se_ Elsyed بتاريخ: 26 أبريل 2004 تقديم بلاغ مشاركة بتاريخ: 26 أبريل 2004 الخطبة الأولى: أما بعد أيها الأخوة المؤمنون موارد المال في الإسلام موضوع نسلط الضوء على أهم هذه الأبواب التي شرعها الله - عز وجل - وأباحها لاكتساب المال ، وابتغاء فضله - سبحانه وتعالى - ، واستعانته بعد الله - عز وجل بالمال على أمور الحياة وتوجيهاً له في مضان رضوان الله سبحانه وتعالى وهذا الموضوع وأضراره ذات تشعبات كثيرة ونذكر أهم هذه الموارد أو الأبواب التي من ورائها الكسب الطيب بمشيئة الله تعالى. أولاً : العمل والاحتراف. أن يكون للإنسان مهنة وحرفة يستخدم فيها جهده وعمل يده ودقة صنعته وحسن حرفته وقوة تفكيره وتدبيره حتى ينتج من هذا العمل ما يستطيع أن يكتسب به المال من صنعته وإنتاجه وهذا الباب أي باب كسب اليد والعمل باليد من أعظم أبواب الخير والأجر والمثوبة. ومن أحسن أبواب الكسب والارتزاق الابتغاء من فضل الله - عز وجل - فقد ورد في حديث المصطفى صلى الله عليه وسلم الذي يرويه المقداد بن معد يكرب عن رسول الله -عليه الصلاة والسلام - أنه قال: (ما أكل أحد طعام قطٌ خير من أن يأكل من عمل يده وإن نبي الله داوود - عليه السلام - كان يأكل من عمل يده) رواه البخاري ولا شك أيضاً أن هذا العمل هو نوع من استخدام ما سخره الله - عز وجل - للإنسان في هذه الأرض واستخراج لخيراتها وضرب في فجاجها بما يعود على الإنسان بالنفع وبما يحقق تنمية المجتمع وبما يحقق تسخير ما جعله الله - عز وجل - من الخيرات والبركات والأرزاق في هذه الدنيا في أغوار الأرض أو في أجواء السماء بما يعود على الناس بالنفع والفائدة . ولقد وجه النبي - صلى الله عليه وسلم - إلى هذا الأمر توجيهاً عملياً حياً بين فيه أهمية العمل وفائدته ونفعه وكيف يكون تنمية للقدرة الاقتصادية وكيف يكون أيضاً رفعاً للمستوى الاجتماعي وتهذيباً للنفس البشرية وإقصاءً لها عن أمور الذل والمهانة . فقد صح عن رسول الله صلى الله عليه وسلم فيما يرويه أنس: أن رجلاً جاء إلى النبي صلى الله عليه وسلم وهو من الأنصار فسأله - أي سأله إعطاء المال والنفقة أو الصدقة – فقال له النبي - صلى الله عليه وسلم - هل عندك شئٌ في بيتك: قال ما عندي شئٌ إلا حِلسٌ نلبس بعضه ونتستر ببعضه ، - والحلس هو الكساء- وقعب - أي إناء - نشرب فيه الماء ، فقال النبي - صلى الله عليه وسلم - عليَّ بهما - أي اذهب فأتي بهما - فجاء بهم الرجل إلى رسول الله - صلى الله عليه وسلم - فأخذهما بيديه الشريفة وقال: من يشتري هذين ؟ فقال رجل : أنا أشتريهما بدرهم ، فقال - صلى الله عليه وسلم - :من يشتريهما بدرهمٍ درهمٍ مرتين أو ثلاثة - أي يطلب زيادة السعر - فقال رجل : أنا أشتريهما بدرهمين يا رسول الله ، فأعطاه إياهما رسول الله - صلى الله عليه وسلم - وأخذ الدرهمين فدفعهما إلى الأنصاري وقال له:خذ بدرهمٍ طعاماً لأهلك وأشتري بالدرهم الآخر قدوماً فأتني به . فذهب الرجل وأشترى لأهله طعاماً وأشترى قدوماً وأتى به إلى النبي - صلى الله عليه وسلم - فأخذه بيده الشريفة وجعل له عوداً من خشب وثبته فيه ثم قال له :اذهب فاحتطب واكتسب ولا أرينك خمسة عشر يوماً . أخذ القدوم وثبته له وأعطاه بيده وطلب منه أن يعمل