أسامة الكباريتي بتاريخ: 26 أغسطس 2004 تقديم بلاغ مشاركة بتاريخ: 26 أغسطس 2004 (معدل) رحلة في العالم السري لعملاء إسرائيل قصة أسير فلسطيني في "غرف العصافير" غزة-دنيا الوطن قد تبدو حكايته جديدة، هي كذلك بالنسبة لمن لم يذق مرارة السجن وغياهبه، هي كذلك لمن لم تصطدم قامته يوما بقامات المحققين، حتى السجانين الذين يحترفون هدم كل ما يعتز به أي إنسان من كرامة، وتحد، وعزة نفس، ورغبة في الحياة والصمود؛ وذلك بإجبار المعتقل على الاعتراف المذل، وبالتالي إصابته في مقتل يفوق سنوات السجن التي يعاقب من خلالها على اعترافاته. لكنها، أي الحكاية، تشبه قصص آلاف المخدوعين، تختلف في الزمان والمكان والشخوص وكذلك النتائج، وتتفق في التفاصيل والأهداف، ولن تسمعها رغم ذلك من كثير من المخدوعين الذين يرفضون الاعتراف بخدعتهم، وطبيعة التضليل الذي تعرضوا له، وبالتالي سذاجتهم أمام عدو يستغل الوسائل كافة في سبيل هزيمة صمودهم. هذه القصة ارتأى صاحبها أن يكتبها، قصة بسيطة من بين آلاف القصص التي أنتجها الاحتلال والأسرى داخل مفارقة تشبه الحياة والموت، هي مفارقة الأسر والحرية، الصمود والانهيار، لم يشأ صاحبها إبقاءها طي الكتمان في صدره فقرر الانطلاق من بئر صمته إلى صدورنا وعقولنا في محاولة تجريم محتل، وإنقاذ أخ مرشح ليعيش الظروف ذاتها. هذه الرواية تشترك أحداثها حتى النهاية التي تتكشف آثارها رويدا رويدا، وقد تخرج بطلا لا مفتاح لسرك، وقد تصبح جسدا بلا ورقة توت تحمي عورتك، تضرب رأسك بالجدران التي تأسر حريتك، تبكي بصوت يقطع صمت المكان المظلم، بعد أن تكون نياط قلبك قد قطعت خلال ندمك في موقف لا ينفع فيه الندم. طالع فصول تفاصيل الرحلة في العالم السري لعملاء إسرائيل: ما هي "غرف العصافير"؟ يعترف العاملون في أجهزة الأمن للحركات الفلسطينية المختلفة بأن النسبة العليا من اعترافات المعتقلين الفلسطينيين في التحقيق تنتزع في "غرف العصافير". وقبل الغوص في تفاصيل غرفهم لا بد من الإجابة عن سؤالين مهمين؛ الأول: من هم العصافير؟ والثاني: لماذا العصافير؟. والأول بطبيعة الحال يدلل على السؤال الثاني. للإجابة على السؤال الأول يجدر بنا تعريف "العصفور" في لغة السجن والسجان والسجين على السواء، وهو عبارة عن شخص عربي تعامل مع الاحتلال ورضي على نفسه -لسبب أو لآخر لسنا بصدده الآن- أن يكون أداة في يد الاحتلال ضد أخيه، وابن جلدته. ومن واجبات "العصافير" الأساسية القيام بخداع المعتقل، متظاهرين أنهم من المعتقلين وأصحاب الأحكام العالية من أجل الحصول على اعترافات المعتقل بعد أن يكون رجال المخابرات قد عجزوا عن ذلك باستخدام أساليبهم التقليدية، وهم في سبيل ذلك يعيشون في أجواء مصطنعة بنفس أجواء المعتقلين، ويطبقون أنظمتهم، وطرق إدارتهم لشئون حياتهم، كي يسهل تأثيرهم على المعتقل من خلال كسبهم لثقته، وذلك بهدف أن يتكلم عن نشاطه السياسي أو الأمني بعد أن يكون المحققون الإسرائيليون قد فشلوا في انتزاع اعترافات منه. شِباك داخل قضبان السجن وتعتبر "غرف العصافير" مركزا أساسيا مرفقا من المراكز الملتصقة والتابعة للسجون الإسرائيلية على السواء، وهي بمثابة شِباك تغزل للإيقاع بالأسير داخل السجن بعد أن يعتقد أن فترة التحقيق التي تطول أو تقصر قد انتهت، وبالتالي يقال له ذلك ويوهم ليقذف به في براثن العصافير الذين يتصيدونه بلباس العمل النضالي وضرورات السجن وأمنياته. ولعل في التسمية بُعدا يخالف ما يزودنا به اسم "عصفور" عند لفظه للمرة الأولى، حيث الرمز الجميل والبعيد عن تداعيات الفعل الذي يقوم به حامله (أي العميل)، لكن المعنى الذي يؤكده الجميع "للعصافير" داخل السجن، والسبب في هذه التسمية التي عرفتها السجون الفلسطينية منذ حوالي ثلاثين عاما تنبع من أن "العصفور" أو العميل العربي يبقى مأسورا في السجن كالعصفور في القفص، منفذا للأوامر التي تصدر عن جهاز المخابرات الإسرائيلية إلى أن ينكشف أمره، ويصبح معروفا لدى الأسرى والمعتقلين ليحوّل إثر ذلك إلى أعمال أخرى حتى يستنفد لحمه ليقذف عظما لا يصلح لأي شيء، وهذه نهاية كل مرتبط أو خائن. بداية الحكاية مشهد الاعتقال بدأت حكاية المعتقل "س.ع" بعد أن تم اعتقاله من منزله في مدينة نابلس، حيث كتب يقول: ".. .وكعادة أي معتقل، أنزلت إلى غرفة التحقيق، وهي غرفة معتمة فيها كرسي صغير وطاولة يجلس عليها محققان إسرائيليان تابعان للمخابرات، في البداية جلس معي ضابط التحقيق، كان ضخم الجثة، يحمل وجها أبيض، يتظاهر بالصرامة والقوة، قال لي: نحن نعرف تفاصيل حياتك كلها، والأولى بك أن تعترف حتى توفر علينا وعلى نفسك العذاب". قلت له: "إذن حاكمني على ما تعرفه عني، ولا داعي للتحقيق معي". غضب وزمجر، وقال: "ستعيش أياما هنا تتمنى على الله أن لا يكون قد خلقك". تبع ذلك جولات عديدة وطويلة، تناوب ضباط عدة التحقيق معي، وكان كلما يأس ضابط من الحصول على اعترافاتي يأتي آخر، كانوا يتفاوتون بداية في طرق التحقيق معي، لكنهم استعملوا جميع الأساليب النفسية الصعبة من تهديد ووعيد، وتحبيب وترغيب، والكثير من أنواع التعذيب الجسدي. وأنا المؤمن بعبارة واحدة كانت بمثابة صلاتي وهي: "من يمتلك الإرادة يمتلك الصبر على التعذيب والخوف والعزلة والأسر"، وكانت النتيجة الإيجابية. تركوني وحيدا في أماكن معزولة، في ظروف تفتقر إلى أدنى الخدمات الإنسانية كالشمس، والهواء، أو الإنارة والماء، أو حتى مكان لقضاء الحاجة، وهذا كله لم أكن شخصيا أتوقع أن أجد غيره، فسمعة السجون لا تخفى على أي فلسطيني. لم أكن لأعرف أين أنا، ولا ما هو الوقت، ولا حتى إن كنت في الليل أم في النهار، وحيدا كنت في زنزانة لا تتجاوز المترين، وبرغم ذلك كله لم يأخذوا مني "لا حقا ولا باطلا"، كنت أشعر في مرور الأيام بالنصر، نصر