hamo90 بتاريخ: 13 أغسطس 2004 تقديم بلاغ مشاركة بتاريخ: 13 أغسطس 2004 الصـــــــــدر... لماذا هو مختلف؟! في دراسة عن التصورات الأمريكية لدور الشيعة في العراق بعنوان: 'تاريخ حلفاء أمريكا المحتملين' نشرته دورية 'بوسطن ريفيو' عدد نوفمبر 2003، كتبت 'جوان كول' أستاذة تاريخ الشرق الأوسط الحديث في جامعة ميشيجان تقول: إن أحمد الجلبي زعيم المعارضة العراقية أقنع الإدارة الأمريكية أن الغالبية الشيعية الموجودة في العراق هي 'غالبية علمانية'، وأنها سترحب بالقوات الأمريكية وستكون أغلبية هادئة علي طول المدى. وقد ظل الشيعة إلى حد كبير بعيدين عن الثورة ضد الولايات المتحدة, بخلاف المثلث السني, والذي أشعل الأرض تحت أقدام المحتلين. وجاء تيار الصدر ليضع حدًا لتخمينات الجلبي وأطروحاته, وليقدم أنموذجًا شاذًا عن الأوساط الشيعية, حيث بات يعتبره العديد من المراقبين للشأن العراقي أحد أهم الأطراف المؤثرة في المعادلة العراقية الحالية. ونحن نريد أن نتلمس نقاط التباين التي وضعت الصدر وتياره في خانة 'المقاومين' للاحتلال, في حين ما زالت الشبهات تدور حول الأدوار الشيعية التي مهدت الطريق إلى 'الاحتلال', ومن ثم وقف الصدر وحيدًا ومنفردًا عن الأوساط الشيعية الأخرى. نقول: إن محطات كثيرة برزت مع تصاعد حدة المواجهات الجارية في النجف بين أتباع مقتدى الصدر والقوات الأمريكية، وهي تقتضي التوقف عندها لما لها من أهمية في محاولة الإمساك بالحقائق المتصلة بمجمل الوضع الأمني والسياسي المتعلق بملف 'تيار الصدر'. ولنعرض بداية سيناريو الأحداث ثم نذهب نتوقف عند محطات عده. سيناريو الأحداث: الأحداث الدائرة اليوم ليست في حقيقة الأمر مبتوتة عن سابقتها, حيث شهدت المدن الجنوبية التي تعلو فيها أسهم الصدر ما سمي في حينه بانتفاضة الشيعة في بدايات شهر أبريل الماضي. حيث اشتعلت المواجهات عقب إطلاق القوات الأسبانية النار على أنصار الصدر المحتجين, وسقوط قرابة 20 قتيلاً و150 جريحًا، وانتقلت جذوة الانتفاضة من منطقة لأخرى في الجنوب والوسط, حتى إن صحيفة 'نيويورك تايمز' وصفت أحداث المصادمات بأنها: 'ثورة شيعية منسقة تنتشر في كل أنحاء البلاد، من مناطق عشوائية في بغداد إلى عدة مدن في الجنوب'، وهو ما لم تكن تتوقعه دوائر الرصد في واشنطن؛ إذ يُفترض في الشيعة أن يكونوا 'هادئين متفهمين' كما قال لهم أحمد الجلبي. وتأتي الأحداث الدائرة حاليًا لتزيد الهوة سحقًا وبعدًا بين تخمينات الجلبي وواقع الأمر الشيعي, حيث اندلع القتال بعد أن هاجمت قوات حكومية عراقية مدعومة من القوات الأمريكية جيش المهدي التابع للصدر في مدينة الصدر الذي يتخذ منها جيش المهدي مقرًا له, وما زال هناك خلاف بشأن الطرف الذي بدأ في الاستفزاز. وفي ظل الحديث الأمريكي عن الخسائر التي قاربت الأربعمائة من تيار الصدر, دون التأكد من مصادر محايدة موثقة, يأتي الحديث الصدري عن 'ثورة ضد قوات الاحتلال حتى نحصل على الاستقلال'. ويذهب جيش المهدي يكذب الميديا الأمريكية, ويتحدث عن سقوط ما يقرب من 15 قتيلاً و35 