البحث في الموقع
عرض النتائج للدليل 'مقال يستحق القراءة ..'.
-
http://www.ahram.org.eg/NewsQ/229342.aspx عبد الناصر سلامة تاريخ طويل من التخاذل العربي في مواجهة البلطجة الأمريكية, لا لشيء إلا لأننا كنا دائما أمام أنظمة دكتاتورية, وهشة في الوقت نفسه,كانت تعتبر نفسها بمنأي عن الضرر ما دام لم يقع عليها بصورة مباشرة, علي الرغم من أن هذه المواقف كانت خصما واضحا من رصيدها لدي الشعوب التي كانت تقف في واد, وقياداتها السياسية في واد آخر, علي اعتبار أن السلطة تستمد قوتها أولا وأخيرا من المارد الأمريكي, ومن ثم فإن الشعوب, التي لا حول لها ولا قوة, يجب أن تظل في مقاعد المتفرجين طوال الوقت, إلي أن انتفضت- أو بعضها- علي غرة, كما هي الحال الآن. فالقصف الأمريكي للأراضي العربية طال ليبيا في ثمانينيات القرن الماضي, وطال الصومال والعراق في التسعينيات, وطال اليمن والسودان بعد ذلك بطريقة مباشرة, وغير مباشرة, وها هو الآن بين لحظة وأخري ينال من سوريا وشعبها, بين صمت وتأييد دوليين, وتخاذل واهتراء عربيين, وكأن التاريخ يعيد نفسه, فسوف نسمع بيانات شجب واستنكار, ونقرأ أسفا وتنديدا لسقوط الضحايا الأبرياء, إلا أن الكارثة قد وقعت, وجيش سوريا القوي في خبر كان, ولنضف صفحة جديدة إلي صفحات التشرذم العربي!. هذه هي الحقيقة, التي نحن بصددها الآن, فالإعداد علي قدم وساق لقصف الأراضي السورية, وحتي لو كان القصف لأهداف منتقاة, فالقتلي أشقاء سوريون, والدمار للبنية التحتية السورية, والتقسيم يصبح أمرا حتميا, ومتطرفون يتأهبون للانقضاض علي الحكم, وعواصم كبري تعد فواتير الإنفاق العسكري لتحصيلها من عواصم صغري نفطية, وشركات غربية تترقب عمليات إعادة الإعمار, علي غرار ما حدث في العراق, وأخري أمنية مخابراتية تتأهب للانتشار. وعلي الجانب الآخر.. لا أحد يدري إلي أي مدي يمكن أن تختلط الأوراق في لبنان؟! وإلي أي حد يمكن أن يصل الموقف الإيراني؟! أو كيف سيكون رد الفعل السوري تجاه الأراضي التركية الداعمة للقصف, أو الإسرائيلية التي أسهمت بقدر كبير في تحديد المواقع التي سوف يتم قصفها, أو حتي الأردنية التي شهدت مؤخرا اجتماعا لرؤساء أركان عشرة جيوش عربية وغربية تستعد للعملية, وكيف سيكون موقف الشعوب العربية, إذا اعتبرنا أن قادتها ليسوا معنيين بالأمر؟!.. المعلومات تشير إلي أن صواريخ توما هوك وكروز الأمريكية سوف تنهمر علي أكثر من60 موقعا سوريا علي مدي يومين انطلاقا من المدمرات الأمريكية الأربع: راميج وماهان وجرافيلي وباري بالبحرين الأبيض والأحمر, كما ستنطلق الطائرات القاذفة من قاعدة إنجرليك التركية, مستهدفة مواقع ومطارات ومنشآت عسكرية وحكومية, وبينما وضعت جيوش تركيا وإسرائيل والأردن في حالة استنفار; نشر الجيش الألماني صواريخ باتريوت في تركيا, وأعلنت نحو35 دولة استعدادها للدخول في هذا التحالف, بعد أن حصلت