اذهب إلى المحتوى
محاورات المصريين

فضيحة ابو غريب: بداية نهاية الامبراطورية


Mohammad Abouzied

Recommended Posts

فضيحة ابو غريب: بداية نهاية الامبراطورية

صور التعذيب الفظيعة لسجناء عراقيين في سجن ابو غريب بايدي سجانين وسجانات امريكيين، بدت لاول وهلة انها اقتطعت من فيلم جنس. الصدمة العالمية والامريكية ترجمت الى علامات استفهام حول مصداقية السياسة الاحادية الجانب التي تتبعها الادارة الامريكية لقيادة العالم، والتي جعلت حرب العراق نموذجا لها.

سامية ناصر خطيب

قد تتحول فضيحة ابو غريب الى حدث مفصلي باتجاه هزيمة امريكية في العراق ووقوع هزة سياسية في الولايات المتحدة. استطلاعات الرأي العام الامريكية اشارت لاول مرة الى اعتقاد نحو 65% ان شن الحرب كان خطأ، والى حصول المرشح الديمقراطي جون كيري على نسبة اعلى من التأييد من الرئيس جورج بوش.

بعد سقوط حجة الحرب الاساسية، اسلحة الدمار الشامل، كشفت فظائع التعذيب كذب الحجة الثانية وهي نشر الديمقراطية النموذجية في العراق، مما سدد ضربة قاصمة للمصداقية الامريكية وتحديدا لمرجعيتها الاخلاقية، في نظر العالم ونظر الجمهور الامريكي المحافظ نفسه الذي صُدم بمنظر ممارسات ابنائه غير الحضارية وغير الديمقراطية، خلافا لما يدعيه من تفوق حضاري على سائر الامم.

ومن المنظور ان تؤدي هذه الصور الى تأجيج الانتفاضة والشعور بالنقمة بين العراقيين، الامر الذي سينذر بتأجيل تحقيق هدف الادارة الامريكية قمع المقاومة ونقل السلطة للعراقيين في 30 حزيران، وهو مشكلة تهدد المصير السياسي لبوش في الانتخابات في تشرين ثان (نوفمبر) القريب.

مسؤولية رامسفيلد

على خلفية الفضيحة ارتفعت الاصوات المطالبة باستقالة وزير الدفاع الامريكي، دونالد رامسفيلد. امام لجنة الكونغرس للتحقيق في الموضوع، حاول رامسفيلد اعتبار الحالات استثنائية والقاء اللوم على بعض الجنود الذين اخطؤوا وسيتم تقديمهم للمحاكمة، الا انه لم يعد رامسفيلد رجل الحرب المتغطرس بل بدا مضغوطا وغير مقنع. كما انه كشف عن ان الصور التي لم تنشر بعد، والتي توثق فظائع اغتصاب سجناء وسجينات عراقيين، سيكون لها "مفعول نووي".

ويسود الاعتقاد بان رامسفيلد وكبار المسؤولين الامريكيين كانوا على علم بالتعذيب، الا انهم لم يكترثوا بالامر. كما ان رئيس هيئة الاركان مايرز كان يعرف بوجود الصور منذ عدة اسابيع، وطلب من شبكة انباء سي بي اس تأخير نشرها حتى لا تؤثر على حصار الجيش للفلوجة.

صحيفة "القوات البرية الامريكية" (10 ايار، 2004) حددت في افتتاحيتها ان الفشل بدأ من الهيئات العليا، وذلك عندما "رفض رامسفيلد بشدة منح الاسرى مكانة اسرى حرب كما تحدد اتفاقية جنيف. رسالة الهيئات العليا للجنود كانت: كل شيء مسموح".

صحيفة الواشنطن بوست التي تقود حملة من اجل الاطاحة برامسفيلد، اشارت (في 9 ايار) الى احتداد الخلافات بين المستويات العليا في الجيش الامريكي حول طبيعة احتلال العراق. وينذر جنرالات في قوات المشاة من تحول العراق الى فيتنام بسبب عجز امريكا عن الوصول الى حل سياسي، ويتهمون رامسفيلد بدخول العراق دون خطة سياسية للخروج منه. وقال هؤلاء ان "الولايات المتحدة ستواجه مشاهد الضحايا في العراق لسنين طويلة بدون تحقيق اهدافها بناء عراق حر وديمقراطي". وجزم الجنرالات المعارضون بان اعادة بناء السياسة والمصداقية الامريكية تتطلب البدء اولا بطرد وزير الدفاع.

استعداد رامسفيلد للاستقالة لانه لا يريد ان يكون كبش الفداء، اضطر الرئيس بوش بعد اعتذاره وتعبيره عن امتعاضه من الصور، ان يصرح بدعمه المطلق لرامسفيلد واعتباره "شخصا رائعا". ويدرك بوش ان سقوط رامسفيلد سيعني سقوط عماد رئيسي في السياسة الحربية التي تعتمد عليها ادارته، ما سيجر سقوط تشيني ويهدد بسقوطه هو ايضا في نهاية المطاف، وهو غير مستبعد في ظل تراجع شعبيته بعد الفضائح الاخيرة.

