مسرور السياف و أخوانه

[Cleo]

تقديـــــم

"مسرور السياف" أشهرقاتل فى تاريخ الدولة العباسية، بل فى تاريخ العصور الوسطى.. لم يكن قاتلا مأجورا مثل بعض المحترفين الذين يقتلون بالأجر.. ولكنه كان موظفا عموميا فى بلاط الخليفة هارون الرشيد.. يلازمه طظله، وينفذ إرادته بقطع رؤوس الخصوم المغضوب عليهم.. "فمسرور" كان مجرد أداة لإزهاق الأرواح مثل "عشماوى" الذى يحرك ذراع المشنقة فتتهاوى جثة المشنوق فى البئر، أو ذلك الخبير الذى يضغط على الزر فيصعق الشخص المحكوم عليه بالإعدام وهو جالس على الكرسى الكهربائى..

تم تعديل 25 أغسطس 2004 بواسطة Cleo

[Cleo]

وأنا لا أتناول هنا - مسرورا - السياف كشخص فنحن لا نعرفه، ولا نحمل له فى نفسنا ضغينة.. ولكنى أقدمه فى هذه الفصول كظاهرة ملازمة لنظم الحكم الاستبدادية... حيث يملك الحاكم كل السلطات.. كلمته هى القانون.. وإرادته فوق كل إرادة.. وحياة الإنسات معلقة بكلمة تخرج من فيه.. أو إشارة من يده فتتطاير الرؤوس وتتساقط الجماجم.. وتسيل الدماء.. وقد يتعجل الحاكم فى الحكم على مظلوم ثم تظهر برائته، ولا يكون مجال لإعادة الروح إلى الجسد الطريح، كما حدث للقاضى الفضيل ابن عمران، وكان يعمل مؤدبا ومعلما لجعفر ابن الخليفة المنصور العباسى، ثم ذهب الوشاة وهمسوا ف أذن الخليفة بأن الفضيل يعبث بابنه، فما كان منه إلا أن كلف "مسرور" بقطع رأس القاى، وانطلق السياف لأداء مهمته، وعندئذ علم الصبى جعفر بالأمر، فأصابه الجزع لما كان يعلمه من كذب الوشاية، ولما عهده فى الرجل من عفة وفضيلة وانطلق إثر السياف ليمنع الجريمة، ولكنه وصل بعد فوات الأوان.. ووجد أمامه جثة الرجل ودماؤه لم تجف (!!) وهالته الصدمة.. ونعى على أبيه قتل رجل برىء بغير جرم ولا خيانة.. فقال له السياف: أبوك أمير المؤمنين.. يفعل ما يشاء.. وهو أعلم بما صنع (!!)

[Cleo]

هذا هو دستور الطغاة.. إذا جاز أن يكون لجور والظلم دستور.. فلا أحد يحاسبهم على فعالهم.. ولا أحد يسألهم عن دماء الناس.. ولا أحد يحد من جبروتهم.. وعندئذ اتخذ الرشيد قراره الخطير بالقضاء على البرامكة.. لم يستشر أحدا.. ولم يقدمهم إلى القضاء يعطيهم حق الدفاع عن أنفسهم.. ولم يكلفه الأمر سوى إشارة إلى "مسرور" ليأتيه برأس جعفر بن خالد البرمكى، صديق عمره و أحب الناس إليه، وبعدها انطلقت الجحافل إلى قصور البرامكة تقبض عليهم، و تصادر أموالهم، وتودعهم السجون، فماتوا فى محبسهم دون أن يستمع أحد إلى دفاعهم عن أنفسهم، وتركوا المؤرخين فى حيرة من أمر هذه النكبة ومسبباتها و دوافعها، فذهبوا فى تفسيرها كل مذهب.

[Cleo]

كان هذا نهج الطغاة فى كل العصور فى الشرق و الغرب، وكان الأباطرة والملوك و البابوات يتصرفون فى أرواح البشر كما يتصرفون فى أملاكهم الخاصة.. وانتقلت أنظمة الحكم الفاسدة إلى الحكومات الإسلامية، وتحول الخلفاء والسلاطين والولاة - بعد عصر الراشدين - إلى أنصتف ألهة، ل راد لإرادتهم ولا معقب على حكمهم، فهم الحكام وهم الخصوم والقضاة والمحققون والمنفذون.. لا مجال للفصل بين السلطات.. ولا مكان للتحقيق والتمحيص واعتبار المتهم بريئا حتى تثبت براءته (!!)

