اذهب إلى المحتوى
محاورات المصريين

رجال اسقطهم النظام


سكر

Recommended Posts

يوجد رجال كثر كانوا خارج دائرة النظام من البدايه

واخريين كانوا داخل النظام ولكن تم اسقطهم فخرجوا من دائرة النظام

هولا الرجال قد نتختلف او نتفق معهم ولكن الحقيقه الوحيدة لهم انهم لم يكونوا على وفاق جيد مع النظام قبل سقوطه

رابط هذا التعليق
شارك

كمال الجنزورى

بغض النظر عن حالة الحياة السياسية فى مصر، ورغم أمراضها التى تبقيها طيلة الوقت حبيسة غرفة العناية المركزة، يبقى كرمها على الناس ممثلا فى إتاحة وضع يسمح للمصريين باستخدامه فى التنفيس عن غضبهم بالسب، أو التماس العذر لقلة حيلتهم، بجانب توفير هوامش للنميمة تتسع كلما ساء الوضع أكثر، أما عن أفضل ما تمنحه الحياة السياسية فى مصر للناس فلن تجد أفضل من الألغاز ،حيث تمر الفترة وراء الفترة ولا ينسى الوسط السياسى أن يلقى للناس فى الشوارع بشخصية تمثل علامة استفهام كبرى تموت دون أن يحصل لها الناس على إجابة.

يمكنك أن تعتبرها فوازير يستخدمها النظام لإلهاء الناس أو تسليتهم لحين تمرير مشروع معين أو عبور مرحلة ما، ولمنتصف التسعينيات فزورة كبرى لم تتضح بعد ملامح حلولها رغم مرور أكثر من 14 سنة تقريبا على طرحها بالأسواق، فزورة بدأت فى يناير 1996 وانتهت حبكتها فى أكتوبر 1999 تحت عنوان حكومة الدكتور كمال الجنزورى، راحت الحكومة بأفعالها وشخوصها الثانويين وكالعادة لم يفتح لها أحد دفاتر حساباتها، وبقى كمال الجنزورى كشخص بالمعركة الدائرة حوله بين فريقين، الأول أغلبه شعبى مناصر له لدرجة الترحم على أيامه والتمنى بعودتها، والثانى فريق معاد أغلبه حكومى ونخبوى يتحدث عن فساد وسوء إدارة وحكومة ذهبت بمصر إلى داهية مازلنا نحاول العودة منها حتى الآن، وسواء تعمد الجنزورى أو لم يتعمد أن يكون حلقة جديدة من صراع الدولة ونخبتها مع الناس فى الشوارع فإنه يمثل بتلك الحالة لغز التسعينيات السياسى.

الجنزورى الذى ولد فى سنة 1933 بالمنوفية وتولى رئاسة وزراء مصر لمدة ثلاث سنوات بدأها فى 96 برعاية من الرئيس مبارك قائلا فى خطاب تكليفه للجنزورى: (نحن على أبواب مرحلة جديدة فى مسيرة العمل الوطنى وجولة متقدمة فى الإصلاح الاقتصادى، مرحلة تحقيق نهضة كبرى تستثمر كل طاقات المجتمع ، وتنطلق بها نحو الغايات والآمال الكبرى ومن هنا كان اختيارى للدكتور كمال الجنزورى لخبرته وكفاءته ولكى يعطى دفعة قوية وحيوية للمرحلة المقبلة).

هذا رأى الرئيس مبارك فى الدكتور الجنزورى، وهو الرأى الذى لم يستمر سوى ثلاث سنوات خرج بعدها الجنزورى من الحكومة مستقيلا كما يحب هو أن يقول وكما اعتدنا نحن أن أى استقالة حكومة هى فى الأصل إقالة رئاسية، المهم لم يكن خروج الجنزورى فى 1999 خروجا هادئا، بل جاء مصاحبا لموجة هجوم غير معتادة، تميزت بأنها جاءت من طرف الحكومة وأحيانا على لسان المتحدثين الشرعيين باسم الدولة فى هذا التوقيت، مثل سمير رجب رئيس تحرير الجمهورية السابق الذى قال وقتها: « لم ينفذ الجنزورى ما كان يبحث عنه الرئيس من زيادة لمعدل النمو، وخلق فرص عمل جديدة، وتنشيط السياحة، وزيادة مشاريع الإسكان، بالإضافة إلى أنه تمتع بغرور زائد وحب الذات والشللية وتمتعت حكومته بالضعف الإدارى والانفصالية والجزر المنعزلة». هذا ما قاله سمير رجب ، ووقتها كان إذا تكلم سمير رجب فالدولة هى التى تتكلم.

من هنا ومن هذا التناقض فى استقبال الرجل وتوديعه، تضخم لغز الجنزورى وحكومته، خاصة إذا أضفنا موجة الحب والثقة العالية التى منحها الشعب لكمال الجنزورى بشكل لم يحدث مع رئيس وزراء سابق أو حتى لاحق.

الواقع يقول إن حكومة الجنزورى لم تغرد خارج سرب حكومات الرئيس مبارك المتلاحقة منذ 1981 فقد كانت حكومة سكرتارية نجحت فى تنفيذ بعض المهمات وفشلت فى إنجاز ما وعدت به، ولم تنس أن تترك المزيد من المصائب والأعباء للشعب بعد رحيلها، غير أن بعض الخصوصية تمتعت بها حكومة الدكتور الجنزورى الرجل الذى عمل فى كنف الدولة منذ كان أستاذا بمعهد التخطيط عام 1973 وأصبح وزيرا للتخطيط فى الحكومات المتعاقبة منذ 1982 وحتى رئاسته للوزراء بعد ذلك بـ12عاما، خصوصية حكومة الجنزورى جاءت من المشروعات الكبرى التى بدأتها الحكومة وحصلت بها على لقب «حكومة المشروعات العملاقة» بغض النظر عن فشل هذه المشروعات أو جدواها.

حكومة الدكتور الجنزورى ذات الثلاثة أعوام بدأت فى أربعة مشروعات عملاقة دفعة واحدة، بداية من توشكى ومشروع غرب خليج السويس وتوصيل المياه لسيناء «ترعة السلام» انتهاء بمشروع شرق تفريعة بورسعيد، لا تندهش كثيرا إذا لاحظت أن الدولة مازالت وبعد 10 سنوات تتحدث عن المشروعات الأربعة وكأنها حديثة العهد أو أن المعارضة تتحدث عن نفس المشروعات الأربعة وكأنها مصائب كلها فساد ونتائجها فشل تحملت خزينة الدولة محاولات ترميمه.

المشروعات الأربعة والتى يستخدمها البعض لتقييم حكومة الجنزورى سواء بالسلب أو الإيجاب تبدو غير صالحة لهذا الغرض، لأن مدة الثلاث سنوات التى قضاها الجنزورى فى الحكومة قصيرة جدا لإنقاذه من تعليق فشل المشروعات الأربعة فى عنقه، خاصة مع تجاهل الحكومة التالية له -حكومة الدكتور عبيد- للمشروعات الكبرى وكأنها كانت تخص الجنزورى لا الدولة.

غير أن عدم إدراك الدكتور الجنزورى الرجل المشهور بأنه صاحب الخطط الخمسية الثلاث، لصعوبة قيام دولة مثل مصر بإقحام خزانتها وإدارتها فى أربعة مشروعات كبرى فى توقيت واحد، يظل خطأ لا يغتفر وهو ما يذكره هيكل فى كتابه (عام من الأزمات) قائلا: «جاءت حكومة الجنزورى مكلفة بعملية التنمية الشاملة ولكن استهلكها مشروع توشكى العملاق وهو مشروع احتاج إلى تمويل طائل أرهق الدولة ومواردها، وكانت المشروعات الأخرى فرصة لعمليات النهب وتسرب المال العام».

وللإنصاف لا يصح أن نغفل ما أنجزه الجنزورى فى المشروعات الأربعة حتى ولو كانت أغلب آراء الخبراء تؤكد على عدم جدوى المشروع الأكبر فيهم وهو توشكى الذى رحل الجنزورى من الحكومة والمعدات مازالت تعمل به دون أن يأتى بأى ثمار، وظل كذلك حتى الآن.

أما فيما يخص مشروع غرب خليج السويس فقد أنجزت حكومة الجنزورى فيه بإقامة مصنع للأسمنت وميناء العين السخنة حتى منطقة غابة البوص تحت إدارة شركة يونانية ثم إحدى شركات دبى بمشاركة رجال أعمال مصريين، بالإضافة إلى الاتفاق على مشروع لإقامة مصانع صينية ومنطقة حرة لتصدير منتجاتها ولكنه ظل مجرد اتفاق على ورق فقط حتى الآن، أما فى مشروع إمداد سيناء بالمياه فقد نجحت حكومة الجنزورى فى مد 32 كيلوا مترا من ترعة السلام بعد عبور المياه فى صحارى أسفل قناة السويس بالإضافة إلى مد 38 كيلو مترا من خط السكة الحديد متوقفا بعد القنطرة دون أن يصل إلى رفح كما كان مقررا، أما فى شرق التفريعة فاكتفت حكومة الجنزورى بميناء الحاويات بعد تعاقدها مع شركة هولندية لتنفيذه، وبالمناسبة هذا كل ماحدث به حتى لحظتنا الحالية.

هذا ما أنجزته حكومة الجنزورى وكان كافيا بالنسبة لعامة الناس لكى يضعوا بسببه الجنزورى فى مكانة رئيس الوزراء الذى لن يتكرر، وربما كانت نسبة إسهام المشروعات الكبرى فى رسم تلك الصورة للجنزورى فى أذهان الناس نسبة قليلة إذا تمت مقارنتها بقرارات إلغاء الدمغة على طلبات الإجازات، وحركة الترقيات من الدرجة الثالثة للثانية، وقدرة الجنزورى غير العادية على الحديث بالأرقام والحرص على عدم تضاربها، كل هذا وصل بدرجة حب الناس للجنزورى إلى شبه إجماع على أنه الرجل النظيف النزيه الذى طار من الوزارة لأنه دخل عش الدبابير وحاول محاربة الفساد، هذا ما يقوله الناس عن الجنزورى فى رسائل القراء للصحف المختلفة واستطلاعات رأى المواقع الكبرى والمنتديات.

وأكد على تلك الصورة ما أقره البرلمان فى فبراير 2002 ببراءة الجنزورى وحكومته من تهمة التلاعب فى صفقة بيع شبكتى الهاتف المحمول من الدولة إلى المستثمرين وهى القضية التى راهن الكثير عليها لإثبات فساد الجنزورى، بالإضافة إلى شهادات بعض من رجال الأعمال الذين يتمتعون بقبول فى الشارع المصرى مثل الدكتور أحمد بهجت الذى أكد فى حوار تليفزيونى ذات مرة أن الجنزورى أحدث طفرة فى الاقتصاد المصرى وأنه واحد من العظماء فى مصر وأنه يعمل بجد من الثامنة صباحا وحتى العاشرة مساء.

كل هذه الظروف خلقت نوعا من الحب والثقة لدى شعب »بيتنشق« على مسئول نظيف يأمنه على مستقبله ودولته ويقع فى غرام من يشتبه فيهم النزاهة والإصلاح، كما أن المصرى اعتاد أن ينظر دائما تحت قدميه، ينبهر بمن يهتم بتفاصيله الدقيقة، فيمنحه العلاوة والترقية، ويتكلم أمام التليفزيون بثقة وهذا ما كان يجيده رئيس الوزراء الأسبق، لدرجة أن البعض تحدث عن طموح قوى للرجل الذى كان كلما أغضبه أحد صرخ فيه قائلا: «لا تنس أننى رئيس وزراء مصر» والبسطاء فى مصر يعشقون تلك النغمة وتلك الطريقة منذ زمن عبدالناصر.

عموما موجة الحب الشعبية التى استخدمها البعض كتفسير للإطاحة بالجنزورى على اعتبار أن الدولة كثيرا ما تفعل ذلك مع المسئولين أصحاب الشعبية، لم تفلح فى مواجهة تيار الاتهامات الموجهة لصدر رئيس الوزراء الأسبق من جانب الخبراء ورجال الحكومة السابقين والحاليين، بداية من الدكتور بطرس غالى الأمين العام الأسبق للأمم المتحدة ورئيس المجلس القومى لحقوق الإنسان حاليا والذى وصف الجنزورى فى كتابه «بدر البدور» قائلا إنه: «رجل معقد وميال إلى الإمساك بكل نشاطات البلد».

وهو نفس الاتهام الذى لاحق الجنزورى بعد ذلك من قبل الكثير من خبراء السياسة والاقتصاد الذين أكدوا على أن إصرار كمال الجنزورى على تركيز السلطة فى يده لدرجة إشرافه على حوالى 18 هيئة عامة كان سببا مباشرا فى سقوط حكومته إما بسبب تراكم المشكلات وتداخل الاختصاصات أو خوفا من طموح الرجل الذى بدا زائدا عن مجرد رئاسة الوزراء، كما أن حكومته كانت ضحية لمشكلة الدولار وأزمة السيولة التى سيطرت على مصر لمدة 8 أشهر وقتها، وأكد الخبراء على أن سببها كان سوء الإدارة من داخل الحكومة التى دمرها بعض وزرائها حينما تحولوا لمراكز قوى وفساد مثل طلعت حماد وزير شئون مجلس الوزراءالسابق الذى دارت شبهات كثيرة حول فساده ترجمتها بلاغات مختلفة للنائب العام، واستخدم الخبراء لغة الأرقام فى إدانة الجنزورى حينما أشاروا إلى أنه خرج من الوزارة مخلفا وراءه عجزا مزمنا فى الميزان التجارى تجاوز 12 مليار دولار بالإضافة إلى زيادة الدين المحلى وبلوغه 200 مليار جنيه مصرى. ودعك من كل هذا وركز مع تصريح رئيس اتحاد البنوك السابق محمود عبدالعزيز والذى جاء ليكمل منظومة الاتهامات الرسمية للجنزورى حينما أكد عبدالعزيز على قيام رئيس الوزراء الأسبق بسحب 5 مليارات جنيه لسد عجز السيولة لدى حكومته دون إذن رسمى وبشكل مخالف للقانون.

كل هذه الانتقادات بلورها ولمعها صراع الجنزورى مع الصحافة الذى اشتهر بمعاداتها، ولعل أشهر معاركه كانت مع عادل حمودة الذى اتهمه بالتحالف مع رجال الأعمال الفاسدين، وأنه أى الجنزورى كان مركزيا وتسببت له تلك الصفة فى مشاكل كثيرة مع الدولة أطاحت بحكومته.

الهجوم على الجنزورى لم يتوقف عند السنة الأولى أو الثانية التالية لخروجه من المنصب كما يحدث عادة فى مصر، فقد استمر حتى وقت قريب حينما رد يوسف بطرس غالى وزير المالية على سؤال حول طبيعة خلافه مع الجنزورى قائلا: «إنه تاريخ.. سيبوه فى حاله، الضرب فى الميت حرام»، والغريب فى كل ذلك أن كمال الجنزورى اتبع استراتيجية واحدة فى مواجهة الهجوم والمديح، فلا هو يرد ويدافع ولا هو يتفاعل مع الناس ويشاركهم احتفاءهم به، بل اكتفى باتخاذ مهنة جديدة لنفسه منذ قدم استقالته من رئاسة الوزراء فى 5 أكتوبر 1999.. مهنة اسمها الصمت.

لمعلوماتك..

◄كمال الجنزورى.. ولد فى محافظة المنوفية فى 12 يناير 1933، حاصل على دكتوراه فى الاقتصاد من جامعة ميتشجان الأمريكية، أستاذ بمعهد التخطيط القومى 1973، وكيل وزارة التخطيط 1974-1975، محافظ الوادى الجديد 1976، محافظ بنى سويف 1977، مدير معهد التخطيط 1977، وزير التخطيط 1982، وزير التخطيط والتعاون الدولى يونيو 1984، نائب رئيس مجلس الوزراء ووزير التخطيط والتعاون الدولى أغسطس 1986.

◄19 وزيرا لم يشملهم التغيير الوزارى فى حكومة الجنزورى.

◄ 3 سنوات عمر وزارة الدكتور الجنزورى

رابط هذا التعليق
شارك

احمد الجويلى

عندما أترك شيئا لا أعود إليه، ولا أفكر فيه، ولا أحب الحديث عنه».. هذا هو أول تعليق تلقيته من الدكتور أحمد جويلى، وزير التموين والتجارة الأسبق، عندما حاولت جاهدة دفعه لإخراج ما فى جعبته من أسرار وتفاصيل عن الفترة التى تولى فيها وزارة التموين والتجارة، خاصة أنه لم يتحدث مطلقا عن هذه الفترة ولم يجب أبدا عن سؤال: لماذا خرج من الوزارة رغم شهادة الجميع له بحسن الأداء؟!

ورغم أن الدكتور جويلى معروف بهدوئه التام رغم الأزمات التى أثارها مع رجال الأعمال ومافيا السوق السوداء فى هذه الآونة، وبدبلوماسيته فى حديثه عن المسؤولين والكبار، ورغم أنه ليس له تصريح فيه شغب، ولا حوار فيه اعتراف، ولا تحقيق يحوى أسراراً،إلا أن كل ذلك انتفى فى هذا الحوار.

والمعروف أن دكتور جويلى دخل الوزارة كوزير للتموين فى عهد وزارة الدكتور عاطف صدقى بعد أن كان محافظا لدمياط ثم الإسماعيلية.. واستطاع فى مدة قصيرة أن يكسب ثقة الشعب وحبهم.. عمل على ضبط السوق ومحاربة الغلاء وملاحقة الفساد وكشف الغش والتدليس، وفجأة وبعد أن زادت شعبيته للدرجة التى رشحه فيها الناس لرئاسة الوزراء فوجئ الجميع بخروجه فى أول تعديل وزارى بعدما تولى الدكتور عاطف عبيد رئاسة الوزارة.

فى هذا الحوار يكشف الدكتور جويلى لأول مرة أسباب خروجه من الوزارة، وأسرار ملف السكر الذى لا يعرف أحد عنه شيئا، ويحكى سر خلافه مع الدكتور عاطف عبيد ومافيا رجال الأعمال، ويحكى لأول مرة عن اقتحامه مصانع الشركة القابضة للسكر لمصادرة كل ما فيها.. وبدأت بسؤاله مباشرة عن السكر فأجاب بسرعة وتلقائية: السكر من السلع التى لا أحبها.

■ لأنه أخرجك من الوزارة؟

- ضحك قائلا: مشاكله كانت كثيرة، وكل يوم بسعر وسوقه غير مستقرة.

■ لدىّ معلومة تقول إن خلافك الرئيسى مع الدكتور عاطف عبيد كان بسبب ملف السكر؟

- ملف السكر كان من الملفات المعقدة جدا، نظرا لأهميته بالنسبة للمواطنين، وغلاؤه قرشا واحدا كان يتسبب فى أزمة، وكان كل همى هو المواطن الغلبان الذى أحرص على أن يحصل على السلعة بسعر جيد، وأن تكون السلعة متوافرة فى الأسواق، والأزمة الأساسية بينى وبين الدكتور عاطف عبيد، الذى كان أيامها وزيرا لقطاع الأعمال، بدأت عندما رفض رئيس الشركة القابضة لإنتاج السكر والصناعات التكاملية المصرية محمد خليف أن يعطينى حصتى الشهرية كوزارة تموين من السكر لكى أستوفى بطاقات التموين، وأخذ يماطلنى حتى تفاقمت الأزمة وأصبحت فى وضع حرج أمام مستحقى الحصة التموينية وباتت أزمة كبيرة فى البلد.

