sha3ooor بتاريخ: 18 يوليو 2004 تقديم بلاغ مشاركة بتاريخ: 18 يوليو 2004 {ثم عرضهم على الملائكة, فقال أنبئوني بأسماء هؤلاء}, من هم "هؤلاء"؟؟؟ صلاح الدين ابراهيم أبو عرفة إنها سورة البقرة, وفاتحة العلوم والأحكام, وفيها ما فيها من الإشارات لأول الخلق والتكوين, وفيها بانفراد, نبأ الساعات الأولى التي سبقت القرار بآدم, ذلك الحدث الحاسم الذي نمر عليه هكذا, دون واجب تفكير لائق. ذلك أن القرار كان أول ما كان, من الله, وكان هذا بذاته كافيا أن نقف عنده لنسأل: لِمَ؟! وهذا سؤال المؤمن بربه وحكمته وتدبيره, لا سؤال المنكر الجاحد, {أليس الله بأحكم الحاكمين}؟. لنرجع إلى مبدأ سؤالنا, ولنقل أسئلتنا!. - {إني جاعل في الأرض خليفة}. فلماذا الأرض, ومن للسماء؟ - {وعلم آدم الأسماء كلها ثم عرضهم على الملائكة, فقال أنبئوني بأسماء هؤلاء}, من هم هؤلاء الذين عرضهم؟ - {أنبؤني بأسماء هؤلاء, إن كنتم صادقين}, ماذا ادّعى الملائكة حتى يُدعَو إلى بينة "صدقهم"؟, ثم إن سياقها "البشري"-أي لو كنا نحن المتكلمين- أن تكون "إن كنتم تعلمون"؟. - {فلما أنبأهم بأسمائهم قال ألم أقل لكم إني أعلم غيب السموات والارض, وأعلم ما تبدون وما كنتم تكتمون}, ألم يشاهد الملائكة من قبل من قدرة الله ما يثبت العلم لله, ما هو أعظم من سرد آدم لأسماء "هؤلاء", فماذا وراء هذا السرد من آدم, وهذا الاثبات "الآن" من الله؟. - ثم ماذا كان الملائكة يكتمون, وهل كنا نظن أن الملائكة تكتم في أنفسها شيئا؟. ماذا تقول كتب التفسير؟ قبل أن نجيب, نمرّ على ما وصلنا من أقوال المفسرين من قبل, وسبق وقدمنا أن هذه الأقوال لا تعدو محاولات من أصحابها -جزاهم الله خيرا- لفهم نص الكتاب, ما لم تتصل بسند إلى النبي المعصوم محمد عليه الصلاة والسلام, ولا تصل بحال لتتعلق بذات النص فتتلبس فيه, ويصبحا سواءً, فكلام الله شيء, ومحاولات التأويل شيء آخر, لا يحق لأحد أن يحملنا عليه. وجمهور المفسرين على ما "ينسب" إلى ابن عباس رضي الله عنهما, من أنها أسماء الأشياء كلها, حتى القصعة والملعقة, فهي عندهم أسماء المخلوقات كلها, ما كان وما سيكون!. ومنهم من ذهب إلى أنها أسماء الملائكة, أو "قد" تكون أسماء النبييين من ذرية آدم!. وسبق وقدمنا من قبل في "مقدمة لا بد منها", و"حول الموقع", أننا في هذا الدين لا ندين لـ"قد", و"قيل", و"ذهب فلان إلى كذا". فما لم يقل به النبي محمد عليه الصلاة والسلام فليس بدين, بل هو قول وحسب, لنا أن نؤمن, ولنا أن لا نؤمن. فيما الله يرى إن كنا نتتبع البينة والهدى, أم نلحد فيه!. قول الجمهور لا يتفق مع ظاهر النص وعرض السياق!. إذا تفكرنا في قول الجمهور المنسوب إلى ابن عباس رضي الله عنهما, اعترضنا كثير من التساؤل والاضطراب. أولها: أن ضمائر الخطاب, لا تتحدث عن جمادات, أو مخلوقات مطلقة, {ثم عرضهم}, {أنبئوني بأسماء هؤلاء}, {أنبئهم بأسمائهم}, {فلما أنبأهم بأسمائهم}, فلو كان تأويل الجمهور صحيحا, لكانت الآيات هكذا: "وعلم آدم الاسماء كلها ثم عرضها على الملائكة, فقال أنبؤني بأسماء هذه إن كنتم صادقين.... قال يا آدم أنبئم بأسمائها, فلما أنبأهم بأسمائها.."