اذهب إلى المحتوى
محاورات المصريين

الكتب الأحباب..ما قرأت بعينيك


أثر الطائر

Recommended Posts

الكتاب: أحلام أينشتين

المؤلف : ألان لايتمان

المترجم : على القاسمي

الناشر : كتاب إبداع - العدد 18 - ربيع 2011

image002.jpg

ألان لايتمان

في الواقع لا يمكننا تأكيد إنتماء هذا الكتاب إلى جنس الرواية أو حتى رواية الخيال العلمي كما استقرت مفاهيم هذه الجنس الأدبي الخيالي، ومن جهة أخرى لا يمكن رد ذلك الانتماء..فالرواية تكاد تكون الجنس الأدبي الوحيد اليوم ذي القابلية المرنة المنفتحة لتقبل الشطح الخيالي، الموجود بالكتاب على سعته، مهما بلغ تمرده على كل المتعارف عليه ليس في الواقع أو في الذاكرة وخبرات الحياة وحسب ولكن حتى تمرده على القوانين التقليدية للطبيعة وقوانين المنطق والعلم العام أو الشائع أو المستقر.

ومن جهة أخرى يبلغ كتاب "لايتمان" - على شطحه الخيالي - قمة من التقيد بالعلم ونظرياته ومعارفه الدقيقة ومعادلاته الرياضية إلى حد يمكننا معه اعتبار الكتاب مجرد شروح خيالية على هوامش نظرية علمية شهيرة هي النظرية النسبية.

ويعود هذا التناقض الظاهري إلى كسر النظرية النسبية نفسها حواجز كثيرة توهم العلم والعقل البشري لقرون طويلة وجودها بين الحقيقة والخيال. كما يعود بنفس الدرجة إلى الجموح الخيالي لدى كاتبها المؤلف الأدبي والعالم الأمريكي "ألان لايتمان"، الذي يقوم بتدريس الفيزياء في أشهر جامعات ومعاهد أمريكا، كما يقوم بكتابة الشعر والقصة والمقال الأدبي. وهو جمع للأضداد جعل من كتاب "أحلام أينشتين" مزجا فريدا ما بين الخلق الأدبي والتحليق في سماء النظرية العلمية. وأكسب أسلوبها نكهة فنية خاصة مميزة غير مسبوقة أو معهودة في جملة الإنتاج الأدبي السابق عليها، حتى في أدب الخيال العلمي ذي القواعد الأدبية المتعارف عليها، ليصبح كتاب "أحلام أينشتين" تكوينا جماليا فريدا وكائنا أدبيا وفنيا جميلا، حتى يعد مكسبا لأي جنس أدبي يصنف في إطاره.

بنى "لايتمان" كتابه على أساس مجموعة كبيرة من الفصول القصيرة والمكثفة والمتجاورة بهيئة رياضية واضحه: مدخل + 8 أحلام + فاصلة + 8 أحلام + فاصلة + 6 أحلام + خاتمة = 35 قصة قصيرة متصلة = رواية. تشبه فصول الكتاب قصصا قصيرة، لكنها في مجموعها تشكل لوحة إطارية واسعة تدور حول نفس الموضوع. فيجد القارئ نفسه مع كتاب "أحلام أينشتين" بصدد درس عن الزمان في هيئة شعرية أو موسيقية، أو تدريب شعري على نظرية علمية، أو بالأصح تدريب مكثف على التعامل الإنساني مع الزمن طبقا لرؤى وافتراضات نظرية علمية.

الزمن النسبي :فكرة الكتاب

نعتقد جميعا في نسبية الزمن، بمعنى أننا نعرف مثلا أن اللحظات السعيدة أو الممتعة تمضي بسرعة واللحظات الحزينة تطول، نعرف أن زمنا نقضيه بصحبة صديق حميم أو سيدة جميلة أو برنامج تلفزيوني مرح يمر بأسرع من زمن نقضيه بطرق مملة أو في سجن أو دار للعجزة مثلا. لكننا نقول ذلك عادة على سبيل المجاز أو التخيل، إذ أننا نعتقد أيضا أن هناك مفهوم خارجي وجامد للزمن يعلو فوق كل هذه اللحظات السعيدة والحزينة على السواء، نعتقد في وجود زمن ميكانيكي يمكن أن يعد على ميناء ساعة بالثانية والدقيقة والساعة، وهذا هو بالضبط ما تحطمه النظرية النسبية، ليس بأساليب الشعر ولا الخيال ولكن بالمعادلة والبرهان العلمي، النظري والتجريبي.

فالزمن مفهوم نسبي ومتغير بكل معاني الكلمة سواء في الخيال أو الواقع أو النظرية العلمية. وهذا هو المفهوم المحوري في كل صفحات وفصول الكتاب، إذ ينتقل بنا "لايتمان" ليس بين "أزمان نسبية" أي أشكال مختلفة يمكن أن يتخذها الزمن في حالة اختلاف عنصر واحد من عناصره أو مكون صغير من مكوناته كل مرة، لكنه ينتقل أيضا بين "عوالم نسبية"، إذ يؤدي كل تغير صغير في مفهوم الزمن، تبعا لنسبيته، إلى تغير كلي شامل في العالم المحكوم بقوانين هذا الزمن.

من ثم ينتقل القاريء بين ثلاثين عالما من العوالم الزمانية والمكانية المختلفة، بعضها غرائبي جدا، وبعضها رومانسي جدا، بعضها جميل جدا، وبعضها قبيح جدا، بحسب ما يتراءى للقاريء وبحسب تفضيلاته الواقعية والخيالية.

فهناك مثلا عالم يكون الزمن فيه دائريا.. "كل مصافحة وكل قبلة، وكل كلمة، ستعاد بالضبط" و"كما أن جميع الأشياء ستعاد في المستقبل، فإن جميع الأشياء التي تحدث حاليا، كانت قد حدثت من قبل ملايين المرات"

وهناك عالم يكون الزمن فيه مثل جريان الماء، يمكنه أن يلتف أو ينزاح أو يغير مجراه إلى مجرى فرعي، وعندئذ يحدث أن يجد الأشخاص الذين يضعهم حظهم في هذا المجرى الفرعي أنفسهم عائدين إلى الماضي.

وهناك عالم يجري فيه الزمن أبطأ كلما ابتعدنا عن مركز الأرض ولذلك "ترتفع بعض المنازل نصف ميل بفضل قوائمها الخشبية المستدقة الطول، ويضحي الارتفاع دليلا على المكانة الاجتماعية المرموقة"

وهناك عالم يتحرك فيه الزمن ببطء شديد، ولذلك يجري فيه كل شيء ببطء شديد أيضا، فالقليل جدا يمكن أن يحدث في عام أو في عقد من عقود هذا العالم ذي الزمن البطيء.

وهناك عالم يصبح نسيج الزمن فيه لزجا.."فأقسام من البلدات تصبح لصيقة بلحظة معينة من التاريخ ولا تنفك منها. وبالمثل كذلك، ثمة أفراد من الناس، يلتصقون بنقطة معينة من حياتهم ولا يتحررون منها"

بل إن هناك عالم يبقى فيه الزمن ساكنا تماما، وهو عالم "تبقى فيه قطرات الماء عالقة في الهواء بلا حراك. وتطفو رقاصات الساعات في منتصف تأرجحها. وترفع الكلاب أخطامها في عواء صامت. ويتجمد المارة على الشوارع المتربة"

وهناك عالم الزمن فيه بلا ماض والناس بلا ذاكرة..هل يصعب تصور ذلك، لا يصعب أبدا لأن "ألان لايتمان" يرسم ملامح هذا العالم بريشته الخيالية البارعة رسما دقيقا يجعل من إمكانية وجوده حقيقة متحققة في الخيال كما أنها إمكانية علمية حقيقية تكمن فيما يكمن من الحقائق وراء النظرية النسبية.

بل إن هناك في الكتاب عالم لا ينساب الزمان فيه بصورة مطردة ولكن بصورة متقطعة. ونتيجة لذلك، يتلقى الناس في هذا العالم صورا ورؤى متشنجة من المستقبل، يعرف بها كل واحد مصيره ونهايته، ويعتمد أهل هذا العالم كلهم على هذه الرؤى حتى يقرروا أي قرار بشأن مستقبلهم، لأنه لا فائدة في هذه الحالة من حرية الإرادة وحيرة الاختيار.

بل إن هناك عالما يرتد فيه الزمان للوراء في سيره الطبيعي، يبدأ فيه الناس من لحظة موتهم وينتهون إلى طفولتهم ومن ثم ميلادهم.

وعالم يضحى فيه الزمن كحاسة من الحواس البشرية مثل البصر والذوق، وفيه لا يمكن حساب مدة أو معرفة قياس زمني لأي حادثة أو فعل أو حركة.

وهناك من العوالم التي يصبح الزمن فيها بلا مستقبل، أو يغدو فيها بعدا مرئيا، أو يضحى فيها الزمن متقطعا، أو ينساب بسرعات مختلفة في المواضع المختلفة، أو يتصلب فيصبح كالهيكل العظمي..إلخ.

ويجد القارئ نفسه في ختام 35 فصلا من فصول كتاب "أحلام أينشتين" لايزال لاهثا ومتنقلا بين كل هذه العوالم، الخيالية العلمية أو العلمية الخيالية، ليست هامة جدا هذه التفرقة، لكنها ستظل في كل الأحوال، وتبعا لهذه التلاعبات في مفهوم الزمن ونسبيته، عوالما شديدة الغرائبية والإدهاش.

لماذا أستعرض كتاب "لايتمان" لك؟

أعتقد أنه ربما تكون قد وصلتك الفكرة..

فالزمن ليس قيدا علينا..إنه ليس هذا الوحش الضاري الجبار الذي يلتهم أعمارنا ويمضغها ويلقينا عظاما نخرة في صفائح الذاكرة المهملة. فالحكمة الكبرى التي يمكن استنباطها من نسبية الزمن هو أن الزمن ملكنا نحن البشر. الإنسان هو الذي يملك الزمن ولا يملكه الزمن. الإنسان باستطاعته أن يشكل الزمن كما يشاء ويهوى ويحب أن يعيش. في إمكاننا أن نسرع الزمن – عندما نحب – فيمضي بسرعة متجاوزا كل محطات الحزن أو القهر أو العذاب أو التعاسة لنصل به سريعا إلى محطة سعادة نرغب في أن ننزل فيها. وفي إمكاننا أن نجعله يتباطأ ليصل إلى درجة السكون ونعيش ما نرغب أن نعيشه من لحظات سعادة أو تواصل أو حب.

في كل فصول وعوالم الكتاب أهتم لايتمان برصد التغير في العلاقة بين الرجل والمرأة تبعا لتغير مفهوم الزمن في العالم. وفي بعضها كان التغير فاتنا وسعيدا جدا بل ومرغوبا، وفي بعضها الآخر كان حزينا للغاية. وكأن "لايتمان" يشير إلينا إشارة حاسمة بأن الاختيار لايزال بين أيدينا في الوقوع على ما نشاء من مفاهيم الزمن الكثيرة النسبية التي يمكن الوصول إليها، يمكننا اختيار أزمنة سعادتنا، كما بإمكاننا اختيار أزمنة التعاسة.

ففي العالم الذي كان مجرى الزمن فيه يتفرع إلى ثلاث شعب كانت الحكاية المركزية التي وضعها "لايتمان" لقصته هي قرار يتخذه الرجل : هل يذهب إلى زيارة امرأة أعجب بها أم لا؟. فتتفرع حكاية نفس الرجل ونفس المرأة إلى ثلاث حكايات أو ثلاثة مصائر تتحقق كلها، ثلاثة اختيارات بشرية، ثلاثة عوالم : يقرر مرة أن يذهب فيصل إلى لحظة لذة وسعادة قصوى.."خلال دقائق، كان يشعر بخفقان قلبه، يضعف لدى رؤية بياض ذراعيها، يتطارحان الغرام بصوت مرتفع وبلهفة". وفي العالم الثاني يقرر الرجل الذهاب أيضا لكنه يصل إلى لحظة إحباط "يتناول الشاي معها على منضدة المطبخ. يتحدثان عن عملها في المكتبة، وعن عمله في معمل الأدوية. وبعد ساعة، تقول إن عليها أن تغادر لمساعدة صديقة". وفي العالم الثالث يقرر ألا يذهب فتنتهي العلاقة بينهما إلى اللاشيء.

وفي عالم آخر، يصطدم مفهومان غالبان للزمان : مفهوم الزمن الميكانيكي الآلي ومفهوم الزمن الذاتي الجسمي. والمقتنعون بالزمن الذاتي (الجسمي) هم جميعا من أبناء الحب : "فهم لا يحتفظون بساعات حائطية في منازلهم. وبدلا من ذلك، فهم ينصتون لدقات قلوبهم. فهم يستشعرون إيقاعات أمزجتهم ورغباتهم. وهؤلاء الناس يأكلون عندما يجوعون، ويذهبون إلى أعمالهم عندما يستيقظون من النوم، ويمارسون الجنس في أية ساعة من ساعات اليوم".

وفي العالم الذي يكون مجرى الزمان فيه ساكنا.. "يرى المرء العشاق يتبادلون القبل في ظلال البنايات في عناق متجمد لا ينفك أبدا. فالمحبوب لا يزيل ذراعيه من حيث هما الآن أبدا. ولن يعيد السوار التذكاري أبدا. ولن يرحل بعيدا عن حبيبته أبدا. ولن يضع نفسه في خطر بتضحية ذاتية أبدا. ولن يتوانى عن إظهار حبه أبدا. ولن يغار أبدا. ولن يقع في غرام امرأة أخرى أبدا. ولن يفقد هوى هذه اللحظة من الزمان أبدا".

من الرائع أن نعيش حياتنا..

وبدون الزمان لا وجود للحياة..

والأروع أن نكتشف خلال حياتنا نسبية هذا الزمن..

وأن ندرب أنفسنا لنكون قادرين على الإسراع به ولو قليلا..

وأيضا على تسكينه وتثبيته عند "أبدية من الرضا"..نعرفها.

أثر الطائر ..

كيف أصف لك السعادة التى شعرت بها بمجرد انتهائى من قراءة هذا المقال الرائع عن كتاب " أحلام أينشتاين " ..شعرت بمتعة لا حدود لها جلبتها لى روحك أولا التى أجادت العرض بجدارة وبهجة .. ومقدار التشويق والإثارة اللذان حفل بهما الكتاب نفسه ثانيا ..الحقيقة أنه كتاب مدهش ويستحق الإقتناء والقراءة أكثر من مرة ..

أثناء قراءتى لتعليقك ..عادت بى الذاكرة لمشاهد بعيدة نسبيا ومناقشات مطولة أخذت منى الكثير من الوقت والجهد أيامها وأعتقد أنها لا تبعد عن فكرة الطرح هنا .. دعنى أشرح لك ..لما كنت طالبة بالقسم العلمى كانت لى أمنيتين لا أكثر ..الأولى أن أدرس الفنون التشكيلية أو التطبيقية وكل ما يتعلق بالديكور وعالم الألوان ..والثانية - فى حالة عدم تحقق الأولى - هى أن أدرس العلوم ..ولظروف خاصة لم أحقق الأولى .. وحققت الثانية نسبيا ثم لم ألبث ان انتقلت لمجال آخر مغاير تماما وهو اللغات ..

أيامها وجدت صيحات تعجب واستنكار " لماذا درستى العلوم وتتمنين الفنون ..أى علاقة !!! "

وحتى اللحظة يا أثر الطائر أجد مشقة كبيرة فى أن أدافع عن مسألة اللافصل هذه التى يصرون عليها بين الأدب والعلم ..أدافع عن حالة التخصص نفسها ..فأنا حقيقة لا أحبذ التخصص عندما يكون مغلق ومنفصل عن الثقافات المتنوعة التى أجدها ضرورة للإنسان ..وأتذكر مقال كنت قد قرأته من فترة قريبة للعقاد يؤيد فيها نفس المقترح ..لا للتخصص ..وأعتقد أن حاجة الإنسان للمواد العلمية تعادل حاجته للمواد الأدبية شيء يمكن أن تقول مثل معادلة الملح لمذاق الطعام فيعطيه طعما شيقا وغنيا ..

نعم عادت بى الذاكرة لهذه المشاهد المبكرة عن علاقة الأدب والعلم وكأننى قد وجدت ضالتى .. وكأننى قد وجدت حالة الخلط الرائعة التى دافعت عنها دائما .. وكان رأى دائما فيها أن الأدب يعطى روحانية وقيمة خلقية للعلم وأن العلم يثرى الأدب بالأفكار والخيال فيوسع من عمقه ويسبر أغواره ..ولا حاجة لنا لأن نفصل أنفسنا اما أن نكون أدبيين أو علميين ..فالكون نفسه بكل مفرداته وقياساته وأبعاده مثار تأمل وابداع وخلق لولاهم ما كان للأدب ثراء وعمق ورحابة ..ما كانت له روح ..والكون بلا نظرة أدبية روحانية لم يكن فى نظرنا ليبقى أكثر من مجرد جماد .. وبدون النزعة الأدبية الشفيفة قد يتحول العلم لوحش لا حدود لطموحاته حتى لو تخطاها فوق أجساد البشر ..

أحببت فقط أن أعبر لك عن سعادتى فعلا بهذا الكتاب واستمتاعى بأفكاره التى لاقت عندى صدى قديم تنزع نفسى اليه ..

بالعودة لفكرة الزمن ..لم أنس أيضا سؤال تقريرى كنت قد ألقيته على مسامعك لو تتذكر ذات مرة .." الزمن لا يعود للوراء " ..وقتها قلت بسرعة " لا ..الزمن يعود " أعتقد أننى فهمت الآن كيف يعود الزمن .. وأدركت تقريبا المعنى الذى عنيته بتوكيدك على فكرة ان الزمن ملكنا .. وأنه يمكننا بكل ثقة أن نتحكم فى أزماننا ..الزمن نسبى بالفعل يا عزيزى ..ونظرية النسبية هذه فى رأيى من أكثر النظريات العلمية رومانسية ورحمة .. فى ظنى أن أساسها رومانسى أصلا .. فالزمن يحتفظ لنا بكل أمانينا ..بكل أحداثنا وذكرياتنا ..بكل أحلامنا ..ولكنه يدور ونحن ندور معه ..وقد يحدث ألا نقابل تلك الأحلام ..وقد يحدث العكس ونلتقط أمانينا المختزنة فى الزمن ..وقد يحدث أن نقابلها فعلا ولكن متأخرا وبعد فوات الأوان .. المهم هنا هو التأكيد على تلك النسبية الرحيمة .. التأكيد على بياض الزمن واخلاصه وأنه دائما محتفظا لنا بكل ما يخصنا فى فضاءاته وموجاته لا يضيعها أبدا ولابد أننا فى يوم من الأيام سنتقابل مع تلك الأشياء التى تخصنا وجها لوجه ..

حكاية لطيفة جدا وبسيطة قرأتها ووجدت فيها شىء بليغ عن نسبية الزمن هذه ..اقرأ معى ..

سأل أحدهم شيخاً وقوراً: لماذا لم تتزوج حتى الآن؟

قال: كنت أبحث عن المرأة المناسبة طوال أربعين عاماً .. وأخيراً وجدتها.

سأله: ولما لم تتزوجها؟

قال: اكتشفت أنها لا تزال هي الأخرى تبحث عن الرجل المناسب.

تلك هي النسبية...وجه من وجوه النسبية ..

وجدها الشيخ وهى لم تجده بعد بالرغم أنه هو هو نفسه ما تبحث عنه ..هى مفردته وواحدته ..ولكن للأسف المدار مختلف ..أو فلنقل البعد الزمنى مختلف ..فالزمن لعب لعبته النسبية بمهارة ولم يجمعهما بعد ولكن هذا ليس بمستحيل ..فالزمن طالما استمر فى المسير ..فى الحركة ..فهو يحمل لنا الأمل الدائم ..ولكن السؤال ..هل يا ترى سيقابل الشيخ واحدته ؟ وهل سيقابلها فى الوقت المناسب أم بعد فوات الأوان ؟ قد يكون الأجمل هنا فى أنه وجدها ..المهم أنه وجدها وأن الجزء الأصعب وهو التلاقى نفسه قد قهر بعثوره عليها ..وجدها حتى وان لم يجتمع بها ..وجدها حتى لو عاش معها فى خياله يجمعهما بعدين وليس بعد واحد ..ان يجدها ولو بهذه الطريقة خيرا ألف مرة من الذى لم يجد والذى لم يبحث والذى انخرط فى أول الطريق بدون البحث عن شريكه المفقود .. وضاع فى الزمن وضاعت معه أحلامه لو كان يحلم ..

كل شىء نسبى فى هذه الحياة ..جملة جميلة ومريحة ..متحركة وتحمل أملا دائما ..جملة لا تخضع لأحكام قاطعة ولا لإقرارات نهائية قد تفنى أحلاما بلا رجعة ..جملة فى حقيقتها حقيقة لا نهائية هى الحياة بذاتها ..تحضرنى قصة لامرأة قابلت «ألبرت أينشتاين» في احدى الحفلات.. اقتربت منه سيدة وطلبت منه أن يشرح النظرية النسبية.. فروى لها القصة التالية:

ـ كنت ذات مرة مع رجل كفيف البصر فذكرت له انني أحب الحليب.. ‏

سألني: ‏

ـ ماهو الحليب؟ ‏

قلت له: ‏

ـ إنه سائل ذو لون أبيض. ‏

قال: ‏

ـ انني أعرف ماهو السائل..لكن ما هو اللون الأبيض؟ ‏

قلت: ‏

ـ إنه ريش البجع. ‏

قال:

ـ أما الريش فاني أعرفه..لكن ماهو البجع؟ ‏

قلت: ‏

ـ إنه طائر رقبته ملتوية. ‏

قال: ‏

ـ إنني أعرف الرقبة..، لكن مامعنى ملتوية؟ ‏

عندئذ أخذت ذراعه ومددتها ثم ثنيتها وقلت: «هذا معنى الالتواء» ‏

قال الرجل: ‏

ـ آه.. الآن عرفت ماهو الحليب. ‏

أينشتاين للسيدة: ‏

ـ والآن ياسيدتي.. أما زلت ترغبين في أن أشرح لك النظرية النسبية؟؟

بالنظر فى حياتنا سنجد أن أكثر الحقائق صعوبة هى التى لا تتمثل فيها النسبية وأن الأحلام التى لا تتحقق هى الغير قابلة للتشكيل أو المرونة ..هى التى لا يؤمن أصحابها بها لثباتهم وتوقفهم عند لحظة بعينها أو حادثة محددة أوقفت زمنهم الخاص أو أصابته بالشلل ..والحقيقة أن النسبية هى ما نصنعها نحن بحقائقنا لأنه من المسلم به أن كل شىء فى الكون نسبى ..أكثر الحقائق صعوبة هى ما لا نخضعها فى عقولنا للنسبية ..فعندما تتجمد الأمخاخ وتتوقف القلوب عند زمن معين أو حادثة بعينها تقف الحياة ويتجمد الزمن عند هذا الحد ولا تصبح للشمس المتجددة أى قيمة وغيرها من المتجددات الأحياء..نحن العاملين على أحلامنا وسعادتنا ..نحن المسئولين عن التحقيق ..نحن المسئولين عن الزمن بالعودة للخلف عندما نريد أو بالتقدم للأمام عندما نريد أيضا ..الكثير منا قد يعيش وهو فى الحقيقة ميت ..وكم من ميت فى الحياة بعاهة أو بفقدان هو حى بالأمل فى قلبه وبرؤيته الدائمة لنظرية التجدد والتغيير وأنه لاشىء يبقى على حالة ..الفارق أعتقد بين الضعيف والقوى ..بين المتوهم والواعى لحلمه هو هذا الإيمان بنسبية كل شىء ..الإيمان الفعلى الطموح بالتحقيق ..بالعمل على الأحلام وأنها بالفعل قابلة للتمثل الواقعى والحدوث ..أعتقد أنه لاشىء عظيم تحقق فى هذا الكون بلا حلم .. كل العظماء حققوا أحلامهم بحلم كان هو البداية ..كان موجودا بخيال سابح فى نسبية الحياة ..