جريحًا في صفوفه. وتقول الفرنس برس: إن التضارب يعود إلى غياب حصيلة من المستشفيات أو الجهات الرسمية العراقية, لاستحالة وصول فرق الإنقاذ إلى ساحة القتال بسبب المعارك العنيفة الدائرة. تداعيات الأحداث الراهنة: أفرزت تلك المواجهات الدائرة وطول أمدها عن تداعيات لم تقف عند حدود العراق, بل تعدى الأمر إلي تداعيات دولية في ظل التهديدات الصدرية المتوالية. ـ فقد هدد سلام المالكي نائب محافظ البصرة ممثل الزعيم الشيعي الشاب مقتدى الصدر في البصرة بوقف ضخ النفط من الجنوب. وأكد المالكي ذلك بقوله: 'أعطينا أمرًا لشركة نفط الجنوب بأن توقف الصادرات النفطية العراقية حتى تتم الاستجابة لمطالبنا'. ـ وعقب التهديد قال مسؤول نفط عراقي أن العراق أوقف إنتاج النفط من حقوله الجنوبية بعد تهديدات من جماعة الصدر. وقال: تم إيقاف الضخ من حقول النفط الجنوبية إلى صهاريج التخزين في البصرة بعد تهديدات الصدر, وسيظل الضخ متوقفًا حتى زوال التهديد. ـ وعلى إثر ذلك سجلت أسعار النفط مستويات قياسية جديدة, وصعد مزيج برنت في عقود سبتمبر إلى 65.41 دولارًا للبرميل، متجاوزًا مستواه القياسي السابق الذي سجله الأسبوع الماضي [50.41 دولارًا]، وهو أعلى مستوى له في تاريخه، منذ بدء تداول برنت في العقود الآجلة عام 1988. وصعد سعر برميل النفط الأمريكي الخفيف في بورصة نيويورك إلى أعلى مستوى له منذ 21 عامًا مسجلاً 95.44 دولارًا للبرميل [القبس 10/8/2004]. ـ كما هدّد التيار الصدري بفصل الجنوب عن الدولة العراقية، وأعلن مقتدى الصدر عزمه الاستمرار في القتال ضد قوات الاحتلال الأمريكي حتى آخر قطرة من دمه. وهدد سلام المالكي نائب محافظ البصرة وممثل الزعيم الشيعي الشاب مقتدى الصدر بانفصال المحافظات الجنوبية الثلاث في العراق, البصرة والعمارة والناصرية, وإقامة 'إقليم الجنوب' العراقي المنفصل. وقال المالكي لوكالة الأنباء الفرنسية: 'ندعو إلى انسحاب القوات الأمريكية من النجف والاعتذار الرسمي من قبل إياد علاوي وحكومته للصدر والتيار الصدري وتعويض الشهداء والمتضررين من جيش المهدي'. وقال: 'إذا لم تتم الاستجابة لهذه المطالب فإننا نهدد بانفصال البصرة والعمارة والناصرية وإقامة إقليم الجنوب'، موضحًا أنه 'يجري اتصالات مع المسئولين في التيار الصدري في هذه المحافظات لإقامة هذا الإقليم'. الورطة الأمريكية... هل لها من حل؟؟ تأتي في طليعة المحطات التي نريد التوقف عندها طبيعة العلاقة ما بين الصدر والاحتلال الأمريكي. وقد لخص الصدر موقفه من الاحتلال الأمريكي بقوله: 'يريدون أن يستغلوني لتمرير أوامرهم بواسطتي, لذلك رفضت أن تكون هناك أي علاقة أو تنسيق بيني وبين المحتل, لأن هذا لا يرضي الله أولا، ولا يرضي الشعب العراقي ثانيا'. وقال: 'يجب على المحتلين الأمريكيين أن يغادروا، وبعد ذلك من الممكن البدء بعملية ديمقراطية في العراق, فلا نريد إلا الاستقلال وتحرير بلدنا, فإذا كان محررا ومستقلا فيمكن بعد ذلك أن يكون هناك مشروع سياسي، أما أي سياسات في الوضع الحالي مع وجود المحتل فلا سياسة