■ قاطعته: المفروض أن المصلحة واحدة، فهى شركة قطاع عام وأنت تعمل للصالح العام، فلماذا وقف رئيس الشركة القابضة ضدك؟

- رجال الأعمال اتفقوا مع «خليف» على أن يشتروا منه السكر المكرر ويصدروه للخارج فكان يحقق من وراء ذلك مكاسب كبيرة.

■ يعنى التاجر أهم من المواطن الغلبان الذى يحصل على السكر المدعوم؟

- نعم.. لذا اتصلت بالوزير المسؤول آنذاك، وهو الدكتور عاطف عبيد وزير قطاع الأعمال الذى رفض التدخل وقال لى: «منك له.. إنت حر معه» حتى تأزم الوضع واختفى السكر من السوق المحلية تماما وارتفع سعره بشكل جنونى، وظللت أستعطفهم للحصول على حصتى ولكن دون جدوى، فاتصلت بالدكتور عاطف صدقى رئيس الوزراء أشكو له الوضع لكنه لم يحرك ساكنا، واندهشت من أنه لا أحد يريد الالتزام بسياسات الدولة، فاضطررت إلى استخدام سلطاتى كوزير للتموين وهى أن أصادر أى منتج وقت وقوع الأزمة، فأحضرت جميع مفتشى التموين، فى وجه قبلى وأمرتهم بأن يتجهوا إلى كل مصانع ومخازن الشركة القابضة واقتحامها ومصادرة كل «حباية سكر» فيها وشحنها إلى القاهرة فورا.

■ ماذا لو أنهم تعرضوا للمنع من قبل أى شخص؟

- قلت لهم «من يقف أمامكم حولوه إلى النيابة بموجب الضبطية القضائية التى معكم» وقد تم بالفعل مصادرة كل السكر وشحنه إلى القاهرة، وكونت رصيداً جيداً من السكر استوفيت به كل البطاقات التموينية، والفائض طرحته فى الأسواق بسعر جيد ودون ربح.

■ ماذا كان رد فعل رئيس الشركة؟

- لم أهتم بأى رد فعل له، علمت أنه شكانى لوزيره، ولكن لم أهتم فالمهم أننى أرضيت المواطن واستوفيت بطاقات التموين.

■ وهل وصل الموضوع إلى الرئيس مبارك؟

- نعم ولكن بعد أن انتهى، فقد علم أن السوق خالية من السكر، وأن هناك أزمة سكر فى البلد، وفى أول اجتماع بعدها سألنى ما موضوع أزمة السكر فقلت له «الموضوع انتهى خلاص ياريس، ولكن المهم ألا يتكرر مرة ثانية» فسألنى «ماذا تقترح؟» قلت له «أريد مخزوناً استراتيجياً من السكر وفى حالة حدوث أى أزمة أو عدم استقرار فى السوق أستطيع تغطية العجز فورا»، واقترحت أن تكون الكمية كافية لثلاثة أشهر مقدما، وسعرها كذا مليون فأمر الدكتور عاطف صدقى بأن يعطينى المال اللازم لتحقيق هذا المخزون.

■ وهل هذه المشكلة هى السبب الرئيسى فى استبعادك من الوزارة؟

- رئيس الوزراء الجديد آنذاك الدكتور عاطف عبيد لم ينس لى العديد من المواقف معه.. فقد كان رأيى دائما من رأسى، أدرسه جيدا وأنفذه. وفى موقف آخر استوردت الشركة القابضة «سكر خام» بكميات ضخمة لتكريره وأنزلته السوق وبدأت فى بيعه بسعر عال فاعترضت، وأنزلت أنا على الجانب الآخر السكر إلى الأسواق بسعر منخفض ومن هنا ثار الخلاف، فقد طلب منى الدكتور عاطف عبيد عدم تخفيض السعر فقلت له «أنا لا أريد أن أكسب».. فأجابنى قائلا «ولكن بهذه الطريقة ستؤدى إلى خسارة الشركة القابضة»، قلت له تخسر: أنا مشكلتى هى المستهلك»..

وكذلك مواقف كثيرة على هذه الشاكلة.. فالسكر كان إحدى الحلقات المهمة فى خروجى من الوزارة لأنى كنت حساساً جدا تجاه المستهلك ولا أريد تحميله عبئاً أكبر، ولكن كانت هناك أشياء أخرى سبب توتر العلاقة مع الدكتور عاطف عبيد، فمثلا عندما كنت أصدر قطناً خاماً لجلب العملة الصعبة كوزير للتجارة فوجئت به يطلب منى ألا أصدر القطن فرفضت وقلت له إن الشركات المحلية لديها ما يكفى من القطن الخام للتصنيع والفائض من حقى تصديره، ولم يكن محقاً ولكنه كان يحاول إرضاء الشركات التابعة له فهو كان يعمل معها.

■ ماذا عن أزمة المجمعات الاستهلاكية؟

- ضحك قائلا: «لا أعرف عم تتحدثين.. كفاية كده إنتى أخدتى أسرار كتيرة».

■ أتحدث عن المجمعات الاستهلاكية التى كانت تابعة للدكتور عاطف عبيد ثم انتقلت إليك ولا أحد يعرف السبب ولا النتيجة التى ترتبت على ذلك؟

- بعد محاولة للتهرب من الإجابة قال: المجمعات الاستهلاكية كانت تابعة لعاطف عبيد أى لوزارة قطاع الأعمال.. ولكننى ذهبت للرئيس مبارك وقلت له «أنا أريد أن تكون فى يدى أدوات أحرك بها السوق والأسعار حتى أجنب البلد أى أزمة فى التموين وأجنب السوق احتكار بعض رجال الأعمال للسلع، حيث تنبهت خاصة خلال الأزمة الشهيرة للسكر إلى دور المجمعات واعتبرتها أداة يمكن من خلالها مواجهة تلاعبات القطاع الخاص وقررت طرح السلع التى كان يحدث بها اختناقات من خلالها، فقال لى الرئيس «ماذا تريد؟» قلت له «أريد شركات المجمعات الاستهلاكية»، وقد كان.. فعلاقتى بالرئيس كانت جيدة وكان يثق بى وأمر بالفعل بنقل المجمعات الاستهلاكية لتصبح ضمن صلاحياتى، لكن الدكتور عاطف شعر أننى أخذت جزءاً من صلاحياته وصغرت وزارة قطاع الأعمال.. حيث عادت هذه المجمعات مرة أخرى إلى وزارة قطاع الأعمال بعد تولى عاطف عبيد رئاسة الوزارة وبالمناسبة أنا وقفت فيما بعد بشدة أمام فكرة بيعها.

■ عندما علمت أن الدكتور عاطف عبيد تولى رئاسة الوزارة الجديدة هل تنبأت بخروجك؟

- نعم.

■ لكن الرئيس كان يعرف كفاءتك وعلاقتك به جيدة كما قلت فلماذا لم يتمسك بك؟

- رئيس الوزراء الجديد قال له إنه لا يريدنى، وأنا لم أكن أهتم حتى بمعرفة الأسباب، أنا أرضيت ضميرى وعملت بكل اجتهاد وحاربت فساد السوق بكل ما أوتيت من قوة.

■ ما أبرز قضايا الفساد التى اشتغلت عليها أثناء وجودك فى هذا المنصب؟

- قضايا كثيرة، فلطالما عملت على قضايا الغش والتدليس فى السوق وحاربت السلع منتهية الصلاحية والسلع التى كانت تمثل خطرا على الصحة العامة.

■ وهل هذا كان سبب وقوف بعض رجال الأعمال فى وجهك؟

- نعم حتى إنهم اشتكونى لرئيس الوزارة.

■ وماذا كان رد فعل دكتور عاطف صدقى؟

- كان دائما يقولى لى «إنت مزودها شوية».

■ هل كنت توقع مخالفات على شركات القطاع الحكومى؟

- لم أكن أفرق بين القطاع الخاص والقطاع الحكومى، بل بالعكس كنت أوقع مخالفات على جميع الشركات الحكومية بما فيها المجمعات الاستهلاكية التابعة لى.. كنت أحمى المواطن من الغش والتدليس واحتكار السلع أو عدم صلاحية المنتجات للاستهلاك الآدمى، أو كونها تمثل خطراً على صحته.

■ يفترض أن حمايتك للمواطن وضبطك للسوق يسعدان رئيس الوزراء لا أن يدفعاه لأن يقول لك «إنت مزودها شوية»؟

- لا أعرف ولكن هذا كان رأيه.. الغريب أن أحد الوزراء وقتها اتهمنى قائلا: «إنت بتشوه صورة مصر.. كل يوم تطلع علينا بقضايا غش تجارى وطعام منتهى الصلاحية! أنت بهذا تؤثر بالسلب على السياحة».. فقلت له «هذه الرقابة تجعل السياح يحترموننا أكثر، وعلى أى حال أنا لا أفعل ذلك من أجل السياحة إنما من أجل المواطن المصرى»، هذه للأسف كانت طريقة التفكير!

- مازال ملف توشكى مثار الأحاديث والأقاويل ما بين نجاح المشروع وفشله، استصلاح أرضه والتفريط فيها بملاليم.. إنفاق المليارات عليه كمشروع قومى، واعتبار ما أنفق إهداراً للمال العام، والنتيجة فى النهاية واحدة: لم يكتمل المشروع بعد.. لذا كان ملف توشكى على رأس أولويات حوارى مع الدكتور جويلى، ليس فقط لكونه حاصلاً على الدكتوراه فى الاقتصاد الزراعى وأحد الخبراء فى هذا المجال، ولكن لأنه تولى عام ٢٠٠٠ وبعد خروجه من الوزارة منصب رئيس مجلس إدارة شركة المملكة للتنمية الزراعية للاستثمار فى توشكى المملوكة للأمير الوليد بن طلال.

■ دكتور أحمد منذ عام ١٩٩٨ونحن نعمل على مشروع توشكى أى حوالى ١٢عاماً ولم نزرع حتى ربع المساحة، وأخيرا ظهر ما يسمى بالتساهل مع الوليد فى العقود وبيع أراضى توشكى بملاليم، فما رأيك؟

- المشكلة ليست مشكلة الوليد إنما مشكلة الحكومة المصرية التى تخلت عن واجباتها.. كيف لى أن آخذ شخصاً أضعه فى الصحراء على بعد مسافة طويلة من القاهرة وأقول له «عليك أن تزرع الصحراء» دون أن أوفر له الطرق والمواصلات والسكن وخلافه.

مشكلة مشروع توشكى أنه تم التعامل معه على أنه مشروع رى لا مشروع تنمية متكامل، فتم الاهتمام بحفر الترعة الرئيسية والترع الفرعية ومحطات رفع المياه والماكينات وهو جهد ضخم بلا شك وكان يفترض التعامل معه على أنه مشروع متكامل وليس زراعة فقط إنما تعمير وصناعة وطرق ومواصلات وإسكان.. أما قضية المستثمرين فهى قضية فرعية بالنسبة لمشكلة توشكى الأساسية وهى التعمير.

■ إذن أنت تبرئ الوليد من الاتهامات التى وجهت له مؤخرا؟

- فى مثل هذه المناطق الصحراوية النائية يجب أن تقف الحكومة إلى جانب المستثمر، لأن استصلاح الأراضى هناك صعب جدا.

■ لكن الوليد حصل على الفدان بخمسين جنيهاً؟

- لكنها منطقة غير مأهولة بالسكان وبعيدة جدا وتوشكى مفتوحة للجميع بنفس الأسعار ولكن المسألة فعلا صعبة جدا.. وأعتقد أن المشكلة مع الوليد ليست فى السعر إنما فى أنه حصل على الأرض ولم يزرعها.

■ ألم يكن فى العقود ما ينص على مدة محددة للزراعة؟

- هذا خطأ الحكومة أيضا ولكن من الممكن تداركه بالجلوس مع جميع المستثمرين وإعادة صياغة العقود بوضع برامج محددة وإطار زمنى واضح للانتهاء من زراعة توشكى مقابل أن تقوم الحكومة بدورها هى الأخرى.

■ ألا ترى أن هناك خطأ يقع على عاتق الوليد فى هذا الصدد؟

- الوليد- بمعرفتى به- رجل لا يجيد الاستثمار فى مجال الزراعة فهو ليس مجال تخصصه، والنتيجة أنه لم يحقق فيه النجاح الذى حققه فى مجالات أخرى.

■ لا يشترط أن يفهم رجل الأعمال فى كل المجالات وإنما يكفى أن يعتمد على خبراء وقد أتى بك فى مرحلة ما كمتخصص فى مجال الاقتصاد الزراعى لإدارة ما يخصه فى مشروع توشكى؟

- أنا أمضيت فى شركة الوليد حوالى عامين وأعددت خطة محترمة وأجريت تجارب كثيرة على المحاصيل ونوع التربة وكذلك دراسة لإقامة العمال والتسويق وكل شىء، وهذه الخطة موجودة لدى الشركة ولكن بعدها تركت الشركة بعد أن عُرض علىّ رئاسة مجلس الوحدة الاقتصادية العربية، وحلت محلى شركة فرنسية.

■ هل حدث أى خلاف بينك وبين الوليد؟

- لا إطلاقا، أنا تركت الشركة بعد أن عُرضت علىّ رئاسة المجلس لأننى لا أحب الجمع بين عملين، وتولت المأمورية بعدى شركة فرنسية كما قلت.

■ الشركة التى قلت عنها إنها السبب فى مشاكل الوليد فى توشكى؟

- نعم لأن سوء إدارة الشركة وعدم فهمها للمشروع كانا سبب التعثر حتى الآن.. وكان يفترض أن تتم الاستعانة بالخبرات المصرية ومن عملوا بتوشكى.وللخروج من هذا المأزق بشكل عام يجب أن تتم إعادة الاتفاق مع المستثمرين على جدول زمنى للتنفيذ وبرنامج محدد ووضع حوافز وعقوبات ومراجعة العقود وعلى الحكومة توفير الخدمات الأخرى.

■ كثيرا ما أعلن وزير الإسكان السابق حسب الله الكفراوى اعتراضه على موقع توشكى وقال إنه غير مدروس، ونسبة البخر فيه عالية مما يعوق الزراعة فهل تتفق مع رؤية حسب الله الكفراوى؟

- سمعت هذا الكلام كثيرا.. نعم توجد نسبة بخر إنما فى نفس الوقت المكان ليس خطأ بل على العكس الموقع ممتاز وأود أن ألفت الانتباه إلى معلومة أن أى أرض يمكن أن تزرع لو وجدت المياه، فلو وضعت المياه على حجر سيزرع والدليل أننا جميعا نلاحظ أن هناك نبتات صغيرة خضراء تنمو على مواسير الصرف طبعا بسبب وجود المياه. للأسف توشكى كانت ستكون جزءا كبيرا من تنمية مصر لو اكتمل المشروع لأنها منطقة حارة وكان سيكون بها منتجات زراعية فريدة، وكانت ستصدر لأوروبا والبلاد الباردة لكن الحكومة لم تكمل واجباتها تجاه توشكى.

■ الحكومة نفسها حملت مشروع توشكى تسببه فى أزمة السيولة بعد إنفاق حوالى٧ مليارات جنيه عليه والنتيجة غير ملموسة بعد؟

- هذا الرقم لا يعد ضخما بل بالعكس هو لا شىء فى مقابل مشروع ضخم كبرنامج تنمية جنوب الوادى فبه ٥٤٠ ألف فدان يعنى مساحته تساوى ٣ محافظات وهى مساحة ليست هينة. والغريب أن تقول الحكومة هذا عن مشروعها الذى بدأت فى الإنفاق عليه، فهذا الكلام الذى خرج على لسان الحكومة إساءة للمشروع فهى تنتقد نفسها، كيف تصرف على المشروع وهى ترى أنه سبب أزمة سيولة فى مصر!

■ من توشكى إلى ترعة السلام ما سبب توقف مشروع ترعة السلام؟

- ترعة السلام أهون كثيرا من توشكى فهى قريبة من الوادى وسهل وصول الناس إليها.

■ إذن ما هى المشكلة؟

- نفس مشكلة توشكى، أنهم تعاملوا مع ترعة السلام على أنها مشروع رى وترك لمسؤولى الرى ولم يتعاملوا معه على أنه مشروع تنموى.

■ أثيرت من قبل مسألة بيع ترعة السلام للقطاع الخاص لاستكمال حفرها فى، مقابل تملك الأراضى على جانبيها بعد عجز الحكومة عن استكمالها فما رأيك؟

- أنا ضد الفكرة لأن سيناء خط أحمر والتملك فيها يجب أن يكون للمصريين فقط، وأخشى أن يكون القطاع الخاص ينطوى على جنسيات عدة، وقد كنت محافظا للإسماعيلية وكان جزء من الترعة يقع ضمن الاسماعيلية، وكانت أراضى الترعة موزعة كالتالى: جزء لشركات القطاع العام للاستثمار، وجزء لشباب الخريجين لتوفير فرص عمل وإعانتهم على المستقبل، وجزء للفلاحين عن طريق الجمعيات التعاونية كان هذا هو المتبع، ويجب أن يكون كذلك دائما، سيناء خط احمر وممنوع تمليكها لغير المصريين.

■ لننتقل إلى أزمات التموين فى مصر، ودعنى أسألك أولا: ما رأيك فى دمج وزارة التموين فى وزارة التضامن الاجتماعى؟

- أكبر خطأ.. لأن الفلسفة القائمة على أن كلاً من التموين والتضامن تقدمان الدعم للمواطن محدود الدخل لذا يجب دمج الاثنتين تحت مظلة واحدة فلسفة غير سليمة، لأن مهمة التموين أكبر من ذلك بكثير، فهى مسؤولة عن توفير السلع وتسعيرها وتواجدها فى الأسواق وليس مجرد الدعم.

■ «الدعم والعدالة الاجتماعية» لفظان أصبح يسمعهما المواطن فقط ولا يلمسهما على أرض الواقع؟

- رغم أن العدالة الاجتماعية جاءت على رأس برنامج الرئيس الانتخابى فإن الحكومة تفهم أن التهليل بارتفاع معدل النمو يعبر عن تحسن الأوضاع الاقتصادية غير عابئة بأن هذا النمو يخفى فى طياته عدم عدالة فى توزيع العوائد. وعلى الجانب الآخر يوجد سوء توزيع للدعم فى مصر، ولا يصل لمستحقيه، وأرى أن المشكلة ناجمة عن سوء إدارة، وأنا أؤيد الدعم العينى، فله ميزات أكثر من الدعم المادى لأن الأول يصل للأسرة بينما الثانى قد لا يصل للأسر الفقيرة.

■ ما هو الحل؟

- الاقتصاد لن يتحسن والبطالة لن تقل والفقر لن ينكمش إلا فى حالة واحدة، وهى الاتجاه إلى الصناعات كثيفة العمالة وإعادة النظر فى سياسة الدعم.