يبقى شىء أخير لمن لا يؤمن بالنسبية وبالزمن والبعد الرابع " الزمكان " الذى أقر به العلماء مؤخرا ليثبتوا صحة مرونة الزمن وتمدده وانكماشه ..أود أن أقوله هنا يا أثر الطائر ..وهو أن القرآن الكريم جاء مؤكدا على نسبية الزمن ونظرية اينشتاين قبل أن يخترعها هو .. القران الكريم هو أول كتاب دينى علمى قد جاء بأساس النسبية.. فقرر ان هناك يوما طويلا يبلغ الف سنة مما نعد .. وهناك يوم يبلغ خمسبن الف سنة .. وصدق قول الله فى القران الكريم ( يدبر الامر من السماء الى الارض ثم يعرج اليه فى كل يوم كان مقداره الف سنة مما تعدون) المعارج (4) وهذا يؤكد طبعا من جديد على ان الزمن ليست له حقيقة قائمة منفردة بذاتها .. وانه من خواص المادة .. وان هذا الكون ذو ابعاد اربعة .. وقد استحدث هذا البعد الرابع الذى اكتشفه العلماء مؤخرا .. فالفضاء ذو الابعاد الثلاثة شىء نتصور وجوده فى لحظة معينة واحدة.. فهو لايشمل الزمن ثم اذا توالت اللحظات كان لكل لحظة فضاء جديد ذو ثلاثة ابعاد خاص بها .. ومن هنا اوجد بعدا رابعا هو الزمن ..الزمن الذى يفرق أو يميز بين اللحظات ويجعلها حدث ..البعد الرابع هو القاعدة القانونية التى تعنى أنه كلما زادت السرعة تقلص الزمن الى ان ينعدم عامل الزمن كليا..وان الكون المكانى الزمانى " الزمكان " هو مجموع ماكان .. وماهو كائن ..وماسيكون ..الماضى والحاضر والمستقبل .. وهو أشبه شىء بكتاب أو لوح دونت فيه الحوادث مامضى منها .. وماهو ات .. واذا كان قد ثبت ان كل حركة او قول .. أو فعل انما يوجد فى الاثير .. وان العلماء يحاولون جاهدين حاليا اختراع اجهزة يمكن بها التقاط اصوات سابقة .. مادام الاهتزاز موجودا والموجات الكهرومغناطيسية التى تحفظ الذبذبات موجودة وتحمل ما سجل عليها .. والأصوات باقية فى الاثير .. وأن كل ما تلفظ به الإنسان من يوم ان يولد الى ان يموت .. خالد باق مسجل .. وأعتقد أن هذا يتفق تماما مع القرآن الكريم وأن كل شىء اقترفه الإنسان باقيا فى لوح محفوظ ..شاهدا عليه لا يضيع وهذا قطعا هو الإعجاز القرآنى بعينه ..

هكذا رأيت فى هذا الكتاب ..وهكذا أرى دائما فى العلم الذى يصفونه بالمواد الصماء.. منتهى الروحانية والشفافية ..روح الإيمان واليقين ..روح الدين .. وابداع الله فى هذا الكون الفسيح ..

كتبت كثيرا جدا كما أظن ولو تركت نفسى لهذه الخواطر العلمية الإيمانية لن أنتهى اليوم ..ضعفت أمام حبى للعلوم ..تلك المواد الشيقة التى كنت أجد فيها كل المتعة ..متعة القراءة والبحث والإستدلال ..ولما جاءتنى الفرصة لأتحدث عما يتعلق بها وبروح العلم انتهزتها بلا تفكير .. أتمنى ألا أكون أثقلت عليك بملل أو بخروج عن الموضوع ..

شكرا لك يا أثر الطائر ..

ودمت محبا جميلا

:clappingrose:

تم تعديل بواسطة عشتار
رابط هذا التعليق
شارك

  • الردود 61
  • البداية
  • اخر رد

أكثر المشاركين في هذا الموضوع

أكثر المشاركين في هذا الموضوع

الكتاب : المرأة والمرآة – رؤية لواقع المرأة المعاصر

تحرير : هنرييته هينش

الناشر : مكتبة الأسرة – 2010

"الإنسانية تجمع الذكر والأنثى، الذكورية والأنثوية عرضان ليسا من حقائق الإنسانية"

الإمام الأكبر محيى الدين بن عربي

looking-in-mirror.jpg

السلام عليكم و رحمة الله و بركاته

استاذي أثر الطائر

المداخلة دي ثرية جدا و تعمدت اني اعيد اقتباسها بالكامل لاجبر نفسي علي قراءتها مرتين متتاليتين

راقني كثيرا عنوان الكتاب

المرأة و المرآة

راقتني فكرة المرآة التي تتيح لمن يقف أمامها أن يتلمس ملامحه و حين تكون مرآة للروح قد تكشف الكثير

استوقفني ان الكاتب "ذكوريا" و لكني أؤمن أن الرجل يعيد اكتشاف "ملامحه" حين يبذل جهدا لقراءة "أنثاه"

راقني في الاقتباس اعلاه ما ذكره الكاتب عن الناسكات الصوفيات...عالم يبدو شديد الثراء و الغموض و الشفافية

شكرا استاذي

و لو تسمح اقترح اقتراح بسيط

بعد عرض الكتاب ممكن حضرتك تستعرض رؤيتك الشخصية لما قرأت؟

لأنك أستاذي ذكرت في عنوان التوبيك"الكتب الأحباب...ما قرأت بعينيك"

فدع عيناك تخبرنا ما قرأت

و لكل منا اسقاطاته و رؤيته فيما يمر عليه من أحرف و كلمات

و لك مني كل التحية

أشكرك يا صديقتي الجميلة على تقديرك الذي أعتز به للمداخلة

وهو تقدير يستحقه بكل تأكيد كتاب "المرأة والمرآة"

لاقتران المرأة بالمرآة في عنوان الكتاب عمقا وجاذبية بالفعل

لأنه كما تقولين لو كانت المرآة للروح فإنها تكون مرآة بصيرة

ولهذا العنوان أيضا دلالات أخرى تتصل بتوجهات الكتاب ومقولاته الأساسية

فاقتران المرأة بالمرآة يدل على تعدد الصور التي تظهر للمرأة عبر تاريخ علاقتها بالمرآة

تظهر المرأة في مرآة الذكورية ككائن ضعيف الروح والعقل يجب أن يقهر بالبيت ويقيد بالفراش ويتبع ويخضع خضوع التابع للسيد مراعاة لمصلحته التي لا يمكنه أن يدركها بذاته أو بعقله المفقود

وفي مرآة التاريخ الذكوري، تبدو المرأة - بالتبعية - مغمورة خاملة مهملة محتجبة، لا يمكنها الاهتمام بالشئون الذكرية الهامة، لا الدين ولا الدنيا، لا الروح ولا الجسد

لكن في مرآة التاريخ الحقيقي تبدو المرأة كائنا جميلا محبا متفاعلا يملأ الحياة بالعمل والإنتاج والشعر والفكر والتفلسف والتصوف والحب والإشراق..يملأ الحياة بالحياة

يشتمل الكتاب في الواقع على مرايا وليس مرآة واحدة..فلماذا جاء العنوان على شكله الحالي ولم يكن "المرأة والمرايا" مثلا؟

ظني أن الدلالة المقصودة أن المرآة المشار إليها بالعنوان لا يمكن أن تكون غير مرآة المستقبل..المستقبل الذي يمكن للمرأة فيه أن تصنع صورتها في مرآتها الخاصة وفي مرآة تاريخها الحقيقي..المستقبل الذي ما عاد ممكنا أن تدس فيه على المرأة "مرايا غريبة" أو مرايا ذكورية تشوه صورتها وتخفي ملامحها الحقيقية

بالنسبة لرؤيتي الشخصية فهي حاضرة بالطبع في كل ما كتبت، سواء في سطور التمهيد الشخصي أو عرض الكتاب. وما أقرأ هنا هو بعينيها أيضا لأن عيني أنا أصبحت مشغولة وللأبد بمهمة وحيدة وهي أن تتأمل أنوارها..قيل إن الحب كائن له أربع عيون..والمحب والمحبوب يمكنهما الوصول إلى حال من الامتزاج يرى كل منهما فيها ما يرى الآخر، يسمع ما يسمعه، يفكر فيما يفكر، يحس ما يحس به..فهل يمكن للإنسان أن يفرز ذاته في مزيج يصل إلى هذا الحد من التماثل والتماسك والاختلاط؟..لا أظن

 كما قلت صادقة تماما "يعيد الرجل اكتشاف ملامحه حين يبذل جهدا لقراءة أنثاه"

أختم تعقيبي بهذه العبارة الجميلة الصادقة التي تمنيت لو كنت أنا كاتبها..

تحية تقدير لمداخلتك الثرية يا لماضة مصرية بالفعل..

رابط هذا التعليق
شارك

لا أعلم يا صديقي أثرالطائر ماذاعليّ أن أقول بعد قراءتي لمداخلتك؟؟؟

و تأمل قولي

" ماذا عليّ؟؟"

هكذا تربينا كإناث

نحسب حساب كل كلمة

و نعيش في قوائم من المفروض

المفروض أن نقوله

أن نفعله

أن نكونه

حتى لو خالف مشاعرنا و رغباتنا

سنوات طويلة كنت أخجل من كوني أنثى

و أتحاشى الخوض في ذلك حتى بيني و بين نفسي

آثرت دوما انكار الهوية

والالتصاق بالفكر الذكوري طويلا

لطالما ألغيت أنوثتي و أغلقت عليها ألف باب و باب

ظنا مني أنها عارٌ يجب إخفاؤه

التصقت بصورة مثالية عن الفتاة المهذبة التي لا تخالط الرجال فهي وجه الفتنة و هي اللعنة التي يجب أن تحرص ألا تكونها

و لشغفي الفطري بعالم الذكور تنكرت لأنوثتي كي أحصل على إقامة شرعية في عالمكم

اهتممت بعقلي كثيرا

و أهملت عاطفتي و مشاعري طويلا

رقة ... احساس ...مشاعر

هي مفردات حرصت أن أتجنبها تماما

حتى لا أكون فتنة

حتى لا أكون لعنة

حتى الأمومة

كنت أخفيها !!!

نعم

كانت الأمومة بالنسبة لي رد فعل قوي لتجاهلي لكوني أنثى

فكأني كنت أحاول أن أثبت لنفسي ذلك

بتعدد مرات الانجاب بتحدي لكل من ينادي بتنظيم النسل!!!

لا تتعجب

فهناك إناث ذكوريات أكثر من الذكوريين أنفسهم

يجيدون جلد الذات ببراعة

كما جلد غيرهن من الإناث

لا تقهر المرأة إلا امرأة مثلها

قهرتني أمي كثيرا

أكثر بكثير من أبي الذكوري جدا

كانت تحاسبني على النظرة و تعبير الوجه

و الضحكة و حتى الابتسامة

كان رأيها ان كلام المراة كله قابل للتفسير بشكل خاطيء

فالصمت دوما أحرى بها

و البوح جريمة مخلة بالشرف!!!

و أبي احتضنني كما أسطورة بيجميليون

أزعم أني كنت أعتقد أنه يمكنه رؤية الأطياف التي تمر بخيالي

و أنه يقرأني ككتاب مفتوح

وكي أتقرب منه

كنت نسخة منه

أفكر برأسه و أدرك بحواسه

و المزيد المزيد من الغائي لهويتي

مرات كثيرة كنت أتساءل

من أنا؟

و ماذا أكون ؟و ما هي حقيقتي في هذا العالم؟؟؟

لم أجد ملاذا سوى خالقي

ليعيد إليّ توازني

و دائما ما كنت أضع نصب عيني

أن رسولنا الكريم صلوات الله و سلامه عليه كان يأمر الرجال أن يأخذوا نصف دينهم عن الحميراء ( البيضاء المشربة بالحمرة) سيدتي و حبيبتي عائشة رضي الله عنها و أرضاها

و لم يخجل من هذا الوصف لوجهها

هل يجرؤ رجل أن يصف زوجته بذلك امام غيره من الذكور؟؟؟

عالم مختلف عما نعيشه

عالم كان الناس فيه بشر

بلا تصنيفات

لا ذكور و لا إناث

و لكن الواقع الحالي مشوه النظرة جدا

للجميع

لمن تتقرب إلى الله

و لمن تبتعد

أزعم أنني بدأت أفيق

و بدأت أعرف هويتي الحقيقية

و لا أخجل منها

بل أفتخر و أطرب لكوني أنثى

دون أن يصاحب ذلك احاسيس العار و الخطيئة

أشكرك يا صديقي العزيز

أشكرك من كل قلبي

أنار الله لك طريقا إلى الجنة

كما أنارته لي كتاباتك الرائعة والحميمية و الجميلة الرقيقة الغالية عشتار

بارك الله لكما و عليكما

فلكما عليّ من الفضل الكثير

:clappingrose:

ياه يا أستاذة مصرية

صدقا لا يجد المرء هذه الأيام إنسانا لديه كل ما لديك من حميمية وحب وتواضع

أنتي من تتحدث عن فضل الآخرين عليها وتنسى كل أفضالها على الآخرين

ربما ليس من مصلحتي أو مصلحة عشتار أن نتداول أحاديث الفضل في حضرتك يا صديقتي الجميلة

لأننا في الواقع المدينان لك بالفضل والمليئان لك بالامتنان

أنتي من قلدت أعناقنا حقا بأفضال قلمها الصافي وقلبها الأمومي وروحها المثالية وإنسانيتها الحلم

أنتي من يستحق الشكر يا أستاذة..

وطبعا مداخلتك التي لن يحظى موضوع أبدا بامتياز أفضل منها

قرأت حروفها بخشوع كمن يقرأ سيرة مقدسة رغم أنها محزنة

إنها - للأسف لكنه الواقع - سيرة مصرية بامتياز

سيرة الاغتراب المصري الجديد..اغتراب المصري في وطنه..وفي أحضان ثقافته..وفي صميم انتمائه

إنها التغيرات الخطرة التي لحقت بالشخصية والهوية المصرية في الصميم وحولت المرأة المصرية من مضرب الأمثال بين الشعوب الأخرى في تقدير أسرتها ومجتمعها صاحب الذوق والثقافة المتحضرة لها إلى واحدة من راكبات قطار الضحايا في مجتمعات العالم الثالث

وكأن مداخلتك وجها من وجوه الإجابة على سؤال عنون به ذات مرة د.جلال أمين كتابه : "ماذا جرى للمصريين؟"

إنها مسخ قيم الثقافة المصرية الأصيلة، وفي مقدمتها قيمة احترام الأنثى وتقدير إنسانيتها ومساواتها بالذكر، مسخ يبدأ من المهد والتربية، ويلاحق الإنسان طيلة حياته

لقد أفرط د.جابر عصفور" أيضا في كتاب قيّم له اسماه "ثقافة التخلف" في الحديث عن "ثقافة المقموعين"، وهي الثقافة التي يتحول فيها الضحية إلى تبني قيم جلاده، يتحول فيها المقموع إلى صورة من صور القامع، يتحول فيها المستعمر (بفتح الميم) إلى تقليد المستعمر (بكسر الميم).

لقد جسدت في مداخلتك هذا النموذج الإنساني المعقد على إنسانيته..والمستسلم على كونه مقموعا..والظالم على رغم أنه مظلوم

تحية مجددا ومجددا لمداخلتك التي أحببتها يا أستاذة مصرية..وياليتك تطورينها بصورة ما في هيئة موضوع مستقل..فسوف يكون موضوعا هاما وثريا جدا..

تم تعديل بواسطة أثر الطائر
رابط هذا التعليق
شارك

الكتاب: أحلام أينشتين

المؤلف : ألان لايتمان

المترجم : على القاسمي

الناشر : كتاب إبداع - العدد 18 - ربيع 2011

أثر الطائر ..

كيف أصف لك السعادة التى شعرت بها بمجرد انتهائى من قراءة هذا المقال الرائع عن كتاب " أحلام أينشتاين " ..شعرت بمتعة لا حدود لها جلبتها لى روحك أولا التى أجادت العرض بجدارة وبهجة .. ومقدار التشويق والإثارة اللذان حفل بهما الكتاب نفسه ثانيا ..الحقيقة أنه كتاب مدهش ويستحق الإقتناء والقراءة أكثر من مرة ..

أثناء قراءتى لتعليقك ..عادت بى الذاكرة لمشاهد بعيدة نسبيا ومناقشات مطولة أخذت منى الكثير من الوقت والجهد أيامها وأعتقد أنها لا تبعد عن فكرة الطرح هنا .. دعنى أشرح لك ..لما كنت طالبة بالقسم العلمى كانت لى أمنيتين لا أكثر ..الأولى أن أدرس الفنون التشكيلية أو التطبيقية وكل ما يتعلق بالديكور وعالم الألوان ..والثانية - فى حالة عدم تحقق الأولى - هى أن أدرس العلوم ..ولظروف خاصة لم أحقق الأولى .. وحققت الثانية نسبيا ثم لم ألبث ان انتقلت لمجال آخر مغاير تماما وهو اللغات ..

أيامها وجدت صيحات تعجب واستنكار " لماذا درستى العلوم وتتمنين الفنون ..أى علاقة !!! "

وحتى اللحظة يا أثر الطائر أجد مشقة كبيرة فى أن أدافع عن مسألة اللافصل هذه التى يصرون عليها بين الأدب والعلم ..أدافع عن حالة التخصص نفسها ..فأنا حقيقة لا أحبذ التخصص عندما يكون مغلق ومنفصل عن الثقافات المتنوعة التى أجدها ضرورة للإنسان ..وأتذكر مقال كنت قد قرأته من فترة قريبة للعقاد يؤيد فيها نفس المقترح ..لا للتخصص ..وأعتقد أن حاجة الإنسان للمواد العلمية تعادل حاجته للمواد الأدبية شيء يمكن أن تقول مثل معادلة الملح لمذاق الطعام فيعطيه طعما شيقا وغنيا ..

نعم عادت بى الذاكرة لهذه المشاهد المبكرة عن علاقة الأدب والعلم وكأننى قد وجدت ضالتى .. وكأننى قد وجدت حالة الخلط الرائعة التى دافعت عنها دائما .. وكان رأى دائما فيها أن الأدب يعطى روحانية وقيمة خلقية للعلم وأن العلم يثرى الأدب بالأفكار والخيال فيوسع من عمقه ويسبر أغواره ..ولا حاجة لنا لأن نفصل أنفسنا اما أن نكون أدبيين أو علميين ..فالكون نفسه بكل مفرداته وقياساته وأبعاده مثار تأمل وابداع وخلق لولاهم ما كان للأدب ثراء وعمق ورحابة ..ما كانت له روح ..والكون بلا نظرة أدبية روحانية لم يكن فى نظرنا ليبقى أكثر من مجرد جماد .. وبدون النزعة الأدبية الشفيفة قد يتحول العلم لوحش لا حدود لطموحاته حتى لو تخطاها فوق أجساد البشر ..

أحببت فقط أن أعبر لك عن سعادتى فعلا بهذا الكتاب واستمتاعى بأفكاره التى لاقت عندى صدى قديم تنزع نفسى اليه ..

:clappingrose:

أعتقد يا عشتار أن امرأة حقيقية لا يمكنها أن تفتقر أبدا للموسوعية.. بل إنه في وسع الرجل أن يكون موسوعيا بدرجة أو بأخرى وبحسب مجهوده..لكن في وسع المرأة أن تكون موسوعة كاملة وبحد ذاتها..أي أن تكون كتابا مفتوحا ومجسدا للطبيعة..الأنثى بحكم اقترابها من الطبيعة أكثر من الرجل وبحكم اتصالها الأقوى بروح طبيعتها الأم..وبحكم طاقات وحدوس أنوثتها..لا يمكنها أن ترضى من الكون بجانب واحد أو من الحقيقة بوجه واحد..ولو تركت الأنثى لميولها الحقيقية وشغفها العميق فلن تفعل غير ما فعلت أنت يا عشتار..

الأدب هو نبع الخيال..والعلم هو منبع القوانين..

والقانون العلمي بدون خيال هو معادلة رياضية ميتة وبائسة، لا وجود لها في العقل ولا في الروح، بل إنه حتى هذه المعادلة البائسة لا يمكن الوصول إليها بدون خيال خلاق. أئذني لي أيضا أن أروي لك بعض أشياء من أكثر الكتب التي عرفتها إحاطة بحياة أينشتين وبالنظرية النسبية على السواء، وهو كتاب لمؤلف فرنسي اسمه "فرانسوا دو كلوسيه" أشرفت على تأليفه واهتمت بمراجعته عالمة فيزياء شهيرة متخصصة في ميكانيكا الكم (وهي من إبداعات النسبية الأساسية). عنوانه "أينشتين ضد الصدفة". يصف "دو كلوسيه" أينشتين في كتابه بأنه (عالم نظريات) والفارق بين عالم النظريات والعالم التجريبي كما تعلمين يا عشتار هو الخيال..الخيال فقط. كما يصفه بأنه المثقف الذي لم يكف عن الارتباط بقضايا مجتمعه وهي عبارة تدلك على التكوين الثقافي والمعرفي لعالم النسبية المهتم بقضايا مجتمعه وبالتعبير الأدبي دفاعا عن مواقفه الإنسانية منها. ويصفه بأنه كان منذ طفولته الباكرة "لا يخضع إلا لنفسه" وكان "صريع القلق الشديد" وكان يجهل الخوف إلى حد عدم الإدراك لكنه كان يتحدى الخطر "بشجاعة رجل طيب القلب" ولم يكن يفعل إلا ما هو مقتنع به. وكان يتتبع في أبحاثه ونظرياته الصعبة تصوره عن الكمال الرباني والانسجام الإلهي الحتمي في الخلق والتكوين، كما أن "الابتهال إلى الرب كان مألوفا لديه" غير أن رب أينشتين ليس هو الرب المسيحي الذي يمكن الاستغاثة به أو ممن يتدخلون في التاريخ، كان ربا يشبه رب الفيلسوف اسبينوزا الذي "يكشف عن نفسه في تأملات البشر" فقط. وكان أينشتين يقول أحيانا : "إن منطق الطبيعة مشابه لمنطق الإنسان، يحمل معه مطلق الجمال، والانسجام، والوحدة والبساطة." أما "محبوبات أينشتين الثلاثة" فكانت : الرياضة الشراعية والموسيقى والفيزياء. (هل رأيت تكوينا رومانسيا خياليا لعالم أو حتى عاشق أفضل من ذلك يا عشتار؟)

أما الحادثة التي أحب أن أرويها لك لطرافتها فهي نزهته في القارب الشارعي الخاص به مع العالمة الشهيرة والحاصلة على نوبل أيضا "ماري كوري".

ماري : لم أكن أعرف أنك موجه ماهر للدفة؟!

(أينشتين لم يكن كذلك)

أينشتين متهكما : ولا أنا أيضا كنت أعرف!!

ماري قلقة : ماذا عليّ أن أفعل إذا أنقلب بنا القارب؟! لا أعرف السباحة؟!

(لم يكن قارب أينشتين يحوي أدني احتياطات الأمان)

أينشتين برباطة جأش : ولا أنا أيضا!!

لم يكن مكتشف النسبية هو هذا الرجل المعقد غير المفهوم جاف العقل والمنغمس في معادلات رياضية أكثر منه جفافا وأقل منه قابلية للفهم كما يحلو للبعض أحيانا أن يتصوره، بل إنه كان إنسانا تام الإنسانية وصاحب خيال أدبي وموسيقي وثقافة أدبية ومجتمعية لولاها لما أستطاع أن يتحقق من نظرياته بله أن يصل عقله إلى التأمل فيها.

الكتاب: أحلام أينشتين

المؤلف : ألان لايتمان

المترجم : على القاسمي

الناشر : كتاب إبداع - العدد 18 - ربيع 2011

أثر الطائر ..

بالعودة لفكرة الزمن ..لم أنس أيضا سؤال تقريرى كنت قد ألقيته على مسامعك لو تتذكر ذات مرة .." الزمن لا يعود للوراء " ..وقتها قلت بسرعة " لا ..الزمن يعود " أعتقد أننى فهمت الآن كيف يعود الزمن .. وأدركت تقريبا المعنى الذى عنيته بتوكيدك على فكرة ان الزمن ملكنا .. وأنه يمكننا بكل ثقة أن نتحكم فى أزماننا ..الزمن نسبى بالفعل يا عزيزى ..ونظرية النسبية هذه فى رأيى من أكثر النظريات العلمية رومانسية ورحمة .. فى ظنى أن أساسها رومانسى أصلا .. فالزمن يحتفظ لنا بكل أمانينا ..بكل أحداثنا وذكرياتنا ..بكل أحلامنا ..ولكنه يدور ونحن ندور معه ..وقد يحدث ألا نقابل تلك الأحلام ..وقد يحدث العكس ونلتقط أمانينا المختزنة فى الزمن ..وقد يحدث أن نقابلها فعلا ولكن متأخرا وبعد فوات الأوان .. المهم هنا هو التأكيد على تلك النسبية الرحيمة .. التأكيد على بياض الزمن واخلاصه وأنه دائما محتفظا لنا بكل ما يخصنا فى فضاءاته وموجاته لا يضيعها أبدا ولابد أننا فى يوم من الأيام سنتقابل مع تلك الأشياء التى تخصنا وجها لوجه ..

