أسامة الكباريتي بتاريخ: 17 أبريل 2004 تقديم بلاغ مشاركة بتاريخ: 17 أبريل 2004 اغتيال الشيخ ياسين: الأبعاد السياسية والاستراتيجية لعمليات الاغتيال الإسرائيلية الاحد 4 نيسان 2004 بقلم ماجد كيالي شكّلت عملية اغتيال الشيخ أحمد ياسين الزعيم الروحي لحركة (حماس) نقلة نوعية جديدة في حرب الحكومة الإسرائيلية اليمينية المتطرفة بقيادة شارون وموفاز ويعالون ضد الفلسطينيين، ما سيكون له تداعياته السياسية والأمنية الكبيرة والخطيرة على الطرفين المتصارعين: الإسرائيليين والفلسطينيين. بديهي بداية أنه يمكن احتساب هذه العملية على أنها، أولاً، استمرار لسياسة القتل والاغتيال، التي انتهجتها إسرائيل ضد الفلسطينيين منذ بداية الانتفاضة (سواء في عهد باراك أو شارون)؛ وثانياً، بأنها جزء من سياسة إسرائيل القاضية بتصفية القادة الفلسطينيين، في سعيها الدؤوب لحرمان الشعب الفلسطيني من قيادته وزعزعة كيانه الوطني؛ وثالثا، بأنها تأتي في سياق محاولات إسرائيل لإرهاب الشعب الفلسطيني، ووأد مقاومته وكسر إرادته وصولا لإخضاعه للاملاءات الإسرائيلية؛ ورابعا، أن هذه العملية جاءت في سياق مبدأ الردع التي تنتهجه إسرائيل ردا على عمليات فلسطينية كبيرة من وزن عملية اشدود التي نفذتها كتائب عز الدين القسام التابعة لحركة حماس (أواسط مارس الجاري)؛ ما يذكر بعملية اغتيال خليل الوزير (أبو جهاد) في تونس (العام 1988) إثر محاولة مجموعة من فدائيي (فتح) تنفيذ عملية ضد مفاعل ديمونا في النقب. الحسابات السياسية لعملية الاغتيال وإضافة إلى كل ما تقدم فإن ينبغي لفت الانتباه إلى أن عملية اغتيال الشيخ ياسين بتوقيتها ودلالاتها كانت تتضمن حسابات سياسية إسرائيلية أخرى، أكثر تعقيداً، وهذه الحسابات يمكن تمثلها في الجوانب التالية: 1 ـ على صعيد الصراع مع الفلسطينيين: يحاول شارون عبر هذه العملية استفزاز الفلسطينيين، من خلال هذه المجزرة، لتحقيق عدة أغراض منها: أ) قطع الطريق على التفاهمات الفلسطينية التي كانت في طريقها للنضوج، بين مختلف الفصائل الفاعلة لاسيما بين حركتي فتح وحماس، إن بما يتعلق بكيفية التعامل مع فرضية الانسحاب الإسرائيلي الأحادي الجانب من غزة، أو بما يتعلق بإمكان التوصل إلى استراتيجية سياسية وميدانية للانتفاضة؛ وذلك لإبقاء الخلافات الفلسطينية على حالها؛ ب) استدراج الفلسطينيين إلى ردّة فعل عنيفة وغير محسوبة، ما يسّهل عليه الاستفراد بهم والإمعان بالبطش بهم عبر القيام بردّ أكثر عنفا، مستندا إلى جبروت إسرائيل من الناحية العسكرية؛ ج) الإبقاء على خياره الأمني والتملّص من الضغوط التي تحثه على فتح مجال للخيارات السياسية؛ د) محاولة تقويض بنية المقاومة الفلسطينية في قطاع غزة وترتيب الأوضاع الأمنية فيه بما يتلاءم مع مصالح إسرائيل، قبل الانسحاب المزمع منه بحسب خطة شارون. 2 ـ على الصعيد الدولي: يحاول شارون، من خلال استدراجه ردّة فعل فلسطينية عنيفة، مواصلة التشويش على الرأي العام العالمي بالإيحاء بأن ردّه على ردّة الفعل الفلسطينية هو بمثابة دفاع عن النفس أو أنه جزء من الحرب الدولية ضد الإرهاب، وأنه، أيضا، مجرد صراع بين طرفين مسلحين ومتكافئين! 