مدينة الخليل رائدة الثأر للقادة وحاضنة القساميين

[أسامة الكباريتي]

مدينة الخليل رائدة الثأر للقادة وحاضنة القساميين

الخليل - تقرير خاص

على سلم صغير وسط شارع يتفرع عن سوق المنارة المزدحم بالمتسوقين وسط مدينة الخليل ترك أحد الأطفال النداء لاستقطاب الزبائن والمتسوقين إلى بسطته الصغيرة لبيع الحقائب والحاجيات المدرسية واخذ يعلن عبر سماعته الصغيرة بصوته الرقيق ... أيها المواطنين الكرام جاءنا الآن ما يلي ... عاجل عاجل عاجل... وقعت عمليتان استشهاديتان في منطقة بئر السبع ولم يعرف حتى الآن عدد القتلى والجرحى ... ثم أخذ الطفل يردد الخبر ولم يكتف المواطنون بالرقم المرشح للقتلى الصهاينة لكن عبّر المواطنون الذين كانوا في سوق المنارة عن راحتهم واستنتجوا تلقائيا بأن المنفذين هم من مدينة الخليل وأنهم من جنود القسام.

استراتيجية الأهداف

ويحق للموطن العادي أن يخمن أن منفذي الهجوم على الحافلتين هما من كتائب القسام ويحق لهم أن يرجحوا أنهم من مدينة الخليل وبعد وقوع العمليتين أخذ الناس يستعدون لما سيحدث .

وكتائب القسام أثبتت دائما أنها قادرة على اختيار أهدافها بدقة وقد قامت بتنفيذ العديد من العمليات الاستشهادية الناجحة في منطقة بئر السبع ولم تقم أي حركة فلسطينية أخرى خلال الانتفاضة الأولى والثانية بعمليات استشهادية سوى كتائب القسام وعلى غير العادة حولت كتائب القسام منطقة بئر السبع التي لم تشهد أحداثاً أو عمليات استشهادية منذ سنوات طويلة مضت وقد بدأت العمليات الاستشهادية عندما قام المجاهد القسامي سالم الصرصور بالهجوم على أحدى المواقف التي كان يستخدمها الجيش للانتقال إلى مراكز الجيش واستطاع مهاجمة العشرات من الجنود الصهاينة وأصاب أكثر من (60) جنديا بجروح بين طفيفة وخطيرة واستطاع الصرصور الوصول إلى الموقف وهاجم الجنود بالرشاش والقنابل واستطاع الجنود السيطرة عليه واعتقاله وقد حكم بالسجن لمدة طويلة جدا ولا زال في سجون الاحتلال وعلى غرار تلك العملية استطاعت كتائب القسام تنفيذ عملية استشهادية أخرى على أيدي المجاهدين القساميين محمد البطاط وخالد الطل من بلدة الظاهرية جنوب غرب الخليل يتاريخ 10/2/2002 حيث تمكن القساميان من اقتحام مركز قيادة الجيش الصهيوني في مدينة بئر السبع ووفقا لاعتراف العدو فقد قتل في العملية مجندتين صهيونيتين وأصابوا أربعة آخرين ولازال جثامين الشهيدين محتجزة حتى الآن وقد أظهرت تلك العملية الوجه الفولاذي لكتائب القسام حيث وصل جنودهم إلى أكثر النقاط العسكرية تحصينا .

تكتيك هادئ

بعد خمسة أشهر وثمانية أيام من اغتيال الشيخ أحمد ياسين وبعد مرور أربعة أشهر و14 يوما أيضا على اغتيال الرنتيسي وبعد انقطاع للعمليات الاستشهادية دام أكثر من ستة أشهر جاء الرد موجعا على اغتيالهما وبحسب بيان لكتائب القسام التي أعلنت فيه تبنيها للعمليتين البطوليتين اللتين وقعتا في بئر السبع عصر الثلاثاء حيث أكدت أن الرد جاء متأخرا لكنه تأخر بسبب الإعداد والتخطيط وجاء في البيان أن العمليتين جاءت ضمن الرد الأولي من سلسلة الردود على اغتيال الشهيدين القائدين الياسين الرنتيسي وتضامنا مع الأسرى .

وفي الآونة الأخيرة بلغت القلوب الحناجر واعتقد الناس أن كتائب القسام أنهت العمل العسكري بانتهاء قادتها ومجاهديها ولكن هذه العملية أكدت أن كتائب القسام لها قدرة عجيبة على التواصل والبقاء وأنها صاحبة الردود الموزونة وان طال الزمن كما أكدت هذه العملية أن الردود لو تأخرت لا يعني أنها ستنتهي .