:clappingrose:

عندما تظنين يا عشتار أن النسبية أساسها رومانسي فهذا الظن من باب الحدوس الصادقة والبصيرة الثاقبة. فرغم أننا نستطيع أن نقول أن الأساس العلمي لهذه النظرية المعرفية الضخمة هو المعادلة الصغيرة الشهيرة: الطاقة تساوي الكتلة في مربع سرعة الضوء - إلا أن هذه المعادلة الجافة تحديدا تلخص معنى رومانسيا كبيرا وشائعا ومتداولا بين كل العشاق عبر التاريخ وهو أننا نعيش في كون حي، عامر بالطاقة أو بالحب، أو بالروح، وخال تماما من الجمادات أو الأشياء الصلبة التي تتميز بالموت والسكون والخلو من الحركة والحياة.

رأيي يا عشتار أنه سيظل الزمن ملكا لنا بقدر ما نكون نحن ملكا لذواتنا، بقدر ما نكون لذواتنا وبذواتنا، وطالما كنا مخلصين لهذا المعنى الإنساني الشامل، الملهم والقوي والرحيم : الحب

ولو كانت النسبية هي أفضل وثيقة بشرية تثبت ملكية البشر للزمن نظريا..فرأيي أنك أنت يا عشتار أفضل وثيقة أنثوية يمكنها أن تثبت ذلك عمليا..

الكتاب: أحلام أينشتين

المؤلف : ألان لايتمان

المترجم : على القاسمي

الناشر : كتاب إبداع - العدد 18 - ربيع 2011

أثر الطائر ..

حكاية لطيفة جدا وبسيطة قرأتها ووجدت فيها شىء بليغ عن نسبية الزمن هذه ..اقرأ معى ..

سأل أحدهم شيخاً وقوراً: لماذا لم تتزوج حتى الآن؟

قال: كنت أبحث عن المرأة المناسبة طوال أربعين عاماً .. وأخيراً وجدتها.

سأله: ولما لم تتزوجها؟

قال: اكتشفت أنها لا تزال هي الأخرى تبحث عن الرجل المناسب.

تلك هي النسبية...وجه من وجوه النسبية ..

وجدها الشيخ وهى لم تجده بعد بالرغم أنه هو هو نفسه ما تبحث عنه ..هى مفردته وواحدته ..ولكن للأسف المدار مختلف ..أو فلنقل البعد الزمنى مختلف ..فالزمن لعب لعبته النسبية بمهارة ولم يجمعهما بعد ولكن هذا ليس بمستحيل ..فالزمن طالما استمر فى المسير ..فى الحركة ..فهو يحمل لنا الأمل الدائم ..ولكن السؤال ..هل يا ترى سيقابل الشيخ واحدته ؟ وهل سيقابلها فى الوقت المناسب أم بعد فوات الأوان ؟ قد يكون الأجمل هنا فى أنه وجدها ..المهم أنه وجدها وأن الجزء الأصعب وهو التلاقى نفسه قد قهر بعثوره عليها ..وجدها حتى وان لم يجتمع بها ..وجدها حتى لو عاش معها فى خياله يجمعهما بعدين وليس بعد واحد ..ان يجدها ولو بهذه الطريقة خيرا ألف مرة من الذى لم يجد والذى لم يبحث والذى انخرط فى أول الطريق بدون البحث عن شريكه المفقود .. وضاع فى الزمن وضاعت معه أحلامه لو كان يحلم ..

:clappingrose:

هناك رواية مشهورة للأديب الكولومبي "جارسيا ماركيز" وقد حولتها السينما المكسيكية إلى فيلم لا يقل عن الرواية إغراء وسحرا. تحكي الرواية عن رجل وامرأة، عاشق ومعشوق في مقتبل عمرهما، أحدهما تحت العشرين والآخر فوقها بسنوات قلائل، قصة حبهما التي استغرقت كل صفحات الرواية الضخمة، لم تكن أكثر من لقاء ثم فراق استمر سنوات طويلة، طويلة جدا، فراق استغرق عمرهما كله، شبابهما كله، وبعد أن أصبح "فلورنتينو أريثا" العاشق الشاب عجوزا موسرا تمكن من لقاء معشوقته المسنة التي كانت قد تزوجت وأنجبت ومات زوجها. وتنتهي الرواية بهما أكثر النهايات الرومانسية التي قرأتها طيلة حياتي روعة وإدهاشا، حيث يستقل العاشقان يختا يجوب النهر جيئة وذهابا، يقضيان فيه آخر أيامهما، ويموتان أحدهما في حضن الآخر داخل هذا القبر العائم المليء بالأزهار.

لكنهما، وقبل أن يموتا، وخلال أيام قليلة جدا، ينجحان في استعادة كل ما فقدا خلال عمرهما من حب ومن..زمن.

وكما قلت أنت يا عشتار فأن يجد الواحد واحدته خير من ألا يحدث ذلك على الإطلاق..وأن يمتلكا الزمن ويعيدانه فهو ليس بالمستحيل بل إنه الأمر الطبيعي جدا في هذه الحالة.

الكتاب: أحلام أينشتين

المؤلف : ألان لايتمان

المترجم : على القاسمي

الناشر : كتاب إبداع - العدد 18 - ربيع 2011

أثر الطائر ..

كل شىء نسبى فى هذه الحياة ..جملة جميلة ومريحة ..متحركة وتحمل أملا دائما ..جملة لا تخضع لأحكام قاطعة ولا لإقرارات نهائية قد تفنى أحلاما بلا رجعة ..جملة فى حقيقتها حقيقة لا نهائية هى الحياة بذاتها ..تحضرنى قصة لامرأة قابلت «ألبرت أينشتاين» في احدى الحفلات.. اقتربت منه سيدة وطلبت منه أن يشرح النظرية النسبية.. فروى لها القصة التالية:

ـ كنت ذات مرة مع رجل كفيف البصر فذكرت له انني أحب الحليب.. ‏

سألني: ‏

ـ ماهو الحليب؟ ‏

قلت له: ‏

ـ إنه سائل ذو لون أبيض. ‏

قال: ‏

ـ انني أعرف ماهو السائل..لكن ما هو اللون الأبيض؟ ‏

قلت: ‏

ـ إنه ريش البجع. ‏

قال:

ـ أما الريش فاني أعرفه..لكن ماهو البجع؟ ‏

قلت: ‏

ـ إنه طائر رقبته ملتوية. ‏

قال: ‏

ـ إنني أعرف الرقبة..، لكن مامعنى ملتوية؟ ‏

عندئذ أخذت ذراعه ومددتها ثم ثنيتها وقلت: «هذا معنى الالتواء» ‏

قال الرجل: ‏

ـ آه.. الآن عرفت ماهو الحليب. ‏

أينشتاين للسيدة: ‏

ـ والآن ياسيدتي.. أما زلت ترغبين في أن أشرح لك النظرية النسبية؟؟

بالنظر فى حياتنا سنجد أن أكثر الحقائق صعوبة هى التى لا تتمثل فيها النسبية وأن الأحلام التى لا تتحقق هى الغير قابلة للتشكيل أو المرونة ..هى التى لا يؤمن أصحابها بها لثباتهم وتوقفهم عند لحظة بعينها أو حادثة محددة أوقفت زمنهم الخاص أو أصابته بالشلل ..والحقيقة أن النسبية هى ما نصنعها نحن بحقائقنا لأنه من المسلم به أن كل شىء فى الكون نسبى ..أكثر الحقائق صعوبة هى ما لا نخضعها فى عقولنا للنسبية ..فعندما تتجمد الأمخاخ وتتوقف القلوب عند زمن معين أو حادثة بعينها تقف الحياة ويتجمد الزمن عند هذا الحد ولا تصبح للشمس المتجددة أى قيمة وغيرها من المتجددات الأحياء..نحن العاملين على أحلامنا وسعادتنا ..نحن المسئولين عن التحقيق ..نحن المسئولين عن الزمن بالعودة للخلف عندما نريد أو بالتقدم للأمام عندما نريد أيضا ..الكثير منا قد يعيش وهو فى الحقيقة ميت ..وكم من ميت فى الحياة بعاهة أو بفقدان هو حى بالأمل فى قلبه وبرؤيته الدائمة لنظرية التجدد والتغيير وأنه لاشىء يبقى على حالة ..الفارق أعتقد بين الضعيف والقوى ..بين المتوهم والواعى لحلمه هو هذا الإيمان بنسبية كل شىء ..الإيمان الفعلى الطموح بالتحقيق ..بالعمل على الأحلام وأنها بالفعل قابلة للتمثل الواقعى والحدوث ..أعتقد أنه لاشىء عظيم تحقق فى هذا الكون بلا حلم .. كل العظماء حققوا أحلامهم بحلم كان هو البداية ..كان موجودا بخيال سابح فى نسبية الحياة ..

:clappingrose:

أقرك يا عشتار الجميلة وأؤكد كل كلمة وحرف ونقطة فيما كتبت في هذه الفقرة..وكما يحدث عادة، وأؤكد أيضا أن أقوى الأحلام هي ما استطاعت أن تحفظ لنفسها القدر المناسب من الثبات الداخلي ومن القوة الذاتية..في عالمها المتحرك وفي سياقها الزمني السيال، إنها بالفعل الأحلام القوية التي تستمر بفضل ما لها من تناسق وانسجام وقوة داخلية تتيح لها يقين التحقق، وتبيح لها قدرات التحكم في مسارات الزمن وتحديد اتجاهات الأشياء.

ولو عدنا مرة أخرى إلى التجربة والسيرة الشخصية لـ"أبو النسبية" سنضع يدنا على دليل آخر يؤكد ذلك. إنها النهاية المجهولة لأينشتاين، النهاية التي لا يعرفها الكثيرون، ولا يحب القراء عادة تداولها حتى لا تفسد الأسطورة الأينشتينية الفاتنة. لكن المعروف هو أن أينشتين العالم وصاحب النظرية والإنسان الكبير أصبح لسنوات طويلة وحتى أخريات عمره خارج سياق المجتمع العلمي، وخارج الخط الصاعد المتطور الخلاق للتقدم العلمي وأنكر الفيزياء الجديدة التي كانت هي نفسها أكثر الاشتقاقات اتساقا مع نظريته في النسبية، وحدث ذلك كله عندما فقد "أبو النسبية" حسه بنسبية الأشياء، عندما تحولت نظرياته بالنسبة له إلى عقائد وضعته في خانة أصحاب "الأمخاخ الجامدة". ويقول "دو كلوسيه" في كتابه "أينشتين ضد الصدفة" عن هذه النهاية المؤسفة:

"إن شخصية أينشتين التي تعهدها بالكثير من الرعاية لتكوينها، كانت تفلت منه، تلك هي الحقيقة. وبكل ضميره، وبكل تمالك نفسه، كان قد أنكر الفيزياء الجديدة وانفصل عن المجتمع العلمي، وهي حالة وضعته في حالة تحد مع أن يقيم الدليل على أنه على صواب في موقفه ضد العالم كله. ولم يستطع أبدا تقديم الدليل على ذلك. لقد حافظ على حرية عقله، واستقلاله في الرأي، وسلطته، لكنه لم يكن يمارس تلك السلطة التي لا نظير لها"

الكتاب: أحلام أينشتين

المؤلف : ألان لايتمان

المترجم : على القاسمي

الناشر : كتاب إبداع - العدد 18 - ربيع 2011

أثر الطائر ..

يبقى شىء أخير لمن لا يؤمن بالنسبية وبالزمن والبعد الرابع " الزمكان " الذى أقر به العلماء مؤخرا ليثبتوا صحة مرونة الزمن وتمدده وانكماشه ..أود أن أقوله هنا يا أثر الطائر ..وهو أن القرآن الكريم جاء مؤكدا على نسبية الزمن ونظرية اينشتاين قبل أن يخترعها هو .. القران الكريم هو أول كتاب دينى علمى قد جاء بأساس النسبية.. فقرر ان هناك يوما طويلا يبلغ الف سنة مما نعد .. وهناك يوم يبلغ خمسبن الف سنة .. وصدق قول الله فى القران الكريم ( يدبر الامر من السماء الى الارض ثم يعرج اليه فى كل يوم كان مقداره الف سنة مما تعدون) المعارج (4) وهذا يؤكد طبعا من جديد على ان الزمن ليست له حقيقة قائمة منفردة بذاتها .. وانه من خواص المادة .. وان هذا الكون ذو ابعاد اربعة .. وقد استحدث هذا البعد الرابع الذى اكتشفه العلماء مؤخرا .. فالفضاء ذو الابعاد الثلاثة شىء نتصور وجوده فى لحظة معينة واحدة.. فهو لايشمل الزمن ثم اذا توالت اللحظات كان لكل لحظة فضاء جديد ذو ثلاثة ابعاد خاص بها .. ومن هنا اوجد بعدا رابعا هو الزمن ..الزمن الذى يفرق أو يميز بين اللحظات ويجعلها حدث ..البعد الرابع هو القاعدة القانونية التى تعنى أنه كلما زادت السرعة تقلص الزمن الى ان ينعدم عامل الزمن كليا..وان الكون المكانى الزمانى " الزمكان " هو مجموع ماكان .. وماهو كائن ..وماسيكون ..الماضى والحاضر والمستقبل .. وهو أشبه شىء بكتاب أو لوح دونت فيه الحوادث مامضى منها .. وماهو ات .. واذا كان قد ثبت ان كل حركة او قول .. أو فعل انما يوجد فى الاثير .. وان العلماء يحاولون جاهدين حاليا اختراع اجهزة يمكن بها التقاط اصوات سابقة .. مادام الاهتزاز موجودا والموجات الكهرومغناطيسية التى تحفظ الذبذبات موجودة وتحمل ما سجل عليها .. والأصوات باقية فى الاثير .. وأن كل ما تلفظ به الإنسان من يوم ان يولد الى ان يموت .. خالد باق مسجل .. وأعتقد أن هذا يتفق تماما مع القرآن الكريم وأن كل شىء اقترفه الإنسان باقيا فى لوح محفوظ ..شاهدا عليه لا يضيع وهذا قطعا هو الإعجاز القرآنى بعينه ..

هكذا رأيت فى هذا الكتاب ..وهكذا أرى دائما فى العلم الذى يصفونه بالمواد الصماء.. منتهى الروحانية والشفافية ..روح الإيمان واليقين ..روح الدين .. وابداع الله فى هذا الكون الفسيح ..

كتبت كثيرا جدا كما أظن ولو تركت نفسى لهذه الخواطر العلمية الإيمانية لن أنتهى اليوم ..ضعفت أمام حبى للعلوم ..تلك المواد الشيقة التى كنت أجد فيها كل المتعة ..متعة القراءة والبحث والإستدلال ..ولما جاءتنى الفرصة لأتحدث عما يتعلق بها وبروح العلم انتهزتها بلا تفكير .. أتمنى ألا أكون أثقلت عليك بملل أو بخروج عن الموضوع ..

شكرا لك يا أثر الطائر ..

ودمت محبا جميلا

:clappingrose:

أتفق معك تماما يا عشتار في أنه لا تناقض بين أيات القرآن الكريم وبين نظرية النسبية. لكنني أتحفظ على نقطتين :

الأولى هي أن القرآن كتاب علمي وهو ليس كذلك في الحقيقة، فالقرآن الكريم كتاب مقدس، كلمة للروح. إنجيل العلم - أو قرآنه لو شئت - هو البرهان العلمي المادي الملموس أي التجربة. وما من تجربة يمكنها إثبات وجود الله أو إثبات أن القرآن هو كلام الله، لن يخضع الكلي والمطلق والثابت أبدا لأداء النسبي والجزئي والمتغير حتى يمكننا أن نثبته بالتجربة، في ذلك استحالة منطقية وعلمية بينة.

النقطة الثانية التي أتحفظ عليها هي قولك أن القرآن يؤكد أو يثبت النظرية النسبية. حقيقة أن القرآن الكريم لا يتناقض أو ينفي أي نظرية علمية أثبتت صحتها ومن بينها النسبية، لكنه أيضا لا يثبت أو يؤكد أي نظرية علمية مهما أثبتت صحتها العلمية.

ودليل صحة اعتقادي هذا يا عشتار هو أنه كان يعتقد لقرون مضت وحتى القرن العشرين وقت أن كانت فيزياء نيوتن هي الفيزياء العامة الثابتة لدى العلماء أن القرآن يثبت ويؤكد فيزياء نيوتن، وهو بالفعل لا يتناقض معها.

بل، والأدهى، أنه في طفولة العلم، أيام كانت النظرية الخرافية التي تقول إن الأرض محمولة على قرني ثور نظرية يقينية شائعة، كان يعتقد أن القرآن يثبت ويؤكد هذه النظرية، ويمكنك أن تجدي مصداق كلامي في تفسير القرطبي (الأصلي وليس المنقح) الذي أفرد صفحات منه ليستخرج من أيات القرآن الكريم ما يؤكد ويثبت أن الأرض محمولة على قرني ثور!!، وهذا خطأ طبعا، لكن الصواب هو أن القرآن كما أنه لا يثبتها فهو أيضا لا ينفيها.

يوما ما يا عشتار ستكون هناك نظرية في تفسير الفيزياء الكونية أشمل من نظرية النسبية وأقرب منها للحقيقة، وقد يثبت لنا في النسبية، كما ثبت في الفيزياء التقليدية النيوتونية، وجود أوهام وسوء فهم واستنتاج كنا نعتقد أنها من العلم. وهذا هو ديدن النظرية العلمية والتطور والتراكم العلمي البشري، لا شيء نهائي بعد في مسيرة الإنسان الطويلة باتجاه المعرفة. فإذا كنا نقر بالمطلق الإلهي (عز وجل) ونعتقد اعتقادا صحيحا في كلمته (القرآن الكريم) فعلينا ألا نزج بهما في هذا المضمار النسبي المتغير، بزعم ودعوى انتشرت على أجنحة التمويل النفطي واسمها (الأسلمة) وهي دعوى زيف وبهتان وتجارة بينة بالدين، وكلام باطل يراد به باطل، لا دخل للحق ولا للدين الحق فيه.

عشتار..

لا تخشي من تطويلك إذا كان ثمة من يشعر بالتطويل..بل أؤكد إنني أحب وأرغب أن تطيلي وتسترسلي في ردودك بقدر ما تشاءين..ففي استرسالك متعة وفائدة لا شك فيهما..

أما أنا..فكما قلت سابقا..أؤكد أنه يكفيني..يكفيني جدا..يكفيني كثيرا..شكر واحد من قلب عشتار

كوني بمحبة :clappingrose:

رابط هذا التعليق
شارك

و أنا بحق مستمتعة جدا بكما انتما الاثنان

و لي عودة لمناقشة اينشتاين

فأنا مغرمة بالفيزياء و بنظرياته فيها

بارك الله لكما و عليكما يا عصافيري

مهما كانت أعماركما في الحقيقة

أشعر أنكما أبنائي

:give_rose: :give_rose:

أعد شحن طاقتك

حدد وجهتك

و اطلق قواك

رابط هذا التعليق
شارك

الكتاب: أحلام أينشتين

المؤلف : ألان لايتمان

المترجم : على القاسمي

الناشر : كتاب إبداع - العدد 18 - ربيع 2011

أثر الطائر ..

يبقى شىء أخير لمن لا يؤمن بالنسبية وبالزمن والبعد الرابع " الزمكان " الذى أقر به العلماء مؤخرا ليثبتوا صحة مرونة الزمن وتمدده وانكماشه ..أود أن أقوله هنا يا أثر الطائر ..وهو أن القرآن الكريم جاء مؤكدا على نسبية الزمن ونظرية اينشتاين قبل أن يخترعها هو .. القران الكريم هو أول كتاب دينى علمى قد جاء بأساس النسبية.. فقرر ان هناك يوما طويلا يبلغ الف سنة مما نعد .. وهناك يوم يبلغ خمسبن الف سنة .. وصدق قول الله فى القران الكريم ( يدبر الامر من السماء الى الارض ثم يعرج اليه فى كل يوم كان مقداره الف سنة مما تعدون) المعارج (4) وهذا يؤكد طبعا من جديد على ان الزمن ليست له حقيقة قائمة منفردة بذاتها .. وانه من خواص المادة .. وان هذا الكون ذو ابعاد اربعة .. وقد استحدث هذا البعد الرابع الذى اكتشفه العلماء مؤخرا .. فالفضاء ذو الابعاد الثلاثة شىء نتصور وجوده فى لحظة معينة واحدة.. فهو لايشمل الزمن ثم اذا توالت اللحظات كان لكل لحظة فضاء جديد ذو ثلاثة ابعاد خاص بها .. ومن هنا اوجد بعدا رابعا هو الزمن ..الزمن الذى يفرق أو يميز بين اللحظات ويجعلها حدث ..البعد الرابع هو القاعدة القانونية التى تعنى أنه كلما زادت السرعة تقلص الزمن الى ان ينعدم عامل الزمن كليا..وان الكون المكانى الزمانى " الزمكان " هو مجموع ماكان .. وماهو كائن ..وماسيكون ..الماضى والحاضر والمستقبل .. وهو أشبه شىء بكتاب أو لوح دونت فيه الحوادث مامضى منها .. وماهو ات .. واذا كان قد ثبت ان كل حركة او قول .. أو فعل انما يوجد فى الاثير .. وان العلماء يحاولون جاهدين حاليا اختراع اجهزة يمكن بها التقاط اصوات سابقة .. مادام الاهتزاز موجودا والموجات الكهرومغناطيسية التى تحفظ الذبذبات موجودة وتحمل ما سجل عليها .. والأصوات باقية فى الاثير .. وأن كل ما تلفظ به الإنسان من يوم ان يولد الى ان يموت .. خالد باق مسجل .. وأعتقد أن هذا يتفق تماما مع القرآن الكريم وأن كل شىء اقترفه الإنسان باقيا فى لوح محفوظ ..شاهدا عليه لا يضيع وهذا قطعا هو الإعجاز القرآنى بعينه ..

هكذا رأيت فى هذا الكتاب ..وهكذا أرى دائما فى العلم الذى يصفونه بالمواد الصماء.. منتهى الروحانية والشفافية ..روح الإيمان واليقين ..روح الدين .. وابداع الله فى هذا الكون الفسيح ..

كتبت كثيرا جدا كما أظن ولو تركت نفسى لهذه الخواطر العلمية الإيمانية لن أنتهى اليوم ..ضعفت أمام حبى للعلوم ..تلك المواد الشيقة التى كنت أجد فيها كل المتعة ..متعة القراءة والبحث والإستدلال ..ولما جاءتنى الفرصة لأتحدث عما يتعلق بها وبروح العلم انتهزتها بلا تفكير .. أتمنى ألا أكون أثقلت عليك بملل أو بخروج عن الموضوع ..

شكرا لك يا أثر الطائر ..

ودمت محبا جميلا

:clappingrose:

أتفق معك تماما يا عشتار في أنه لا تناقض بين أيات القرآن الكريم وبين نظرية النسبية. لكنني أتحفظ على نقطتين :

الأولى هي أن القرآن كتاب علمي وهو ليس كذلك في الحقيقة، فالقرآن الكريم كتاب مقدس، كلمة للروح. إنجيل العلم - أو قرآنه لو شئت - هو البرهان العلمي المادي الملموس أي التجربة. وما من تجربة يمكنها إثبات وجود الله أو إثبات أن القرآن هو كلام الله، لن يخضع الكلي والمطلق والثابت أبدا لأداء النسبي والجزئي والمتغير حتى يمكننا أن نثبته بالتجربة، في ذلك استحالة منطقية وعلمية بينة.

النقطة الثانية التي أتحفظ عليها هي قولك أن القرآن يؤكد أو يثبت النظرية النسبية. حقيقة أن القرآن الكريم لا يتناقض أو ينفي أي نظرية علمية أثبتت صحتها ومن بينها النسبية، لكنه أيضا لا يثبت أو يؤكد أي نظرية علمية مهما أثبتت صحتها العلمية.

ودليل صحة اعتقادي هذا يا عشتار هو أنه كان يعتقد لقرون مضت وحتى القرن العشرين وقت أن كانت فيزياء نيوتن هي الفيزياء العامة الثابتة لدى العلماء أن القرآن يثبت ويؤكد فيزياء نيوتن، وهو بالفعل لا يتناقض معها.

بل، والأدهى، أنه في طفولة العلم، أيام كانت النظرية الخرافية التي تقول إن الأرض محمولة على قرني ثور نظرية يقينية شائعة، كان يعتقد أن القرآن يثبت ويؤكد هذه النظرية، ويمكنك أن تجدي مصداق كلامي في تفسير القرطبي (الأصلي وليس المنقح) الذي أفرد صفحات منه ليستخرج من أيات القرآن الكريم ما يؤكد ويثبت أن الأرض محمولة على قرني ثور!!، وهذا خطأ طبعا، لكن الصواب هو أن القرآن كما أنه لا يثبتها فهو أيضا لا ينفيها.