3 ـ على الصعيد العربي: يسعى شارون إلى إرباك الوضع العربي وإظهار القادة العرب بمظهر العاجز، لاسيما مع عودة الحديث عن امكان تجديد هؤلاء القادة لمبادرتهم السلمية في قمتهم المقبلة (تونس أواخر مارس الحالي). ومن قبيل التذكير، فإن هجمة "السور الواقي" التي شنها شارون وأعاد فيها احتلال الأراضي الخاضعة للسلطة الفلسطينية حصلت بعيد إعلان مؤتمر قمة بيروت (مارس 2002) ل "مبادرة السلام العربية"، وهو ما فهم في حينه على أنه تهرباً إسرائيليا من استحقاقات عملية التسوية واستهتارا بكل المبادرات العربية! 4 ـ على الصعيد الإسرائيلي: ثمة توظيفات سياسية متعددة من وراء هكذا عملية يمكن حصر أهمها بالتالي: ا) محاولة شارون استعادة شعبيته في أوساط الإسرائيليين بعد أن تراجعت كثيرا بسبب تدهور الأحوال الأمنية والاقتصادية وبسبب فضائح الفساد المحيطة به؛ ب) لجم الأصوات المتطرفة المحيطة به سواء في حزبه أو في حزبي المفدال والاتحاد الوطني (المشاركان في الائتلاف الحكومي)؛ ج) محاولة شارون للترويج إسرائيليا لخطته السياسية، المتعلقة بالانسحاب من غزة من طرف واحد وتفكيك بعض المستوطنات؛ والتي اضطر إليها نتيجة إخفاقه في وضع حد للانتفاضة والمقاومة بالوسائل العسكرية، ونتيجة تزايد الضغط الدولي والأمريكي عليه. ومن الواضح أن شارون يحاول أن يبعث برسالة إلى المجتمع الإسرائيلي مفادها أن الانسحاب من غزة هو بمثابة نصر لإسرائيل وليس هزيمة لها؛ في محاولة منه لعدم تكرار تجربة الانسحاب من جنوبي لبنان (2000). والجدير ذكره أن مكانة شارون باتت تتراجع في المجتمع الإسرائيلي فهو بدأ عهده (مطلع العام 2001) بالحديث عن خطة المئة يوم لقمع الانتفاضة، تحت شعار: "دعوا الجيش ينتصر"، وبالإصرار على سياسة عدم السماح للفلسطينيين بجني جوائز للانتفاضة، وهو شن حملتي "السور الواقي" و"الطريق الحازم" (في العام 2002) وأمعن في التضييق على الفلسطينيين واحتل مناطق السلطة الفلسطينية ودمر مؤسساتها واحتجز رئيسها في مقره في رام الله، ولكنه رغم كل ذلك أخفق في وضع حد للمقاومة وعجز عن إخضاع الفلسطينيين وقيادتهم للاملاءات السياسية الإسرائيلية. ونتيجة هذه الإخفاقات بات شارون يعرف بأنه رئيس الوزراء الذي قتل في عهده أكبر عدد من الإسرائيليين (حوالي 300 في العام) وبأنه في عهده تدهور الاقتصاد الإسرائيلي كما لم يحدث من قبل. واللافت أن شارون على خلفية هذا العجز والضغوط الدولية وصمود الشعب الفلسطيني ومقاومته، اضطر وبشكل تدريجي للاعتراف بأنه من الصعب السيطرة على شعب أخر وبأن الاحتلال لا يضر فقط بالفلسطينيين وإنما يضر بإسرائيل سياسيا واقتصاديا وأمنيا، وأنه لا بد من تنازلات معينة من ضمنها تفكيك بعض المستوطنات، كما وافق على الاعتراف بحق الفلسطينيين بإقامة دولة لهم (ولو ضمن شروط معينة). ومؤخرا لخص شارون مواقفه هذه بفكرة الانسحاب الأحادي من غزة مع انسحاب طفيف من الضفة، من دون التفاهم مع الفلسطينيين، ما يعد تراجعا عن مفهومه القاضي بعدم التنازل للفلسطينيين، الأمر الذي جعله في موقع الاستهداف من قبل اليمين المتطرف في إسرائيل عموما وفي حزبه الليكود خصوصا. وكان المحلل الإسرائيلي بن كسبيت نشر في معاريف يوم 22/3 تقريرا سرب فيه أخبارا عن المصاعب التي يواجهها شارون في حكومته، بنتيجة المأزق الأمني والاقتصادي المحيط به، ففي هذا الاجتماع خاطب شارون أعضاء حكومته مدافعا عن فكرة الانسحاب الأحادي بعبارات ساخطة، قائلا: "النقد أنا أسمعه دون نهاية..