أصلاً'. ووجّه الصدر انتقادات للحكومة العراقية المعينة, وقال: 'إنه سمع أن ما يسمى بالحكومة العراقية المنصّبة من قبل المحتل على العراق, مع شديد الأسف, تقول إن هناك مقاومة شديدة في النجف 'الأشرف' وإن هنالك عناصر مندسة في النجف'. وقال: 'ما هو موجود حقًّا في النجف هو مقاومة شريفة تدافع عن الإسلام وتدافع عن الدين وعن المذهب وعن المقدسات, إنهم يدعون المقاومة إلى وضع السلاح والاستسلام إن صح التعبير, لن أرد على أي شخص بشأن المقاومة, إنما هم أنفسهم الأمريكيون اعترفوا بأن المقاومة رد فعل طبيعي على الاحتلال, وبلدنا بلد محتل فإذن لا بد من المقاومة'. وحول التقارير التي تحدثت عن وجود دعم إيراني، قال الصدر: 'أنا مدعوم فقط من الله سبحانه وتعالى, وهو ناصري'. وحول رده على دعوة علاوي للمشاركة في الانتخابات المقررة مطلع العام 2005، قال الصدر: 'أتصور, كشيء مبدئي, أن ما تقوم به قوات الاحتلال هو بمساعدة وموافقة من إياد علاوي'. وقال: 'عندما أقول إني في خدمتك يا أمريكا وأنا تحت إمرتك وأدخل الانتخابات ففي ذلك الوقت سيتوقفون عن الهجوم، ولكن لا, أنا أعلنت أني عدو لأمريكا وأمريكا عدوه لي إلى يوم الدين'. وتأتي هذه التصريحات في مواجهة مواقف الأحزاب الشيعية الأخرى, التي جاء قادتها للعراق على ظهور الدبابات الأمريكية, وأيضًا لتضع القوات الأمريكية في ورطة عبرت عنها الجارديان في مقال تحت عنوان 'الصدر يخرج من المقبرة'. ويقول الكاتب روري ماكارثي في مقاله: إن 'الحكومة العراقية بمساعدة القوات الأمريكية قررت اتخاذ خطوة نهائية بشأن الصدر ربما ستترك البلاد في دوامة عنف، لكن ترك الصدر وشأنه ربما تكون استراتيجية لا تقل خطورة عن قتاله'. واعتبر الكاتب أنه أثناء الاحتلال 'وقعت القوات الأمريكية في نفس المأزق، إذ تجاهلت الصدر وقللت من شأنه كثيرًا, وفجأة قامت بإغلاق الصحيفة الخاصة به وهددت بقتله، ما أشعل انتفاضة في الجنوب الشيعي'. الورطة ملخصها إذن سؤال بسيط: كيف يمكن التعامل مع هذا التيار المشاكس, الرافض للاحتلال, العصي على الاستئصال؟ الصدر... لماذا هو مختلف؟! المحطة الثانية التي نريد التوقف عندها هي أوجه الاختلاف ما بين التيار الصدري, والمرجعيات الشيعية الأخرى المسالمة والمهادنة للاحتلال على طول الخط. بالتتبع نجد إشكاليات ثلاث جعلت من التيار الصدري شيئًا مختلفًا. إشكالية العلاقة بين الفقيه والمكلف: تجاوز التيار الصدري 'جدلية الفقيه والمكلف؛ مَنْ يذهب إلى مَنْ؟' التي ترى أنه لا يجب على الفقيه أن يذهب إلى المكلف ويبلغه حكمه, بل يجب على المكلف نفسه أن يأتي إلى الفقيه ويسأله, وقد انتقد مؤسس التيار المرجع الشيعي الإمام محمد صادق الصدر هذه الظاهرة, مؤكدًا على أن هذه الظاهرة ترسخ المقاطعة والانفصال النفسي والاجتماعي بين المرجعية والجماهير، مؤكدًا على أن ما أسماه 'الحوزة الناطقة المجاهدة' [أي حوزته] ينبغي ألا تكف عن النشاط في مختلف الاتجاهات وبمختلف الأساليب. و لقد دشن الصدر بنظرته تلك مرحلة جديدة في العلاقة بين المرجعية