اذهب إلى المحتوى
محاورات المصريين

الكتب الأحباب..ما قرأت بعينيك


أثر الطائر

Recommended Posts

بعض الكتب نقرؤها..بعض الكتب تقرؤنا..

نقرأ كتبا نستمتع بما فيها من مواد ومعلومات فقط..ونقرأ كتبا نذهل بما فيها من أنفسنا..

وبعض الكتب - أيضا - نقرؤها وتقرؤنا..

بعض الكتب نقرؤها بعيوننا..بعض الكتب نقرؤها بقلوبنا..

نقرأ كتبا نستفيد بما فيها من معلومات تتصل بحياتنا..

وتقرؤنا كتب تساعدنا على النفاذ لأعماق فينا ما كان يمكننا بلوغها دون مساعدة..

وبعض الكتب - أيضا - نقرؤها بعيوننا وقلوبنا معا..

بعض الكتب نقرؤها بعيوننا..

وبعض الكتب نقرؤها بعيون آخرين..

آخرون نحبهم نتمنى لو أنهم قرأوا كتبا نحبها..

هنا..في هذا الموضوع..أكتب عن كتب لم أقرأها بعينيّ وحدي..لكني قرأـها أيضا بعينيها..

أكتبها حتى تصافحها عيناها..وتصافحها عيونكم معها..فتتعرف عيناها بهجتها..وتتعرف عيونكم - أيضا - بهجتها..

هنا..سأضع لها ولكم كتبا قرأتها وتمنيت أن تقرأها..

وهنا..أتمنى أيضالو أقرأ عن كتبكم..

كتبكم التي لم تقرؤها بعيونكم فقط أو بعيونكم وحدها..

رابط هذا التعليق
شارك

  • الردود 61
  • البداية
  • اخر رد

أكثر المشاركين في هذا الموضوع

أكثر المشاركين في هذا الموضوع

المتصوفة أصحاب الحب الإلهي وأساتذة الحب في كل زمان ومكان على الإطلاق، هم أصحاب نظرية في الحب تفسر نشوء الكون وخلق الخلق وولادة الإنسان، أصحاب نظرية في الحب تجيب عن أسئلة الإنسانية الكبرى : لماذا نحيا، كيف نعيش، لماذا نموت، ما هو الإنسان، ما هو الإله، ما هي الطبيعة والعالم والسماء والأرض...بالحب..فسر المتصوفة الكون كله وأجابوا على كل الأسئلة:

كالشمس في كبد السماء محلها

وشعاعــها في ســائر الآفاق

ولأنهم أصحاب نظرية في الحب..ولأنهم أساتذة الحب ومعلميه على مدار التاريخ البشري - فقد أغرمت بالقراءة لهم، أحببت نصوصهم وأصطحبتها في كل مكان، ورضعت من أرواحهم الكثير من مفاهيم ومصطلحات وألفاظ الحب والعشق والهوى، كما نقلت عنهم الكثير مما تبنيته وتصورته وأعتقدته من معاني لهذه الألفاظ ومضامين لهذه المفاهيم ومحتويات لهذه المصطلحات..

هكذا فهمت الحب وشعرت به..وهكذا أحببت الحب وأعتقدت فيه..

لذلك أعرض هنا بعضا مما جاء من أقوال المتصوفة، أقوال قصيرة، مختصرة، سهلة الحفظ والتداول ربما، لكنها تقدم أوفى وأوسع نظرة للحب وأكثرها عمقا وترحابا أيضا، أقوال صغيرة أقدمها لك كنفحات صادقة من أقوال محبين عظام. هذه الأقوال وردت في كتاب يحكي عن طبقات المتصوفة وأخبارهم وأحوالهم، ويحكي عن أهم مفاهيم التصوف ومراتبه وأحواله..كتاب "نفحات الأنس من حضرات القدس"، وهو من تأليف مولانا أبوالبركات عبدالرحمن الجامي، وهو القائل :

السير إلى الله لا ينتهي إلا بعد قطع بادية الوجود بقدم الصدق

والقائل:

الفقير - يقصد الصوفي - الذي لا يملك - بفتح الياء - ولا يملك - بضم الياء -

والقائل:

أجلّ الكرامات وأعظمها التلذذ بالطاعات في الخلوات، ومراعاة الأنفاس مع الله، وحفظ الأدب معه في تلقي الواردات في الأوقات، والرضى عن الله في جميع الحالات

نفحة أولى

كيف يحكى وصل أثنين..هما في الأصل واحد

ذو النون المصري

من مات عشقا فليمت هكذا

لا خير في عشق بلا موت

الهروي

إذا بكى القلب من الفقدان

ضحك الروح من الوجدان

أبو سليمان الداراني

ويقبح من سواكا الفعل عندي

وتفعله فيحسن منك ذاكا

إبراهيم ابن أدهم

سمعت حاديا يحدو في البادية ويقول:

أبكي وما يدريني ما يبكيني

أبكي حذار أن تفارقيني

وتقطعي حبلي وتهجريني

سري السقطي

من رأى غير المحبوب فما رأى المحبوب

يحيى ابن معاذ

حقيقة المحبة ألا تزيد بالبر ولا تنقص بالجفاء

يحيى بن معاذ

- يليه -

رابط هذا التعليق
شارك

نفحة ثانية

وجدانكم فوق السرور

وفقدكم فوق الحزن

الهروي

ظللت زمنا طويلا أطلبه فأجد نفسي،

وأنا الآن أطلب نفسي فأجده

الخراز

ما وصلت إليه حتى انقطعت عن نفسي

وما انقطعت عن نفسي حتى وصلت إليه

ابويزيد البسطامي

الوجد يطرب من في الوجد راحته

والوجد عند وجود الحق مفقود

قد كان يطربني وجدي فأذهلني

عن رؤية الوجد من بالوجد مقصود

الخراز

لا يقال "القرب" إلا إذا كانت مسافة

وإذا ثبتت المسافة ثبتت الإثنينية.

فالقرب بعد

ابن الأعرابي

الشوق من شعائر المحبة

ابو عثمان الحيري

ما أبالي بعيون وظنون أتقيها

لي في سري مرآة أرى وجهك فيها

ابو عبدالله الحصري

لا تسكن إلى مدح الناس، ولا تجزع من ذمهم،

فإنهم قطاع طريق. واسكن إلى ما تحققه من

أحوالك سرا وعلنا

ذو النون

فإن شئت واصلني وإن شئت لا تصل

فلست أرى قلبي لغيرك يصلح

سمنون المحب

صيرتني مرآة من

يبغيك

من يرني يرك

الهروي

منة الرؤية مفتاح المحبة

سالم البصري

الحب لا تجده بطلب أو بصلح، لأنه قهر، فهو سهم - مثل البرق -

من النور الأعظم، ينزل من السماء على من يستحقه، فمن يكن طالبا

يشرد عنه، ومن يكن من أهله ينزل عليه، وإن كان شاردا عنه

أبو محمد الجريري

كنت في ابتداء إرادتي - مدة أثنتي عشرة سنة - مراقبا،

حتى أراني ذرة من القلب

ابوالعباس النهاوندي

أنت بين الشغاف والقلب تجري

مثل جري الدموع في الأجفان

وتحل الضمير جوف فؤادي

كحلول الأرواح في الأبدان

الحلاج

إن أنا أمت فالهوى حشو قلبي

وبدين الهوى تموت الكرام

المزين الصغير

ظفرتم بكتمان اللسان فمن لكم

بكتمان عين دمعها - الدهر - يذرف

حملتم جبال الحب فوقي وإنني

لأعجز عن حمل القميص وأضعف

ابراهيم القصار

يبدو، فأجهد أن أكاتم حبه

فتبين فيّ علامة الكتمان

خفقان قلبي، وارتعاد مفاصلي

وغبار لوني، واتقاد لساني

فمن يكذبني شهود أربع

وشهود كل قضية أثنان

عبدالله الطافي

رابط هذا التعليق
شارك

هذه رواية للخوف والبكاء..

عنوانها غريب ووقائعها أغرب..

رواية لكاتب يمني كبير هو "وجدي الأهدل"..

وعنوانها - "حمار بين الأغاني" - عبارة عن مثل شعبي إيطالي يقال للشخص الغريب الذي يبدو تائها..ضالا.. ليس متآلفا مع ما حوله. ولن يعرف القارئ من هو هذا "الحمار بين الأغاني" إلا مع الصفحات الأخيرة من الرواية.

البطل الأساسي في الرواية هو كابوس..

كابوس مشترك تراه كل بطلات الرواية من ساكنات حارة (الحلقوم) التي.. " لا شيء أحلى على قلوب أهلها من لوك شرف النساء" :

- "ثائرة" زوجة (علي جبران) الكهل الخمسيني عضو الحزب الاشتراكي اليمني الجنوبي قبل الوحدة

- "زينب" معلمة الصف الأول الابتدائي

- "أروى" الممرضة التي تبدو في بالطوها الأبيض كحورية

كل من ظهرن على صفحات الرواية من بطلات نسائيات عانين من رازم (كابوس) واحد..

يظهر في الكابوس قاتل "رجل ملثم بسماطة حمراء، يرتدي ثوبا أبيض..يشد على خصره حزاما عريضا تتوسطه جنبية مغمدة في عسيب معقوف مزين بشرائط خضراء، وعيناه تحدقان بجحوظ منفر.."..

يطارد القاتل ضحايا كابوسه اللعين حتى يحز في النهاية رقابهن من الوريد إلى الوريد..

وتفاجئنا الصفحات بعد معاناة كثيرة ومحاولات علاجية مستميتة من نساء الرواية للتخلص من الكابوس بتحقق الكابوس!!..

تنتهي كل بطلة من بطلات الرواية على الشاكلة التي يرين بها أنفسهن مقتولات في كوابيسهن..محزوزات الرأس بصورة بشعة وملقى أجسادهن المفصولة عن رؤوسها!!..

تقول "ثائرة" لمعالجها:

"المهم..زاد علي التعب وما عاد قدرت أتحمل، فسرت مع زوجي عند دكتور نفساني مشهور وما قدر يفعل شيء وجربت كل أنواع الحبوب المنومة فزادت الطينة بلة، وما خرجت بأي فايده إلا القرف في حياتي، في النهار أكون تمام أضحك وأتحرك طبيعي وشهيتي مفتوحة للأكل، ولكن أول ما تظلم الدنيا تتبدل شخصيتي وأبصر نفسي حزينة مكتئبة وعصبية جدا وخايفة من أي حركة أو صوت وما أعرفش ما أشتي (أشتهي)، وكلما قرب موعد النوم أحس بعقلي يتبلد وذاكرتي تضعف، وأحاول أقاوم النوم بكل قوتي، وقد أجلس ليلتين بغير نوم لكن في الأخير أتعب من السهر المتواصل وأرقد فيحصل أني أبصر الرازم (الكابوس) بوضوح وتأثير أشد من الليالي العادية فأرجع أندم على مقاومتي للنوم.."

^^

بالرواية شخصيات ذكورية متهمة، يظل القارئ طوال صفحاتها ذات الأحداث الشيقة يراوح في شكوكه متنقلا بينها، أهم هذه الشخصيات المتهمة :

- شخصية "كبش"..فتى في الثالثة والعشرين من عمره، عاطل، دميم الخلقة، مستاء من قامته القصيرة وجبهته الناتئة إلى الأمام و"الشطب" في وجنته اليسرى..وهو يحاول اغتصاب واحدة منهن - زينب - ذات مرة

- شخصية "منير" الشاب الوسيم المثقف صاحب الرؤية التقدمية للمرأة والمجتمع والذي تدور حوله كالفراشات قلوب النساء الثلاثة - القتيلات فيما بعد..وهو الذي تتهمه السلطات فعلا بقتلهن فيما بعد

لكن لم تكن أي من هاتين الشخصيتين هما القاتل الحقيقي الذي يظهر سافرا في الصفحات الأخيرة من الرواية..

لم يكن القاتل المسخ العاطل الذي لفقت له التهمة ولا الرومانسي المثقف الذي سجن بسببها..

القاتل الحقيقي الذي يرسل الكوابيس لضحاياه قبل قتلهن لم يكن غير الشرطي المسئول عن التحقيق في الجرائم.."خرج ساعة الضحى من قسم الشرطة متبخترا في مشية الجزلان..وتذكر صباه حين كان مشهورا في قريته بأنه يسرق كل ما تقع عليه عيناه، وما من بيت من بيوت القرية إلا وقد اكتوى بخفة يده، ثم تآمروا عليه جميعا وقدموا ضده بلاغا للأمن المركزي بأنه متهرب من الخدمة الإجبارية، وتم القبض عليه بعد أيام قلائل فتخلصت القرية من شره.."

^^

هل فهمت إذن أن رواية "حمار بين الأغاني" هي رواية بوليسية عادية أو رواية رعب تدور حول جرائم غامضة تسبقها كوابيس غريبة وفي النهاية يتبين أن القاتل هو آخر رجل يمكن أن يتطرق شك القارئ إليه؟..

لو فهمت ذلك فقد فهمت خطأ وليست الرواية كذلك أبدا..أو بالدقة ليست كذلك فقط..

رغم أنها تعتمد على هذا الشكل الروائي الشائق الذي يميز الرواية البوليسية..

كما تمتلأ بجرائم القتل وتتمحور حول كوابيس الليل المرعبة وهو ما يميز روايات الرعب..

لكنها تظل فوق ذلك كله رواية اجتماعية من الطراز الفني الراقي تعلن انحيازها الكامل لصف المرأة في مواجهتها اليومية للرعب الذي يفرضه عليها المجتمع الذكوري..

المجتمع الذي يحكم رجاله بالقمع والاستبداد فيمارسون بدورهم استبداد الضعيف على من هو أضعف منه..يمارس الذكور الاستبداد على النساء..

القاتل في الحقيقة ليس ضابط الشرطة أو مجرد ضابط شرطة..

لكن ضابط الشرطة في الرواية هو رمز سلطة سياسية واجتماعية دموية شريرة..

سلطة لصة تختبأ في أثواب الشرطة ونياشين القانون..

سلطة تحكم بالرعب والقتل وتعيش بالخوف والكوابيس..

^^

فما هي رمزية الكوابيس في هذه الرواية؟؟

كوابيس المرأة في مجتمع الرجل الاستبدادي هي كوابيس وهمية لا تعبر عن خطر متجسد أو مؤطر يمكن فهمه وتلمسه والتعامل معه..

لكنها - بنفس الوقت - هي أيضا كوابيس حقيقية تعبر عن خطر حقيقي لا يهدد المرأة وحدها ولكنه يهدد المجتمع كله بنسائه ورجاله وشيوخه وأطفاله..

خطر استضعاف الضعيف وقهر القوي..

