Mohammad Abouzied بتاريخ: 9 يونيو 2004 تقديم بلاغ مشاركة بتاريخ: 9 يونيو 2004 هذه مقالة للمفكر العربي محمد عابد الجابري عن ظاهرة التطرف وتاريخها وميكانيكتيها. تفتح نافذة اخرى للتعرف على هذه المشكلة. المصدر : مجموعة بريدية عندما يذكر "الإسلام" أو "الإسلاميون" في الخطاب السياسي والصحفي المعاصر فإن الذهن يستحضر في الغالب الجماعات المتطرفة التي تحمل شعار "الإسلام" وتستظل به بطريقة من الطرق، وهذا من الأخطاء الذهنية التي تجر إليها الألفاظ. فالتيار الإسلامي أو ما يعبر عنه أحيانا بـ "الإسلام السياسي" يشمل قطاعا عريضا من الرأي العام العربي المعاصر، يمتد من وسط اليسار إلى أقصى اليمين حيث مواقع الجماعات الدينية المتطرفة، تماما مثلما ان التيار التحديثي في الساحة الفكرية العربية يمتد من وسط اليمين إلى أقصى اليسار حيث مواقع الجماعات المتياسرة، المتطرفة. ونحن عندما نستعمل هنا الثنائي يمين/ يسار فإنما نفعل ذلك من أجل وظيفته الإجرائية لا غير، إننا نأخذه كوسيلة للتصنيف فقط. أما المضمون الإيديولوجي الذي يحمله هذا الثنائي في الغرب حيث يعبر بـ "اليمين" عن القوى الرأسمالية والليبرالية والرجعية، وبـ "اليسار" عن القوى الاشتراكية والتقدمية، فهو لا يدخل في اهتمامنا هنا، فضلا عن أنه لا يطابق الوضع القائم في العالم العربي مطابقة تامة، إذ ليس كل من يصنف في تيار الحداثة اشتراكي وتقدمي، وليس كل من يصنف في التيار الإسلامي رأسمالي أو ليبرالي. نحن نستعمل هنا الثنائي يمين/ يسار، فقط من أجل تحديد مواقع الجماعات المتطرفة، وهى صنفان: صنف نضعه في أقصى جهة نسميها "اليسار"، وصنف نضعه في أقصى الجهة المقابلة فنسميها "اليمين". والسؤال الذي نريد طرحه هنا هو التالي: ضد من يقوم التطرف الواقع في أقصى "اليسار"، وضد من يقوم التطرف المقابل له في أقصى "اليمين"؟ إن عدم طرح هذا السؤال يجعل الإنسان ينساق أحيانا مع سلطة الألفاظ فيعتقد أن التطرف في أقصى اليسار خصمه هو ذلك الذي يقع في أقصى اليمين. وهذا اعتقاد خاطىء، يكذبه تاريخ نشأة التطرف في هذه الجهة أو تلك كما تكذبه مواقف وأطروحات المتطرفين في الجهتين كلتيهما. والواقع أن التطرف في اليسار هو موجه أصلا ضد اليسار نفسه، كما أن التطرف في اليمين موجه ضد اليمين، وغالبا ما يكون الخصم اللدود للمتطرف، في إحدى الجهتين، هو أقرب "الناس" إليه، على يمينه أو على يساره. لقد ظهر التطرف في اليسار، في العصر الحاضر، خلال النصف الثاني من ستينات القرن العشرين في أوروبا وبلغ أوجه هناك وفي جهات كثيرة من العالم في أواخر الستينات وأوائل السبعينات، فتكونت جماعات متياسرة (أو يسراوية) قامت تطرح نفسها كبديل جديد لا لليمين، بل لليسار نفسه، وبالتالي كان خصومها المباشرون، أعنى الذين كانت تعتبرهم هي كذلك، هم الأحزاب الشيوعية التقليدية والأحزاب الاشتراكية عموما. ولم تكن الجماعات المتياسرة "تناضل" ضد اليمين أو يمين اليمين، بل كانت تتجه بكل قواها ضد اليسار نفسه