أريد أفكارا جديدة..فهكذا لا يمكن الاستمرار..أي حل يوجد لديكم؟ توجد هنا نافذة فرص، ليس واضحا إذا كان سيتسنى لنا في المستقبل إجراء فك ارتباط كهذا. توجد خطة سعودية، وتوجد جنيف، توجد خطة يوشكا فيشر، يوجد الإحصاء الوطني، لا يوجد فراغ." شارون يحاول الهرب من مأزقه على ذلك فإن عملية الاغتيال الأخيرة تأتي أيضا في سياق سعي شارون الدؤوب للهروب من مأزقه وتصديره إلى الفلسطينيين. ومن تفحص وقائع الصراع بين الإسرائيليين والفلسطينيين، خلال الأربعين شهرا الماضية، يتبين لنا، على عكس الانطباع الذي تسوّقه إسرائيل ومفاده أن الفصائل الفلسطينية المعارضة هي التي تتعمّد القيام بعمليات لقطع الطريق على جهود التسوية، بأن هذه الفصائل هي التي استدرجت مرارا إلى ملعب شارون، وأنه كان هو المبادر في كل مرة لجرّ الأوضاع إلى مزيد من العنف والتدهور. والتجربة تؤكد بأن شارون، وبعد كل فترة من الهدوء النسبي، كان يتعمّد إعطاء الأوامر للقيام بأعمال عدوانية كبيرة أو باغتيال قياديين فلسطينيين، وهو ما حصل، مثلا، في اغتيال عدد من قادة حماس في نابلس (31/7/2001) وفي اغتيال أبو علي مصطفى الأمين العام للجبهة الشعبية لتحرير فلسطين في 23/8/2001(وهو ما استدعى ردا من الجبهة تمثل بقتل الوزير رحبعام زئيفي (17/10/2001)، ثم حصل ذلك باغتيال عاطف عبيات من فتح (18/10/2001)، ومحمود أبو هنود من حماس (23/11/2001)، وهي الأوضاع التي ساهمت في تصعيد العمليات الاستشهادية التي حصلت يوم 1/12/2001. وبعد اغتيال رائد الكرمي (قائد كتائب الأقصى)، في 14/1/2002، انهارت الهدنة التي كانت أعلنتها فصائل المقاومة والتي استمرت قرابة شهر كامل، وبدأت موجة كبيرة من التصعيد في عمليات المقاومة توجت بدخول كتائب الأقصى لأول مرة على خط العمليات الاستشهادية. وبعد اغتيال صلاح شحادة (يوليو 2002) انهارت التفاهمات المتعلقة بإعلان هدنة، كانت الفصائل الفلسطينية بصدد التوصل إليها بوساطة أوروبية ومصرية، حيث تصاعدت عمليات المقاومة ضد المستوطنات في الضفة والقطاع وفي المدن الإسرائيلية ذاتها. وهو الأمر حدث أيضا بعد اغتيال إبراهيم المقادمة، القيادي في حماس (مارس 2003)، ما أجهض مباحثات القاهرة بين الفصائل الفلسطينية. وأخيرا فقد تكرر الأمر بعد الهدنة التي أعلنتها الفصائل الفلسطينية من طرف واحد في يونيو (2003) والتي انهارت بعد ثلاثة أشهر بنتيجة الاستفزازات التي تعمدها شارون (في سبتمبر2003)، والتي كانت ذروتها محاولة اغتيال قيادات حركة حماس. المهم أنه ثمة عوامل عديدة، قديمة وجديدة، دفعت شارون للقيام بهذا العمل الأحمق، الذي يضاف لسجله الإجرامي، ولكن ما يجب التركيز عليه هنا هو أن خطوة شارون هذه ليست فريدة من نوعها، فمنذ مجيئه إلى سدة السلطة، في آذار/مارس2001، تعمّد القيام بخطوات كبيرة ومفاجئة