استضعاف المواطن وقهر السلطة..

استضعاف المرأة وقهر الرجل..

وضع المرأة لا يكون ضعيفا إلا عندما يمتاز المجتمع بالضعف..

ويكره ذكور هذا المجتمع - وإناثة بالتبعية - كل ما يمت بصلة إلى سلامة الروح والقوة النفسية والصلابة الإنسانية..

وقد تحبب الأنثى نموذج هذه القوة والصلابة الإنسانية (منير الرومانسي المثقف)..

لكن ومهما كانت قوة أو قدرة المرأة في التشبث بالحلم..أين يمكنها الهروب من كوابيس الواقع؟!..

وهو السؤال الذي تطرحه الرواية علينا..

رابط هذا التعليق
شارك

العامل والمحرك الاساسي هنا هو الفكره

التى تدفعنا الى قيمه غائبه ؟!

هى قيمة العطاء،وتناضل من اجل اقامة

صروح من ادب التصوف،لتفك اسرنا وتعزز

حركتنا،فى انتزاع حريتنا من عبوديه ....

واللغوا الفارغ،وتقول بصوت معقول مقبول

الطريق الى جهنم،مفروش بالنوايا الحسنه !!

كلمات براقه

ممتن لك / أثر الطائر

وكالريح لا يركن إلي جهه

إلا وهيأ لأخري راحله ...

 

رابط هذا التعليق
شارك

العامل والمحرك الاساسي هنا هو الفكره

التى تدفعنا الى قيمه غائبه ؟!

هى قيمة العطاء،وتناضل من اجل اقامة

صروح من ادب التصوف،لتفك اسرنا وتعزز

حركتنا،فى انتزاع حريتنا من عبوديه ....

واللغوا الفارغ،وتقول بصوت معقول مقبول

الطريق الى جهنم،مفروش بالنوايا الحسنه !!

كلمات براقه

ممتن لك / أثر الطائر

عزيزي طائر الليل

العامل والمحرك الأساس -

كل عامل ومحرك..وكل أساس - هوالحب

قلت في مقدمة الموضوع : أنني أكتب عن كتب

لم أقرأها بعينيّ ولكن بقلبي

كما أنني لم أقرأها بعينيّ أنا فقط

ولكني قرأتها بعينيها

صروح التصوف قائمة ما قام الحب بين الناس

باقية ما بقى الحب بين الناس

صروح ندخلها كتلامذة مبتدئين

كطلبة حب وعلم صغار

الطريق إلى جهنم اليوم أصبح مملوء بسوء الفهم أيضا

وليتنا دائما نصنع النوايا الحسنة

حتى لو أودت بنا إلى الجحيم

فالمجد للإنسان حتى لو عوقب لإنسانيته

محبة وتقديرا

رابط هذا التعليق
شارك

"المرأة والصبي"..رواية فاتنة لروائي مغربي رائع ومعروف هو "الميلودي شغموم"

حكاية تخص الرواية ولا تخص الروائي

منذ عامين أو أكثر قليلا كان النص الروائي الأول الذي قرأته وعرفني على الكاتب المغربي الكبير هو رواية "بقايا من تين الجبل"، أصطحبت الكتاب معي إلى أحد المتنزهات الملحقة بكافتيريا خلوية، وبعد انقضاء ساعات لذيذة مع الرواية قررت الانصراف، ووضعت الكتاب مصادفة على طاولة الكاشير (الذي كان هو نفسه صاحب الكافتيريا)، كهل في نهاية الخمسينيات تقريبا من عمره، ويبدو أنه كان شغوفا بالكتب أو متطفلا، حيث عدل من وضع الكتاب على الطاولة ليتمكن من قراءته فيما أسحب أنا النقود من جيبي، قرأ المدون على الغلاف، العنوان واسم الكاتب ودار النشر، وسألني بدهشة :

- اسم الكاتب غريب قوي..هل هو مسلم؟!!..

نظرت إليه بدهشة أقوى - وأسى طبعا - ورددت سؤاله بكلمة ذات معنى:

- مغربي!!

ولم أتبين وقتها أن حادثة صغيرة كهذه يمكن أن تكون لها علاقة قوية برواية أخرى لنفس الكاتب، وهي رواية "المرأة والصبي" التي أكتب لك عنها اليوم، وهي الرواية التي يتعرض فيها الكاتب بالتحليل الثاقب المتعمق لنفسية "الصبي"..هذه المراهقة العامة التي تعاني منها الحالة الذكورية العربية، هذه الحالة الخطرة والتي تحتاج تغييرا اجتماعيا شاملا من خلال ثقافة المجتمع وأبنيته الثقافية والتعليمية والإعلامية، حالة "صبيانية" لا ينجو منها للأسف سوى قلة من الناس، وربما تكون وسيلة نجاتهم الوحيدة - كما تعبر واحدة من شخصيات الرواية - هي الأزمة :

"كل تغيير هام في حياتنا لا يمكن أن يأتي إلا عن طريق أزمة، وليس لأزماتنا الشخصية سوى ثلاثة مصادر: فقد عزيز، تقطع مسار هام، أو امرأة!"

حول هذا الخيار الأخير من خيارات التغيير الشخصي أو الذاتي الجذري تدور أحداث رواية "المرأة والصبي"، خيار يمكن أن نسميه "خيار المرأة الخالقة"

ماريز

هي الشخصية المحورية في كل صفحات رواية "الميلودي شغموم"، حيث تتعرض كل مواقفها وأرائها وتصرفاتها بل ولفتاتها وعاداتها الصغيرة للرصد والمتابعة الدقيقة من قبل عاشقها المتحيّر والشخصية الأخرى المحورية في الرواية "الأستاذ داود" الرسام والمثقف المغربي الذي تصطرع داخله شخصية الصبي (المراهق) والرجل الناضج وهما يبحثان معا عن صورة "الرجل العجوز". وكأن الرواية تصطحب القارئ عبر متصل زمني يبدأ من الماضي (الأقل نضجا) إلى الحاضر (الذي يختلط ويصطرع فيه الناضج والفج) بحثا عن مستقبل لا يعرف أحد بعد لغزه وكيف يكون.

رواية "المرأة والصبي" هي رواية عشق..رواية عشق بامتياز تلعب فيها دور البطلة "ماريز" الفرنسية والمغربية الأصل واليهودية، وهي نموذج من نماذج الكمال الأنثوي جماليا وإنسانيا وأخلاقيا، يصفها "الأستاذ داود" في الصفحات الأولى من الرواية، هكذا:

"كيف أصف هذا الوجه الصبوح..وهذه العيون التي تقلب النظر تفتح الصدر، تجعل البصير يبصر..وهذا الفم القمر الذي يختزل كل النجوم، والاستقصات، سحر الليل والنهار؟ والصدر، ياربي كيف تخلق هذه المعارج المعجزة للأدب؟"

ثم يصفها في موضع تال بأنها :

"كائن للنحت فقط"

ومنذ اللحظة الأولى يتسبب وجود "ماريز" في تشظي أو انقسام في شخصية البطل حيث تبدأ على الفور صراعاته مع الصبي المراهق الذي يكمن حيا ومتسلطا بداخل "الأستاذ داود" برغم فكره وفنه وثقافته، تكشف "ماريز" بسطوتها الأنثوية الساحقة وجود هذا الصبي المراهق وتتعامل طيلة الرواية مع نزقه ونزواته الصغيرة بل وتعاني منه معاناة ليست قليلة.

فخ أنثى ناضجة!

تبتدأ الرواية برحلة بحث عن صورة "الرجل العجوز" وهي مستنسخات شعبية من لوحة لفنان بريطاني أشتهر بالتصوف، تسأل "ماريز" داود:

"أنا في حاجة إلى خبرتك، وتعاطفك، لمعرفة أين أختفى هذا الرجل العجوز..."

ويبدآن معا رحلة بحث بين المدن المغربية لصالح أحد المتاحف عن كل ما تبقى من مستنسخات هذه الصورة الشعبية التي كانت رائجة ذات زمن مضى ثم لم يعد لها من أثر في أي مكان. ويقول الأستاذ داود لنفسه:

"الذكاء يشحذ الذكاء، يوقظ الفكر، والجمال يفتح الروح : أخيرا، أدرك لماذا كنت أحس دائما بالدوخة،ولماذا كان صدري دائما متقبضا كأن حياتي حبس، كأنه زيد في العمر سنوات، ذلك الزوال، في حضرة تلك المرأة، كأن الحياة لم تفتح بابها سوى هذا الزوال..سأعمل على أن تطول هذه الرحلة العمركله.."

ومنذ اللحظات الأولى للرحلة تبدأ مشاكسة أو مراهقة الصبي الكامن، يغار "الأستاذ داود" من شخصية "ماريز" القوية، ولا يجد الصبي من القوة ما يصارح به ذاته بهذه الغيرة، غير أنه يراوغ ليتصيد لها الأخطاء ويفتعل معها المشكلات:

"مد يده نحوها وتصافحا بحرارة ثم همس في أذنها بدوره، ثم مد يده نحوها وتصافحا بحرارة من جديد فقالت وكأني خادمها المطيع (!!): هيا نذهب!..وها أنت تصير دفة للباب وعصا للكلاب في آخر أيامك - أضاف الصبي الجريح"

وعندما تقترح عليه "ماريز" الغربية المتحررة أن يأخذا معا غرفة مزدوجة حتى يوفرا نفقات غرفتين، يطل برأسه الصبي ليفكر هكذا:

"لم أفهم، طبعا، قد تكون تمزح، أيمكن أن تجري الأمور بهذه السرعة؟"

وهنا يكشف "شغموم" محورية الجنس في تفكير الرجل/ الصبي/ المراهق الذي يصارح ذاته : (يعجبك جسدها وتقلقك شخصيتها) هذه، النظرة الجنسية المتدنية للمرأة، نظرة لا تعتبر الجنس جزء من نسيج علاقة أشمل وأكبر وأعقد وأشمل هي العلاقة الوحيدة ذات الشكل والجوهر الإنساني التي يمكن أن تجمع الرجل بالمرأة : الحب.

تقول "ماريز" :

" - نعود راجلين لكي نهضم!

- تصدر إليك الأوامر كأنك عبد، قال الصبي!

وماذا أقول؟ لم أجد ما أقوله وقد عاد إليّ حنقي:

- ثم أنه ينبغي أن ننام باكرا لنسافر إلى الصويرة!

وماذا أقول؟ أنتظر، تجمل بالصبر!

في الغرفة سبقتها إلى الحمام مدعيا حالة استعجال، وكنت في الواقع أهرب من رؤيتها عارية، وحافية، مرة أخرى...لكني طوال الليل كنت أنصت إلى صوت القطة النائمة، لذيذ صوت القطط وهي نائمة!"

وعندما تنفجر ثورة الصبي متغلبة على كل كوابح وحواجز النضج يجد "الأستاذ داود" نفسه فجأة في مواجهة صبيانيته العارية:

"..أنا لست خادمك الخاص فأطيع كل أوامرك..

قاطعتني وهي ترتعد:

- طيب، طيب، ماذا تريد؟ رغباتك!

ارتبكت كثيرا (رغباتي، أنا؟!) لكني أجبت:

- أريد أن أشم رائحة البحر، أن أتنفس قليلا!

لم تفلح في التغطية على اضطرابها:

- فقط، وماذا يمنعك؟"

عاشقة صهيونية!

قبل أن يكتشف "الأستاذ داود" ديانة معشوقته اليهودية، يتشكك صبيه المراهق في كونها "إرهابية"!!. هذا الشك الغريب الذي يولده حادث تافه يتمثل في حرص "ماريز" على ألا يعرف الدرك (الشرطة) أنهما كانا يستقلان حافلة تعرضت لحادث سير، هذا الحرص الذي كان يمكن أن يؤول ببساطة برغبتها في عدم تضييع الوقت في أقوال ومحاضر دركية أو شرطية، تضخم ليصبح وسواسا أقل ما يمكن وصفه به أنه غريب. وهو ليس غريبا بالفعل من وجهة نظر نظريات التحليل النفسي التي تسمي سلوكا كهذا "حيلا دفاعية" تتخذها ذات ذكورية تشعر بهزيمتها إزاء "خصم" أنثوي لا تفترض فيه هذه الذات الفجة غير الضعف وقلة الحيلة ونقصان العقل..إلخ.

وعندما يكتشف ديانتها فإن الصبي الكامن فيه لا يتردد في اتهامها بالجاسوسية، ويشعر القارئ بأن التهمة كانت جاهزة مسبقا، وأي تهمة جاهزة مسبقا، لطعن هذه الأنوثة النشطة المتفجرة الخالقة..

" - ماريز، أنت جاسوسة؟

ضم السؤال من التأكيد بقدر ما ضم من الاستفسار. أنا نفسي اندهشت وأسرعت بوضع يدي على فمي لأخرسه إلا أن السؤال، أو الاتهام، كان قد وصل إليها بالرغم من أنها قطبت حاجبيها وسدت عينيها لتتأكد مما سمعت..

قامت، أمسكت رأسها بين يديها وأخذت تدور حول المائدة وتردد بصوت مسموع:

- جاسوسة، جا..سوسة..جا..سو..سا..جا!

نطق الطفل منتشيا:

لاحظت لقد اعترفت..

أنهارت ماريز، وتهاوت على العشب، وهي تنتحب.."

وفور أن تتخلص المعشوقة من صدمتها لتسأله كيف وصل إلى هذا الحكم يكتشف أنه "لم يعد متيقنا من شيء"..

سيعرف "الأستاذ داود" أن معشوقته اليهودية فرنسية مغربية ترفض الصهيونية وتعشق هويتها الأنثوية كما تعشق هويتها المغربية..وستقول له:

"رجاء، كف عن الفصل بين جسدي، ككل، وباقي أجزائه، مثل المخ والقلب، فإنه لا أحد يمكنه أن ينال منه شيئا بدونهما، وأنا لا أستطيع أن أفعل شيئا بجسدي وحده..إنك لم تفهم بعد أهمية الرسالة التي تضمنتها لوحة "الرجل العجوز"، لا أفهم كيف يمكن للمرء أن يكون فنانا وروحه، بل وجسده، فارغ من القدسي.."

كما سيكتشف "الأستاذ داود" أيضا أنها عضو في جماعة صوفية مغربية، وستقول له "ماريز" ذات مرة:

"لو قرأت واحدا من هؤلاء الصوفية، أو العشاق الكبار، لاستطعت أن ترى مثل هذا النور، والنار، مثل هذا الصفاء، والشمس، مثل هذا التمازج، أو التقارب، أو المخالطة..في كل أشياء الدنياليس هناك، في هذا الكون، مخلوق واحد، من أتفه دابة إلى أسمى المجرات، خال منها...لكن العين لا ترى مثل البصيرة، التي هي قلب العين!"