■ حدثت فى عهدك أزمة فى أنبوبة البوتاجاز تشابه الأزمة الأخيرة فماذا كانت أسبابها وكيف تعاملت معها؟

- المشكلة كانت فى عدم توافر المادة الخام وسوء التوزيع وتغلبت على الجانب الأول بالاتصال الفورى بوزارة البترول والتنسيق معها لتوفير المادة الخام، أما التوزيع فقد توصلت إلى فكرة مشروعات شبابية تساهم فى توزيع أنبوبة البوتاجاز من ناحية وتوفر فرص عمل لهم من ناحية أخرى، وهى عبارة عن سيارة يتسلم فيها الشاب عدداً معيناً من أسطوانات البوتاجاز على أن يوزعها فى منطقة محددة وقد حقق هذا المشروع نتائج جيدة وساهم فى حل الأزمة.

■ هل فعلا توجد أزمة فى خام غاز البوتاجاز حاليا؟

- نعم.

■ هل أنت مع تصدير الغاز الطبيعى لإسرائيل؟

- ولم لا.. الغاز منتج فى النهاية يمكن أن أبيعه لأى جهة، المهم الفلوس.

■ لكن الحكومة تبيعه بسعر بخس؟

- هذا أمر آخر.. أنا لست ضد البيع لإسرائيل لكننى ضد أن يباع بسعر هزيل.. يجب أن يباع بالسعر العالمى.

■ على أثر أزمة الخبز ومن بعدها أنبوبة البوتاجاز طالب المستشار عدلى حسين محافظ القليوبية فى حوار سابق معه بأن تترك مثل هذه الأمور للمحافظين، لذا باعتبارك محافظاً أسبق لدمياط ثم الإسماعيلية ما رأيك فى هذا الاقتراح؟

- المحافظ هو القادر على حل مثل هذه الأزمات لأنه الأكثر دراية، واللامركزية فى إدارة أمور التموين أفضل من المركزية، لذا يجب إعطاء المحافظين الصلاحيات للتصرف فى هذه الأمور.

■ قال لى المستشار عدلى حسين إن توفير الخدمات فى المحافظة يتوقف على علاقة المحافظ بالوزير، فلو أن وزير الإسكان مثلا ليس على علاقة طيبة بالمحافظ لا يخصص حصة جيدة للمحافظة من الموازنة الخاصة بالطرق والكبارى ومحطات المياه وهكذا فالمسألة تتوقف على العلاقات الشخصية وليس المصلحة العامة فهل تتفق مع ذلك؟

- للأسف نعم، وهذا لا يجب أن يكون.

■ هل سبق أن حدث ذلك معك؟

- نعم أحيانا.

فى الحلقة الثانية:

لماذا لم تتقدم مصر بطلب تجديد لجويلى فى رئاسة مجلس الوحدة الاقتصادية العربية؟ ولماذا لم ترشح بديلاً مصرياً؟

رابط هذا التعليق
شارك

احمد رشدى

--------------------------------------------------------------------------------

" اللواء أحمد رشدى "

عندما يصبح وزير الداخلية ضد القانون

انه الشخصية الأكثر انفرادا فى تاريخ وزارة الداخلية بمصر قى عهد ما بعد ثورة يوليو 1952 م ..

اللواء أحمد رشدى وزير الداخلية فى فترة منتصف الثمانينيات ..

وزير الداخلية الوحيد منذ جمال عبد الناصر وحتى حبيب العادلى فى عهدنا الحالى ..

كان هو الوزير الوحيد الذى وقف ضد القانون لأجل القانون ... !!

وقف فى وجه قانون العصر .. " التخلى والاباده " لأجل قانون الحق .. " العمل والعباده "

وزير الداخلية الوحيد الذى أصبحت شعبيته الساحقه بين رجال وزارته وبين المواطنين مثار دهشة المتابعين على اختلاف مشاربهم ..

فوزير الداخلية .. هو حائط الصد المخيف للنظم السياسية فى عالمنا المتفرد فى طبيعته وغرابته

ولذا ..

فمن المستحيل تقريبا أن يستولى من يشغل هذا المنصب على قلوب الشعب .. لأن مقعده مقام أصلا لحماية الحاكم من الشعب لا العكس

وتفرد أيضا اللواء أحمد رشدى فى أنه وزير الداخلية الوحيد الذى عاش مشاركا فى حياته العملية معظم الأحداث الجسام فى تلك الفترة البالغه الخطورة من تاريخ مصر

بل وكانت له عند كل حادثة حادث .. وفى كل حدث مكان

انه الوزير الوحيد الذى بكاه العقلاء .. واستبشر برحيله عن مقعده عامة الجهلاء ..

انه الرجل الذى وقع ضحية جهلاء عهده من أبناء وزارته .. كما تقول الشواهد ..

وغاب عن ذهن القيادة السياسية وقتها .. أن الهدف الحقيقي للفتنة وسببها هو مكوث أحمد رشدى على مقعد وزير الداخلية وليس رحيله ..

وللأسف ..

تمت الخطة .. وذهب أحمد رشدى .. وجاء بديلا عنه اللواء زكى بدر

لتتحقق مقولة التراث القديمة .. " غدا يرون الأمراء من بعدى "

وفعلا .. شاهدوا زكى بدر .. فبكوا دما على أيام أحمد رشدى ..

فمن هو هذا الرجل يا ترى ..؟!!

تعالوا نتأمل وندرس ..

البداية ..

مصر فى منتصف الخمسينيات .. الساعه قاربت على منتصف الليل تقريبا ..

يستيقظ البكباشي " المقدم " عبد المحسن فائق ضابط المخابرات المصري الذى اشتهر فيما بعد باسم " محسن ممتاز " الأب الروحى للعميل المصري الأسطورة " رفعت الجمال " الشهير باسم رأفت الهجان

ويرفع رجل المخابرات الفذ سماعه الهاتف مجيبا الرنين الذى أيقظه .. فيفاجئ بأنه صديقه ضابط المباحث اليوزباشي " رائد " فى ذلك الوقت أحمد رشدى ..

ويهتف عبد المحسن بصديقه .. " خيرا يا رشدى ؟! "

فيجيبه رشدى بصوت ضاحك .. " أبشر يا عبد المحسن قد وجدت لك ما تبحث عنه "

فقال له عبد الحسن فى فتور " لقد سمعتها منك عشرات المرات ولم يتحقق وعدك "

فضحك رشدى وقال واثقا .. " تعال الى على الفور .. أنا واثق أن هذا الفتى هو نفس ما تبحث وتتمناه

فسأله عبد الحسن عن بعض بيانات هذا الفتى ..

وكانت الاجابة من أحمد رشدى بلا القاطعه حول أى معلومة مؤكده عن هذا الفتى الغامض والذى فشل جهاز مباحث الاسكندرية بأكمله فى الحصول على أى معلومة قاطعه تخصه حتى عن اسمه الحقيقي أو جنسيته أو حتى ديانته

مما جعل أحمد رشدى يرشحه فورا وباعتماده على غريزته فقط بأن هذا الفتى مصري لكى يهديه لعبد المحسن فائق الذى لف البلاد شرقا وغربا بحثا عن من يصلح للعمل معه فى جهاز المخابرات المصري الوليد .. كعميل مقيم باسرائيل

وتشاء الأقدار أن يصدق حدس اليوزباشي أحمد رشدى فى الفتى بالفعل ..

ليصبح الفتى المجهول هو نفسه البطل المصري العتيد " رفعت الجمال " مندوب المخابرات المصرية الذى قضي أغلب عمره فى اسرائيل نجما من نجومها ولم يكشف أمره أو أمر شبكته مطلقا

وكانت تلك النظرة الموهوبة هى داعى لفت النظر الأول الى هذا الضابط البارع ..

ويستمر بعدها فى جهاز مباحث أمن الدولة " المعروف سابقا باسم المباحث العامة " ويترقي فيه ويصل الى أعلى مناصبه فيما بعد .

جهاز مباحث أمن الدولة

فى أى دولة معتدلة فى العالم أجمع ..

وفى ظل متغيرات ما بعد الحرب العالمية الثانية نبتت فكرة تعدد الأجهزة الأمنية طبقا للتقدم الكاسح بعد الحرب فى نظم المعلومات وأساليب الصراع

فلزم الأمر أن تتوافر أجهزة أمنيه عالية المستوى والتدريب الى جوار الأجهزة الأمنية التقليدية المتخصصة فى مكافحه الجرائم العادية داخل نطاق كل دولة ..

فتم التعارف على انشاء نوعين من الأجهزة الأمنية تختص فقط بأمن الدولة ككيان كامل فى مواجهة الصراعات الاقليمية والدولية المحتدمة ..

نوع داخلى

يختص بمتابعه نشاط الدول المعادية والمنظمات الدولية داخل نطاق الدولة وحدودها

كمباحث أمن الدولة فى مصر . وجهاز الشين بيت باسرائيل ومكتب الجاسوسية بفرنسا والمباحث الفيدرالية بالولايات المتحدة

وتكون لتلك الأجهزة ولاية مطلقة على كامل أرض الدولة غير محددة بنطاق اقليمى كما هو الحال مع الشرطة العادية تختص بمقاطعه أو محافظة معينة .. لا تتعداها

لكن يحظر تماما على أجهزة الأمن الداخلى العمل خارج البلاد ولو حدث ودعت الحاجة الى ضرورة التواصل خارج نطاق الدولة يكون على تلك الأجهزة ترك العملية لجهات الأمن المختصة بالشأن الخارجى وهى أجهزة المخابرات

والنوع الثانى خارجى

وهى التى تختص بنوعين .. نوع يختص بمحاولة متابعه نشاط الدول الخارجية عبر عمليات التجسس ونوع آخر يختص بالعمل على منع تلك الأنشطة من النجاح فى مخططاتها ولكن يقتصر عملها هنا خارج البلاد الا اذا امتدت احدى العمليات الى داخل البلاد هنا يكون تدخل أجهزة المخابرات محدودا بنطاق العملية ذاتها وفقط .. فاذا اتسع نطاق العملية عليها طلب تعاون أجهزة أمن الدولة ..

وبنظرة بسيطة يمكننا ادراك أن رجال أمن الدولة هم رجال مخابرات داخل نطاق البلاد يتركز نشاطهم فى الجرائم غير التقليدية أو الجرائم التقليدية التى تحول الى غير تقليدية

فمثلا ..

من الجرائم الغير تقليدية التى تختص بها أجهزة أمن الدولة اختصاصا كاملا ..

كل أنشطة التجسس والارهاب والتآمر وعمليات زعزعة الاستقرار عبر النظم المخابراتية المختلفة

ومن الجرائم التقليدية

التى تتحول الى غير تقليدية ومن ثم يختص بها رجال أمن الدولة .. تلك الجرائم التى تبدو عادية فى طبيعتها مثل القتل وتجارة المخدرات لكن حدوثها أتى متعلقا بعنصر آخر غير تلك العناصر المعروفة لجرائم الدولية ... كأن يكون القتيل ممثلا دبلوماسيا لإحدى الدول الأجنبية مثلا أو تكون عملية التجارة فى المخدرات عبارة عن مخطط دولى معادى تشرف عليه أجهزة مخابرات أجنبية وليس مجرد مهربين كبار كما هى العادة

أى أنها تعد نوعا خاصا من الأمن هو الأمن السياسي

وبالنسبة لمصر ..

فقد عرفت هذه النظم قبل الثورة وان كنت أسقطتها من التحليل لكونها لم تتخصص باعتبارها جهازا وطنيا بل كانت معروفة باسم " البوليس السياسي " وكل مهمتها تنحصر فى حماية الأجانب وتطبيق نظم الحماية لسياسة الاحتلال البريطانى ..ولم تكن أهدافها بأى حال حماية أمن البلاد بما يطابق مفهوم الأمن السياسي الوطنى ..

وفيما بعد برزت المباحث العامة المختصة بالشأن السياسي والتى تغير اسمها فيما بعد الى مباحث أمن الدولة ..

وفى فترة الرئيس الراحل جمال عبد الناصر .. لم يكن للجهاز ذلك الاختصاص الفريد والنشاط المكثف فى حماية أمن البلاد بقدر ما كان لحماية أمن النظام من التنظيمات المختلفة .. الشيوعية بصفة خاصة اضافة الى تدخل جهات أخرى فى خلط كبير للعمل داخل البلاد مثل الأمن الحربي التابع للقوات المسلحة والمخابرات بنوعيها الحربية والعامة

ولا شك أن فترة الخمسينيات والستينيات كانت حاملة لصورة مخيفة لمختلف أجهزة الأمن لا سيما المخابرات العامة نتيجة للممارسات القمعية التى استخدمها النظام المصري على مستوى قياداته الصغري والكبري مما أساء الى تلك الأجهزة اساءة بالغه تعدت التجاوزات كثيرا فى الواقع .

وأغفل الجانب المشرق منها بعد أن طغى الجانب الأسود على الأنشطة الايجابية

وكان النصيب الأوفر من تلك السمعه السيئة من حظ جهاز المخابرات العامة لدرجة أن الاصطلاح المعهود به وصف تلك الفترة هو مصطلح " دولة المخابرات "

ولم ينل جهاز المباحث شيئا بعيدا من تلك السمعه نتيجة لطبيعه العصر ذاته والذى يمكن وصفه بعصر القوات المسلحة حيث كان الجيش مسيطرا على شتى مناحى الحياة وبرز بعض رجاله بروزا مذهلا فى الناحية السلبية بكل أسف وهم المجموعه المحيطة بالمشير عبد الحكيم عامر فى ذلك الوقت

وفى نهاية الستينيات

تمت محاكمة اللواء صلاح محمد نصر النجومى الشهير باسم صلاح نصر وعدد من كبار قادة الجهاز اضافة لعدد كبير من كبار وصغار ضباط القوات المسلحه بعد أحداث النكسة التى كانت إيذانا بانتهاء البطش العسكري الواضح والتفتت القوات المسلحة لمهمتها الكبري بعد أن تولى الفريق محمد فوزي وزارة الدفاع وفتح المجال أمام رجال الجيش المخلصين لبدء الإعداد لمعركة التحرير

وابتداء من تلك الفترة .. وخاصة بداية السبعينيات تزايد اختصاص الشرطة عبر جهاز أمن الدولة بالأمن السياسي الداخلي ولم تعد تتبع القوات المسلحة وقيادتها فى الشأن السياسي كما كان الحال مع فترة المشير عامر

ومع بداية فترة السادات .. تفجرت صراعات مراكز القوى وكان من بين أعضاء تلك الجبهة من رجال عبد الناصر السابقين اللواء شعراوي جمعه وزير الداخلية ..

وكان تحت يده فى الفترة من 67 الى 1971م .. ملفات الأمن السياسي كلها عبر جهاز المباحث العامة التابع له والذي اختص بتلك الملفات بعد إبعاد الجيش عنها

وشعراوى جمعه جدير بالذكر أنه لم يكن من رجال الشرطة فى الأصل .. بل كان رئيسا لفرع الخدمة السرية فى المخابرات العامة ( منصب قيادى وهام فى الجهاز )

وهو الشخص الذى قدمه المسلسل المصري رأفت الهجان على أنه شريف والى رجل المخابرات القيادى بالجهاز وقام بدوره الممثل المصري الراحل صلاح ذو الفقار ..

وبانتصار السادات فى معركة مراكز القوى ..

تغيرت خريطة جهاز الشرطة المصرية كله فى ذلك الوقت وازداد النفوذ شيئا فشيئا وان لم يبد واضحا الا بعد معركة أكتوبر 1973 م ..

فقد أتى السادات باللواء ممدوح سالم محافظ الاسكندرية ليتولى وزارة الداخلية وكان أول رجل شرطة تولى المنصب فى التاريخ الحديث وكان للحق اختيارا موفقا للغاية فممدوح سالم كان من أقوى رجال الشرطة كفاءة وتنظيما وسمعه على مستوى تاريخ الشرطة

فقبل الثورة كانت الوزارات سياسية غير متخصصة وجرت العادة على أن يتولى وزارة الداخلية أحد رجال القانون .. وبعد الثورة استولى رجال الجيش على زمام المناصب بما فيها الوزارات

ليأتى السادات بأول وزير من رجال الشرطة .. يتولى وزارتهم

وابتعد الجيش تماما عن الأمن السياسي كما ابتعدت المخابرات العامة أيضا عن العمل داخل البلاد الا فى نطاق ضيق ..

وانفردت مباحث أمن الدولة بالأمن السياسي الداخلى وتألق فى نجومها بتلك الفترة أحمد رشدى وكان برتبة العقيد وظل بالجهاز فى فترة ممدوح سالم وبعده فى فترة اللواء النبوى اسماعيل والذى كان عهده عهد الانهيار الأمنى الفادح لأمور لم يكن لرجال الشرطة شأن فيها ..

فقد سمح السادات للتيار الاسلامى بالظهور لضرب قواعد الناصرية والشيوعية فى مختلف فئات الشعب فى الجامعات والنقابات العمالية وغيرها ..

وكانت الأوامر الصادرة لرجال مباحث أمن الدولة فى تلك الفترة من منتصف السبعينيات صريحه

وهى منع التعرض نهائيا لنشاط الاخوان المسلمين والجماعات الاسلامية مهما كانت درجة التجاوز وبالذات فى الجامعات ..

مما سبب استفزازا عنيفا لرجال أمن الدولة وتذمر عدد من قادة الجهاز من أمثال اللواء حسن أبو باشا والعميد أحمد رشدى والعميد حسن علام الذين تابعوا التداعيات الخطيرة لسياسة إطلاق الحبل على الغارب للجماعات بالذات بعد أن أكدت تحرياتهم خطورة الوضع على الأمن العام بعد أن خرجت الجماعات الإسلامية عن طوع الإخوان ولم تعد تتبعهم بل تعدى الأمر حدوده أن التنظيمات السرية للجماعات الإسلامية ( التكفير والهجرة " شكرى مصطفي " ـ الجهاد الأول " محمد سالم الرحال " ـ الجهاد الثانى " محمد عبد السلام فرج )

والتى جهلها الأمن نهائيا أعلنت تكفير الإخوان وخيانتهم للدعوة السلامية الى الحد أنهم حاولوا الاعتداء على المرشد العام للاخوان فى تلك الفترة عمر التلمسانى فى احدى الندوات العاصفة بجامعه أسيوط كبري معاقل الجامعات فى نهاية السبعينيات ومن ثم فقد حملوا هم تلك الدعوة بمنطق الجهاد كما يرونه وهو تطبيق لكتابات أبو الأعلى المودودى وتحريفات أخرى مشوهة من كتب السلف أخضعها هؤلاء الشباب الضائع لعقلياتهم المريضة

وحملوا السلاح ووجهوه الى المجتمع من حولهم بزعم تكفيره

وشيئا فشيئا .. حملوه ضد من أعطاهم الفرصة للظهور .. ضد النظام القائم ..

ووقعت الواقعه ..