في الثبات على رأيي، فأنت قوي طالما لم تعترف، قد يكون كل ما يقولونه صحيحا لكن ما يهمهم هو الاعتراف، الاعتراف ذل.. موت.. خيانة من نوع آخر، أنت البطل والمنتصر طالما التزمت الصمت، كنت متترسا خلف قاعدة مهمة تقول: عليك أن تبتلع لسانك ريثما تنتهي فترة التحقيق، فهي ستنتهي ولن تطول كما يهددون دوما. وبقيت على هذه الحال، أي في غرف التحقيق القاسية، حوالي شهرين، تحملت بعون الله أشد صنوف العذاب وأقساها، وجاء بعدها التحول المؤلم. التحول المتوقع.. والمؤلم! وحدث الانقلاب، التحول المؤلم والمتوقع، الشرخ الكبير في نفسيتي التي كانت تحتاط إلى مثل ذلك، كان ذلك عندما أنزلوني إلى "العصافير وغرفهم"، وهذا يحدث مع غالبية الأسرى الذين لا يعترفون عند رجال المخابرات، لبثت بينهم ما يقارب الـ25 يوما، كان ذلك في خيام معتقل "مجدو"، ليتضاعف ألمي وعذابي وتأنيب ضميري لأني منذ البداية افترضت أنهم عملاء "عصافير" فعلا لكنني سقطت في الفخ المنصوب لي...! قذف السجان في زنزانتي بعض الملابس، وقال بصوت جلف وخشن: "انتهى التحقيق معك، غدا ستكون في سجن مجدو إلى أن يأتي تاريخ محاكمتك". ما حصل على أرض الواقع كان مختلفا تماما... انبسطت كبحر، شعرت بنشوة من أنهى امتحانا صعبا وعصيبا، وهيأت نفسي للذهاب حيث الإخوة المعتقلون، فطالما سأذهب إلى سجن "مجدو" إذن انتهى التحقيق، وبالتالي بعد عدم اعترافي أكون على قدر ألمي، والذي كنت دوما متخوفا منه هو أن لا أكون على مقدار ألمي ومعاناتي. كنت أمتلك من المدعمات والمعلومات عن "غرف العصافير" ما يكفيني للحيطة والحذر منهم قبل النزول في مستنقعهم، وهو ما كان من المفترض أن يقيني عند معاشرتهم من خططهم ووسائل الوثوق فيهم، لكن التعامل بحسن النية وبطيب القلب كانا أهم العوامل التي أعمت بصيرتي، وتحوّلت إلى شخص ساذج اقتيد لقبره بإرادته. اكتشفت متأخرا أن السر كان في عدم قول كلمة "لا" بالجرأة اللازمة عند الحاجة إليها، أن السر في عدم التزام الصمت سلاحا، وتحت وقع الحياء من تعاملهم الطيّب ذاب صمودي، وتلطخت كرامتي بالوحل، وتآكل الصبر في ظلال المسرحية المحكمة التي مثلوها علي، وأقنعوني بنقائهم وصدقهم من خلالها، وبالتالي أوقعوا بي في شباكهم. أسرار حياتهم في أقفاصهم من بحر تجربتي المؤلمة التي خضتها معهم، وهي بمدة لم تتجاوز الـ25 يوما، كان اليوم الأول مبشرا، تلقفوني كطفل وجد لعبته التي حلم بها، وأخذوا يحركونني على كفوف الراحة والدلال. وبمرور الوقت تكونت لي الصورة التالية عنهم، وسأقدم 24 ساعة من حياتهم، بداية تستطيع أن تلمس إدارتهم لشئون حياتهم المنظمة وبدرجة عالية من الإتقان والانضباط، يستيقظون كل يوم قبل الفجر بثلث ساعة، يتهيأ خلالها الجميع للصلاة باستثناء من لا يريد أن يصلي، وهم قلّة،.. يُؤذنون لكل صلاة، ويصلون في جماعة، وبعد الفجر يعود الجميع للنوم إلى حين العدد، أي عندما يأتي الجنود للتأكد من عدد الأسرى داخل الغرفة، فيقوم الجميع ويجلسون جلسة عدد، عندها لا ينسون القيام بتغطية شاشة التلفاز... وهكذا، أي بنفس نظام المعتقلين، وبعد ذلك يتمموا نومهم. وفي تمام الثامنة والنصف صباحا يلزم الجميع بالاستيقاظ، وتكون القهوة والشاي بانتظار الجميع، ويجهز بعد ذلك في التاسعة الفطور لنجلس معا على مائدة واحدة. وبنفس النظام مع وجبات الغداء والعشاء، لكل منهما موعد محدد يلتزم به الجميع. ويتم توزيع الأدوار والمهمات وفق توجيهات ما يدعى بـ"موجّه القسم" عندهم.. فهناك من يجلي الأواني والصحون، ومن ينظف، وهناك المسئول عن الدورة المائية والحمامات، ومن يعمل في جهاز الرصد الذي يقوم الليل ملزما بالحراسة، وهناك من يخرج إلى الزيارات...الخ. مناصب كما في التنظيمات المختلفة.. لكنها وهمية ومن المناصب الرئيسة التي يدرج استخدامها بينهم: - الأمير الأمني: وهو يختص بالمواضيع الأمنية، والجلوس مع المعتقلين الجدد، وله نائب يساعده ويناوبه ليقوم بدور تكميلي. - موجه القسم: وهو المسئول عن القسم، وعن المسئولين فيه جميعهم، ويتدخل في وقت الأزمات. - شاويش الخيمة: وهو المسئول عن إدارة شئون السرايا واحتياجاتها المختلفة. - المردوان: وهو -كما عرّفوه- البريد التنظيمي بين الأقسام، وهو الذي يخرج ويدخل احتياجات النزلاء في الخيمة، ويتابع مع الجنود كل ما يحتاجونه من السرية. - الإمام: وهو المكلف بإدارة شئون الإمامة، وخطب الجمع، والدروس والمحاضرات. بعد الظهيرة يُلزم الجميع بالتزام بُرشه، أي فراشه ومكان نومه، إذ كان هناك قرار بالقيلولة، ويلتزم بالهدوء التام من لا يريد النوم. وفي تمام الساعة الحادية عشرة ليلا يلتزم الجميع برشه، وتدخل فترة الهدوء النسبي، وبعد نصف ساعة تدخل فترة الهدوء التام، وفي تمام الساعة الثانية عشرة تطفأ آخر سيجارة. يبدأ بعد ذلك "الشفت" اللّيلي الذي يمتد حتى الفجر، ويُلزم به في كل ليلة اثنان يحددهم "الموجه"، يقومان بمهمة الحفاظ على المعتقلين وحراستهم، حسب ما يدّعون. وهم في جميع أعمالهم وتحركاتهم ومناصبهم الإدارية تماما في السجون المختلفة حسب قوانين التنظيمات الفلسطينية المختلفة. التزام ظاهري بطاعة الله عمومية الحياة في المكان تشعرك أنك في سرية جيش حقيقية، ملتزم بالطاعة في أوقاتها، وهو التزام ظاهري في حقيقته، لكنك تشعر أنهم أولياء، أو "فراخ" أنبياء لكثرة ورعهم وحفاظهم على أداء الطاعات، وتقربهم لله عز وجل، ومع ذلك يعيشون حياة طبيعية منهم من يلعب، ومنهم من يمارس الرياضة، ومنهم من يطالع الكتب المتوفرة بكثرة، ومنهم من يتمشى، ومنهم من يقرأ القرآن، ومنهم من يضحك وينكت، ومنهم من ينشد ويتفاعل... وهكذا. كما أن منهم المثقف، والأمي، والعامل، والجامعي، ومنهم الشاب الصغير، والعجوز الكبير، وهم موزعون في أصولهم من مناطق فلسطين كافة من مدينة