يوما ما يا عشتار ستكون هناك نظرية في تفسير الفيزياء الكونية أشمل من نظرية النسبية وأقرب منها للحقيقة، وقد يثبت لنا في النسبية، كما ثبت في الفيزياء التقليدية النيوتونية، وجود أوهام وسوء فهم واستنتاج كنا نعتقد أنها من العلم. وهذا هو ديدن النظرية العلمية والتطور والتراكم العلمي البشري، لا شيء نهائي بعد في مسيرة الإنسان الطويلة باتجاه المعرفة. فإذا كنا نقر بالمطلق الإلهي (عز وجل) ونعتقد اعتقادا صحيحا في كلمته (القرآن الكريم) فعلينا ألا نزج بهما في هذا المضمار النسبي المتغير، بزعم ودعوى انتشرت على أجنحة التمويل النفطي واسمها (الأسلمة) وهي دعوى زيف وبهتان وتجارة بينة بالدين، وكلام باطل يراد به باطل، لا دخل للحق ولا للدين الحق فيه.

عشتار..

لا تخشي من تطويلك إذا كان ثمة من يشعر بالتطويل..بل أؤكد إنني أحب وأرغب أن تطيلي وتسترسلي في ردودك بقدر ما تشاءين..ففي استرسالك متعة وفائدة لا شك فيهما..

أما أنا..فكما قلت سابقا..أؤكد أنه يكفيني..يكفيني جدا..يكفيني كثيرا..شكر واحد من قلب عشتار

كوني بمحبة :clappingrose:

طيرى المحلق بوسع أجنحته فى سماوات الحب والمعرفة والإيمان

أرجو أن تكون فى أحسن حال ..كما هو حالى الآن بفضل الله ثم بفضلك .. حال الشبع والإرتواء الروحى والقلبى والعقلى .. الثلاثة معاً ..والحقيقة أننى اتكأت بروحى كلها على ردك الوثير هذا فشعرت أننى متكئة على أريكة فى جنة حدائق خلاقة تطرح من ثمار العقل والقلب والروح ما يجعلنى الإنسان شكلا ومضمونا كما أراد الله له أن يكون ..نعم ..لهذه الدرجة راقنى جدا ردك وكلامك وفكرك السامى المحلق عاليا والدائم الحضور يا أثر الطائر حتى أننى بدورى ارتفعت من فوق الأرض كروح ولا شىء غيرها ..ومهما قلت .. والله ..لن أستطع أن أعبر لك عن المتعة والسعادة الذين وجدتهما فى قراءة انسانيتك هنا .. فى هذا الرد بالتحديد ..

يتبقى شىء واحد فقط شعرت أنه يتعين على أن أعود لأوضحه لك اذا سمحت لى طالما أنك - ممنونة لك من كل قلبى - مرحب بعودتى واطالتى ..وهى الجزئية التى تتعلق بكون كتاب الله عز وجل ..القرآن الكريم ..كتاب علمى ..ودعنى أفسر أكثر ماذا كنت أقصد ..أجد نفسى أصلا على وفاق معك تماما فى أن القرآن كلام الله المقدس الذى لا يخضع للتجريب مثلما تخضع النظريات العلمية ..ولكن ما كنت أعنيه هنا ليست النظريات ..ليست النظريات بالتحديد فأنت بالتأكيد تتفق معى على أن الحقائق العلمية غير النظريات العلمية .. النظريات العلمية كما تعرف متغيرة ومتحركة أما الحقائق العلمية مثل الحقائق الرياضية(واحد زائد واحد يساوي اثنين) هذه لا مانع من أن نستنطق القرآن حولها لأنها لا تتغير.. أليس كذلك ..متى يحدث الخلاف على مسألة الحقائق والنظريات هذه وعلاقتهما بالقرآن ..أو متى تحدث المشكلة ..أعتقد عندما يحدث تصادم بين القرآن وبين الحقائق العلمية التى لم تثبت بعد في الكون .. لأن القرآن الكريم لا يتغير ولا يتبدل ولو حدث مثل هذا التصادم لضاعت قضية الدين كلها .. ولكن التصادم يحدث من شيئين ..اما عدم فهم حقيقة قرآنية أو عدم صحة حقيقة علمية " نظرية " .. فإذا لم نفهم القرآن جيدا وفسرناه بغير ما فيه حدث التصادم .. وإذا كانت الحقيقة العلمية كاذبة أو خاضعة للتجريب والتجديد بحسب المنهج العلمى نفسه حدث التصادم .. ولكن كيف لا نفهم الحقيقة القرآنية وهذا يحدث بالتأكيد ..ما المانع !

أورد لك جزء مقتبس من خواطر ايمانية للشيخ الشعراوى ..أعتقد أننا نتفق عليها ..أتمنى ذلك ..

سنضرب مثلا لذلك ليعلم الناس أن عدم فهم الحقيقة القرآنية قد تؤدي إلى تصادم مع حقائق الكون .. الله سبحانه وتعالى يقول في كتابه العزيز : ( وَالأَرْضَ مَدَدْنَاهَا )سورة الحجر : 19 .. المد معناه البسط .. ومعنى ذلك أن الأرض مبسوطة .. ولو فهمنا الآية على هذا المعنى لا تّهمنا كل من تحدّث عن كروية الأرض بالكفر خصوصا أننا الآن بواسطة سفن الفضاء والأقمار الصناعية قد استطعنا أن نرى الأرض على هيئة كرة تدور حول نفسها .. نقول إن كل من فهم الآية الكريمة ( وَالأَرْضَ مَدَدْنَاهَا ) بمعنى أن الأرض مبسوطة لم يفهم الحقيقة القرآنية التي ذكرتها هذه الآية الكريمة .. ولكن المعنى يجمع الإعجاز اللغوي والإعجاز العلمي معا ويعطي الحقيقة الظاهرة للعين والحقيقة العلمية المختفية عن العقول في وقت نزول القرآن . عندما قال الحق سبحانه وتعالى : ( وَالأَرْضَ مَدَدْنَاهَا ) أي بسطناها .. أقال أي أرض ؟ لا.. لم يحدد أرضا بعينها .. بل قال الأرض على إطلاقها .. ومعنى ذلك أنك إذا وصلت إلى أي مكان يسمى أرضا تراها أمامك ممدودة أي منبسطة .. فإذا كنت في القطب الجنوبي أو في القطب الشمالي .. أو في أمريكا أو أوروبا أو في أفريقيا أو آسيا .. أو في أي بقعة من الأرض .. فأنك ترها أمامك منبسطة .. ولا يمكن أن يحدث ذلك إلا إذا كانت الأرض كروية .. فلو كانت الأرض مربعة أو مثلثة أو مسدسة أو على أي شكل هندسي آخر .. فإنك تصل فيها إلى حافة .. لا ترى أمامك الأرض منبسطة .. ولكنك ترى حافة الأرض ثم الفضاء .. ولكن الشكل الهندسي الوحيد الذي يمكن أن تكون فيه الأرض ممدودة في كل بقعة تصل إليها هي أن تكون الأرض كروية .. حتى إذا بدأت من أي نقطة محددة على سطح الكرة الأرضية ثم ظللت تسير حتى عدت إلى نقطة البداية .. فإنك طوال مشوارك حول الأرض ستراها أمامك دائما منبسطة .. وما دام الأمر كذلك فإنك لا تسير في أي بقعة على الأرض إلا وأنت تراها أمامك منبسطة وهكذا كانت الآية الكريمة ( وَالأَرْضَ مَدَدْنَاهَا ) لقد فهمها بعض الناس على أن الأرض مبسوطة دليل على كروية الأرض .. وهذا هو الإعجاز في القرآن الكريم .. يأتي باللفظ الواحد ليناسب ظاهر الأشياء ويدل على حقيقتها الكونية . ولذلك فإن الذين أساءوا فهم هذه الآية الكريمة وأخذوها على أن معناها أن الأرض منبسطة .. قالوا هناك تصادم بين الدين والعلم .. والذين فهموا معنى الآية الكريمة فهما صحيحا قالوا إن القرآن الكريم هو أول كتاب في العالم ذكر أن الأرض كروية وكانت هذه الحقيقة وحدها كافية بأن يؤمنوا .. ولكنهم لا يؤمنون..

كان هذا مثال أنا مقتنعة به على حقيقة علمية مثبتة وليس نظرية جاء بها القرآن قبل أى اكتشافات ودراسات بشرية ..وكنت أقصد بأن القرآن كتاب دينى علمى هذا الأمر بالتحديد ..هذه وجهة نظرى يا أثر الطائر ..أن للقرآن الكريم منهجين ..منهج علمى وعقلى يؤديان لتمام الإيمان ..فهو ليس كتاب نظريات..ولكن توجد فيه إيحاءات ربما ترتبط ببعض النظريات أو تصل إليها بطريق القياس والاستنباط الذين يتخذهما الإنسان لتصبح حقيقة كونية ..ايحاءات علمية ..كما أنك لابد تعرف أن استقرار الإيمان في القلب يكون عن طريق العقل.. أو ان العقل احدى اقوى الطرق للإيمان وهذا أفضل الإيمان..ومن ذلك نفهم - يقيناً - أن بيان الإعجاز العلمي في أية آية قرآنية أو حديث نبوي من دون ربطه بالهداية الدينية التي تعقب بها الآية والحديث يعد بياناً ناقصاً منا أو بحثاً غير مكتمل..وهذا فيما يتعلق بالحقائق بالطبع ..

القرآن جاء لا مؤيدا لحقائق ولا معارضا لها بهذا المعنى وإنما جاء موازيا مع هذه الحقائق ..بمعنى أن كل حقائق الكون جاء ذكرها فى القرآن الكريم ..فكل حقيقة علمية هي في الأصل حقيقة قرآنية.. ويسر الوحي الإلهي في القرآن والسنة تفسير هذه الظواهر الكونية والعلمية لاجتهاد المتخصصين من العلماء على مر العصور بالقياس والاستنباط والتجريب حتى يصلوا لحقائق القرآن العلمية .. ففي كل عصر يجد الناس علماً جديداً لم يكن فهمه متاحاً لمن سبقهم من الناس في عصور مضت.. وسيظل القرآن والسنة رسالتين متجددتين للناس جميعاً منذ لحظة التنزيل وإلى يوم القيامة..

أدين لروحك بسعادتى منذ أمس وحتى الآن ..وشكرا جميلا لك من قلب عشتار

:clappingrose:

رابط هذا التعليق
شارك

و أنا بحق مستمتعة جدا بكما انتما الاثنان

و لي عودة لمناقشة اينشتاين

فأنا مغرمة بالفيزياء و بنظرياته فيها

بارك الله لكما و عليكما يا عصافيري

مهما كانت أعماركما في الحقيقة

أشعر أنكما أبنائي

:give_rose: :give_rose:

صديقتى الغالية عبير الشرقاوى

اسمك جميل جدا ولا أخاله ينطبق سوى عليك بكل هذا البوح العطرى الفواح

كل سنة وأنتى طيبة ..وأسرتك الجميلة وابناءك الأحباء

أعاد الله عليكم الايام المباركة بالخير والسعادة ان شاء الله

واذا كنتى أنتى تشعرين أننا أبناءك فحقا أنا وطائرى وأثره

نشعر فيك بأمومة فطرية كونية يا

أنثى الطبيعة والجمال والشجن

كونى بخير ..كونى بفرحة

fan;;;;;;;;;;;;;;;;;;;;;os11.gif

رابط هذا التعليق
شارك

و أنا بحق مستمتعة جدا بكما انتما الاثنان

و لي عودة لمناقشة اينشتاين

فأنا مغرمة بالفيزياء و بنظرياته فيها

بارك الله لكما و عليكما يا عصافيري

مهما كانت أعماركما في الحقيقة

أشعر أنكما أبنائي

:give_rose: :give_rose:

صديقتى الغالية عبير الشرقاوى

اسمك جميل جدا ولا أخاله ينطبق سوى عليك بكل هذا البوح العطرى الفواح

كل سنة وأنتى طيبة ..وأسرتك الجميلة وابناءك الأحباء

أعاد الله عليكم الايام المباركة بالخير والسعادة ان شاء الله

واذا كنتى أنتى تشعرين أننا أبناءك فحقا أنا وطائرى وأثره

نشعر فيك بأمومة فطرية كونية يا

أنثى الطبيعة والجمال والشجن

كونى بخير ..كونى بفرحة

fan;;;;;;;;;;;;;;;;;;;;;os11.gif

حقا..كم نشعر فيك بأمومة فطرية كونية يا

أنثى الطبيعة والجمال والشجن

الصديقة الجميلة والإنسانة الحقة "مصرية الشرقاوي"

قالت عشتار ما بقلبي

وما يحمله قلبي وقلب عشتار تجاهك من حب وإعزاز واعتزاز 

ليس بالهين أن نعبر عنه في كلمات

كوني بخير وكوني بفرحة تليق بقلبك المتسع كسماء صافية

وبعبير محبتك التي تنثرينها في القلوب نثر الخالق للنجوم في السماء

وبلغتك البهية التي تأتي بالحب والخير في مواسمه وفي غير مواسمه

رابط هذا التعليق
شارك

الكتاب: أحلام أينشتين

المؤلف : ألان لايتمان

المترجم : على القاسمي

الناشر : كتاب إبداع - العدد 18 - ربيع 2011

طيرى المحلق بوسع أجنحته فى سماوات الحب والمعرفة والإيمان

أرجو أن تكون فى أحسن حال ..كما هو حالى الآن بفضل الله ثم بفضلك .. حال الشبع والإرتواء الروحى والقلبى والعقلى .. الثلاثة معاً ..والحقيقة أننى اتكأت بروحى كلها على ردك الوثير هذا فشعرت أننى متكئة على أريكة فى جنة حدائق خلاقة تطرح من ثمار العقل والقلب والروح ما يجعلنى الإنسان شكلا ومضمونا كما أراد الله له أن يكون ..نعم ..لهذه الدرجة راقنى جدا ردك وكلامك وفكرك السامى المحلق عاليا والدائم الحضور يا أثر الطائر حتى أننى بدورى ارتفعت من فوق الأرض كروح ولا شىء غيرها ..ومهما قلت .. والله ..لن أستطع أن أعبر لك عن المتعة والسعادة الذين وجدتهما فى قراءة انسانيتك هنا .. فى هذا الرد بالتحديد ..

يتبقى شىء واحد فقط شعرت أنه يتعين على أن أعود لأوضحه لك اذا سمحت لى طالما أنك - ممنونة لك من كل قلبى - مرحب بعودتى واطالتى ..وهى الجزئية التى تتعلق بكون كتاب الله عز وجل ..القرآن الكريم ..كتاب علمى ..ودعنى أفسر أكثر ماذا كنت أقصد ..أجد نفسى أصلا على وفاق معك تماما فى أن القرآن كلام الله المقدس الذى لا يخضع للتجريب مثلما تخضع النظريات العلمية ..ولكن ما كنت أعنيه هنا ليست النظريات ..ليست النظريات بالتحديد فأنت بالتأكيد تتفق معى على أن الحقائق العلمية غير النظريات العلمية .. النظريات العلمية كما تعرف متغيرة ومتحركة أما الحقائق العلمية مثل الحقائق الرياضية(واحد زائد واحد يساوي اثنين) هذه لا مانع من أن نستنطق القرآن حولها لأنها لا تتغير.. أليس كذلك ..متى يحدث الخلاف على مسألة الحقائق والنظريات هذه وعلاقتهما بالقرآن ..أو متى تحدث المشكلة ..أعتقد عندما يحدث تصادم بين القرآن وبين الحقائق العلمية التى لم تثبت بعد في الكون .. لأن القرآن الكريم لا يتغير ولا يتبدل ولو حدث مثل هذا التصادم لضاعت قضية الدين كلها .. ولكن التصادم يحدث من شيئين ..اما عدم فهم حقيقة قرآنية أو عدم صحة حقيقة علمية " نظرية " .. فإذا لم نفهم القرآن جيدا وفسرناه بغير ما فيه حدث التصادم .. وإذا كانت الحقيقة العلمية كاذبة أو خاضعة للتجريب والتجديد بحسب المنهج العلمى نفسه حدث التصادم .. ولكن كيف لا نفهم الحقيقة القرآنية وهذا يحدث بالتأكيد ..ما المانع !

أورد لك جزء مقتبس من خواطر ايمانية للشيخ الشعراوى ..أعتقد أننا نتفق عليها ..أتمنى ذلك ..

سنضرب مثلا لذلك ليعلم الناس أن عدم فهم الحقيقة القرآنية قد تؤدي إلى تصادم مع حقائق الكون .. الله سبحانه وتعالى يقول في كتابه العزيز : ( وَالأَرْضَ مَدَدْنَاهَا )سورة الحجر : 19 .. المد معناه البسط .. ومعنى ذلك أن الأرض مبسوطة .. ولو فهمنا الآية على هذا المعنى لا تّهمنا كل من تحدّث عن كروية الأرض بالكفر خصوصا أننا الآن بواسطة سفن الفضاء والأقمار الصناعية قد استطعنا أن نرى الأرض على هيئة كرة تدور حول نفسها .. نقول إن كل من فهم الآية الكريمة ( وَالأَرْضَ مَدَدْنَاهَا ) بمعنى أن الأرض مبسوطة لم يفهم الحقيقة القرآنية التي ذكرتها هذه الآية الكريمة .. ولكن المعنى يجمع الإعجاز اللغوي والإعجاز العلمي معا ويعطي الحقيقة الظاهرة للعين والحقيقة العلمية المختفية عن العقول في وقت نزول القرآن . عندما قال الحق سبحانه وتعالى : ( وَالأَرْضَ مَدَدْنَاهَا ) أي بسطناها .. أقال أي أرض ؟ لا.. لم يحدد أرضا بعينها .. بل قال الأرض على إطلاقها .. ومعنى ذلك أنك إذا وصلت إلى أي مكان يسمى أرضا تراها أمامك ممدودة أي منبسطة .. فإذا كنت في القطب الجنوبي أو في القطب الشمالي .. أو في أمريكا أو أوروبا أو في أفريقيا أو آسيا .. أو في أي بقعة من الأرض .. فأنك ترها أمامك منبسطة .. ولا يمكن أن يحدث ذلك إلا إذا كانت الأرض كروية .. فلو كانت الأرض مربعة أو مثلثة أو مسدسة أو على أي شكل هندسي آخر .. فإنك تصل فيها إلى حافة .. لا ترى أمامك الأرض منبسطة .. ولكنك ترى حافة الأرض ثم الفضاء .. ولكن الشكل الهندسي الوحيد الذي يمكن أن تكون فيه الأرض ممدودة في كل بقعة تصل إليها هي أن تكون الأرض كروية .. حتى إذا بدأت من أي نقطة محددة على سطح الكرة الأرضية ثم ظللت تسير حتى عدت إلى نقطة البداية .. فإنك طوال مشوارك حول الأرض ستراها أمامك دائما منبسطة .. وما دام الأمر كذلك فإنك لا تسير في أي بقعة على الأرض إلا وأنت تراها أمامك منبسطة وهكذا كانت الآية الكريمة ( وَالأَرْضَ مَدَدْنَاهَا ) لقد فهمها بعض الناس على أن الأرض مبسوطة دليل على كروية الأرض .. وهذا هو الإعجاز في القرآن الكريم .. يأتي باللفظ الواحد ليناسب ظاهر الأشياء ويدل على حقيقتها الكونية . ولذلك فإن الذين أساءوا فهم هذه الآية الكريمة وأخذوها على أن معناها أن الأرض منبسطة .. قالوا هناك تصادم بين الدين والعلم .. والذين فهموا معنى الآية الكريمة فهما صحيحا قالوا إن القرآن الكريم هو أول كتاب في العالم ذكر أن الأرض كروية وكانت هذه الحقيقة وحدها كافية بأن يؤمنوا .. ولكنهم لا يؤمنون..

كان هذا مثال أنا مقتنعة به على حقيقة علمية مثبتة وليس نظرية جاء بها القرآن قبل أى اكتشافات ودراسات بشرية ..وكنت أقصد بأن القرآن كتاب دينى علمى هذا الأمر بالتحديد ..هذه وجهة نظرى يا أثر الطائر ..أن للقرآن الكريم منهجين ..منهج علمى وعقلى يؤديان لتمام الإيمان ..فهو ليس كتاب نظريات..ولكن توجد فيه إيحاءات ربما ترتبط ببعض النظريات أو تصل إليها بطريق القياس والاستنباط الذين يتخذهما الإنسان لتصبح حقيقة كونية ..ايحاءات علمية ..كما أنك لابد تعرف أن استقرار الإيمان في القلب يكون عن طريق العقل.. أو ان العقل احدى اقوى الطرق للإيمان وهذا أفضل الإيمان..ومن ذلك نفهم - يقيناً - أن بيان الإعجاز العلمي في أية آية قرآنية أو حديث نبوي من دون ربطه بالهداية الدينية التي تعقب بها الآية والحديث يعد بياناً ناقصاً منا أو بحثاً غير مكتمل..وهذا فيما يتعلق بالحقائق بالطبع ..

القرآن جاء لا مؤيدا لحقائق ولا معارضا لها بهذا المعنى وإنما جاء موازيا مع هذه الحقائق ..بمعنى أن كل حقائق الكون جاء ذكرها فى القرآن الكريم ..فكل حقيقة علمية هي في الأصل حقيقة قرآنية.. ويسر الوحي الإلهي في القرآن والسنة تفسير هذه الظواهر الكونية والعلمية لاجتهاد المتخصصين من العلماء على مر العصور بالقياس والاستنباط والتجريب حتى يصلوا لحقائق القرآن العلمية .. ففي كل عصر يجد الناس علماً جديداً لم يكن فهمه متاحاً لمن سبقهم من الناس في عصور مضت.. وسيظل القرآن والسنة رسالتين متجددتين للناس جميعاً منذ لحظة التنزيل وإلى يوم القيامة..

أدين لروحك بسعادتى منذ أمس وحتى الآن ..وشكرا جميلا لك من قلب عشتار

:clappingrose:

وأنا أدين لك بكل سعادة على الإطلاق يا عشتار.. :clappingrose:

حقا يا عشتار لا شيء - أعني لا شيء - أنصع من روحك ولا أروع من قلبك ولا أبهى من عقلك..ولا شيء كذلك يضاهي سعادة الاتفاق معك في رأي أو فكر أو وجهة نظر أو شعور..لا شيء يقارب سعادة هذا الاتفاق إلا الاختلاف الذي كلما حدث يولد نقاشا، مع ما يعنيه النقاش معك من عمق ومن أصالة ومن قدرة على التشعب والتوغل دون تضييع البوصلة والوجهة الأصلية والقضية الصلب..فتصح للنقاش معك دائما قيمته وتصبح له لذته التي تغري باتصاله ودوامه..,ليته يدوم ويتصل يا عشتار ولو إلى الأبد..

ولنبدأ من إشكالية التفريق بين "الحقيقة" و"النظرية" العلمية..وفي الواقع فإن هذا الفارق بين المصطلحين ربما يكون فارقا غير حقيقي إلى حد بعيد. إذ لو حاولنا أن نعرّف ماهية "الحقيقة العلمية" تعريفا علميا (أي من وجهة نظر العلوم ومنهجيتها) لما وجدنا تعريفا لها، لأن البناء العلمي المعرفي التجريبي لا يعترف بوجود "حقيقة علمية" مطلقة، فالحقائق العلمية كلها محدودة بحدود وسائل الإنسان في المعرفة أي حواسه، والحاسة الإنسانية هي حاسة خادعة لا يمكنها أن تصل بالإنسان إلى حقائق نهائية أبدا، بحكم طبيعتها النسبية. يعني مثلا إذا أفترضنا أنه كانت للعين البشرية تركيبا يختلف عن التركيب الحالي لاستطاع الإنسان مثلا أن يرى الأحجام الحقيقية للأشياء مهما ابتعدت، لكنه - بالتركيب الحالي للعين - لا يمكنه أن يعرف الحجم الحقيقي للأشياء المختلفة عبر المسافات المختلفة إلا بالتقدير، والتقدير المعنوي للأمر المادي دائما نسبي وغالبا خادع.

ولو ألقينا نظرة على الأدوات العلمية التي يستخدمها الإنسان كامتداد لحواسه (كالتلسكوبات مثلا بالنسبه للعين) لوجدنا ما ينطبق على الحواس ينطبق عليها، فلأن صانع هذه الأدوات بشري فهي أدوات لا تسلم من الخطأ مهما كانت دقتها من جهة، والأهم أنها أدوات تتوافق مع تركيب الحاسة البشرية مما يجعلها تابعة لها في نسبيتها وفي إمكانية تعرضها للخطأ.