!. فمن منا يعرض ألف قصعة, ثم يقول: احصوا لنا "هؤلاء" القصاع؟. وحتى إن كانوا مليار إنسان, ومليار دابة, ومليار قصعة, ومليار نبتة, فلا يستوي البتة أن يشير أحد إليها جميعها فيسألنا: من هؤلاء؟, وهو يريد الجميع المنظور. فلا يحسن أن تدخل الدواب والنباتات والجمادات تحت "هؤلاء"!. هذا إلى جانب اضطراب التأويل مع سياق الموضوع, وارتباطه بما قبله وما يليه من المبنيات والمتتاليات على ما جرى بعدها. فلا يعقل أبدا أن الملائكة لا تعلم من المعروضات شيئا, وهي لتوها تقول: {أتجعل فيها من يفسد فيها ويسفك الدماء}, فالأرض, وما فيها, والدماء ومن سفكها ومن تسفك منه, كانت معلومة عند الملائكة, فليس أقل من أن تجيب عما تعلم, وتمسك عما لا تعلم. وإلا صار قولها: {لا علم لنا} كذبا محضا!. ثم أن كانت "الاسماء كلها", تجمع الاشياء كلها, كما يروي المفسرون, لوجب أن يكون الملائكة المسئولون ضمن هذه الاشياء نفسها, ولوجب عليها أن تعلم أسماء أنفسها هي, ولا يقبل بعدها أن تقول: "لا علم لنا"!. إلا أن يكون ما بدا للملائكة مما عرض عليهم شيئا لا تعلمه البتة ولم تره من قبل, فما هو, وماذا يكون؟!. ولا يبعد أبدا, بل والأولى أن يكون آدم عُلّم أسماء ما قد يخطر له في معيشته وأمره, ليتخاطب بها من بَعد {علمه البيان}, ولكن أن يكون علّم أسماء "كل الأشياء" ففيها نظر!, إذ قد نبتدع للتو شيئا ما, ثم نبتدع له إسما ما لا أصل له, فما لآدم في هذا الاسم؟. وإن كان آدم تعلم ما رآه وما سيراه وما لن يراه, فما فائدتها لنا نحن, إن سميناها بغير اعتماد على ما عند آدم؟. أما الآية التي نحن بصددها {وعلم آدم الأسماء كلها}, فيظهر أنه شيء عظيم آخر, استنفر الملائكة, واستثار حماسها وتنافسها, فما هو؟. وإذا رفضنا التأويل القديم لاضطرابه مع السياقين السابق واللاحق, وجب علينا نحن إن تقدمنا بفهم ما, أن نأتي بتأويل مضطرد يسد خلل اضطراب التأويل الأول. فأيما فهم مطروح, وجب أن يأخذ بأطراف السياق والدلالات والمقاصد, ليشدها جميعا بعضها إلى بعض, لنخرج بصورة متسقة من أولها إلى آخرها. كيف نفهمها إذا؟. فالآيات من أول السورة, جاءت لتفصل بين المؤمنين وبين الكافرين, بين المصلحين والمفسدين في الأرض, وتلكم هي مناطات الاستخلاف في الأرض, {وإذا قيل لهم لا تفسدوا في الأرض قالوا إنما نحن مصلحون, إلا إنهم هم المفسدون ولكن لا يشعرون, وإذا قيل لهم آمنوا كما آمن الناس قالوا أنؤمن كما آمن السفهاء}. فهذه هي المرتكزات والاصول الأولى, من سيؤمن ومن سيكفر! ثم تسترسل الآيات حتى تصل إلى {كيف تكفرون بالله وكنتم أمواتا فأحياكم, ثم يميتكم ثم يحييكم ثم إليه ترجعون, هو الذي خلق لكم ما في الأرض جميعا ثم استوى إلى السماء فسواهن سبع سموات وهو بكل شيء عليم, وإذ قال ربك للملائكة إني جاعل في الأرض خليفة}, فانسياب السياق ابتداء من الإيمان والكفر إلى الاستخلاف في الأرض جلي لِعيان. ثم ما تلبث القصة أن تصل إلى هذا المعقد الأول مباشرة بعد هبوط "الفريقين الضدين" إلى الأرض ليوصي الله بهذا المعقد الأصل مرة أخرى {قلنا اهبطوا منها جميعا فإما يأتينكم من هدى فمن تبع هداي فلا خوف عليهم ولا هم يحزنون, والذين كفروا وكذبوا بآياتنا فؤلئك أصحاب النار هم فيها خالدون}. ومن أجل أننا لا نرى المفسرين يبنون موضوعا موحدا لتأويل مشكل ما, فأن يقول أحدهم في