أو قرية، حسبما يعرّفون عن أنفسهم، والأهم هو ادعاؤهم أنهم من تنظيمات مختلفة. وبمجرد دخولك في عالمهم "المثالي" تزود بقائمة تحذيرات، تحصل عليها على اعتبار أنك "صيدهم" الجديد. ويمنع هناك منعا باتا التكلم بأي كلام فاحش، وكذلك أي احتكاك أو مشادة بين أي اثنين، ويرفع أي أمر "للشاويش" أو "الأمير الأمني" وهما يحاسبان من يستحق المحاسبة بالعقاب المناسب المنصوص عليه في قانون السجن. وفي حال وصول أي معتقل جديد، كما حصل معي، يهتمون به كثيرا، ويولونه عناية ورعاية ومحبة خاصة، فلا يترك ليجلس وحيدا، أو وحده سارحا. ساروا معي، وشاركوني آلامي وهمومي، وخففوا من مصابي الجلل، وقدموا لي أفضل ملابسهم، وزودوني بما يلزمني من احتياجات ضرورية. وباستمرار الاحتكاك لساعات أو أيام يجذبونك نحوهم كفعل المغناطيس بالحديد، لتبني مع بعضهم علاقات قوية تتجاوز الشخصية، وهذا ما يريدونه ويطمعون للوصول إليه، وهناك يمكنك أن تستشعر من هو من تنظيمك، ومن هو من غيره، فالخيمة عبارة عن نموذج لخيمة حقيقة داخل السجن، وهي "غرفة عصافير". البداية: قسم فرز فصائلي ومن ضمن قائمة المحظورات التي تلقفتها منهم منعي من أن أعرف بتنظيمي، أو التكلم في القضية مع أي من الموجودين، وأقنعوني أن هذا قسم هو بمثابة "فرز فصائلي" تابع لقسم "7" في سجن "مجدو"، أي قسم استقبال كما كانوا يدّعون. رأيت منهم من يتأثر في بعض الأحيان ويشعر بالضيق ويكون ذلك واضحا على علامات وجهه، فتسأله عن السبب والمشكلة؟! وتحاول "بطيب خاطر" أن تخفف من آلامه، فمنهم من يجيبك أنه مشتاق إلى أهله، ومنهم من يخبرك بأن والدته مريضة وتحتاج إلى عملية، وهذا بطبيعة الحال بهدف إقامة نوع من التعاطف اللاشعوري معهم، كما يتفاعلون مع كل الأحداث والأخبار على شاشة التلفاز (السري بطبيعة الحال)، ويفرحون للخبر الذي يفرحك، ويحزنون للخبر الذي يحزنك أكثر منك. في "غرف العار" الكل يلتزم بأداء الصلوات الخمس، وفي كل صلاة فجر هناك دعاء قنوت يدعون فيه على اليهود، والعملاء، والمندسين، ويجلسون بعد كل صلاة يسبحون ويستغفرون، ليأتي دور الإمام المفوّه الحافظ للكثير من الأحكام الشرعية، وهو متقن لأحكام تجويد القرآن الكريم بدرجة عالية، وعنده ثقافة واسعة، دائم المطالعة والكتابة، وعنده قدرة عالية على إلقاء الخطب الحماسية بما يكفي مشاعرك لتلتهب، وتجعل الكلمات تخرج من فمك تعاطفا وحماسة وتسرعا دون أي حساب لعواقب الأمور. وخلال فترة الأسابيع الأربعة التي قضيتها سمعت خطبا عن الجهاد، والصبر، والعمليات الاستشهادية وفضلها. وفي سبيل تفاعلك معهم لا تجد في نفوسهم أدنى شعور من الأنانية، أو البخل بالعطاء، شعارهم العام الذي يطلقه "الموجه" دوما: "لا يوجد هنا أي غرض يسمى ملك خاص". قال لي أكثر من شخص منهم إن قضيته طويلة، مطلوب له أكثر من مؤبد، ومنهم ذوو الأحكام الخفيفة، ومنهم الموقوفون، ومنهم الإداري. جلسة سمر فى سجن مجدو وفي الخيمة التي شهدت على سذاجتي وعدم احترافي الأمني في التعامل مع واقع صعب توجد مكتبة تضم الكتب الثقافية، والدينية، والعلمية، والأرشيف الذي يحتوي على صور للشهداء والجرحى، وهناك جلسات متنوعة المواضيع والأنظمة، من الديني، والثقافي، والسياسي، والإداري. مع العلم أن كل ما ذكر، وما سيأتي ذكره ليس ثابتا في حياتهم وأساليبهم، فهم يغيرون خططهم وتكتيكاتهم باستمرار، ومن المهم ألا يجعل المعتقل في ذهنه عنهم شكلا محددا، أو أسلوبا معينا. وباختصار شديد يصطنعون أجواء أجمل من أن توصف بالطبيعية، لم تكن تحلم بأن تجدها في مكان يصادر حريتك، ويمتهن قهرك، ورغم علمي بكل تلك التفاصيل فإنني سقطت في فخ نصب داخل قضبان السجن وقع فيه الكثير من المعتقلين إلا ما رحم ربي. *اسلام اون لاين تم تعديل 26 أغسطس 2004 بواسطة أسامة الكباريتي يا حيف ع اللي جرحهم جرحي وفوق الجرح داسوا صاروا عساكر للعدى وكندرة العدو باسوا حسبنا الله ونعم الوكيل رابط هذا التعليق شارك المزيد من خيارات المشاركة
أسامة الكباريتي بتاريخ: 26 أغسطس 2004 كاتب الموضوع تقديم بلاغ مشاركة بتاريخ: 26 أغسطس 2004 الفصل الثاني: تفاصيل الجلسات الكاملة في "غرف العصافير" حرب قناعات... في معركة كسب الثقة في اليوم الأول: "حتى لو ضربة حجر!" في يومي الأول لدخولي "غرفة العصافير" التابعة لسجن "مجدو" كنت قادما بشعور الوحدة الذي أحمله، بحاجة ماسة لمن أتكلم معه، ففي زنازين التحقيق الانفرادي عشت مدة تزيد على الشهرين دون أن أرى أحد أو أتكلم مع أي شخص باستثناء المحققين، كنت جائعا للكلام وللتنفيس عن الذي حدث معي، تمشى معي أحد "الشرفاء" الذي جعلوه يقوم بدورهم دون أن يدري، لغروره وحبه للمناصب، فأعلمني بعد ديباجة اعتيادية من الترحيب والتهليل لصمودي بأن هناك "أميراً أمنياً" وهو الوحيد المخوّل أن يسألني عن قضيتي، وعلي أن أتعامل معه وأعطيه كامل تاريخ حياتي النضالي، حتى ولو كان ضربة حجر على الجنود الإسرائيليين!! أجبته بأنه لا يوجد عندي شيء، وأن المحققين أنفسهم تأكدوا من ذلك. وقلت: "لست مع أي فصيل، حتى لو على سبيل التأييد". فقال لي: "لا... لا، أنت لازم تقول للأمير الأمني كل شيء، أنت خايف بتفكر أن هؤلاء من العصافير، لكل واحد منهم تاريخ نضالي طويل، مطلوب لهم أحكام بالمؤبدات". حاولت أن أحشده عنده فكرة عدم خوفي من شيء، قلت بعصبية: "فش عندي شيء أخاف منه، أو عليه". قال: "طيّب، ممكن يجلس معك الأمير الليلة"، ثم ذهب. في اليوم الثالث: تعريف... ثم "تحقيق" في تمام الساعة التاسعة مساء أرسل في طلبي من يدعى بـ"الأمير الأمني" كي أجلس معه في الخيمة الأخرى البعيدة، وفعلا ذهبت إليه دون أدنى خوف، بل تحصنت بنفس الاحتمال (أي أن يكون من العصافير). وصلت خيمته، كانت كبيرة، وفيها بعض الأوراق، وبدا مشغولا، وفي الوقت ذاته منتظرا وصولي، قام وسلم علي بحرارة، وأجلسني إلى جواره، سألني عن أخباري، وصحتي، وبعد ذلك سألني عن عمري؟ أجبته: "22 عاما". قال لي بأن هذا الجواب غير صحيح! غضبت، وتوترت عندما كذّبني، فقال لي غداة ذلك: "يا أخي هذا ما مضى من عمرك!؟ ولكن كم عمرك فلا يعلم بذلك إلا الله!!؟" قلت له مذهولا: "غلبتني بهذه"... كان هذا مدخلا لاختبار ذكائي، وردات فعلي على ما يحدث وسيحدث معي فيما يتعلق بعلاقتي بهم. ثم سألني عما أعرفه عن السجون والمعتقلات، قلت له لا شيء سوى أن الذي يعتقل يحاكموه ويضعوه في السجن! ثم سألني إن كنت أعلم سبب وجود هذا القسم المستقل عن السجن الذي نحن فيه، وأجبته بالنفي. فقال لي: "أنا سأخبرك وأعرفك على كل شيء..". وبدأ يشرح...يفسر...يعلل... "هذا القسم هو بمثابة قسم "للفرز والاستقبال"، أي أن المعتقل عندما ينزل إلى السجن ويدخل الساحة النضالية عليه أن يعيش تحت إطار تنظيمه، أو تحت إطار أي تنظيم آخر يرعاه إلى حين خروجه من السجن وهذا ما يسمى "بالفرز". وأضاف: "هذا القسم تم استحداثه مؤخرا، والهدف منه معالجة خلل كان يحدث في السابق، حيث كان المعتقل ينزل إلى السجن ويدخل بين جميع المعتقلين مباشرة، بينما لا يعرف المعتقلون حقيقة كل إنسان ينزل عندهم، وإن كانوا يعرفوه فهم لا يعرفون ما جرى بينه وبين المحقق.. فالمخابرات تعرض على كل معتقل أن يعمل معهم!، وبناء عليه كان يضطر الإخوة في الأقسام الداخلية إلى وقف الأنشطة والجلسات جميعها إلى حين التحقق من أمره، فقلنا: "ليش نظل على هالحال ما نعمل خيمة مستقلة عن القسم من أجل استقبال الجدد، نتأكد خلال فترة وجوده بها من شخصيته، ووضعه الأمني، وفي الوقت نفسه يتعلم الأخ النظام والقانون في السجن، ويلتزم بهما، وبذلك يدخل بين إخوانه ملتزما وعارفا لطبيعة القانون، وهذا يساعد بالتالي على استقرار السجن". أوهمني أن كلامه السابق كان بمثابة الحجة أمام الإدارة في سبيل اقناعها بالحاجة لوجود مثل هذا القسم الجديد، ولم أستغرب مثل هذا الوضع في سجن كـ"مجدو" سمعة الانفتاح فيه بلغت الآفاق، فيكون قد تم فعلا التعرف على وضع المعتقل من الناحية الأمنية، وحللت شخصيته، وفي الوقت نفسه تبقى الأنشطة جميعها في الأقسام الداخلية تسير بشكل طبيعي. وعلل بكلامه السابق خلو القسم من "البلفونات" وغيرها من الخدمات المتوفرة في السجن الحقيقي. قبل أن أغادره قال الكثير عن وضع السجن والنظام فيه: "عندنا أعلى هيئة هي مجلس الشورى العام، والمشكل من الفصائل كافة، ويتفرع عنه لجان عدة، وهي: - اللجنة الثقافية ومهمتها في إطار العمل الثقافي، والإشراف على امتحانات التوجيهي (الثانوية العامة)، وإقامة الدورات المختلفة في المجال الثقافي …الخ. - اللجنة السياسية التي تعنى بآخر الأخبار، والأوضاع السياسية، ومتابعة المستجدات السياسية، ونشر البيانات وشرحها التي توزع على الساحة الفلسطينية من قبل الفصائل كافة، وإدخالها إلى المعتقل وقراءتها حتى يبقى المعتقلون على تواصل تام مع القضية والأحداث على الساحة الفلسطينية. - اللجنة الأمنية التي يتفرع عنها لجان ثلاث وهي: أ-لجنة المتابعة والتنسيق: ووظيفتها التواصل مع الفصائل كافة في الخارج، وإدخال المعلومات الأزمة عن أي معتقل أو أي أمر أمني في خارج السجن أو في داخله. ب-جهاز الرصد: ووظيفته رصد ومتابعة المعتقلين وجميع تصرفاتهم وأخطائهم وتحليلها، والوصول إلى كل مشبوه أو عميل يحاول اختراق الساحة النضالية داخل السجن. ج-جهاز الردع: وله وظيفتان: الأولى مع المعتقلين الشرفاء الذين لا يلتزمون بالنظام والقانون ويقومون بارتكاب المشاكل، والثانية: مع المندسين والعملاء الذين تثبت محاولة اختراقهم للساحة النضالية. لم يكتفي بهذا المقدار التي شحنني بها ليبلغني بوظيفته هو "أميرا أمنيا"، وأبلغني أنه مكلف من قبل الفصائل كافة المتمثلة بمجلس الشورى العام بالجلوس مع المعتقلين الذين يدخلون هذا القسم، وأنه لديه تصورا كاملا عن أي معتقل قبل أن يجلس معه، فحسب قوله، المعتقل وبمجرد نزوله إلى السجن يعمم اسمه على الأقسام كافة، وترفع به تقارير كاملة من قبل الإخوة الذين يعرفوه، كما أنه يتم التواصل مع التنظيم في الخارج ليعرف وضعه التنظيمي… وهكذا. تابع قائلا بثقة تامة: "دوري يتمثل بمعرفة قضيتك، وتاريخك النضالي كي يسهل الكشف عن الأسباب التي أدت إلى اعتقالك". وأبلغني أن الحديث الذي يدور بيني وبينه لا يخرج إلا إلى الإخوة الذين يمثلون تنظيمي في مجلس الشورى العام، وأنهم مقسمون على كتاب الله بالمحافظة على سرية المعلومات. وطلب مني، بناءً على، ذلك أن أقول له ما هي قضيتي؟ فأجبته بما وقعت عليه في الإفادة التي كتبتها عند المحققين من رجال المخابرات فقط. ضحك، ومن ثم تبسم، وربت على كتفي، وقال لي: "يا أخي أنا قلت لك قبل أن أجلس معك أن لدي تصور كامل عن تاريخك قبل أن أجلس معك، وهذا الذي كتبته في التحقيق هو إطار أنت حددته لنفسك وقررت عدم تجاوزه، وأهنئك كثيرا على هذا النجاح". وتابع: "هناك أناس كثر مثلك، نجحوا وضحكوا على المخابرات، ولكن هذا الشيء عندي ما بمشي". ثم حدث جدل ونقاش طويل بيننا احتد في نهايته، فأجبته بصراحة: "أنت أسلوبك أسلوب محقق ...