البحث في الموقع
عرض النتائج للدليل 'فيسبوك ، تويتر ، يوتيوب ، نشطاء ،'.
-
إذا كنت تعتبر الفيسبوك حقا من حقوقك، فمن حقك أيضا أن تعرف من هو «الكريم» الذى أعطاك هذا الحق «بالمجان»؟ ولماذا؟! بعد هجمات سبتمبر 2001، ومع هبوب أولى نسمات «الربيع» الأمريكى على العراق وأفغانستان، فاجأت وكالة المخابرات المركزية الأمريكية «سي.آي.إيه» العالم ذات يوم بنشر إعلان صريح تحت عنوان «وظائف خالية» تطلب فيه شبابا متميزين يجيدون اللغات الأجنبية كالعربية والفارسية والأوردو للعمل ضمن صفوفها برواتب مغرية .. «جواسيس» من الآخر! بعد ذلك، تكرر نشر هذا الإعلان سنويا فى وسائل الإعلام العالمية، وبات واضحا للجميع أن الموضوع تحول إلى عملية تجنيد دورية تتم كل عام لجمع المعلومات عن الدول المختلفة، واختراقها، والإعداد لما هو قادم. ولكن، مع انطلاق موقع «فيسبوك» فى فبراير 2004، ومن ورائه «تويتر» و«يوتيوب»، توقفت «سى آى إيه» تماما عن نشر هذا الإعلان، ليس لأنها اكتفت بما لديها من «عملاء»، ولكن لأن ربما لأنها رأت عدم وجود ضرورة له، بفضل الإقبال الرهيب من مستخدمى النت على زيارة المواقع الثلاثة، والتفاعل معها بحماس، تحت شعارات مغرية كـ «صحافة المواطن» و«ابق متصلا»، فقد حقق هذا الإعلام «الجديد» غاية المراد من رب العباد لكل أجهزة المخابرات العالمية، وليس السى آى إيه وحدها، فكل معلومات الدنيا «متاحة»، وكل حوارات البشر مكشوفة، آراء كل إنسان وانطباعاته ومناقشاته، وحتى تقلباته المزاجية، هو وأهله وأصدقائه وزملاء العمل، لأ وإيه .. ببلاش! فى اللحظات الأولى من انطلاق عاصفة السوشيال ميديا، تنبهت دولة »صاحية لنفسها« اسمها الصين لهذا الخطر، فأنشأت ما يسمى بـ«السور النارى العظيم»، أو «جريت فايروول»، على غرار سور الصين الحقيقي، لحماية مواطنيها وأمنها، وبالتالي، قررت حظر «الشياطين الثلاثة» نهائيا، وعوضا عن ذلك، أنشأت مواقع إنترنت صينية شديدة التأمين والخصوصية، تذهب عوائد إعلاناتها إلى خزانة الدولة الصينية، فصار لديها «بايدو» بدل جوجل، و«وى تشات» بدل فيسبوك، و«ويبو» بدل تويتر، و«يوكو» بدل يوتيوب، وعبثا حاول زوكربيرج ورفاقه إقناع بكين على مدى سنوات بإنهاء الحظر عليهم. أما دول «الربيع» المأسوف عليها، فقد سلمت ذقنها بسهولة مذهلة لمواقع التواصل، وفرشنا الورود لأساتذة الميديا الجديدة الذين توافدوا على بلادنا لتدريبنا على استخدامها والتبشير بنهاية عصر الحكومات والإعلام التقليدي، وصفق العالم وهلل وطبل على بلاهتنا ونحن نستخدم «الشياطين الثلاثة» فى إشعال موجة الثورات التى دمرت وقسمت أربع دول عربية بغير رجعة، وكادت تدمر دولا أخرى لولا ستر ربنا، ومع ذلك، ما زال هناك بيننا من يتغزل فى السوشيال ميديا، ويدافع عنها بالروح والدم، ويعتبرها حقا من حقوق الإنسان كالماء والهواء، و«روح الحياة» ومتعتها، ويقف ضد أى محاولة لحظرها أو مراقبتها أو السيطرة على «بلاويها»، فهى بالنسبة له البيت والشغل ورغيف العيش، وهى الوطن بأكمله، بل لو خيروه بين الفيسبوك و«بابا» أو «ماما» لاختار الفيس، ولا أدرى لماذا يذكرنى مرض التوحد الفيسبوكى و«الخلل» و«الخبل» الذى أحدثه فى حياتنا بما فعله «عرفة» نبى آخر الزمان المزعوم فى رائعة نجيب محفوظ «ولاد حارتنا»، «عرفة» الذى فتن الحارة كلها بعلمه وجرأته، وتحدى «الجبلاوي» نفسه، وقيل إنه قتله فى نهاية الرواية، أو كشف حقيقته، وقيل إنه لم يجده أصلا! .. نهايته .. إذا كان حظر النت فى مصر «مستحيلا»، والنت البديل مثل الصين «صعبا»، واقتراح فرض رسوم «عيبا»، فإن المراقبة الأمنية لـ«كنس» ما بالسوشيال ميديا من قمامة الإرهاب والفوضى والبذاءات حق مشروع لأى دولة، ودون استطلاع رأى أحد، وعلى المتضرر أن يبحث عن «شغلانة تانية» غير القعدة على النت، أو أن يضرب رأسه فى الحائط، خاصة أنه «كده كده متراقب»! ملحوظة : مقال منشور بجريدة الأهرام بقلم هاني عسل اليوم 19 أبريل 2017