والجماهير، تختلف في حقيقتها اختلافًا جذريًا عن المرجعيات الأخرى الساكنة التي تنتظر من يأتي ليسأل. ولا شك أن هذه الإشكالية لها مردودها السياسي في التيار الصدري, الذي حمل إرثه مقتدى نجل محمد صادق الصدر, وتضع مفصلاً هامًا في التباين ما بين هذا التيار وغيره. إشكالية مفهوم التقية: خلافًا للأصل العقدي عند الشيعة والذي 'يوجب' الأخذ بمفهوم 'التقية', نجد أن محمد صادق الصدر حرم على العلماء منذ النصف الثاني من عقد التسعينات الأخذ بمفهوم 'التقية' من منطلق الخوف على النفس. وذهب مؤسس التيار الصدري يصنف الصبر نوعين: الأول: سلبي وهو الصبر على الظلم. والثاني: إيجابي وأسماه الصبر على مقارعة الظلم والظالمين. وطلب من أتباعه الأخذ بالنوع الثاني من الصبر, وهو الأمر الذي توارث في التيار الصدري وحمله مقتدى الصدر, والذي يبدو جليًا في مواجهاته مع الاحتلال. إشكالية ارتباط المرجعية الدينية بالعمل السياسي: حيث يبدو أن واشنطن ارتكبت خطأً بشعًا بتصور أن أكبر مرجع شيعي عراقي وهو آية الله السيستاني لا يؤيد فكرة أن المرجعية الدينية هي الإطار العام للعمل السياسي والاجتماعي، دون اعتبار لمخالفي السيستاني في الرأي بين الشيعة ومنهم مقتدى الصدر الذي يؤمن بنظرية والده الإمام الصدر عن ارتباط المرجعية الدينية بالعمل السياسي. فتيار الصدر على عكس المرجع الشيعي علي محمد السيستاني الذي لا يحبذ التدخل في السياسة، ويؤمن بأن على علماء الدين ألا يتدخلوا في شؤون الحكومة، وأنه يجب المحافظة على مسافات تفصل بين الدين والسياسة، ويهتم أكثر بالتصوف. الشيعة يحجمون 'ثورة الصدر'...لماذا؟ يقودنا الحديث عن التباين ما بين تيار الصدر, والمرجعيات الشيعية الأخرى إلى التوقف عند محطة أخرى, وهي علاقة تلك المرجعيات بتيار الصدر. فقد تمكن قادة الشيعة في العراق من احتواء الصدر ودائرة نفوذه في المجتمع الشيعي، وحصر المعركة بين قواته وبين قوات الاحتلال، دون تدخل الطائفة الشيعية فيها، على النقيض من حالة المقاومة السنية، التي وقف المجتمع السني بأغلبه مؤازرًا لها. ويبدو أن هناك تواطؤًا كبيرًا بين مختلف القوى الشيعية على لجم طموح الصدر ومنعه من التحول إلى رمز وطني شيعي، و إلا فإن قوات الاحتلال لم تبق رمزًا دينيًا شيعيًا إلا دنسته سواء ضريح الإمام علي أو مساجد مدينة النجف، ولم يحرك 'الملالي' ولا 'الآيات' ولا القوى السياسية الشيعية في العراق ساكنًا ضد القوات الأمريكية، وبقي الصدر وجيشه وحيدًا معزولاً في المعركة. إيران... أين تقف من 'ثورة الصدر'؟! هناك عدة فرضيات رئيسة ظهرت في العلاقة بين الصدر وبين إيران، يمكن التعرض لها كالتالي: الفرضية الأولى: يتبناها بعض الكتاب والخبراء من المحافظين الجدد, تعززها نظرية المؤامرة والرغبة الجامحة في التدخل لتغيير المسالك أو تحقيق المصالح الأمريكية, وهي أن الصدر يتلقى دعمًا عسكريًا وتمويليًا كبيرًا من إيران، وأن الصدر هو أحد الأدوات الرئيسة التي تلعب فيها إيران في العراق. ويقول هؤلاء: إن إيران تغدق الدعم المالي والعسكري لجيش