مع جهل أجهزة الأمن فى تلك الفترة بحقيقة التنظيمات التى تحكم التيار الدينى وتنظيماته لأنهم كانوا موجهين الى غيرهم كالتنظيمات الشيوعية وما الى ذلك وممنوعين من متابعه نشاط الجماعات

ومع الكبت الناجم عن اضطرار الشرطة للافراج فورا عن المتجاوزين من أعضاء الجماعات .. جالءتهم الفرصة أخيرا لتفريغ هذا الكبت عندما صدرت الأوامر بضرورة انهاء نشاط هؤلاء الفئة .. ولكن بعد فوات الأوان

وتفجرت المواجهات الدموية بين تلك التنظيمات التى بلغت من القوة أنها ردت النيران بالمثل ليفاجئ جهاز أمن الدولة بالأسلحه الأتوماتيكية فى أيدى هؤلاء الشباب والكارثة الحقيقية هى درجة البراعه التى تميز بها شباب الجماعات ومقاتليها لتتوالى الاكتشافات أن بعض خلايا تلك التنظيمات تسربت الى داخل الجيش مستغلة السخط العام على نظام السادات بسبب سياساته الداخلية والخارجية

وكان من دواعى الأسف الشديد أن بعض أعمدة تلك التنظيمات كانوا من ضباط الجيش الذى حارب معركة التحرير وفوجئ بعدها بالصلح المنفرد غير المبرر من السادات وانحيازه الى السياسة الأمريكية اضافة الى أن هؤلاء الأبطال تم نسيانهم فى دوامة الانفتاح الاقتصادى التى فرمت الطبقات الوسطى فرما

وكانت النتيجة أن أحد زعماء تلك التنظيمات كان العقيد عصام القمرى ضابط المدفعية فى أكتوبر والعقيد عبود الزمر ضابط المخابرات الحربية وغيرهم

وانطلقت العواصف الدامية أكثر وأكثر .. حتى كان عام 1981 م وفى ساحه العرض العسكرى تم اغتيال الرئيس محمد أنور السادات على أيدى بعض رجال القوات المسلحة من تنظيم الجهاد الثانى

وبعدها مباشرة تفجرت حوادث أسيوط الشهيرة والتى نجحت خلالها الجماعات الاسلامية فى احتلال مديرية أمن أسيوط ذاتها وكافة أقسام ومراكز الشرطة بالمحافظة وقتلوا فوق مائتى رجل شرطة من مختلف الرتب

فأين كان أحمد رشدي فى تلك الفترة يا ترى ..؟!!

كان اللواء أحمد رشدي فى ذلك الوقت مديرا لأمن القاهرة .. وفور اغتيال السادات قام بقيادة قوة مدرعه وتوجه الى مبنى الاذاعه والتليفزيون لحمايته لما فى الجهاز من خطورة فى تلك الظروف خاصة وأن الأمن على مختلف فئاته كان يجهل حدود عملية الاغتيال ونجح أحمد رشدى فى تأمين المنطقة .. وأفاق الأمن قليلا من الصدمة واتخذ اللواء حسن أبو باشا رئيس جهاز أمن الدولة التدابير اللازمة وانطلق بعدها الى أسيوط ليقود عملية تطهير المدينة من احتلال الجماعات .. وتمركزت قوة ضخمة من الأمن المركزي بقيادة أبو باشا وقامت باستخدام مدافع الأر بي جى لدك المنازل التي تحصن بها الجماعات ونجحوا فى إعادة السيطرة على المدينة ...

وخلال تلك الفترة عرف جهاز أمن الدولة حقيقة عدوهم واستمرت المعركة خلال الفترة الباقية من وزارة النبوى اسماعيل وأثناء تولى اللواء حسن أبو باشا وزارة الداخلية خلفا للنبوى اسماعيل .. واختار أبو باشا اللواء أحمد رشدى مساعدا له للأمن الاقتصادي حتى نهاية عام 1984 م ..

الوزارة ..

من الصعوبة بمكان أن نتخيل مدى قوة الصفعه التى تلقتها جميع أجهزة الأمن بلا استثناء بنجاح تنظيم الجهاد فى عملية اغتيال السادات ..

بداية من القوات المسلحه التى اغتيل قائدها الأعلى فى قلب عرينها .. ومرورا بالمخابرات العامة والحربية والحرس الجمهورى ووزارة الداخلية ممثلة فى جهاز أمن الدولة

وبسبب الأثر الرهيب لتلك الصفعه تحرك جهاز أمن الدولة فى عصبية وعنف لادراك مدى قوة خصمه خاصة مع تتابع العمليات الارهابية ضد أهداف حساسة وسقوط العشرات من رجال الشرطة وكبار ضباطها شهداء فى تلك المعارك لا سيما بالصعيد المصري ..

وبحكم الاختصاص

انفردت أمن الدولة بملف الجماعات كملف أمنى بالدرجة الأولى وكلفتها العصبية خسارة العديد من القضايا تحت تأثير استخدام التعذيب فى استنطاق أفراد الجماعات أو الانتقام وتفريغ الكبت ..

على النحو الذى تمثل فى قضية تنظيم الجهاد الثانية التى قدمت فيها أمن الدولة فوق المائتى متهم وكانت النتيجة أن أصدر رئيس محكمة الجنايات وأمن الدولة العليا فى ذلك الوقت المستشار عبد الغفار محمد حكمه المدوى ببراءة أكثر من مائة متهم ولم يتضمن حكمه أى حكم بالاعدام على أى من المقدمين بالرغم من أنهم من قيادات التنظيم كعمر عبد الرحمن ..

وانتقد المستشار عبد الغفار محمد فى مسودة حكمه العادل أسلوب أمن الدولة الأحمق فى التعامل مع المتهمين وغياب المعلومات الرهيب عن جهاز كان من المفترض أنه جهاز معلومات بالدرجة الأولى وطالبت المحكمة جهاز أمن الدولة بالتروى وحسن معاملة القضية حتى لا يتم تقديم أبرياء وترك الجناة الحقيقيين خارج أسوار المحاكمة اضافة الى غياب الجانب القانونى تماما ببطلان اعترافات المتهمين نتيجة التعذيب وتجاوزات التحقيق

وللحق ..

فان الخطأ لا يتحمله جهاز أمن الدولة بمفرده .. بل تتحمله سياسة الرئيس الراحل أنور السادات فى منع متابعه الجماعات أمنيا ورعايتهم تحت سلطته الشخصية ..

وجاء أبو باشا بأسلوب جديد هو أسلوب المراجعات الفقهية ..

فأتى بالمتهمين والجناة من السجون والمعتقلات وأجلسهم علنا مع كبار الفقهاء بمصر يجادلونهم فكريا أمام شاشات التلفاز المصري ونجح هذا الأسلوب الى حد بعيد فى رجوع الكثير من أبناء التنظيمات عن معتقداتهم الشاذة ..

وان تحجمت قوتهم مع وزارة أبو باشا وتمكن الأمن بعد السنوات الأولى العاصفة فى بداية الثمانينات من اختراق تلك الجامعات وأصبح الصراع متكافئا من حيث معلومات كل طرف

الا أن البقية القابعه خارج الأسوار لم تكن لتحتمل هذا الأسلوب ..

فحاولوا اغتيال أبو باشا وكادوا أن ينجحوا بالفعل عندما تربصوا بسيارته وأطلقوا عليه أكثر من خمسة وستين رصاصة تركته مضرجا فى دمائه .. وتم انقاذه بعناية الله وحده ومعجزة طبيه بكل المقاييس

وفى قلب تلك الأحداث ..

صدر القرار بتعيين اللواء أحمد رشدى وزيرا للداخلية خلفا لأبو باشا

المهمة المستحيلة ..

جاء اللواء أحمد رشدى وزيرا للداخلية فى فترة رهيبة من تاريخ مصر .. فترة منتصف الثمانينات .. ووجد فى انتظاره عدة ملفات يمثل كل واحد منها مهمة مستحيلة بحد ذاته ..

*ملف الجماعات

الذى ما زال مفتوحا بعد أن تعددت تنظيماته ولم تعد قاصرة على التنظيمات القديمة فخرج من القمم تنظيم العائدون من أفغانستان وتنظيم الناجون من النار

* ملف الفساد الرسمى

والذى أصبح عملاقا ومنظما يستنزف موارد البلاد المنهكة القوى ويختبئ تحت رعاية كبار مسئولى الدولة

*ملف تجارة المخدرات ..

وكان فى تلك الفترة .. عبارة عن ملف غير قابل للاختراق والعلاج بعد أن تطورت تنظيماته فى ظل الانشغال الأمنى بأحداث الارهاب ليتخذ ملف المخدرات طابعا تنظيميا جبارا

* ملف الأمن السياسي

الخاص بعمليات المخابرات الأجنبية داخل البلاد بعد أن ظهرت أيادى التمويل الخارجى لمختلف أنشطة التجسس والافساد ضد مصر

ولم يضع الرجل وقتا فى الواقع ..

وبكل حنكة وخبرة السنين الخوالى ..

وبحماسة ضابط فى العشرين من عمره .. لا ضابط قديم كان يستعد لسنوات التقاعد قبل تكليف الوزارة

فتح جميع الملفات دون انتظار ..

http://www.youtube.com/watch?v=dPwPafxqwUw

تم تعديل بواسطة موعود
رابط هذا التعليق
شارك

معركة الانضباط

فى دول العالم المسمى بالثالث .. وهو للحق يستحق وصف العاشر لا الثالث ..

من المستحيل ألا تجد للنفوذ أبهته الغاشمة بين أصحاب المناصب .. فهذه طبيعة خاصة تحكم تلك الدول بتشجيع الصمت المطبق من الشعوب وميلهم الغريب لقيود الاستعباد ..

ولذا كان من الطبيعى أن يجد أسلوب أحمد رشدى الجديد فى وزارته كل الاعتراض والتذمر من غالبية كبار رجال الشرطة .. بل وبعض المسئولين أيضا ..

ففي الشرطة كان تعليمات أحمد رشدى صارمة وقاطعه فى ضرورة متابعه القيادات الشرطية لأعمالهم من مواقعها .. والخروج من مكاتبهم المكيفة الهواء إلى حيث العناء الذى يعانى منه المواطنين بالشوارع

وتكاثرت حملات التفتيش والمتابعة التى جعلت مديري الأمن كل منهم بغادر مكتبه جريا وراء متابعه العمل الأمنى فى حدود محافظته

وعلى مستوى الخدمات المرورية لم يدع أحمد رشدى لأحد فرصة الاعتراض على محاولاته للإصلاح وضرب عرض الحائط بأية محاذير قد يواجهها من أصحاب النفوذ الذين ساءهم ضرب مصالحهم بأوامر المصادرة والمتابعة لحالات المرور والإصرار على تطبيق القانون ..

فكانت أولى الانجازات التى حققها أحمد رشدى انتظام الشارع المرورى إلى حد بعيد ..

وتغير أسلوب المعاملة بين رجال الشرطة والمواطنين وأصبح كل رجل شرطة مضطرا لبذل قصاري جهده سواء شاء أم أبي لإتمام عمله وواجبه وإلا كان الجزاء الرادع فى انتظاره ..

وبدا للجميع أن الصورة فى طريقها للتغيير بالفعل بين الشرطة والمواطنين مع الحزم الواضح لسياسة الانضباط الجديدة فى وزارة الداخلية .. على الرغم من أن تلك السياسات الجديدة جلبت على الوزير غضبا مكتوما فى قلوب وصدور الفئة المتسلطة من قيادات الشرطة والتى رأت الوزير يسلبهم بغيا حسبوه حقا لهم .. كما سببت نفس الشعور لدى بعض أولى السطوة وارتكن كل هؤلاء فى انتظار ما يسفر عنه الغد ..

وكان هؤلاء وأولئك أول المنتظرين !!

المعارك الساخنة ..

كانت حرب الباطنية ضد تجار المخدرات واحدة من أعنف مواقع اللواء أحمد رشدى ..

فملف تجارة المخدرات بمصر بدأ فى نهايات عصر السادات بانتشار مخدر الحشيش بطريقة غير مسبوقة مع تخفيف القبضة الأمنية عليه !!

وكان التخفيف ملحوظا لدرجة جعلت منه سلعه شبه مشروعه ومن هنا جاءت شعبية السادات فى الواقع لدى أوساط مدخني تلك السموم حتى أنها انتشرت كطرفة فيما بعد ..

لكن الأمر فى بدايته كان رهن السيطرة إلى حد كبير لأن السموم الفائقة التدمير لم تكن مصر قد عرفت تجارتها بعد كالأفيون والكوكايين والهيروين والتى كانت تستلزم قيام نظام تهريب كامل يستند إلى منظمات دولية معروفة تقوم بتهريب تلك السموم وتصديرها إلى من يقع اختيارها عليه من الزعماء الإقليميين الكبار ..

ولإيضاح الأمر أكثر .. فان مخدر الحشيش لا يعتمد على الاستيراد فقط لإمكانية زراعته وتوزيعه محليا ويقوم عليه وعلى تجارته تجار وزعماء جريمة داخليون وهم مهما بلغت خطورتهم فهم أهون أثرا من الجريمة المنظمة التى كانت ولا زالت قادرة على دك نظام أى دولة ..

لأن الجريمة المنظمة تعنى قيام الأنشطة الإجرامية على أسس تنظيمية عالية القدرة عبر اتخاذها ستارا فولاذيا من السرية والقوة من خلال مؤسسات اقتصادية ومالية ضخمة لها فى الواجهة نشاطها المشروع ومن الداخل تختبئ الأنشطة غير المشروعة في حماية تلك الأموال بالإضافة إلى جيش من خبراء القانون مهمتهم تطويع العقبات حال وقوعها ..

وتكتمل دائرة القوة بحرص تلك المنظمات على الوصول إلى المؤسسات التشريعية والتنفيذية لعدد من أفرادها بحيث يصبح نشاطها عبارة عن شبكة عنكبوتيه مستحيلة الاختراق ..

وتتبدى أكبر الأمثلة لتلك المنظمات فى المافيا الايطالية والأمريكية .. والياكوزا " المافيا اليابانية " والمافيا الروسية التى ظهرت عقب انهيار الاتحاد السوفياتى

والبلاد النامية عادة لا تعرف الجريمة المنظمة لأنها تحتاج اقتصادا قويا لتنمو فيه .. كما تحتاج إلى نظم غير قمعية لأن تلك النظم لا تحتاج مبررا من قانون لتفعل ما تشاء بمن تشاء

ولذا فالاتحاد السوفياتى لم يعرف الجريمة المنظمة إلا بعد انهياره وتحويل دفته الأيديولوجية من الشيوعية المنغلقة إلى الرأسمالية المفتوحة .. والوحيد الذي تمكن من تحجيم وتدمير قوة المافيا الايطالية التي كانت فى الثلاثينيات دولة داخل دولة غير " بينيتو موسولينى " مؤسس الفاشية وشريك أدولف هتلر فى الحرب العالمية الثانية حيث قاد ضدها حرب أنظمة بلا أى ارتكان أو بحث عن أدلة إدانة وينجح فى القضاء عليها لتنتقل المافيا الايطالية إلى الولايات المتحدة الأمريكية وتتشعب هناك

إلا أن لكل قاعدة استثناء .. والاستثناء هنا فى طبيعة مصر إقليميا ودوليا ..

فعلى الرغم من انتماء مصر إلى حلقة الدول النامية وصعوبة نشأة الجريمة المنظمة بها إلا أنها مع بداية عصر الانفتاح وتخفيف القبضة العسكرية للحكم وتحوله إلى نظام بوليسي ضاغط لكنه لا يمثل بالطبع درجة القهر التى عرفتها مصر فى الحقبة الناصرية

وجاء الانفتاح الاقتصادي ليمثل كارثة الكوارث لأنه وببساطة فتح سدا كان مغلقا بتمامه أمام رغبات استهلاكية بلا حدود .. مع النظام الاشتراكي التي كانت مصر تطبقه ويمنع الاستيراد منعا تاما إلا عن طريق الدولة ومن خلالها ..

فتفتحت شهية المواطنين على استيراد بلا حدود لشتى السلع وظهرت الثروات الفلكية فجأة مع مناخ الفساد المحمى من النظام القائم والذي عبر عنه أنور السادات فى كلمات موحية نسبها البعض إليه وهى " من لم يكون ثروة في عهدي فلن يكون ثروة "

فقد كان النظام السياسي غاضا للبصر على النهج الجديد الذي ارتفع بثروات ما لا يزيد عن خمسة بالمائة من الشعب هم المقربون والمتحالفون مع النظام عبر رؤى مختلفة ..

وفى خلال سنوات قليلة ظهر نموذج مثل رشاد عثمان الملياردير السكندري الذي بدأ حياته عاملا للشحن والتفريغ وخلال أربعه سنوات فقط قدرت ثروته بما يوازى 300 مليون جنيه تقريبا عند حصر أمواله وتقديمه للمدعى العام الاشتراكي .. ولسنا في حاجة بالطبع إلى عميق تخمين لندرك الأسلوب الذي يمكن من خلاله تكوين ثروة بهذا الحجم خلال تلك الفترة .. !!

" على حد قول الطرفة المصرية الشهيرة أنه لو امتلك آله لطبع النقود لاحتاج فترة أكبر من السنوات الأربعة لطبع كل تلك الملايين "

وهكذا تحقق الشرط الأول بوجود مناخ اقتصادي متعاون للجريمة المنظمة تمثل فى رعاية النظام نفسه أو على الأقل غض البصر عن آليات ورقابة السوق .. خاصة بعد أن استجاب الرئيس السادات لمطالب بعض المقربين من رجال الأعمال بإيقاف نشاط جهاز الرقابة الإدارية بمصر وهو الجهاز المختص بتتبع رشاوى المسئولين وقضايا الفساد

وبالنسبة لوضع مصر الدولى كدولة من أكثر دول العالم استهدافا من القوى الدولية المختلفة

فقد كان هذا هو العامل الاستثنائي لبدء عهد الجريمة المنظمة من جهات دولية معروفة بالطبع

ومع بداية الثمانينات توافدت على مصر تجارة السموم الأكثر خطورة .. والغريب أن التجار المحليين لم يكونوا ذوو ميل إلى تغيير النشاط من الحشيش إلى مشتقات الأفيون نظرا لخطورة عقوبتها التى تصل للاعدام وقلة شعبيتها باعتبارها قاصرة على فئات الغنى الفاحش ممن يمتلكون ثمن تكلفة هذا المخدر الرهيب ..

إلا أن رؤساء منظمات التهريب الكبرى فى تركيا واليونان بالذات سهلوا لهم التعامل وكثفوا الجهود وكان هدفهم بدفع تلك النوعية من السموم إلى مصر ضاغطا .. واتضح السبب فيما بعد عندما كشفت القضايا اللاحقة أن الممولين الأساسيين لتلك التجارة بمصر هم بعض رجال المؤسسات العسكرية والاستخبارات الإسرائيلية وهو ما تم كشفه عندما وصل الأمن القومي إلى أن أحد الملحقين الدبلوماسيين بالسفارة الإسرائيلية هو الزعيم الخفي كما يسمونه لتجار المخدرات الكبار بمصر

وازدهرت تلك التجارة بمصر فى منتصف الثمانينيات عبر كيانات عملاقة يساندها بعض كبار المسئولين

الملف برمته كان ملفا شائكا لم يقترب منه لا النبوي إسماعيل ولا حسن أبو باشا .. حتى جاء أحمد رشدي وجعلها معركته الأولى ..

