اذهب إلى المحتوى
محاورات المصريين

الافتقار إلى أخلاق الفرسان مقال اعجبني


Mohammad Abouzied

Recommended Posts

الافتقار إلى أخلاق الفرسان

التاريخ: السبت 2004/04/24 م

منذ وعى العرب والمسلمون على صدمة العصر الحديث، ومفكروهم الإصلاحيون يتطلعون نحو صياغة خطاب فكري، يزاوج بين الثوابت الدينية، والمتغيرات الحيوية.. إلا أن محاولات الرواد أخشى القول أنها باءت بالفشل.. وها نحن نرى تقدّم حركات الإسلام السياسي بمشروعات إقصائية، ليس ضد الآخر فحسب.. بل ضد الذات، حيث تسود اليوم لغة انتحارية للنفس ومدمرة للحياة.. وكأن الإسلام لم يأت إلى عمارة الكون، بإيكال الأمانة الربانية إلى الإنسان في استخلاف الأرض.

ففي الوقت الذي يتخلى المسلمون عن مسؤوليتهم الحضارية، يمسك الغرب بزمام المبادرة بامتلاكه مفاهيم المعرفة ووسائل الإنتاج معاً.. وها هي مصانعه تصدر لنا ما نأكل ونشرب ونلبس، ومعظم ما نحتاجه في تسيير أمورنا المعاشية.. ولا ينتابه منا سوى شتمه بميكروفونات، تفنن في إنجاز تحويلاتها الاتصالية على أكثر من أسلوب!!

هذا فضلاً عن وسائل أخرى؛ يتعاطاها الإرهابيون الأشاوس، في تنفيذ عمليات عنفهم، من أدوات كهربائية، وأسلحة متطورة، وشبكة اتصالات إلكترونية.

لكن لم يعد هؤلاء يستخدمون السيف والسهم والترس.. وإنما يستخدمون في خوض معاركهم الاغتيالية، مواد تفجير انتحارية هائلة.. صنعها الغرب على أسس مفتقرة لثقافة الفروسية، القائمة على مواجهة العدو بوضوح تام، في فضاء مشمس لا ظلمة فيه..

هكذا كانت معارك نبينا محمد أفضل الخلق عليه أفضل الصلاة والسلام، أمام أعداء الإسلام من قريش.. ومعارك خلفائه الراشدون الذين فتحوا أمصار الدنيا، بهذا المستوى الفائق من الفروسية النبيلة.. وإذ لمس الفرس والروم عدالة الإسلام وإنسانيته ورحمته، حيث أوصى الرسول فرسانه أن لا يجهزوا على جريح، ولا يغدروا بمقاتل منهم.. بل إنه بأبي وأمي نهاهم حتى عن قطع الأشجار، والعبث بعناصر البيئة، والإحسان إلى أسراهم وسباياهم.. ولم يفرض على أحد الدخول في دين الله الحنيف.. فمن شاء فليؤمن ومن شاء فليكفر.. ومن هنا فرض الجزية على الذمي لقاء تكفل جهاز الدولة الإسلامية،بتأمين حياته وتسيير أموره، وحريته الدينية.

من هنا جاء الانهيار الداخلي في مجتمعات الأكاسرة والقياصرة، وقد وجدوا في الإسلام رحمة لهم، بعد ظلم طبقي أثقل كواهلهم.. ونوراً بعد ظلام، هو ما هيأ كثيراً منهم للإقبال على دين خاتم الأنبياء، إقبالاً ذاتياً اختيارياً، سقطت إثره أكبر دولتين عالميتين، كانتا تتقاسمان النفوذ والهيمنة على مقدرات العالم في ذلك الزمان.

لماذا حدث هذا..

