البحث في الموقع
عرض النتائج للدليل 'بقلم :سارة عبد العليم'.
-
"قواعد العشق الأربعون". ملحمة صوفية من روائع العشق الإلهى المصدر: الأهرام اليومى بقلم: سارة عبدالعليم http://digital.ahram.org.eg/articles.aspx?Serial=1443192&eid=12801 حالة من الانفصال عن الواقع والانفراد بالنفس في عالم روحانى رائع تنتابك عندما تقرأ رواية "قواعد العشق الأربعون"، وتصل بك إلى حالة عشق ربانى تجعلك تفيض في أمواج الروحانية والعشق الإلهى بمعناه الحقيقي. من يقرأ عنوان الرواية يظن للوهله الأولى أن العشق المقصود هو عشق الرجل للمرأة العشق الدنيوى الذي ينتهى بلذة مادية، لكن الحقيقي هو أن العشق المقصود هو العشق الإلهى المعنوى والتلذذ بالبعد عن الملذات الدنيوية في سبيل المعشوق المجرد وهو الذات الإلهية المقدسة. "قواعد العشق الأربعون" من أفضل روايات العشق المقرونة بالمعرفة والأسئلة الصعبة التي تثير جدلا معرفيا روحانيا في موضوع العشق السماوي والأرضي، عبر شخصيات منتقاة بعناية يتقدمها الدرويش المخضرم شمس الدين التبريزي مولى وأستاذ الصوفي جلال الدين الرومي الذي استطاع أن يغيره من حال إلى حال ويجعله مثل يحتذى به في العشق الإلهي النادر. الروايه تحكى رحلة شمس التبريزى تمتد من سمرقند وبغداد، إلى قونية التركية، مروراً بدمشق، ليلقى حتفه في قونية، على يد قاتل مأجور بعد أن يكمل رسالته التى خلق من أجلها. الروائية هي إليف شافاق كاتبه تركية مولودة في فرنسا وترجمت رواياتها إلى أكثر من ثلاثين لغة. وروايتها "قواعد العشق الأربعون - رواية عن جلال الدين الرومي" أكثر رواياتها شهرة. تدور أحداث الرواية عام 2008 من القرن الحادي والعشرين بكل ما فيه من وسائل اتصال حديثة، لكنها تستقدم القرن الثالث عشر في رحلة زمنية غير معقولة تتعاشق فيها حساسيات دينية وصوفية تتمخض عن صراعات روحية ونفسية غاية في الدقة والروعة والإبهار الذي يكتم الأنفاس في رحلة المتصوف الصعلوك شمس الدين التبريزي، محرك الرواية الأساسي، نحو الفناء العشقي في سحر عجائبي مدهش ندر إن تناولته الرواية. "قواعد العشق الأربعون" تتحرك عبر ثلاث روايات مرة واحدة وفي زمنين مختلفين تفصلهما ثمانية قرون تقريبا. لكنها تجتمع مرة واحدة بيد خبيرة ماهرة في السرد والقص وتحويل الأزمان إلى عجينة طيعة جاذبة فتشكل منها مادة سردية متقنة، تتناول قضية العشق من كل جوانبها في أجواء لا تخلو من الإثارة وحبس الأنفاس. شمس الدين التبريزي الدرويش المثير ذو الآراء غير المتوقعة والمواقف المفاجئة مؤسس "قواعد العشق الأربعون" شخصية نادرة في الفن الروائي، فبالإضافة إلى واقعيتها السحرية وخارقيتها الجمالية في تحويل اللحظة من عاديتها إلى عجائبيتها كأي ساحر، هو مفترق الرواية وعصبها وعمودها الفقري والذي استطاع أن يغير شخصية صوفية فذة كجلال الدين الرومي من صورة إلى صورة. فمولانا جلال الدين الرومي الفقيه الخطيب المفوه الذي استحوذ على مشاعر الناس في القرن الثالث عشر، قرن الصراعات الدينية والطائفية، تحول بفعل هذا الصعلوك الصوفي إلى داعية عشق لا نظير له فخرج من قفطانه الديني الثقيل إلى لباسه العادي وهو يدعو إلى وحدة الأديان وتفضيل العشق الإلهي على غيره من متع الحياة. تتحرك رواية أخرى في أحشاء هذه الرواية وهي رواية الخبيرة الأربعينية اليهودية إيلا التي تعاني من ملل حياتها العائلية وثباتها وروتينها، لكنها حينما تقرأ - كخبيرة - رواية "الكفر الحلو" لمؤلفها زاهارا وهي رواية شمس التبريزي وجلال الرومي وقواعد العشق الأربعون تنقلب حياتها