علي خرائط ومعلومات موثقة عن المواقع السورية التي سوف يتم استهدافها, من كل من المعارضة هناك, وتركيا وإسرائيل وعملاء غربيين يعملون علي الأرض, في الوقت الذي ترأس فيه الجنرال مارتن ديمبسي, رئيس هيئة الأركان المشتركة الأمريكية, اجتماعا لمناقشة الموقف, ضم رؤساء أركان كل من السعودية وقطر وتركيا وبريطانيا وفرنسا وألمانيا وإيطاليا وكندا, بالإضافة إلي الأردن, الدولة المضيفة. إذن.. نحن أمام إجراءات حرب عملية, يردد المتفائلون أنها تؤهل لمفاوضات جنيف2 بين السلطة السورية والمعارضة, بينما يري الخبراء أنها سوف تعيد سوريا إلي العصر الحجري, وهو التعبير الذي استخدمه- قبيل قصف العراق عام1990- وزير الخارجية الأمريكي الأسبق جيمس بيكر خلال آخر لقاء له في جنيف مع طارق عزيز, نائب رئيس الوزراء العراقي, آنذاك, وقد خرج العراق بالفعل من القصف دون أي مقومات حياة, إلا أن السلطة الرسمية هناك ظلت متماسكة, فأعادت بناء ما استطاعت, لكن الوضع السوري يبقي مختلفا, حين لن تكون هناك دولة, بالمفهوم الحقيقي للكلمة, وبالتالي فإن كل المعطيات تشير إلي مجازر متوقعة علي قدر كبير من البشاعة, وتصفية حسابات بقدر أكبر إيلاما, حيث إن التطرف سيد الموقف بين قوي المعارضة, والطائفية هي كلمة السر في هذه المأساة منذ بدايتها, والعبث الإقليمي والدولي هو العامل المشترك في هذا المعترك المأساوي. وفي البداية والنهاية.. سوف نؤكد أننا أمام مأساة في سوريا, حيث عشرات الآلاف من القتلي, وملايين النازحين, وأن أحدا لن يقبل أبدا بمثل هذه الممارسات من أي قيادة رسمية تجاه مواطنيها, إلا أننا في الوقت نفسه يجب أن نقر بأن هذه الأزمة تحولت منذ بدايتها إلي حرب إقليمية طائفية علي الأراضي السورية, أججتها عواصم مختلفة, حتي من خارج المنطقة, وبالتالي كان علي الجميع أن يتحمل مسئولياته تجاه احتوائها أو إنهائها بطرق أخلاقية, وعبر قنوات شرعية تفاوضية, إلا أنها لعبة المصالح التي جمعت بين كل من الولايات المتحدة وتركيا وإسرائيل, وفي الوقت نفسه بعض العواصم العربية, وكانت ذريعة استخدام السلاح الكيماوي في الغوطة الشرقية بريف دمشق هي التي يستند إليها المتحالفون الآن, علي الرغم من أنه ليس واضحا حتي الآن صدق هذه الذريعة من عدمه, كما ليس واضحا من الذي استخدم هذا السلاح, وهل هو النظام السوري, أم المعارضة, أم أي لاعب آخر في المعادلة؟!.. ولأن هذا الاتهام.. للنظام السوري باستخدام أسلحة كيماوية لم يكن هو الأول من نوعه علي امتداد ذلك الصراع, ولأن رد الفعل الدولي والأمريكي التركي, بصفة خاصة, لم يكن بهذا المستوي من قبل, فإن السؤال الذي يطرح نفسه وبشدة هو: ولماذا الآن؟.. أعتقد أن الخسارة الأمريكية- التركية بسبب سقوط نظام الإخوان في مصر, وكشف مخططات التقسيم بها ترتبط ارتباطا وثيقا بهذه التحركات العسكرية والسياسية, حيث كان ذلك بمثابة صفعة