المهدي والصدر، بغية إقامة 'جمهورية إسلامية' في العراق على غرار النموذج الإيراني. ويذهب إلى ذات الاتجاه خبير أمريكي سابق في العراق وهو 'لاري ديموند', والذي يؤكد أن إيران تخشى من قيام ديمقراطية وتعددية في العراق، لأن هذا يهدد قوة وسلطة آيات الله في إيران، لذلك تعمد إلى دعم الصدر وتقويته من أجل عرقلة هذه العملية. بل ويفترض 'وليام سافير' أحد كتاب الأعمدة في صحيفة نيويورك تايمز أن هناك محورًا متصلاً يتكون من إيران وسوريا وحزب الله ومقتدى الصدر يهدف إلى إفشال المخطط الأمريكي في العراق. الفرضية الثانية: تقوم على وجود دعم قوي لمقتدى الصدر من قبل قوى إيرانية سياسية معادية للولايات المتحدة، بينما تدعم القوى الإيرانية الرسمية الأحزاب والمرجعيات السياسية الأخرى، بمعنى أنه لا يوجد تعريف واضح محدد متفق عليه بين الأقطاب السياسية الإيرانية حول مصلحة إيران في المتغيرات الحالية، وبالتالي هناك قوى سياسية تدعم الصدر وقوى أخرى تدعم الأطراف الشيعية الأخرى. و هذه الفرضية في حقيقتها لا تتواءم مع المعطيات السياسية التي تؤكد على عدم انعكاس الاختلافات السياسية الداخلية الإيرانية تاريخيًا على دور إيران الإقليمي، وبالتحديد تجاه قضية تشكل مصلحة حيوية إيرانية. الفرضية الثالثة: يتبناها عدد من المنظرين والخبراء الأمريكان وتتمحور حول وجود تنافس وعداء مبطن بين إيران وبين مقتدى الصدر، نظرًا لطبيعة الصدر 'القومية', وإصراره على تشكيل قيادة شيعية منافسه لطهران, بل تتولى توجيه الشيعة في العالم، ويدخل في هذا الإطار مسألة الصراع بين قم والنجف على المرجعية الشرعية للشيعة في العالم. في هذا السياق يرى الخبير الأمريكي جوان كول أستاذ التاريخ الشرق أوسطي في جامعة ميشيجان أن الصدر ذو نزعة قومية عراقية، وأنه دائم الانتقاد لآيات الله في العراق الذين يتحدثون اللغة العربية بلكنة فارسية. ويرى كول أن آيات الله في طهران يجدون في الصدر وأطروحاته السياسية والفكرية تهديدًا لآيات الله ودورهم. وعلى خلاف ما يزعم المحافظون الجدد, يرى كول أن الرسالة التي تلقاها الصدر من زيارته الأخيرة لطهران, بعد سقوط بغداد, واضحة وهي عدم وجود دعم له من قبل طهران وضرورة تعاونه بشكل أكبر مع القوى السياسية الشيعية الأخرى. وقد ترجحت هذه الفرضية, لدى بعض المراقبين, من خلال غياب الدعم الشعبي والسياسي للصدر من قبل إيران أو القوى الشيعية الأخرى التي تعتبر تاريخيًا تابعة لإيران كمجلس قيادة الثورة الإسلامية, والقيادة الحالية لحزب الدعوة. ماذا يريد الصدر؟ في ظل الفرضيات السابقة, كان لابد من التوقف في هذه المحطة مليًا نتأمل: ماذا يريد الصدر؟ حيث انقسم المحللون في التعرض لنوايا الصدر وأهدافه إلى قسمين: ـ فريق المشككين: وهؤلاء يشككون في نوايا الصدر، ويرجحون أن تكون معركته مع الأمريكان لها أهداف أخرى, لا علاقة لها بالمقاومة ولا طرد الغزاة المحتلين, ما يعني أنها ستتوقف فور حصوله على الثمن منها, وهؤلاء يختلفون حول ما يريده الصدر. 