فجأة فتتحول من بركة هادئة الى بحر متلاطم وتبدأ بمراجعة حياتها الأسرية والزوجية على نحو فيه من الإثارة ما يجعل هذه الشخصية تماثل شخصية الرومي في تأثير التبريزي عليه، فتهجر كل شيء وتلتحق بمؤلف رواية "الكفر الحلو"، بعد أن تعرفت عليه عبر الإيميل وبدأت قصة غرام بينهما غاية في الروعة والإتقان. وهي قصة غرام مجردة من الشوائب، سهلة ممتنعة، لتجد إيلا صفاء هذا المؤلف ونقائه وتشبهه بسلفه التبريزي الإشكالي المثير للعواصف أينما حل وارتحل. وفي قلب الروايتين هناك رواية ثالثة وهي رواية زاهارا مؤلف "الكفر الحلو" التي لا يسع المكان لطرحها، وهي رواية مأساوية تنتهي بمفاجأة لا يمكن توقعها في مسار السرد المتضامن والسريع كضفيرة معقودة بمسافات محسوبة إلى حد الدقة المستحيلة. لتكتشف ايلا أن التبريزي لم يمت منذ 800 سنة، إنما شخصيته الجدلية تتكرر في العصور كلها وها هو زاهارا الهولندي الذي اعتنق الإسلام يتشبه بالتبريزي بحكمته وفلسفته بين هذه الروايات والشخصيات وأخرى غيرها، تنعقد حبكة روائية فيها من المتعة والتشويق والحقائق ما يجعل موضوعا كالعشق بشقيه الأرضي والسماوي، قابلا لأن يحل مشكلات مرهقة في الحياة، بل العشق هو الذي يجعل من الأديان سلة واحدة قوامها الإنسان في تسامحه وسعيه إلى الخير والجمال. ولعل الرومي مثال الأمثلة في عصره حينما تزوج امرأة مسيحية ولم يتزوج غيرها، فيما إيلا اليهودية تعشق مؤلفا مسيحيا تحول إلى الإسلام أخيرا وقضى بمرض غير متوقع ودفن في قونيا إلى جوار قبر الرومي. قواعد العشق الأربعون رواية جماعية الأصوات. لم يروها شخص واحد، بل مجموعة رواة ووجهات نظر متكاملة مثل موجات صغيرة. موجة تتبع موجة فتشكل بساطا من الماء يمكن استشفاف ما وراءه بسهولة عبر لغة شاعرية امتلكت قوة النفاذ إلى الروح البشرية في تجليات شخصياتها المختلفة المثيرة جدا. اعتمدت الرواية على طريقة السرد الدائري الذى هو ابرز ملامح الصوفية، كما أن هناك مرتبة أخرى في مقاربة الصوفيّة من داخلها، إذ تعتمد على الرقم أربعة في البناء والحبكة الدرامية. فتنهض فصول الرواية على أربعة عناوين تتمحور حول التراب والماء والريح والعدم، إضافة إلى تعاليم العشق الأربعين التي تتسلل تدريجاً في المتن، إلى حدود الشطح، كأن الأربعين هي البرزخ في عبور الدنيوي إلى العشق الإلهي، وإلا ما معنى أن تهجر إيلا حياة مستقرة، وتذهب إلى مغامرة خطرة بصحبة رجل لا تعرفه إلا عبر الرسائل، وما الذي يعصف بحياة رجل دين مثل الرومي ليتحول إلى شاعر تعبر قصائده القارات، وأن تهجر عاهرة مبغاها بمجرد أن أنصتت إلى أقوال درويش متهم بالزندقة؟ ليست الأقدار وحدها من غيرت مصائر هؤلاء، لكنه الحب في جوهره العميق. حكايات الدراويش إذا، وفقا لما تتطلع إليه أليف شافاق في روايتها، محاولة لترميم زيف عالمنا المعاصر، ومعرفة ثقافة "الآخر" بقصد تخفيف وطأة الصراعات الدينية والتعصب، والنزاعات السياسية على السلطة بوصف صورة موازية لما يشهده قرننا الحالي من وقائع مشابهة لجهة الحروب والعنف والخوف. الرواية دعوة إلى "روحانية عالمية شاملة"، ورقصة جماعية تلغي الفوارق بين البشر عبر "الجهاد الداخلي"، أو "جهاد النفس"، وقهرها في نهاية الأمر، كما سماها جلال الدين الرومي قبل 800 عام. "قواعد العشق الأربعون" رواية لديها قدرة فاذة على التنوير الأخلاقي والإجتماعي والديني الخلاق، وتواجه مجتمعات غلبت عليها الكراهية والتطرف، فهى خير مثل للعشق الإالهى، فالتبريزي ومن بعده الرومي يدركان أن الله موجود فينا وبيننا ومعنا وحولنا.