معرض تأويله لأسماء "هؤلاء": هي أسماء الأشياء, ثم لا يبني ما يرى على السياقات والمباني المشتركة للسورة نفسها, أو يقول: هي أسماء النبيين, هكذا دون بناء موضوعي, ولا إسناد دلالي, يشد مذهبه ويقنع سامعه, بل قول بظن وحسب, فهذا ما لا يصلح أن يكون تأويلا, مهما علا شأن قائله من دون النبي. فمن هذا الباب نلج أية الاستخلاف, وبهذا المفتاح نفتح مكامنها, ونحن مطمئنون مستندون إلى شديد, إلا وهو السياق الموضوعي الذي لا يخلو منه كلام الناس, عدا أن يخلو منه كلام الرب الحكيم. عود على بدء {إن كنتم صادقين}, وماذا كانت دعوى الملائكة التي تلزمهم بينة الصدق؟ الملائكة بنص الآية ادعوا ادعاءين, {أتجعل فيها من يفسد فيها ويسفك الدماء}, وهذه هي الاولى, ثم {ونحن نسبح بحمدك ونقدس لك}, وهذه الثانية. أما الأولى فما جرى بعد هبوط آدم إلى "الأرض" كان بينة على صدقهم, إذ ما لبث أن سفك ابن آدم دم أخيه, فكتب الله {من أجل ذلك كتبنا على بني إسرائيل أنه من قتل نفسا بغير نفس أو فساد في الأرض}, فها هو السفك, وها هو الإفساد, فهذه مضت وبان صوابهم بها. وأما الثانية, فهي معقد الحدث والحديث, {ونحن نسبح بحمدك ونقدس لك}, {لك}؟!, وفيها ما فيها من الاختيارية والانتقائية من العابد للمعبود, فهل كان هناك أمام الملائكة "عرض آخر" أو رب آخر –تعالى الله- لتختار الملائكة أن تسبح "لك" دونه؟ ولواكتفت الملائكة بذكر الفعل نفسه لكان قولها صوابا عادلا, أما "لك", فهذه ما أوجبت النظر, واستلزمت السؤال!. فهل هناك رب غير الله, تعالى الله؟ وإن كانت الملائكة صادقة بدعوى الاختيار "لك", فلتنبئ بأسماء هؤلاء! فلو كان في بلد ما طبيب واحد وليس فيها غيره, فجاءه رجل ما ليثني عليه فقال: إننا في هذه البلد لا نتطبب إلا عندك, ولا نثق إلا بك!. لكان في قوله نظر. إذا الرجل لا يملك أصلا أن يتطبب عند غيره, فهذا ليس محل اختيار صالح!. كذلك فعلت الملائكة, فذكرت ما يفعله المختار, في محل لا يصلح فيه الاختيار! فالملائكة بالإجماع لا تعصي الله, وهي لا تطيعه باختيار, بل هي مفطورة على الطاعة لله, ولذلك ليس لها ثواب ولا عقاب, ولو كانت مختارة لجوزيت على اختيارها. {لا يعصون الله ما أمرهم ويفعلون ما يؤمرون}. ومن أجل فطرتها على التوحيد لله, وأن ليس في علمها غير الله لم تحر جوابا, {سبحانك, لا علم لنا إلا ماعلمتنا}, و"هؤلاء", ليسوا مما نعلم!. فمن هم "هؤلاء"؟. قبل أن نبدأ بـ"هؤلاء", نلفت أن الله عقدها على "أسماء" هؤلاء, ولم يقل أنبؤني بهؤلاء, بل المطلوب هو "الاسماء", فالاسماء وهؤلاء هما عقدة الجواب. "الأسماء" وما أدراك ما الأسماء! الأسماء في القرآن بهذا الذكر الصريح لم ترد إلا في اثنتين, إما بما يراد به الله الأوحد {ولله الأسماء الحسنى}, وإما بما يراد به "الأنداد" وما يعبد من دون الله عموما. والملائكة لا تختار, ولهذا لم يعلموا "أسماء" هؤلاء, أما المخلوق الجديد, فخلق يختار, وحتى يختار, فله عند الله أن يفطر فيه و"يعلمه" الخيارين ويهديه النجدين, ثم يسأله ربه ما يشاء, ليختار هو بعدها ما يشاء!. وكما ذكرنا آنفا, فالأسماء في كتاب الرب لا إله إلا هو, واحدة من اثنتين, إما أسماؤه هو, أو أسماء الأنداد التي يتخذها "الكافرون المختارون