من نوع اقتحام المناطق الفلسطينية وتشديد محاصرتها وقصف مؤسسات السلطة واغتيال القيادات، ومحاصرة الرئيس عرفات في مقره في رام الله (منذ أواخر العام 2001). استدراج الفلسطينيين إلى لعبة شارون العسكرية وبرغم من أن التجربة أكدت بأن عمليات الاغتيال جاءت بنتائج معكوسة إذ أنها أدت إلى تصعيد عمليات المقاومة (كما بينا)، التي تكبدت فيها إسرائيل خسائر كبيرة في الأرواح، إلا أن هذه الأوضاع، المعطوفة على غياب استراتيجية سياسية وميدانية واضحة ومنظمة للانتفاضة، سهّلت، أيضا، على شارون تنفيذ مخططاته الرامية إلى تدمير المجتمع الفلسطيني وشطب كيانه السياسي، من خلال القيام بهجمة "السور الواقي" يوم 29/3/2002، التي تستمر مفاعيلها حتى الآن. المعنى من ذلك أن الفصائل الفلسطينية كانت تستدرج عمليا في كل مرة إلى لعبة شارون العسكرية المفضلة والتي يتفوق فيها ويتحرر من كل الاعتبارات، ويمكن ملاحظة ذلك في الوقائع التالية: 1 ـ بعد اعتماد بعض الفصائل الفلسطينية لأسلوب العمليات الاستشهادية في المدن الإسرائيلية شكلا رئيسا لكفاحها ضد إسرائيل، ردا على استهداف إسرائيل للمدنيين الفلسطينيين وفي محاولة لرفع كلفة الاحتلال، قامت إسرائيل بانتهاك حرمة المدن الفلسطينية والتوغل في المناطق التابعة للسلطة الفلسطينية، إلى جانب تشكيكها بدور القيادة الفلسطينية، التي اتهمتها بالتخلي عن طريق المفاوضات وتشجيع العمل المسلح ضدها؛ 2) قامت إسرائيل بإغلاق بيت الشرق والمؤسسات التابعة للسلطة في القدس الشرقية وذلك بعد العملية الاستشهادية في مطعم سبارو في القدس الغربية (6/8/2001)، ما حجّم من دور القدس الشرقية بالانتفاضة‘ كما قامت بتدمير المؤسسات الفلسطينية واحتلال بعض المناطق التابعة للسلطة الوطنية الفلسطينية، منذ أواخر العام الأول للانتفاضة؛ 3) استغلت إسرائيل اغتيال وزير السياحة الإسرائيلي رحبعام زئيفي (17/10/2001) على يد الجبهة الشعبية لتحرير فلسطين، للتحرر من الخطوط الحمر التي رسمتها لها الإدارة الاميركية، في التعامل مع الشأن الفلسطيني، دامجة بين الحرب الدولية على الإرهاب وحربها على الشعب الفلسطيني وقيادته؛ مستغلة في ذلك تداعيات حدث 11 سبتمبر في الولايات المتحدة؛ 4) سهّلت سلسلة التفجيرات في القدس الغربية وحيفا في يومي 1و2/12/2001، والكشف عن سفينة السلاح كارين أي (يناير 2002) على إسرائيل الإمعان في حصار القيادة الفلسطينية وعزل الرئيس ياسر عرفات في مقره برام الله، مع تدمير مطار غزة، ومحاصرة المدن الفلسطينية؛ 5) بعد دخول كتائب الأقصى التابعة لحركة (فتح) على خط العمليات الاستشهادية وازدياد وتيرة العمليات الفدائية المسلحة (نجم عنها مصرع 130 إسرائيليا و200 فلسطينيا في شهر مارس 2002)، والتي توجت بعملية نتانيا يوم 27/3/2002 (قبيل مؤتمر القمة في بيروت) شنّت إسرائيل حملة "السور الواقي" التي دمرت فيها مقرات السلطة وأمعنت تدميرا وقتلا بالفلسطينيين (حوالي 370 فلسطيني في شهر واحد/أبريل 2002) والتي أعادت فيها احتلالها لمناطق السلطة في الضفة الغربية؛ ومن كل ذلك يمكن الاستنتاج بأن إسرائيل هي التي تتحكّم بقواعد هذه اللعبة الصراعية