الضوء الأخضر

لو تحدثنا عن الفترة الأولى من حكم الرئيس المصري الحالى محمد حسنى مبارك .. فإننا عندما نصفها بأغلى وأفضل فترة فى سنوات رياسته الخمسة والعشرين حتى اليوم فلا نكون بصدد أى مبالغه إطلاقا

بالرغم من أن البلاد فى تلك الفترة كانت فى وضع بالغ الحرج أمنيا بعد اغتيال رئيس الجمهورية فى مشهد درامي غير مسبوق

إضافة إلى أحداث جسام أثقلت الاقتصاد الوطنى وتركته ركاما حقيقيا بديون عملاقة لمختلف الجهات الدولية تتزايد فوائدها البنكية كل عام

وفى ظل أزمات سياسية للنظام مع سائر القوى الوطنية من أقصي اليمين لأقصي اليسار

ويضاف فوق هذا كله الخصومة العربية التي تم إعلانها ضد عقب إعلانها الصلح المنفرد بإسرائيل عقب المبادرة الشهيرة للرئيس السادات عام 1977 م ..

أي أن الرئيس مبارك استلم المسئولية في بلد يحتاج إلى إعادة تفكيك وبناء ليواصل دوره فى المجتمع الدولي .. وكانت الطبيعة الملتزمة للرئيس مبارك هي داعيه الأول لبدء التحرك الجاد دون زهو أو غرور بالمنصب فلم يجتمع إليه كهنة السلطان إلا بعد انفراده بالحكم عقب إستقالة المشير عبد الحليم أبو غزالة وزير الدفاع ورجل النظام القوى الذي كان بمثابة شريك كامل فى الحكم

وبالتالي فقد أصبحت الفترة الأولى برغم كل جسامة تأثيرها إلا أن المسئول هنا كان يعمل بنية مخلصة لم تتسرب إليها أبهة الحكم ودونما التفات لغرض إلا النجاح بالنهوض مرة أخرى بعد الموات الذي ضرب البلاد

وانعكست تلك الطبيعة تلقائيا على طريقة الرئيس في اختيار رجاله ..

وإذا حصرنا الحديث في نطاق وزارة الداخلية سنجد أنه لم يركن إلى استبقاء اللواء نبوي إسماعيل وزيرا للداخلية بالرغم من أن هذا الأخير كان أحد العوامل المساعدة في استقرار مقعد الرياسة له .. بعد أن بادر إلى تحذيره من الاتصالات التي يجريها الفريق كمال حسن على مع بعض المسئولين يشتم منها نيته في السعي للمنافسة على المنصب .. فتم إجراء الاستفتاء في موعده ولم يسمع أحد لاقتراح كمال حسن على بتأجيل الاستفتاء

أراد النبوي من مهمته تلك أن يضمن وجوده فى السلطة بقية عمره جريا على طريقة المغيرة بن شعبه عندما أحس بنية معاوية بن أبي سفيان رضي الله عنه لعزله عن العراق فقام إليه ذات يوم وأشار عليه بأن يعطى ولاية العهد لولده يزيد وكانت الفكرة لم تخطر لمعاوية قبل المغيرة لصعوبتها .. فأشار عليه المغيرة بالطريقة التي يستخلف بها ولده ويجمع البيعة له من مختلف الأمصار بأن يدعه يأتى له ببيعه العراق وعندما يري الناس البيعة قد توافدت لن يمتنعوا مع الترغيب والترهيب

فثبته معاوية على ولاية العراق وكلفه تنفيذ خطته لإتمام الأمر ليزيد من بعده .. وذهبت نية معاوية بالطبع فى عزل الغيرة أحد دواهي العرب الأربعة بسبب فكرته

لكن التاريخ لم يعد نفسه مع النبوي فلم يكن الرئيس مبارك وقتها ليقبل بوجود شوكتين فى الظهر كل منهما على وزارة من أخطر وزارات السيادة ويتعاملون معه باعتبارهم شركاء حكم لا وزراء تابعون

واكتفي الرئيس مبارك بالمشير القدير محمد عبد الحليم أبو غزالة

وعندما آن الوقت لاختيار وزير جديد للداخلية .. اختار اللواء حسن أبو باشا رجل مباحث أمن الدولة الذي تم هضم حقه أيام السادات وعادت إليه مناصبه مع وزارة النبوي كمدير للأمن العام وكانت نزاهته معروفة وأدى دورا من أخطر الأخطار في مقابلة الجماعات الإسلامية

وتبدت الفطرة النقية لمبارك فى تلك الفترة أيضا عندما اختار أحمد رشدي بالذات للداخلية بعد أبو باشا .. بكل ما عـُرف عن هذا الرجل من استقامة وصرامة

وتأكدت تلك الفطرة مع التصريح الذي طلبه اللواء أحمد رشدي صراحة من الرئيس مبارك بالسماح له بالعمل دون محاذير تخص أي شخص أو فئة ..

وكان التكليف مشجعا ..

فأشرف اللواء أحمد رشدي بنفسه على عملية الحرب التي أعلنها فى مؤتمر صحفي .. وبدأت بدراسة ملفات تجارة المخدرات والعقبات التي تعيق النفاذ إلى مصادر تمويلها الكبري ..

واكتشف اللواء أحمد رشدي لدهشته أن حيا من أفقر أحياء العاصمة المصرية القاهرة هو حي

" الباطنية " هو المركز والعصب الرئيسي لتجارة المخدرات بمصر كلها !!

فبهذا الحي الضيق المتميز بكثرة تفرعاته تنصب المخدرات الآتية من شتى أنحاء العالم ومن بؤر التصنيع المحلية على يد كبار المهربين لتبدأ رحلتها مجددا من الحي إلى حيث تجار التجزئة

وبالرغم من عشرات بل مئات الحملات التفتيشية التي قامت بها مباحث مكافحة المخدرات على الحي إلا أن هذه القوات الضخمة لم تفلح ولو لمرة واحدة في ضبط واحد من بؤر التجارة الجهنمية أو الإيقاع بواحد من حيتان السوق فيها ..

فلما درس أحمد رشدي الملفات بحثا عن مبرر منطقي لكيفية فشل رجال الشرطة فى العثور على المخدرات .. خلص بعقلية رجل أمن الدولة القديم إلى أن هناك تواطؤ مكثف من بعض رجال الشرطة حتما وإلا كيف تصل معلومات قيام الحملات قبلها بفترة لتختفي المخدرات في دقائق وهى التي كانت تباع علنا في شوارع الباطنية وأزقتها ويقف المدمنون في صفوف ينتظرون جرعتهم

وشكل الوزير فريق العمل الذي اختار على أعلى مستوى واكتشفوا ببساطة مرعبة أن جميع رجال الشرطة السريين المبثوثين كمرشدين للمباحث في قلب الحي هم الذين يتولون عملية تحذير مافيا المخدرات لتتخذ أهبتها وتختفي في سراديب غير معلومة

وتم إعداد خطة متقنه على طريقة عمليات المخابرات لا عمليات الشرطة وتم توجيه الأوامر لجميع رجال الشرطة المتواجدين بالحي بحجة عقد اجتماع مع الوزير الجديد .. وبمجرد أن تم التأكد من خلو الحي من المرشدين القدامى .. انطلقت قوات الشرطة فى عرباتها المصفحة ولم تعلم بطبيعة اتجاهها ومهمتها إلى في الطريق إلى حي الباطنية بالفعل ضمانا للسرية الكاملة

وتساقط رجال مافيا المخدرات كالذباب في واحدة من كبري عمليات المباحث ضد تجار السموم

وكان للعملية وقعها المؤثر دون شك ..

إلا أنها وعلى الرغم من تأثيرها لم تكن إلا مجرد البداية لما أراد أحمد رشدي الوصول إليه

فإنهاء تلك التجارة لم يكن يقتصر فقط على إنهاء أسطورة الباطنية بدك معاقل تجار المخدرات بها وإقامة الشرطة على نحو دائم بالحي الشهير

بل إنها كانت ضربة البداية اللازمة لإرجاع هيبة الدولة إلى تلك البؤرة بمنع ظواهر الانفلات الأمني الرهيب الذي تبدى في تجارة المخدرات وبيعها علنا

وكانت التثنية في تطهير إدارة مكافحة المخدرات بالوزارة وضم عناصر نشطة جديدة إليها يجهلها المهربون الذين بلغت قوتهم أنهم جمعوا ملفات لكبار ضباطها وصغارهم !!

وكانت الضربة الثالثة إعادة تشكيل وتخطيط أسلوب رقابة المنافذ التى تأتى المخدرات عبرها .. وانطلقت قوات الشرطة والمكافحة تغلق الطريق أولا فى وجه الزراعة الداخلية لنبات الخشخاش والتى تركزت فى سيناء بشكل أساسي ..

ومن ناحية المطارات والمنافذ البرية والبحرية .. أدخل أحمد رشدى لأول مرة أسلوب استخدام الكلاب البوليسية المدربة فى التفتيش والفحص

إضافة إلى استمراره فى معالجته قضية المخدرات باعتبارها قضية أمن دولة لا قضية جرائم جنائية .. وبالتالي شهدت المعركة أساليب أقرب لأساليب لعمليات المخابرات ورد الصاع لشبكات تجارة المخدرات عن طريق اختراقهم من داخلهم بعملاء ومرشدين مدربين وعلى مستوى الضباط لا المرشدين التقليديين من صف الضباط وغيرهم .. فأصبحت الآية معكوسة ..

الشبكات تم اختراقها وعجزت فى نفس الوقت عن مجاراة أحمد رشدي فى أسلوب حصوله على المعلومات ..

وكانت النتيجة أن أعلنتها شبكات تجارة المخدرات حربا ضروسا ضد هذا الوزير الذى قطع عليهم كل سبيل وعلى نحو لم يستطع وزير من قبله أن يتبعه ..

ولا يمكننا هنا بالطبع أن ننسي أن الزعماء الكبار والممولين كان منهم بعض كبار المسئولين فى الدولة وفى مواقع مختلفة أيضا ..

وكان أن وجدت شبكات التهريب نفسها وقد تقلص نشاطها إلى أدنى مستوياته مما سبب لهم خسائر بالملايين ..

فاتخذت الشبكات قرارا مصيريا يعوضها عن تلك الخسائر باتباعها لطريقين رهيبين

الأول

تغيير النشاط من المخدرات البسيطة إلى الأنواع الثقيلة .. البودرة بأنواعها من مشتقات الأفيون

وذلك لصعوبة كشفه من جهة .. ولارتفاع منسوب أرباحه إلى عدة أضعاف ..

الثاني

تكثيف التعاون مع الجهات الخارجية وهو الأمر الذى كان نوعا ما مقصورا على العملاء الرسميين للدول الأجنبية .. فلما وجدت أجهزة المخابرات المعادية إمكانية وسهولة الاتصال بشبكات التهريب مواتية نتيجة لحاجتهم الماسة إلى الدعم ..

وفوجئ أحمد رشدي بهذا التطور الفادح ..

وغرقت البلاد فى الأنواع المدمرة من السموم المخدرة الغير تقليدية وشهدت البلاد منها أنواع البودرة المختلفة بكثافة أكبر من ذى قبل إضافة إلى أنواع جديدة منها لم تعرفها البلاد من قبل ليظهر بمصر لأول مرة مافيا الأدوية المخدرة .. من الأنواع البسيطة كحبوب ومسكنات جدول المخدرات إلى الماكستون فورت

ولم يتمهل أحمد رشدى بعد أن بلغه التطور الجديد .. فقام بتكثيف المراقبة على نحو أشد على جميع المنافذ .. وأدت الكلاب المدربة دورها بعد إعادة تدريبها على الأنواع الجديدة .. وشدد الرقابة على شركات الأدوية وعلى الصيدليات ..

كما زاد من تكثيف المراقبة على التجار والممولين باستخدام عناصر كانت من داخلهم وتم إعادة تأهيلهم ومكافأتهم نظير التعاون ..

واستمرت الحرب على حافة الاشتعال طيلة فترة ولاية أحمد رشدى ..

وبدا للمراقبين أن هذا الوزير الفذ على وشك تحقيق انتصار ساحق على تجارة المخدرات ..

واضطربت أعصاب مافيا المخدرات والمتعاونين معها ..

وألقوا ببصرهم على امتداد الرؤية طمعا فى حادثة تقلب مجرى الأمور والحوادث

رابط هذا التعليق
شارك

معركة الأمن القومى

على الرغم من أن معركة المخدرات كانت عبارة عن معترك حقيقي للانشغال إلا أن هذا لم يمنع أحمد رشدى من تفعيل دور مباحث أمن الدولة وأجهزة الوزارة المختلفة لتحجيم ومنع نشاط المخابرات الأجنبية والمنظمات المختلفة داخل البلاد ...

وكانت تلك الفترة الساخنة فى منتصف الثمانينات مثار اهتمام عاصف من مختلف الأنظمة .. وتحت سعى النظام المصري لتأمين البلاد فى ظروف بالغه الحساسية .. أفرزت الجهود عن شبكات تجسس ومخططات خارجية لضرب الأمن واستقرار البلاد بمختلف وسائل الإرهاب

ومن المؤسف أن العديد من عمليات النجاح التى صادفها الأمن المصري ما زالت طى الكمان إلا فيما ندر

لكن من حسن الحظ أن إحدى أقوى عمليات الأمن المصري فى ذلك الوقت تم الكشف عنها بحينها ..

ليس هذا فقط ...

بل تم إخراجها تليفزيونيا بحيث صارت العدسات عاملا رئيسيا فى تتابع القصة

حتى أنها داعبت خيال أهل السينما فتم تناول القصة بفيلم سينمائي شهير من بطولة إسعاد يونس وسهير البابلي وقام بدور الوزير أحمد رشدى فيها الممثل المصري نظيم شعراوي وقام بدور ضابط أمن الدولة المختص بالقضية الممثل المصري الراحل صلاح قابيل

وأعنى بها عملية البكوش

عملية عبد الحميد البكوش

من المعروف .. أن الصراعات العربية ـ العربية .. لا تتخذ طابعا إعلاميا فى العادة .. كما لا تتخذ طابع التخابر بطبيعة الحال .. على اعتبار أن الأمور مهما زادت بين أطراف عربية فلا توجد مبررات منطقية لتصعيد الصراع لعمليات الإرهاب والتخابر ..

إلا أن لكل قاعدة استثناء .. والاستثناء هنا مؤسف قطعا ..

ومن قبيل المصادفات والمفارقات الغريبة .. أن عمليتين متشابهتين شكلا ومضمونا جرت وقائعهما بين بلدين شقيقين كانت مصر عاملا مشتركا فيهما والفاصل الزمنى بينهما أكثر من خمسة وعشرين عاما

العملية الأولى عملية عبد الحميد السراج والثانية عبد الحميد البكوش وكلتا العمليتين كانتا مختصتين باغتيال الشخصية المرصودة .. وكلتا العمليتين .. وقفت فيهما مصر موقف المدافع عن الضحية .. وكلتا العمليتين انتهتا بفشل المخطط ونجاح الجهود الأمنية المصرية فى إنقاذهما .. وكلتا العمليتين كانت الضحية فيهما شخصية مسئولة وحكومية كبيرة فى بلدها فى نظام سابق على النظام الذي رصدها للاغتيال

وكلتا العمليتين نفذهما بنجاح مبهر أحد رجال الأمن المصريين المشاهير العملية الأولى نفذها رجل المخابرات الأسطوري محمد نسيم والثانية نفذها الوزير أحمد رشدى

الفارق هنا أن وقائع العملية الأولى جرت في سوريا والأردن ولبنان .. وعاد فيها عبد الحميد السراج إلى مصر كما سبق رواية أحداثها في معرض الحديث هنا عن رجل المخابرات المصري محمد نسيم

بينما العملية الثانية جرت وقائعها في مصر ..

عبد الحميد البكوش .. رئيس الوزراء الليبي الأسبق .. اللاجئ السياسي لمصر فى تلك الفترة ..

وصلت إلى جهاز مباحث أمن الدولة المصري معلومات مؤكده وبالتفاصيل عن مخطط محكم لاغتياله بالقاهرة وتم تكليف منظمة إرهابية أوربية شهيرة للقيام بالعملية نظير مبلغ ضخم تم سداد نصفه نقدا للمنظمة باليونان وتبقي النصف الآخر لما بعد التنفيذ

ولخطورة الأمر .. تم إبلاغ الوزير أحمد رشدى انتظارا لرؤية القيادة السياسية في العملية وان كانت الرغبة مع إلقاء القبض على فريق الاغتيال فور وصوله أم تتبع العملية والخروج بقضية كبري وجاءت الأوامر متفقة مع وجهة نظر الوزير ...

وتم التخطيط للخروج بعملية ناجحة ومتكاملة ..

وبناء على خطة الخداع المبهرة التى تمت .. تم السماح لعنصري المنظمة الذين وصلا للتنفيذ بالدخول وتم وضعهما تحت الرقابة المحكمة .. وتُركا يمارسان خطتهما بكل حرية .. وتم الدفع بضابطين من ضباط أمن الدولة للاتصال بهما وإيهامهما أنهما ضابطان منشقان عرفا من جهازهما بالعملية التى قدما لانجازها .. وصرح الضابطان لهما أنهما على استعداد للقيام بتلك المهمة نظير المبلغ المحدد للعملية

ولا يمكن بالطبع أن يلام عضوى المنظمة على تصديق ادعاء الضابطين ..

فالمنظمة المحترفة كانت تلم بمعلومات كاملة عن جهاز الشرطة المصري وتعرف مدى الترهل الذى أصيب به قبل وأثناء حادث المنصة إضافة إلى أن جهاز المباحث تحديدا لم يكن يركز على العمليات الخارجية مع انشغال الوزارة وأجهزة الأمن بملف عمليات الإرهاب الأصولي وعمليات تجارة المخدرات مع مقدم الوزير الجديد أحمد رشدى

وثمة سبب آخر كان داعيا للأمن والتصديق من المنظمة الشهيرة .. وهى أن أسلوب الشرطة المصرية والذى لا يختلف عن أساليب الشرطة التقليدية لم يكن يركن أبدا لأساليب التخابر والسعى لقضية متكاملة وعملية مبهرة على المستوى الخارجى

ومد حبال الصبر مع عملية مكشوفة كعملية البكوش فالمفروض بالمنطق أن أجهزة الأمن لو عرفت لما أرسلت الضابطين للخداع .. بل حتما كانت ستتخذ التدابير اللازمة لإفشال العملية والقبض على المنفذين .. فهذا الأسلوب قاصر على عمليات المخابرات فقط .. فأجهزة المخابرات فى المقام الأول يهمها توجيه ضربة قاصمة للخصم عن طريق الصبر والمتابعه وعدم إظهار ما تملكه من معلومات حتى تستوفي العملية ثمارها من المنفذين والمخططين .. ولهذا فأجهزة المخابرات عندما تكتشف جاسوسا أو رجل مخابرات معاد .. من الممكن أن تتركه يواصل عمله وتضعه تحت المراقبة لمدد طويلة ومتفاوتة وتستغل تصورات الأمن لديه للاستفادة منه ولا تنهى العملية بإلقاء القبض عليه إلا بعد استنفاد الغرض منه

لهذه الأسباب اقتنعت المنظمة بصدق نية الضابطين وتم مد جسور التعاون بينهما بالفعل ..

وحاز الضابطان نصف المبلغ مقدما عن العملية ونفذاها بالفعل وتم اغتيال البكوش أمام عينى عميلي المنظمة الذين تابعا جسد البكوش الغارق فى دمه قبل أن يودعه الضابطان أحدى المقابر المهجورة ويسرعا مع العميلين بالهرب .. بعد أن سمح الضابطان لعميلي المنظمة بالتقاط الصور الفوتوغرافية لجثمان البكوش ..