بيده ويكتسب ويحتطب فذهب الرجل وغاب تلك المدة ثم أتى إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم وقد أصاب عشرة دراهم فاشترى ببعضها طعاماً وأشترى ببعضها ثوباً فلما رآه النبي صلى الله عليه وسلم قال له :هذا خير لك من أن تجيء المسألة سؤال نكته في وجهك يوم القيامة ) رواه أبو داوود وابن ماجة والنسائي في سننهما. فهذا مثل عملي حي في حياة النبي صلى الله عليه وسلم وجّه فيه إلى العمل وظهرت نتيجته واضحة بينته في أن ذلك الرجل الذي لم يكن يملك شيئاً والذي كان رأس ماله بعد أن باع كل ما يملك درهمين جاء بعد خمسة عشر يوماً وقد ملك عشرة دراهم وهو ما يزال عنده آلة يرتزق بها ويداً يكتسب بها وفتح الله له باب الرزق من عمل اليد وكده ولذلك هذا من أعظم الأبواب التي في غالب الأحوال لا يعجز عنها أي أحد صحيح البدن فإنه يستطيع أن يعمل في احتطاب أو في زرع أو في أي باب من الأبواب العمل اليدوي المهني حتى يكتسب بإذن الله - عز وجل - . وكما يقولون في أمثالنا: " صنعة في اليد أمان من الفقر" ولا يقصد بهذا الأمان إلا أنها باب من أبواب الرزق فمن كان عنده صنعة ودربة في أي باب من أبواب هذه المهن فلا شك أنها بإذن الله - عز وجل - باب كسب وغنىً واستعفاف عما في أيدي الناس وليس في الامتهان والعمل مهانة أو ذله فإن العمل شرف وإن الإنسان الذي يعمل يأخذ أجره مقابل عمله فلا يكون لأحد عليه منّه لأنا نرى بعض الناس في مجتمعات كثيرة يرون أن العمل في هذه المهن أمر وضيع أو دنيء أو فيه نوع معرة أو مذله لهم وما هذا إلا لبعض الأوهام الاجتماعية الفارغة أو لبعض السموم التي تسري في مجتمعات المسلمين لتقعدهم عن العمل وتبعدهم عن الاحتراف ومعرفة الصنائع والمهن التي يستغنون بها عن أعدائهم وعن غيرهم. وقد قال النبي صلى الله عليه وسلم فيما يرويه ابن عمر : (إن الله يحب المؤمن المحترف) - أي صاحب الحرفة - والحديث روي من رواية أبي هريرة ومن رواية أنس ومن رواية جابر. قال المنذري وهو بمجموع طرقه يكتسب قوته . فهذا إشعار بأن الحرفة والمهنة والعمل والاكتساب شرف وأمر يحبه الله - عز وجل - وقد وجهه إليه النبي صلى الله عليه وسلم - بل قد عمل هو - عليه الصلاة والسلام - كما قال: ما من نبي إلا ورعى الغنم ! قالوا : وأنت يا رسول الله ؟ قال : وأنا كنت أرعاها على قراريط لأهل مكة . فهذا الباب المهم أن يكون فيه الجد والعمل وترك البطالة والكسل لأن بعض الناس يرى في هذه الأعمال مشقة وتعب وهو يريد أن يكتسب المال وهو جالس على كرسي وثير وأمامه مكتب كبير يأمر وينهى ولا يفعل شئ إلا توقيع الأوراق أو تحرير الكلمات .كل باب من الأبواب ينبغي أن يكون مطروقاً وإذا كان كل الناس يريدون أن يكونوا مدراء ، أو أن يكونوا موظفين فمن يكون عاملاً ومن يكون كادحاً وهذا مما سيأتي الحديث عنه في تفاوت الملكات والقدرات وتفاوت أقسام أرزاق الناس في أقدار الله - عز وجل - ولذلك لا بد من أخذ هذا الباب والعناية به وترويجه في مجتمعات المسلمين وجعل العمل والامتهان والصنعة والحرفة أمر مرغوب فيه مشجع عليه حتى يستغني المسلمون ، وحتى يعف كل أحد نفسه بما يعمله من كسب يده. الجِدُ في الجِدِ والحرمان في الكسل **** فانصب تُصب عن قريب غاية