هذا هو وضعي فقط". غضب بشدة ساعتها، وبدأ يصيح ويقول: "أنت تطعنني في قلبي بهذا الكلام، وأقسم بالله العظيم، أقسم بالله العظيم إلا أقول هذا الكلام للإخوة في مجلس الشورى". وفي تمام الساعة الواحدة ليلا فضت الجلسة. في اليوم الخامس: حيرة... "صلي ركعتين استخارة" اخبرني احدهم سرا أن هناك جلسة لي مع "الأمير الأمني"، وحضرت في الموعد المحدد في خيمته، وأول ما بادرني به هو عن أسباب عدم تعاوني معهم؟! أجبته: "مع احترامي لكم أنا لا أعرفكم ولم ألتق بكم في حياتي، وإن كان عندي شيء فمن وين لوين أتعامل معكم!". فأجاب طارحا حلا توفيقيا في سبيل إرضائي "أنا مستعد لأي حل تطرحه"، واستعد أن يأتيني بجهاز "البلفون" كي أتكلم مع أي مسئول أو قيادي في الخارج، وأسأله عنهم بالاسم. وافقت... لكنه حاول إقناعي بأن خطورة هذه الوسيلة تكمن في أن المكالمات جميعها مراقبة في داخل السجن، ولم نقم بهذه الخطوة بناء على طلبه. وأخذ يطرح حلولا قد تكون مرضية من قبلي مثل أن يأتيني بكتاب مغلق من التنظيم، ومختوم بختمه الرسمي على شكل كبسولة، يذكرون لي فيه بعض الأمور التي لا يعرف بها أحد إلا أنا ومن كان يعمل معي، ويطلبون مني أن أتعاون معهم. قلت له ساخرا من عرضه بأن هذا الكلام لا يصلح لأن المخابرات الإسرائيلية غير عاجزة عن القيام بصنع ختم كختم التنظيم! فقال لي: "والله ما أنا عارف شو بدي أقولك، صلي ركعتين استخارة". فأجبته أن لا استخارة في هذه المواضيع. فقال: "أنا أوصل هذا الكلام للإخوة في مجلس الشورى وسنرى ما يقولون،... وأنا يا أخي واضع يدي على كتاب الله، وحالف أمام الإخوة في مجلس الشورى أن لا أقول لأحد ما هو فصيلي، لكن أود أن أقول لك أنني عندما كنت في الخارج كانت لحيتي إلى صدري، ولكني حلقتها هنا لحاجة طلبها مني إخواني في مجلس الشورى". –انتهت الجلسة دون نتائج تذكر ليحدث التطور الأكبر والأخطر إثر ذلك– في اليوم السابع: بداية كسبي لثقتهم، بداية انهياري خلال الأيام السابقة كانوا يتعاملون معي كأني جزء منهم، أخوة لي، يحرصون على إفادتي، على كسب ثقتي، والتقرب مني بأكثر من أسلوب. بعد يومين جاء ما يدعى بـ"موجه القسم العام" وطلبني لأجلس معه، وبمجرد دخولي عليه وقف شامخا، وضرب لي تحية عسكرية وقال: "أنا أحيّي حرصك على إخوانك، و"مبسوط" كثير من أمنياتك، ولكن بحب أقولك إننا في سباق مع المخابرات الإسرائيلية". وتابع: "الذي جاء بك إلى السجن أكيد ثغرة أمنية، ونحن يجب أن نطوق هذه الثغرة بأسرع وقت". ثم أضاف مسترسلا بانفعال حقيقي: "إسرائيل ومخابرتها بتفكرنا شعب غبي، ما بنستفيد من الاغتيالات التي تحصل في صفوف شعبنا، لكن لا، نحن نتعلم ونستفيد وعشان هيك إحنا مستعجلين عليك انك تحكي". "أنت حر في أي وقت، بعد أسبوع... أسبوعين.... شهر... أو أكثر.... لا أحد يجبرك، ولكن أحملك مسؤولية كل الإخوة في الخارج، ومسؤولية ما يحدث معهم". هنا شعرت أن كلماته تدخلني، كان كلامه عاطفيا، مخيفا، حملني مسؤولية كبيرة، دخل نصله عقلي، وتمكن من إقناعي بهذا الكلام الذي أنا أشد الحريصين عليه. قلت: "ماشي... بفكر في الموضوع... وأرد لك جوابا إذا كنت سألتزم أم لا". في اليوم التاسع: الخدعة الكبرى وبعد يومين جلس معي "الأمير الأمني" و"موجه القسم"، وسألوني إذا كنت سألتزم أم لا؟ فقلت لهم محاولا رد الكرة إلى ملعبهم: "أنه من المعروف في الخارج أن الإنسان حين ينزل إلى ساحة الاعتقال لا يسأله أحد بغير الذي كتبه بالإفادة، وأنه يجب أن لا نؤمّن لأي أحد حتى لو كان أكبر مسئول تنظيمي!". فقالا لي بنوع من الاطمئنان: "هذا كلام صحيح، ونحن نؤكد عليه باستمرار، ونتواصل مع الفصائل كافة كي يؤكدوا على جميع أفرادهم هذه القواعد، ونحن عندما نخرج من السجن "نخرج" هذه القواعد من السجن". "وعندما ينزل الأخ إلى ساحة الاعتقال نتفاهم نحن وإياه عاجلاً أم آجلاً. أتعلم لماذا لا نخبر أحد أننا نفعل هذا؟" فقلت: "لا." فقال: "لو علم أننا نجلس مع المعتقلين مثل هذه الجلسات لقامت المخابرات الإسرائيلية باستغلال ذلك وعملت مثلنا وأوقعوا بالمناضلين والمجاهدين". كان جواباً مقنعاً بالنسبة لي لتجاوز القاعدة الأمنية المذكورة سابقاً، لكنه لم يكن كافياً لأقول لهم ما عندي. قلت مقتنعا باستسلام لما قذفوه في بحري: "لقد كنت مقرراً رفض الالتزام، ولكن بعد هذا الحديث أطلب منكم لقاء إخواني من التنظيم وأنا أتفاهم معهم". فقال الموجه: "سنرفع طلبك للإخوة في مجلس الشورى". في اليوم الخامس عشر: مرحلة عض الأصابع وفي الجلسة الأخرى اجتمعت مع "الأمير الأمني" أبلغوني بأن مجلس الشورى والقانون الداخلي للمعتقلين يكلفهم هم فقط بالجلوس مع المعتقلين، وأنهم قد أقسموا على كتاب الله لو قطّعوا قطعاً قطعاً أن لا يعترفوا بأي كلمة، ثم طلبوا مني التكلم بعد ذلك. فرفضت، وقلت: "أن الناس لا يلتزمون في بعض الأحيان بقوانين الله فهل قوانينكم ألّزم منها؟" فقال "الأمير الأمني": "إن كنت لا تريد أن تتكلم فأنت حر، ولكن أحب أن أخبرك بقرار مجلس الشورى العام بشأنك وهو: "في حال استمر الأخ.....(أي أنا) برفض الالتزام فسيضطر الإخوة في مجلس الشورى العام آسفين بالمجيء إلى القسم، للوقوف أمام الإخوة كافة في سرية تامة ويبلغوهم بأنك رفض الالتزام، وبناءً عليه فأنت مجرد من حقوقك في السجن كافة، ولا يحق لك الخروج لزيارة الأقسام الأخرى، أو استعمال "البلفون" أو غيرها من الخدمات الأخرى، ثم يكون الجلوس معك، ويقال لك الحقيقة الكاملة التي يعرفونها عنك وعن نشاطاتك". فأجبته بأني كلي سمع وطاعة للإخوة في مجلس الشورى، ولو أنهم قرروا أن أكون زبال السجن لفعلت. ثم فضت الجلسة. ما بعد اليوم الخامس عشر: موقف لا أحسد عليه نهضت كشخص مثخن بالجراح، جلست في زاوية الخيمة وحيدا، وبدأت الدموع تملأ وجهي من شدة ألمي من قرار إخواني، ومن شدة جفاوتهم لي، وعدم سعيهم لإخراجي من بين هؤلاء القساة الذين سلّموهم صلاحيات الجلوس معنا، وبدأت أحتنق غضباً على تنظيمي الذي لا يهتم بي. تدخل بعد ذلك "شاويش الخيمة"، كان يعاملني بلطف أكثر، وناقشني في المشكلة التي أصبحت ترهق تفكيري، وتشل قدرتي على التركيز، وأخذ يطرح حلولا مفترضة، ووعدني بأن يساعدني ويرفع الموضوع برمته إلى الإخوة في اجتماعهم العام من أجل الانتهاء من هذه المشكلة من جذورها. وأضاف: "هل تعتقد أن هذه مشكلتك لوحدك، هذا مأزق الكثيرين من الإخوة من قبلك، واصطدموا بالفرق بين القواعد التي تطلب منهم بالخارج وبين الواقع في داخل السجن، ولهذا فهذه مشكلة عامة، وعلى التنظيم أن يسعى لحلها وليس على الأفراد". ثم تدخل بعد ذلك نائب "الأمير الأمني"، وكان أسلوبه ألطف بكثير من الأول، ووعدني بأن يساعدني ويوصل الموضوع إلى أعلى المستويات، بعد أن تظاهر لي أنه من تنظيمي. ...وهكذا...كانت أقوى دفاعاتي تنهار أمام هذا التناقض أولا، والضغط النفسي ثانيا. *اسلام اون لاين يا حيف ع اللي جرحهم جرحي وفوق الجرح داسوا صاروا عساكر للعدى وكندرة العدو باسوا حسبنا الله ونعم الوكيل رابط هذا التعليق شارك المزيد من خيارات المشاركة