وبعد التنفيذ رفض الضابطان السماح للعملين بالرحيل قبل أن يتقاضيا بقية المبلغ المتفق عليه .. وأتى المبلغ مع عميل المنظمة الثالث الموجود فى اليونان ..

وعندما أتى العميل الثالث بالمبلغ وجد الشرطة فى انتظاره وتم إلقاء القبض عليه ومصادرة المبلغ ليلحق بزميليه رهن الاعتقال وهو بادى الذهول عندما اكتشف الخدعه التى وقعت فيها منظمته

وفى مؤتمر صحفي وتليفزيوني عالمى لوزير الداخلية اللواء أحمد رشدى يشرح تداعيات العملية ..

إلا أن الجمع المتكاتف من عدسات التصوير ومندوبي الصحف القادمين فى الأساس لسماع خبر وأسباب اغتيال اللاجئ السياسي عبد الحميد البكوش خاصة مع إعلان الصحف فى الأيام السابقة عن نجاح عملية الاغتيال وتم نشر صور الضحية بالفعل

فوجئ العالم كله بوزير الداخلية مبتسما وهو يلقي التحية على جمع المندوبين وأمام كاميرات التصوير مد الوزير يده إلى باب مجاور وسحب شخصا ما .. فإذا به اللاجئ السياسي المغتال ووقف البكوش أمام عدسات التليفزيون سليما معافي يستقبل نظرات الذهول .. وتضاعفت شعبية الوزير الأسطورى الذى كان عصره عصر تألق أمنى وتكاتف شعبي ـ شرطى غير مسبوق ..

وبطبيعة الحال ترصدت القوى الدولية التى فشلت عملياتها بسبب أحمد رشدى وكان داعى همها وجود هذا الرجل فى منصبه

وكانت تلك الفئة هى الفئة الثالثة المنتظرة والمترقبة

قصة السقوط

لم تكن تلك الفئات التى أصاب رشدى مصالحها فى مقتل تركن وتنتظر وهى مكتوفة الأيدى بالطبع ..

وما كان وقوف أحمد رشدى منفردا فى ساحة من الذئاب ليجدى إلا لو تكاتفت حوله قوى تعاونه من مختلف القيادات .. وهو ما لم يحدث للأسف لطبيعة الفساد الذى أصبح هو الأصل وتراجع الحق لتخذ مرتبة الاستثناء

وتعددت العداوات بين البسيط والفادح لهذا الوزير وكلها أخذت تتحرك منفردة أو متعاونة لضرب هذا الوزير العقبة بأى شكل .. والملاحظ قطعا أن كل فئة من تلك الفئات الكبري كان لها الأعوان والقوى ما يجعل الواحدة منها كفيلة بالاطاحه بنظام كامل إن أرادت

فبداية كان ضباط الوزارة الكبار من العينة التى كانت تؤيد التسلط والنفوذ .. ممن لم يرضيهم قطعا إيقاف الوزير لهم عند حدود عملهم فقط

ورجال المال والأعمال أصحاب التحالف بين رأس المال والسلطة لتكوين قوى الفساد الاقتصادي الكبري وهم فئة من أكبر فئات المجتمع قوة وقدرة لسيطرتهم المتشعبة على مختلف مصادر الاقتصاد والنفوذ

وكان هناك الممولون الكبار لتجارة المخدرات والمهربين المتسترين خلف تغطيات مختلفة ونفوذ دولى واقليمى واسع

وليست هناك حتى الآن وعلى الرغم من مرور ما يزيد عن عشرين عاما معلومات واضحة أو حقائق مؤكده عن مسئولية فئة منهم منفردة أو مسئوليتهم مجتمعين عن تلك المؤامرة التى أطاحت برشدى من منصبه فى صدمة قاتلة للجميع

غير أن المؤكد والشاهد هو أن تلك الأحداث المعروفة باسم أحداث الأمن المركزى والتى كانت السبب الرئيسي فى إقالته لم تكن أبدا كما حاول أن يصورها البعض عبارة عن أحداث واقعية ومنطقية

لا سيما وأن الفئات التى أضرها رشدى جعلت همها الحقيقي بعد الأزمة تشويه أحمد رشدى وانجازاته وعصره الذى شهد به الكبير والصغير وتعاونت تلك القوى على تغييب اسم الرجل تماما بعد رحيله حتى أنهم نجحوا بالفعل فى جعل اسمه منسيا ومهملا بالرغم من أن فترته كانت ولا زالت محفورة بقلوب من حضرها على جميع المستويات

فتعالوا نتعرف كيف كانت المؤامرة

أحداث الأمن المركزى

بدا أمر تلك الأحداث وكأنه عود من الثقاب اشتعل فجأة فى محيط من الوقود وانتشر بسرعه مذهلة وغامضة تفوق قدرة المتابعين على استيعابه وتفوق أيضا التتابع المنطقي لحدث فى حجمه

ففجأة .. وبدون أي سابقة تمهيد بلغ الوزير أحمد رشدى أن معسكر الأمن المركزى بالهرم سرى فيه نوع من التمرد ؟!!

ولما كان الحدث غير مسبوق وغير مبرر والأخطر أنه كان منذرا بعاصفة من الفوضي مع خطورة هذا القطاع الذى تم تشكيله أيام السادات كقوة عسكرية تنتمى للشرطة لمعاونتها فى مجابهة أحداث الإرهاب التى احتاجت إلى إمكانيات قتالية لم تكن الشرطة التقليدية بقواتها العادية بقادرة على مجابهتها .. فلزم الأمر إنشاء قطاع متخصص يحتوى على القوة اللازمة كما وكيفا وتدريبا يتبع الشرطة باعتبارها المختص بأعمال الأمن الداخلى وكذلك لمنع اللجوء للقوات المسلحة للعمل داخل البلاد باعتبار أن الأمن القومى يقتضي بقصر نزول الجيش للشارع إلا فى حالات بالغه الندرة لكون المؤسسة العسكرية تختص بالأمن الخارجى ولا يحبذ إقحامها داخليا وإلا كانت صورة النظام الحاكم غير مرغوبة أمام الجماهير باعتباره نظاما عسكريا أو غير قادر على حماية شرعيته

ويمكننا بالطبع مدى فداحة القلق الذى استبد بالوزير عندما علم ببداية التمرد إذا عرفنا ما هي هوية الأمن المركزى وكيفية اختياره

فقطاع الأمن المركزى يتم تغذيته من دفعات المجندين المتقدمين للخدمة العسكرية ويتم إلحاقهم بالشرطة لتأدية خدمتهم العسكرية كجنود شرطة لا جنود جيش

واختيارهم ـ وهذا هو الفادح فى الأمر ـ يكون له شروط تتمثل فى انعدام المستوى التعليمى والثقافي أى من الفئة الشديدة الأمية البسيطة من المتكاملين جسدا ولياقة والتى تكون ذات مستوى ذكاء محدود للغاية

وذلك حتى يمكن السيطرة عليهم باعتبارهم آلات بشرية تتحرك بأوامر قادتها دون أدنى تفكير أو مناقشة

ويتم إعدادهم وتدريبهم على أعلى مستوى قتالى وتسليحهم بالأسلحة الأتوماتيكة والعسكرية البسيطة فى بعض الأحيان .. وتكون لهذا القطاع معسكراته الخاصة وهى أربعه معسكرات فى القاهرة الكبري ومعسكر فى كل منطقة أو قطاع من الدولة

ولا يتحرك الأمن المركزى من معسكراته إلا بأوامر من القيادات العليا للشرطة بخلاف تلك القوى المركزية التى تعمل على حراسة المبانى والمنشآت والهيئات الحساسة والتى تتواجد بها قوة من الأمن المركزى بصفة دائمة

وجنود بتلك القوة الغاشمة وهذا الانعدام فى الإدراك والتفكير لا يمكن تصور فداحة تمردهم لأنه سيكون فى تلك الحالة عبارة عن تمرد ثيران هائجة من المستحيل السيطرة عليها

وعندما هتف الوزير فى مساعديه متسائلا عن سبب التمرد وحدوده .. جاءته الإجابات متخبطة فى معظمها أثارت غضبه أكثر فأرسل لقائد الأمن المركزى والذى أتى من فوره مطمئنا الوزير أنه تمرد بسيط جارى السيطرة عليه وأن سببه اشاعه قوية انتشرت بين صفوف الجنود عن نية الوزير فى مد خدمتهم إلى سنة رابعة عقب انتهاء فترة الثلاث سنوات التى من المفترض أن تنتهى بها مدة خدمة الجندى

ولم يكن هناك وقت للدهشة أمام الوزير .. وهو يتساءل عن كيفية تفجر تلك الاشاعه غير الصحيحة جملة وتفصيلا

وعلى الرغم من طمأنة قائد الأمن المركزى لوزيره إلا أن عقله لم يهدأ وفضل أن يتابع الأحداث من موقعها مهما كانت المخاطر

وفى الوقت نفسه كانت الأحداث تتصاعد إلى نذر عاصفة عندما انفع جنود معسكر الهرم إلى الشوراع المحيطة بتلك المنطقة السياحية الهامة ليدمروا ما يعترض طريقهم فى عنف ووحشية وثورة .. وتحولت المنطقة إلى فوضي عارمة .. وتحطمت عشرات السيارات والحافلات والمحال وواجهات الفنادق الكبري وانتشر الذعر بشكل مكثف وسقط العديد من الضحايا .. كان من الممكن أن يتضاعف عددهم لولا أن تمكن قائد إحدى الحافلات السياحية الضخمة من الفرار سليما بركاب الحافلة

وانتقل التمرد فى وقت قياسي إلى المعسكر المجاور بالجيزة ومنه إلى مختلف معسكرات القاهرة ثم بعض معسكرات المحافظات الكبري كأسيوط

وانتقلت الأزمة إلى العلام الذى نقل الوقائع إلى مختلف الشاشات اقيليمة وعالمية والى مختلف الصحف مما أنذر بتزايد أثر الانفلات الأمنى

وكانت كلمات قائد الأمن المركزى الخادعة للوزير سببا فى التحرك بما يوازى سرعه الأحداث

وهنا تحركت الجهات السيادية وعلى رأسها مؤسسة الرياسة لضبط الأمر

وانطلقت مروحيات الهليوكوبتر حاملة معها منشورات تؤكد كذب الشائعة وتم إلقائها على جموع الجنود الثائرين دون فائدة ؟!!

وهنا لم يعد هناك بد من اللجوء لحل جذرى قبل أن يفلت الزمام أكثر وأكثر

وصدرت الأوامر للمشير أبو غزالة وزير الدفاع بالتدخل ..

فأصدر الوزير أوامره بنزول عدد من وحدات الصاعقة القتالية وبعض وحدات المدرعات لإقرار الأمن والسيطرة على الموقف

وكانت الأوامر صادرة باستخدام السلاح حال مجابهة نيران من المتمردين وعدم استخدام السلاح مع غير المسلحين

وانطلقت وحدة مدرعة إلى معسكر الأمن المركزى بالهرم الذى شهد بداية الكارثة واعتصم به العديد من الجنود المسلحين وتعاملت قوة الجيش بسرعه وقوة وسيطرت على الموقف لفارق الإمكانات التدريبية والتسليح

كما انطلقت كتيبة من الصاعقة إلى مختلف الشوراع التى شهدت فوضي الجنود وفى خلال ساعات محدودة تمكن أفراد القوة من التعامل مع أفراد الأمن المركزى بالقتال اليدوى طبقا للأوامر الصادرة لمواجهة المتمردين العزل من السلاح

وكانت المعارك القتالية فى قلب شوراع العاصمة لافتة لنظر من شهدها خاصة مع تميز أفراد الصاعقة فى التدريب القتالى الذى حسم الأمر بالقطع رغم ضخامة أجساد جنود الأمن المركزى والذين تطايروا أمام ضربات رجال الصاعقة على حد قول شهود العيان

وبعد السيطرة على الأمر أمنيا من جهات عليا تم إنقاذ الوزير أحمد رشدى الذى غامر بالذهاب منفردا بمقر معسكر الهرم فتلقفه بعض الجنود الثائرين بالحجارة وما تدركه أيديهم وكان الوزير الخالى من الحراسة معرضا للقتل بمنتهى البساطة لولا أن أدركته القوات الخاصة فى الوقت المناسب والدماء تفجر من وجهه ..

إلا أن الدهشة وشعور الصدمة لدى الوزير كان يفوق بمراحل الدماء المتفجرة .. لأكثر من سبب

كان يتساءل عن مصدر الشائعة وقوتها فى تحريك غضبة الجنود وكان مذهولا من استقبال الجنود له وهو الوزير الشعبي بهذا الشكل وأيقن تماما بغموض محرك الأحداث

ثم عض شفتيه قهرا وألما وهو يتذكر كلمات قائد الأمن المركزى وكانت كلماته لهذا الأخير عندما رآه معبرة تماما عن صدمته

" إن ما حدث كان مؤلما .. إلا أن ما آلمنى أكثر خديعتك لي وأنت تقول بسيطرتك على الأحداث "

وفور هدوء الأحداث اجتمع الرئيس مبارك مع جنود الأمن المركزى فى معسكراتهم لتلطيف الأجواء .. وأصدر أوامره بسرعة التحقيق فى الأحداث .. وتفجرت حقائق لافته فى التحقيقات كان منها شهادة بعض الجنود الذين رفضوا التورط فى التمرد فى معسكر الهرم بتعرضهم لضغوط وتهديدات بعض زملائهم لإجبارهم على المشاركة .. كما ظهرت بعض المنشورات التى تم توزيعها من مصادر مجهولة على الجنود وكانت تحتوى على تأكيدات بخبر مد الخدمة لعام إضافي

وصدر القرار بإقالة الوزير .. وتحميله مسئولية الأحداث !!!

وتحقق الهدف الذى سعت إليه معظم الجهات المتضررة من رشدى .. والتزم اللواء أحمد رشدى الصمت التام ورفض الحديث عن الوقائع وعن الإقالة مكتفيا بشعور الصدمة واعتكف فى بيته تقريبا بالرغم من وجود تعاطف شعبي ورسمى معه لكنه كان تعاطفا بلا فائدة

وما زالت تلك الأحداث والوقائع غامضة فى أكثر حقائقها وكيفية تحريكها وتناثرت الشائعات قوية عن التواطؤ الكبير ضد الوزير وعمد تحميله الأحداث .. وهو قطعا يتحمل المسئولية لكن إن كانت تلك الثورة قائمة على أسباب ووقائع منطقية وهو ما تنفيه الأحداث

كان من دلائل الابتهاج لخروج الوزير ..

فرحة تجار المخدرات الذين احتفلوا بخروج رشدى بأسلوب مميز عندما نزل الأسواق صنف جديد من مخدر الحشيش أطلق عليه صغار الموزعين اسما لافتا وهو " باي باي رشدى " !!

وأسدلت الستائر على قصة هذا النابغ المتفرد .. والصقر الذى حلق خارج السرب فكان لزاما إيقافه

وانتهى عصر الوزير الذى خالف القانون .. لأجل القانون

خالف قانون العصر .. لأجل قانون الشرعية

رابط هذا التعليق
شارك

جميع ما يكتب فى هذا الموضوع هو اقتباس من النت

ومصادرة سهله ويمكن البحث عنها

ولكنى احببت ان اجمعها مكان واحد لكل اعضاء المنتدى

رابط هذا التعليق
شارك

أبو غزالة

من "النجم الساطع" إلى "خريف الغضب"

(1-5)

لم تكن مجرد "حالة" تصفيق عادية، بل "تياراً" سرى إلى وجدان الجميع

في تلك الليلة من ليالي أكتوبر تشرين أول عام 1998 التي شهدت احتفالاً باليوبيل الفضي لحرب أكتوبر 1973، شعر الجميع أن التصفيق الحار الذي ناله وزير الدفاع المصري الأسبق المشير محمد عبد الحليم أبو غزالة، ترحيبٌ عفوي وتقديرٌ صادق..وربما رسالة إلى من يهمه الأمر

لم يتصور كثيرون أن يستمر التصفيق بضع دقائق للمشير الذي عاد إلى الظهور بعد غيابٍ أو ابتعادٍ مقصود عن الساحة العامة، في أعقاب إعفائه من منصبه كوزيرٍ للدفاع وقائد عام للقوات المسلحة في 16 إبريل نيسان 1989، ثم عقب نشر استقالته من منصبه كمساعدٍ لرئيس الجمهورية في فبراير شباط 1993

غير أن عودة المشير إلى الأضواء ولو للحظاتٍ أثارت حالة من الحنين لدى كثيرين، من قبيل الوفاء لهذا الرجل أو العرفان بفضله

في كل الأحوال، أثبت أبو غزالة – الذي رحل عن دنيانا في 6 سبتمبر أيلول 2008– في بضع دقائق تلقى أثناءها تحية وتصفيق الجميع أن سنوات الغياب لم تؤثر على شعبيته الكبيرة التي نالها وخطط لها طوال عقد الثمانينيات من القرن الماضي..أو ما يمكن أن نطلق عليه اصطلاحاً عقد "صعود نجم المشير"

هي سنوات قلائل بالفعل، لكنها شهدت أهم التطورات في حياة المشير أبو غزالة..إنها سنواتُ الصعود والتألق والنفوذ ومد مظلة الشعبية إلى قطاعات مختلفة.. وفي تلك الفترة الذهبية من مشواره السياسي، لم يكن هناك نقاش بشأن نفوذ "الرجل القوي" في السنوات العشر الأولى لحكم الرئيس مبارك، والذي اعتبِرَ "كاتم أسرار المؤسسة العسكرية المصرية" في لحظات تاريخية فارقة

صعودٌ قوي، أعقبه انحسارٌ مفاجىء تراجعَ فيه النفوذ وأفلت النجومية، قبل أن تطوى الصفحة نهائياً في عقد التسعينيات، بعد فتح صفحة المرأة التي دقت المسمار الأخير في نعش طموحات المشير

وبكلمات أدق، تحولت تلك الفترة في نهايتها إلى موسيقى جنائزية حزينة لتطلعات رجلٍ كان كثيرون يعتقدون أنه لن يوقفه شيء، حتى فوجئوا ذات صباح بأن القطار قد توقف وأحيل إلى الاستيداع بهدوء ودون مبررات واضحة

ومنذ ذلك الوقت، وأبو غزالة محورٌ مهم من النقاش في مصر، حتى وإن كان الرجل نفسه مبتعداً عن الأضواء، إلى أن وافته المنية في مستشفى الجلاء العسكري بمصر الجديدة، بعد صراع دام عامين مع سرطان الحنجرة عن عمر يناهز الثامنة والسبعين، وشيعت جنازته من مسجد آل رشدان بمدينة نصر بالقاهرة، بمشاركة المئات من القيادات السياسية والعسكرية، يتقدمهم الرئيس المصري حسني مبارك

مسافة طويلة ومفاجآتٌ لا تنتهي، تفصل بين دقائق التصفيق الحار التي نالها أبو غزالة في احتفالات أكتوبر عام 1998 ودقائق الجنازة العشر التي كان جثمانه فيها ملفوفاً بعلم مصر ومحمولاً على عربة مدفع، وأمامه حَملة الأوسمة والنياشين التي حصل عليها الفقيد