الأمل وأصبر على كل ما يأتي الزمان به **** صبر الحسـام بكف الذارع البطـل إن الفتى من بماضي العزم متصف **** ومـا تعود نقص القـول والعمـل ولا يقيم بأرض طاب مسكنهـا **** حتى يقُد أديـم السهـل والجبـل ولا يضيع ساعـات الزمن فلن **** يعـود مـا فـات في أيامه الأول ثانياً : التجارة والبيع والشراء وهذا أيضاً باب عظيم واسع متشعب من أبواب موارد المال ، وكسب الرزق الحلال بإذن الله - عز وجل - وقد قال الحق - عز وجل - : { يا أيها الذين آمنوا لا تأكلوا أموالكم بينكم بالباطل إلا أن تكون تجارة عن تراض منكم } وهذه استثناء منقطع فيه دليل على إباحة التجارة ولزوم التراضي فيها . وقد قال النبي - صلى الله عليه وسلم - عندما سئل : أي الكسب أفضل ؟ قال : (عمل الرجل بيده وكل بيع مضرور) فدل على هذين الأمرين العمل الذي ذكرناه آنفاً والتجارة والبيع والشراء فيه بإذن الله - عز وجل - رزق طيب مبارك فيه . روى هذا الحديث الطبراني ورجاله ثقاة. وقد قال الله - سبحانه وتعالى - : { واحل الله البيع وحرم الربا} فدل أيضاً على حل البيع والشراء ، وكونه من أسباب ابتغاء فضل الله - سبحانه وتعالى - . والبيع: مبادلة المال بالمال على سبيل التراضي ولا بد فيه من الإيجاب والقبول ، وشرطه أهلية المتعاقدين وحكمه الذي ينتهي به ثبوت الملك للمشتري في المبيع وثبوته للبائع في الثمن . وبهذا يكون التعاوض والتبادل تتحقق به المنافع بين الناس عند وجود التراضي وعند الابتعاد عن الأمور المحرمة التي سيأتي ذكرها في أحاديث قادمة بمشيئة الله تعالى . والتجارة - كما قلنا - بابها واسع في كل المباحات التي لم يرد فيها تحريم في بيعها وشرائها سواءً كان ذلك في المزروعات أو كان في المطعومات أو كان في المصنوعات أو كان في غيرها حتى فيما يستخرج من جوف البحر من سمك أو لحم أو در أو نحو ذلك . قد منّ الله - عز وجل - بذلك علينا وقال - سبحانه وتعالى - : { وهو الذي سخر البحر لتأكلوا منه لحماً طرياً وتستخرجوا منه حلية تلبسونها } وقال - سبحانه وتعالى - أيضاً في شأن ما ينفق: { أنفقوا من طيبات ما كسبتم ومما أخرجنا لكم من الأرض } يدخل فيه الزراعة وكذلك استثمارها في التجارة ، ولذلك هذا باب عظيم من الأبواب وقد ذكر النبي - صلى الله عليه وسلم - في حديثه : ( إن التاجر الصدوق يحشر مع الأنبياء والصديقين والشهداء يوم القيامة ) ولا شك أيضاً أن هذا مما تقع به تنمية المجتمع ، وحصول المنافع وتبادلها فيما بين الناس. الباب الثالث من هذه الأبواب التي لموارد الكسب : الإجارة وهي تأجير المنافع دون أعيانها أو العمل للغير فيكون منه تقديم الجهد مقابل الأجر لأن العمل اليدوي الأول نعني به " الذي تكون فيه ملكية أصله وأدواته لك " ولكنك ربما لا تملك تلك الأدوات ، أو تلك المعدات فيمكن أن تعمل بجهدك وخبرتك بالأجر الذي يعطى لك وهذه الإجارة أيضاً قد وردت في حديث النبي - صلى الله عليه وسلم - وفي حياة المسلمين . فقد صح أنه - عليه الصلاة والسلام - استأجر رجلاً من بني الديل هادياً خريتاً - أي يهديه الطريق - . وقد قال النبي - صلى الله عليه وسلم - فيما روي عن ابن ماجة مرفوعاً: ( أن موسى - عليه السلام - آجر نفسه ثمانية حجج أو عشراً على عفة فرجه وطعام