ولم يتوقع أحد أن تقوم كتائب القسام بهذه العملية في هذا الوقت وان لم تستبعد ذلك ولم يتوقع احد أن تحقق هذا النجاح علما بأن العمليات السابقة لم توقع قتلى بهذا الكم وهي العملية الأولى التي نفذت داخل حافلات صهيونية

وتم اختيار الموقع بعناية فهو بعيد نوعا ما عن تجمعات الفلسطينيين من سكان منطقة بئر السبع ولا يبعد كثيرا عن معتقل النقب الصحراوي كما أنه ليس ببعيد عن مستشفى سوروكا في بئر السبع

وكان الشهيد القسامي رفعت الجعبة من مدينة الخليل قد حاول تنفيذ عملية في بئر السبع قبل عامين ولكن الحزام الناسف الذي كان بتمنطق به انفجر قبل الموعد واستشهد قبل الوصول إلى هدفه وبالرغم من أن منطقة بئر السبع تبعد عن مدينة الخليل حوالي (30) كيلو مترا ولا تفارق مداخلها دوريات الشرطة الصهيونية حيث تقوم بين الحين والآخر بتسيير دوريات على طريق ومداخل المدينة وكثيرا ما قامت بأعمال مطاردات للسيارات الفلسطينية التي تقل العمال الفلسطينيين إلى منطقة بئر السبع وقد استشهد عدد من الفلسطينين في تلك المنطقة اثناء محاولتهم الدخول إلى المدينة.

عائلة القواسمة بطولات لا تنتهي

وكانت عائلة القوا سمة رائدة الاستشهاديين في مدينة الخليل حيث ساهمت هذه العائلة المجاهدة بتقديم خيرة أبنائها في سبيل الله فمنهم من قضى نحبه ومنهم من ينتظر وعلى خطى المجاهد الكبير والشهيد القائد الفذ عبد الله القواسمة مضى العديد من الاستشهاديين من نفس العائلة فمحمود القواسمة الذي لم يتجاوز عمره 19 عاما استطاع بتاريخ 5/3/2003 قتل 17 صهيونيا وإصابة أكثر من 100 وعلى دربه مضى الشهيد حمزة القواسمي ومحسن القواسمي وحازم القواسمة والشهيدان الشقيقان حاتم القواسمي وباسل القواسمة وهما نجلا شقيق القائد عبد الله القواسمة .

مدينة تثأر دوما للقادة

وكانت مدينة الخليل هي صاحبة الرد الأول على اغتيال القادة فمن مدينة الخليل خرج الشهيد نائل أبو هليل ليثأر لمجازر الشعب الفلسطيني في مدينة غزة حيث قتل 10 صهاينة وأصاب العشرات عندما فجر نفسه في حافلة صهيونية بتاريخ 21/11/2002 كما أن الشهيد القسامي عبد المعطي شبانة الذي لم يتجاوز عمره الـ 18 ربيعا حيث تمكن من قتل 17 صهيونيا بتاريخ 11/6/2003 أي بعد يوم واحد من محاولة صهيونية فاشلة لاغتيال الدكتور عبد العزيز الرنتيسي

إلى ذلك خرج الشهيد رائد مسك وانتقم لدماء الشهيد القائد عبد الله القواسمي وتمكن بتاريخ 20/8/2003 من قتل 24 صهيونيا وأصاب العشرات بجروح .

وتأتي عملية بئر السبع المزدوجة كرد متواضع على اغتيال قادة حماس بالرغم من حالة التأهب القصوى في منطقة بئر السبع تحسبا من وقوع عمليات استشهادية وقد أكد عدد من العمال الفلسطينيين أن المنطقة التي وقعت فيها العمليتين كانت مشحونة بجنود حرس الحدود والشرطة العسكرية وأفاد شاهد عيان أن الشرطة العسكرية أوقفته خمس مرات على حواجز شرطية فجائية وطلبت منه مغادرة المنطقة .

ولا تتحدث مدينة الخليل كثيرا عن الثأر إنما تنفذ بعد تخطيط طويل وتأني .

أما ما حصل يوم أمس فقد أدهش الجميع هذا الرد القسامي الجريء الذي شفا صدور قوم مؤمنين.

وتعتبر عملية بئر السبع الفدائية، العملية الأولى من نوعها التي تستخدم فيها المتفجرات داخل الخط الأخضر منذ استشهاد الشيخ أحمد ياسين مؤسس حركة "حماس" في 22 آذار (مارس) الماضي، وكذلك الأولى منذ أكثر من 15 شهرا التي تستهدف حافلات صهيونية، حيث كانت آخر عملية استهدفت حافلة صهيونية وقعت في 18 أيار (مايو) 2003 حينما فجر الشاب باسل التكروري من كتائب القسام نفسه في حافلة صهيونية في التلة الفرنسية في القدس المحتلة.