1- هناك من يقول: إن الصدر يسعى للعب دور في السلطة العراقية الجديدة التي سوف تتولى حكم العراق في يونيو المقبل، وأنه تحرك في هذا التوقيت وأشعل الموقف ليبعث برسالة لإدارة الاحتلال وأطراف اللعبة الآخرين بأنه سيقلب الطاولة لو أخرجوه منها, وأنه لن يقبل التهميش الذي عانى منه غداة تشكيل 'مجلس الحكم'. 2- وهناك من يرون أن 'مقاومة الصدر' تهدف إلى سحب البساط من تحت أقدام 'المقاومة السنية'، بحيث لا تنسب المقاومة تاريخيًا وفعليًا في العراق للسنة، ويختفي دور المقاومة السنية تدريجيًا، وتنسب المقاومة للشيعية. 3- وهناك فريق ثالث يرى أن مقاومة الصدر هدفها الحقيقي هو الانفراد بالزعامة الشيعية في العراق، وإعادة مركز السلطة الدينية الشيعية إلى جناح الإمام الصدر والد مقتدى بعدما تفرق بين السيستاني والحكيم وأطراف أخرى. فريق النوايا الحسنة: والذي يري في تصريحات الصدر التي بدأها بطلب' إرهاب العدو' من أتباعه, إضافة إلى 'القتال حتى آخر قطرة', و'المطالبة بإخراج المحتلين من العراق'. ويرون كذلك, في القتال الشرس من جيش المهدي دلالة على صدق توجه تيار الصدر, وأن الأمر لا يعدو عن كونه عدم فهم لطبيعة هذا التيار المخالف في كثير من جوانبه للمرجعيات الشيعية. ماذا يخبئ القدر لتيار الصدر؟ ثمة توقعات عديدة مطروحة على بساط بحث مستقبل تيار الصدر, يتوسط بعضها, ويشتط الآخر ما بين متفائل بتوقعه, وحسن رؤيته وصدق حسه, ويذهب الآخر متشائمًا معتمدًا على فهمه لأبعاد لعبة الموت التي باتت ورقة رابحة في معترك التفاعلات السياسية العراقية. ولعلنا نعرض لبعض تلك التوقعات كالتالي: ـ توقع البعض حدوث 'السيناريو المرعب' الذي يخشى منه الأمريكان والمتمثل في صورة اندلاع مقاومة عراقية شيعية مسلحة عامة يقودوها الزعيم الشاب مقتدي الصدر. وذهبوا يستدلون على منحاهم بدليل قيام القوات الأمريكية بضرب المقاومين الشيعة بالأباتشي لسرعة وأد الثورة الشيعية الصدرية. وذهبوا إلى أن المواجهات التي جرت بين قوات الاحتلال الذي تقوده الولايات المتحدة في العراق وأنصار الصدر تصنف على أنها بداية 'ثورة صدرية' تكمل 'انتفاضة المثلث السني'. وقالوا: إن ابتعاد السيستاني عن الساحة ولو مؤقتًا سيزيد من شعبية الصدر, ونفوذ جيش المهدي. ـ التوقع الثاني نظر إلى واقع الصدر ومستقبله من منظور ما تعلن القوات الأمريكية, والتي أعلنت قبل أشهر عزمها القضاء على الصدر وحركته بسبب تحريضه ضد قوات الاحتلال ونشر بيانات في صحيفته 'الحوزة الناطقة' يحرض فيها ضد الاحتلال. وقالوا: إن اختفاء هذا التيار المشاكس يفتح الطريق للتعامل مع علماء الدين الشيعة المسالمين بهدوء لا يسبب مشاكل للأمريكان. ـ التوقع الثالث يذهب إلى 'دمج' الصدر في المنظومة السياسية, و'تأطيره' بقواعد اللعبة الديموقراطية, في مقابل تنازله عن قيادة جيش المهدي, وحل ذلك الجيش. وذهبوا في دلالاتهم لهذا التوقع بكثرة الحديث من مختلف الأطراف عن الهدنة ووقف إطلاق النار, والعرض 'المغري' على الصدر بالانخراط في السياسة. وذهبوا كذلك إلى الاستدلال بما أوردته مصادر صحفية [القبس في 