وقلب العين في المصطلح الصوفي ربما يعني - أو بالأصح يتمازج - مع ما نسميه أحيانا في العشق..حدس الأنثى..

وعند نهاية الرواية يكون "الصبي" قد اختفى لأن الناضج تعلم، أو أن الصبي أختفى لأنه توحد مع الناضج الذي تعلم، تعلم على يد أنثى، وهل أفضل من رجل تعلم على يد أنثى..وهل يوجد ما هو أفضل من الأنثى لتكون معلما للرجل..

رابط هذا التعليق
شارك

  • بعد 2 أسابيع...

أثر الطائر ..

الحقيقة التى لا أجد مفرا منها هى أنك لا تختلف كثيرا عن هؤلاء المتصوفة الذين ذكرتهم فى نصك الباذخ ..هؤلاء الذين سكب الله فى قلوبهم نورا ..فطفحت قلوبهم بالنور وبالبشر ..هؤلاء ..قبس من نور الله حتى لتكاد ترى أعماقهم المنيرة من فرط شفافيتها وضياءها ..هؤلاء الذين أتيت لنا من كنز كلامهم الذى لا يقدر بمال ..الذى يشفى الصدور ويتشربه الوجدان شرابا طهورا ..أى كلام هذا - كلامهم - الذى يقذف فى القلب سكينة ..ويبعث فى النفس راحة ..وأى حب أعظم من حب الله وحب حبيب فى نور الله ومن نور الله ..وبروح قدسية من عند الله مثلما عرفوا وقدروا ..

يا أثر الطائر ..

كيف أعبر لك عن مقدار المتعة التى جنيتها من كتبك الأحباب ..

يااااه..

هذه جنة تفتحها لنا ..

جنة من الحس والفكر والإنسانية ..

صدقنى لا أستطيع أن أصف لك مدى انبهارى بإختياراتك الكريمة وبكتبك الحبيبة

وبتعبيرك وبأفكارك ..وبروحك نفسها فى الحكى ..وفى العظة ..

إننى أترجاك لو أن تكمل لنا هذا الموضوع

تستمر فى خلق هذه الجنة الأرضية كى نتنفس حريتنا فى بهائها وسحرها

نعم وجدت هنا حريتى ..

وجدت هنا روحى

هنا شعرت بالإكتمال

الحقيقة كان لدى تعليقات كثيرة جدا على أنوار المتصوفة التى اقتبستها هاهنا ..وكنت كلما نويت أن أتحدث عن هذه المقولة بعينها أجد التى تليها تبرق وتوغر صدرى بأن أضمها له وآخذها فى حنايا أفكارى وأحاسيسى بالتليق ..فأتركها للأجمل التى تليها وهكذا وقعت فى الحيرة..حتى التقت روحى برواياتك وتعليقاتك عليها ..جميلة ..جميلة جدا يا أثر الطائر اختياراتك وأفكارك ..راودتنى أفكار كثيرة جدا ولن أخفى عليك وجعتنى الأخرى لست أدرى لما ولكن ربما لأنها تناولت مآسى أنثوية فى المجتمع نلمسها جميعا ..يعنى مثلا تأثرت جدا بحديث " ثائرة " فى رواية اليمنى " وجدى الأهدل " - تلك الرواية الرائعة - وهى تتحدث عن الليل ..بماذا تشعر فى الليل ..وعن النهار ..والكابوس الذى يجثم على أنفاسها كل ليلة ..وهكذا الكوابيس تفعل فينا على إختلاف أنواعها ومسبباتها ..

أعدك أننى من أشد المتابعين لهذا العمل الخلاق وأننى جادة وجاهدة سوف أحاول أن أشاركك كتبى الأحباب ..

أشكرك شكرا جزيلا وأنتظر دائما ريح جنتك يداعبنا ..

عشتار

رابط هذا التعليق
شارك

أثر الطائر ..

الحقيقة التى لا أجد مفرا منها هى أنك لا تختلف كثيرا عن هؤلاء المتصوفة الذين ذكرتهم فى نصك الباذخ ..هؤلاء الذين سكب الله فى قلوبهم نورا ..فطفحت قلوبهم بالنور وبالبشر ..هؤلاء ..قبس من نور الله حتى لتكاد ترى أعماقهم المنيرة من فرط شفافيتها وضياءها ..هؤلاء الذين أتيت لنا من كنز كلامهم الذى لا يقدر بمال ..الذى يشفى الصدور ويتشربه الوجدان شرابا طهورا ..أى كلام هذا - كلامهم - الذى يقذف فى القلب سكينة ..ويبعث فى النفس راحة ..وأى حب أعظم من حب الله وحب حبيب فى نور الله ومن نور الله ..وبروح قدسية من عند الله مثلما عرفوا وقدروا ..

يا أثر الطائر ..

كيف أعبر لك عن مقدار المتعة التى جنيتها من كتبك الأحباب ..

يااااه..

هذه جنة تفتحها لنا ..

جنة من الحس والفكر والإنسانية ..

صدقنى لا أستطيع أن أصف لك مدى انبهارى بإختياراتك الكريمة وبكتبك الحبيبة

وبتعبيرك وبأفكارك ..وبروحك نفسها فى الحكى ..وفى العظة ..

إننى أترجاك لو أن تكمل لنا هذا الموضوع

تستمر فى خلق هذه الجنة الأرضية كى نتنفس حريتنا فى بهائها وسحرها

نعم وجدت هنا حريتى ..

وجدت هنا روحى

هنا شعرت بالإكتمال

الحقيقة كان لدى تعليقات كثيرة جدا على أنوار المتصوفة التى اقتبستها هاهنا ..وكنت كلما نويت أن أتحدث عن هذه المقولة بعينها أجد التى تليها تبرق وتوغر صدرى بأن أضمها له وآخذها فى حنايا أفكارى وأحاسيسى بالتليق ..فأتركها للأجمل التى تليها وهكذا وقعت فى الحيرة..حتى التقت روحى برواياتك وتعليقاتك عليها ..جميلة ..جميلة جدا يا أثر الطائر اختياراتك وأفكارك ..راودتنى أفكار كثيرة جدا ولن أخفى عليك وجعتنى الأخرى لست أدرى لما ولكن ربما لأنها تناولت مآسى أنثوية فى المجتمع نلمسها جميعا ..يعنى مثلا تأثرت جدا بحديث " ثائرة " فى رواية اليمنى " وجدى الأهدل " - تلك الرواية الرائعة - وهى تتحدث عن الليل ..بماذا تشعر فى الليل ..وعن النهار ..والكابوس الذى يجثم على أنفاسها كل ليلة ..وهكذا الكوابيس تفعل فينا على إختلاف أنواعها ومسبباتها ..

أعدك أننى من أشد المتابعين لهذا العمل الخلاق وأننى جادة وجاهدة سوف أحاول أن أشاركك كتبى الأحباب ..

أشكرك شكرا جزيلا وأنتظر دائما ريح جنتك يداعبنا ..

عشتار

عشتار.. :clappingrose:

هما عيناك الجميلتان اللتان تقرآن

يا عشتار..

رابط هذا التعليق
شارك

رواية "جوزيه ساراماجو"..البصيرة

لا تشبه غيرها من الروايات. تبدو للقارئ كجزء ثان من رواية سابقة للكاتب عنوانها "العمى" لكنها ليست كذلك فعلا.

الرواية تتناول في جزء كبير منها شخصيات وأحداث تنتمي لـ"العمى" لكن على طريقة الوحدات المستقلة التي لا يلزم قراءة إحداها قراءة الأخرى، ولا ترتبط بها ولا تنبني عليها كحدث أو تطور درامي ولكن كفكرة عامة وفرضية أساسية.

والفرضية الأساسية في الروايتين هو نقد المجتمع الديموقراطي الغربي الحالي. والنقد الذي يوجهه الروائي العبقري "ساراماجو" هو ذاته أقدم نقد يساري قدم بصيغ واشكال مختلفة للمجتمع الغربي الرأسمالي الذي يحكم باسم الديموقراطية الشعبية لكنه يدار في الحقيقة بواسطة قانون وحيد للإنساني هو قانون الربح والسيطرة، ويدار لمصلحة شريحة طبقية رأسمالية عليا وعلى يد افراد قلائل ينتمون لهذه الشريحة ويخدمون مصالحها ويستخدمون ليحكمون سيطرتهم العمياء على المجتمع ترسانات ضخمة من التكنولوجيا والمؤسسات والقوانين التي تصيب الإنسان بالاغتراب وتعمل على عزله عن إنسانيته ونزوعه الأصيل نحو تسييد القيم المرتبطة بالإنسانية كالحرية والعدالة.

نظرة "ساراماجو" للمجتمع الغربي الرأسمالي نظرة سلبية في الواقع. ولكنها ايضا نظرة نقدية مبنية على الواقع ومهمومة بتطويره وانتقاله وتقدمه نحو درجات أرقى من إنسانيته ونحو تفعيل قوانين هذه الإنسانية.

أريد أن أضع قوسين هنا لأنني أشعر بضرورة أن أؤكد أن نظرة "ساراماجو" نحو نقد المجتمع الغربي لا يتخفى وراءها أي نزوع خبيث نحو الاستبداد أو الاستخفاف برأي الجماهير أو قيادتها كالقطيع، لكنها نظرة تكتنز بالعداء للاستبداد والرغبة في تزويد الناس بالوعي النقدي الإنساني تجاه قوانين المجتمع وقيمه وأخلاقه.

هذه الصحة الجمهيرية المنشودة هو ما يقع دراميا في رواية "البصيرة" المتخيلة..

في الانتخابات التي تعقد في عاصمة الدولة الغربية الرأسمالية التي لا يحدد لها اسم في الرواية يقرر أكثر من ثمانين بالمئة من الناخبين أن يصوتوا بـ"أصوات بيضاء"، يضعون أصواتهم فارغة في الصناديق كاحتجاج ثوري على قوانين وآليات ولإنسانية المجتمع الرأسمالي الحاكمة. ومن هذه اللحظة الحرجة المتوترة تنطلق أحداث الرواية التي تكشف تساقط مكياجات ودعاوى الديموقراطية عن حكم الأقلية الحاكمة التي تملك قوة الدولة وسلطة رأس المال.

تقرر الدولة عقاب العاصمة فتنسحب منها بكل أجهزتها السيادية : الشرطة والجيش والوزارات والرئاسة..إلخ. وتترك العاصمة لمصيرها الفادح نهبا للجريمة وغياب الأمن عقابا لها على "همجيتها" و"عدائها للديموقراطية". ولا تكتفي الدولة الرأسمالية في عقاب جماهيرها بالرحيل فقط بل وتقرر محاصرة العاصمة بقوات الجيش والبوليس حتى لا يتسرب داء التصويت الأبيض ولا تنتشر هذه المؤامرة البيضاء خارج حدودها.

وتتوالى اجتماعات مجلس الوزراء وقصر الرئاسة التي يرصدها "ساراماجو" ببراعة ساخرة وكاشفة لآليات الاستعباد البيروقراطي والاسترقاق التكنولوجي لأرواح الناس.

وكان لابد من حل..

لابد من ضحية تعلق في رقبته مسئولية انهيار الديموقراطية الغربية في نسختها الرأسمالية الظالمة.. وهنا تنبعث الرواية السابقة "العمى" من سياق أحداث رواية "البصيرة".

في رواية العمى أصيبت المدينة كلها بالعمى باستثناء امرأة واحدة..

والعمى هو نفسه نقد مجازي للعمى الذي تصيب به الدولة الرأسمالية جماهيرها و"رعاياها"..

لكن لماذا تنجو امرأة واحدة من عمى أصاب مدينة بكامل أهلها؟!!

هنا يطلق "ساراماجو" ترنيمة روائية ممتدة من أجمل الدفاعات التي يمكن أن تطلق لنصرة إنسانية الإنسان..

هذه المرأة التي لم تصب بالعمى لم تصب به مكافأة لإنسانيتها التامة..التامة حتى بنقصانها..

إنها ساعدت الجميع ودافعت عن الجميع وأنقذت حياة الجميع ولم تدخر عطاء في سبيل الخروج بالناس سالمين وعلى قيد الحياة من مأزق العمى العام الذي دفع بالمدينة إلى مجاعة أصبحت فيها قطعة من خبز يطفو على وجهها العفن أهم من روح الإنسان ومن شرفه وكرامته..

ظهرت عصابات من العميان تتحكم في مصادر الرزق وتطالب بالأموال وبالنساء في مقابل الخبز وتغتصب المرأة الوحيدة المبصرة من العميان في سبيل الحصول على لقمة عيش لها ولزوجها ولطفل صغير فقدته أمه خلال أزمة العمى. لكنها أيضا تقتل أحد هؤلاء العميان وهي تراه يحاول اغتصاب سيدة من هؤلاء اللواتي فرضت عليهن غطاء حمايتها.

ولأنها وظفت بصرها لصالح إنقاذ الناس وليس للسيطرة عليهم ولأنها كانت المبصرة الوحيدة في مدينة من العميان تتعرض المرأة للاتهام بالانخراط في مؤامرة احتجاج ثوري بالتصويت الأبيض لهدم مجتمعهم الديموقراطي المزعوم القائم على الأنانية الشرسة والربح الأناني.

والدليل الوحيد الذي عد على اشتراكها في مؤامرة التصويت الأبيض هو أنها كانت المرأة الوحيدة التي نجت من العمى الأبيض!!..

وتتوالى أحداث الرواية الشيقة في اتجاه حصار المرأة بعد حصار مدينتها وتلفيق أدلة تزعم اشتراكها في هذه المؤامرة..

ويقدم "ساراماجو" بعبقرية شائقة في هذا السياق الغرائبي شخصيات واقعية يتجسد داخلها مأزق إنساني خطر يعبر عنه بقوله :

"أشد تأنيب للضمير هو تأنيب من لم يفعل مكروها، لكنه سمح بوقوعه.."

يستيقظ ضمير مأمور التحقيق وهو الرجل الذي ينيط به وزير الداخلية المسئولية الأولى عن كشف أدلة تورط المرأة المبصرة في مؤامرة التصويت الأبيض.

يرفض المأمور في بسالة تلفيق التهمة لها ويقول وقد استراح ضميره:

"كما لو أخرجوا من عضو حياتي جسدا غريبا كان رويدا رويدا يلتهمه، شوكة في الحنجرة، مسمارا في المعدة، سما في الكبد.."

يعزل المأمور من منصبه ويحكم عليه بالبقاء في المدينة المحاصرة، ويقتل قبل نهاية الرواية بصفحات عبر قناص ترسله وزارة الداخلية.