المعقدة، أكثر بكثير من الفلسطينيين، بغض النظر عن رأي هؤلاء أو رغباتهم، وبغض النظر عن بطولاتهم وتضحياتهم، وذلك لأنها: أولا، هي التي تمتلك التفوق والسيطرة وأوراق الحل والربط، على الصعيدين السياسي والميداني، فهي التي تسيطر على حياة الفلسطينيين وأحوالهم الاقتصادية والمعيشية؛ ثانيا، هي التي تحوز على وسائل القوة العسكرية، ومن الواضح هنا أنه ليس ثمة مجال للمقارنة في استخدام العنف بينها وبين الفلسطينيين، لا من الناحية الكمية ولا النوعية ولا لناحية مصدر الشرعية. ففي حالة إسرائيل ثمة ممارسة واعية عن سابق تصميم، لإرهاب الدولة المنظم، في حين أن السلطة الفلسطينية لا تمارس العنف ضد دولة الاحتلال، فضلا عن أنها لا تمتلك القدرة على ذلك، إذ أن العمليات الفدائية تقوم بها مجموعات متفرقة، وهي لا تقع تحت مسؤوليات السلطة؛ ثالثا، هي المسؤولة عن تدهور علاقاتها بالفلسطينيين، بما في ذلك تدهور ثقتهم بعملية التسوية معها. فإسرائيل هي التي أوقفت هذه العملية لرفضها تنفيذ الاستحقاقات المطلوبة منها، المتمثلة بالانسحاب من أراضيهم والاعتراف بحقهم كشعب في تقرير المصير، والأنكى أنها هي التي عملت على فرض الأمر الواقع، من خلال مضاعفتها حجم الاستيطان في هذه الأراضي إلى 400 ألف مستوطن؛ رابعا، هي التي تتحكّم بارتفاع وتيرة المواجهات، كما بينت تجربة الأربعين شهرا من الانتفاضة، فهي التي تعمل على استفزاز الفلسطينيين واستدراجهم إلى مواجهات ساخنة، وهي التي تفشل أية محاولات للهدنة أو التهدئة. نظرة تاريخية إلى عمليات الاغتيال الإسرائيلية منذ بداية الانتفاضة انتهجت إسرائيل خط تصفية القياديين والنشطاء الفلسطينيين، ولم تقتصر عمليات الاغتيال هذه على فصيل بعينه إذ أنها طالت الكوادر النشطة في جميع الفصائل الفلسطينية الفاعلة، سواء احتلت موقعا في النشاط السياسي أو الميداني، ولكن عمليات الاغتيال تركزت تحديدا على كوادر حركتي فتح وحماس، لدورهما المركزي في الانتفاضة والمقاومة. ومعروف ان إسرائيل استخدمت في عمليات الاغتيال طائرات الإف 16 والأباتشي والقذائف الصاروخية وتفجير الهواتف والسيارات والبيوت وطلقات الأسلحة الرشاشة، بحيث استشهد في هذه العمليات حوالي 350 من الفلسطينيين. وكانت أول عمليتي اغتيال، نفذّتها إسرائيل خلال الانتفاضة استهدفت كل من حسين عبيات مسؤول تنظيم (فتح) في بيت لحم (9/11/2000) وثابت ثابت مسؤول تنظيم فتح في طولكرم (31/12/2000)، أما أبرز هذه العمليات فتمثلت في العام 2001 باغتيال كل من: جمال منصور وجمال سليم القياديين في حماس (في نابلس)، وأبو علي مصطفى الأمين العام للجبهة الشعبية لتحرير فلسطين (في رام الله)، وعاطف عبيات من قادة كتائب الأقصى (في طولكرم)، ومحمود أبو هنود من قادة كتائب القسام (حماس)؛ وفي العام 2002 باغتيال كل من: رائد الكرمي من قادة كتائب الأقصى، وصلاح شحادة قائد كتائب عز الدين القسام، وفي العام 2003 باغتيال كل من: إبراهيم المقادمة واسماعيل أبو شنب من قياديي حماس ونضال محمد عودة سلامة (_جبهة شعبية)؛ هذا إلى جانب المحاولات الفاشلة لاغتيال قادة حماس، ومن ضمنهم الشيخ أحمد ياسين الزعيم الروحي للحركة