11/8/2004] والتي أكدت أن 'علي الياسري' رئيس تحرير جريدة 'الحوزة الناطقة' التابعة لتيار الصدر قد حضر اجتماعًا في منزل السيد عبد العزيز الحكيم رئيس المجلس الأعلى للثورة الإسلامية في العراق ضم عشرين شخصًا من الأعضاء الشيعة في اللجنة التحضيرية العليا للمؤتمر الوطني. وقد أبلغ الياسري المجتمعين بأن كلاً من الأمم المتحدة، والجامعة العربية، ودولة الإمارات العربية المتحدة، قد باشرت اتصالاتها مع الحكومة من أجل وقف المواجهات، ملمحًا إلى ضرورة قيام مسؤولي القوى الشيعية بدور في هذا الاتجاه. بعض المجتمعين ردوا على الياسري بالقول: 'إن رئيس الوزراء راغب في التوصل إلى حل سلمي للأزمة لكنكم لم تساعدوه من خلال اتخاذكم قرارات يتعين عليكم اتخاذها من قبيل إعلان حل جيش المهدي، وإحالته إلى مؤسسة مدنية أو حزب سياسي، بالإضافة إلى إعلانكم وقف المواجهات وإخلاء النجف من عناصر الميليشيا'. وعلى إثر ذلك أكد الياسري أن تيار الصدر كان قد اتخذ قراره بحل 'جيش المهدي' وتحويله إلى جهة سياسية, لكن ذلك لم يتم إعلانه بسبب بعض الترتيبات الفنية والإدارية المتعلقة بهذا القرار. ـ التوقع الأخير يرى أن الأمور الحادثة ستسفر عن تحجيم دور الصدر واستنزاف قوة جيش المهدي, من خلال المواجهات العسكرية, معولة على صمت المرجعيات الشيعية التي تركت الصدر مكشوفًا في ساحة المواجهة مع قوات الاحتلال. وقالوا: إن قوات الاحتلال الأمريكية تدرك أن هناك فِرقًا مختلفة للشيعة في العراق وتعددية في القيادة، وأنهم لعبوا على الفريق الرافض للتداخل بين الواجبات الدينية والمسئوليات السياسية. وعلى ذلك ستبقى المناوشات والاشتباكات متأرجحة ما بين صعود وهبوط, ولن تسفر في نهايتها عن تغيير حقيقي في وضعيات التيار الصدري, إلا في المنحى السلبي لهذا التيار وجيشه. وأخيرًا: نقول: إن البون العقدي بين السنة والشيعة بعيد, ولكن إذا كان الهدف 'طرد الاحتلال', و'إرهاب العدو', فان الواقع السياسي ما بين الطائفتين قد يقترب إلى حد يتمناه الجميع. منقول --------------------------- في رأيي الشخصي أن ثورة الصدر قبل أن تكون ثورة ضد المحتل الامريكي هي ثورة ضد المرجعيات الشيعية في العراق لما تتصف به من جمود وأستسلام وايثار للسلامة خوفا علي المناصب والنفوذ وفي نفس الوقت أري أن مقتدي الصدر لديه طموح قوي جدا في أن يكون له دور رئيسي في العراق الجديد ولكن بدون وجود أو تدخل من أمريكا hamo أتمني أن يأتي اليوم الذي نعيش فيه الديموقراطية , لا أن نكتفي بالتشدق بها ....... <span style='font-size:21pt;line-height:100%'><span style='font-family:Times'> خير الكلام ما قل ودل</span></span> رابط هذا التعليق شارك المزيد من خيارات المشاركة
Recommended Posts
انشئ حساب جديد أو قم بتسجيل دخولك لتتمكن من إضافة تعليق جديد
يجب ان تكون عضوا لدينا لتتمكن من التعليق
انشئ حساب جديد
سجل حسابك الجديد لدينا في الموقع بمنتهي السهوله .
سجل حساب جديدتسجيل دخول
هل تمتلك حساب بالفعل؟ سجل دخولك من هنا.
سجل دخولك الان