علي وجهي الدولة الإمبريالية وبقايا دولة الخلافة العثمانية في آن واحد, وهي الصفعة التي أربكتهما إلي الحد الذي لم يستطيعا معه التعامل مع الموقف بدبلوماسية أو تعقل, فراحا يتخبطان في تصريحات وإجراءات زادت من إصرار وإرادة الشعب المصري علي الوقوف خلف قيادته السياسية والعسكرية, لإدراكه الخطر المحدق القادم من الغرب, الذي يستهدف بالدرجة الأولي وحدة الوطن أرضا وشعبا. فلا أحد يستطيع.. أن ينكر ذلك الارتباط الوثيق بين الأمن القومي لكل من مصر وسوريا, ومن هنا كان لنا أن نتوقف أمام الجريمة الكبري التي مثلها قرار الرئيس المعزول بقطع العلاقات بين البلدين, وكان لنا أيضا أن نتوقف أمام القرار التاريخي بتدارك هذا الوضع فور سقوطه, ومن هنا فإن قرار الحرب علي سوريا, الذي تقوده كل من واشنطن وأنقرة الآن, هو بمثابة استكمال لمخطط تقسيم المنطقة, بهدف خدمة مصالح دول كبري, من بينها روسيا, التي نفضت يديها سريعا من التزامات تاريخية تجاه حليف كان هو الأهم لها في المنطقة, في الوقت الذي تدور فيه مفاوضات حاليا مع إيران برعاية عربية كي تلحق هي الأخري بالحليف الروسي الذي تعودنا علي مواقفه من قبل في العراق وليبيا واليمن, وغيرها, وسط صمت عربي في كل الأحوال علي مستوي جامعة الدول العربية, ودعم لهذه المخططات من بعض العواصم العربية أيضا لأسباب متفاوتة. وقد جاء تصريح وزير الخارجية الروسي, سيرجي لافروف, مخيبا للآمال, وكاشفا عما تم الإعداد له خلف الجدران, والذي قال فيه: إن روسيا لا تعتزم الدخول في أي حرب مع أي طرف كان من أجل سوريا, كما بدأت بلاده في سحب رعاياها من هناك, في الوقت الذي اكتفت فيه العواصم العربية بترديد أن أراضيها لن تستخدم في طلعات جوية لدول الناتو, وهو الأمر الذي يشير إلي أن المخطط الأمريكي يسير في طريقه, مع طلب الحكومة التركية من البرلمان تجديد التفويض للجيش بالتدخل في الحرب, وإنشاء خلية أزمة من سياسيين وعسكريين, وهو ما يؤكد أيضا التورط التركي في ذلك المخطط الذي يستهدف إعادة تشكيل المنطقة, وفي وقت كان البعض ــ لدينا بصفة خاصة ــ يعتقد فيه أن الولايات المتحدة تلعب في واد, وتركيا أردوغان في واد آخر, أو هكذا حاول البعض فرض هذه الرؤية خلال شهور مضت, إلا أنها ما لبثت أن تهاوت عارية أمام خبرات عسكرية وأمنية مصرية. والغريب في الأمر.. أيضا, أن التحرك العسكري الغربي بشأن سوريا جاء في وقت حققت فيه الدولة السورية انتصارات متتالية علي الأرض, كان يمكن معها أن تحسم هذا الصراع, إلا أنها أيضا, إرادة التآمر التي أبت إلا أن يظل الصراع قائما لتحقيق مآربها, ولكن ما هو أكثر غرابة أن يوافق, بل يسعي, مقاتلون, يتصورون أنهم أحرار, إلي الاستعانة بقوات أجنبية لضرب أو غزو بلادهم, وهو ما يجعل أي غيور علي عروبته يستنكر ذلك السلوك, بل ينفض يده تماما من تأييد, أو حتي التعاطف مع هؤلاء الذين كان يجب