ونحن عندما ننتقد تصرفات هؤلاء الحكام المستبدين، فإننا لا نحاسبهم بحساب عصرنا.. ولا نلومهم لأنهم لم يأخذوا بالأساليب القانونية والقاليد الديموقراطية التى تصلت إليها المجتمعات العصرية، وإنما نحاسبهم بمقتضى الأصول الإسلامية التى أمرت بالعدل و الإحسان، وحرمت الجور وجرمت الظلم، وحفظت دماء الناس وأموالهم وأعراضهم، وجعلت لروح الإنسان حصانة لا مس إلا قصاصا.. ولكنهم لجتنبوا هذه التعاليم السامية والمبادئ الراقية التى جاء بها الإسلام.. و أخذوا بما كانت عليه الأمم الغابرة من استبداد وظلم.

ولقد رأيت أنه من المفيد أن نستخرج من هذه الصفحات من تاريخنا ونقرأها جيدا ليكون لنا فيها عبرة.. ونحذر من الوقوع ى شرك الاستبداد والطغيان.. ونحمى أنفسنا من عبث مسرور السياف و إخوانه.

جمال بدوى

مصر الجديدة - أغسطس 1996

[ALsangry]

السادات برضه مره واحد قال عنه

انه رئيس الدوله و " ولا يسأل عما يفعل "

بس مش فاكر مين اللى قالها

يا ترى حد فاكر ؟؟؟

[Cleo]

السادات برضه مره واحد قال عنه

انه رئيس الدوله و " ولا يسأل عما يفعل "

بس مش فاكر مين اللى قالها

يا ترى حد فاكر ؟؟؟

كان الشيخ الشعراوى رحمة الله عليه... ولله أعلم بمكنون صدره حين قالها...

تم تعديل 24 أغسطس 2004 بواسطة Cleo

[ALsangry]

بالظبط كده

اعتقد الموضوع كان متعلق بتهريب شخص خارج البلاد

بتهمه الفساد او الاختلاس

او شيئ من هذا القبيل

[ALsangry]

الحكايه دى كنت قريتها فى كتاب اسمه " عبد الناصر المفترى عليه "

اسم الكاتب على ما اعتقد احمد حسنين

بس للاسف الكلام ده من فتره طويله ومش فاكر الاحداث بالظبط

[Cleo]

اغتيال ابن المقفع

هذا معارض من ألف عام وإن شئت الدقة فقل من ألف و 230 سنة حين لقى مصرعه فى أبشع ميتة يموتها إنسان.. وإلا ... فما قولك فيمن يوثق بالحبال كما توثق الأسود فى شباكها. ثم تنهال عليه سكين الجزار فتقطع من لحمة قطعة وراء قطعة.. ثم تلقى فى النار أمام ناظريه.. فلا يتراجع.. ولا يتخاذل.. ولا يستعطف جزارره أو يستجديه الرحمة.. وإنما يلقى فى وجهه بهذين البيتين يجود بهما مع أخر نفس:

إذا ما مات مثلى مات بموته خلق كثير

وأنت تموت ليس يدرى بموتك لا صغير ولا كبير

[Cleo]

ولا تزال جريمة اغتيال الأديب العظيم عبد الله بن المقفع تشغل بال الباحثين والمفكرين، وكل يذهب فى تعليلها كل مذهب، لا يزال اسمه يرن فى دنيا السياسة والعلم و الأدب/ ولا يزال علماء السياسة يحفظون له آراءه فى تنظيم الدولة ومكافحة الفساد، بينما لا يحفظ أحد اسم الوالى - الجزار - الذى نكل به وقطع أوصاله إربا إربا.. وصدقت عليه لعنة ابن المقفع.. فهلك دون أن يدرى بموته لا الكبير ولا الصغير..

[Cleo]

ولم يكن عبد الله بن المقفع معارضا انقلابيا هداما يستحق الرجم أو السحل أو السمل ولا حتى الضرب بالفلقة، فهو لم يشهر فى وجه الدولة سيفا.. ولا أدار تنظيما سريا لقلب نظام الحكم، ولا تخابر مع دولة أجنبية ضد الدولة التى عيش فى كنفها، ولا تمر مع الرجعية الغاربة ضد التقدمية الزاحفة.. وأنما كل ما كان يملكه هو سلاح الكلمة الصادقة الحرة الشريفة.. يقولها ورزقه على الله.. ولم يقترف جرما أكثر من أن قدم النصح للخلية، وأشار عليه بما ينبغى عليه أن يفعله ليجتث جذور الفساد ويتخلص من بطانته المفسد ومستشاريه الضالين المضللين الفاشلين.. واقترح عليه أن يعطى العيش لخبازه ذى الخبرة اللبيب، ويكافح الرشوة والمحسوبية واستغلال النفوذ.. ولم يبخل على الخليفة بمقترحات محددة لتنظيم الإدارة وضبط أموال الدولة وصيانتها من العبث، وكان قصده فى كل ما قدم من نصح ونقد - وليس هدم الدولة- وإنما شد أزرها وتوطيد أركانها، وتعزيز هيبتها حتى يزدهر العدل، وينحسر الظلم ويتحقق الرخاء.