لأفعالهم" الذين افتتحت السورة عليهم وعلى نقيضم من المؤمنين. "فالأسماء الحسنى" التي لا تنبغي إلا للرب الأوحد لا إله إلا هو, ذكرت في الكتاب أربع مرات, في الأعراف, وفي الأسراء وفي طه وفي الحشر, وقصة آدم حاضرة صراحة في الثلاثة الأوَل منها. أما أسماء "الأنداد" –تعالى الله عن الند والشبيه-, فهي في الأعراف كذلك أولا, وهذا وحده محل إشارة والتفات, أن تجتمع "الأسماء" وتذكر أول ما تذكر بضديها, في المحل الواحد, وفي السورة التي تتحدث بالذات عن الفرق بين الفريقين من المؤمنين والكافرين!. وجاء الذكر على لسان هود {أتجادلونني في أسماء سميتموها أنتم وآباؤكم}, وفي يوسف {ما تعبدون من دون الله إلا أسماء}, وفي النجم {إن هي إلا أسماء سميتموها أنتم وآباؤكم}. ولا عجب نجد الآيات القليلة التي تسبق هذا الحدث العظيم من سورة البقرة, تنفّر وتحذر من عبادة "الأنداد", راجعة "بالناس" جميعا بفريقيهم إلى أصلهم الأول وآبائهم الأولين,{يا أيها الناس اعبدوا ربكم الذي خلقكم والذين من قبلكم لعلكم تتقون, الذي جعل لكم الأرض فراشا والسماء بناء وأنزل من السماء ماء فأخرج به من الثمرات رزقا لكم, فلا تجعلوا لله أندادا وأنتم تعلمون}. وآية "الخليفة" هي الآية التاسعة من عند هذه الآية. فها هي "الأنداد", وها هو نهي الرب عنها, وها هي حجة الرب فيها علينا, {وأنتم تعلمون}, فقد سبق وعلمها أباكم من قبل {وعلم آدم الأسماء كلها}!. {ثم عرضهم.. هؤلاء.. أنبئهم بأسمائهم} وآيات سورة الأعراف تسند ما نقول بسند قوي صريح {وإذ أخذ ربك من بني آدم من ظهورهم ذريتهم, وأشهدهم على أنفسهم ألست بربكم, قالوا بلى شهدنا, أن تقولوا يوم القيامة إنا كنا عن هذا غافلين, أو تقولوا إنما أشرك آباؤنا من قبل وكنا ذرية من بعدهم, أفتهلكنا بما فعل المبطلون}. ففي هذه الآيات حديث صحيح صريح , يشرح أن الله مسح على ظهر آدم فأخرج منه ذريته وأشهدهم على ما تلت الآيات, وفي هذا ما فيه من التقرير, أننا جميعا قد عُلّمنا ألا نشرك بالله شيئا, وهذا يقتضي أننا علّمنا ما علينا اجتنابه من دواعي الشرك, بعدما أقررنا لربنا بالوحدانية, ولا يكون هذا حتى يتم الله حجته, "فيعلمنا" "كل" الأسماء والمسميات التي قد نشرك بها, ثم ينهانا عنه {فلا تجعلوا لله أندادا وأنتم تعلمون}!. لماذا الإشارة للعاقل, وهي أوثان وأصنام؟. لعل ما لم يُجب عليه في التفاسير ولم يشف سائلا, ذلك السؤال: لماذا الإشارة إلى العاقل؟. فكان المؤولون كلهم يسألون هذا السؤال ويقفون عنده, وهذا أبلغ دليل أنه عرض مشكل, وإلا لما سأل أحد. ولكنهم تأولوها على ما لا يقنع ولا يرضي. بيد أن القرآن يكشفها بجلاء, فحيثما وردت الأنداد والأصنام في القرآن, اُنزلت منزلة العواقل, ولعل أجلاها ما تكشفه سورة الأنبياء -ولا شك أنهم هم الخلفاء المقصودون بـ {إني جاعل في الأرض خليفة}-, فتتبع معنا خطاب إبراهيم عليه الصلاة والسلام في الآيات من سورة الأنبياء "الخلفاء", وكيف تَعرض الضمائر بشكل لا يدع مجالا للشك. {ولقد آتينا ابراهيم رشده من قبل وكنا به عالمين, إذ قال لأبيه وقومه ما هذه التماثيل التي أنتم لها عاكفون, قالوا وجدنا آباءنا لها عابدين, قال لقد كنتم أنتم وأباؤكم في ضلال مبين, قالوا أجئتنا بالحق أم أنت من