ولندلف إلى النسبية كمثال على ذلك، فالنظرية النسبية كلها أنبنت على حقيقة علمية واحدة لا غير، حقيقة فيزيائية واحدة هي ما وجدها أينشتين جديرة بأن نطلق عليها "حقيقة علمية" وهي ثبات معدل سرعة الضوء في الكون، كان هذا - بالنسبة لأينشتاين والنسبية - الحقيقة الثابتة الوحيدة في كون من التغير المستمر والتي أمكنه أن يبني عليها نظريته. سرعة الضوء ثابتة فعلا لكن نظرية أينشتين ذاتها والتي أنبنت على ثبات سرعة الضوء ما لبثت أن بدأت تغرق في افتراضات علمية حول إمكانية اختراق هذه السرعة، وماذا يحدث لو تم اختراقها، وقيل أن بعض الجسيمات الدقيقة التي تشبه الفوتونات الضوئية يمكنها اختراق حاجز سرعة الضوء و..و.. وسريعا يمكن أن تتحول هذه الحقيقة العلمية الثابتة (سرعة الضوء) إلى محض افتراض علمي انبنت عليه نظرية، افتراض علمي يمكن للإنسان أن يعيد تركيبه أو بناءه أو يقرر التخلص منه في حال توصله إلى إثبات أو دليل علمي أو بالأصح إلى "حقيقة علمية" مختلفة.

إذن، فمن وجهة نظري يا عشتار، أن ما ينطبق على "الحقائق العلمية" ينطبق تماما على "النظريات العلمية"، وما النظرية العلمية في النهاية سوى بناء من الحقائق، بناء تفسيري يستهدف الوصول إلى قراءة "الحقائق" أو ما يزال في عداد الحقائق ولم يكذبه الاكتشاف العلمي بعد.

ومن هنا تلوح أيضا خطورة الزج بالقرآن وبأيات حكمته الإيمانية المقدسة إلى بحر من الرمال المتحركة، ميدان العلم البشري، الذي يلوح ثابتا ووطيدا للعين لكنه ليس في الحقيقة ما هو أكثر منه تغيرا بحكم بشريته. فلو كان الهدف مثلا من الزج بأيات القرآن الحكيم إلى المجال العلمي هو إقناع العقول بالدين أو إثبات وجود الله أو الرد على شبهات أو..أو..فإن النتيجة التي يصل بنا هذا الطريق الوعر إليها يكون غالبا العكس تماما. ويصدق علينا وقتها قول الشاعر :

راح يبغي نجوة من هلاك فهلك/والمنايا رصد للفتى حيث سلك

وسوف أشرح مقدار وهول هذا "الهلاك" من خلال مثال تفسير فضيلة الشيخ الشعراوي نفسه :

سنضرب مثلا لذلك ليعلم الناس أن عدم فهم الحقيقة القرآنية قد تؤدي إلى تصادم مع حقائق الكون .. الله سبحانه وتعالى يقول في كتابه العزيز : ( وَالأَرْضَ مَدَدْنَاهَا )سورة الحجر : 19 .. المد معناه البسط .. ومعنى ذلك أن الأرض مبسوطة .. ولو فهمنا الآية على هذا المعنى لا تّهمنا كل من تحدّث عن كروية الأرض بالكفر خصوصا أننا الآن بواسطة سفن الفضاء والأقمار الصناعية قد استطعنا أن نرى الأرض على هيئة كرة تدور حول نفسها .. نقول إن كل من فهم الآية الكريمة ( وَالأَرْضَ مَدَدْنَاهَا ) بمعنى أن الأرض مبسوطة لم يفهم الحقيقة القرآنية التي ذكرتها هذه الآية الكريمة .. ولكن المعنى يجمع الإعجاز اللغوي والإعجاز العلمي معا ويعطي الحقيقة الظاهرة للعين والحقيقة العلمية المختفية عن العقول في وقت نزول القرآن . عندما قال الحق سبحانه وتعالى : ( وَالأَرْضَ مَدَدْنَاهَا ) أي بسطناها .. أقال أي أرض ؟ لا.. لم يحدد أرضا بعينها .. بل قال الأرض على إطلاقها .. ومعنى ذلك أنك إذا وصلت إلى أي مكان يسمى أرضا تراها أمامك ممدودة أي منبسطة .. فإذا كنت في القطب الجنوبي أو في القطب الشمالي .. أو في أمريكا أو أوروبا أو في أفريقيا أو آسيا .. أو في أي بقعة من الأرض .. فأنك ترها أمامك منبسطة .. ولا يمكن أن يحدث ذلك إلا إذا كانت الأرض كروية .. فلو كانت الأرض مربعة أو مثلثة أو مسدسة أو على أي شكل هندسي آخر .. فإنك تصل فيها إلى حافة .. لا ترى أمامك الأرض منبسطة .. ولكنك ترى حافة الأرض ثم الفضاء .. ولكن الشكل الهندسي الوحيد الذي يمكن أن تكون فيه الأرض ممدودة في كل بقعة تصل إليها هي أن تكون الأرض كروية .. حتى إذا بدأت من أي نقطة محددة على سطح الكرة الأرضية ثم ظللت تسير حتى عدت إلى نقطة البداية .. فإنك طوال مشوارك حول الأرض ستراها أمامك دائما منبسطة .. وما دام الأمر كذلك فإنك لا تسير في أي بقعة على الأرض إلا وأنت تراها أمامك منبسطة وهكذا كانت الآية الكريمة ( وَالأَرْضَ مَدَدْنَاهَا ) لقد فهمها بعض الناس على أن الأرض مبسوطة دليل على كروية الأرض .. وهذا هو الإعجاز في القرآن الكريم .. يأتي باللفظ الواحد ليناسب ظاهر الأشياء ويدل على حقيقتها الكونية . ولذلك فإن الذين أساءوا فهم هذه الآية الكريمة وأخذوها على أن معناها أن الأرض منبسطة .. قالوا هناك تصادم بين الدين والعلم .. والذين فهموا معنى الآية الكريمة فهما صحيحا قالوا إن القرآن الكريم هو أول كتاب في العالم ذكر أن الأرض كروية وكانت هذه الحقيقة وحدها كافية بأن يؤمنوا .. ولكنهم لا يؤمنون..

"والأرض مددناها" هي الآية القرآنية الكريمة المقصودة بالتفسير على مرجعية النظرية أو "الحقيقة" العلمية. ولو لم نعتبر "الحقيقة" العلمية مرجعية لتمكنا من قراءة مستقيمة ومتأملة لمعاني المد والبسط المرتبطة بصفة من صفات الذات الإلهية وهي صفة الصنع والخلق.

لكن الحقيقة العلمية (المرجعية) تقول إن الأرض كروية، ويلوح لنا أن كروية الأرض أمر ثابت لدرجة لا يمكن التشكيك فيها، ولكن لو تفحصنا حقيقة علمية أخرى ثابتة مثل استقامة الكون (أقصر مسافة بين نقطتين هو الخط المستقيم) وهي حقيقة كشفت النسبية "لاحقيقتها" حيث عرف العلماء أن الكون كله منحنى وعليه يصبح أقصر مسافة بين أي نقطتين فيه هو الخط المنحني وليس الخط المستقيم، وأن فكرة استقامة الخطوط ذاتها ليست أكثر من خداع بصري. لو تفحصنا "نموذجا" من هذا النوع للحقائق العلمية التي يصيبنا القول بخطئها بدهشة وعدم تصديق لما جعلنا أي حقيقة علمية نسبية ومتغيرة أخرى "مرجعية" نفسر بها أيات القرآن الذي هو كلام الله الإلهي الثابت المطلق الصالح لكل زمان والذي لا يتغير.

استخدام الحقائق العلمية النسبية المتغيرة كمرجعية لتفسير أيات القرآن يقودنا إلى محاولة الوصول إلى (المعنى الحقيقي) للفظ القرآني وهو ما يعني ربما أننا نصم اللفظ القرآني - بدون أن نعي ذلك أو نقصده أبدا - بعدم الدقة، فلو اعتقدنا مثلا أن المقصود من بسط الأرض أو مدها هو معنى الكروية فكأننا نقول أن الله - جل وعلا عن ذلك علوا كبيرا - قصد بكلمة مددناها أن يقول كورناها!!..فهل هذا المنطق يستقيم!!

كما أن استخدام الحقائق العلمية النسبية المتغيرة كمرجعية لتفسير أيات القرآن الكريم تجعل من تفاسير الأيات القرآنية عملا غير ذي جدوى يستهدف التثقيف بحقائق العصر ونظرياته العلمية الشائعة المتغيرة وليس الإحاطة بحقيقة الإيمان وسبل الوصول إلى الله. ولنأخذ مثالا من تفسير ابن عباس لنفس الآية الكريمة (والأرض مددناها) حيث قال ابن عباس في معناها : "بسطناها على وجه الماء"!!.

كما أن استخدام الحقائق العلمية النسبية المتغيرة كمرجعية لتفسير آيات القرآن الكريم تصل بنا غالبا إلى أقصى التعسف والشذوذ في الافتراض والقراءة والتفسير..وفي هذا الصدد سأضرب لك مثالا من اجتهاد آخر معروف لفضيلة الشيخ الشعراوي - وكل البشر خطاؤون وقابلون للاتفاق والاختلاف ولا نزكي على الله أحدا - وهو تفسيره لآية "والأرض بعد ذلك دحاها" قياسا على مرجعية أن الأرض ليست كاملة الاستدارة أي أقرب إلى الشكل البيضاوي منها إلى الشكل الدائري، وقد رأى فضيلته أن "الدحية" التي تعني في اللفظ العامي "بيضة الدجاجة" دليلا على قول القرآن الكريم بهيئة الأرض البيضاوية، وفات الشيخ أن المعنى العربي المعجمي لمادة "دحى" لم يكن يتضمن هذا المعنى العامي وقت نزول القرآن، وأن هذا المعنى استجد بعد نزول القرآن الكريم، بل بعد دخول اللغة العربية إلى مصر وتداولها.

كما أن استخدام الحقائق العلمية النسبية المتغيرة كمرجعية لتفسير أيات القرآن الكريم يصل بنا غالبا إلى ارتكاب الأخطاء من قبل المفسرين الذين لا يتقنون غالبا لغة الحقيقة أو النظرية العلمية المتغيرة، ومن قبيل ذلك أيضا هذا الخطأ الشهير الذي ارتكبه فضيلة الشيخ الشعراوي في محاولته دحض لنظرية داروين العلمية (وهي نظرية مستقرة تماما وشائعة الصحة في الميدان العلمي والمنهجية العلمية) وقد رأى الشيخ الشعراوي أنها نظرية مضادة لحقائق الدين. وبغض النظر عن كون نظرية التطور كذلك من عدمه، فإن الشعراوي ساق دليلا غريبا على فساد نظرية التطور وهو أن كل القرود لم تتحول إلى آدميين (!!) معتقدا فضيلته أن نظرية التطور قالت بأن الإنسان أصله قرد، وهي نكتة شهيرة ارتبطت بالنظرية وراجت عنها لكن لا نظرية التطور ولا داروين نفسه قال في يوم من الأيام أن الإنسان كان أصله قرد.

وإلى هذه الدرجة وأكثر يا عشتار يمكن أن يزج بنا هذا النزوع - الجميل ولكن الخاطئ - تجاه اعتبار القرآن كتاب علمي، إنه يمكن أن يزج بنا إلى أهانة القرآن الكريم ذاته والعياذ بالله.

معك يا عشتار في أن كل حقائق الكون الإيمانية والروحية جاء ذكرها في القرآن لكن "حقائق" الكون المادية كلها حقائق متغيرة ونسبية ومتقلبة، ولا دخل للقرآن ولا ذكر فيه لأي حقائق نسبية أو متغيرة أو متقلبة، فالقرآن هو كلام الله الإلهي الذي يمثل قوانين ثابتة للإيمان بالمطلق والثابت والنهائي، وليس للجدل والاختلاف حول ما هو نسبي ومتغير..

لماذا لا نفسر القرآن الكريم تفسيرا منطقيا مستقيما مع معجزته الكبرى ككتاب وحي إلهي جاء في ثوب لغة بشرية كي يخاطب الروح والضمير والوجدان والعقل الإنساني بلغة الإيمان وليس بلغة الفيزياء أو الكيمياء أو أي لغة أخرى علمية أو غير علمية؟

لماذا لا ينكفئ مفسرو القرآن الكريم على معانيه الإيمانية العميقة التي لا تنفذ ولا تنتهي، ويدربوا الناس على قراءة روحية وعقلية ونفسية مثمرة للقرآن الكريم بدلا من قراءات وتفسيرات تلهث وراء آخر مستجدات العلم لتحاول توفيقها أو تلفيقها مع القرآن الكريم تنزه مقامه وعلا شأنه عن ذلك علوا كبيرا؟

لماذا لا يقرأ ويفسر القرآن على مرجعية واحدة ووحيدة وكافية ومستفيضة وهي مرجعية القرآن الكريم ذاته، قراءة وتفسيرا تتطلع للغاية الكبرى وهي المعرفة بالله، ذاته وصفاته، والتعرف على حقائق الروح وحقائق الإيمان الكبرى التي تكفل للإنسان رحلة معرفية روحية مكللة بالنجاح باتجاه الآخرة، وليس غاية القرآن الكريم أبدا هي المعرفة بالمادة والتركيب المادي للكون الذي يمكننا أن نجده ونتعرف عليه في الكتب والمراجع والمختبرات والمعامل العلمية؟

لماذا..ولماذا..ولماذا؟؟؟

القصور فينا وليس في القرآن الكريم بكل يقين..

.

.

قلقت يا عشتار الرقيقة من الإطالة وأنا أقلق من أن أكون قد أصبتك بصداع من كثرة ما كتبت ورددت هنا..

لكنها كما أسلفت عادة لا تتغير في كل نقاشاتك المعمقة وجدالك الفكري الحي الراقي المتشعب الخلاق..

مرة أخرى أرحب بإطالتك، وبكل إطالة منك، فإنها لا ولن تأتي أبدا بغير الفائدة والخير الكثير..

كما أشفق عليك من إطالتي أنا..وأعرف أن سيتسع لها قلبك الكبير..

كوني المحبوبة دائما يا عشتار..ألف وردة من قلبي..ووردة واحدة من هنا :clappingrose:..ووردتين :clappingrose: :clappingrose:

رابط هذا التعليق
شارك

  • بعد 1 شهر...

الكتاب: نزهة النفوس ومضحك العبوس

المؤلف : سيدي علي بن سودون البشبغاوي

تحقيق ودراسة : أرنو فروليك

الناشر : سلسلة الذخائر - وزارة الثقافة المصرية 2010

1.jpg?w=326&h=448

الحب المرح..

لون غير مألوف، معجب ومدهش وطريف، من الحب

الحب عندما يترتب عليه شعور بالطرافة. الأصدق – ربما - أنه الحب عندما يكون الدافع إليه شعور بالطرافة. العاشق عندما يسخر من ذات العاشق، من ذات المعشوق، من المواقف التي يضع فيها العشق العاشق والمعشوق.

هل يمكن أن يختلط الحب بالضحك كما يختلط بالدموع أحيانا؟

قطعا، فالحب كالماء والهواء، الحب أشبه ما يكون بما أسماه الفلاسفة القدماء بـ"الاسطقسات" أو "العناصر الأربعة"، فهو كهذه العناصر الأساسية الخالقة لنفسها والمخلقة لسواها. العناصر الأساسية التي تدخل في تركيب كل عناصر الكون ودقائقه، والتي يؤدي غيابها إلى انهيار الكون، اختفاؤه، فناؤه وتلاشيه.

امتزاج الحب بالضحك على هذه الصورة الشائقة يقدم دليلا قاطعا على أن الحب هو الإنسان في ضحكه ولهوه، كما في عبثه وفجعيته، في ملهاويته كما في مأساويته، في قوته كما هو في ضعفه، في قسوته كما هو في حنانه.

الحب هو الإنسان

صاحب "نزهة النفوس ومضحك العبوس" هو مصري عاش في القرن التاسع الهجري بين أعوام (810 - 868) هجرية أو (1407-1464) ميلادية. وكما هو مدون على مخطوط الكتاب المحفوظ في دار الكتب المصرية (وله نسخة أقدم محفوظة بأكسفورد- بريطانيا) فهو "العلامة الأستاذ سيدي علي إبن سودون البشبغاوي". وكما قد يدل اسمه فهو مصري من أصول جركسية لكنه من مواليد القاهرة عاش حياته في فترة الحكم المملوكي. وكان من أعلام الأدب الساخر في العصر المملوكي. عمل "إبن سودون البشبغاوي" إماما لأحد المساجد بالقاهرة وهو ما يلفت النظر إلى وجود أئمة مساجد من قديم الزمان يحبون ويتفاكهون ولا يتعالون على إنسانيتهم ولا على خلق الله. وغلبت على الرجل طبائعه الضاحكة ومواهبه في المزاح والمرح حينا فأتخذ من خيال الظل وسيلة للكسب يتعيش منها. وقد نفي بسبب موهبته أيضا وفي أواخر حياته إلى الشام وظل بها حتى وفاته.

وقد ترك "إبن سودون البشبغاوي" عمله الوحيد والشهير في التراث المصري والعربي "نزهة النفوس ومضحك العبوس" حيث وضع فيه خلاصات تجاربه الحياتية وإبداعاته الشعرية والزجلية والنثرية. وقد أنتهى من كتابه بمساعدة ابن زوجته عام 868 هـ.

ومنذ ما كان يسمى قديما "ديباجة الكتاب" أو "خطبة الكتاب" وهي بمثابة التمهيد أو المقدمة أو المدخل إليه، يلوح ما في سطوره وما في روح صاحبه من خفة ظل محببة ومرح إنساني ومن قدرة ظريفة وباذخة أيضا على تطويع اللغة للمرح والضحك والفكاهة. يبدأ الكتاب هكذا :

"الحمدلله المنعم عند قبض النفوس بشرح الصدور ماحي ما ثبت من الحزن ومعدمه بإيجاد السرور حامي من دخل في ظلمات جوعه ومخرجه بالشبع إلى النور جاعل الرطب من الحطب واليقطين من الطين والطيور من البيوض والبيوض من الطيور منزل سايل الأقطار في ساير الأقطار ومجري السيول والأنهار في الليول والأنهار ومصرف الأمور والصلاة والسلام على سيدنا محمد خاتم النبيين وآله وصحبه أجمعين ما اعتبس أفق وابتسم برق وتمبكت سحابة وتمضحكت زهور..قال كويتب هذه الأحرف.."

ثم يردف "إبن سودون" بدايته الجادة الهازلة التي تحاكي صياغات أهل زمانه ولكن محاكاة مرحة، بالظروف التي أملى فيها الكتاب، ومن قبلها الظروف التي قادته إلى الإبداع الشعري الفكاهي. حيث أصبح في منفاه "ساكن القلب من تحريك هم العيال مطلقا من التقييد في كل حال". وكان له تجربة شعرية في "وزن القريض ونقده" والمفهوم للقارئ من هذه الصياغة هو أنه كان يقرض الأشكال الشعرية المتعارف عليها بين أهل زمانه، أي الأشكال الشعرية الجادة غير الفكهة ولا الضاحكة. لكن (ويبدو هنا وكأنه يصف شعر زماننا): "صار ما عز منه وامتنع سهلا مهانا" أي انتشرت كتابته انتشارا غير مقنن، وكثر كتابه ممن لا يتقنونه ولا موهبة لهم، فاختلطت المعايير وغاب الشعر الحقيقي النقي في زحام الغث المغشوش من المطروح شعرا. لكن لم يستسلم "إبن سودون" بهذه السهولة، قاوم وحاول:"أكثرت من التغالي في الأشعار ثم وجدتها رخيصة الأسعار لا أجد لما أبديه طالبا ولا أرى فيه راغبا". وهو لا يقصد بـ"رخص الأسعار" هنا غالبا قلة الدخل أو ضيق الرزق لأنه في الحقيقة ومنذ هذه العصور القديمة وحتى يومنا هذا لا يتكسب شاعر حقيقي من شعره بعيدا عن بلاط الملوك والخلفاء وأصحاب السلطان. ما فعله "إبن سودون" يشبه كثيرا ما عمد إليه من بعده شعراء القصيدة السبعينية وبعض الشعراء الموهوبين حتى اليوم من "التغالي" في الغموض والإغراق في مجازات الشعر والتحليق في ذراه التي لا تطيق الوصول إليها المواهب المتوسطة أو الضعيفة. وهو ما أدى إلى ما أدت إليه تجربة السبعينيات الشعرية من انفضاض جمهور الشعر وتوحد الشاعر وانسحابه من أبواب الحياة إلى صفحات الكتب. ويمسي الشاعر وكأنه يخاطب نفسه ويكتب لروحه. لكن "إبن سودون" بروحه المتوثبة الخلاقة التواقة إلى مغازلة الجموع ومؤانسة الناس ما كان ليقبل بمصير كهذا: "فتركت هذه الصناعة لما رأيتها كاسدة والتسويد في إصلاحها من الخيالات الفاسدة وأجريت الفكر في شأن الزواج.."

أنخرط الشاعر في غمار حياته الواقعية وذاب في تيار حياة الناس اليومية، ورغم أن القريحة أصبحت "قريحة مزمنة لا تمنح من جواهر صفايها نظما ولا نثرا ولا تسمح أن تظهر في سمايها شمسا ولا بدرا"، ظلت نيران الشعر التي أشتعلت وقدتها بين جوانحه ذات يوم تؤرق الشاعر، وهنا ظهرت له هذه الصيغة الشعرية المرحة منقذا لمواهبه التي أوشكت على الإندثار في غياهب النسيان : "..حتى ثنيت عنانها (الكتابة) إلى نوع من الخراع فعدت في ميادينه تجول وتلقى الناس منها ذاك بالقبول حتى صرت فيه أشهر من نار على علم وإن كنت أعرى من قلم"

كتابة الخراع وعري القلم!!..هذه هي الموهبة حين تنطق، فلا تجد ذاتها في غير بؤرة التواضع الخلاق، ولا يجد الموهوب نفسه إلا "أعرى من قلم" لأنه لم يصل إلى ما أراد، وإرادته شاهقة كالجبال. ولأنه لم يقدم شيئا بعظمة ما كان يحفل بتقديمه.

منتخبات من "نزهة النفوس ومضحك العبوس"

هنا يبدو الحب طائرا ذا تحليق مشاكس، خفيفا كاللهب حارقا كالنكتة، يضحك في عز جهامته، ويرقص في ذروة تلويه ألما، يبتسم شوقا ويبتسم عشقا ويبتسم التياعا، ينظر للنفس البشرية من أعاليه السماوية فيرى أرض الضحك مختلطة بأرض البكاء، ويرى هواء المحبة ممزوجا بهواء المرح..

هنا حب على غير النسق الشائع للحب..وإنه - في كل أحواله - حب الإنسان..ولأن الحب روح إنساني تماما كما أنه روح إلهي..