[Cleo]

ولم يكن الحاكم ممن يسمعون النصح أو يتقبلون النقد، فهو يحسب كل نصيحة تطاولا على مقامه الأسنى، وكل نقد اجتراء على ذاته المقدسة، لم يكن الخليفة فى ذلك الزمن من صدر الدولة العباسية فى رجاحة الصديق أو مرونة عمر أو سماحة عثمان أو فقه على رضوان الله عليهم أجمعين، لم يكن ذلك الرعيل الصالح الذى يفهم النصيحة كما جاء بها الإسلام، ولكنه كان أبا جعفر المنصور - وما أدراك ما المنصور - قوة واقتدار.. فهو الجبار الذى يأخذ بالشبهة.. ويحاسب الناس على خطرات أفئدتهم.. عملا بوصية أخيه الإمام إبراهيم: (ومن اتهمته فاقتله).. والاتهام فى ذلك العصر يعنى الشك.. فالشك فى الولاء للنظام قرينة تكفى لقطع الرقاب دون تحقيق أو مسائلة..

[Cleo]

وشاء حظ صديقى عبد الله بن المقفع أن يشهد المرحلة الأخيرة من حياة الدولة الأموية، ويرى مصرعها بسيوف بنى قومه الفرس، ويشهد مولد الدولة العباسية على أكتاف شيعنه وأهله، فكان عباسى الهوى والفؤاد ولم يكن عنده ما يدفعه إلى البكاء عل أفول نجم الأمويين وقد كانوا حربا على بنى جنسه الموالى، ولم يكن عنده ما يدفعه إلى التآمر على النظام الجديد، وقد حظى فيه الفرس بالنفوذ والجاه والثراء.. بل كان عنده ما يحفزه على الولاء لهذه الدولة التى حظ فيها ابن المقفع نفسه بالثقة حيث عمل كاتبا فى قصور الأرستقراطية الحاكمة من أعمام الخليفة المنصور.. ولكن هذه الثقة المتبادلة يسن النظام والكاتب الحر لم تتحول من جانبه إلى مداهنة ورياء وتملق ونفاق للحكومة.. وإنما فرضت عليه أن يكون أمينا فى نصحه.. شرييقا فى قصده... شجاعا فى رأيه خبيرا بأوجه الإصلاح بمقتضى ثقافته العريضة ومعررفته بأصول الحكم فى الدولة الساسانية.

[عادل أبوزيد]

الفاضلة كليو

هذا الموضوع سبب لى "لخبطة" لماذا لم تضعيه فى فى باب الثقافة مثلا.

أحييكى على الموضوع و لو أنى أرى أنه لم يأخذ حقه فى النقاش ... كثيرا ما تسائلت كيف تم تكريس الإستبداد طوال العصور الإسلامية - عدا عصر الخلفاء الراشدين - و كيف إستمر الوضع حتى الآن و أكرر حتى الآن ؟؟ كيف لم يوجد فى الفكر الإسلامى أى شئء عن تفعيل العدالة و مقاومة الظلم ... كيف تكرس "من تكريس" الفكر الإستبدادى الذى ينزه الحاكم و كل ما يقوم به ....

سيقفز البعض للرد على بالقص و النوادر التى نقرأها فى كتب التاريخ و التى لا تمثل فكرا سائدا و مستقرا و محترما من قبل الجميع حكاما و محكومين.

يخطر فى ذهنى أحيانا وجود تتشابه بين ممارسات الكنيسة و حكام أوروبا فى العصور الوسطى و بين علماء الدين و الحكام المسلمين منذ مقولة

"أمير المؤمنين هذا فإن هلك فهذا ... و من يأبى فهذا ... مشيرا إلى إبن أمير المؤمنين فى الثانية و السيف فى الثالثة"

أذكر فى الستينيات و كان بين مصر و السعودية ما صنع الحداد (كناية عن التوتر الشديد) و قتها ظهرت أقاويل أو أخبار عن وجود جب (بئر عميق) تحت الأرض فى السعودية لسجن المعارضين ووقتها قيل أن أحد المفكرين المصريين - أظنه الدكتور طلعت الغنيمى - تم حبسه فى ذلك الجب لفترة طويلة لا تحضرنى الذاكرة بالتفاصيل و لكن ما أذكره جيدا أنى تناقشت مع أحد أقاربى عن هذا السلوك و مدى صحته دينيا فكان رده مفاجئة لى إذ قال من حق ولى الأمر إتخاذ ما يراه لدرء الفتنة و لم يسمح لى فارق السن أن أستطرد فى النقاش.