ثم تنتهي الرواية بجريمة قتل أفدح عبر نفس القناص..جريمة قتل المرأة الوحيدة التي لم يصبها العمى..اكثر النساء براءة في مجتمع لوثته دوافع الربح والأنانية المطلقة..

وكأن ما مات هو ضمير الإنسان في هذا العصر..

رواية "البصيرة" لساراماجو هي صرخة موجهة لضمير المجتمع الغربي والمجتمع الإنساني كله..

صرخة تستنفر الهمم وتشد العزائم نحو ضرورة تطوير البناء الاجتماعي والاقتصادي والسياسي للمجتمعات البشرية لتكون موجهة أكثر نحو إنسانيتها ولتعمل وفقا لدوافع ووظائف وقوانين التعايش الجماعي والتعاونية وتلبية احتياج كل محروم وليس وفقا لدوافع ووظائف وقوانين الربح الأناني والمعايشة الفردية والقسر والصرامة المعاديين لرغبات البشر وحرياتهم

رواية لا يمكن تلخيصها بأمانه، أو تلخيصها بالفعل، لأن أهم ما فيها ما تشتمل عليه من تفاصيل دقيقة وعميقة وإنسانية، وما تنطوي عليه من تفسير متأمل للدوافع الإنسانية الدقيقة، ومن تحليل لنزوعات النفس البشرية المتشابكة في علاقتها بالبناء الرأسمالي الشره لسحق إنسانيتها.

ويبقى سؤال لك..لماذا اختار ساراماجو امرأة ليجعلها الناجي والمنقذ الوحيد من العمى؟!

ربما لأن النساء أكثر من الرجال من يعول عليهن في الحلم بمجتمع إنساني حر وعادل جديد..؟

وربما لأن المرأة هي اكثر تضررا من الرجل من عواقب ولعنات المجتمع الحالي..؟

وقد يفسر اختيار المرأة قدرة الأنثى على تجسيد معنى المقاومة وهي الكلمات التي قالها لها المأمور:

"هناك أناس يظلون واقفين حتى عندما ينهارون، أنت واحدة من هؤلاء الناس"

وقد يفسر المسألة كلمات سائق التاكسي البسيط عن اتهام المرأة بالتخطيط لمؤامرة التصويت الأبيض، قال:

"تبدو لي أكذوبة واضحة اخترعوها ليبيعوا جرائد، إن كان قد صابني العمى، إن كنا جميعا قد أصابنا العمى، كيف ظلت تلك المرأة مبصرة!!..ويقولون إنها مسئولة عن التصويت الأبيض!!، تلك أكذوبة أخرى، المرأة دائما امرأة، لا تتدخل في هذه الأمور، لو كان رجلا، أيا كان الوضع، قد يصدق، لكن امرأ’..بوففف."

هذه السطور التي تنضح باحتقار شأن المرأة هي ذاتها التي تشير إلى بطل محتمل..

ودائما البطل المحتمل يكون هو الضعيف الذي يقلب موائد الأقوياء..

إنها ليست أسطورة حقا..

هي بالأكثر ملمحمة واقع معيش..

وأيضا..تاريخ يمضي للأمام

رابط هذا التعليق
شارك

البصيرة وساراماجو !!

ياله من اختيار !

أحييك أعز تحية وأطيبها يا أثر الطائر

واختيارك ..

الحقيقة أننى أحب هذا الكاتب ..لم أقرأ له كثيرا بالمعنى ..ولكننى كنت قد قرأت له رواية تم تناولها بالنقد والتحليل ..كانت عن طفولته ومكانه الأول ..تفصيلاته فيها كانت مؤثرة حانية وهو يستذكر حياته البكر بداية من جدته وطعامها الريفى ومنزلهم القروى البسيط وأباريقها وآنياتها ..أشعر دائما بإنسانية مفتقدة فى أجواء هذا الكاتب وخصوصا فى هذا العمل الذى كان على مايبدو مذكرات أو سيرة شخصية له ..آه ..تذكرت ..كانت روايه أسمها " الذكريات الصغيرة "..رواية شديدة الحنو كما شعرتها لم تخلو من عظات عميقة ..شعرت بأنه وضع فيها خلاصة تجاربه و فكره و ثقافته..ومن مقولاته الشهيرة التى أعجبتنى وأثرت فى الآتى ..

· للهزيمة وجه حسن: إنها غير نهائية.و للانتصار وجه قبيح: إنه دائما نهائي.

· الرجل المعاصر له ثلاثة أمراض: عدم الاتصال، الثورة التكنولوجية، الحياةالمركزة في نجاحه الشخصي .

· الوحيدون المهتمون بتغيير العالم هم المتشائمون. فالمتفائلون سعداء بما يملكون.

· ما نحن إلا ذكرياتنا و المسئولية التي نتحملها. فمن غير ذكرى لا وجود لنا، و من غير مسئولية لا نستحق الحياة.

· أكثر الناس الذين عرفتهم في حياتي حكمة كان رجلا لا يعرف القراءة و الكتابة ( إشارة إلى جده من أمه ) .

· لا الشباب يعرف ما يستطيع و لا الشيخوخة تستطيع ما تعرف.

· هناك من يقضي حياته كاملة في القراءة دون أن يحقق شيئا أبعد من ذلك..فلا يدرك أن الكلمات ما هي سوى أحجار مرصوصة لنعبر من خلالها للضفة الأخرى من النهر..و هذه الضفة هي الأهم .

· علمتني الحياة ألا أحاول إقناع أحد بشئ..فهذه المحاولة تعد قلة احترام للآخر..فهي نوع من احتلال هذا الآخر.

· إن أفضل طريقة للحفاظ على خصوصياتنا هو احترام خصوصيات الآخرين .

كما قرأتم ..كلمات عميقة الأثر ..بالغة الحكمة ..ترفل فى الإنسانية بوجهها الإيجابى الجميل ..ربما ما يميز ساراماجو أن عقلى أو حتى عملى ولكنها عملية وعقلية ليست صرفة ..ليست خالصة ..تتداخل فيك بإقناع وإيمان..تشعر مع هذا الكاتب أنه يكتب عن الحقيقة..وصل للحقيقة ووجدها وينقلها لنا بصدق وإخلاص ..

يقول ساراماجو فى النص :

"قبل ان اتم الثانية عشر من عمري، رحلت مع ابوّي تحت ضغط الحاجة لنستقر في لشبونة، هذا المكان المختلف في إحساسه و فكره و طريقة معيشته كما لو كان محل ميلادي الاول جاء نتيجة خطأ من اخطاء الصدفة او شرود القدر "

يسرد الكاتب ذكرياته و تامله لقريته الحبيبة أزينهاجا ليؤكد ان عودته إليها بعد تركه إياها سنوات قدر محتوم وهو الشعور الأصيل دائما بالأمل والبقاء..شعور يمحو عنك ولو للحظات مادية العالم وجموجيته التى وصلإليها فى الزمن القريب..و يصف ساراماجو قريته قائلا فيما قل و دل على معني عميق:

" كانت هذه القرية هي المهد الذي اكتمل فيه تكويني، كانت الكيس الذي بداخله كوّنت النطفة الصغيرة نفسها بكل خيرها و شرها و حققت ذلك في صمت و سرية و عزلة "

و هنا يتأمل بحكمة الخبرة التغيير الذى لم يحدث فى المكان ولكن فى شخصيته هو ..هذا التغيير الذى اكتشفه عندما عاد لمكانه الأول .. عينيه ترى نفس المكان و رئتيه تستنشق ذات الهواء..ولكن برؤية الرجل البالغ الذى لم تفارقه أبدا ذكريات الطفولة ولا رعشتها الفطرية فى النفس ..أليست هذه هى الأصالة ..أو بشكل أعمق مقابلة ذواتنا على حقيقتها ..إلتقاءنا مع أصلنا الأول الذى ننتمى إليه ونحن له ..رؤية مخلصة ليست ناكرة كما قد يبدو للجميع ..منتهى الحكمة التى تأتى بعد سنوات من الارتحال بعيدا عن النفس ذاتها وكأننا بعودتنا الى مسقط رأسنا نلتقى فجأة وجها لوجه مع ذكرياتنا فتتدفق الشحنات البريئة إلى ذاكرتنا كأننا نعيش لحظتها..عبارة أوجعتنى وأشعرتنى بمنتهى الألم ربما لأننى أستشعر نفس الموجة الإنفعالية حين عودتى لمكمن طفولتى..أكتشف وقتها كم كبرت وكم يتغير العالم من حولى وأتغير معه ولاتزال لذكرياتى الطفولية أكبر الأثر فأعود لنفس المكان وكلى شوقا وحنينا حتى للحجارة..للشجر..أستعذب الألم الدفين..لأنه وبتجرعه تنبثق الحكمة..حكمة تواجدنا نفسها..فنتصور دورتنا فى الحياة من أين بدأت وإلى أى مدى وصلت وهل يمكن حساب ما تبقى بمزيد من الأمل فى العودة..؟؟يقول:

"لم ير الطفل الذي كنته المنظر المحيط بنفس رؤية الرجل البالغ الذي صرت إليه"

ومع ذلك قد ينتابنا إحساس بأن الكاتب يشعر بمزيج متناقض من المشاعر ..راحة لعودته لمكان نشأته الحبيب..و إحباط لعدم شعوره بنفس المشاعر التي كانت تنتابه عندما كان طفلا صغيرا بنفس الدقة..و لا يعرف ..أيكون السبب بضعة التغيرات التي أجتاحت المكان أم السبب في طبيعة الحياة التي جعلت عيناه لا ترى كل ما هو جميل فقط مثلما كانت قديما ..أم السبب فيه هو ..نفسه ؟

يتأمل كينونته شاردا :

"أبدا لا نعرف كل شئ، و لن نحيط علما بكل شئ أبدا، لكن أحيانا نعتقد اننا قادرون على معرفة كل شئ، و ربما لأن في هذه الأحيان لا شئ يستطيع أن يملأ روحنا أو ضميرنا او عقلنا او أيل كان اسم هذه الكينونة التي تجعل منا بشر"

يا للروعة..لكلماته سحر يناجى خلاياى كلها..كم أنا شديدة التأثر بروعة احساسه وحكمته..انسان يعرف قدره..وما أعظم الانسان عندما يكون مدركا لحجمه ..عارفا لقدراته..وقتها يملك روحا تعانق العالم وتلامسه لانه تقريبا فهم الحكمة من وجوده من خلال فهمه لقدراته وحدوده..هل يمكن أن نتلفف ذكرياتنا ونغوص فى عالمها السحيق فاذا بها تنير لنا معاقل الحكمة؟؟هل يمكن للطفل الذى كناه..والانسان الذى صرنا عليه اليوم أن يلقف تداعيات الذكرى فيستوعب متاهات الزمن ويزيل الغبار عن الأماكن..يؤمن بأن الروح هى الانسان نفسه..وأن الانسان بالأمل وبالإرادة يستطيع ألا يفقد أى أثر من عمره .. فيتواصل فى الحياة ..فى دورة مستمرة ...وعبر عن واقعية الذكريات ودورها في تكوين الشخصية... يدهشنى هنا أن ساراماجو تخطى الأحداث بالمعنى "التسجيلي".. وتجاوز متاهات التأويل والنسيان.. يعود الى ماضيه كمن يتحدى نفسه.. ويمتحن قدرته على تجنب تجميد الماضى كذكرى سوداوية..وإنما يسطرها لنا كذكرى حية تنعش روحه وتجعله مقبلا أكثر على ابداع مستمر ومستنيم داخله..

يعود ليؤكد أن ذكرياتنا لا تحددها جدران او يفرضها علينا تاريخ..لا تعني نشأتك في بيت ما ان ذلك البيت هو بالضرورة مصدر للحنين..قطعا لا..ذكرياتنا الحلوة تكون حيث ما كانت ضحكاتنا الصافية ، الصادرة من قلوب نقيه، لا تحمل مكرا..أو خداعا، أو حتى تملك اساليب دفاعية للحماية .

تلك الفكرة هي ما جالت بخاطر الكاتب عندما نظر لمكان بيته القديم قائلا :

" لم يعد للبيت الذي ولدت فيه اثر، و انا لا أبالي بهذا الامر فلم تربطني بهذا المكان أية ذكريات ..و كان البيت الأكثر حميمية و عمقا، البيت المدقع فقرا لجدي و جدتي من امي ..و لم يسبب اختفاء البيت لي ألما..لأنني و بفضل ذاكرتي القوية البناءة أستطيع ان أشيّد في أية لحظة جدرانه البيضاء..ان أزرع أشجار الزيتون التي تظلل مدخله، ان أفتح و أغلق نافذة الباب الصغيرة و السياج الحديدي للحديقة الصغيرة..ان أذهب للمطبخ و أسكب من الإبريق للكوب النحاسي المطلي بالميناء ماءً يقتل عطشي للمرة الألف في هذا الصيف، حينها أقول لجدتي : " يا جدة، سأذهب لأتجول من هنا" فتجيب جدتي : " اذهب: ، و لكنها لا تنصحني أن آخذ حذري ففي هذا الزمن كان الكبار يثقون في الصغار الذين يربونهم " .

وهنا ..

لم يقطع ساراماجو حبل السرة مع الولد الذى كانه...ومن فرط وصفه الرائع شعرت أنه أخذنى من يدى على دروب قريتة الجميلة..وأشياءه التى تنقل لنا مناخ العزلة والبدائية دون اسراف ودون مغالاة فى تصوير البؤس..أستطيع أنا الأخرى معه أن استنشق رحيق ذكرياتى..فألتقط رائحة أشجار الجوافة اليانعة التى كانت - وقطعتها الأيدى الشريرة - فى حديقة منزل جدى وجدتى..أتذكر مثله الإبريق النحاسى والكوب النحاسى المطلى باللون البمبى الفاتح...غزيرة وعزيزة هى الذكريات البرئية..ذكرياتنا ..وما أحلى العودة إليها...!

ما أجمله كان أسلوبه الأدبي عندما قرأت له جملة علقت في ذاكرتي..و لا اعتقد انها ستبرحها يوما..حينما أراد أن يصف لحظة لن ينساها ..وفعلا صدقت يا ساراماجو ..بعض اللحظات تبدو دهر ..لا تمر ولا تنمحى من الذاكرة لأنها كانت وحدها عمرا ..وبعض الأعمار تمر كما لفحة الهواء لأنه كان عمر فارغ..أجوف وبارد لم يحمل ذِكراً..العمر لحظة أحيانا..واللحظة هى عمر بذاتها ..اقرأوا ..