نهاية الامبراطوية

قبل ان يتضح مصير بوش، يمكن القول ان مصير سياسته قد حُسم، وخاصة بعد فضيحة ابو غريب التي كشفت النقاب عن الوجه القبيح لاستعمار بدائي همجي تستر بشعارات لنشر الديمقراطية. وقد بات جنرالات في الجيش الامريكي يعتبرون السياسة العسكرية الامريكية الاحادية الجانب، قد فشلت بلا علاقة بالقدرة العسكرية على حسم الحرب، وذلك لعدم قدرة امريكا على الوصول الى حل سياسي، الامر الذي يذكر بما حدث في فيتنام.

افضل من عبر عن نهاية هذه السياسة كان جيم هوغلاند وهو يميني محافظ، في مقال بالواشنطن بوست (9 ايار) بعنوان "نهاية امبراطورية". يقول هوغلاند: "الفكرة بان انتصارات امريكا السريعة في افغانستان والعراق، قد افتتحت عهدا من الحكم الامريكي الامبراطوري للعالم، قد ماتت بهدوء يوم الجمعة، يوم تحقيق الكونغرس مع رامسفيلد المتهم بسوء ادارة موضوع التعذيب في سجن ابو غريب.. لقد كان التحقيق علامة على ان المؤسسة الامريكية "الديمقراطية" تعمل بشكل مناقض لاوهام الامبراطورية. لم يحتج الامر الى اكثر من حادثة شنيعة ومشينة في السجن لاظهار هذا الامر". ويستنتج هوغلاند الامر الاساسي التالي: "في مؤسسة سياسية تنافسية منفتحة (اي ديمقراطية)، سرعان ما تتحول الاخطاء والمشاكل التي تقع في "الهوامش" الى سياسة داخلية. ادارة امبراطورية، او ربما حتى ادارة استعمار طويل الامد، تحولت الى مهمة معقدة ومستحيلة".

ان الانقلاب السياسي في الانتخابات بالهند، والذي تجلى في سقوط حزب فاجبايي اليميني الذي طبق الاملاءات الاقتصادية الامريكية بحذافيرها، وصعود حزب الكونغرس الذي يتوقع ان يدعمه الشيوعيون، هو اشارة الى رفض الاقتصاد الامريكي العنيف الذي يخدم الاقلية ويهمش الاغلبية، الامر الذي اعتبر ضربة ماكنة لادارة بوش. واذا اضفنا الى ذلك الضربة السياسية التي تلقتها الادارة الامريكية بفوز الحزب الاشتراكي الديمقراطي في اسبانيا وسقوط حزب اثنار اليميني الذي شكل ركنا اساسيا في التحالف الحربي على العراق، وانسحاب القوات الاسبانية من العراق، نجد ان هذه الادارة لا تنجح في الحصول على المبايعة لسياستها الاقتصادية والخارجية، وان العالم يريد قيادة تبحث عن الرفاه لسكانها وليس عن الحروب الهمجية.

كيف صنعوا الفضيحة

تفجرت الفضيحة على اساس شهادة قدمها في الموضوع الجنرال الامريكي انطونيو تاغوبا امام الكونغرس يوم 11 ايار. وكان تاغوبا قد كُلّف من الجنرال ديفيد ماكيرنان في 31 كانون ثان (يناير) بالتحقيق الرسمي في اساءة معاملة السجناء في سجن ابو غريب. وقد اعد تاغوبا تقريرا من 53 صفحة سلمه لماكيرنان في 3 آذار (مارس)، ركز فيه حسب التعليمات على نشاط الشرطة العسكرية التي كانت تدير السجن، ولكنه انتهز الفرصة لتوسيع التحقيق وتقديم شجب واسع لممارسات الجنود.

اشار التقرير الى تعرض الاسرى العراقيين الى سوء معاملة من رجالات الاستخبارات والمتعهدين المشاركين في التحقيق، واضاف: "انه بين شهر تشرين اول الماضي وكانون اول تعرض العديد من المعتقلين للكثير من الانتهاكات الاجرامية السادية المشينة". السبب الرئيسي في الانتهاكات القاسية في ابو غريب حسب التقرير هو "الخلل في ادارة الجهاز القيادي، وانعدام الثقة والتدريب بين الجنود". (هآرتس، 12 ايار)

احدى المتهمين السبعة بالتعذيب، الجندية صابرينا هارمان، قالت للواشنطن بوست انها وافراد وحدتها نفذوا تعليمات مباشرة من الاستخبارات العسكرية ومن محققين مدنيين ب"جعل حياة المعتقلين جحيما قبل التحقيق معهم"، مشيرة الى انهم "لم يزودوا باية قواعد ولم يتلقوا أي تدريب. ("القدس العربي"، 12 ايار)

في مقابلة مع "النيويورك تايمز" (11 ايار) نفت العميد جانييس جابينسكي التي كانت مديرة السجون في العراق حتى تم ايقافها في 17 كانون ثان (يناير)، التهمة الموجهة اليها بالمسؤولية عن الفظائع، واتهمت بالمقابل عناصر المخابرات العسكرية بالمسؤولية عن الوضع مشيرة الى ان هذه العناصر هي "المسؤولة عن الخلية رقم A1، وهي الوحدة الامنية عالية السرية التي تشرف على التحقيقات في سجن ابو غريب".