أولا – الشعر الفصيح:

(1)

هل سوء حظي رعاك الله أوقعني

في الجهد أم كل من يهواك مجهود

إن أبك تضحك وإن أسهر تنم فلذا

طرفي وطرفك مغمور ومغمود

كم ذم حبك عذالي وما كذبوا

بل حب أحمد في الدارين محمود

وهل لكسرى باب الجبر منفتح

وهل بوصلي باب الهجر مسدود

(2)

مذاكرة اللواحظ والسوالف

تذكرني أويقاتي السوالف

إذا رحل الحبيب فكل دار

حللت بها ففيها الدمع ذارف

عبيدك للمنى بالروح شار

فجد لفتى على الأخطار شارف

ترى يروى بكاس الوصل صاد

بحبك عن أهيل العذل صادف

فلو بلغ الأماني كل واش

لبات لعذب ثغرك وهو راشف

يرى ما دون وصلك غير واق

محب في مقام الهجر واقف

فوصلك من جراح الهجر آس

وإن تبخل به فالصب آسف

(3)

كم عذبوا القلب تقطيعا بلا سبب

ما ضر لو قطعوا بالوصل تعذيبي

يا عاذلا ظل يهذي بي عدمتك هل

ترجو بجهلك تهذيبي فتهذي بي

حبي ونصحك قد جربت ذاك وذا

دعني على سفن تجريبي لتجري بي

(4)

من الأغصان قد لاحت بدور

لقد وجبت على الصب النذور

بدور قطب مجراها فؤادي

عليه لمحنتي أبدا تدور

لهم شوقي كهجرهم طويل

وصبري مثل وصلهم قصير

نهاري إن هم هجروا ظلام

وليلي إن هم وصلوا ينور

هم الأمال والألام منهم

ومنهم جاء حزني والسرور

يسير بي الهوى في كل حال

لهم فلذاك ما ألقى يسير

(5)

ألاح وجهك أم ذا البدر في الغسق

أم بارق أم لآلي ثغرك النسق

يا جارح القلب رشقا باللحاظ لقد

أثخنته بالقوام الأهيف الرشق

بالقد والخد كلمت المتيم أو

باللفظ واللحظ أو بالحذق والحدق

رعاك ربي ما أبهاك من بشر

تفوق حسنا بدور التم في الأفق

وفي بيان معانيك البديعة لو

نحوت بالمنطق الإحصاء لم أطق

من رقة الخصر أو لين المعاطف لو

علمت قلبك ما أمسيت ذا قلق

سلسلت مطلق دمعي في هواك ومن

وثاق أشرك قلبي غير منطلق

حذرت قلبي إذ أغراه طرفك من

وصف الغرام فلم يعطف ولم يفق

يا حبذا منك ما ترضاه يا أملي

من ذاك أحلى رعاك الله لم أذق

تبت يدا الهجر قد أضحى أبا لهب

أعوذ منه برب الناس والفلق

(6)

أضوء صبح بدا أو ثغر مبتسم

وليل شعر دجا أم حندس الظلم

عيونه نصبت قلبي لها هدفا

وارحمتاه لقلب بالعيون رمي

صبابتي وكست صبري بما اقتبست

من حبه وكست أحشاي بالسقم

أواه أواه من عيني ومن كبدي

الماء والنار في فيض وفي ضرم

يا من تحكم في قلبي فعذبه

رفقا بقلبي رعاك الله من حكم

دع الجفاء ولا تشمت عذولي بي

والأمر أمرك ما قد شئت فاحتكم

رابط هذا التعليق
شارك

الكتاب: نزهة النفوس ومضحك العبوس

المؤلف : سيدي علي بن سودون البشبغاوي

تحقيق ودراسة : أرنو فروليك

الناشر : سلسلة الذخائر - وزارة الثقافة المصرية 2010

1.jpg?w=326&h=448

تابع : أولا-الشعر الفصيح

(7)

هم لرفع وصالي هجرهم نصبوا

فجر من جزمهم بالصد لي نصب

كم قيل لن يذهبوا والروح باقية

فقلت لم يبق لي روح ولا ذهبوا

قد حركوا بفؤادي الوجد إذ سكنوا

وعندما ثبتوا فيه به وثبوا

يا قلب حاول رضاهم إن هم سخطوا

وأبد عذرا ولو بالزور قد عتبوا

ولا تبن غضبا إن رمت قربهم

واسمع مقالة من قد زانه الأدب

لا تغضبن على قوم تحبهم

فليس يدنيك من أحبابك الغضب

(8)

في قامة الغصن إذ مرت حلا التلف

لمغرم قتله الأحباب قد ألفوا

أمسى وقامته كالذال مذ عبثت

منه بلام وباء في الهوى ألف

ماست دلالا وسامت قلبه صلفا

سوء العذاب ومنها حبذا الصلف

للقلب عدل إليها بعد معرفة

فكيف عنها مع الوصفين ينصرف

تقضي بقتلي وهي الخصم عابثة

والخصم إذ صار يقضي كيف انتصف

أكاد أنكر حبا تدعيه إذا

جارت ولكن لها بالحق اعترف

(9)

يا من لصب قد جفاه هجوعه

فرثت له بالوصل ثم دموعه

نار الغرام بقلبه مذ غرست

قد سعرت ما تحتويه ضلوعه

مهما تناسى الحب أذكره به

شوق يحركه إليه ولوعه

كاد الغرام يضله لو لم يكن

لمديح خير العالمين رجوعه

(10)

يقول علي وهو ابن سودون حين

توالت به الأحزان رب عين

لقد ضاق بي للبين متسع الفضا

ولا خير ممن يروح ويجين

ومذ لاح نجم الهجر في مشرق الحشا

لأقمار وصلي يا أخي خفين

وكل حزين حزنه سوف ينقضي

وفاقد من يهوى يظل حزين

سألت زماني هل من معين على النوى

فقال معين الدمع خير معين

جفا الجفن طول الليل طيب منامه

يراقب نجم الفجر علّ يبين

وما ضرهم أن يسمحوا لي بنومه

يرى طرفهم طرفي بها ويرين

وكم شاقني في الدوح نوح حمايم

علي فقد ألف غردت بحنين

وإني بجاه المصطفى متوسل

لينقذني مما أراه يهين

(11)

أبدا لوصلكم تحن ضلوعي

وبطيب ذكركم يزيد ولوعي

متعت ألحاظي ببعض جمالكم

فسرى الغرام جميعه لجميعي

قد كان يؤنسني المنام بطيفكم

حتى منعتم بعد ذاك هجوعي

فجفا الكرى جفني وواصله النوى

عند التفكر فيكم بدموعي

يا من أعزهم الهوى وأذلني

رفقا بذلي في الهوى وخضوعي

عن غيركم لكم رجعت أحبتي

لا كان عنكم ما حييت رجوعي

(12)

صب تولع بالأتراك معذور

وليس في بذله للروح تبذير

كتمت وجدي بهم دهرا فأظهره

إغراء دمع له في الخد تأثير

كأنه قمر قد لاح في شفق

وكاد من شعره يغشاه ديجور

ناديته إذ بدا يختال ذا ميل

ممنطقا وفؤادي معه مأسور

يا من تمنطق فوق الخصر يرفع من

تيه ذيولا بها للقلب تعثير

أرخيت بالشد إذ قويته جلدي

وكثرة الشد ترخي ذاك مشهور

(13)

سلوا مقل المليحة عن فؤادي

وما قد حل فيه من الوداد

تخبر أن صبري في انتقاص

وأن الشوق عندي في ازدياد

يميل قوامها كالغصن لينا

ولكن قلبها مثل الجماد

فهل يلقى المعنى في هواها

مناه أو يمنى بالمراد

إذا مرت على العشاق يوما

تراهم هايمين بكل واد

طويت على محبتها وأهوى

لها نشرا يطيب بكل ناد

(14)

جلال الحسن سل حسن الجلال

نوى لي الوصل أم وصل النوى لي

زها وسها يميس نعم ويرنو

بقد الغصن مع لحظ الغزال

يلوح جبينه والشعر داج

كبدر لاح في غسق الليالي

يلين معاطفا والقلب قاس

وحال منه ذا بل كل حال

ويعرض في هواه بلا دليل

عن المضنى ولكن بالدلال

رعاه الله من قمر تسامى

بآفاق الملاحة في كمال

أساء لي العذول وقال جهلا

ليبدي هل سلوت وما بدا لي

أسال أنت بعد العذل شيئا

فقلت نعم بعذل من أسا لي

فقتلي في التصابي في غزالي

جلال في جلال في جلال

(15)

عن المحبة لا العذال تلويني

ولا صفاءي ممزوجا بتلويني

وإن أطيب أوقاتي وأسعدها

ساعات قربك يا من حبه ديني

يدني لي الحزن يوم لا أراك به

ويوم رؤياك للأفراح يدنيني

(16)

يا منية القلب أو يا قرة العين

رفقا بقلب كوته حرقة البين

إن قيل عشقت سواك يا حب ذا مين

ملأت قلبي وما في جوفي قلبين

(17)

يا من يزيد إلى لقاه تشوفي

ولعزه ذلي يزيد تشرفي

أغرقت جفني بالدموع صبابة

والقلب قد أحرقته بتأسف

كم لامني فيك العذول سفاهة

يرجو بذلك عن هواك توقفي

ناديت لو ذقت الهوى يا عاذلي

ما لمت يعقوب الأسى في يوسف

رابط هذا التعليق
شارك

الكتاب: نزهة النفوس ومضحك العبوس

المؤلف : سيدي علي بن سودون البشبغاوي

تحقيق ودراسة : أرنو فروليك

الناشر : سلسلة الذخائر - وزارة الثقافة المصرية 2010

1.jpg?w=326&h=448

الحب المرح..

لون غير مألوف، معجب ومدهش وطريف، من الحب

الحب عندما يترتب عليه شعور بالطرافة. الأصدق – ربما - أنه الحب عندما يكون الدافع إليه شعور بالطرافة. العاشق عندما يسخر من ذات العاشق، من ذات المعشوق، من المواقف التي يضع فيها العشق العاشق والمعشوق.

هل يمكن أن يختلط الحب بالضحك كما يختلط بالدموع أحيانا؟

قطعا، فالحب كالماء والهواء، الحب أشبه ما يكون بما أسماه الفلاسفة القدماء بـ"الاسطقسات" أو "العناصر الأربعة"، فهو كهذه العناصر الأساسية الخالقة لنفسها والمخلقة لسواها. العناصر الأساسية التي تدخل في تركيب كل عناصر الكون ودقائقه، والتي يؤدي غيابها إلى انهيار الكون، اختفاؤه، فناؤه وتلاشيه.

امتزاج الحب بالضحك على هذه الصورة الشائقة يقدم دليلا قاطعا على أن الحب هو الإنسان في ضحكه ولهوه، كما في عبثه وفجعيته، في ملهاويته كما في مأساويته، في قوته كما هو في ضعفه، في قسوته كما هو في حنانه.

الحب هو الإنسان

صاحب "نزهة النفوس ومضحك العبوس" هو مصري عاش في القرن التاسع الهجري بين أعوام (810 - 868) هجرية أو (1407-1464) ميلادية. وكما هو مدون على مخطوط الكتاب المحفوظ في دار الكتب المصرية (وله نسخة أقدم محفوظة بأكسفورد- بريطانيا) فهو "العلامة الأستاذ سيدي علي إبن سودون البشبغاوي". وكما قد يدل اسمه فهو مصري من أصول جركسية لكنه من مواليد القاهرة عاش حياته في فترة الحكم المملوكي. وكان من أعلام الأدب الساخر في العصر المملوكي. عمل "إبن سودون البشبغاوي" إماما لأحد المساجد بالقاهرة وهو ما يلفت النظر إلى وجود أئمة مساجد من قديم الزمان يحبون ويتفاكهون ولا يتعالون على إنسانيتهم ولا على خلق الله. وغلبت على الرجل طبائعه الضاحكة ومواهبه في المزاح والمرح حينا فأتخذ من خيال الظل وسيلة للكسب يتعيش منها. وقد نفي بسبب موهبته أيضا وفي أواخر حياته إلى الشام وظل بها حتى وفاته.

وقد ترك "إبن سودون البشبغاوي" عمله الوحيد والشهير في التراث المصري والعربي "نزهة النفوس ومضحك العبوس" حيث وضع فيه خلاصات تجاربه الحياتية وإبداعاته الشعرية والزجلية والنثرية. وقد أنتهى من كتابه بمساعدة ابن زوجته عام 868 هـ.

ومنذ ما كان يسمى قديما "ديباجة الكتاب" أو "خطبة الكتاب" وهي بمثابة التمهيد أو المقدمة أو المدخل إليه، يلوح ما في سطوره وما في روح صاحبه من خفة ظل محببة ومرح إنساني ومن قدرة ظريفة وباذخة أيضا على تطويع اللغة للمرح والضحك والفكاهة. يبدأ الكتاب هكذا :

"الحمدلله المنعم عند قبض النفوس بشرح الصدور ماحي ما ثبت من الحزن ومعدمه بإيجاد السرور حامي من دخل في ظلمات جوعه ومخرجه بالشبع إلى النور جاعل الرطب من الحطب واليقطين من الطين والطيور من البيوض والبيوض من الطيور منزل سايل الأقطار في ساير الأقطار ومجري السيول والأنهار في الليول والأنهار ومصرف الأمور والصلاة والسلام على سيدنا محمد خاتم النبيين وآله وصحبه أجمعين ما اعتبس أفق وابتسم برق وتمبكت سحابة وتمضحكت زهور..قال كويتب هذه الأحرف.."

ثم يردف "إبن سودون" بدايته الجادة الهازلة التي تحاكي صياغات أهل زمانه ولكن محاكاة مرحة، بالظروف التي أملى فيها الكتاب، ومن قبلها الظروف التي قادته إلى الإبداع الشعري الفكاهي. حيث أصبح في منفاه "ساكن القلب من تحريك هم العيال مطلقا من التقييد في كل حال". وكان له تجربة شعرية في "وزن القريض ونقده" والمفهوم للقارئ من هذه الصياغة هو أنه كان يقرض الأشكال الشعرية المتعارف عليها بين أهل زمانه، أي الأشكال الشعرية الجادة غير الفكهة ولا الضاحكة. لكن (ويبدو هنا وكأنه يصف شعر زماننا): "صار ما عز منه وامتنع سهلا مهانا" أي انتشرت كتابته انتشارا غير مقنن، وكثر كتابه ممن لا يتقنونه ولا موهبة لهم، فاختلطت المعايير وغاب الشعر الحقيقي النقي في زحام الغث المغشوش من المطروح شعرا. لكن لم يستسلم "إبن سودون" بهذه السهولة، قاوم وحاول:"أكثرت من التغالي في الأشعار ثم وجدتها رخيصة الأسعار لا أجد لما أبديه طالبا ولا أرى فيه راغبا". وهو لا يقصد بـ"رخص الأسعار" هنا غالبا قلة الدخل أو ضيق الرزق لأنه في الحقيقة ومنذ هذه العصور القديمة وحتى يومنا هذا لا يتكسب شاعر حقيقي من شعره بعيدا عن بلاط الملوك والخلفاء وأصحاب السلطان. ما فعله "إبن سودون" يشبه كثيرا ما عمد إليه من بعده شعراء القصيدة السبعينية وبعض الشعراء الموهوبين حتى اليوم من "التغالي" في الغموض والإغراق في مجازات الشعر والتحليق في ذراه التي لا تطيق الوصول إليها المواهب المتوسطة أو الضعيفة. وهو ما أدى إلى ما أدت إليه تجربة السبعينيات الشعرية من انفضاض جمهور الشعر وتوحد الشاعر وانسحابه من أبواب الحياة إلى صفحات الكتب. ويمسي الشاعر وكأنه يخاطب نفسه ويكتب لروحه. لكن "إبن سودون" بروحه المتوثبة الخلاقة التواقة إلى مغازلة الجموع ومؤانسة الناس ما كان ليقبل بمصير كهذا: "فتركت هذه الصناعة لما رأيتها كاسدة والتسويد في إصلاحها من الخيالات الفاسدة وأجريت الفكر في شأن الزواج.."

أنخرط الشاعر في غمار حياته الواقعية وذاب في تيار حياة الناس اليومية، ورغم أن القريحة أصبحت "قريحة مزمنة لا تمنح من جواهر صفايها نظما ولا نثرا ولا تسمح أن تظهر في سمايها شمسا ولا بدرا"، ظلت نيران الشعر التي أشتعلت وقدتها بين جوانحه ذات يوم تؤرق الشاعر، وهنا ظهرت له هذه الصيغة الشعرية المرحة منقذا لمواهبه التي أوشكت على الإندثار في غياهب النسيان : "..حتى ثنيت عنانها (الكتابة) إلى نوع من الخراع فعدت في ميادينه تجول وتلقى الناس منها ذاك بالقبول حتى صرت فيه أشهر من نار على علم وإن كنت أعرى من قلم"

كتابة الخراع وعري القلم!!..هذه هي الموهبة حين تنطق، فلا تجد ذاتها في غير بؤرة التواضع الخلاق، ولا يجد الموهوب نفسه إلا "أعرى من قلم" لأنه لم يصل إلى ما أراد، وإرادته شاهقة كالجبال. ولأنه لم يقدم شيئا بعظمة ما كان يحفل بتقديمه.

منتخبات من "نزهة النفوس ومضحك العبوس"

هنا يبدو الحب طائرا ذا تحليق مشاكس، خفيفا كاللهب حارقا كالنكتة، يضحك في عز جهامته، ويرقص في ذروة تلويه ألما، يبتسم شوقا ويبتسم عشقا ويبتسم التياعا، ينظر للنفس البشرية من أعاليه السماوية فيرى أرض الضحك مختلطة بأرض البكاء، ويرى هواء المحبة ممزوجا بهواء المرح..

هنا حب على غير النسق الشائع للحب..وإنه - في كل أحواله - حب الإنسان..ولأن الحب روح إنساني تماما كما أنه روح إلهي..

أولا – الشعر الفصيح:

(1)

هل سوء حظي رعاك الله أوقعني

في الجهد أم كل من يهواك مجهود

إن أبك تضحك وإن أسهر تنم فلذا

طرفي وطرفك مغمور ومغمود

كم ذم حبك عذالي وما كذبوا

بل حب أحمد في الدارين محمود

وهل لكسرى باب الجبر منفتح

وهل بوصلي باب الهجر مسدود

(2)

مذاكرة اللواحظ والسوالف

تذكرني أويقاتي السوالف

إذا رحل الحبيب فكل دار

حللت بها ففيها الدمع ذارف

عبيدك للمنى بالروح شار

فجد لفتى على الأخطار شارف

ترى يروى بكاس الوصل صاد

بحبك عن أهيل العذل صادف

فلو بلغ الأماني كل واش

لبات لعذب ثغرك وهو راشف

يرى ما دون وصلك غير واق

محب في مقام الهجر واقف

فوصلك من جراح الهجر آس

وإن تبخل به فالصب آسف

(3)

كم عذبوا القلب تقطيعا بلا سبب

ما ضر لو قطعوا بالوصل تعذيبي

يا عاذلا ظل يهذي بي عدمتك هل

ترجو بجهلك تهذيبي فتهذي بي

حبي ونصحك قد جربت ذاك وذا

دعني على سفن تجريبي لتجري بي

(4)

من الأغصان قد لاحت بدور

لقد وجبت على الصب النذور

بدور قطب مجراها فؤادي

عليه لمحنتي أبدا تدور

لهم شوقي كهجرهم طويل

وصبري مثل وصلهم قصير

نهاري إن هم هجروا ظلام

وليلي إن هم وصلوا ينور

هم الأمال والألام منهم

ومنهم جاء حزني والسرور

يسير بي الهوى في كل حال

لهم فلذاك ما ألقى يسير

(5)

ألاح وجهك أم ذا البدر في الغسق

أم بارق أم لآلي ثغرك النسق

يا جارح القلب رشقا باللحاظ لقد

أثخنته بالقوام الأهيف الرشق

بالقد والخد كلمت المتيم أو

باللفظ واللحظ أو بالحذق والحدق

رعاك ربي ما أبهاك من بشر

تفوق حسنا بدور التم في الأفق

وفي بيان معانيك البديعة لو

نحوت بالمنطق الإحصاء لم أطق

من رقة الخصر أو لين المعاطف لو

علمت قلبك ما أمسيت ذا قلق

سلسلت مطلق دمعي في هواك ومن

وثاق أشرك قلبي غير منطلق

حذرت قلبي إذ أغراه طرفك من

وصف الغرام فلم يعطف ولم يفق

يا حبذا منك ما ترضاه يا أملي

من ذاك أحلى رعاك الله لم أذق

تبت يدا الهجر قد أضحى أبا لهب

أعوذ منه برب الناس والفلق

(6)

أضوء صبح بدا أو ثغر مبتسم

وليل شعر دجا أم حندس الظلم

عيونه نصبت قلبي لها هدفا

وارحمتاه لقلب بالعيون رمي

صبابتي وكست صبري بما اقتبست

من حبه وكست أحشاي بالسقم

أواه أواه من عيني ومن كبدي

الماء والنار في فيض وفي ضرم

يا من تحكم في قلبي فعذبه

رفقا بقلبي رعاك الله من حكم

دع الجفاء ولا تشمت عذولي بي

والأمر أمرك ما قد شئت فاحتكم

وقد أضحكنى بالفعل يا أثر الطائر على بن سودون !

وبالإضافة إلى الضحك ..ألقانى فى اتجاه آخر تأملى عن علاقة الحب بالضحك ..

أتفق معك تماما فى أن الحب الإنسان ..يحتاج إلى الماء والهواء ..والضحك والبكاء ..وغيرهما من المشاعر والحيويات ..

فالحب شعور بشرى طبيعى وإن كان الأرقى والأسمى إلا أنه يتعرض للضحك والتبسم والشغب والشكس كذلك..بل يسعد ويزدهر مع الإبتسامة التى تعبر عن اندماجه وتآلفه .. فالإنفعالات بشكل عام هى ما ترفع جاهزية الإنسان واستعداده لإستقبال الدنيا ..ومواجهة كل ما يتعرض له فيها من مواقف وبناءات .. والضحك والحزن والخوف والغضب هى من الانفعالات الأساسية القديمة لدى الكائن الحى الراقى والتى تتطور وتتفاعل طبيعا فى المواقف كلما ازداد الإنسان انسانية وطبيعية ..من يضحك كثيرا يحب كثيرا ..من يغضب كثيرا يمكنه أيضا أن يحب كثيرا ومن يخاف كثيرا ..آه ..هل يمكنه أيضا أن يحب كثيرا ..ههههه..لست أدرى هنا يا أثر الطائر .ولكننى عموما عنيت أنه كلما كان الإنسان انسانا ومحتفظا بانفعالاته العادية ووظفها بشكل غير متحفظ جدا أو تمثيلى فى الحوادث والمواقف كلما نضرت انفعالاته وأحب أوضح وأبقى ..

غير أننى أنظر دائما إلى الحب تلك النظرة الرومانسية الشجنية أحيانا ..وأرى أن مكانة الضحك فى الحب ضعيفة فعلا ..كنت أظن هذا بمنطق نظرى غير مجرب ..وربما هو منطق سائد عن المرأة عموما بحكم طبيعتها التى تحتاج لحنان عميق ورقة تتخلق فى جدية مشاعر حقيقية عميقة محسوسة تبتعد عن الضحك والهزل ..هل لأن المرأة كائن نكدى الطبع فعلا كما يقولون ؟ ..

عموم أن تحب أن تضحك وتبتسم ..هذا حقيقى ويحدث طبيعى جدا ..فى الحب يا أثر الطائر يحدث ..لأن الحب كائن حى غير مفصول عن الحياة بكل انفعالاتها ومتطلباتها الحسية ..ولأن الضحك أيضا أو الطرفة فى الحب لا تنتج عن واردات أجهزة الحواس فقط .. فهي تنتج بعد حدوث تفاعلات وعمليات في الدماغ والذاكرة بشكل خاص.. ولذلك فإنه احاسيس وانفعالات لا تحدث لدينا إلا بعد معالجة فكرية تتأثر بالذاكرة وما تم نتعلمه وونرسخه فيها ..

ان مجرد أن تحب : تتذوق الموسيقى ..تستمتع باللحن والأغنيات ..تستوعب النكتة والمزاح ..تنساب الحياة غالبا ناعمة بين جنباتك ..لا تستصعب مشكلاتك ..تشعر بسعادة دائمة ورضا ..تتبسم فى الوجوه ..بل ان سحنتك نفسها تستجب دائما لدارات التبسم والضحك ..ان الحب يخلق كل الأحاسيس الراضية السعيدة ويوقف كل مشاعر الغضب والقلق والكآبة ..الحب مرح فعلا ..

هنا حاول على بن سودون بالضحك أن يخلق معالجة فكرية للمتناقضات والمواقف والحوادث والغباء والأخطاء الواضحة أو المستورة قليلاً والمبالغات ..حاول بالمرح والحس الفكاهى أن يتغلب على المشاعر السلبية والأوضاع الخاسرة ..فعندما يضحك الإنسان على خسارته أو فشله - شر البلية ما يضحك - فإنه بذلك يحول فشله إلى نصر ولو بشكل كاذب لتلافي النتائج المزاجية السيئة الناتجة عن الفشل أو الخسارة .. نوع من أنواع عبور الأزمة ومحاولة تخطى العقبة ..والدليل على ذلك أن النكات تزدهر في الأوضاع السيئة والصعبة لما تحقق من فاعلية في التعامل مع هذه الأوضاع..وأعتقد أن المصريين هم أبرع أهل الأرض فى ابتداع النكات عند الأزمات والمحن للتسرية والتغلب على المشاعر الكئيبة والخسارات ..

فى رأيى أن الحب والضحك ..مثل الثنائى الأشهر الحب والدموع ..الحب والغضب ..الحب والرومانسية ..الحب والأغانى .. كلما كان الحب صادق كلما احتشد بالانفعالات الطبيعية التى لا شبهة فيها ولا ادعاء ولا تمثيل ..فهو حب طبيعى مائة بالمائة يكون كل طرف فيه على حقيقته ..وهذا مما يطيل عمر الحب بكل تأكيد ..

أتابع معك تلك اللوحات المتبسمة لابن سودون يا أثر الطائر وأعجب فى ذات الوقت بقدرته العبقرية فى الإحتفاء بالحب على هذه الطريقة التى لا تخلو من جدية ومن بعض وفائع حقيقية والتى أجاد عرضها بألفاظ بسيطة وروح عادية جدا ولكنها بالفعل زاهية ..ولعلنا إذ نبتسم ..نتعلم منه أيضا أن فى الحب طرافة ..وفى الطرافة حب ..وأن الحب للحياة ..والحياة بكل انفعالاتها تسعى دائما للحب ..

عاش الحب

ومحبة صافية لك .. خالصة من قلبى

رابط هذا التعليق
شارك

عشتار النقية

عندما أصادف كتابا مثل "مضحك العبوس" أبحث عادة عن بضع مقالات حوله وأقرأها، ربما أستفدت شيئا قد يخفى أو خفي علي أثناء القراءة، وقد فعلت هذا بالفعل مع كتاب "ابن سودون"..ولذلك فأنا أقول لك واثقا أن ما دونتيه هنا هو من أجمل وأعمق ما كتب وقرأت من أفكار عن الرجل وتوجهاته الشعرية، ومن أكثرها إفادة لمن يقرؤه. وهي أفكار شاملة، بمعنى أنها تشمل ما قرأته من أفكار موزعة على عدة مقالات ولم يستوعبها على إيجازها لديك مقال واحد.