بطنه) والله - سبحانه وتعالى - قد ذكر ذلك في القرآن :( قالت إحداهما يا أبتي استأجره إن خير من استأجرت القوي الأمين ) . وقد قال الله - عز وجل - في قصة موسى مع الخضر :( قال لو شئت لتخذت عليه أجرا) أي يكون لك أجر مقابل هذا العمل. والإجارة لا بد فيها من : أولا:معرفة المنفعة التي تقدم ، سواء كان منفعة ملك كإجارة بيت ، أو إجارة مركوب ، أو إجارة آلة أو نحو ذلك . أو منفعة العمل الذي يقدم كخبرة معينة وجهد محدود ولا بد كذلك بعد معرفة المنفعة معرفة الأجر تحديداً. وثالثاً: لا بد أن تكون الإجارة في أبواب الإباحة وأن لا يكون فيها شئ محرم ثم إما أن يكون الأجر مقابل الزمن أو مقابل العمل . كأن يستأجر رجلٌ رجلاً شهراً ويعطيه في آخر الشهر أجره بقدر ما ينتج في هذا الشهر ، أو أن يقول له : ابني لي بناءً أو اصنع لي شيئاً معيناً ، فإذا انتهيت منه فلك أجر مقابل ذلك ). وهذا كله من باب الإجارة - التي هي أيضاً من أوسع الأبواب التي يتعاطى الناس فيها المنافع - ولنا أيضاً حديث عما يضبط هذه الأمور ويحسن الانتفاع بها . فقد حذر النبي - صلى الله عليه وسلم - تحذيراً شديداً مما يقع كثيراً في حياة الناس اليوم من غمط الناس أجورهم ، أو تأخير حقوقهم ، أو مغالطتهم فيما لهم من أجر مقابل أعمالهم . فقد قال النبي - صلى الله عليه وسلم - في الحديث الصحيح: ( قال الله ثلاثة أنا خصمهم يوم القيامة: رجل أعطى بي ثم غدر ، ورجل باع حرا فأكل ثمنه ، ورجل استأجر أجيرا فاستوفى منه ولم يعط أجره " رواه البخاري ( ورجل استأجر أجيراً فاستوفى منه ) أي استوفى منه العمل والجهد الذي طلبه منه ثم لم يعطه أجره وفي الحديث أيضاً عما روى عن ابن عمر مرفوعاً: ( أعطوا الأجير حقه قبل أن يجف عرقه) وعندما ننظر إلى هذه الأبواب الثلاثة للموارد نجد أنها أوسع الأبواب التي يتعاطاها الناس وبعدها وغيرها أبواب أخرى جدّت في حياة الناس لكنها محدودة معدودة أما أكثر ما يتعاطاه الناس .. إما عمل يكتسب به لنفسه بأدواته وإمكاناته ، وإما تجارة يبيع فيها ويشتري يبتغي فضل الله - عز وجل- وإما إجارة ووظيفة يؤدي عملها أو دار يكريها ، أو نحو ذلك . وهنا نقف وقفة مهمة مع بعض الشروط والآداب في مثل هذه الأعمال والموارد كلها ؛ فإن الإسلام له أحكام وشروط وآداب تحقق المصالح ، وتمنع المفاسد ويقع بها مع الانتفاع المالي الانتفاع الاجتماعي ، والتآلف والتعاون والتكافل الذي يحقق المنافع في كل وجه من الوجوه ومن هذه الشروط والآداب: شروط تحقيق المصالح أولا : الكسب الحلال فلا بد أن تكون التجارة والإجارة والعمل في أبواب الحلال وقد بين النبي - صلى الله عليه وسلم - أن كل كسب ولو كان من طريق غير مباشر أو يظن أنه ليس في أصل الحرفة أنه حرام . لأنه إذا كان العمل المحرم يعتمد على عمل بعينه ؛ فإن هذا العمل يعد حراماً. ومن ثم لعن النبي - صلى الله عليه وسلم - في الخمر عشرة ؛ ذكر منهم بائعها وشاريها ، وذكر منهم عاصرها ومعتصرها . ولعن النبي - صلى الله عليه وسلم - في الربا آكله ومؤكله وكاتبه وشاهديه . وإن كان الشاهد ربما لا يغنم شيئاً لكنه أعان على ذلك ، فلا يكون للإنسان باب من أبواب الكسب من هذا الحرام . فقد قال النبي - صلى الله عليه وسلم - فيما صح عن رواية أبي هريرة : ( إن الله طيب لا يقبل إلا طيباً وإن الله أمر المؤمنين بما أمر به المرسلين فقال تعالى: { يا أيها الرسل كلوا من الطيبات واعملوا صالحاً } ، وقال تعالى: { يا أيها الناس كلوا من طيبات ما كسبتم } ،ثم ذكر النبي - صلى الله عليه وسلم - الرجل يطيل السفر أشعث أغبر يمد يديه إلى السماء يقول : يارب يارب ، ومطعمه حرام ، وملبسه حرام وغذي بالحرام فأنىَّ يستجاب له) أي كيف يستجاب لهم وقد كسب المال الحرام ؟ وقد قال النبي - عليه الصلاة والسلام – لسعد :( يا سعد أطب مطعمك تكن مجاب الدعوة) وفي حديث أنس عند الطبراني بسند حسن ، عن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - : ( طلب الحلال واجب على كل مسلم ) الأمر الثاني : الورع واتقاء الشبهات ليس مجرد ترك الحرام البيّن بل حتى ما فيه شبهة ، وما أكثر ما دخل دنيا الناس اليوم من أمور الشبهات في المكاسب والأموال والأمور المسابقات والبطاقات وغير ذلك مما قد نعرج عليه بمشيئة الله تعالى ، فالإنسان لا بد أن يبتعد عما فيه شبهة لئلا يورد نفسه المهالك بكسب الحرام وأكله - والعياذ بالله - . وقد قال النبي - عليه الصلاة والسلام - في حديث النعمان: ( الحلال بيّن والحرام بيّن وبينهما أمور مشتبهات فمن اتقى الشبهات فقد استبرء لدينه وعرضه ومن وقع في الشبهات وقع في الحرام كالراعي يرعى حول الحمى يوشك أن يقع فيه ) . وفي حديث النواس بن سمعان - رضي الله عنه - قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم - : ( البر حسن الخلق والإثم ما حاك في الصدر وكرهت أن يطّلع عليه الناس ) رواه مسلم . وكم يحوك في قلوب الناس كثير من أبواب الموارد والكشف ؟ ومع ذلك يغضون أبصارهم ، ويأخذون ويتجاوزون رجاء أن لا يكون في ذلك حرج ، أو ربما بعضهم يذهب هنا وهنا يلتمس فتوى تحل له مثل هذه الأمور المشتبهة أو التي ربما كانت حراماً وأخرجت للناس إخراجاً يظن فيه الحلال فنسأل الله - عز وجل - أن يجعلنا ممن يكتسبون من الحلال ، وأن يبعدنا عن الحرام وعن الأمور المشتبهة إنه ولي ذلك والقادر عليه أقول هذا القول واستغفر الله العظيم لي ولكم من كل ذنب فاستغفروه إنه هو الغفور الرحيم.. الخطبة الثانية ثالث تلك الشروط والآداب : السماحة فقد قال النبي - عليه الصلاة والسلام - فيما صح عن جابر: (رحم الله امرأً سمحاً إذا باع، سمحاً إذا اشترى ،سمحاً إذا اقتضى) فليس المطلوب هو أن تكسب وأن تغنم ، إن تجهم وجهك وعلا صوتك وانقطعت بينك وبين إخوانك العلاقة أو حصلت بينك وبينهم الشحناء أو البغضاء أو كان لك عند بعضهم حق فما زلت تذله به وتعيره وتشيّع عنه مثل ذلك فما هذا هو خلق الإسلام ولا هذه موارد الكسب الذي يريدها الله - عز وجل - ويشرعها رسوله - صلى الله عليه وسلم - ؛ فإن الحياة المادية البغيضة ، والحضارة الآثمة اليوم تجعل المادة هي التي تدوس على العلائق والوشائج والمودة والمحبة والناس أصبح كثير منهم في دنيا أهل الكفر يعبدون الدرهم والدينار ، ويكفرون لأجل الحصول عليه بكل قرابةٍ أو صلةٍ أو مودةٍ أو عشرةٍ أو معروفٍ أو غير ذلك ، أما الإسلام فإنه يأبى على المسلم إلا أن يكون سمحاً بل قد جعل النبي- صلى الله عليه وسلم - تلك السماحة