"كانت لحظة..لم تكن سوى لحظة، لكنها ستدوم.. ما دامت حياتي"

كنت أقرأ على مهل وبمزيد من التأثر كلمات "ساراماجو"..واستمتع أيما متعة بإحساسه..وأخذت فى هذه الرواية أخذا جميلا بالذكريات الطفولية التى تمكن الكاتب بمهارة من استرجاعها..نعم...الطفولة..هذه الحقبة الرائعة..لا انساها أبدا ومعظم الوقت اتذكرنى الطفلة البريئة التى كانت والتى تغيرت ..سنة الحياة التى لا مناص منها..ولكنه الأمر الذى يثير الأسى والشجن غالبا..فعلى معزوفة "الذكريات الصغيرة"..ذهبت الى هذا العالم البرىء الذى كان ولن يعود..فلكلمات ساراماجو وقع كان له أكبر الأثر فى نفسى..

صدقونى.. فى هذه الرواية جرعة تفاؤلية وايمانية عالية ..استشرت بعقلى وقلبى يوم قرأتها وظلت لزمن طويل تلقى على ظلال رضا وسعادة ..ومن مجرد تذكرى لها هنا وتمتعى الكامل بروعة هذه الأجواء الطيبة ..أتحصل على نفس الدفقة الروحانية العالية التى استشعرتها منذ المرة الأولى لقراءتها ..

أتمنى لو أن تعجبكم حقا وتودعونها بثقة مكتباتكم ..

أما عن البصيرة يا أثر الطائر ..سأعود ان شاء الله للتعليق عليها ..وربما أمكننى قراءتها قبل ذلك حتى أكون على بينة مطلقة من روعتها كما قدمتها لنا ..

مودتى ..واعتزازى ..

:give_rose:

رابط هذا التعليق
شارك

عشتار الغالية..

هذه الكلمات التي اخترتها من رواية "الذكريات الصغيرة" هي كلمات عميقة وحكيمة وحقيقية..وكلمات محظوظة ايضا لأنك أنت اخترتها لتعانقيها بكلماتك التي ترسم أصداءها وترصد توسع دوائر تأثيرها فيك وتحدد خطوطا وملامحا شخصية لها..

من حظي أيضا أني قرأت "الذكريات الصغيرة"، كان ذلك منذ سنوات عند صدورها مترجمة في سلسلة الجوائز التي تصدرها الهيئة العامة للكتاب في قطع أصفر مميز، لقد أنعشت كلماتك قراءتي القديمة لأنها استهلمت روح ذكريات ساراماجو وطفولته الفقيرة ماديا ولكن الثرية إنسانيا وروحيا..

أتذكر أيضا من قراءتي القديمة أمرا هامشيا لفت نظري وهو اسم قرية الطفولة والنشأة "ازينهاجا"..سألت : هل تكون النطق الأوربي المحرف لكلمة "صنهاجه" المدينة العربية الشهيرة؟ وهل سميت أصلا باسمها؟..لم أجد إجابة للسؤال ولم يتحدث ساراماجو في "الذكريات الصغيرة" عن أصل التسمية، ربما لأنه لم يكن مهتما بالأسماء بقدر اهتمامه بالمعاني والأرواح..

إنها يا عشتار ذكريات طفولة مشرقة..مشرقة بكل معاني الكلمة وعلى ما وصفت..

وقد تعاملت في موضوعك عنها مع كاتبها بما يليق بروح فنه وحكمته عندما أوردت جواهرا مفردة وفريدة من عباراته، لاحظت أن "ساراماجو" - وقد قرأت له عدة روايات - ينتمي إلى طائفة من الكتّاب يجيدون تقطير الخبرات الفردية والجمعية في كلمات، هو نفسه مهتم في رواياته كلها بإيراد الأمثال والحكم الشعبية البرتغالية القديمة، إنه يفعل تقريبا نفس الشيء وهو يكتب، وكأنه عاشت بداخله هذه الحكمة الجمعية التي تعيش في وجدان الشعوب، فتداولت كتاباته كلها عملة حكمة نادرة..حكمة تنتقل عبر العصور..

لقد كنت في كتابتك عنه أكثر من وفية لروح الكاتب وفطرته الفنية ونزوعه الإبداعي..

لذلك..

ومن أجل عشتار أيضا..

سأعود مرة أخرى إلى رواية "البصيرة" وأستخرج منها هذه الجواهر التي صادفتها في قراءتي متناثرة كاللقايا بين السطور والصفحات..

سأفعل وأعود..ربما تكون قراءتك لها قد تمت..

وقتها يمكننا أن نضاهي ما استخرجناه معا وكل على حده..

محبتي يا عشتار

:clappingrose:

رابط هذا التعليق
شارك

عشتار المحبوبة..

هأنا قد عدت بمحصولي من لالئ العبارات في رواية "البصيرة" لساراماجو كما وعدت.. أود أن أقول لك أنني كنت ممحصا جدا في الاختيار لكنها ليست بالفعل كل ما يمكن أو يهم استخراجه من لالئ عبارات الكاتب البرتغالي النوبلي .. إنها فقط الأهم من وجهة نظر شخصية .. أتمنى أن تعجبك فعلا :

* حتى الأحلام .. تحدث حقيقة

* الذاكرة هي الأذن الثانية .. فالأذن الخارجية تفيد في توصيل ما نسمعه إليها

* اللغات دائما محافظة .. تسير بالأرشيف على عاتقها وتكره التجديد

* لا يصح الحديث عن الحبل في بيت رجل حكم عليه بالإعدام

* القدر عادة ما يقضي على العجرفة

* من آن لآخر تقفز في ذهني فكرة "أن هذا ليس كافيا" .. وحينها تؤلمني روحي أكثر مما يمكن أن أقول

* إن غباء ثانية يمكن أن يقضي على كل ثواني الحياة

* عندما لا ترى العين .. لا يشعر القلب .. ومن لا يعرف كمن لا يرى

* أنصاف الكلمات وجدت لتقول ما لا يمكن أن تقوله الكلمات الكاملة

* أشد تأنيب للضمير هو تأنيب من لم يفعل مكروها .. ولكن سمح بوقوعه

* ألد أعدائك طبقا لقانون العميان .. هو هذا الشخص الأقرب منك

* أقتل نفسك قبل أن يسألوك .. إن كنت ما زلت حيا

* يد واحدة تغسل الأخرى .. واليدان تغسلان الوجه

* هناك أشخاص يظلون واقفين حتى عندما ينهارون

* كم مرة تأتي المخاوف لتضيف المرارة لحياتنا وفي النهاية نكتشف أن لا أساس لها ولا سبب لوجودها

* الحاجة تصنع القانون

رابط هذا التعليق
شارك

  • بعد 3 أسابيع...

كتاب "توفيق الحكيم يتذكر" من إعداد: جمال الغيطاني..

مكتبة الأسرة 2010

www-St-Takla-org___Tawfik-El-Hakim-01.gif

من أمتع ما يمكن فعلا قراءته من كتب الحوارات الذاتية، تختفي فيه أسئلة الغيطاني ويبدو كلام العملاق "توفيق الحكيم" كأنه مونولوج داخلي مسترسل ينقطع فقط بالعناوين الداخلية وتبويب الفصول حسب الموضوعات التي تتناولها الحوارات، لكن..لا أسئلة..أجوبة الحكيم فقط التي تدور كلها حول حياته وأهم القضايا التي شغلت فكره وفنه وذاته خلال أيام حياته.

الكتابة عن كتاب كهذا نوع من المغامرة الصعبة لأن كل صفحة وسطر وكلمة فيه تقريبا تحتمل أن يتوقف المرء أمامها..يتأمل فيها.. يصعب عليه ألا يذكرها أو يتذكرها..لكني واختصارا سأنتقي من بين ذكريات الحكيم في كتاب الغيطاني ما يهم انشغالنا أكثر..

المنبع/ البذرة/ الرسالة الخفية..

لماذا أحترف الحكيم الكتابة؟ لماذا أصبح فنانا وأختار طريق الكتابة بالذات من بين الفنون التي أنشغل بها كلها وهي تتنوع ما بين التمثيل والرسم وتلاوة القرآن والموسيقى وتأليف الأشعار وأخيرا المسرح (الفن المقرب لقلبه) والقصة والرواية؟ لماذا لم يظل – مثلا – وكيلا للنيابة أو عمل قاضيا كأبيه؟.

أسئلة مهمة ومثيرة عندما يسألها عملاق في قامة الحكيم الفنية والفكرية ومقامه في عالم الخلق الإبداعي، وإجاباتها لديه أكثر إثارة أيضا من زوايا نظرها ونفاذها للحقائق وإبداعيتها ومن جهة قدرتها على توليد المزيد من الأسئلة.

يحكي الحكيم عن احترافه للرسم وإقلاعه عنه سريعا، يقول:

"كان هذا الشيء الجديد الذي انجذبت إليه هو الرسم، كنت أحبه وأجتهد أن أبرز فيه، فقد كان ذلك يملؤني سرورا داخليا غريبا..ولكني لم أستمر في هواية الرسم إلى حد جدي إنما هي تلبية لذلك الصوت الخفي، أو اتجاه غريزي إلى أقرب موارد تلك النزعة الكامنة في أعماق كياني، كانت هذه النزعة تتخذ صورا مختلفة بحسب الأرضية التي تتيحها لها الظروف. كانت تقترب بسرعة كالمنجذبة بمغناطيس..كأنها روح شبح يتحسس الأجساد التي كتب عليه أن يحل في أحدها"

وقد حلت نزعة الحكيم الفنية في الشكل المسرحي بالذات، وهو يعزو ذلك إلى احتمال أن يكون المسرح هو أول فن مارسه بقدر من التنظيم وعلى سبيل الهواية ولفترات جعلت شيطان فنه يرتكن إلى تقمص هذا الجسد المسرحي ويرتاح فيه أكثر من كل أشكال الفنون الأخرى.

لكن ما سر هذه النزعة الفنية الدفينة؟ لماذا يتميز بها البعض دون الآخرين؟ لماذا تسيطر على وجود البعض دون بقية الناس؟ وهل الفنان هو المسئول الوحيد عن إيجاد هذه النزعة؟

وتأتي إجابة الحكيم عن هذه الأسئلة لتحمل حلما كبيرا وقيما بإمكانية تجسيد الأحلام الذاتية في المستقبل، وبوسائل هي أقرب ما تكون إلى أن نسميها "وسائل جينية"، إذ يعزو الحكيم نزعته الفنية إلى.. "بذرة تلقيتها عن أب وأم، ولم تنبت عندهما بفعل الظروف، فألقيا بعبء إنباتها على كاهلي، دون وعي منهما، عن طريق رسالة خفية، ضمناها تلك المنطقة التي منها خلقت"

وفي استعراضه لطباع أبويه يضع الحكيم يد قارئه على شفرات هذه الرسالة الخفية التي تلقاها الحكيم الطفل منهما. فأمه هي السيدة النهمة لقراءة السير في الكتب الصفراء ثم قراءة الروايات التاريخية والعاطفية التي كان يكتبها الأدباء الشوام الذين هاجروا إلى مصر مثل جورجي زيدان. وهي امرأة نشطة، قوية الطبع، ملتهبة العاطفة، وهي شخصية قوية مسيطرة تمكنت في النهاية من السيطرة على أبيه وشغله بمخاطر الفقر والتدهور الاقتصادي لتحرفه عن اهتماماته الثقافية والفلسفية. هذه الاهتمامات الفلسفية الخفية لأبيه لم يعرفها الحكيم الطفل في شخصية أبيه التي عرفها بعد تحولها إلى النزعة المادية العملية، حيث لم يكن يراه إلا منشغلا بشراء الأملاك والبيوت واستثمار راتبه وميراث زوجته، لكنه فوجيء بالتعرف عليها بعد سنوات طويلة، وبالمصادفة، وهو عضو في مجمع اللغة العربية عبر أحد أصدقاء والده القدامى المرحوم "عبدالعزيز فهمي".

تواضع الحكماء

في أكثر من موضع من ذكريات الحكيم يلح الأديب العظيم على فضيلة التواضع، إنه لا يطالب بها الكتاب والأدباء الجدد خصوصا، والناس عموما، فقط. كذلك هو لا يقتصر على ضرب أمثلة تلو الأمثلة من حياة عظماء المسرح والموسيقى والأدب، لكنه يقدم تفسيرا مفصلا لمعنى التواضع في حياته وشخصيته، يقول:

"إنني أشعر دائما بالتردد، وعدم الثقة بالنفس، حتى فيما أكتبه، وهذا الإحساس عطلني كثيرا..إنني أقرأ ما يكتبه الواثقون من أنفسهم وأحسدهم..إصرار الفنان يأتي نتيجة للثقة بالنفس، أنا على النقيض من ذلك، لست ملحا، عندما نجحت أهل الكهف كان بعض الأصدقاء يجيئون إليّ ويهنئوني، وكنت أقول لهم : اسكتوا لا تفضحوني.. أنا وكيل نيابة محترم"!!

هذا التواضع الإنساني الجميل لدى الحكيم والذي كان منبعه الأعمق هو "اهتزاز الثقة بالنفس" أمر يختلف تماما عن فقدان الاتجاه أو اهتزاز الثقة بما للنفس – مع اهتزاز الثقة فيها – من حق في التطلع إلى الأعالي ومحاولة تسنم القمم والذروات وتحقيق الفشل والنجاح في كل ذلك.

وأعتقد أن الشعور بالتواضع هو شعور طبيعي لدى أصحاب النفوس العظيمة كتوفيق الحكيم، بل إنه يكاد يكون لازمة من لوازم الريادة في كافة مجالات النشاط والروح الإنساني، حيث يلزم للرائد – أيا كان مجال طموحه ونشاطه - ولأنه يقدم على الدخول في تجربة كبيرة أو مغامرة قوية - أن يتوفر لديه احساس ملح بالنقص الذاتي فيحاول ملأه بمحاولاته وأفعاله ومغامراته الكبرى أو الرائدة.

وإذن..يقدم "توفيق الحكيم" بما له من ثقة مهزوزة في نفسه على مضاهاة روائع الكلاسيكيات الإنسانية الخالدة في المسرح بمسرحيات فريدة ومجددة مثل "بيجماليون" و"براكسا أو شجرة الحكم" و"أهل الكهف" و"شهرزاد".

"براءة التواضع" هذه يمكنها أن تأتي في كل وقت بالمعجزات.

حدث مثلا أن كتب "الحكيم" في مقدمة إحدى مسرحياته يطلب من قارئها أن يطالع نص أريستوفان بصحبة نص مسرحيته حتى يتمكن من الحكم عليها، وهو ما جعل "طه حسين" مندهشا يسأله : هل تضع قامتك إلى جانب قامة أريستوفان؟!. فأجاب "الحكيم" بتواضع حقيقي لا تنقصه البراءة ولا يشوبه الاصطناع : لا..ولكني أعالج موضوعا عالجه هو من قبل..