حقا يا عشتار قيمة كل كتابة تعلو وتثمن أكثر كلما وقعت عليها عيناك

الكتاب: نزهة النفوس ومضحك العبوس

المؤلف : سيدي علي بن سودون البشبغاوي

تحقيق ودراسة : أرنو فروليك

الناشر : سلسلة الذخائر - وزارة الثقافة المصرية 2010

والضحك والحزن والخوف والغضب هى من الانفعالات الأساسية القديمة لدى الكائن الحى الراقى والتى تتطور وتتفاعل طبيعا فى المواقف كلما ازداد الإنسان انسانية وطبيعية ..من يضحك كثيرا يحب كثيرا ..من يغضب كثيرا يمكنه أيضا أن يحب كثيرا ومن يخاف كثيرا ..آه ..هل يمكنه أيضا أن يحب كثيرا ..ههههه..لست أدرى هنا يا أثر الطائر .ولكننى عموما عنيت أنه كلما كان الإنسان انسانا ومحتفظا بانفعالاته العادية ووظفها بشكل غير متحفظ جدا أو تمثيلى فى الحوادث والمواقف كلما نضرت انفعالاته وأحب أوضح وأبقى ..

من يخاف كثيرا ألا يجد الحب فإنه يحب كثيرا عندما يجده

ومن يحب كثيرا يخاف كثيرا أن يفقد الحب الذي وجده

نعم يا عشتار الفاتنة..هو كما قلت وتقولين دائما..الخوف كالضحك كالغضب كالبكاء..كسائر الانفعالات الإنسانية هي قطع حية من الحب، طالما وظفت بنضارتها وحيويتها، وطالما وظفت في إطار الحب فلم تتغلب عليه، وطالما وظفت في رعاية عقل وقلب يحوطان الحب كأنهما هو..أو هما فعلا هو

هذا حقيقي يا عشتار..مثلك

الكتاب: نزهة النفوس ومضحك العبوس

المؤلف : سيدي علي بن سودون البشبغاوي

تحقيق ودراسة : أرنو فروليك

الناشر : سلسلة الذخائر - وزارة الثقافة المصرية 2010

غير أننى أنظر دائما إلى الحب تلك النظرة الرومانسية الشجنية أحيانا ..وأرى أن مكانة الضحك فى الحب ضعيفة فعلا ..كنت أظن هذا بمنطق نظرى غير مجرب ..وربما هو منطق سائد عن المرأة عموما بحكم طبيعتها التى تحتاج لحنان عميق ورقة تتخلق فى جدية مشاعر حقيقية عميقة محسوسة تبتعد عن الضحك والهزل ..هل لأن المرأة كائن نكدى الطبع فعلا كما يقولون ؟ ..

متفقين يا عشتار لكن ظلمت المرأة بما فيه الكفاية ولا يروقني أن تظلم مجددا ولو بالفكاهة :)

ليست هي المرأة طبعا ولا هي طبيعة المرأة، بل إن أحدث النظريات الاجتماعية الأنثروبولوجية تقرر أن ما نسميه "طبيعة المرأة" ما هو إلا وهم ثقافي معيش ومتوارث، فطبيعة المرأة لا تحدد بمعايير بيولوجية أو فسيولوجية سابقة على وجود المرأة الاجتماعي، طبيعة المرأة ليست شيئا كامنا فيها بقدر ما هو كامن في ثقافتها وثقافة المجتمع التي تفرض هذه الطبيعة فرضا، وتلقنها تلقينا. ولو استعرنا مصطلح "روجيه جارودي" يبقى طبقا لهذه النظريات فإن "طبيعة المرأة" من الأساطير المؤسسة لثقافة المجتمعات البشرية.

بالتأكيد تختلف المرأة عن الرجل، الأنثى عن الذكر، الولد عن البنت..لكن محصلة الفوارق بينهما لا تساوي طبيعتين منفصلتين. تظل طبيعة الرجل وطبيعة المرأة تندرجان تحت نوع أشمل هو "الطبائع البشرية" التي يمكن أن تتشابه فيها طبيعة فردية لرجل وطبيعة فردية لامرأة بأكثر من تشابههما عند امرأتين أو رجلين مثلا.

وبعيدا عن ذلك..

إذا كانت المرأة نكدية..فمن يصنع لنا كل هذه السعادة على الأرض إذن!!

المرأة نبع السعادة والمرح في الحقيقة

أما احتياج المرأة إلى الحنان والرقة فهو احتياج ربما كان غير متعلق بالمرأة بالذات، المرأة والرجل في حاجة ماسة وعميقة ولامحدودة إلى الحنان والرقة، الفارق بينهما هو أن الرجل يمكنه أن يحصل على الحنان والرقة من مصدرهما الطبيعي، وهو المرأة، طول الوقت. أما المرأة ففي ظل ثقافة تفرض الخشونة والجفاف على "طبيعة الذكر" تصبح هي الضحية الأولى لغياب حنان الرجل ورقته الطبيعيين كذلك.

بداخل كل منا حنان ورقة وقسوة وخشونة، سواء كنا رجالا أو نساء..لكن ثقافتنا وتربيتنا هي ما تحدد عادة حجم الجرعات التي يمكن استخراجها من هذا المنجم الإنساني الفذ.

هناك عبارة دالة للدكتور "شوقي ضيف" أضافها في المقدمة التي كتبها للكتاب، ربما تلقي الضوء على فكرة استبعاد الضحك من الحب (ولو أمكن استبعاد الضحك من الحب لعاش الحب لكن تصوري ما الذي يمكن أن يكون عليه الضحك لو حدث العكس، أي : استبعدنا الحب من الضحك..أي جفاف؟). يقول د.شوقي ضيف :

"وكنا إلى عهد قريب لا نعنى بعرض هذا الباب الفكه في أدبنا، لأنه كتب في أكثره بلغتنا العامية، وكأننا أنصرفنا عنه ترفعا منا، أو استصغارا لشأنه، مع أنه أكثر دلالة علينا وعلى نفسيتنا من كثير من الأدب الفصيح الجاد. ومن الواجب أن نقرن صفحة حياتنا الجادة بصفحة حياتنا الفكهة، حتى نطلع على حقيقة حياتنا اطلاعا تاما كاملا"

ربما كان الميل إلى استبعاد القران بين الحب والضحك هو ميل ثقافي بأكثر منه ميل طبيعي حقا

ولكن حتى لو لم يكن - أو كان - كذلك، فيبقى الحب في كل احواله هو الإنسان، ويبقى في كل طبائعه جميل، طالما كان نابعا من ذات المحبوب

.

.

عشتار

متابعتك ستجعلني على العادة أكثر حماسة وأكثر حرصا على الانتقاء وفرزا للمنتخب من إبداع "ابن سودون"

عشت أنت للحب

قلبا نورانيا

وسريرة صافية

ومحبة نقية

وشعورا صادقا

وروحا خالصة

وعاش لك الحب..كل حدائق الحب ومباهجه..التي تستحقينها وأكثر :clappingrose:

رابط هذا التعليق
شارك

الكتاب: نزهة النفوس ومضحك العبوس

المؤلف : سيدي علي بن سودون البشبغاوي

تحقيق ودراسة : أرنو فروليك

الناشر : سلسلة الذخائر - وزارة الثقافة المصرية 2010

1.jpg?w=326&h=448

تابع : ثانيا - الشعر الزجلي

(1)

من (الجزل) :

الطريف وسنان ** والجفين كسلان

والشكيل ريان ** والدلال فتان

والخدود نيران ** فوق مائيه

والشوالف من ** فوقها حيه

أنت يا سيدي ** يوم لقاك عيدي

إن حصل بإيدي ** نلت مقصودي

غير هواك يا سيد ** ليس لي غيه

يا سرور قلبي ** إي وعينيه

يا منى روحي ** زاد تبريحي

جد بترويحي ** طال مشروحي

مهجتي أمست ** فيك مسبيه

في لظى الأحزان ** منك مكويه

(2)

من (الجزل) :

خذ قلبي مني ** بالحسن الفتان

لو ألحاظ تجرح ** ما هي للغزلان

مع قامه إن مال ** أزرت بالأغصان

من قال لي أنظر ** حتى لي أفتن

عين لا تنظر ** قلب لا يحزن

راح من غير علمي ** واصل بعض الناس

والقلب المشغول ** بالاشيا حساس

جيت فاتشتو قال ** إي وايش في ذا باس

ترضى ولا روح ** قلت أخرج غب عني

عين لا تنظر ** قلب لا يحزن

كان ظني إني ** شاطر في العشقان

هججتو في غيظ ** اخلي لي الأوطان

عاد بان لي إني ** في أمري غلطان

شي من غير علمي ** ايش لي فيه مطعن

عين لا تنظر ** قلب لا يحزن

ذاب مني قلبي ** قلبي مني ذاب

مما قد لاقاه ** من جور الأحباب

غاب وصل المحبوب ** والمحبوب ما غاب

لو غاب هو عني ** كان دا أهون لي

عين لا نظر ** قلب لا يحزن

(3)

من (المواليه) :

يا فرحه جت غلط في النوم ولا تمت

من شي على عشقتوا أحشاي انضمت

ويا ترى بالفراق من بعد ما شمت

أري الشميلات عليه أخي قد ألتمت

(4)

من (العجم) :

بي غزال كم أصابت

مقلتاه من نفر

صاد قلبي بالتثني

وانثني عني نفر

إن سطا بي فهو ليث

أو رنا لي فغزال

أو تثني فقضيب

أو تبدى فقمر

نرجس الأحداق منه

لاح في ورد الخدود

بضيا وجه كبدر

لاح في ليل الشعر

كم نأى عني دلالا

عابثا بي في الهوا

عالما أن التجني

منه عندي مغتفر

(5)

من (عراق) :

لي حبيب منه طرفي

في حنان ونعيم

وفوادي من جفاه

في عذاب وجحيم

قلت والدمع حميما

قد جرى يا حب رفقا

بكئيب ليس يلقى

غير دمع من حميم

رحت يا حب بقلبي

حسبك المولى تعالى

رد قلبا ضاع مني

وغدا وجدا يهيم

هب عيوني بعض نوم

لترى منك خيالا

يا بخيلا بوصالي

عبثا وهو كريم

(6)

من (جركاه) :

با هنا من في الغرام

قد تهنى بالمرام

والمهجور في أشواق

قد أضنته بالإحراق

شاكي باكي في الأنام

رب سلم يا سلام

- انتهى :clappingrose: -

رابط هذا التعليق
شارك

الكتاب: تحرير المرأة

المؤلف : قاسم أمين

الناشر : مكتبة الأداب (طبعة مكتبة الدقي الأصلية) - 2009

نظرات في "تحرير المرأة

1_2008511_2199.jpg

(1)

قراءة أو إعادة قراءة كتاب قاسم أمين "تحرير المرأة" هي تجربة فريدة في القراءة وفي النظر والتأمل..

صدر الكتاب الذي تعيد "مكتبة الأداب" طباعته من حين لآخر، وحسب المدون على غلافه الداخلي عام 1316 هـ - 1899 ميلادية، وهو ما يعني مرور أكثر من قرن وأثنا عشر سنة كاملة على إصداره الأول. كم تغير المجتمع المصري، كم تقدم وتطور في جوانب، وكم تراجع وتقهقهر في أخرى، خلال هذا المدة الزمنية المديدة؟. "وكم ذا بمصر من المضحكات" على قول شاعر النيل "حافظ إبراهيم".

وبحسب باقي المدون على الغلاف الداخلي فإن المؤلف "قاسم أمين" هو "المستشار بمحكمة استئناف مصر الأهلية". ولهذا التخصص القضائي للمؤلف دلالة أو عدة دلالات دالة من الناحية الشخصية والاجتماعية والإنسانية العامة، فأن يكتب قاض عامل في مجال تطبيق قوانين مجتمع ما، مما يملي عليه التقيد بنصوصها واحترامها والتكريس لاستمراريتها، كتابا ثوريا يدعو فيه إلى الثورة على القوانين الاجتماعية السائدة في النظر للمرأة، فإن ذلك يقطع بظهور قوي لضمير اجتماعي راق وحريص على أفكار النهضة والتقدم والعافية الاجتماعية والإنسانية الشاملة للمجتمع والإنسان لدى قطاع واسع من فئات المتعلمين (الأفنديات) في المجتمع المصري آنذاك ومن بينهم "قاسم أمين"، ويقطع بوجود واعي واضح لدى هذا القطاع من المثقفين المصريين عن دور "المثقف العضوي" ومسئوليته تجاه رقي مجتمعه وإزالة العقبات من طريق تطوره والنضال في سبيل هذا التطور الاجتماعي ولو أدى ذلك بالمثقف إلى تقديم التضحيات الجسيمة أو دفع الأثمان العالية أو بحسب ما يقول "قاسم أمين" نفسه :

"ومن أحكم الأشياء التي يدور عليها تقدم النوع الإنساني ويؤكد حسن مستقبله هذه القوة الغريبة التي تدفع الإنسان إلى نشر كل فكرة علمية أو أدبية متى وصلت إلى غاية نموها الطبيعي في عقله واعتقد أنها تساعد على تقدم أبناء جنسه ولو تيقن حصول الضرر لشخصه من نشرها".

كما يدل صدور "تحرير المرأة" في هذه الحقبة من التاريخ المصري على ما تميز به فكر المثقف المصري الطليعي آنذاك (وقاسم أمين نموذج مشرق له) من عقلانية وروح وأشواق إنسانية عالية تأبى الظلم والعسف والاضطهاد الذي يلحق بالضعفاء من بني مجتمعه وبني جنسه الإنساني.

ألفّ قاسم أمين كتابه – وبدأ نضاله في – "تحرير المرأة" في مجتمع عاشت فيه المرأة بحسب قوله :

"في انحطاط شديد أيا كان عنوانها في العائلة زوجة أو أمة أو بنتا ليس لها شأن ولا اعتبار ولا رأي خاضعة للرجل لأنه رجل ولأنها امرأة. فني شخصها في شخص الرجل ولم يبق لها من الكون ما يسعها إلا ما استتر من زوايا المنزل واختصت بالجهل والتحجب بأستار الظلمات واستعملها الرجل متاعا للذة. يلهو بها متى أراد. ويقذف بها في الطرق متى شاء. له الحرية ولها الرق. له العلم ولها الجهل. له العقل ولها البله. له الضياء والفضاء ولها الظلمة والسجن. له الأمر والنهي ولها الطاعة والصبر. له كل شيء في الوجود وهي بعض ذلك الكل الذي استولى عليه!".

ويفرق قاسم أمين في صفحات كتابه بين "مقاصد الشريعة الطاهرة" و"آفات العوائد المتوارثة". ويعزو وضع المرأة المتردي في المجتمع إلى هذه العوائد والتقاليد الموروثة من عصور الاستبداد التي كانت فيه المرأة مجرد متاع للرجل كما كان فيه الرجل مجرد "متاع للحاكم". يقول :

"والحق أن الانتقاب والتبرقع ليسا من المشروعات الإسلامية لا للتعبد ولا للأدب بل هما من العادات القديمة السابقة على الإسلام والباقية بعده. ويدلنا على ذلك أن هذه العادة ليست معروفة في كثير من البلاد الإسلامية وإنها لم تزل معروفة عند أغلب الأمم الشرقية التي لم تتدين بدين الإسلام. إنما من مشروعات الإسلام ضرب الخمر على الجيوب كما هو صريح الآية وليس في ذلك شيء من التبرقع والانتقاب".

وهو في سبيل إثبات هذه الحقيقة التي ضربت الصفح عنها عقول وقلوب وأنظار أهل عصره يغوص في مباحث واختلافات فقهية متعددة تدور حول موضوعات الحجاب والزواج والطلاق وتعدد الزوجات، والأهم أنها تصب كلها في خانة التفرقة بين صورة المرأة الإنسانية المضيئة في الشريعة، التي يعنيها "قاسم أمين" ممثلة في الكتاب والسنة الصحيحة، وبين صورتها المنحطة لدى أهل الفقه الذين يعرف البعض منهم الزواج مثلا باعتباره : "عقد يملك به الرجل بضع المرأة"!!. وهو ما يقصر الزواج أو مجمل العلاقة بين الرجل والمرأة على التمتع بالشهوة الجسدانية، ويخليها خلوا تاما من أي إشارة إلى المعاني الإنسانية الرفيعة والواجبات والمسئوليات السامية التي تتعلق بهذا العقد المقدس. ويقارن "قاسم" بين صورة الزواج الفقهية هذه وصورته الشرعية القرآنية، فيورد آية الزواج الشهيرة في القرآن : "ومن آياته أن خلق لكم من أنفسكم أزواجا لتسكنوا إليها وجعل بينكم مودة ورحمة". ويخلص من نتاج مقارنته ما بين الفقه والشريعة إلى أن :

"هذا النظام الجميل الذي جعل الله أساسه المودة والرحمة بين الزوجين آل بفضل علم علمائنا الواسع إلى أن يكون اليوم آلة استمتاع في يد الرجل وجرى العمل على إهمال كل ما من شأنه أن يوجد المودة والرحمة وعلى التمسك بكل ما يخل بهما. فمن دواعي المودة أن لا يقدم الزوجان على الارتباط بعقد الزواج إلا بعد التأكد من ميل كل منهما للآخر. ومن مقتضى الرحمة أن يحسن كلاهما العشرة مع بعضهما. ولكن لما غفلنا عن معنى الزواج الحقيقي الشرعي استخففنا به وتهاونا بواجباته."

يورد "قاسم أمين" قرب ختام كتابه قوائم لاحصائيات الطلاق في القاهرة من أعوا 1886 - 1898 ميلادية. وتثبت الاحصائيات أن من بين كل أربع حالات زواج تقع ثلاثة حالات طلاق وتستمر حالة زواج واحدة، وهو ينحو باللائمة في الفساد العام للعلاقة الزوجية على شيوع هذا المفهوم المتدني لهذه العلاقة الرحيمة الودودة من جهة، وعلى حرص الرجل على استعباد المرأة وتأبيد جهلها من جهة أخرى فـ "ما دامت المرأة على ما هي عليه اليوم من الجهل فالزواج لا يكون – كما هو الآن – إلا شكلا من الأشكال العديدة التي يستبد بها الرجل على المرأة"

الآن؟!!..هو آن مضى من قرن وأثنا عشر عاما. أما الآن، بعد مضي كل هذه المدة الطويلة، يحق لنا أن نتساءل عن التطور الذي لحق بمفهوم الزواج وعن تقدم النظرة الاجتماعية إليه. بالتأكيد لابد أن تؤدي كل هذه المدة إلى "تقدم وتطور ما". لكن السؤال الأهم:

هل ما حققه مفهوم الزواج من تطور اجتماعي شامل زاده ارتباطا بمفهوم الحرية أم لا يزال الزواج يخضع لعقلية وتحديدات الضرورة ومستوياتها؟

وهل يكافئ هذا التطور الاجتماعي الذي لحق بالزواج مرور كل هذا الزمن؟

وهل يعد كافيا ما وصل إليه مفهوم الزواج في مجتمعنا – قياسا إلى المجتمع البشري الأعم – من تطور وارتقاء؟

هل أصبح الزواج "هذا النظام الجميل" حميلا فعلا في مجتمعنا المصري؟

هل أصبح التفاهم الوجداني والتكافؤ العقلي والروحي شرطا أساسيا من شروط الزواج؟

هل أصبح الأزواج المصريون - في عمومهم أو غالبهم - شركاء حقيقيين، نفسيا وعقليا وروحيا، في علاقة جميلة ناجحة؟

ظني أن لا..لا صريحة وجهيرة وعالية الصوت..

لم تحقق النظرة العامة للعلاقة بين الرجل والمرأة ممثلة في الزواج في مجتمعنا خلال أكثر من قرن إلا تقدم محدود جدا بمعايير البطء والسرعة التاريخيين. ظلت الحالة الاقتصادية المتدهورة، وخصوصا في العقود الأخيرة، تلقي بظلال عدمية كثيفة على هذه العلاقة الإنسانية المضيئة، بل وإن تراجعا وأشكالا جديدة من الاستبداد وظلالا معتمة أخرى طرأت على هذه النظرة مع اتساع التقدم التكنولوجي وسهولة التواصل والانتقال بين دوائر الدول والمجتمعات. فلا تزال النظرة السلعية للمرأة هي النظرة الرائجة، ولا تزال النظرة العامة في المجتمع للكائن الأنثوي نظرة تشوبها الريبة والإدانة والشك والرغبة الملحة في التقييد، وأحيانا التنكيل. بل إن ظاهرة "النقاب" التي رصد "قاسم أمين" في كتابه بدأ تحللها وضيق المصريين بها في نهايات القرن التاسع عشر وأعتاب القرن العشرين عادت لتطل برأسها كعادة مؤهلة للانتشار في بدايات القرن الواحد والعشرين!!. رأينا النقاب يعود للانتشار في شوارعنا وأماكن عملنا ومستشفياتنا ومحاكمنا وبنوكنا...إلخ. ورأينا النظرة إلى المرأة بوصفها كائن الجدران الأربعة تعود إلى الأذهان بقوة، فنجد هنا وهناك من يطالبها بالعودة إلى بيتها والانسحاب من ميادين الحياة المختلفة. كما رأينا النظرة الفقهية المتخلفة واللإنسانية المتدنية للمرأة، ولعلاقة الرجل بها، وللزواج وللطلاق ولتعدد الزوجات، تعود لتطل بقوة من شاشات الفضائيات، وعلى صفحات الأنترنت، وفي الفيس بوك والمنتديات الألكترونية!!.

وكأن ظلاما عاد يهجم من ماضينا ليلاحق شعاعا من النور يتقدم تجاه المستقبل باستمرار ويبغي ابتلاعهما معا : المستقبل والضوء.

(2)

يستهل القاضي "قاسم أمين" مرافعته الدفاعية عن حقوق المرأة بمبدأ بديهي هو أن "حالة المرأة في الهيئة الاجتماعية تابعة لحالة الأخلاق في الأمة". وبقدر ما يبدو هذا المبدأ بديهيا لنا اليوم بقدر ما كانت الغرابة التي تلازم النظر إليه والتفكير فيه من قبل عموم المصريين في هذه الحقبة المبكرة من الوعي المصري الحديث. أراد رائد تحرير المرأة أن يلفت النظر إلى التلازم التاريخي بين انحطاط المرأة وتدهور وضعها في المجتمع وبين انحطاط الأمة وتدهور أوضاعها العامة اجتماعيا واقتصاديا وسياسيا وخلافه. كما أراد أن يثبت بهذه القاعدة الذهبية (وضع المرأة/وضع الأخلاقيات العامة) أن وضع المرأة في المجتمع محكوم طول التاريخ البشري بسلطان العادة وغلبة التقليد وتوارث التقاليد بأكثر من ارتباطه بنظرة دينية أو شرعية أو إلهية كما يتخيل ويعتقد العقل الأسير لواقع سلطان العادة واملاءاته الحاسمة.

فالمرأة - طبقا للمتوارث من عصور الاستبداد والعبودية البشرية القديمة - ارتبطت كسائر الضعفاء من أسرى أو عبيد باعتقادات تضع من شأنها وتقلل من كرامتها وإنسانيتها، وتضعها تقريبا في مرتبة ما بين الإنسان والحيوان. ولذلك كان كتاب "تحرير المرأة" حريصا على أن يرتب ويضيف بديهيات ويضمها إلى سلسلة من البديهيات التي يقود إليها المنطق العقلي والبصيرة الروحية وتساندها الأدلة الشرعية والاجتماعية إضافة لأدلة التجربة والمشاهدة. ومن هذه البديهيات أيضا ما يفتتح به فصلا عن "تربية المرأة" حيث يقول :

"المرأة وما أدراك ما المرأة". إنسان مثل الرجل. لا تختلف عنه في الأعضاء ووظائفها ولا في الاحساس ولا في الفكر ولا في كل ما تقتضيه حقيقة الإنسان من حيث هو إنسان. اللهم إلا بقدر ما يستدعيه اختلافهما في الصنف"

وهو ما يترتب عليه نتيجة منطقية هي أن إنفراد الرجل المصري في هذه الآونة بالقوة العقلية والبدنية لا يعود إلى الخلق الضعيف المتدني للمرأة ولكنه يعود مباشرة إلى توالي العصور التي كان فيها الرجل منفردا باستخدام هذين القوتين، قادرا على تدريبهما وتحسين استخداماتهما، فيما كانت المرأة محرومة من ذلك حرمانا يكاد يكون تاما.