والذي اغتيل مؤخرا. وبشكل عام فإن إسرائيل تتوخى من عمليات الاغتيال هذه حرمان الانتفاضة من الشبكة الواسعة من النشطاء والقياديين والقضاء على شبكة المقاومين الفلسطينيين وزعزعة مرتكزات السلطة الوطنية وتصفية الصف القيادي في الحركة الوطنية الفلسطينية. وهذا ما يفسر، أيضا، قيام إسرائيل باعتقال المئات من القياديين والنشيطين من مثل مروان البرغوثي أمين سر حركة فتح في الضفة الغربية، وعبد الرحيم ملوح الأمين العام للجبهة الشعبية لتحرير فلسطين، وناصر عويس من قادة كتائب الأقصى في الضفة الغربية، وحسن يوسف من قياديي حماس، والتحفظ على الأمين العام للجبهة الشعبية في أريحا، وعزل الرئيس ياسر عرفات نفسه في رام الله. وقد حاولت إسرائيل تبرير جرائم الاغتيال والاعتقال التي تمارسها بحجة الدفاع عن النفس، وبدعوى أن الأشخاص الذين تستهدفهم إما قنبلة موقوتة، أو من المسئولين عن العمليات الاستشهادية أو لكونهم من الناشطين في حقل المقاومة المسلحة ضد الاحتلال. وفي مجمل جرائمها هذه، كعادتها، لم تبال إسرائيل بمراعاة حقوق الإنسان التي تفترض أنه لا يجوز تنفيذ الحكم بشخص ما من دون محاكمته، ومن دون تقديم دليل معين، كما لم تبال بالقوانين الدولية ولا بوضعها كسلطة احتلال، مسئولة عن سلامة السكان الذين يخضعون لسيطرتها، ولا بالتمييز بين القادة السياسيين والعسكريين ولا حتى باحتمال دمغها بممارسة إرهاب الدولة أو جرائم الحرب؛ حتى أنها شكّلت علنا وحدات خاصة ووحدات «المستعربين» للقيام بعمليات اغتيال ضد الناشطين الفلسطينيين. ومن الأساس فإن إسرائيل عمدت منذ قيامها إلى ممارسة سياسة إرهاب الدولة والاغتيال السياسي، بحيث ذهب ضحيتها العشرات من القياديين الفلسطينيين، في بيروت وفي روما وباريس وتونس ومالطا والضفة وغزة، من مثل: أبو يوسف النجار وكمال ناصر وكمال عدوان وأبو حسن سلامة وماجد أبو شرار وأبو جهاد وغسان كنفاني ومحمود الهمشري ووائل زعيتر ونعيم خضر وفتحي الشقاقي ويحيى عياش وهاني عياد والأخوين عادل وعماد عوض الله. على أية حال فقد أثبتت سياسة الاغتيالات التي تنتهجها إسرائيل فشلها وعقمها، كما أكدت التجربة ضررها على إسرائيل ذاتها، باعتراف يعقوب بيري، الرئيس الأسبق لجهاز المخابرات العام (الشاباك) أما عامي أيالون، رئيس الشاباك السابق، فيؤكد بأنه لا يمكن تصفية الأيدلوجيات بالقوة من خلال قتل الزعماء، في حين يشبه مسئول أمنى إسرائيلي كبير سياسة التصفيات التي تنتهجها إسرائيل بأنها مثل تفريغ البحر بوعاء..غير مفيدة. ويصل المحلل ناحوم برنياع إلى استنتاج مفاده: «نحن عالقون هنا مع الفلسطينيين في الخير والشر.. الحرب بالنسبة لنا ليست إحصاء، إنها أشخاص في الطرفين عالمهم دُمر فوق رؤوسهم، وهي لحم يمزق ودم يسفك. إنها أسماء، وبالنسبة لنا المس بالمواطنين ليس مجرد خطأ مؤسف، انه بيت يترعرع فيه الانتحاريون القادمون (يديعوت أحرونوت 22/7/2002). نحو استراتيجية سياسية وميدانية واضحة للفلسطينيين على أية حال فإن المهم الآن ليس ما فعله شارون فقط، فأهداف شارون ومخططاته باتت معروفة، وهي تستهدف استمرار استدراج الفلسطينيين إلى لعبته هو، أي إلى