الذي كانت تضعه على يمينها. ومثل ذلك التطرف في اليمين: فالجماعات المتطرفة فيه إنما تتطرف احتجاجا واعتراضا على "المعتدلين" فيه هو نفسه، وليس ضد اليسار. إن الجماعات الإسلامية المتطرفة تتجه بالاعتراض والخصومة إلى التيار الإسلامي "الوسط " أو "المعتدل، مثلها في ذلك مثل "الخوارج" في صدر الإسلام. لقد كان على بن أبي طالب يمثل الاتجاه الديني وكان معاوية يمثل الاتجاه الدنيوي داخل الإسلام لا خارجه. والتطرف الذي ظهر في صفوف علي، وسمى أصحابه باسم "الخوارج"، قام أصلا ضد علي نفسه، وقد سموا "خوارج" لأنهم خرجوا عليه وقاتلوه عندما قبل "التحكيم"، أي حل الخلاف بينه وبين معاوية بصفة سلمية على يد "محكمين"، وهم بمثابة خبراء أو قضاة. صحيح أن "الخوارج" كانوا أيضا ضد معاوية، ولكن خروجهم لم يكن يضر معاوية في شيء، بل بالعكس لقد كان لفائدته. وأكثر من ذلك فهم عندما خرجوا على علي احتجاجا على قبوله "التحكيم" لم يذهبوا لقتال معاوية مباشرة، بل لقد قاتلوا عليا وأصحابه. ثم إنهم لم يدبروا مؤامرة لاغتيال معاوية بمفرده، بل لقد أرادوا اغتيالهما معا إضافة إلى عمرو بن العاص الذي كان يعتبر اليد اليمنى لمعاوية في ذلك النزاع. لقد نجحوا في اغتيال علي ولم ينجحوا في الوصول لا إلى معاوية، ولا إلى عمر بن العاص. ولو انهم فكروا قبل الإقدام على تنفيذ مؤامرتهم لتبين لهم أنه من الممكن جدا أن ينجحوا في اغتيال علي لأنه لم يكن يحيط نفسه بالحراسة والحماية بينما أن حظوظ نجاحهم في اغتيال معاوية كانت ضئيلة جدا لأنه كان محروسا وكان يأخذ احتياطاته. إن التطرف يعمي صاحبه ويحجب عنه الحقائق الموضوعية ويجعله ينظر إلى العالم نظرة سحرية. وشأن الجماعات المتطرفة على اختلاف مواقعها شأن "الخوارج" ، فهي وإن كانت "تخرج" أو "تثور"- في الغالب- ضد تساهل أو اعتدال الجهة التي تنتمي إليها إزاء الجهة المقابلة، الخصم: المتياسرون يثورون على اليسار احتجاجا على تعامله مع اليمين، والمتطرفون في اليمين يثورون على هذا الأخير لجنوحه إلى نوع من الاعتدال، فان النتيجة، في الأغلب الأعم، تكون ضربة للجهة التي خرج منها التطرف ولفائدة الطرف المقابل. وهذا يؤدي في النهاية إلى انعزال الجماعات المتطرفة يمينا ويسارا فتبقى على الهامش تكرر التجربة ذاتها مع نفسها، تجربة التطرف، فتنقسم إلى جماعات يخاصم بعضها بعضا و"تكفر" كل جماعة منها الأخرى، كما حدث في صفوف "الخوارج ". ويكون الخصم الأول دائما هو الجار الأقرب! "هكذا تنتهي الحركات المتطرفة إلى التفتت والذوبان، عاجلا أو آجلا. ومما يجب تأكيده هنا أنه لم يحصل قط، وما أظنه سيحصل يوما ما، أن جماعة متطرفة، في هذه الجهة أو تلك، غيرت الوضع أو صنعت التاريخ. التاريخ تصنعه القوى المتصارعة في الوسط غالبا. والثورات تنتهي، حتى ولو ساهم فيها المتطرفون، إلى نتيجة واحدة، هي أن السلطة يتسلمها "المعتدلون" الذين يقعون في "الوسط" أو قريبا منه. وهذه حقيقة يعرفها المتطرفون، ولذلك تجد شعارهم المعلن