في هذا السياق قالت مؤخرا الصحيفة الامريكية الليبرالية "نيويوركر" (15 ايار) في مقال مطول لصاموئيل هيرش الذي يواصل فضح الحكومة، ان وراء قضية سجن ابو غريب تقف فلسفة رامسفيلد الذي اسس دائرة سرية داخل وزارة الدفاع (البنتاغون) تقوم بعمليات خاصة ومهمات استخباراتية ويحمل العاملون فيها القاب وهوياتهم جميعها سرية. خطورة الدائرة، حسب الصحيفة، انها غير ملزمة بتقديم حسابات لاحد الامر الذي يعطيها ضوء اخضر لفعل كل ما شاءت دون ضوابط.

تقرير الصليب الاحمر الذي نشرته الصحيفة اليمينية "وول ستريت جورنال" (نقلته القدس العربي في 11 ايار)، يشير الى ان 70%-90% من المعتقلين العراقيين اعتقلوا بطريق الخطأ وتعرض عدد كبير منهم لسوء معاملة. ويربط مراقبون بين الاعتقال العشوائي وتصاعد المقاومة العراقية التي اخذت الامريكيين على حين غرة.

الانتهاكات موثقة في تقرير من شباط الاخير للجنة الصليب الاحمر التي زارت ابو غريب وسجون اخرى 29 مرة بين شهري آذار وتشرين ثان 2003. واكدت صحيفة "اوبزرفر" البريطانية ان رئيس اللجنة الدولية للصليب الاحمر، جاكوب كلينبرغر، قام شخصيا بابلاغ ثلاثة من كبار مسؤولي الادارة الامريكية عن انتهاكات في سجن ابو غريب، وهم: مستشارة الامن القومي كونداليزا رايس، وزير الخارجية كولن باول، ونائب وزير الدفاع بول وولفوفيتش.

المثير في الامر ان الشخص الذي اختير لرئاسة لجنة تأسيس سجن ابو غريب وتولى مسؤولية تدريب السجانين، هو لين مكوتر. وكان مكوتر قد اضطر للاستقالة من ادارة سجن بولاية يوطا عام 97 بعد وفاة اسير جراء التعذيب. بعد استقالته ادار سجنا خاصا يخضع اليوم للتحقيق بتهمة انتهاكات وتعذيب. لكن هذا الامر لم يمنع جون اشكروفت، المدعي العام الامريكي، من اختياره ليكون واحدا من مجموعة ضباط الشرطة والمدعين والسجانين الذين تولوا مسؤولية تشكيل جهاز القانون والحقوق في العراق.

الخلل في السجن ينبع اساسا من فلسفة هذه الحرب التي كان المفروض ان تكون سريعة، غير مكلفة في الاموال والارواح، لذا رفض رامسفيلد زيادة عدد الجنود الامريكيين في العراق، وهكذا حدث ان كُلف 450 شرطي عسكري فقط بحراسة سبعة آلاف سجين.

الحالة النفسية للسجانين كما وصفها تاغوبا في تقريره كانت سيئة. فهؤلاء الذين خدموا في البداية في سجن بوكا بالبصرة، اعتقدوا مع اعلان بوش في 1 ايار 2003 عن انتهاء العملية العسكرية على العراق، ان السجن سيغلق ويفرغ من الاسرى، وانهم سيعودون لبيوتهم، ثم صُدموا بنقلهم الى ادارة سجن ابو غريب

يأتي في آخر الزمان قوم حدثاء الأسنان سفهاء الأحلام يقولون من خير قول البرية يمرقون من الإسلام كما يمرق السهم من الرمية لا يجاوز إيمانهم حناجرهم فأينما لقيتموهم فاقتلوهم فإن في قتلهم أجرا لمن قتلهم يوم القيامة

رابط هذا التعليق
شارك

انشئ حساب جديد أو قم بتسجيل دخولك لتتمكن من إضافة تعليق جديد

يجب ان تكون عضوا لدينا لتتمكن من التعليق

انشئ حساب جديد

سجل حسابك الجديد لدينا في الموقع بمنتهي السهوله .

سجل حساب جديد

تسجيل دخول

هل تمتلك حساب بالفعل؟ سجل دخولك من هنا.

سجل دخولك الان
  • المتواجدون الآن   0 أعضاء متواجدين الان

    • لا يوجد أعضاء مسجلون يتصفحون هذه الصفحة
×
×
  • أضف...