[Cleo]

شكرا يا أستاذ عادل على مرورك.... الكتاب شيق جدا وهكذا أرى كل كتابات جمال بدوى...

عموما لو رأيت حضرتك أن مكانه المناسب فى باب الثقافة أرجو أن نلقى به فى أول تاكسى لهناك... ;)

لك أطيب تحياتى gsm::

[mnman]

كليو!! تحياتي!! الموضوع شيق جدا!! في انتظار ماهو أت!!! :) :)

[ragab2]

موضوع شيق

ويلقى الضوء على طغيان حكام البلاد الاسلامية واستبدادهم من بعد الخلفاء الراشدين بدعوى حرية أولى الأمر فى التصرف فى الأرض ومن عليها

وثقافة المجتمع الأبوى وحرية ولى الأمر من الحكام ثبت فشلها وجورها على المواطنين من طغيان وتجاوزات

وكثير من حكام المسلمين طغى وتجبر تحت رداء الدين والدين منه براء

ومنهم من غير اسمه لتحقيق هذا الهدف ولتشريع استبداده فكان المعتصم بالله والمتوكل على الله والحاكم بأمر الله وغيره وغيره

شكرا لكليو

على هذه المواضيع الثقافية والتى تلقى الضوء على فترة خافية على كثير من الناس

[Cleo]

شكرا لكم جميعا على مروركم...

نلتقى الأسبوع القادم إن شاء الله بعد الأجازة....

هابقى أفتكركم فى مرسى مطروح... :)

[Cleo]

تلفت ابن المقفع حوله فوجد الاستبداد يتغلغل فى قمة الدولة، ورأى الفساد يضرب أطنابه فى مؤسساتها الإدغارية والمالية والقضائية والعسكرية، ووجد الخلل يتسرب إلى الحكم على أيدى فئة من الوصوليين احترفت الإحاطة بالحكام لتضليلهم والتغرير بهم وحجب الحقيقة عنهم، فالأموال الجمة تحمل من الأمصار والولايات إلى بغداد - عاصمة الخلافة - بدون سجلات تضبطها أو دفاتر تحاسب الجباة على ما تحت أيديهم من أموال، والقضاة يتضاربون فى أحكامهم فى القضية الواحدة من بلد إلى بلد لعدم وجود قانون موحد يرجعون إليه فى أحكامهم، وقادة الجند - نجوم العهد الجديد - يعيثون فى الأرض فسادا، و ينشرون بين العامة دعاوى الذل والخنوع للحاكم المستبد تحت ستار الطاعة لولى الأمر، وبلغوا فى ذلك مبلغا جسيما حتى قال قائلهم: "لو أمرنا أمير المؤمنين أن نستدبر القبلة فى صلاتنا لسمعنا وأطعنا..!!

[Cleo]

ووجد قصر الخلافة وقد أصبح مرتعا للجهال والمنتفهين والباحثين عن المغانم بأسهل السبل، رأى ابن المقفع كل ذلك واستوعبه، وعرف بحكم تجربته العملية فى قصور الأمويين عوامل الفساد التى تسرى فى نخاع الدولة التى تتقوض أركانها، وينهار بناؤها، وكان يدرك أن السكوت عن الفساد جريمة يأباها ضميره اليقظ ، وحسه المرهف، وعقله الراجح وتفكيره الناضج، فانهيار الدولة العباسية يعنى نهاية نفوذ بنى قومه، ووقوعهم تحت سلطة قوى جهولة لا يدرك خطرها إلا علام الغيوب، ومن هنا جاء حرصه على قوة الدولة العباسية وتطهيرها من كل عوامل الفساد، وحمل ابن المقفع قلمه وكتب رسالة أسماها (رسالة الصحابة) ولا يعنى بذلك صحابة رسول الله صلى الله عليه وسلم، ولكنه يعنى صحابة الخليفة أو بطانته وحاشيته، فهو يرى الدنيا بعيونهم.. ويأتمنهم على أسرتره ويستشيرهم فى أموره، ومن ثم يفترض أن تكون هذه البطانة عل ىالجه الذى يتمناه من حيث الأمانة فى الصحبة، و النزاهة فى المسلك والشجاعة فى النصح.