لأن للمسلمين كان ثمة مشروع، لم ينحصر في الدعوة إلى الدين فحسب، وإنما حبب إلى معتنقيه الحياة.. وقصة ذلك الذي ظن نفسه أنه يرضي الله سبحانه وتعالي، بمكوثه صباح مساء في المسجد عابداً متبتلاً في عهد الخليفة الفاروق عمر أكثر من بليغة، وهو يدعوه رضي الله عنه للخروج من المسجد، والذهاب إلى السوق بحثاً عن عمل يلقمه غذاء هنيئاً له ولأسرته.. حيث كل خطوة يخطوها المسلم في عمله ومعيشته.. في زواجه بامرأة صالحة، وتربية أبناء خيرين منتجين، هي ضروب مختلفة من العبادة. هذا المفهوم هو الذي صيّر العرب والمسلمين في عصور حضارتهم الذهبية، خير أمة أخرجت للناس.. وقد علمت البشرية كيف تعيش.. فإذا بمدرسة الأندلس كتاب مشرق بإبداع المسلمين في فقه النوازل، وجمال العمران، ومنطق الفلسفة، ورقة الشعر.. هو ما جعل أوروبا الكنيسة الظلامية تصحو من غفوتها على تعاليم ابن رشد في إعمال العقل أمام نصوص الدين.. وجاء كتاب "بداية المجتهد ونهاية المقتصد" آية في المساجلة الفقيه بين المذاهب الإسلامية.. تعبيراً عن مساحة القبول بالرأي الأخر.. لا على صعيد الدائرة الإسلامية.. بل الفضاء العالمي، وقد قام رحمه الله بالاطلاع على الفكر اليوناني، وترجمته لأعمال أرسطو، واتخاذه مناهج الجدل منهجاً في تكريس تقاليد سجالية عقلانية، هزمت تهويمات المتصوفة، وإتباعية المشايخ.. منبهاً إلى أن أعظم نعمة وهبت للإنسان.. هي العقل.. هذا الذي نصت عليه آيات الذكر الحكيم في مواقع كثيرة في القرآن المجيد، في تدبر ملكوت الله الكوني الواسع؛ والعمل على تحمل الإنسان المسلم مسؤوليته في عبادته عز وجل وعمارة أرضه؛ والتفكر في سماواته..

لذلك رفض المسلمون سريعاً تلك الحالات النشاز، من حالات الخروج على مفهوم الإسلام الحضاري.. من حركة الخوارج إلى حركة الحشاشين.. نبذتها فلم يكن لها في مجتمعات المسلمين مجيبون.

أما اليوم حيث يتهاوى الإسلام الحضاري.. عبر مجزرة الفكر في اجتياح بغداد سنة 656من جيوش التتار الآسيوية، المطبوعين على العنف والتدمير.. فإن الأمة العربية والإسلامية عاشت ردحاً طويلاً من الأمن، منقطعة عن جذورها الحضارية.. وجاء الاستعمار في العصر الحديث، ليشكل عائقاً جديداً دون تبني العرب والمسلمين زمام أمورهم.. وتسبب حالة الفوضى العامة، منذ نشوء الدولة الوطنية المستقلة، حيث لا مشروعَ حضارياً نهضوياً يقف وراءها، في دخول الأمة نحو نفق مظلم من الانكسارات، فاتجهت الحركات الإسلامية بظلاميتها ودعوتها التدميرية إلى الانفصال عن العصر، في المزيد من المعاناة، حتى أصبحنا نعيش هذا المستوى الرديء من الخطاب، والمستوى الأردأ من الأفعال الشريرة، تطال بسلوكياتها الإرهابية الأبرياء من المسلمين، وهم عُزل حيث لا يعلنون معركة مع أحد، حتى مع المتربصين بهم من قاتليهم!!

يأتي في آخر الزمان قوم حدثاء الأسنان سفهاء الأحلام يقولون من خير قول البرية يمرقون من الإسلام كما يمرق السهم من الرمية لا يجاوز إيمانهم حناجرهم فأينما لقيتموهم فاقتلوهم فإن في قتلهم أجرا لمن قتلهم يوم القيامة

رابط هذا التعليق
شارك

انشئ حساب جديد أو قم بتسجيل دخولك لتتمكن من إضافة تعليق جديد

يجب ان تكون عضوا لدينا لتتمكن من التعليق

انشئ حساب جديد

سجل حسابك الجديد لدينا في الموقع بمنتهي السهوله .

سجل حساب جديد

تسجيل دخول

هل تمتلك حساب بالفعل؟ سجل دخولك من هنا.

سجل دخولك الان
  • المتواجدون الآن   0 أعضاء متواجدين الان

    • لا يوجد أعضاء مسجلون يتصفحون هذه الصفحة
×
×
  • أضف...