمة فيما بعد - سعد زغلول حيث قام الشعب عن بكرة أبيه بالتوقيع على تلك التوكيلات ل سعد زغلول ليرأس وفدا للمشاركة في مؤتمر باريس عارضا قضية مصر المطالبة بالجلاء هذا الوفد برياسة المحامي سعد زغلول تحول فيما بعد إلى حزب الوفد .... و ما كان يجرؤ أحد في بر مصر أن تكون له رؤية مخالفة لما يراه حزب الوفد و بلغ سطوة الفكر الواحد أن قيل أن الإحتلال على يد سعد أفضل من الإستقلال على يد عدلي.
مما سبق نعرف أن "ميراث الرأي الواحد" أمر تكرس في عقلية المصريين طويلا قبل ثورة يوليو 1952 ، و منذ ثورة يوليو نفسها تم حل الأحزاب القائمة ... و دخلنا في سلسلة من الأنظمة السياسية الشمولية هيئة التحرير الإتحاد القومي الإتحاد الإشتراكي (العلني و السري الذي كان يسمى التنظيم الطليعي) .... أذكر في قريتنا الحسايبة قرية صغيرة وقتها بها 400 صوت في إنتخابات العمودية عن لبعض شباب القرية سنة 52 أو 53 أن يبدأوا الإهتمام بالقرية و بدأوا بتسمية الشوارع و في يوم الجمعة فوجئنا بمجموعة من الضباط تزور القرية و في جامع القرية قام كبير الضباط بتحذير الجميع من تكوين أي تجمع غير من خلال الجيش ...
أقول ما سبق لتبرئة الجميع .. كلنا ضحية لميراث الفكر الواحد نحن بطريقة لا شعورية نستغرب جدا من وجود رأي آخر في حين أن الأصل وجود آراء متعددة و ربما متضادة و كلها صحيحة بدرجة أو أخرى و نقولها و نحفظها صم "أن الخلاف لايفسد للود قضية".
سيداتي و سادتي تحاوروا و لا تسفهوا الرأي المختلف ، و إختلفوا في آرائكم لأن ذلك علامة صحة ... قواعد المشاركة في محاورات المصريين ليست قرآنا له صفة الخلود و صياغتها لها أسبابها فوقتها .
ما تقوم به الدولة الآن قد يختلف عليه الكثيرين بمنطق أنه ليس الخيار الأمثل .. و هذا عادي حتى في إدارة بيوتنا العادية حيث دائما هناك البدائل.