اللاعبين, قال بل ربكم رب السموات والأرض الذي فطرهن وأنا على ذلكم من الشاهدين, وتالله لأكيدن أصنامكم بعد أن تولوا مدبرين, فجعلهم -تحول الضمير إلى العاقل- جذاذا إلا كبيرا لهم لعلهم إليه يرجعون, قالوا من فعل هذا بآلهتنا إنه لمن الظالمين, قالوا سمعنا فتى يذكرهم يقال له إبراهيم, قالوا فأتوا به على أعين الناس لعلهم يشهدون, قالوا أأنت فعلت هذا بآلهتنا يا ابراهيم, قال بل فعله كبيرهم هذا فاسألوهم إن كانوا ينطقون, فرجعوا إلى أنفسهم فقالوا إنكم أنتم الظالمون, ثم نكسوا على رؤوسهم لقد علمت ما هؤلاء ينطقون}!. ولعل أشد ما يؤازر ما نقول, تعبير القرآن نفسه بضمير العاقل, {فجعلهم جذاذا إلا كبيرا لهم}, فهي عند الله تماثيل لا تعقل البتة, ومع ذلك وصفهم وصف العاقل بضمير العاقل. ثم {لقد علمت ما هؤلاء ينطقون} تماما كالتي في {أنبؤوني بأسماء هؤلاء}. ثم تتابع آيات سورة الأنبياء "الخلفاء" لتختم على معاقدها الرئيسة من التوحيد ونفي الأنداد, حتى تصل آواخرها على {إنكم وما تعبدون من دون الله حصب جهنم أنتم لها واردون, لو كان هؤلاء آلهة ما وردوها}, وهل أبلغ من {هؤلاء آلهة}؟!. ولنرجع إلى أوائل سورة الأنبياء لنقرأ ما يشد أزر مقالنا {أم اتخذوا آلهة من الأرض هم ينشرون, لو كان فيهما آلهة إلا الله لفسدتا, فسبحن الله رب العرش عما يصفون, لا يسأل عما يفعل وهم يسألون}. إنها الآيات المباشرة بعد وصف الملائكة, والمباشرة قبل وصفهم كذلك, وكلها عزائم للتوحيد ونفي الشريك والند. ألعلها أجوبة لنا بني آدم, وأجوبة للملائكة السائلين؟!. {وأعلم ما تبدون وما كنتم تكتمون}, ماذا كانت تكتم الملائكة؟. الملائكة خلق طائع بالفطرة, لا يفعل المعصية {لا يعصون الله ما أمرهم}, ولكنها تعقل وتقترح وتقدم وتقدر, فماذا يكون من يسأل هكذا سؤال {أتجعل فيها من يفسد فيها ويسفك الدماء}, ثم هو يصيب تماما بتقديره ورأيه, وماذا يكون من يدعوا بهذا الدعاء ويختم بتلك الخاتمة, {ربنا وأدخلهم جنات عدن التي وعدتهم ومن صلح من آبائهم وأزواجهم وذرياتهم إنك أنت العزيز الحكيم, وقهم السيئات, ومن تق السيئات يومئذ فقد رحمته, وذلك هو الفوز العظيم}. ثم ما هذا الخلق الذي يقف على رؤوس الأشهاد فيبكّت الظالمين ويعاتبهم {ألم يأتكم رسل منكم يتلون عليكم آيات ربكم وينذرونكم لقاء يومكم هذا}؟. إنه خلق عاقل بلاريب, مدرك متنبه, معلم واع. فماذا يكتم ذلك الخلق العاقل المعلم؟. جواب السؤال يتعلق ابتداء برأس الآية الأم في هذا الباب, وهي {إني جاعل في الأرض خليفة}, فلماذا تتجه الملائكة مباشرة إلى ما يجوز لنا أن نسميه "الافتراض السلبي" في الخليفة المنتظر, {أتجعل فيها من يفسد فيها ويسفك الدماء}؟, وهو السؤال أو الافتراض الذي حير المتدبرين والمؤولين, فلم يقفوا له على داع ولا جواب, وكل ما عليه التفاسير إنما هو من أعلى درجات الظن والتخريص. ولا تعدو بحال أن تكون مجرد استنتاجات فرضية لا يقوم بها برهان. ولا داعي لعرضها ونقلها هنا, فلا يخلو منها كتاب تفسير لمن يسأل عنها. وعندما بدأنا بحثنا, استقبلناه بالسؤال الأول: "لماذا الأرض ومن للسماء"؟. فنجد ظاهرا جليا أن "الأرض" بذاتها كانت من محلات الإثارة ودوافع الاستفسار لدى الملائكة, ثم نجد الملائكة تقدم