لقد حصل المشير على 11 وساماً ونوطاً وميدالية عسكرية مصرية، بينها وسام نجمة الشرف العسكرية تقديراً لجهوده خلال حرب أكتوبر 1973، حينما كان برتبة العميد قائداً لمدفعية الجيش الثاني الميداني

عرف أبو غزالة كيف يطرقُ الحديد، لكنه ذابَ أمام ملمس الحرير

وأتقن المشير فنونَ الحرب، لكنه أخفق في جنونِ الحب

وبين الحب والحرب، حرفٌ واحد..أما بين الحب والحب، فهناك شيطانٌ آخر

وفرقٌ كبير بين إدارة الجيوش، وإدارة ما يجيش به القلب

قوة الرجل أنه يهدي المرأةَ وردةً يتصورُ أنها ستذبل في الإناء

قوةُالمرأةِ أنها تعرف أنك ستذبلُ أنتَ والوردة. ساعتها فقط تدركُ أنكَ كنتَ الإناء

والشاهد أن أبو غزالة كان رجلاً هادىء الملامح، خفيض الصوت، قليل الانفعالات، لا يحرك يديه عندما يتكلم، ولا يتململ في جلسته، وكان غير مدخن، يتقبل الهجوم دون أن يتغير، ثم إنه كضابط مدفعية أو "طوبجي" قديم محترف، يرد بكمية الكلام أو كمية النيران اللازمة للإسكات

وهو في نظر من يعرفونه عن قرب: ابن بلد

ربما يعود ذلك إلى ما يؤكده هؤلاء من شهامته ومساعدته للآخرين، وتواضعه وحبه الشديد لجنوده حيث قدم العديد من المساعدات ولجنود الصف والضباط واهتم بمظهر ومكانة الجندي المصري ومدى أهميته

ويُقال إنه كلما زادت النجوم على كتف هذا الضابط، كلما ازداد تواضعه

وكان القائد العسكري الذي عمل على تطوير مدرسة المدفعية في ألماظة، يشارك الجنود في لعب كرة القدم حين كان رئيساً لأركان المدفعية.. ولم يكن مستغرباً أن يتصايح اللاعبون في مدرسة المدفعية وهم من الجنود فيما بينهم، مرددين "العب يا فندم" أو "باصي يا فندم"، عندما كان رئيس أركان سلاح المدفعية المصرية يشاركهم تلك اللحظات الرياضية

عشق أبو غزالة لعب كرة القدم، وعُرِفَ عنه أنه أهلاوي صميم. وكانت مباريات النادي الأهلي هي الوليمة التي يجتمع عندها الأحباب ويدعى لها الأقارب والأصحاب. وعندما ينفعل الحاضرون بالتشجيع والهتاف والانتقاد أيضاً وهم يشاهدون المباراة على شاشة التليفزيون، كان أبو غزالة أشدهم انفعالاً، إلا أنه إذا أراد أن ينتقد لاعباً فإن أقسى الألفاظ عنده هو أن يقول: "ريعو النهاردة وحش". وقد كانت الستينيات زمن ريعو والسايس والفناجيلي والشيخ طه

وربما زادت خفة ظله من شعبيته، فقد كان حاضر الذهن سريع البديهة، فضلاً عن تذوقه للنكتة بابتسامة خفيفة

حدث أن فاز الأهلي على الزمالك في الستينيات بثلاثة أهداف نظيفة، فأرسل تلغرافاً يسوق فيه التعازي إلى زوج أخته، إذ كان من مشجعي الزمالك. وعندما تلقى زوج الأخت التلغراف لم يجد فيه سوى عبارة "تعازينا في الثلاثي المرح"

ويحكي أحد أقاربه وهو محمد فاروق غزالة لجريدة "المصري اليوم" (9 سبتمبر أيلول 2008) أنه جاءه ذات يومٍ أحد أبناء قريته " قبور الأمراء" التابعة لمركز الدلنجات في محافظة البحيرة - والتي تحول اسمها بعد ذلك على يديه إلى "زهور الأمراء"- وطلب منه تعيين ابنه في وظيفة محترمة، وكان هذا الابن أمياً. عرض عليه المشير تعيينه عاملاً في الأوقاف، أو الكهرباء، لكن الرجل رفض وقال للمشير: "عاوز وظيفة كبيرة"، فقال له المشير: "خلاص استنى، عندي وزير حيخرج معاش بعد شهر هاعينك مكانه"، فضحك الرجل وقال: "أيوه كده هي دي الوظيفة"

ويحسب له البعض أنه عمل على الارتقاء بمستوى ضابط القوات المسلحة، الذي لم يكن يمتلك غير راتبه الشهري. فهو أول وزير مصري أقر مكافأة نهاية الخدمة للعسكريين، ورفعها لتكون 40 شهراً، فضلا عن صفقات السيارات التي أمد بها ضباط القوات المسلحة فأدخل السيارات موديل (127) و(مازدا) بقسط شهري قيمته 50 جنيهاً - وهو الذي لم يملك سيارة في حياته حتى تخطى رتبة لواء - إلى جانب الوحدات السكنية، إذ بنى أول مدينة للإسكان التعاوني في الإسكندرية، بعد أن كان ضابط القوات المسلحة قبل عهده يخرج من الخدمة بدون أي مكافآت لائقة، أصبح ضابط القوات المسلحة في عهده يمتلك الشقة والسيارة ومكافأة نهاية الخدمة

ويذكر له العسكريون بالتقدير أنه كان أول من طالب بإنشاء وحدات إسكان مهني من خلال جمعيات تعاونية تتولى إنشاء وحدات رخيصة الثمن للبسطاء، كما أنه أول من طالب بتجديد معسكرات القوات المسلحة بعد حرب أكتوبر

ويتوقف البعض بإعجاب عند مواقف بعينها في حياة أبو غزالة، ومنها أن أم وزير الدفاع أُدخِلَت مستشفى الحلمية العسكري لتُعالَج من آلام في الركبة، شأنها شأن باقي أمهات وأفراد أسر الضباط. وقد توفيت في مستشفى "مصطفى كامل" العسكري بالإسكندرية، حيث كانت ثُعالَج من أمراضٍ عدة

هوايته الأولى كانت القراءة، وكان محباً للسهر، إلى جانب مشاهدته التليفزيون أحياناً، حتى إنه لم يكن ينام أكثر من أربع ساعاتٍ يومياً من الثانية صباحاً إلى السادسة صباحاً

وكان أبو غزالة يتخير لهوايته ما يتفق مع مواهبه ويأنس إلى لعبة الشطرنج، كما كان من هواة حل الكلمات المتقاطعة في الصحف، وساعدته ثقافته المتنوعة في أن يطعن تلك المسابقة بسهم المعرفة في دقائق

وبالرغم من تدهور حالته الصحية في العامين الأخيرين، فإنه ظل يقضي ساعات الصباح الأولى في ممارسة رياضة المشي المفضلة لديه في نادي النصر التابع للقوات المسلحة في شارع المطار، ويجلس مع بعض أصدقائه بعض الوقت، ثم يعود إلى منزله بعد الظهر، ويبقى فيه حتي اليوم التالي

وأبو غزالة ريفي الأصل والطبع، شرقي محافظٌ مع أسرته، لم يغيره السفر إلى أهم عواصم العالم. وربما كان القرار العسكري الأبرز الذي اتخذه داخل بيته هو قرار الحمية، إذ فرض على نفسه "الريجيم" بهدف التعامل بشكلٍ متوازن مع السعرات الحرارية. وكان من أقسى قراراته أيضاً على نفسه أن يستمر في خدمة سلاح المدفعية رغم إصابته بالتهاب في الأذن الوسطى، فلم يمنعه ذلك المرض من مواصلة التعامل مع دوي المدافع

الطريف أنه حتى لحظة توليه رئاسة أركان سلاح المدفعية، لم تكن زوجته تعرف ماذا يعمل. ولم تكن زوجته التي ترتدي الحجاب تظهر في المناسبات العامة إلا نادراً، وحين تحضر تلك المناسبات كانت تظل صامتةً في مقعدها، وهذا ما جعل زوجها يكتسب في ذهن قطاع كبير من المواطنين ووسائل الإعلام صورة "المتدين"، ليتمتع بشعبية جارفة داخل العديد من الدوائر الدينية والكتاب المحسوبين على التيار الديني، مثلما كتب محمد عبد القدوس في جريدة "الشعب" بتاريخ 14 أكتوبر تشرين أول 1986 تحت عنوان "تعظيم سلام للمشير"، مشيداً بحجاب زوجة أبو غزالة التي وصفها "بالسيدة الفاضلة"

ولزواج أبو غزالة حكاية طريفة

إذ كان قد وصل إلى رتبة نقيب، ووالدته الحاجة مبروكة تريده أن يتزوج، وفي أحد الأيام كانت تشتري بعض حاجياتها من شركة "عمر أفندي" في مدينة دمنهور، فشاهدت إحدى الفتيات فأُعجبت بها، وسألتها عن اسمها فقالت لها إنها أشجان ابنة أحمد صبري، مفتش دوائر أملاك الأمير عمر طوسون. وحدث تبادلٌ للزيارات بينهما، وتمت خطبتها، وكان يوم الزفاف مشهوداً حيث دوت فيه الطلقات النارية ابتهاجاً بالعُرس

رزق أبو غزالة بثلاثة أبناء هم هشام وطارق وأشرف، وثلاث بنات هن ليلى، وحنان، وإيمان

عاشت عائلته الصغيرة لسنواتٍ طويلة في المنزل رقم 13 في شارع المهدي بمنطقة حلمية الزيتون، قبل أن ينتقل إلى شقةٍ في حي مدينة نصر. وشارع المهدي هو شارع صغير خلف مسجد الشيخ بخيت بميدان حلمية الزيتون بنى فيه الضابط الشاب منزلاً من ثلاثة طوابق، سكن في الأخير منها، ولم يأنف من تلك الحارة الضيقة والتي لا يزيد عرضها عن أربعة أمتار حتى بعد أن وصل إلى رتبة لواء. كان سكان المنطقة يشاهدونه وهو يرتدي الجلباب الأبيض في كل جمعة ليصلي في مسجد "الشيخ بخيت" في ميدان حلمية الزيتون، والذي يبعد عن شارع المهدي نحو عشر خطوات

وإذا كان أبو غزالة عاش حتى رأى بناته يتخرجن ويتزوجن وينجبن له الأحفاد، وشاهد ابنه طارق يتخرج في كلية الطب ونجله أشرف يتخرج في كلية الطيران، فإن حياته العائلية لم تخلُ من مآسٍ واختبارات مؤلمة، منها وفاة أكبر أبنائه هشام في حادث سيارة في منتصف ستينيات القرن الماضي. فقد كان الطفل يلهو بدراجته أمام منزله حين صدمته حافلة يقودها سائق يعمل في هيئة النقل العام، فاعتدى رجال الأمن بالضرب على السائق، ولم ينقذه منهم سوى المشير شخصياً، الذي هدَأ من روع السائق، وقال له إن هشام هو المخطئ، وعفا عن السائق وتركه ينصرف دون أن يوجه إليه كلمة عتاب

ولم يمنعه الألم أو الأسى من أن يصافح السائق القاتل في سرادق العزاء

ولعل كثيرين لا يعرفون أن أبو غزالة ارتبط بعلاقة مصاهرةٍ مع المحامي مختار نوح القيادي السابق في جماعة الإخوان المسلمين، كما أن نوح تزوج ابنة أخت المشير، الذي كان يمتُ بصلة قرابةٍ لوالد نوح وصديقاً له في الوقت نفسه. وفي زمنٍ مضى، كان مختار نوح ينادي أبو غزالة باسم "خالي ثروت"

فقد اشتهر أبو غزالة في القرية ووسط دائرته المقربة باسمٍ آخر: ثروت

اتسم أبو غزالة بالحرص في حياته وتصرفاته

يروي عادل حمودة في كتابه "حكومات غرف النوم..المرأة والسلطة"، على لسان أحد الضباط الأحرار في سلاح المدفعية رواية تؤكد صفة الحرص في شخصية أبو غزالة، فقد كان في باريس حين قرر مع أحد الأصدقاء السهر في ملهى شهير في حي بيغال اسمه "سفنكس". وهذا الملهى سبق أن سهرت فيه الملكة نازلي وأحمد حسنين باشا في أول رحلةٍ للملك فاروق إلى أوروبا بعد وفاة أبيه الملك فؤاد. ويصف الكاتب الصحفي محمد التابعي هذا الملهى بأنه مثير، يقدم استعراضاتٍ لنساء بلا ثياب، إلا من ورقة التوت

فوجىء أبو غزالة وصديقه وهما في الملهى بوجود العاهل الأردني الملك حسين، ومع أنهما كانا بالملابس المدنية فقد هبَا ليدفعا الحساب وغادرا المكان، إذ إن العلاقات لم تكن طيبةً بين الرئيس المصري جمال عبد الناصر والملك حسين، فوجدا أنه من الأفضل أن يتركا السهرة منعاً لأية شبهة ترصدها المخابرات المصرية في مثل هذه الظروف

ويبدو أن الملك حسين عرف أنه أفسد السهرة على ضابطين مصريين، فكلف الملحق العسكري الأردني في باريس علي أبو نوار بأن يتصل بالملحق العسكري المصري ثروت عكاشة ومساعده عيسى سراج الدين لدعوتهما على الغداء في مطعم "الأوريه دو روا" الفاخر في إحدى غابات باريس، تعويضاً عن إفساد السهرة على أبو غزالة - الذي لم يكن يعرفه- وزميله

غير أننا سنعرف فيما بعد، أنه إذا كانت غلطة الشاطر بألف..فإن خطأ المشير بمليون

ينتمي المشير محمد عبد الحليم أبو غزالة إلى إحدى عائلات محافظة البحيرة، التي ترجع أصولها إلى قبائل أولاد علي

كان والده عبد الحليم هو الأخ الأكبر في عائلة تضم 14 أخاً وأختاً، 7 أولاد ومثلهم من البنات. وعندما رزق عبد الحليم بابنه في 15 يناير كانون ثان عام 1930، فرح به فرحاً شديداً وسماه أبو غزالة، بدلاً من "غزالة" لقب العائلة. وكان عبد الحليم يعمل في مصلحة البريد، ووصل إلى منصب مدير المصلحة في الإسكندرية

حصل على الابتدائية من الدلنجات، ونال شهادة التوجيهية من مدرسة عمر مكرم في دمنهور عام 1946، وكان ترتيبه الثالث عشر على المملكة المصرية، ثم التحق بالكلية الحربية

يقول عمه فوزي محمد غزالة: "كنت ألعب أنا وهو بجوار ترعة الحاجر، وكنت أجيد السباحة فيما لم يكن هو كذلك، ونزلت الترعة للاستحمام فأصر على النزول، وبعد لحظات وجدته يغرق، فصرخت وجاء عمنا عبدالعظيم لإنقاذه فتعلم السباحة بعدها، وكان في هذا الوقت في الصف الأول الثانوي"

التحق أبو غزالة إذاً بالكلية الحربية وتخرج فيها في 1 فبراير شباط 1949، وكان ترتيبه الأول على الدفعة، وهي الدفعة التي ضمت الرئيس مبارك. شارك في حرب فلسطين وهو طالب في الكلية الحربية، كما درس في مدرسة المدفعية في فرنسا عام 1955 أي أن عمره آنذاك كان 25 عاماً. وما بين هذين التاريخين، مارس أبو غزالة أول أدواره السياسية، حين انضم إلى تنظيم الضباط الأحرار الذي قاد ثورة 23 يوليو 1952 ضد النظام الملكي في مصر

وفي الفترة من 1957 و1961 سافر أبو غزالة إلى الاتحاد السوفيتي، ما سيجعله فيما بعد محسوباً على المعسكر الشرقي، وحصل هناك على إجازة القادة للتشكيلات المدفعية من أكاديمية

وعقب عودته من روسيا عمل مدرساً بمعهد المدفعية ثم تولى رئاسة فرع التعليم بالمعهد إبان حرب 1967، وهي الحرب الوحيدة في تاريخ مصر الحديث التي لم يشارك فيها أبو غزالة، نظراً لوجوده بالمنطقة الغربية أثناء الحرب وانقطاع الاتصال بينه وبين قيادته ليعود بعد ذلك ويفاجأ بالهزيمة

وإذا كان الفريق محمد فوزي قد وضع اسمه على قائمة المحالين على المعاش عام 1968، بعد أن وجه نقداً حاداً للقيادتين العسكرية والسياسية محملاً إياهما مسؤولية هزيمة 1967، فإن الرئيس جمال عبدالناصر شطب على اسمه من القائمة، إيماناً منه بقدراته العسكرية المتفوقة

ولم يخيب أبو غزالة توقعات المطمئنين إلى قدراته العسكرية، وبرز دوره بشكل خاص في حرب أكتوبر 1973 التي شغل أثناءها منصب قائد مدفعية الجيش الثاني

بعدها عُين أبو غزالة رئيس أركان حرب سلاح المدفعية عام 1974، ثم اختير ملحقاً حربياً لمصر في الولايات المتحدة في 27 يونيو حزيران 1976. وأثناء إقامته في الولايات المتحدة، كان أول عسكري غير أمريكي ينال دبلوم الشرف من كلية كارلايل العسكرية الأمريكية

واستمرت رحلة الصعود

أصبح مديراً للمخابرات الحربية والاستطلاع عام 1979، ثم عُين رئيس أركان حرب القوات المسلحة 15 مايو أيار 1980، ورُقي إلى رتبة الفريق في 17 مايو أيار 1980

وفي مستهل أكتوبر تشرين أول 1981 وقبل اغتيال السادات بأيام قليلة، وافق المؤتمر الثاني للحزب الوطني على تعيينه عضواً بالمكتب السياسي للحزب، ليكون بعد ذلك وزيراً للدفاع والإنتاج الحربي في الوزارة التي تشكلت برئاسة حسني مبارك، خاصة بعد رحيل وزير الدفاع الأسبق الفريق أحمد بدوي في حادث سقوط طائرة هليكوبتر في 2 مارس آذار 1981

وفي إبريل نيسان 1982 صدر قرار ترقية الفريق أبو غزالة إلى رتبة مشير، حيث أصدر قرار الترقية الرئيس حسني مبارك. وفي 1 سبتمبر أيلول، صدر قرار تعيينه نائباً لرئيس الوزراء ووزير الدفاع والإنتاج الحربي والقائد العام للقوات المسلحة، قبل أن يعينه مبارك مساعداً لرئيس الجمهورية عام 1989

وفي 6 أكتوبر تشرين أول 1981 تغيرت ملامح المشهد السياسي المصري، بعد اللقاء الأخير الذي جمع بين أبو غزالة واللواء حسني مبارك نائب رئيس الجمهورية آنذاك وقائد القوات الجوية سابقاً، والرئيس أنور السادات

كان حادث المنصة بداية الفراق بين الثلاثة

أحدهم وافاه الأجل، وثانيهم دانت له الرئاسة، وثالثهم اختار الصعود.. إلى المجهول

تم تعديل بواسطة موعود
رابط هذا التعليق
شارك

أبو غزالة

من "النجم الساطع" إلى "خريف الغضب"

(2-5)