اللعبة العسكرية التي يتفوق بها، والتي تتيح استمراره في الحياة السياسية والتي تمكنه من تحقيق أهدافه بالإمعان في الاستفراد بالفلسطينيين وتوتيرهم واستنزاف قواهم وطاقاتهم وصولا لكسر إرادتهم. وعليه فمن الواضح بأن سياسة الاغتيالات ستبقى نهجا تتوخى من خلاله إسرائيل استفزاز الفلسطينيين واستنزافهم واستدراجهم إلى ملعبها، وإزاء ذلك فإنه من المهم جدا بالنسبة للفلسطينيين، وضع حد للفوضى المتفشية في خطاباتهم السياسية وفي بناهم وفي أشكال كفاحهم وذلك من خلال، أولا، اتخاذ أعلى إجراءات الحيطة والحذر لتأمين حماية القياديين والناشطين؛ ثانيا، عدم تبني ردود فعل انفعالية أو انتقامية، ردا على الاستفزازات والاستدراجات الإسرائيلية؛ وثالثا، صوغ استراتيجية مشتركة: سياسية وميدانية للعمل المقاوم على أساس الاقتصاد بالقوى، في معركة هي بطبيعتها طويلة الأمد ولا تحسم بضربة قاضية؛ رابعا، إعادة صوغ الأوضاع في الساحة الفلسطينية على أساس أن مسرح الصراع بين الفلسطينيين والإسرائيليين لن يهدأ بل إنه على العكس من ذلك قد يشهد تصعيدا، ربما يصعب السيطرة عليه، خصوصا في ضوء الأحداث التي قد تعصف بالمنطقة في الأشهر أو الأسابيع القليلة القادمة، وهو ما ينبغي الاستعداد له سياسيا وميدانيا، على الأقل، لتفويت الفرصة على إسرائيل للاستفادة من أية تحولات قد تحدث؛ خامسا، التركيز على أشكال الكفاح الجماهيرية واستعادة البعد الشعبي للانتفاضة؛ سادسا، ترتيب البيت الفلسطيني على أسس جديدة باعتماد خطابات سياسية واضحة ووسائل كفاح تتاسب معها ومع إمكانيات الشعب الفلسطيني وظروف الصعبة والمعقدة، لأن هذا من شأنه عزل إسرائيل وتعزيز التعاطف مع الفلسطينيين في الساحة الدولية ومفاقمة التناقضات والخلافات الإسرائيلية الداخلية، وتجنيب الفلسطينيين مغبة تحمل هجمة أكبر من طاقتهم في هذه الظروف غير المواتية. المهم أن الشعب الفلسطيني ومقاوميه الذين أثبتوا قدرة عالية على الصمود واستمرار المقاومة، ليسوا بحاجة إلى إثبات قدرتهم على إبداء المزيد من التضحيات والبطولات، بقدر حاجتهم، أيضا، إلى إبداء أقصى قدر من الحيطة والاقتصاد بالقوى ومغادرة مشاعر الانفعال وردّات الفعل، لتفويت استهدافات شارون التي تقف من وراء عمليته الإجرامية في غزة. والمهم أيضا أنه آن الأوان لوضع حد للفوضى في العمل الفلسطيني.. آن الأوان لتنظيم شحنة الغضب الفلسطيني، حتى لا تتبدد، وآن الأوان لتحقيق التكامل بين الاستراتيجية السياسية واستراتيجية المقاومة، وهو الأمر الذي افتقدته الساحة الفلسطينية خلال الأربعين شهرا الماضية.. ماجد كيالي كاتب فلسطيني مقيم في سوريا من مواليد حلب 1954 يا حيف ع اللي جرحهم جرحي وفوق الجرح داسوا صاروا عساكر للعدى وكندرة العدو باسوا حسبنا الله ونعم الوكيل رابط هذا التعليق شارك المزيد من خيارات المشاركة
Recommended Posts
انشئ حساب جديد أو قم بتسجيل دخولك لتتمكن من إضافة تعليق جديد
يجب ان تكون عضوا لدينا لتتمكن من التعليق
انشئ حساب جديد
سجل حسابك الجديد لدينا في الموقع بمنتهي السهوله .
سجل حساب جديدتسجيل دخول
هل تمتلك حساب بالفعل؟ سجل دخولك من هنا.
سجل دخولك الان