لاقتراحها بتسبيحها وتقديسها, فلماذا هذا التقديم التنافسي, وعلى ماذا , مع من؟!. قلنا من قبل إن الملائكة خلق طائع بالفطرة, لا يعصي ولا يخالف, ثم هو لا يفتتن أصلا ليختار بين المعصية والطاعة, وبين المخالفة والاستقامة, وقلنا أن لا مثوبة لها ولا عقاب, على ما فطرت عليه من أحادية الوجهة على الطاعة والاستقامة. وهذا مقرر عند أهل العلم جميعهم ولا خلاف فيه. ولكن ما لم يكن ظاهرا, ولم يجب عليه بشاف, هذا النص العلوي الجليل {وأعلم ما تبدون وما كنتم تكتمون}. فما يجب تبيانه الآن هو أن الملائكة ليست مخلوقات صماء كالآلة, لا تعقل ولا تفكر ولا تسنتج ولا تقترح. بل هي خلاف هذا كله, وسبق وقدمنا دليلنا على هذا, وآية الاستخلاف وما بدا منهم من الاستفسار والاستغراب , ثم من التقديم والاقتراح لخير دليل عندنا. إذا هي مخلوقات تدرك ما حولها جيدا, وتتابع بانتباه. وتتوقع بناء على ما عندها من العلم!. فماذا كان عندها من العلم, وماذا كان "بداخلها", لم يبد عليها ولم يظهر منها, حتى سرد آدم "الأسماء"؟. ثم جواب الرب العظيم مباشرة موجها لها {ألم أقل لكم... وأعلم ما تبدون وما كنتم تكتمون}. ولا يعتد أبدا بقول من قال: إن الله خاطب الملائكة وكان يريد ابليس!. فما الذي يمنع الله من توجيه الأمر والخطاب له, وقد جرى وقرّعه ولعنه, ونحن نخاطب الضعيف ونريد القوي, ونخاطب الوضيع ونريد العزيز, وليس العكس أبدا, فلا نخاطب الوزير ونريد الحاجب!. ما هذه "الاسماء" التي كشفت ما كشفت وبدا بسببها ما بدا؟!. كما سبق وقدمنا, فإنما كانت "الأسماء" أسماء " الأنداد" التي "ستعبد" في "الأرض", ولم تكن آية الاستخلاف بمعزل عن ما سبقها من تقرير دواعي "الإيمان" ودواعي "الكفر", ثم ما سبقها بثمان آيات من هدى الرب العظيم, بالتحذير والتنفير من "الأنداد"!. وما تلاها مباشرة {إلا ابليس أبى واستكبر وكان من الكافرين}. إذا ماذا؟ إنها واضحة من اللحظة التي أشار فيها الرب الأوحد الى الملائكة مباشرة بعد ذكر "الأنداد", {وأعلم ما تبدون وما كنتم تكتمون}, فهل كان للأنداد علاقة بما تكتمه الملائكة؟!. لا يشك أحدنا أن الملائكة على أعلى درجات التوحيد لله الواحد, ولم يكن في نفسها شيئ من الشرك, إنما كان في نفسها شيء من "السؤال", بدليل أن "جواب" آدم كان "جوابا" لها هي ولما تكتمه في نفسها. وإلا فليقل لنا بقوة من يرى غير هذا, عن العلاقة بين "الاسماء" وبين "ما كنتم تكتمون"؟!. سورة الأنبياء "الخلفاء" مفاتيح "الأسماء"!. هذه السورة, والقرآن كله يرفد بعضه لبعض ويصدق بعضه بعضا بوصف النبي الإمام محمد عليه الصلاة والسلام له, فوجب أن نبحث عن "المصداق" في الآيات الأخر والسور الأخريات. فماذا تقول سورة "الخلفاء"؟. فلنتدبر معا, {ومن عنده لا يستكبرون عن عبادته ولا يستحسرون, يسبحون الليل والنهار لا يفترون, أم اتخذوا آلهة من "الأرض" هم ينشرون, لو كان فيهما آلهة إلا الله لفسدتا, فسبحان الله رب العرش عما يصفون, لا يسأل عما يفعل وهم يسألون, أم اتخذوا من دونه آلهة, قل هاتوا برهانكم, هذا ذكر من معي وذكر من قبلي},.. {أولم ير الذين كفروا أن السموات والأرض كانتا رتقا ففتقناهما}؟!. لنبدأ من {أم اتخذوا آلهة من "الأرض"}, ولنقف عند تخصيص "الأرض", لنقارنها