البساطة

ليست بساطة الأسلوب وتعقيده عند الأدباء الإنسانيين الكبار قضية بلاغية أو فنية أو حرفية لغوية. لكنها قضية ترتبط بصميم روح الكاتب وحسه الإنساني الصادق بما يعالج في كتابته. قضية الأسلوب ترتبط ارتباطا وثيقا بشخصية الكاتب ومنابعه النفسية والفكرية. وهو ما يجعل الحكيم يعزو تعقيد العقاد الذي لم يكن له حظ الحصول على شهادات التعليم إلى "رغبته في إثبات ثقافته وأنه يفهم أكثر من المتعلمين".

أما بالنسبة للحكيم نفسه فإنه لا يتعمد البساطة لأنه عندما يعالج موضوعات صعبة، فهو لا يفكر في أنها صعبة، كما أنه لا يتعمد "تصعيبها". كان هدف الحكيم دائما أن يكون بسيطا، وهو ما نجح في الوصول إليه، بمعاونة من روحه وشخصيته، وبشكل تلقائي لم يتعمده. يقول:

"لا يخلق الأسلوب الحق إلا الكاتب الصادق في شعوره وتفكيره إلى حد ينسيه أنه ينشئ أسلوبا، البلاغة الحقيقية هي الفكرة النبيلة في الثوب البسيط، هي التواضع في الزي الرسمي والتسامي في الفكرة، وهكذا كان أسلوب الأنبياء في حياتهم، أنظر إلى سيدنا محمد وإلى عيسى على الخصوص، بساطة في الملبس، وتواضع في المظهر، وسمو في الشعور والتفكير."

ولدى الحكيم قضية هامة ترتبط ارتباطا وثيقا بالبساطة وهي قضية التكوين الثقافي الجيد، إذ يلح الحكيم على ضرورة القراءة، للإنسان والمواطن المتحضر في المقام الأول، وللكاتب على الأخص. وهو يدعو كل واحد منا إلى الوصول إلى "أوسع قاعدة للقراة" لكنه ينبه في الوقت ذاته على أن هذه القاعدة الواسعة للقراءة والتي تؤدي إلى "تكوين ثقافي جيد" لا يجب أن تؤدي من جهة أخرى إلى "تعقيد الأسلوب" وإنما يجب أن تؤدي إلى بساطته، يقول:

"إن كل المحصلة الثقافية يتضمنها الأسلوب، مثل شراب الليمون أو البرتقال، الذي يحتوي على أكبر قدر من الفيتامينات دون أن يبدو ذلك في طعمه، أو شكله"

ولذلك هو يدعو إلى أسلوب محدد و(صحي) في قراءة واستيعاب وهضم المحصول الثقافي أو أوسع محصول ثقافي يمكن أن يصل إليه الإنسان، يقول :

"فإن قراءتي..تشبه عملية الطعام الذي يهضمه الجسد، ويتسرب إلى الدماء والعروق فينمو الإنسان ويعيش، هناك البعض الذي يتعمد أن يأكل بشراهة، وأن يفرط، ثم يصاب بعسر هضم، كنت أتشرب ما أقرؤه، أتلقى، وأهضم"

بلاغ الحكيم إلى النائب العام ضد الشيخ الشعراوي

ربما لا يعرف الكثيرون منا بأمر هذه القضية التي عرفها الأديب الكبير توفيق الحكيم أمام النائب العام ضد فضيلة الشيخ الشعراوي.

وهناك الكثيرون أيضا لا يحبون أن يعرفوا عن ذلك شيئا..وهنا مكمن خطورة..

في هذا الوقت كانت لا تزال في بدايتها هذه الحالة من الهوس الديني والتدين الشكلي والمراسيمي الزائف والتي اكتسحت بعد ذلك أوساط وفئات عريضة من الشعب المصري.

كتب الحكيم في جريدة اللواء الإسلامي سلسلة مقالات بعنوان: "حديث مع الله"، واعتبرها الشعراوي (كفرا) من الحكيم، وفضلا عن أن ذلك أثبت وجود قصور حقيقي – وقتئذ - لدى الشيخ الشعراوي في إطلاعه على تراث الفكر الإسلامي الخالد والمستنير، فإن كلمات التكفير الحادة التي تناول بها الشيخ أديبنا الكبير أثبتت ما كان لديه من اندفاع لا يتعاطف معه ولا يؤيده الإسلام دين العقل، وهو ما أعتذر عنه الشيخ الشعراوي بسماحة لاحقا.

جاء في مقال الشيخ الشعراوي عن الحكيم هذه الكلمات الحادة تحمل هذا التهمة الخطرة (التكفير) :

"لقد شاء الله – سبحانه وتعالى – ألا يفارق هذا الكاتب الدنيا إلا بعد أن يكشف للناس ما يخفيه من أفكار وعقائد كان يتحدث بها همسا ولا يجرؤ على نشرها، ولقد شاء الله ألا تنتهي حياته إلا بعد أن يضع كل خير عمله في الدنيا حتى يلقى الله سبحانه وتعالى بلا رصيد إيماني"!!

وتوجه على أثر ذلك توفيق الحكيم إلى النائب العام بهذه العبارات الحكيمة:

"كل ما أطلبه من بلاغي هذا هو حماية مواطن من هذا التهديد، وذلك بالتحقيق في هذا الموضوع لإظهار الموقف الحقيقي لمقدم البلاغ، وهل قد صدر منه حقا ما يستحق عليه التشهير بدينه، وهل هو حقيقة قد ضل هذا الضلال، وتعمد هذا الإضلال الذي أتهمه به علنا الشيخ متولي الشعراوي وأهاج عليه الرأي العام باعتباره من رجال الدين الموثوق بهم لدى الجماهير؟. على النيابة العمومية أن تتحرى الموقف من عقلاء رجال الدين ليظهر الحق وتوضع الحقيقة في نصابها، حتى لا تترك المواطن المتهم بالضلال عرضة لغضب غوغائي خطر"

رحم الله توفيق الحكيم الذي بادر إلى مواجهة تهمة خطرة بمثل هذه الشجاعة..

ورحم الله الشيخ الشعراوي الذي أعتذر متراجعا عنها لما ثبت خطؤها بصورة أشجع..

ليضربا مثلا ساطعا على ضرورة التمسك بالحق في التعبير وبحرية الفكر وفضائل التسامح والتروي وتواضع وعظمة التراجع عن الخطأ أو الإندفاع..

ربما لو حفظنا هذه الأمثال الناصعة وحرصنا على تلقينها لأجيالنا الجديدة لتجنبنا الكثير من المآسي التي رأيناها ولا نزال نراها حولنا من إساءة استخدام للدين والزج به في معارك هو منها براء، معارك "الفكر الغوغائي" – كما أسماها الحكيم.

تم تعديل بواسطة أثر الطائر
رابط هذا التعليق
شارك

رحم الله توفيق الحكيم الذي بادر إلى مواجهة تهمة خطرة بمثل هذه الشجاعة..

ورحم الله الشيخ الشعراوي الذي أعتذر متراجعا عنها لما ثبت خطؤها بصورة أشجع..

ليضربا مثلا ساطعا على ضرورة التمسك بالحق في التعبير وبحرية الفكر وفضائل التسامح والتروي وتواضع وعظمة التراجع عن الخطأ أو الإندفاع..

ربما لو حفظنا هذه الأمثال الناصعة وحرصنا على تلقينها لأجيالنا الجديدة لتجنبنا الكثير من المآسي التي رأيناها ولا نزال نراها حولنا من إساءة استخدام للدين والزج به في معارك هو منها براء،

معارك "الفكر الغوغائي" – كما أسماها الحكيم.

السلام عليكم و رحمة الله و بركاته

جزي الله حضرتك علي المكتبة الثرية و التحليل المتعمق الذي يأخذ بالأنفاس حين التنقل بين كل كلمة

لا يسعني حين اقرأ "الكتب الأحباب" سوي أن أشعر بضآلتي الشديدة...و أشعر ان هناك طريقا طويلا ينتظرني من القراءة و البحث

شكرا استاذي علي مشاركتنا ملامح تلك الطريق

تحياتي و احترامي

رابط هذا التعليق
شارك

عشتار المحبوبة..

هأنا قد عدت بمحصولي من لالئ العبارات في رواية "البصيرة" لساراماجو كما وعدت.. أود أن أقول لك أنني كنت ممحصا جدا في الاختيار لكنها ليست بالفعل كل ما يمكن أو يهم استخراجه من لالئ عبارات الكاتب البرتغالي النوبلي .. إنها فقط الأهم من وجهة نظر شخصية .. أتمنى أن تعجبك فعلا :

* حتى الأحلام .. تحدث حقيقة

* الذاكرة هي الأذن الثانية .. فالأذن الخارجية تفيد في توصيل ما نسمعه إليها

* اللغات دائما محافظة .. تسير بالأرشيف على عاتقها وتكره التجديد

* لا يصح الحديث عن الحبل في بيت رجل حكم عليه بالإعدام

* القدر عادة ما يقضي على العجرفة

* من آن لآخر تقفز في ذهني فكرة "أن هذا ليس كافيا" .. وحينها تؤلمني روحي أكثر مما يمكن أن أقول

* إن غباء ثانية يمكن أن يقضي على كل ثواني الحياة

* عندما لا ترى العين .. لا يشعر القلب .. ومن لا يعرف كمن لا يرى

* أنصاف الكلمات وجدت لتقول ما لا يمكن أن تقوله الكلمات الكاملة

* أشد تأنيب للضمير هو تأنيب من لم يفعل مكروها .. ولكن سمح بوقوعه

* ألد أعدائك طبقا لقانون العميان .. هو هذا الشخص الأقرب منك

* أقتل نفسك قبل أن يسألوك .. إن كنت ما زلت حيا

* يد واحدة تغسل الأخرى .. واليدان تغسلان الوجه

* هناك أشخاص يظلون واقفين حتى عندما ينهارون

* كم مرة تأتي المخاوف لتضيف المرارة لحياتنا وفي النهاية نكتشف أن لا أساس لها ولا سبب لوجودها

* الحاجة تصنع القانون

وها أنا الأخرى عدت من جديد يا طائرى المغرد أقتات من غناك هاهنا وتحليقك ..وما تلقيه فى نفوسنا من أمل وأحلام ..الحقيقة أن محصولك من " البصيرة " راقنى جدا ..ودائما سيروقنى ما تختاره من وجهة نظر شخصية ..فما يعجبك يعجبنى جدا كما تعرف ..

أخص بالذكر هذه المقولة " حتى الأحلام .. تحدث حقيقة " ..نعم أنا أصدق ذلك ..أصدق الحلم وأؤمن بإمكانية تحقيقه خارج حدود الدماغ ..فغالبا أحلامنا هى جزء من إن لم تكن كل أمانينا ..الأحلام عند الصادقين والمحبين بشائر وعلامات تتحقق بالعمل ..فهى اهتداء يرسخه الإيمان والثبات ..وكم من أعمال عظيمة وأمنيات تحققت وكانت بوادرها ذرات أحلام ..حتى سانتياجو نفسه قال " يكفى أن تريد حتى يريد كل العالم معك " وأظن أن الإرادة لا تنفصل عن الحلم ..فرغباتنا وارادتنا تبدأ من حلم وتصور وخيال ..

كما أعجبتنى أيضا هذه الحكمة " القدر عادة ما يقضي على العجرفة" ..وأظنك تفهمها جيدا وتقدر بكل تأكيد فى هذا السياق معنى وقيمة التواضع الذى طالما سألتنى عنه ..لا يستوى أبدا يا أثر الطائر الإيمان مع العجرفة ..ولا يتلاقى أبدا القدر كذلك مع العجرفة ..فالقدر ايمان فى الأساس ومن يؤمن بقدره يكون دائما فى مرتبة المتواضعين ..ثم لا يستوى الحب مع الغرور ..كما لا يجتمعا ابدا الغرور ورهافة القلب ..والمحبين ايمانيين وقدرين طبعا وقلوبهم مرهفة ..فالحب فى قلوبهما هو روح من عند الله ..والخلاصة أن المحب غير متعجرف أبدا والقدر يعلم الحب ..

" أشد تأنيب للضمير هو تأنيب من لم يفعل مكروها .. ولكن سمح بوقوعه " طبعا أعجبتنى جدا لأننها تتعلق بالضمير والإنسان ..ولا أعرف لماذا بمجرد قراءتها تذكرت حال الوطن ..مصر ..وساءلت نفسى ماذا كان سيجرى لو أن كل الناس كانوا عملوا بهذه الحكمة لصالح أنفسهم والوطن ..

أختتم معك هذه المداخلة التى لا أود لها حقيقة يا أثر الطائر أن تنتهى بهذه الحكمة " كم مرة تأتي المخاوف لتضيف المرارة لحياتنا وفي النهاية نكتشف أن لا أساس لها ولا سبب لوجودها "..لست فى حاجة هنا لأن أسهب فى إيصال ما تعنيه لى هذه الحكمة ..فأنت تعرف جيدا ..ولكننى أقول لكل الناس ..لكل من يمر من هنا أن هذه الحكمة و عن تجربة صحيحة مائة بالمائة ..جربوا بشجاعة التخلص من مخاوفكم ..فهى وهمية ..

كل الشكر لا يكفى ..ولكن يكفى واحدا لك من قلب عشتار

:clappingrose:

رابط هذا التعليق
شارك

رحم الله توفيق الحكيم الذي بادر إلى مواجهة تهمة خطرة بمثل هذه الشجاعة..

ورحم الله الشيخ الشعراوي الذي أعتذر متراجعا عنها لما ثبت خطؤها بصورة أشجع..

ليضربا مثلا ساطعا على ضرورة التمسك بالحق في التعبير وبحرية الفكر وفضائل التسامح والتروي وتواضع وعظمة التراجع عن الخطأ أو الإندفاع..

ربما لو حفظنا هذه الأمثال الناصعة وحرصنا على تلقينها لأجيالنا الجديدة لتجنبنا الكثير من المآسي التي رأيناها ولا نزال نراها حولنا من إساءة استخدام للدين والزج به في معارك هو منها براء،

معارك "الفكر الغوغائي" – كما أسماها الحكيم.