منزلة عالية كما في حديث أبي سعيد الخدري عن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - أنه قال: ( أفضل المؤمنين رجل سمح البيع ، سمح الشراء ، سمح القضاء ، سمح الاقتضاء) . رواه الطبراني ورجاله ثقاة. فهذا أفضل المؤمنين هو يبيع ويشتري ويكسب ، لكن البسمة لا تفارق وجهه ، والإحسان وحسن المعاملة لا يفارق أخذه ورده ، فكان له هذا الفضل ، وهذا الأجر ، وقد ورد أيضاً من حديث ابن عمر عن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - أنه أخبر قال: ( دخل رجل الجنة بسماحته قاضياً ومقتضياً ) ( قاضياً أو مقتضياً ) هو يأخذ ويقتضي حقه ، لكنه بسماحةٍ ويسرٍ وسهولةٍ ونوعٍ من التروي ، ونوع من التأني ، فيأخذ حقه ، ويأخذ من الله - عز وجل - أجره وليس كما هو حال الناس اليوم تشنجٌ وتربصٌ وربما بعض كيدٍ ومكرٍ - مما سنذكره - بل ربما أشترى الإنسان شيئاً وعند شرائه رأى أنه لا يصلح له ، أو فكر أنه قد يستغني عنه لحاجته للمال فيما هو أعظم منه ، فإذا انتهى الشراء أراد أن يرجع فلا رجوع .. أراد أن يستبدل فلا استبدال .. أراد أن يحاول محاولات يخفق فيها غبنه أو خسارته فلا يجد باباً من الأبواب ، وقد قال - عليه الصلاة والسلام - فيما يرويه أبو هريرة : ( من أقال مسلماً بيعته أقال الله عثرته يوم القيامة) رواه أبو داوود وابن ماجة وهو في صحيح ابن حبان وعند الحاكم أيضاً وصححه . فهذه أبواب السماحة التي نحتاج إليها. ورابعها : الصدق فقد قال عليه الصلاة والسلام : ( البيّعان إذا صدقا وبينا بورك لهما في بيعهما ) . ونعلم ما كان منه - عليه الصلاة والسلام - من حثٍ على الصدق في كل باب من الأبواب ، ووجه من الوجوه . والخامس : الأمانة ووجوب ألا يكون هناك غدر بين الشركاء . فقد ورد في الحديث عن النبي - صلى الله عليه وسلم - عن رب العزة والجلال أنه قال : ( أنا ثالث الشريكين ؛ فإذا خان أحدهما خرجت من بينهما ) . وفي رواية فيها زيادة: ( خرجت من بينهما وجاء الشيطان ) . وكم نرى أيضاً من ذلك كثيراً مما قلت فيه الأمانة في نفوس الناس وتعاملاتهم. سادساً : الإتقان فإن النبي صلى الله عليه وسلم قال : ( إن الله يحب إذا عمل أحدكم عملاً أن يتقنه ) فما بالنا نرى كثيراً من الموظفين لا يتقنون أعمالهم ، ونرى كثيراً من العمال لا يتقنون أعمالهم ، وهم على اتقانها قديرون وجديرون بذلك ، لكنهم فرطوا في هذا ولم يرعوا حق الله - عز وجل - ، وربما أخذوا أجراً ولم يؤدوا مقابله العمل المطلوب فنسأل الله - عز وجل - أن يكملنا بالإسلام ، ويجملنا بالإيمان ، وأن يجعلنا من أهل الكسب الطيب المباح وأن يجعلنا من أهل العمل الصالح المقبول.. الـــــــــوصلة الأحـــرار يؤمنون بمن معه الحق .. و العبيــد يؤمنون بمن معه القوة .. فلا تعجب من دفاع الأحرار عن الضحية دائماً .. و دفاع العبيد عن الجلاد دائماً رابط هذا التعليق شارك المزيد من خيارات المشاركة
Recommended Posts
انشئ حساب جديد أو قم بتسجيل دخولك لتتمكن من إضافة تعليق جديد
يجب ان تكون عضوا لدينا لتتمكن من التعليق
انشئ حساب جديد
سجل حسابك الجديد لدينا في الموقع بمنتهي السهوله .
سجل حساب جديدتسجيل دخول
هل تمتلك حساب بالفعل؟ سجل دخولك من هنا.
سجل دخولك الان