كان المشير أبو غزالة وزيراً للدفاع عندما اغتيل الرئيس أنور السادات في 6 أكتوبر تشرين أول 1981. وفي حادث المنصة، كان أبو غزالة يجلس على يسار السادات، وتبادل معه – في الدقائق التي سبقت الاغتيال- التعليقات حول شحنات الأسلحة الأمريكية الجديدة ومواعيد وصولها، وعن احتفالات الانسحاب الإسرائيلي المرتقب من سيناء في 25 إبريل نيسان 1982، والترقيات الاستثنائية التي سيحظى بها بعض كبار الضباط بهذه المناسبة

وعندما بدأ تنفيذ خطة الاغتيال، انتبه أبو غزالة وأحس أن ثمة شيئاً غير طبيعي يحدث، عندما رأى الرشاش في يد الملازم أول خالد الإسلامبولي، واكتشف أنه عاري الرأس ولا يضع "البيريه" كالمعتاد

أشاح خالد الإسلامبولي لأبو غزالة بيده، قائلاً: "ابعد"، قبل أن يمطر هو وزملاؤه المنصة بسيل من الرصاص الذي أودى بحياة الرئيس المصري أنور السادات وعدد من الحضور، فضلاً عن إصابة 28 شخصية أخرى في حادث المنصة، بينهم أبو غزالة الذي كانت إصابته سطحية، على عكس "الكاب" العسكري الخاص به، والذي أصيب بشظايا متطايرة من مقذوف رصاصات كانت قد تناثرت نتيجة ارتطامها بسور المنصة

أصيب "الكاب" بطلقٍ ناري نافذ بالرفرف خارج منطقة استدارة الرأس. روى تفاصيل ذلك عادل حمودة في كتابه "اغتيال رئيس"، الصحفيان الإسرائيليان عوديد غرانوت وجاك راينيش في كتابهما "يوم قتل الرئيس" (1984)، في حين نشرت جريدة "الأهرام" على صفحتها الأخيرة بعد أيام من الاغتيال صورة "كاب" المشير الذي أصيب بالرصاص ليفلت صاحبه من الموت

بعد اغتيال السادات، تزعم رئيس الوزراء المصري د. فؤاد محيي الدين حملة لتنصيب نائب الرئيس حسني مبارك في منصب رئيس الجمهورية. وكانت وجهة نظر رئيس مجلس الشعب د. صوفي أبو طالب - الذي تولى بموجب الدستور رئاسة الجمهورية مؤقتاً- وبعض الأطراف الأخرى المؤثرة في السلطة هو المفاضلة بين النائب حسني مبارك وأبو غزالة، ورأى البعض أن ذلك أمر يخص المؤسسة العسكرية ولذلك يجب أن تجتمع رموزها وتختار مَن تريد مِن الاثنين

أدرك فؤاد محيي الدين أن كفة محمد عبد الحليم أبو غزالة من الممكن أن تكون هي الراجحة.. لذلك لجأ إلى حيلة حيث تحدث مع أبو غزالة أمام الذين يعرف أنهم يميلون إلى ترشيحه، وقال له: سيادة الوزير، الرأي اجتمع على اختيار النائب حسني مبارك رئيساً للجمهورية، ويسعدنا سماع وجهة نظرك.. فرد عبد الحليم أبو غزالة: "ودي فيها وجهة نظر.. طبعاً الأخ حسني مناسب جداً ليكون رئيساً للجمهورية"

وفي قولٍ آخر، سأله فؤاد محيي الدين:"يا أفندم لا يوجد الآن غيرك أنت والأخ مبارك!" ليجيب أبو غزالة- بدافع الإحراج على ما يبدو، قائلاً: الأخ مبارك"

وحتى اليوم، يرى كُتابٌ وباحثون أن أبو غزالة كان ببساطة: قَدَرُ مصر ..الذي لم يأتِ

والشاهد أن المشير محمد عبد الحليم أبو غزالة تولى وزارة الدفاع، وقيادة القوات المسلحة في وقت عصيب في تاريخ مصر، وخاصة بعد اغتيال الرئيس السادات. وكان الجميع يعلم أن أبو غزالة هو رجل أمريكا في القوات المسلحة المصرية، حيث سبق له أن عمل ملحقاً عسكرياً في سفارة مصر بواشنطن، قبل أن يعين وزيراً للدفاع. وكان الرئيس السادات يعتمد عليه في إعادة تسليح الجيش المصري بالأسلحة الأمريكية، وتحديث القوات المسلحة لتستغني عن السلاح السوفيتي

على أن حادث الاغتيال لفت انتباه البعض إلى أمر آخر

إذ نشر الكاتب د. روبرت سبرنغبورغ عام 1987 دراسة مهمة على امتداد 12 صفحة في مجلة "ميدل ايست ريبورت" كان عنوانها "الرئيس والمشير.. العلاقات المدنية العسكرية في مصر اليوم"

Robert Springborg, The President and the Field Marshal: Civil-Military Relations in Egypt Today, MERIP Middle East Report, No. 147, Egypt's Critical Moment (Jul. - Aug., 1987), pp. 4-11+14-16+42 (article consists of 12 pages)

وضع سبرنغبورغ يده على أوجه التشابه والاختلاف بين مبارك وأبو غزالة في مقاله المذكور وأيضاً في كتاب صدر في الولايات المتحدة عام 1989 تحت عنوان: "مصر مبارك وتكسير النظام السياسي"

Springborg, Robert. Mubarak's Egypt: Fragmentation of the Political Order. Boulder: Westview Press 1989

كان من المتفق تماماً مع الخلفية العسكرية لمبارك، أن يسعى ضمن ما كان يسعى إليه في أعقاب توليه السلطة في مصر، إلى استعادة ما فقده الجيش من تقديرٍ لدوره بالإضافة إلى بعض النفوذ السياسي

وكان أبو غزالة المرشح النموذجي ليصبح رجل مبارك.. حيث أكد الفارق بينهما في السن -عامان فقط- والرتبة سلطة مبارك، ولم يحدث أن كان أبو غزالة ومبارك متنافسين في القوات المسلحة، حيث كان أبو غزالة متخصصاً فى المدفعية في حين كان مبارك طياراً حربياً، وقد تلقى كل منهما تدريباً في الاتحاد السوفيتي، انتهيا

منه في توقيت متقارب عام 1961

ويقول سبرنغبورغ: "منذ 1979، حين كان أبو غزالة ملحقاً عسكرياً في واشنطن، ومبارك نائباً للرئيس، عمل الاثنان معاً في تطوير برنامج المعونة العسكرية مع الولايات المتحدة"

اختلفت القناعات السياسية والسلوك السياسي لكل من مبارك وأبو غزالة في الشكل والمضمون

إذ يقول سبرنغبورغ: "وبالرغم من أن مبارك وأبو غزالة يمتلك كل منهما صفات شخصية متميزة، ويشتركان في الخبرات، الأمر الذي سهل قيام هذه العلاقة السياسية الحميمة، فإنه في الواقع، كان الرجلان مختلفين اختلافاً كبيراً. فأبو غزالة شخصية ذات منطق واضح، قوية وطموح. كما أن مقابلاته غير المسجلة مع الصحفيين الأمريكيين، تعطي المشاهد انطباعاً بقدرته على مواجهة المسائل مباشرة وبشكل محدد - بعكس مبارك - الذي يعطي انطباعاً بأنه حمل عناء الرئاسة كرهاً، وقرر - بصرف النظر عن الواجب - أداء الوظيفة بأفضل ما يمكنه. ويعطي أبو غزالة انطباعاً بأنه يتطلع إلى السلطة، ويريد تنفيذ برنامجه، ويتمتع أبو غزالة بجاذبيةٍ شخصية مختلفة عن الشخصية التي يوحي بها المظهر لمبارك. وإثر اغتيال السادات مباشرة، وقف أبو غزالة منتصباً، مشيراً بعصا المارشالية إلى القاتل الفار، مصدراً الأوامر بمطاردته، بينما لم يفعل مبارك ذلك. سعى مبارك - الذي يتمتع بمزاج إداري- إلى دمج اتجاهات عدة في السياسة المصرية، وإعادة بعض التوازن إلى العلاقات المصرية الخارجية، فيما يعد أبو غزالة محافظاً صريحاً، شديد العداء للشيوعية، وبالمقابل موالياً للولايات المتحدة، وقد أكد أن أمن مصر لا ينفصل عن أمن الولايات المتحدة وحلف الأطلنطي. وبعكس تفضيل مبارك الواضح للعلمانية، فقد اكتسب أبو غزالة صورة التدين، وهو يتمتع بالشعبية داخل العديد من الدوائر الدينية، وترتدي زوجته وحدها تقريباً بين زوجات الوزراء الحجاب الإسلامي في المناسبات العامة"

الطريف أن الباحث الأميركي يشير إلى قضية كرة القدم والتفاؤل، وتأثيرهما على شعبية الرجلين، فقد "كان أبو غزالة يتمتع بحسن الطالع، إذ كان يتناوب مع الرئيس في حضور مباريات كرة القدم المهمة، وتصادف أن فاز منتخب مصر لكرة القدم في عددٍ من المباريات المهمة التي كان المشير يتقدم فيها الحضور، ما زاد من شعبيته. وقد استمر هذا الارتباط حتى أصبح في عام 1986 نكتة شائعة. وفي صيف تلك السنة فاز الفريق المصري بمعجزة بكأس إفريقيا بينما كان مبارك يشجعه، وأطلق على الكأس فوراً لقب كأس مبارك"

وبالرغم من أنّه كان حريصاً على عدم الظهور في موقع المنافس السياسي لمبارك وكذلك التقليل من صلاحياته، فإن المراقبين كانوا ينظرون إلى أبو غزالة على أنّه الخليفة الطبيعي للرئيس مبارك

وبينما انصرف الرئيس مبارك بعد توليه الرئاسة لتوطيد دعائم النظام والحفاظ على الاتفاقات الموقعة مع إسرائيل بعد تلك النقطة الفاصلة، تفرغ الرجل الأول في المؤسسة العسكرية لتحديثها وربط خططها التدريبية والتسليحية بالولايات المتحدة في إطار القطيعة مع الحليف السوفيتي السابق وحلفائه الإقليميين

كان أبو غزالة رجل أمريكا الأول في مصر

ففي عهده دخلت التدريبات العسكرية المشتركة مع القوات الأميركية إلى حيز التنفيذ الدوري، وظهرت في أجواء مصر مراراً طائرات

الفانتوم إلى جانب الميغ السوفيتية الصنع، وتزايدت أيضاً حركة انتقال الضباط المصريين لتلقي التدريب في المعاهد العسكرية الأمريكية والأوروبية

وكان يُنظر في الدوائر السياسية الأمريكية إلى المشير أبو غزالة بعين الارتياح

وساعدت واشنطن على تأكيد وضع أبو غزالة منذ يونيو حزيران 1986.. حيث لم يتم استقباله عند زيارته للولايات المتحدة بواسطة وزير الدفاع كاسبار واينبرغر وحده وإنما أيضاً وزير الخارجية ومستشار الأمن القومي ونائب الرئيس الأمريكي جورج بوش (الأب) وعدد من أعضاء مجلس النواب والشيوخ. كما أنه لم يبحث تخفيض فوائد الدين العسكري فحسب وإنما ناقش قضايا اقتصادية عامة.. في حين تُرِكَ لأعضاء الوفد المصري من المدنيين، وبينهم وزير التخطيط والتعاون الدولي د.كمال الجنزوري ووزير المالية صلاح حامد ووزير الدولة لشؤون مجلس الوزراء د. عاطف عبيد، بحث المسائل الفنية بعد أن توصل أبو غزالة ومجموعة ريغان إلى اتفاق حول المبادئ العامة

وعند عودة أبو غزالة إلى مصر، كان مجلس الوزراء بأكمله في انتظار المشير على أرض المطار لتحيته

وفي نوفمبر تشرين ثانٍ من العام نفسه، عاد أبو غزالة إلى واشنطن لاستئناف المباحثات وكانت رحلة مبارك لنفس الغرض قد تم تأجيلها، إذ لم ترغب واشنطن في استقباله قبل الاتفاق على الإصلاحات الاقتصادية

وفي عهد أبو غزالة أيضاً سجل الالتزام الصارم بمعاهدة السلام مع إسرائيل، بحيث لم تجرؤ أية جهة على مساءلته عن الظروف الغامضة لموت العسكري المصري الشاب سليمان خاطر في 7 يناير كانون ثانٍ 1986 "انتحاراً" في السجن بعد شهور من قيامه بقتل سبعة إسرائيليين اجتازوا حدود مصر في سيناء في 5 أكتوبر تشرين أول

1985

وعندما تولى د. علي لطفي رئاسة الحكومة خلفاً لكمال حسن علي في سبتمبر أيلول 1985، أصبح الطريق مفتوحاً أمام أبو غزالة لاكتساب قدرٍ من الهيمنة داخل مجلس الوزراء، فأصبح اسمه يتردد على صفحات الصحف اليومية أكثر من رئيس الوزراء. وقد بدا هذا الاتجاه ملحوظاً بصورةٍ أكبر في وزارة د. عاطف صدقي، الذي اختير خلف د. علي لطفي

ومرة أخرى، أسهمت أحداث الأمن المركزي في فبراير شباط 1986، في تأكيد دور الجيش في حماية الأمن الداخلي لمصر، بعدما طلب مبارك من الجيش التدخل للسيطرة على الموقف بعد أن طالت أعمال العنف والتخريب مناطق مختلفة خصوصاً في شارع الهرم وأحياء مختلفة من العاصمة المصرية

اعتقد كثيرون أن هذه الأزمة انعكست سلباً على رصيد مبارك، ودفعت

بأبو غزالة إلى الواجهة

وازدادت الضجة الإعلامية حول المهام الجديدة الملقاة على عاتق الجيش، بدءاً من علاج المدنيين بالمستشفيات العسكرية وليس انتهاءً بتطهير الشواطىء التي تعرضت للتلوث

وفي عام 1986، أصبحت الاحتفالات بافتتاح المشروعات العسكرية الجديدة - التي تتضمن مزارع الدواجن والمدن الجديدة في الصحراء- مناسبات يطوف فيها الوزراء المختصون خلف أبو غزالة مباركين

وداخل صفوف الجيش، نجح أبو غزالة في كسب شعبيةٍ طاغية بفضل تمكنه من إقناع مجلس الوزراء برفع مرتبات الضباط، كما حقق التعاون العسكري المتزايد بين مصر والغرب مزايا إضافية للضباط، إذ جرى تدريب ما يربو على 200 من الضباط سنوياً في الولايات المتحدة. كذلك تحسنت امتيازات العسكريين وتطورت الأسلحة الحديثة التي كان الجيش يملكها آنذاك، في الوقت الذي نال فيه الضباط شققاً في مشروعات إسكانية جيدة المستوى ومدعومة مادياً، خاصةً في حي مدينة نصر، كما أصبحت الجمعيات التعاونية الاستهلاكية الخاصة بالضباط مصدراً مناسباً لتوفير مستلزمات الحياة اليومية للضباط وعائلاتهم. وتشمل القائمة أيضاً المستشفيات العسكرية بخدماتها العلاجية الراقية، ومصايف الجيش المميزة

وهكذا أمكن للمشير لأن يمد مظلة سلطته الأبوية على ضباط الجيش، في الوقت الذي شهدت شعبيته في صفوف المدنيين ارتفاعاً ملحوظاً، بفضل مشروعات الجيش في مجالات الصحة والزراعة واستصلاح الأراضي والصناعة والمواد الغذائية

لقد لمس المصري بنفسه أثناء فترة تولي أبو غزالة وزارة الدفاع حجم مساهمة القوات المسلحة في توفير الخدمات وتجديد المرافق للمواطنين، مثل تجديد خطوط السكة الحديد، وإخلاء التكدس بالموانىء، وإنشاء شبكات التليفون، والمساهمة في حل مشكلات إنتاج الخبز وشق الطرق وإقامة الكباري العلوية وحفر الآبار في الصحراء

ثم إن القوات المسلحة أصبحت أثناء تلك الفترة أهم مصدر لإعداد وتدريب العمالة الماهرة والكوادر الفنية في جميع التخصصات

شاركت القوات المسلحة في عدد من المشروعات الإسكانية للمواطنين والنقابات، مثل مدينة التجاريين، المقطم، ومدينة العمال في أبو زعبل ومساكن العاملين، ومنشآت جامعية في مدينة نصر، وأبراج القضاء في الإسكندرية

يضاف إلى ذلك أن القوات المسلحة أيام كان المشير أبو غزالة وزيراً للدفاع، أسهمت في العديد من الخدمات والمشروعات الأخرى. ومن ذلك ما ذكره أنيس منصور في عموده اليومي "مواقف" في جريدة "الأهرام" في 21 سبتمبر أيلول 1986، عندما وجه الشكر إلى المشير أبو غزالة "الذي أسعف المواطنين بمئة ألف زجاجة قطرة من إنتاج القوات المسلحة ولاستعمالها الخاص. وقد عودتنا القوات المسلحة أن تهب لإنقاذنا في الأزمات"

ورصد كثيرون صعود هذا "النجم الساطع" - نسبة إلى المناورات العسكرية المشتركة بين مصر والولايات المتحدة التي بدأت في مطلع

الثمانينيات- لدرجة أن د. سعيد إسماعيل علي كتب في جريدة "الأهالي" في 8 أكتوبر تشرين أول 1986 مقالاً نبَه فيه إلى الظاهرة، وناقش دور المشير على رأس المؤسسة العسكرية وقيادته "جهازاً يغزو الحياة الاجتماعية المصرية: في طرقها وكباريها، وتليفوناتها ومدارسها، وخبزها ولحمها، وفولها، وعدسها وبصلها"

وفي خطواته على المستوى العام، تمتع أبو غزالة بحسٍ دقيق في مجال العلاقات العامة، ويعد توقيت حضوره حفلات الافتتاح والأحداث المماثلة ناجحاً تماماً. ففي أثناء الخلاف الدائر حول تلوث الشواطىء المصرية الواقعة على البحر المتوسط، أعلن أبو غزالة أن طائرات الهليكوبتر التابعة للجيش سوف تقوم بعمليات الرش في طول الساحل الغربي لمواجهة التلوث بالزيت، وخصوصاً في المناطق التي يأتي منها التلوث من خارج المياه الإقليمية

وبينما كان الجدل دائراً حول تدهور نوعية الرعاية الصحية في مستشفيات مصر، أصدر أبو غزالة أمراً بمنح المستشفى الذي تديره الجمعية الخيرية الإسلامية في أبو زعبل جهازاً للكلى بلغ ثمنه 25 ألف جنيه. كما أعلن أن المستشفيات العسكرية يمكن أن تعالج الحالات التي تتطلب العلاج في الخارج على نفقة الدولة

وكان طبيعياً أن يشعل نجاح المشير نار الصراع على رأس السلطة

رابط هذا التعليق
شارك

انشئ حساب جديد أو قم بتسجيل دخولك لتتمكن من إضافة تعليق جديد

يجب ان تكون عضوا لدينا لتتمكن من التعليق

انشئ حساب جديد

سجل حسابك الجديد لدينا في الموقع بمنتهي السهوله .

سجل حساب جديد

تسجيل دخول

هل تمتلك حساب بالفعل؟ سجل دخولك من هنا.

سجل دخولك الان
  • المتواجدون الآن   0 أعضاء متواجدين الان

    • لا يوجد أعضاء مسجلون يتصفحون هذه الصفحة
×
×
  • أضف...