السلام عليكم و رحمة الله و بركاته

جزي الله حضرتك علي المكتبة الثرية و التحليل المتعمق الذي يأخذ بالأنفاس حين التنقل بين كل كلمة

لا يسعني حين اقرأ "الكتب الأحباب" سوي أن أشعر بضآلتي الشديدة...و أشعر ان هناك طريقا طويلا ينتظرني من القراءة و البحث

شكرا استاذي علي مشاركتنا ملامح تلك الطريق

تحياتي و احترامي

وعليكم السلام يا صديقتي المصرية جدا

في الواقع - وهو ليس اعترافا - أن كلنا ضئيلون بل وجهلاء.. ليس بالمعنى الاجتماعي السلبي للكلمة (وهذا المعنى موجود بالفعل) لكن بمعناها الحقيقي، ضآلة الإنسان وجهله الشامل بالكون الواسع وضياعه المأساوي في ركن صغير منه، قصور المعرفة البشرية على لغة الحواس التي يجاهد العلم في جعلها لغة أكثر ثراء وأقرب للرؤية الحقيقية وليس الذاتية للأمور، انغماس الكائن الإنساني في المألوف والمعتاد عليه والشائع وعدم قدرته على تجاوز ذلك كله إلى آفاق الدهشة ورؤية ما لم يتعود أن يراه.. وكل ذلك ونحن نتحدث داخل دائرة الرؤى المباشرة للكون المادي، فما بالك لو توسعنا في حديثنا عن الجهل الإنساني ليتناول أمورا روحية من قبيل معارفنا عن المطلق أو القوة العليا أو الله!!..

نحن بالفعل جهلاء وضئيلون..

لكن درايتنا بجهلنا وضآلتنا هي في الحقيقة أسمى معارفنا.. وأول خطوة في طريق خلاصنا مما نجهل..

وفضيلة المعرفة الكبرى في أنها تجعل الإنسان على دراية بجهله وتزوده بالرغبة والقدرة والأدوات لتبديد هذا الجهل..

عزيزتي

أسعدتني كلماتك التي بقدر ما هي دالة على التواضع فهي تدل بلا شك على عظمة الكائن الإنساني في نفوره من الظلام والجهل وتطلعه للنور والمعرفة

وهناك نصيحة "توفيقية" - نسبة لتوفيق الحكيم أيضا - قرأتها في كتابه "زهرة العمر" أهديها إليك وهي تتمثل في خطته للقراءة التي بدأها في عاصمة النور باريس بقراءة يومية لمئة صفحة في مختلف مجالات الأدب والثقافة والمعرفة البشرية، ويحكي الحكيم أنه داوم على هذه الوجبة اليومية حتى دخل مرحلة الشيخوخة وضعف منه البصر فاكتفى بخمسين صفحة يوميا. وإلى ذلك يعزي الحكيم حيويته الفكرية وقدرته على ملاحقة آخر منجزات العقل والفكر البشري

تحية تقدير ومودة

رابط هذا التعليق
شارك

عشتار المحبوبة..

هأنا قد عدت بمحصولي من لالئ العبارات في رواية "البصيرة" لساراماجو كما وعدت.. أود أن أقول لك أنني كنت ممحصا جدا في الاختيار لكنها ليست بالفعل كل ما يمكن أو يهم استخراجه من لالئ عبارات الكاتب البرتغالي النوبلي .. إنها فقط الأهم من وجهة نظر شخصية .. أتمنى أن تعجبك فعلا :

* حتى الأحلام .. تحدث حقيقة

* الذاكرة هي الأذن الثانية .. فالأذن الخارجية تفيد في توصيل ما نسمعه إليها

* اللغات دائما محافظة .. تسير بالأرشيف على عاتقها وتكره التجديد

* لا يصح الحديث عن الحبل في بيت رجل حكم عليه بالإعدام

* القدر عادة ما يقضي على العجرفة

* من آن لآخر تقفز في ذهني فكرة "أن هذا ليس كافيا" .. وحينها تؤلمني روحي أكثر مما يمكن أن أقول

* إن غباء ثانية يمكن أن يقضي على كل ثواني الحياة

* عندما لا ترى العين .. لا يشعر القلب .. ومن لا يعرف كمن لا يرى

* أنصاف الكلمات وجدت لتقول ما لا يمكن أن تقوله الكلمات الكاملة

* أشد تأنيب للضمير هو تأنيب من لم يفعل مكروها .. ولكن سمح بوقوعه

* ألد أعدائك طبقا لقانون العميان .. هو هذا الشخص الأقرب منك

* أقتل نفسك قبل أن يسألوك .. إن كنت ما زلت حيا

* يد واحدة تغسل الأخرى .. واليدان تغسلان الوجه

* هناك أشخاص يظلون واقفين حتى عندما ينهارون

* كم مرة تأتي المخاوف لتضيف المرارة لحياتنا وفي النهاية نكتشف أن لا أساس لها ولا سبب لوجودها

* الحاجة تصنع القانون

وها أنا الأخرى عدت من جديد يا طائرى المغرد أقتات من غناك هاهنا وتحليقك ..وما تلقيه فى نفوسنا من أمل وأحلام ..الحقيقة أن محصولك من " البصيرة " راقنى جدا ..ودائما سيروقنى ما تختاره من وجهة نظر شخصية ..فما يعجبك يعجبنى جدا كما تعرف ..

أخص بالذكر هذه المقولة " حتى الأحلام .. تحدث حقيقة " ..نعم أنا أصدق ذلك ..أصدق الحلم وأؤمن بإمكانية تحقيقه خارج حدود الدماغ ..فغالبا أحلامنا هى جزء من إن لم تكن كل أمانينا ..الأحلام عند الصادقين والمحبين بشائر وعلامات تتحقق بالعمل ..فهى اهتداء يرسخه الإيمان والثبات ..وكم من أعمال عظيمة وأمنيات تحققت وكانت بوادرها ذرات أحلام ..حتى سانتياجو نفسه قال " يكفى أن تريد حتى يريد كل العالم معك " وأظن أن الإرادة لا تنفصل عن الحلم ..فرغباتنا وارادتنا تبدأ من حلم وتصور وخيال ..

كما أعجبتنى أيضا هذه الحكمة " القدر عادة ما يقضي على العجرفة" ..وأظنك تفهمها جيدا وتقدر بكل تأكيد فى هذا السياق معنى وقيمة التواضع الذى طالما سألتنى عنه ..لا يستوى أبدا يا أثر الطائر الإيمان مع العجرفة ..ولا يتلاقى أبدا القدر كذلك مع العجرفة ..فالقدر ايمان فى الأساس ومن يؤمن بقدره يكون دائما فى مرتبة المتواضعين ..ثم لا يستوى الحب مع الغرور ..كما لا يجتمعا ابدا الغرور ورهافة القلب ..والمحبين ايمانيين وقدرين طبعا وقلوبهم مرهفة ..فالحب فى قلوبهما هو روح من عند الله ..والخلاصة أن المحب غير متعجرف أبدا والقدر يعلم الحب ..

" أشد تأنيب للضمير هو تأنيب من لم يفعل مكروها .. ولكن سمح بوقوعه " طبعا أعجبتنى جدا لأننها تتعلق بالضمير والإنسان ..ولا أعرف لماذا بمجرد قراءتها تذكرت حال الوطن ..مصر ..وساءلت نفسى ماذا كان سيجرى لو أن كل الناس كانوا عملوا بهذه الحكمة لصالح أنفسهم والوطن ..

أختتم معك هذه المداخلة التى لا أود لها حقيقة يا أثر الطائر أن تنتهى بهذه الحكمة " كم مرة تأتي المخاوف لتضيف المرارة لحياتنا وفي النهاية نكتشف أن لا أساس لها ولا سبب لوجودها "..لست فى حاجة هنا لأن أسهب فى إيصال ما تعنيه لى هذه الحكمة ..فأنت تعرف جيدا ..ولكننى أقول لكل الناس ..لكل من يمر من هنا أن هذه الحكمة و عن تجربة صحيحة مائة بالمائة ..جربوا بشجاعة التخلص من مخاوفكم ..فهى وهمية ..

كل الشكر لا يكفى ..ولكن يكفى واحدا لك من قلب عشتار

:clappingrose:

شكر واحد من قلب عشتار يكفي ليكدس دروب الكون بالأزهار..ويملأ قلب العالم نعمة ورضا وزهوا..

وأنا لا أخفي زهوي - وحتى غروري - بأن ما قوست حوله من البصيرة راقك وكان جديرا برضاك.. لهذا - فيما أعتقد - يكتب العظماء أمثال ساراماجو.. حتى تحوز كتاباتهم رضا الملائكة..

"حتى الأحلام تحدث حقيقة"..

فعلا عبارة عبقرية.. لاحظتي هذه السيرورة في الفعل المضارع "تحدث".. إنها "تحدث" بمعنى أنها تحدث في نفس اللحظة التي تقع فيها.."تحدث" هو جزء من تحققها.. ومبشرا بكل تحققها.. بالفعل لم يسبق لي أن أحببت فعلا مضارعا قبل هذا الفعل "تحدث"..

"القدر يعلم الحب"..

وهي عبارتك أنت يا عشتار ولسيت عبارة ساراماجو.. القدر دال تقع في دائرته كل أفعال الجبر والإكراه وإلغاء الإرادة البشرية.. لكنك تقرنينه بالحب وهو أسمى أفعال الإرادة البشرية والاختيار الحر.. وأظن أن ذلك له صلة مماثلة بوضع الإيمان في عبارتك كفعل استجابة للقدر وكمضاد في نفس الوقت للعجرفة التي هي سوء استخدام للإرادة البشرية الحرة.. وإذن فإن الإيمان بمعنى آخر هو حسن استخدام للإرادة البشرية بعكس العجرفة.. وحسن استخدام الإرادة البشرية في مواجهة ما قد يعوق هذه الإرادة أو يشلها أو يلغيها (القدر) أظن أنه لا ينفصل عن عبارة سانتياجو الدالة "يكفي أن تريد كي يريد كل العالم معك".. وأعتقد أن المعنى لن يتغير لو قلنا "يكفي أن تريد لتريد كل الأقدار معك"..مثلك يا عشتار أؤمن بهذا التطابق بين هذين المفهومين العسيرين على التطابق (القدر المفروض والإرادة البشرية).. وأسلم معك أن التطابق بينهما - والذي يقع بسحر الحب دائما - سيظل للأبد عسيرا على من لم يتعرف على جوهرة الحب وأسراره الفريدة..

" أشد تأنيب للضمير هو تأنيب من لم يفعل مكروها .. ولكن سمح بوقوعه "..

وإذن دعيني يا عشتار أشكر في وطننا كل مخلصة ومخلص ممن لم يسمحوا بوقوع الخطأ.. صحيح أنهم يستهدون في ذلك بقلوبهم العظيمة المحبة المتواضعة ولا ينتظرون شكرا من أحد.. لكن غياب الشكر لهؤلاء المحبين والمتواضعين الكبار هو من الأخطاء التي لا يجب أن يسمح أحد بوقوعها

" كم مرة تأتي المخاوف لتضيف المرارة لحياتنا وفي النهاية نكتشف أن لا أساس لها ولا سبب لوجودها "..

سأختلف معك هنا يا عشتار اختلافا ليس هينا.. فأنا لن أقول لأحد أن يجرب الشجاعة لكنني سأقول للجميع أن يجربوا الحب.. ما قيمة الشجاعة بدون الحب يا جميلتي؟.. أغلب الظن أننا لن نجد بدونه ما يمكن أن نستخدم فيه شجاعتنا..في الوقت ذاته فإن الحب - كمعنى علوي سامي وشامل - ينطوي على شجاعته الخاصة التي يمكنه أن يزود بها كل محب حقيقي ومخلص.. أليس كذلك..

سأنتظر دائما يا عشتار.. كل كلمة..

رابط هذا التعليق
شارك

كتاب : الهوية الثقافية والنقد الأدبي

المؤلف : د.جابر عصفور

الناشر : مكتبة الأسرة – 2010

jaberasfourn.jpg

هذا كتاب ذو حجم وسعة وعمق يجعلني لا أتصدى لعرضه أو أستعرض قضاياه الكثيرة أو أطرح حتى جوانب متعددة أو تفصيلية منها.. لكني سأقتصر على أن أقتطع لك منه مباشرة بعض المقاطع من بابين من أبوابه بالذات. وهما البابان اللذان يتصلان بمبحث الهوية : تعريفا وقضايا وإشكالات.

وهما بابان ثريان بحق أعتقد أن قراءتهما كفيلة بإفادة كل من يتصدى للتفكير أو البحث أو الكتابة في هذا الشاغل الهام، بل والحساس، من شواغلنا الفكرية والثقافية والوطنية.

يتميز د.جابر عصفور بلغته النقدية، العلمية المنضبطة، التي تستخدم المصطلح بدقة وشمول كافيين لتعمق المعنى والإحاطة بفضاءاته، فضلا عن عقليته المستقصية المستفيضة واستخدامه الخصب لمناهج التفكير العلمية. والأهم من كل ذلك هو أن الدكتور جابر عصفور ناقد ومفكر إنساني بحق، يتميز بقدرته على الجمع ما بين انتمائه للوجه المشرق والمشرف من ثقافتنا المصرية وبين انتمائه الرفيع للتراث الإنساني العالمي.

لذلك، أجدني أميل إلى اقتباس فقرات متكاملة من كتابه دون تعليق أو شرح من جانبي، اللهم إلا ما قد تستحضره هذه الفقرات من نقاش بيننا.

المقطع الأول

من الباب الثالث بعنوان: "عن الهوية الثقافية"

الفصل الأول بعنوان: "تحديد الهوية الثقافية"

إن الهوية الثقافية لأي شعب هي هوية متغيرة بالضرورة، لا تعرف الثبات ما ظل تاريخها يمر بمراحل من التحول والتغير اللذين ينتجان عن عوامل محلية وعالمية في آن. ولا يزال رأيي أن الهوية ليست كيانا ثابتا، منغلقا على نفسه، وإنما هي كيان فعال، أي فاعل ومنفعل معا، وأعني بذلك ما انتهيت إليه، بعد تأمل وممارسة، أن هوية الشيء هي ما يميزه عن غيره، ويجعله مختلفا عما عداه. فالهوية هي الخصائص النوعية التي تحدد ثقافة عن غيرها، وتجعلها تختلف وتتمايز قياسا إلى بقية الثقافات. ويكمل ذلك ما أراه من أن الهوية الثقافية تتكون من عناصر ثابتة، عميقة الجذور، ضاربة في العمق التاريخي للأمة التي تنتسب إليها الثقافة، وعناصر متغيرة مشروطة بالتاريخ المتحول لهذه الأمة بكل لوازمه وعملياته متابينة الخواص، أقصد إلى تلك العمليات التي تأتي من الخارج، متفاعلة مع العناصر الثابتة التي تتأثر بها وتؤثر فيها على السواء. وعندما أحدد هوية الثقافة المصرية، من هذا المنظور، فإني أحدد ثوابتها بعناصر ثلاثة: هي العنصر الفرعوني الذي لايزال ممتدا بمعنى أو غيره، والعنصر المسيحي الذي لايزال ميراثه المادي والمعنوي متجسدا في الطرف الثاني من الأمة التي لايزال يجمعها شعار ثورة 1919 : "الدين لله والوطن للجميع". أما العنصر الثالث والأخير فهو العنصر العربي الإسلامي الذي يجمع ما بين دين وهوية قومية، على نحو ينبغي التمييز بينهما، رغم كل ما يربطهما، حتى لا يختلط الديني بالقومي أو بالعكس، ففي هذا الاختلاط أو الخلط ما يؤدي إلى مشاكل جمة.