بالآية بعد التي تليها {أم اتخذوا من دونه آلهة}, ولننتبه إلى{من دونه} وما فيها من التعميم وزوال التخصيص, خلافا لسابقتها!. فهل في هذه الآيات كشف لمكنون الملائكة ابتداء ومكنون الناس من بني آدم وما يبدون, ثم الجواب الصريح لكلا الخلقين من الملائكة والناس { لو كان فيهما آلهة إلا الله لفسدتا}, ولنتدبر الآية كلمة كلمة, فمن هذا الذي يريد أن يطمئن إلى عدم الآلهة الأخرى "فيهما"؟!. ومن الذي ابتدأ تقديره وظنه "بالأفساد"؟, وكنا سألنا لماذا تفترض الملائكة "الإفساد" مباشرة فيما يخص "الأرض"؟, ولماذا يجمع الله بين "الإفساد" وبين "الآلهة الاخرى"؟!. {أولم ير الذين كفروا أن السموات والأرض كانتا رتقا ففتقناهما}, فانفتقت الأرض عن السماء, فهل انفتقت عن أمر إله السماء فتفسد؟, { لو كان فيهما آلهة إلا الله لفسدتا}. فهذا هو الجواب, فمن صاحب السؤال؟!. فليست الملائكة بأوثق إيمانا من ابراهيم الذي رأى الملكوت, فسأل ليطمئن. ولعلها كتمت سؤالا وتريد أن تطمئن!. فأجيبت بالبليغ الدامغ, وأجيبت بالنذير الصارف {لا يسبقونه بالقول وهم بأمره يعملون, ولا يشفعون إلا لمن ارتضى وهم من خشيته مشفقون, ومن يقل منهم إني إله من دونه فذلك نجزيه جهنم, كذلك نجزي الظالمين}!. من كان منا يظن أن الملائكة قد تصل إلى هذا؟!. خواتم سورة الانبياء "الخلفاء" والبينة الظاهرة هكذا تتوالى آيات "الانبياء" حتى تأتي من قِبل آخرها على هذا {إنكم وما تعبدون من دون الله (الأنداد) حصب جهنم أنتم لها واردون, لو كان هؤلاء آلهة ما وردوها, وكل فيها خالدون}. مرة أخرى {هؤلاء آلهة}, {أنبؤني يأسماء هؤلاء}!. وبالاعتماد على ما تسند به سورة الأنبياء "الخلفاء" ما نقول من أن "الأسماء" إنما هي أسماء الآلهة الأنداد –تعالى الله-, بالاعتماد على هذا, فهل لنا أن نتوقع أن نجد أكثر ذكر للفظ "الآلهة" في هذه السورة, سورة الخلفاء الذين أرسلوا من أجل لا إله إلا الله, واجتناب الطاغوت, فهل نتوقع هذا؟. نعم.. فقد ذكر لفظ "الآلهة" فيها أكثر بثلاثة أضعاف مما سواها من السور, بواقع تسع مرات إلى ثلاث للتي تليها بالمجموع, فهل لنا أن نقرأ علاقة وثيقة بين "الخليفة النبي" و"الآلهة الند"؟. ومما لاحظنا أيضا, أن سورة الأنبياء هي السورة ذات الترتيب الواحد والعشرين في المصحف, فماذا نتوقع أن تكون الآية الواحدة والعشرون في السورة الواحدة والعشرين؟. إنها هذه الآية {أم اتخذوا آلهة من الأرض}؟. وهي تختصر البحث كله وتؤكده, من عند {إني جاعل في الأرض خليفة}. فها هي الأرض, وها هو الخليفة, وها هي الآلهة الأنداد!. ملاحظة مهمة تتبعنا السور التي ذكرت قصة آدم وأمر الله للملائكة بالسجود, فكانت سبع سور "البقرة, الأعراف, الحجر, الإسراء, الكهف, طه, ص", فوجدنا البقرة تختلف عن السور التي تليها بأن الله لم يرم ابليس بالكفر –وهو كافر بربه- إلا فيها وفي السورة الاخيرة في ترتيب ذكر القصة, أي في سورة " ص", والغريب المتفِق بين السورتين أيضا, أن الاستخلاف ذكر صريحا في السورتين, وكان في الثانية صريحا واضحا أن الاستخلاف كان للنبي, وكان داود {يا داود إنا جعلناك خليفة في "الأرض"}, ثم اقرأوا بعدها مباشرة {وما خلقنا السماء والأرض وما بينهما باطلا, ذلك ظن الذين كفروا, فويل للذين كفروا من النار, أم نجعل الذين آمنوا وعملوا الصالحات كالمفسدين في الأرض}. فهذه هي المعاقد الكبرى "السماء والأرض", "المؤمنون المصلحون والكافرون المفسدون". وعلى ماذا اختتمت سورة البقرة صاحبة آية الاستخلاف؟ قلنا في معرض الاستدلال والاعتماد على السياقات والبناء الواحد للموضوع, أن السورة من أولها بدأت لترسخ وتفصل بين فريقين, من آمن ومن كفر, واعتمدنا على هذه لتقرير حجتنا بأن "الأسماء" كانت لبنة في هذا البناء الموحد لنفي الند عن الإله الأوحد, وأن مكان الآية في أول القرآن –الآية 31 من البقرة- يؤكد صدارتها وأصالتها في تقرير عقيدة التوحيد القائمة على نفي الند والشريك. حتى إذا توالت أدلة التوحيد بتوالي آيات البقرة, اختتم بناؤها على التقرير العظيم في الخاتمة المهيبة على كثير مما ذهبنا إليه, وليتدبر معنا من تدبر.. {لله ما في السموات وما في الأرض, وإن تبدو ما في أنفسكم أو تخفوه يحاسبكم به الله......... أنت مولانا فانصرنا على القوم الكافرين}. ها هي صراحة تختم على الأصول التي ذهبنا إليها, من تأكيد أن "الأرض" والسماء لله, ولا إله فيهما إلا الله, وعلى الأصل الثاني "من يؤمن ومن يكفر", فانصرنا على القوم الكافرين!. مختصر جامع "فالأسماء" والله أعلم, وكما يظهرلنا من ظاهر القرآن, واحدة من اثنتين, إما أسماء الله الحسنى, أو أسماء"الأنداد" وما يعبد من دون الله, ولما كانت الملائكة أكثر خلق الله معرفة بأسمائه الحسنى, ولم تعلم البتة "أسماء هؤلاء" الذين عرضوا عليها, وجب أن تكون "الاسماء" الثانية أسماء الأنداد, تعالى صاحب الاسماء الحسنى. وأنه لا محل البتة لما يذهب إليه الأكابر من العلماء جزاهم الله عنا كل خير بما أسلفوا, إلى أنها أسماء "الأشياء" كلها, وأنها اللغات والألسن, فهل كانت الملائكة بلا لغة ولا لسان؟. وأنا ومعي كثير من المؤمنين لا نستحيي من الحق أن نقول: إننا لم نكن مطمئنين إلى ما تنقله التفاسير, فكيف بخلق عظيم على رأسه أمين الوحي الذي علّم النبيين, ويشهد السماء وما فيها, ويرى العرش والملكوت, ثم لم يكن ليعرف أن هذه شجرة وهذا قلم؟!. اللهم لا علم لنا إلا ما علمتنا, فاغفر لنا زلتنا وحوبتنا اللهم إن كان هذا صوابا فأجرنا عليه, وإن باطلا فاعذرنا عليه شَهِدَ اللَّهُ أَنَّهُ لَا إِلَهَ إِلَّا هُوَ وَالْمَلَائِكَةُ وَأُولُو الْعِلْمِ قَائِمًا بِالْقِسْطِ لَا إِلَهَ إِلَّا هُوَ الْعَزِيزُ الْحَكِيمُ رابط هذا التعليق شارك المزيد من خيارات المشاركة
Gharib fi el zolomat بتاريخ: 18 يوليو 2004 تقديم بلاغ مشاركة بتاريخ: 18 يوليو 2004 البعض يعانى من ضيق الأفق وَلاَ تُعْجِبْكَ أَمْوَالُهُمْ وَأَوْلاَدُهُمْ إِنَّمَا يُرِيدُ اللّهُ أَن يُعَذِّبَهُم بِهَا فِي الدُّنْيَا وَتَزْهَقَ أَنفُسُهُمْ وَهُمْ كَافِرُونَ لقد کفر الذين قالوا إن الله ثالث ثلاثه رابط هذا التعليق شارك المزيد من خيارات المشاركة
Recommended Posts
انشئ حساب جديد أو قم بتسجيل دخولك لتتمكن من إضافة تعليق جديد
يجب ان تكون عضوا لدينا لتتمكن من التعليق
انشئ حساب جديد
سجل حسابك الجديد لدينا في الموقع بمنتهي السهوله .
سجل حساب جديدتسجيل دخول
هل تمتلك حساب بالفعل؟ سجل دخولك من هنا.
سجل دخولك الان