أن يكون لهم في العراق عبرة وعظة, حيث اغتصبت نساؤهم, وروعت أسرهم, وانتهكت بيوتهم جهارا نهارا, تحت سمع وبصر العالم, وها هو العراق يجني علي مدي عشرة أعوام سوءات ذلك الاحتلال, ويلملم أشلاءه دون جدوي, وسوف تظل اللعنات تطارد المحتل, ومن دعاه وعاونه أبد الدهر. هذه هي القضية الأساسية التي يجب أن نتوقف أمامها طويلا, وهي أن المعارضة الحقيقية, في أي وطن, يجب أن تكون سلمية خالصة, هكذا سقط نظام الرئيس السابق في مصر, وهكذا سقط الرئيس الأسبق ونظامه, أما الاقتتال الداخلي في أي وطن فلن يجني منه الشعب- كل الشعب- سوي الدمار والخراب, فما بالنا إذا كان هناك من يترصد لنا, ويتأهب لتزويد كل الأطراف بالسلاح في آن واحد؟, وما بالنا إذا كان هناك من ينتظر الفرصة للانقضاض والغزو؟.. وها هي المأساة تلو الأخري من العراق حتي ليبيا ثم سوريا, شاهدة علي العصر, وشاهدة علي بلطجة القوي الكبري, سواء كانت تسمي الولايات المتحدة الأمريكية, أو الناتو, أو حتي الحلفاء, إلا أن ما نستطيع تأكيده هو أنهم لا يستطيعون ذلك دون مساعدات داخلية وإقليمية, وهذه هي مأساتنا الحقيقية. وعلي الرغم.. من وجود منظمة دولية, كان يجب أن تكون لها الكلمة الأخيرة في مثل هذه الأزمات, أو في اتخاذ مثل هذه القرارات, ممثلة في الأمم المتحدة, أو في مجلس الأمن الدولي, فإنه يتم تجاهلها الآن كعادة دول الاستعمار التي لم تستطع التخلص من جبروت الماضي وآثامه, فراحت تعيث في الأرض فسادا, علي اعتبار أنها صاحبة الوصاية علي المستعمرات السابقة, ومن حقها أن تؤدب هذا, وترهب ذاك, بل تعيد الاحتلال من جديد, وما تصريح الرئيس الفرنسي فرانسوا هولاند إلا تأكيد علي ذلك, حينما قال: إن فرنسا مستعدة لمعاقبة سوريا, كما تأتي التصريحات البريطانية, هي الأخري, تدق طبول الحرب علي غرار ما قامت به في فوكلاند والعراق وأفغانستان, لتتواري رغبات الأمين العام للأمم المتحدة بان كي مون حول الحل السلمي للأزمة, خلف هذه المخططات الهمجية. علي أي حال.. لا أعتقد أن أي عاقل في مصر, لا علي المستوي الشعبي, ولا علي المستوي الرسمي, سوف يقبل بما يحاك للشقيقة سوريا الآن, وإلا فسوف يكون ذلك مقبولا بشأننا مستقبلا, فهؤلاء المتحالفون علي الشر ليسوا في حاجة إلي ذريعة تبرر القصف هنا, أو الغزو هناك, فهم يضربون بكل القوانين والمواثيق عرض الحائط لتنفيذ مؤامراتهم, وهم لا يريدون عالما مستقرا هادئا, وإلا لتوقفت مصانع الآلة العسكرية لديهم, ولتهاوي اقتصادهم, وقد اعتادوا الرغد والثراء علي جثث الآخرين. ولأن شعب مصر قد فطن إلي ذلك مبكرا بحكم خبرات طويلة استقاها من تاريخه التليد فسوف يظل هدفا, ولأن قيادته قد تصدت بشجاعة لمخططاتهم فسوف تظل في نظرهم حجر عثرة, وما علينا الآن إلا أن نعي خطورة المرحلة ونتكاتف علي قلب رجل واحد, لنثبت للعالم أننا الأمة الأعرق, وأن مصر بالفعل أرض الكنانة.