هذا عن عناصر الثبات في الهوية الثقافية المصرية، أما عناصر التغير فإنها تجمع بين المؤثرات الثقافية الوافدة على هذه الثوابت، وهي، في عصرنا الحديث، العالم الغربي الذي اتصلنا به، وفرض وجوده علينا، منذ بدء الحملات الاستعمارية التي استهلتها حملة بونابرت 1798، والتي جاء – بعد رحليها سنة 1801 – الاحتلال البريطاني الذي امتد من 1882 إلى 1954، وهي الفترة التي يمكن أن نطلق عليها فترة الاستعمار الاستيطاني، أو الكولونيالي، قبل أن تتغير المرحلة التاريخية ويأتي استعمار جديد بمرحلة جديدة، هي المرحلة الإمبريالية. وقد اتصلنا بكلا النوعين من الاستعمار الذي ظلت علاقته بنا تنطوي على مفارقة دالة، فهو استعمار عسكري واستيطاني واقتصادي من ناحية، وهو حضور ثقافي اقترن بجوانب إيجابية أفادت ثقافتنا (سواء في مجالات التعليم والإبداع والإعلام) من ناحية مقابلة. ورغم أنه فرض علينا الاتباع والتقليد في هذه المجالات في جانب، فإننا أخذنا منه، في بعض دوائره الثقافية، ما علمنا نقض الاتباع ورفض الهيمنة الثقافية، خصوصا عندما تعرفت طليعتنا الثقافية على ما يطلق عليه خطاب ما بعد الكولونيالية، أو خطاب نقض الاستعمار، وهو الخطاب الذي عرفنا منه أن الغرب الثقافي ليس دائرة واحدة، أو كيانا مصمتا، إنما هو دوائر عديدة مختلفة، وكيانات كثيرة متصارعة. فيها ما تعلمنا منه نقض المركزية الأوربية ونقض خطاب الاستعمار بكل تجلياته ومراحله وأقنعته متعددة الأسماء والصفات والملامح.

وما يحدد الوضع الحالي لهويتنا الثقافية المصرية هو تفاعل عناصرها الثابتة الأصيلة مع العناصر المتغيرة الوافدة، فهذا الوضع. بما هو عليه من خصائص. هو ما يمايز بين الهوية الثقافية المصرية والهوية الثقافية السورية أو العراقية أو المغربية أو السعودية..إلخ. وفي الوقت نفسه، هو ما يمايز بين الهوية الثقافية المصرية وغيرها من الهويات الثقافية في أقطار العالم المنبسطة على امتداد الكرة الأرضية. وصحيح أن الروابط بين الأقطار العربية أكثر قوة من حيث ما يجمع بيننا من تاريخ مشترك ولغة مشتركة ومصالح مشتركة وهموم مشتركة.

رابط هذا التعليق
شارك

عشتار المحبوبة..

هأنا قد عدت بمحصولي من لالئ العبارات في رواية "البصيرة" لساراماجو كما وعدت.. أود أن أقول لك أنني كنت ممحصا جدا في الاختيار لكنها ليست بالفعل كل ما يمكن أو يهم استخراجه من لالئ عبارات الكاتب البرتغالي النوبلي .. إنها فقط الأهم من وجهة نظر شخصية .. أتمنى أن تعجبك فعلا :

* حتى الأحلام .. تحدث حقيقة

* الذاكرة هي الأذن الثانية .. فالأذن الخارجية تفيد في توصيل ما نسمعه إليها

* اللغات دائما محافظة .. تسير بالأرشيف على عاتقها وتكره التجديد

* لا يصح الحديث عن الحبل في بيت رجل حكم عليه بالإعدام

* القدر عادة ما يقضي على العجرفة

* من آن لآخر تقفز في ذهني فكرة "أن هذا ليس كافيا" .. وحينها تؤلمني روحي أكثر مما يمكن أن أقول

* إن غباء ثانية يمكن أن يقضي على كل ثواني الحياة

* عندما لا ترى العين .. لا يشعر القلب .. ومن لا يعرف كمن لا يرى

* أنصاف الكلمات وجدت لتقول ما لا يمكن أن تقوله الكلمات الكاملة

* أشد تأنيب للضمير هو تأنيب من لم يفعل مكروها .. ولكن سمح بوقوعه

* ألد أعدائك طبقا لقانون العميان .. هو هذا الشخص الأقرب منك

* أقتل نفسك قبل أن يسألوك .. إن كنت ما زلت حيا

* يد واحدة تغسل الأخرى .. واليدان تغسلان الوجه

* هناك أشخاص يظلون واقفين حتى عندما ينهارون

* كم مرة تأتي المخاوف لتضيف المرارة لحياتنا وفي النهاية نكتشف أن لا أساس لها ولا سبب لوجودها

* الحاجة تصنع القانون

وها أنا الأخرى عدت من جديد يا طائرى المغرد أقتات من غناك هاهنا وتحليقك ..وما تلقيه فى نفوسنا من أمل وأحلام ..الحقيقة أن محصولك من " البصيرة " راقنى جدا ..ودائما سيروقنى ما تختاره من وجهة نظر شخصية ..فما يعجبك يعجبنى جدا كما تعرف ..

أخص بالذكر هذه المقولة " حتى الأحلام .. تحدث حقيقة " ..نعم أنا أصدق ذلك ..أصدق الحلم وأؤمن بإمكانية تحقيقه خارج حدود الدماغ ..فغالبا أحلامنا هى جزء من إن لم تكن كل أمانينا ..الأحلام عند الصادقين والمحبين بشائر وعلامات تتحقق بالعمل ..فهى اهتداء يرسخه الإيمان والثبات ..وكم من أعمال عظيمة وأمنيات تحققت وكانت بوادرها ذرات أحلام ..حتى سانتياجو نفسه قال " يكفى أن تريد حتى يريد كل العالم معك " وأظن أن الإرادة لا تنفصل عن الحلم ..فرغباتنا وارادتنا تبدأ من حلم وتصور وخيال ..

كما أعجبتنى أيضا هذه الحكمة " القدر عادة ما يقضي على العجرفة" ..وأظنك تفهمها جيدا وتقدر بكل تأكيد فى هذا السياق معنى وقيمة التواضع الذى طالما سألتنى عنه ..لا يستوى أبدا يا أثر الطائر الإيمان مع العجرفة ..ولا يتلاقى أبدا القدر كذلك مع العجرفة ..فالقدر ايمان فى الأساس ومن يؤمن بقدره يكون دائما فى مرتبة المتواضعين ..ثم لا يستوى الحب مع الغرور ..كما لا يجتمعا ابدا الغرور ورهافة القلب ..والمحبين ايمانيين وقدرين طبعا وقلوبهم مرهفة ..فالحب فى قلوبهما هو روح من عند الله ..والخلاصة أن المحب غير متعجرف أبدا والقدر يعلم الحب ..

" أشد تأنيب للضمير هو تأنيب من لم يفعل مكروها .. ولكن سمح بوقوعه " طبعا أعجبتنى جدا لأننها تتعلق بالضمير والإنسان ..ولا أعرف لماذا بمجرد قراءتها تذكرت حال الوطن ..مصر ..وساءلت نفسى ماذا كان سيجرى لو أن كل الناس كانوا عملوا بهذه الحكمة لصالح أنفسهم والوطن ..

أختتم معك هذه المداخلة التى لا أود لها حقيقة يا أثر الطائر أن تنتهى بهذه الحكمة " كم مرة تأتي المخاوف لتضيف المرارة لحياتنا وفي النهاية نكتشف أن لا أساس لها ولا سبب لوجودها "..لست فى حاجة هنا لأن أسهب فى إيصال ما تعنيه لى هذه الحكمة ..فأنت تعرف جيدا ..ولكننى أقول لكل الناس ..لكل من يمر من هنا أن هذه الحكمة و عن تجربة صحيحة مائة بالمائة ..جربوا بشجاعة التخلص من مخاوفكم ..فهى وهمية ..

كل الشكر لا يكفى ..ولكن يكفى واحدا لك من قلب عشتار

:clappingrose:

شكر واحد من قلب عشتار يكفي ليكدس دروب الكون بالأزهار..ويملأ قلب العالم نعمة ورضا وزهوا..

وأنا لا أخفي زهوي - وحتى غروري - بأن ما قوست حوله من البصيرة راقك وكان جديرا برضاك.. لهذا - فيما أعتقد - يكتب العظماء أمثال ساراماجو.. حتى تحوز كتاباتهم رضا الملائكة..

"حتى الأحلام تحدث حقيقة"..

فعلا عبارة عبقرية.. لاحظتي هذه السيرورة في الفعل المضارع "تحدث".. إنها "تحدث" بمعنى أنها تحدث في نفس اللحظة التي تقع فيها.."تحدث" هو جزء من تحققها.. ومبشرا بكل تحققها.. بالفعل لم يسبق لي أن أحببت فعلا مضارعا قبل هذا الفعل "تحدث"..

"القدر يعلم الحب"..

وهي عبارتك أنت يا عشتار ولسيت عبارة ساراماجو.. القدر دال تقع في دائرته كل أفعال الجبر والإكراه وإلغاء الإرادة البشرية.. لكنك تقرنينه بالحب وهو أسمى أفعال الإرادة البشرية والاختيار الحر.. وأظن أن ذلك له صلة مماثلة بوضع الإيمان في عبارتك كفعل استجابة للقدر وكمضاد في نفس الوقت للعجرفة التي هي سوء استخدام للإرادة البشرية الحرة.. وإذن فإن الإيمان بمعنى آخر هو حسن استخدام للإرادة البشرية بعكس العجرفة.. وحسن استخدام الإرادة البشرية في مواجهة ما قد يعوق هذه الإرادة أو يشلها أو يلغيها (القدر) أظن أنه لا ينفصل عن عبارة سانتياجو الدالة "يكفي أن تريد كي يريد كل العالم معك".. وأعتقد أن المعنى لن يتغير لو قلنا "يكفي أن تريد لتريد كل الأقدار معك"..مثلك يا عشتار أؤمن بهذا التطابق بين هذين المفهومين العسيرين على التطابق (القدر المفروض والإرادة البشرية).. وأسلم معك أن التطابق بينهما - والذي يقع بسحر الحب دائما - سيظل للأبد عسيرا على من لم يتعرف على جوهرة الحب وأسراره الفريدة..

" أشد تأنيب للضمير هو تأنيب من لم يفعل مكروها .. ولكن سمح بوقوعه "..

وإذن دعيني يا عشتار أشكر في وطننا كل مخلصة ومخلص ممن لم يسمحوا بوقوع الخطأ.. صحيح أنهم يستهدون في ذلك بقلوبهم العظيمة المحبة المتواضعة ولا ينتظرون شكرا من أحد.. لكن غياب الشكر لهؤلاء المحبين والمتواضعين الكبار هو من الأخطاء التي لا يجب أن يسمح أحد بوقوعها

" كم مرة تأتي المخاوف لتضيف المرارة لحياتنا وفي النهاية نكتشف أن لا أساس لها ولا سبب لوجودها "..

سأختلف معك هنا يا عشتار اختلافا ليس هينا.. فأنا لن أقول لأحد أن يجرب الشجاعة لكنني سأقول للجميع أن يجربوا الحب.. ما قيمة الشجاعة بدون الحب يا جميلتي؟.. أغلب الظن أننا لن نجد بدونه ما يمكن أن نستخدم فيه شجاعتنا..في الوقت ذاته فإن الحب - كمعنى علوي سامي وشامل - ينطوي على شجاعته الخاصة التي يمكنه أن يزود بها كل محب حقيقي ومخلص.. أليس كذلك..

سأنتظر دائما يا عشتار.. كل كلمة..

ولا مرة تكتب يا أثر الطائر إلا وتحلق روحى فى رحاب براءة أفكارك وطهرها ..ونقاء سريرتك وعلوها ..هكذا تعلمنى وتعلمنا كيف يكون الإنسان انسانا راقيا وحقيقيا ..أيها الإنسان الجميل ..

الحقيقة أننى عدت مرة أخرى لهذا النقاش الشيق لأؤكد فعلا على أن الحب هو صانع الشجاعة ..والواقع - وهذا ليس على سبيل المبالغة - أن الحب هو صانع الحياة كلها ..الحب وحده هو ما يعطى لحياتنا قيمة ..الحب يساوى الحياة ..وأعتقد أن هذه قضيتنا الكبرى فوق هذه الأرض ..فنحن دائما فى رحلة بحث وشقاء عن الحب ..عن الشريك ..الشريك الصحيح ..النصف الآخر الذى بوجوده نشعر فعلا بالإكتمال ..الإكتمال البشرى الذى يصنع المعجزات ..ويعمر فى الأرض ..

غير أننى عندما عنيت أن نكون شجعان ..كنت أهدف إلى أن الخوف فعلا عدو للحب حتى ولو كان ضعيف فى مواجهته..وأن الشجاعة تقوى من عود المحبة ..ولست أدرى على وجه الدقة هل الحب يعلم الشجاعة أم أن الشجاعة ضرورة للحب ..على كل حال لا يهم هذا التدقيق ..فالحقيقة أننا فى الحب وبالحب نكون أقوياء وشجعان ..ولكنك أحسنت كالعادة فى إيصال الفكرة الأجمل ..لا قيمة للشجاعة بدون حب والأصح هو أن الناس تحب حتى يكونوا شجعان ..عندما عبرت ..عبرت على هذه الطريقة لأن الحب فى روحى ونفسى أصبح مهضوم تماما يا عزيزى ..بحيث لم أعد انتبه إلى وجوده بعدما أصبح غير ملفت لأنه بالفعل موجود ويسرى فى دمى ..الحب لم يكن ولن يكون أبدا شيئا ثانويا فى حياتنا ..

معك هنا يا أثر الطائر ..أشعر بالحياة

:clappingrose:

رابط هذا التعليق
شارك

انشئ حساب جديد أو قم بتسجيل دخولك لتتمكن من إضافة تعليق جديد

يجب ان تكون عضوا لدينا لتتمكن من التعليق

انشئ حساب جديد

سجل حسابك الجديد لدينا في الموقع بمنتهي السهوله .

سجل حساب جديد

تسجيل دخول

هل تمتلك حساب بالفعل؟ سجل دخولك من هنا.

سجل دخولك الان
  • المتواجدون الآن   0 أعضاء متواجدين الان

    • لا يوجد أعضاء مسجلون يتصفحون هذه الصفحة

×
×
  • أضف...