عنه، في الغالب، ليس استلام السلطة بل "الاستشهاد" من أجل "القضية". أما نوع هده القضية، أما إمكانية تحقيقها، أما وسائل خدمتها بصورة عملية تاريخية، فهذا ما لا يفكر فيه المتطرف، ولا يستطيع أن يفعل! إن التطرف في مثل هذه الحال يصبح نوعا من النظرة السحرية للعالم، يكتسي طابع الهروب إلى الأمام. ولذلك فليس غريبا أن ترى المتطرف يقفز من أقصى اليمين إلى أقصى اليسار أو العكس! وقد يكتسي الهروب إلى الأمام طابع "الهجرة" إلى دول أخرى كانت في الأصل خصما، والقيام فيها بدور "الخادم" أو "الحاجب" المرتزق من أجل "لا-قضية"... مطالبا وحده الطعن والنزال"! إنه نمط من الوعي المزيف الذي ينسى معه الفرد حقيقة وضعيته وطبيعة موقعه، فلا يرى إلا ما يعتقد أنه ليس هو إياه. التطرف أشكال وأصناف... والتطرف داخل التيار السلفي في الفكر العربي المعاصر يجد بعض مبررات وجوده، بدون شك، في غياب الديمقراطية السياسية منها والاجتماعية، ولكن من مبررات وجوده أيضا عدم تمكن الاتجاه السلفي لحد الآن من القيام بالتجديد المطلوب في الفكر الإسلامي، التجديد الذي يجعله يساير التطور ويرتبط بالواقع. تماما مثلما أن التطرف في اليسار، الذي بلغ أوجه في أواخر الستينات وأوائل السبعينات من القرن الماضي، في أوربا خاصة، كان يجد تبريره في تفسخ الديمقراطية فيها نتيجة هيمنة الرأسمالية والإمبريالية واستشراء البيروقراطية وسيطرة الآلة والآلية من جهة، وفي الجمود الذي أصاب "اليسار" نتيجة عدم متابعته للتطور والتكيف معه، من جهة أخرى. يبقى بعد هذا أن نشير إلى أن التطرف في الدين يتبع السياسة دوما: فعندما تمارس السياسة في الدين على مستوى العقيدة يكون التطرف في ميدان العقيدة، وعندما تمارس السياسة في الدين علي مستوى الشريعة يكون التطرف في ميدان الشريعة: في القديم (أواخر العصر الأموي، وفي العصر العباسي) كان التطرف يمارس في ميدان العقيدة، على مستوى صفات الله وأفعاله والوعد والوعيد الخ)، وباسم هذا النوع من التطرف كانت خصومات وكانت حروب! أما في عصرنا الحاضر فالتطرف يمارس في مجال الشريعة (وضع المرأة كالحجاب، كيفية أداء العبادات مثل طريقة وضع اليدين أثناء الصلاة الخ). والسبب في هذا الاختلاف، بين الأمس واليوم، هو أن السياسة كانت تمارس قديما بواسطة الدين، أما اليوم فيبدو أن الدين هو الذي يمارس بواسطة السياسة يأتي في آخر الزمان قوم حدثاء الأسنان سفهاء الأحلام يقولون من خير قول البرية يمرقون من الإسلام كما يمرق السهم من الرمية لا يجاوز إيمانهم حناجرهم فأينما لقيتموهم فاقتلوهم فإن في قتلهم أجرا لمن قتلهم يوم القيامة رابط هذا التعليق شارك المزيد من خيارات المشاركة
Recommended Posts
انشئ حساب جديد أو قم بتسجيل دخولك لتتمكن من إضافة تعليق جديد
يجب ان تكون عضوا لدينا لتتمكن من التعليق
انشئ حساب جديد
سجل حسابك الجديد لدينا في الموقع بمنتهي السهوله .
سجل حساب جديدتسجيل دخول
هل تمتلك حساب بالفعل؟ سجل دخولك من هنا.
سجل دخولك الان