أسامة الكباريتي بتاريخ: 27 أغسطس 2004 كاتب الموضوع تقديم بلاغ مشاركة بتاريخ: 27 أغسطس 2004 (معدل) الفصل الثالث: نهاية الـ25 يوما في "غرف العصافير" حبكوا المسرحية واستدرجوني...واعترفت نابلس: سامر خويرة محاولة أخيرة من جسد منهك في سعي لأكون أكثر أمنا، وكي أضعهم أمام خيار إذا ما تحقق فعلا أستطيع معرفة صدقهم من عدمه، أبلغتهم في الجلسة التي تلتها بمعرفتي لكثير من المعتقلين في هذا السجن، طلبت منهم أن يأتوني بأحد الأسرى الذين أعرفهم ولمدة دقيقة واحدة ليراكم، على أن يعرفكم، ولا يمانع في جلوسي معكم! أجابوني (موجه الخيمة، والأمير الأمني، وشاويشها) بأنهم سيرفعون طلبي للإخوة في مجلس الشورى ويردون لي جواب، كان هذا أخر أمل لدي، وهو بمثابة اختبار لصدقهم، وأصبحت أعيش أيامي منتظرا الفرصة الحاسمة. في هذه الأثناء كان الضغط علي من قبلهم يتضاعف، كنت وحيدا، كنت أشعر أنني ورقة خاسرة مقارنة بهم، حيث يتمتعون بالمناصب (الوهمية)، ويساندون بعضهم البعض في سبيل إقناعي بما يقولون، ويحاربون ردودي بكلام منطقي يبدو الصدق منه. وجاءني الرد من "موجه الخيمة" في اليوم السادس عشر، كان ردا سلبيا، قالوا في البداية أن طلبي مرفوض، فهو خرق للنظام والقانون. وبعد نقاشات عدة، وأكثر من جلسة متتالية أبلغوني أنه لحساسية قضيتي البالغة، تم تشكيل لجنة ستجلس معي، وتأخذ مني المعلومات، ومن ضمنهم شخصا أعرفه من الخارج، وهو يعرفني كذلك. قلت فرحا: "وهو المطلوب". قبل يومين من اللقاء أبلغت في جلسة خاصة بأني سأقابل اللجنة، التي أوكل إليها أمري، خلال يومين، قالوا: ستخرج في زيارة للأقسام الأخرى للتمويه على المقابلة. مرت اليومان ولم أخرج. وفي سبيل لعبهم بالوقت وبأعصابي أبلغني "موجه الخيمة" بأني سأقابل هذه اللجنة بعد رجوعي من محكمتي (التي قررت المخابرات إنزالي إليها) وكان قد حان موعدها في يوم لقائي مع اللجنة المزعومة. كانت الصدمة والحيرة في اليوم التالي، لم يأت اسمي للذهاب إلى المحكمة كما هو مقرر، جاء "الموجه" وأبلغني بدهشته من عدم إنزالي إلى المحكمة، وأن ممثل المعتقل يتابع الأمر مع إدارة السجن. كنت كالغريق وسط هذا التناقض كله، أريد أن أعرف ما الذي يجري، ومن الكاذب والصادق من الأشخاص المتواجدين حولي. إما الإفراج أو الإداري وجاء اليوم التالي صعبا، لم أنم طوال الليل، وأبلغني "الموجه" بأن الإخوة في مجلس الشورى قد اطلعوا على إفادتي التي كتبتها عند المحققين بعد وصولها عن طريق المحامي الذي وكل بقضيتي، وأن تحليلهم للإفادة (أي ملفي داخل السجن وأقوالي في جلسات التحقيق) تحتمل إحدى حالتين: "إما أن آخذ حكماً إداريا، (وهو حكم غالبا ما يتراوح من ثلاث أشهر إلى ستة، يحكم به القاضي نظرا لعدم توفر الأدلة القانونية التي تدين المعتقل، وللمحكمة العسكرية صلاحية لتمديد الحكم إلى ما لانهاية من الأحكام الإدارية) أو يأتيني إفراج، فنتيجة دراستها وجدوها لا تدينني بشيء. فأجبته مستبشرا: "أنا متوقع هذا أيضاً". وأخبرني "الموجه" بعد أن عانقني مبتهجا أنه لا توجد أمام المخابرات الإسرائيلية سوى 96 ساعة، وأن هناك احتمالا لأن ينزلوني خلالها إلى المحكمة، أو أن يحققوا معي مرة أخرى، فإذا مضت هذه المدة دون أية إجراء لن يكون هناك إلا أحد الاحتمالين: الإفراج أو السجن الإداري. كان في كل ساعة يأتي الموجه بأخبار جديدة، وأحيانا متناقضة، لكنه يفسرها بأسلوب منطقي مقنع، يحاول أن يدخل الدفء المصطنع إلى قلبي، وان يزيل خوفي، لكنني كنت أضطرب كثيرا للتغيرات الكثيرة داخل الخيمة، ولا سيما وأن هناك رفاق لي يغادرون الخيمة إلى الأقسام الأخرى (في الحقيقة لم يكونوا يغاردون للأقسام الأخرى، بل كانوا يعودون إلى التحقيق مرة أخرى). وفي محاولة إدخال الطمأنينة إلى صدري أبلغني "الموجه" أن كثيرا من إخواني الذين يعرفونني في الأقسام الداخلية يوصلون إلي السلام، وأنهم يطالبونه (أي الموجه) لأنقل إلى قسمهم، ولكن هناك توصيات أمنية مشددة عليّ من الإخوة المسئولين في داخل السجن وخارجه تهدف إلى عدم تركيز الأضواء علي، وعدم إشراكي في الأنشطة في داخل السجن كي أستطيع إكمال طريقي بأمان إن جاءني الإفراج. وتابع: "وأقسم لك بالله العظيم، أقسم بالله العظيم، أن كل ما نفعله هو من أجل مصلحتك". وبعد انقضاء الـ 96 ساعة عاد الموجه وأبلغني أن الإخوة في مجلس الشورى العام يوصلون إلي سلامهم، ويتمنون الإفراج العاجل لي، وأنهم يقفون على أعصاب مشدودة، من أجلي، أكثر مني. كنت أتلقى كلماته كأنها البرد والسلام علي، كان لها إيقاعا خاصا بعد أن كنت في وضع نفسي لا أحسد عليه. متاهة... وأضاف مظهرا الحرص على سلامتي أن هناك خلافا شديدا بين الإخوة في مجلس الشورى بشأني، فالإخوة الذين يمثلون تنظيمك في المجلس يطالبونك بشدة كي تخرج إليهم زيارة، وباقي الإخوة يرفضون ذلك. "هل تعرف لماذا ؟ فقلت له لماذا؟!" قال: "باقي الإخوة في المجلس قد طلبوا من ممثلي تنظيمك أن يتأنوا، لأنهم ليسوا متأكدين من أن المخابرات الإسرائيلية ستتعمد الإفراج عني من أجل متابعتي واستغلالي كطعم من أجل الوصول لمن ورائي من الأخوة! وهذا اقنع الإخوة في تنظيمك، فلم يكن هذا الحساب في خاطرهم أو على بالهم. قلت: "ولكنه خاطراً على بالي، ومن أجل ذلك عندما يفرج عني أعرف جيداً كيف سأتدبر أموري. تناسى كلماتي واسترسل في حديثه...كان يدخلني في متاهة بعد أخرى، وما كنت أستعيد توازني حتى يقلبه بموضوع جديد له الثقل والإيقاع الكبيران. ثم أبلغني أن غدا سيدخل جهاز "البلفون" خصيصاً من أجلي، كي أتحدث مع أهلي وأطمئنهم علي، وأنه سيجلس معي كي ننهي الموضوع. في اليوم السابع عشر...اعترفت وبالفعل، جاء الجهاز النقال في اليوم التالي، وتكلمت مع أهلي ضمن إجراءات مشددة بغية أن لا يعرف بقية المعتقلين بأمره (أي الهاتف)، وعندما شاهدوا شدة فرح أهلي بسماع صوتي كادت الدموع تنزل من عيونهم لشدة التأثر الذي تظاهروا به. وبعد أن أنهيت المكالمة التي كانت "القشة التي كسرت ظهر البعير" فيما يتعلق بقضيتي، طالبوني بتقدم بعض المعلومات، ولو رؤوس أقلام، كي يوثقوها ويطابقوها مع ما عندهم من تقارير قبل أن يأتيني الإفراج، إن شاء الله. كان ذلك بعد مرور 17 يوماً على الجلسات المكثفة بأنواعها لإنهاء الموضوع، بغية أن أعيش حياتي الطبيعية بينهم، كنت ألحظ خرج الجميع من هذا القسم إلا أنا، أنا المتأخر لتأخري في تقديم المعلومات لهم، والخائف من هاجس أن يكونوا "عصافير"، أنا الصامت والذكي المحنك الذي كسر ظهره عندما اندلق لساني، الذي تمنيت قطعة، مزودا إياهم بالمعلومات. ...اعترفت لهم...،...، أنكسر ظهري... شكروني على التزامي معهم، وطلبوا مني أن أتريث إلى أن يأتي القرار من الإدارة بشأن قضيتي. عند هذه النقطة كان مفعول "غرف العصافير" قد نجح معي، دوخني وجعلني خرقة في أيديهم، وانتهي دورهم الحقيقي، ولم يبق سوى بعض رتوش المسرحية لتكتمل فصولها. قهقهوا سرا على فتح شفرة سري، وأنا دخلت فصلا أخر من المعاناة. الوداع الاحتفالي... وعدت قربانا إلى زنازين التحقيق مرت بضعة أيام، كانت عادية تماما، أوهموني أنهم يستوضحون عن بعض النقاط التي قلتها لهم "بعد كثرة غلبة"، كما قالوا، ومن ثم أسهروني ليلة كاملة، ليلة حراسة في الشفت الليلي دلالة على ثقتهم بي. وفي صباح اليوم التالي دخل الموجه إلى القسم، ونادى علي بأعلى صوته مباركا لي بالإفراج، وقام بمعانقتي، وبدأ الجميع يفعل فعله، ويوصونني بالثبات على قناعاتي الأمنية. أحضروا لي من أحسن ثيابهم، ولبستها بعد حمام مميز، ثم قاموا بالنشيد لي، وودّعوني متأكدين من أنني سأقدم بعدها قربانا سهلا، جسدا بلا ملابس، خرقة بالية، معتقلا بمفتاح اعترافه لضباط التحقيق الذي قهقهوا كثيرا على الخدعة التي حبكت بدقة، ووقعت بها رغم معرفتي لتفاصيل الحياة في السجون الإسرائيلية. أبلغني "الموجه" بإمكانية إتمام طريقي في الخارج، وطرق التواصل مع المقاومين، بعد أن طلبوا مني أن أجمّد أنشطتي لبضعة أشهر من باب الاحتياط. ...سلموا عليّ السلام الأخير، وطلبوا مني عدم نسياهم وإخوانهم المعتقلين. ...قذفوني في بطن الحوت...ودموعهم (الوهمية) تصل إلى لحاهم الطويلة. قلت لهم بأعلى صوتي: "عهد عليّ أمام الله عز وجل أن لا أنساكم"!! كانوا متقنين للدور الذي وضعتهم فيه المخابرات، يعزفون على فرحك وحزنك، وأنا بينهم معتقل وقع في الفخ الكبير الذي علمت به مسبقا. ثم خرجوا بي على صوت النشيد والدعاء، وبدلاً من أن أفتح عيناي بين أهلي وأحبابي في بيتي ومدينتي، فإذا بي بين جدران الزنزانة، في فم المحققين من جديد، ويا لها من لحظة،... ما أقساها... وما أصعبها... وما أشدها، حتى لو لم تعترف في "غرف العصافير" فان تكتشف حقيقة المكان الذي كنت فيه بعد كل تلك المسرحية تكون قد تعرضت لصدمة قادرة على سحقك أمام تعذيب المحققين وضغطهم النفسي. وقال المحقق بشهوة منتصر: "المهم من الذي يضحك بالآخر". وضحك طويلا في محاولة استفزازي، وبكيت بحرقة، فلم يحدث معي ما نسميه "بكبوة حصان، أو خطأ حريف" لقد غرر بي ممثلون مهرة أخرجتهم المخابرات الإسرائيلية ودربتهم على فنون ذلك العمل. 7 من 27 وبعد مقاومة بسيطة، لملمت خلالها ما بقي من شجاعتي المسفوكة وقدرتي على الصبر والإنكار، سلمت بالأمر الواقع، واعترفت بكامل أنشطتي، لم يكن لدي علم مسبق أنه بإمكاني أن أتراجع عن كل ما حدث في غرفهم، فكل ذلك لا يدينني من الناحية القانونية إلا في حال اعترفت به، ووقعت على وثائق تؤكد ذلك. ومن المفارقات التي حدثت معي داخل ذالك المكان إنني أنقذت ثلاثة شبان في الغرف نفسها، وحذرتهم من التكلم، والتفريط بالأمانة، وخرجوا قبلي بسلام من بين أيديهم، حيث قابلتهم لاحقاً في السجن، شكروني قائلين بأنهم لولاي لتكلموا بما عندهم!! وأنا الغريق الذي يعتصر ألما ويريد أن يفرغ ما اعتمل أيامه السوداء. واكتشفت في السجن بعد مراجعة حثيثة لما حدث معي الفرق بيني وبينهم، كان فرقا بسيطا لكنه مركزيا في السقوط من عدمه، يتمثل في طريقة تعاملي مع "العصافير"، كنت أعاملهم بأسلوب هادئ، ودبلوماسي، قائما على التفاهم، والأصل في ذلك أن لا يمنحون مجالا للنقاش منذ البداية. وعندما خرجت من غرف العار كان في الخيمة "27" شخصاً، علمت لاحقا بعد عملية تدقيق أن منهم سبعة معتقلين شرفاء مروا بتجربتي نفسها، والباقي من "المتعصفرين" في غرف العار والاعتراف والإسقاط. وعلى "نار هادئة" طبخت تفاصيل اعترافي أمام العصافير والمحققين. نصائح المقهور من دم تجربته وهكذا ومن بحر تجربتي التي عشتها خلال فترة التحقيق التي جاءت على مراحل ثلاث، الأولى مع رجال المخابرات، والثانية في غرف العصافير، والعودة لرجال المخابرات ثالثا يجدر بي أن ألخص خلاصة تجربتي المرة، التي بطبيعة الحال لن أنساها ما دمت حيا، فهي كانت بمثابة انقلاب في حياتي، انقلاب سلبي، الخطأ فيها كان قاتلا لي ولغيري من الأخوة المعتلقين، وهنا ألخص نصائحي بالاتي: 1) يرتبط طول أو قصر فترة الإقامة في الزنازين والتحقيق فيها بمقدار "قصر لسانك"، واستمرار رفضك التوقيع على أي ورقة، وإنكارك لاعترافات الغير، وكذلك رفضك الجلوس على ما يسمى بجهاز كشف الكذب. 2) في حال رفضك الجلوس على ما يدعى بجهاز كشف الكذب تكسب نقطة لصالحك، وعندها لا تخضع لاتهامك بالكذب حينها، لأنك لو كنت صادقاً لوافقت أن تجلس عليها كما يدّعون. 3) ليس التعذيب بمسبب الاعتراف بمقدار ما يلعب الاستدراج في التفكير في الاعتراف هو السبب. 4) من الناحية القانونية لا يدينك إلا ما توقع عليه عند التحقيق معك، أو اعتراف الغير إن ثبت. 5) ما يحدث عند المحقق أو العصافير –العملاء– تستطيع إنكاره كله عند إعطاء إفادة الشرطة، كما تستطيع أن تنكر بشكل عام اعتراف الغير وهذا يساعد في تخفيف حكمك. 6) أي تسجيل لصوتك، أو تصوير لشخصك لا يدينك إذا انكرته من الناحية القانونية. 7) عليك الحذر من أن يقنعك المحقق بأن أي معتقل من مجموعتك أو تنظيمك قد اعترف بكل شيء، وأنك بصمودك تتعب نفسك بلا فائدة، فهذا بداية الانهيار وطريقا للاعتراف. 8) احذر من أن تأمن جانب أي أحد تقابله من المعتقلين في الزنازين، أو أن تعطي أمانا لأي اسم تكون قد سمعت به، أو قرأته مكتوبا في أي مكان في التحقيق. 9) انتبه وأنت في الزنازين والغرف خلال فترة التحقيق مما تتكلمه، وتحديدا إذا جمعوك في مكان واحد مع أبناء قضيتك، فكثيراً من هذه المواقع يخضع للتنصت والمراقبة. 10) لا تجعل من شوقك للخروج من "مقابر" الزنازين والتحقيق بأي طريقة عامل هدم لمعنوياتك ونفسيتك، فيؤدي إلى انهيارك واعترافك، والاحتلال ففي الزنازين تحرم من أبسط مقومات الحياة، ويمنحك إياها المحقق في غرف المحقق، لتكون وسيلة ضغط عليك من الناحية النفسية. 11) لا تنس انك قبل الاعتقال كنت مستعدا لتقديم أعظم التضحيات، وأنت تدرك إمكانيات العدو التي أمامك، فيجب أن تحافظ على روح معنوية عالية، وأن لا تشعر بالصغر واليأس. 12) كن دائم الصلة والذكر والاستعانة بالله في مراحل التحقيق كلها، فهو رفيقك الوحيد، واعرفه في الرخاء يعرفك في أوقات الشدة. 13) يجدر بك استحضار وأنت في أقبية التحقيق أمثلة التضحية والثبات في الصمود من الصحابة والتابعين إلى يوم الدين، وبالمقابل انزع من تفكيرك الأمثلة السلبية جميعها ممن تعرفهم. 14) لا تخش من أي تهديد تتعرض له في التحقيق سواء أكان بتعذيب أو اعتقال أي أحد من أهل بيتك، أو هدم منزلك، أو حكمك لفترة طويلة، أو إبعادك … الخ، فهذا لا يتجاوز مرحلة التهديد من أجل الضغط عليك، وفي حال اتخذ قراراً كهذا فإنه سينفذ سواء اعترفت أم لم تعترف. 15) اجعل بينك وبين المحقق نوع من التحدي، فهو يريدك أن تعترف، وأنت يجب أن تتحداه بعدم اعترافك، وستبقى عزيمتك قوية واستعدادك للتضحية عالياً. 16) كي لا تقع في حبائل ما يدعون بـ"العصافير" أو "العملاء" عليك أن لا تفشي سرك على أحد، حتى لو كان أكبر مسؤول تنظيمي، وأن لا تتنازل عن هذا المبدأ تحت أي تبرير أو شعار، فكرة الحديث في هذا الموضوع مرفوضة أصلاً وتحت أي شعار أو حجة. 17) احذر من الرياء، وحب الظهور، والافتخار بنفسك، وتاريخك، فهذا وتر تعزف "العصافير" عليه بقوة، وهو يدفعك إلى التكلم بأفعالك الجهادية والنضالية، وقد تضاعفها، فالإخلاص بالعمل لله طمعاً بالأجر، والثواب، والمنزلة منه وحده. 18) بعد اعتقالك لا تحرص على إيصال أي معلومة لإخوانك خارج السجن مهما كانت الثغرات التي تركتها وراءك، ولا تفكر بها، وكن موقنا أن نسيانهم جميعاً هو أفضل حرصا، وأكبر خدمة تقدمها لهم. وأخيراً وليس أخرا لا يملك أحد إخراج أسرارك الباطنية إلا إذا أردت أنت ذلك، ومن كتم سره كان الخيار إليه، ومن أفشاه كان الخيار عليه، وستعلم، من مجمل ما جري لك، بعد خروجك من السجن أن أساليب التحقيق كلها إن هي إلا مسرحية كبيرة محكمة، أراد المحققون أن يمرروها عليك بكل أساليب الضغط والإقناع الممكنة... فالثبات... الثبات. كلمة لا بد منها أخي السجين في صدرك كنز ثمين، وأي معلومة مهما كانت صغيرة تعتبر في ميزان رجال المخابرات صيد ثمين، ويجب أن تدرك أن أساليب العصافير تتغير، وهناك مسرحيات أخرى بأبطال ومعذبين آخرين، وهي مسرحيات منتجة ببراعة، محبوكة جيدا، وأنت في سبيل سد ثغراتك، وتزويدك بالنذر اليسير من المعلومات عن هذا الواقع الجديد تكلفت عناء استرجاع الذاكرة رغم الألم الذي اعتمل صدري، لكن الأمل في الفائدة والإفادة كان دافعي الأكبر، وهمي الأعظم. أخوكم المعتقل "س. ع" *اسلام اون لاين تم تعديل 27 أغسطس 2004 بواسطة أسامة الكباريتي يا حيف ع اللي جرحهم جرحي وفوق الجرح داسوا صاروا عساكر للعدى وكندرة العدو باسوا حسبنا الله ونعم الوكيل رابط هذا التعليق شارك المزيد من خيارات المشاركة
hamo90 بتاريخ: 28 أغسطس 2004 تقديم بلاغ مشاركة بتاريخ: 28 أغسطس 2004 الاخ أسامة جزاك الله كل خير علي هذه المقالة الرائعة التي أصابتني بالدهشة والصدمة وذلك لاني دائما كنت أتعجب من دور عملاء الاحتلال الاسرائيلي ولكن بعض هذا المقال عرفت أشياء كثيرة وجديدة في نفس الوقت ولك خالص التحية hamo أتمني أن يأتي اليوم الذي نعيش فيه الديموقراطية , لا أن نكتفي بالتشدق بها ....... <span style='font-size:21pt;line-height:100%'><span style='font-family:Times'> خير الكلام ما قل ودل</span></span> رابط هذا التعليق شارك المزيد من خيارات المشاركة
Recommended Posts
انشئ حساب جديد أو قم بتسجيل دخولك لتتمكن من إضافة تعليق جديد
يجب ان تكون عضوا لدينا لتتمكن من التعليق
انشئ حساب جديد
سجل حسابك الجديد لدينا في الموقع بمنتهي السهوله .
سجل حساب جديدتسجيل دخول
هل تمتلك حساب بالفعل؟ سجل دخولك من هنا.
سجل دخولك الان