وافتقاد المرأة إلى القوة العقلية بالذات بفعل استبداد الرجل وحرمانه لها من ممارستها لابد أن يقود إلى ما تراه العيون وترصده الأذهان وتضيق به النفوس من قصورها عن تناول شئون الحياة، بل وشئون بيتها، المختلفة بالقدرة والكفاءة المطلوبة. وإذا كان يراد للمرأة أن تتحمل مسئولية ما يلقى على كاهلها من مهام فلا مناص من إعادتها إلى مضمار التواصل مع قواها العقلية واكتسابها : قدرة وممارسة وتطويرا. يقول "قاسم أمين" :

"ففي رأيي أن المرأة لا يمكنها أن تدير منزلا إلا بعد تحصيل مقدار معلوم من المعارف العقلية والأدبية. فيجب أن تتعلم كل ما ينبغي أن يتعلمه الرجل حتى يكون لها إلمام بمبادئ العلوم يسمح لها بعد ذلك باختيار ما يوافق ذوقها منها واتقانه بالاشتغال به متى شاءت"

إن حرمان المرأة من المعرفة يؤدي إلى وقوع نصف المجتمع على الأقل في الجهل الكريه. وهو ما يهدر طاقات المجتمع ويحرمه من إمكانياته البشرية المتاحة والتي يمكن أن تكفل له السبق في مضمار التنافس الحضاري العالمي. ويدهش قارئ "تحرير المرأة" أن أفكارا "حداثية" في التنمية البشرية كان لها هذا المكان المتصدر في فكر القرن التاسع عشر الذي يمثله "قاسم أمين". إنه يصرح بوضوح بأنما :

"مثلنا الآن مثل رجل يملك رأس مال عظيم فيدعه في الصندوق ويكتفي بأن يفتح صندوقه كل يوم ليتمتع برؤية الذهب ولو عرف لاستعمله وانتفع منه وضاعفه في سنين قليلة"

عدم استثمار هذه الثروة البشرية المتاحة (المرأة نصف المجتمع) يؤدي إلى أن يصبح هذا النصف المعطوب عالة على المجتمع اقتصاديا واجتماعيا، وإنسانيا وهو الأهم حيث يتقوض النسيج الحي المتجدد في بنيان المجتمع بتدمير الإمكانيات النفسية والروحية والعقلية في العلاقة الأساسية بين الرجل والمرأة، وهي العلاقة التي تشكل أساس الخلية الأولى في البناء الاجتماعي : الأسرة. فأي علاقة يمكن أن تنشأ بين رجل متعلم وامرأة جاهلة، بين روح حساسة طامحة وروح محبطة ومشبعة بالخرافات :

"أي نفس حساسة ترضى بالمعيشة في قفص مقصوصة الجناح مطأطأة الرأس مغمضة العينين وهذا الفضاء الواسع الذي لا نهاية له أمامها والسماء فوقها والنجوم تلعب ببصرها وأرواح الكون تناجيها وتوحي إليها الآمال والرغائب في فتح كنوز أسرارها؟"

..

بإمكان المتطلع اليوم في كتاب "تحرير المرأة" الوصول إلى نتيجة مفادها أنه بصدد حشد من البديهيات المرتبة ترتيبا صحيحا منهجيا، علميا ومنطقيا، ونفسيا ووجدانيا.

بوسعه أيضا أن يتساءل بعد مرور أكثر من قرن على توصل العقل المصري إلى اكتشاف هذه البديهيات الأساسية المتعلقة بإنسانية المرأة وبالعلاقة الصحيحة بينها وبين توأمها الإنساني المذكر - إلى أي حد أصبح العقل المصري الجمعي اليوم في غير حاجة إلى مزيد من التبشير بهذه البديهيات؟

إلى أي حد أستقرت البديهيات في نسيج العقل والمجتمع المصري؟

وإلى أي حد لا تزال البديهيات - بعد توالي العقود - مخلخلة؟

والأهم في هذه اللحظة من تاريخ وطننا : إلى أي حد يمكن خلخلة البديهيات من قبل قوى الظلام في مجتمعنا؟

تم تعديل بواسطة أثر الطائر
رابط هذا التعليق
شارك

الكتاب: تحرير المرأة

المؤلف : قاسم أمين

الناشر : مكتبة الأداب (طبعة مكتبة الدقي الأصلية) - 2009

نظرات في "تحرير المرأة

1_2008511_2199.jpg

(1)

قراءة أو إعادة قراءة كتاب قاسم أمين "تحرير المرأة" هي تجربة فريدة في القراءة وفي النظر والتأمل..

صدر الكتاب الذي تعيد "مكتبة الأداب" طباعته من حين لآخر، وحسب المدون على غلافه الداخلي عام 1316 هـ - 1899 ميلادية، وهو ما يعني مرور أكثر من قرن وأثنا عشر سنة كاملة على إصداره الأول. كم تغير المجتمع المصري، كم تقدم وتطور في جوانب، وكم تراجع وتقهقهر في أخرى، خلال هذا المدة الزمنية المديدة؟. "وكم ذا بمصر من المضحكات" على قول شاعر النيل "حافظ إبراهيم".

وبحسب باقي المدون على الغلاف الداخلي فإن المؤلف "قاسم أمين" هو "المستشار بمحكمة استئناف مصر الأهلية". ولهذا التخصص القضائي للمؤلف دلالة أو عدة دلالات دالة من الناحية الشخصية والاجتماعية والإنسانية العامة، فأن يكتب قاض عامل في مجال تطبيق قوانين مجتمع ما، مما يملي عليه التقيد بنصوصها واحترامها والتكريس لاستمراريتها، كتابا ثوريا يدعو فيه إلى الثورة على القوانين الاجتماعية السائدة في النظر للمرأة، فإن ذلك يقطع بظهور قوي لضمير اجتماعي راق وحريص على أفكار النهضة والتقدم والعافية الاجتماعية والإنسانية الشاملة للمجتمع والإنسان لدى قطاع واسع من فئات المتعلمين (الأفنديات) في المجتمع المصري آنذاك ومن بينهم "قاسم أمين"، ويقطع بوجود واعي واضح لدى هذا القطاع من المثقفين المصريين عن دور "المثقف العضوي" ومسئوليته تجاه رقي مجتمعه وإزالة العقبات من طريق تطوره والنضال في سبيل هذا التطور الاجتماعي ولو أدى ذلك بالمثقف إلى تقديم التضحيات الجسيمة أو دفع الأثمان العالية أو بحسب ما يقول "قاسم أمين" نفسه :

"ومن أحكم الأشياء التي يدور عليها تقدم النوع الإنساني ويؤكد حسن مستقبله هذه القوة الغريبة التي تدفع الإنسان إلى نشر كل فكرة علمية أو أدبية متى وصلت إلى غاية نموها الطبيعي في عقله واعتقد أنها تساعد على تقدم أبناء جنسه ولو تيقن حصول الضرر لشخصه من نشرها".

كما يدل صدور "تحرير المرأة" في هذه الحقبة من التاريخ المصري على ما تميز به فكر المثقف المصري الطليعي آنذاك (وقاسم أمين نموذج مشرق له) من عقلانية وروح وأشواق إنسانية عالية تأبى الظلم والعسف والاضطهاد الذي يلحق بالضعفاء من بني مجتمعه وبني جنسه الإنساني.

ألفّ قاسم أمين كتابه – وبدأ نضاله في – "تحرير المرأة" في مجتمع عاشت فيه المرأة بحسب قوله :

"في انحطاط شديد أيا كان عنوانها في العائلة زوجة أو أمة أو بنتا ليس لها شأن ولا اعتبار ولا رأي خاضعة للرجل لأنه رجل ولأنها امرأة. فني شخصها في شخص الرجل ولم يبق لها من الكون ما يسعها إلا ما استتر من زوايا المنزل واختصت بالجهل والتحجب بأستار الظلمات واستعملها الرجل متاعا للذة. يلهو بها متى أراد. ويقذف بها في الطرق متى شاء. له الحرية ولها الرق. له العلم ولها الجهل. له العقل ولها البله. له الضياء والفضاء ولها الظلمة والسجن. له الأمر والنهي ولها الطاعة والصبر. له كل شيء في الوجود وهي بعض ذلك الكل الذي استولى عليه!".

ويفرق قاسم أمين في صفحات كتابه بين "مقاصد الشريعة الطاهرة" و"آفات العوائد المتوارثة". ويعزو وضع المرأة المتردي في المجتمع إلى هذه العوائد والتقاليد الموروثة من عصور الاستبداد التي كانت فيه المرأة مجرد متاع للرجل كما كان فيه الرجل مجرد "متاع للحاكم". يقول :

"والحق أن الانتقاب والتبرقع ليسا من المشروعات الإسلامية لا للتعبد ولا للأدب بل هما من العادات القديمة السابقة على الإسلام والباقية بعده. ويدلنا على ذلك أن هذه العادة ليست معروفة في كثير من البلاد الإسلامية وإنها لم تزل معروفة عند أغلب الأمم الشرقية التي لم تتدين بدين الإسلام. إنما من مشروعات الإسلام ضرب الخمر على الجيوب كما هو صريح الآية وليس في ذلك شيء من التبرقع والانتقاب".

وهو في سبيل إثبات هذه الحقيقة التي ضربت الصفح عنها عقول وقلوب وأنظار أهل عصره يغوص في مباحث واختلافات فقهية متعددة تدور حول موضوعات الحجاب والزواج والطلاق وتعدد الزوجات، والأهم أنها تصب كلها في خانة التفرقة بين صورة المرأة الإنسانية المضيئة في الشريعة، التي يعنيها "قاسم أمين" ممثلة في الكتاب والسنة الصحيحة، وبين صورتها المنحطة لدى أهل الفقه الذين يعرف البعض منهم الزواج مثلا باعتباره : "عقد يملك به الرجل بضع المرأة"!!. وهو ما يقصر الزواج أو مجمل العلاقة بين الرجل والمرأة على التمتع بالشهوة الجسدانية، ويخليها خلوا تاما من أي إشارة إلى المعاني الإنسانية الرفيعة والواجبات والمسئوليات السامية التي تتعلق بهذا العقد المقدس. ويقارن "قاسم" بين صورة الزواج الفقهية هذه وصورته الشرعية القرآنية، فيورد آية الزواج الشهيرة في القرآن : "ومن آياته أن خلق لكم من أنفسكم أزواجا لتسكنوا إليها وجعل بينكم مودة ورحمة". ويخلص من نتاج مقارنته ما بين الفقه والشريعة إلى أن :

"هذا النظام الجميل الذي جعل الله أساسه المودة والرحمة بين الزوجين آل بفضل علم علمائنا الواسع إلى أن يكون اليوم آلة استمتاع في يد الرجل وجرى العمل على إهمال كل ما من شأنه أن يوجد المودة والرحمة وعلى التمسك بكل ما يخل بهما. فمن دواعي المودة أن لا يقدم الزوجان على الارتباط بعقد الزواج إلا بعد التأكد من ميل كل منهما للآخر. ومن مقتضى الرحمة أن يحسن كلاهما العشرة مع بعضهما. ولكن لما غفلنا عن معنى الزواج الحقيقي الشرعي استخففنا به وتهاونا بواجباته."

يورد "قاسم أمين" قرب ختام كتابه قوائم لاحصائيات الطلاق في القاهرة من أعوا 1886 - 1898 ميلادية. وتثبت الاحصائيات أن من بين كل أربع حالات زواج تقع ثلاثة حالات طلاق وتستمر حالة زواج واحدة، وهو ينحو باللائمة في الفساد العام للعلاقة الزوجية على شيوع هذا المفهوم المتدني لهذه العلاقة الرحيمة الودودة من جهة، وعلى حرص الرجل على استعباد المرأة وتأبيد جهلها من جهة أخرى فـ "ما دامت المرأة على ما هي عليه اليوم من الجهل فالزواج لا يكون – كما هو الآن – إلا شكلا من الأشكال العديدة التي يستبد بها الرجل على المرأة"

الآن؟!!..هو آن مضى من قرن وأثنا عشر عاما. أما الآن، بعد مضي كل هذه المدة الطويلة، يحق لنا أن نتساءل عن التطور الذي لحق بمفهوم الزواج وعن تقدم النظرة الاجتماعية إليه. بالتأكيد لابد أن تؤدي كل هذه المدة إلى "تقدم وتطور ما". لكن السؤال الأهم:

هل ما حققه مفهوم الزواج من تطور اجتماعي شامل زاده ارتباطا بمفهوم الحرية أم لا يزال الزواج يخضع لعقلية وتحديدات الضرورة ومستوياتها؟

وهل يكافئ هذا التطور الاجتماعي الذي لحق بالزواج مرور كل هذا الزمن؟

وهل يعد كافيا ما وصل إليه مفهوم الزواج في مجتمعنا – قياسا إلى المجتمع البشري الأعم – من تطور وارتقاء؟

هل أصبح الزواج "هذا النظام الجميل" حميلا فعلا في مجتمعنا المصري؟

هل أصبح التفاهم الوجداني والتكافؤ العقلي والروحي شرطا أساسيا من شروط الزواج؟

هل أصبح الأزواج المصريون - في عمومهم أو غالبهم - شركاء حقيقيين، نفسيا وعقليا وروحيا، في علاقة جميلة ناجحة؟

ظني أن لا..لا صريحة وجهيرة وعالية الصوت..

لم تحقق النظرة العامة للعلاقة بين الرجل والمرأة ممثلة في الزواج في مجتمعنا خلال أكثر من قرن إلا تقدم محدود جدا بمعايير البطء والسرعة التاريخيين. ظلت الحالة الاقتصادية المتدهورة، وخصوصا في العقود الأخيرة، تلقي بظلال عدمية كثيفة على هذه العلاقة الإنسانية المضيئة، بل وإن تراجعا وأشكالا جديدة من الاستبداد وظلالا معتمة أخرى طرأت على هذه النظرة مع اتساع التقدم التكنولوجي وسهولة التواصل والانتقال بين دوائر الدول والمجتمعات. فلا تزال النظرة السلعية للمرأة هي النظرة الرائجة، ولا تزال النظرة العامة في المجتمع للكائن الأنثوي نظرة تشوبها الريبة والإدانة والشك والرغبة الملحة في التقييد، وأحيانا التنكيل. بل إن ظاهرة "النقاب" التي رصد "قاسم أمين" في كتابه بدأ تحللها وضيق المصريين بها في نهايات القرن التاسع عشر وأعتاب القرن العشرين عادت لتطل برأسها كعادة مؤهلة للانتشار في بدايات القرن الواحد والعشرين!!. رأينا النقاب يعود للانتشار في شوارعنا وأماكن عملنا ومستشفياتنا ومحاكمنا وبنوكنا...إلخ. ورأينا النظرة إلى المرأة بوصفها كائن الجدران الأربعة تعود إلى الأذهان بقوة، فنجد هنا وهناك من يطالبها بالعودة إلى بيتها والانسحاب من ميادين الحياة المختلفة. كما رأينا النظرة الفقهية المتخلفة واللإنسانية المتدنية للمرأة، ولعلاقة الرجل بها، وللزواج وللطلاق ولتعدد الزوجات، تعود لتطل بقوة من شاشات الفضائيات، وعلى صفحات الأنترنت، وفي الفيس بوك والمنتديات الألكترونية!!.

وكأن ظلاما عاد يهجم من ماضينا ليلاحق شعاعا من النور يتقدم تجاه المستقبل باستمرار ويبغي ابتلاعهما معا : المستقبل والضوء.

(2)

يستهل القاضي "قاسم أمين" مرافعته الدفاعية عن حقوق المرأة بمبدأ بديهي هو أن "حالة المرأة في الهيئة الاجتماعية تابعة لحالة الأخلاق في الأمة". وبقدر ما يبدو هذا المبدأ بديهيا لنا اليوم بقدر ما كانت الغرابة التي تلازم النظر إليه والتفكير فيه من قبل عموم المصريين في هذه الحقبة المبكرة من الوعي المصري الحديث. أراد رائد تحرير المرأة أن يلفت النظر إلى التلازم التاريخي بين انحطاط المرأة وتدهور وضعها في المجتمع وبين انحطاط الأمة وتدهور أوضاعها العامة اجتماعيا واقتصاديا وسياسيا وخلافه. كما أراد أن يثبت بهذه القاعدة الذهبية (وضع المرأة/وضع الأخلاقيات العامة) أن وضع المرأة في المجتمع محكوم طول التاريخ البشري بسلطان العادة وغلبة التقليد وتوارث التقاليد بأكثر من ارتباطه بنظرة دينية أو شرعية أو إلهية كما يتخيل ويعتقد العقل الأسير لواقع سلطان العادة واملاءاته الحاسمة.

فالمرأة - طبقا للمتوارث من عصور الاستبداد والعبودية البشرية القديمة - ارتبطت كسائر الضعفاء من أسرى أو عبيد باعتقادات تضع من شأنها وتقلل من كرامتها وإنسانيتها، وتضعها تقريبا في مرتبة ما بين الإنسان والحيوان. ولذلك كان كتاب "تحرير المرأة" حريصا على أن يرتب ويضيف بديهيات ويضمها إلى سلسلة من البديهيات التي يقود إليها المنطق العقلي والبصيرة الروحية وتساندها الأدلة الشرعية والاجتماعية إضافة لأدلة التجربة والمشاهدة. ومن هذه البديهيات أيضا ما يفتتح به فصلا عن "تربية المرأة" حيث يقول :

"المرأة وما أدراك ما المرأة". إنسان مثل الرجل. لا تختلف عنه في الأعضاء ووظائفها ولا في الاحساس ولا في الفكر ولا في كل ما تقتضيه حقيقة الإنسان من حيث هو إنسان. اللهم إلا بقدر ما يستدعيه اختلافهما في الصنف"

وهو ما يترتب عليه نتيجة منطقية هي أن إنفراد الرجل المصري في هذه الآونة بالقوة العقلية والبدنية لا يعود إلى الخلق الضعيف المتدني للمرأة ولكنه يعود مباشرة إلى توالي العصور التي كان فيها الرجل منفردا باستخدام هذين القوتين، قادرا على تدريبهما وتحسين استخداماتهما، فيما كانت المرأة محرومة من ذلك حرمانا يكاد يكون تاما.

وافتقاد المرأة إلى القوة العقلية بالذات بفعل استبداد الرجل وحرمانه لها من ممارستها لابد أن يقود إلى ما تراه العيون وترصده الأذهان وتضيق به النفوس من قصورها عن تناول شئون الحياة، بل وشئون بيتها، المختلفة بالقدرة والكفاءة المطلوبة. وإذا كان يراد للمرأة أن تتحمل مسئولية ما يلقى على كاهلها من مهام فلا مناص من إعادتها إلى مضمار التواصل مع قواها العقلية واكتسابها : قدرة وممارسة وتطويرا. يقول "قاسم أمين" :

"ففي رأيي أن المرأة لا يمكنها أن تدير منزلا إلا بعد تحصيل مقدار معلوم من المعارف العقلية والأدبية. فيجب أن تتعلم كل ما ينبغي أن يتعلمه الرجل حتى يكون لها إلمام بمبادئ العلوم يسمح لها بعد ذلك باختيار ما يوافق ذوقها منها واتقانه بالاشتغال به متى شاءت"

إن حرمان المرأة من المعرفة يؤدي إلى وقوع نصف المجتمع على الأقل في الجهل الكريه. وهو ما يهدر طاقات المجتمع ويحرمه من إمكانياته البشرية المتاحة والتي يمكن أن تكفل له السبق في مضمار التنافس الحضاري العالمي. ويدهش قارئ "تحرير المرأة" أن أفكارا "حداثية" في التنمية البشرية كان لها هذا المكان المتصدر في فكر القرن التاسع عشر الذي يمثله "قاسم أمين". إنه يصرح بوضوح بأنما :

"مثلنا الآن مثل رجل يملك رأس مال عظيم فيدعه في الصندوق ويكتفي بأن يفتح صندوقه كل يوم ليتمتع برؤية الذهب ولو عرف لاستعمله وانتفع منه وضاعفه في سنين قليلة"

عدم استثمار هذه الثروة البشرية المتاحة (المرأة نصف المجتمع) يؤدي إلى أن يصبح هذا النصف المعطوب عالة على المجتمع اقتصاديا واجتماعيا، وإنسانيا وهو الأهم حيث يتقوض النسيج الحي المتجدد في بنيان المجتمع بتدمير الإمكانيات النفسية والروحية والعقلية في العلاقة الأساسية بين الرجل والمرأة، وهي العلاقة التي تشكل أساس الخلية الأولى في البناء الاجتماعي : الأسرة. فأي علاقة يمكن أن تنشأ بين رجل متعلم وامرأة جاهلة، بين روح حساسة طامحة وروح محبطة ومشبعة بالخرافات :

"أي نفس حساسة ترضى بالمعيشة في قفص مقصوصة الجناح مطأطأة الرأس مغمضة العينين وهذا الفضاء الواسع الذي لا نهاية له أمامها والسماء فوقها والنجوم تلعب ببصرها وأرواح الكون تناجيها وتوحي إليها الآمال والرغائب في فتح كنوز أسرارها؟"

..

بإمكان المتطلع اليوم في كتاب "تحرير المرأة" الوصول إلى نتيجة مفادها أنه بصدد حشد من البديهيات المرتبة ترتيبا صحيحا منهجيا، علميا ومنطقيا، ونفسيا ووجدانيا.

بوسعه أيضا أن يتساءل بعد مرور أكثر من قرن على توصل العقل المصري إلى اكتشاف هذه البديهيات الأساسية المتعلقة بإنسانية المرأة وبالعلاقة الصحيحة بينها وبين توأمها الإنساني المذكر - إلى أي حد أصبح العقل المصري الجمعي اليوم في غير حاجة إلى مزيد من التبشير بهذه البديهيات؟

إلى أي حد أستقرت البديهيات في نسيج العقل والمجتمع المصري؟

وإلى أي حد لا تزال البديهيات - بعد توالي العقود - مخلخلة؟

والأهم في هذه اللحظة من تاريخ وطننا : إلى أي حد يمكن خلخلة البديهيات من قبل قوى الظلام في مجتمعنا؟

هى المرأة من جديد !!

شغل المجتمع الشاغل .. مادته الإنتاجية ..ووحدة أمومته ..المحطة الأخيرة والنهائية التى تتجه إليها كل الدوائر المتشابكة والمتعارضة للخلاص ..هى بالفعل المرأة ..محل المجتمع وسره ..

نعم فى هذا الزمن المرأة هى ذلك وأكثر ..هى المجتمع .كله .وليس نصفه فقط ..أؤكد على أنه لو انصلح حال المرأة وأنصفها المجتمع من خلال المساواة فى حق تحقيق الذات والمشاركة الحقيقية فى بناءه بحيث لا يطغى المجتمع الذكورى الذى يتعمد أن تدور كل دوائره المجتمعية وكل قوانينه وأعرافه فى فلك الرجل ويهمل تماما نظرية الأدوار الإجتماعية ويحط من بعضها ويُعلىِ من البعض الاخر دون سند حقيقى أو منطقى لانصلح حاله كثيرا وتقدم كثيرا ..

هذه ليست مغالاة أقصدها لأعلى بها من مكانة المرأة ..ولا أجد أيضا داعيا يجعلنى أنتقص منها..أحس أننى أتحدث بضمير الإنسان فقط ..فالمرأة ليست لغزا عجيبا كما يقول الكثير من الكتاب والمؤلفين ..ولا هي ينبوع الصفاء الخالد ومصدر الوحي والإلهام كما يتغنى الشعراء والأدباء ..ولا هى أجمل ما فى الكون ..وربما تكون كل ذلك ..فمع احترامى لكل هذه الآراء وبصرف النظر عن مدى اختلافنا أو اتفاقنا حولها ..أجد أن المرأة ببساطة انسان عادى جدا يتساوى فى انسانيته المجردة مع الرجل ..

ما حدث منذ زمن قاسم أمين يجعلنى أقول له بجدارة أن " المرأة يا سيادة المستشار بمحكمة استئناف مصر الأهلية هى المجتمع كله اليوم .. وان كنت رأيت أنها نصف المجتمع ..فقد كنت رجلا معتدل الفكر ..تصف مكانة المرأة بعدالة اجتماعية وأفق مستنير يتوافق مع متطلبات وظروف مجتمعك وقتها ..ولو كنت موجودا بيننا اليوم لأجزمت بلا أدنى شك – وبمنتهى الأسى على غباوة المجتمع التقدمية - أن المرأة هى المجتمع كله امارة على مدى التدهور الذى وصل اليه..وأن المجتمع كله فى حاجة كبيرة وملحة للمرأة اليوم ..المرأة بمعنى الأنوثة ..بمعنى الأمومة ..بمعنى تصحيح المسار ..وبناء القيم والمبادىء والدور الحقيقى ..وأن حال المجتمع كله اليوم تقريبا لن ينصلح حاله إلا اذا انصلح حال المرأة ليس على الطريقة الشعاراتية ولكن على طريق القناعة والتنوير ..ولكن يبدو أنه بالفعل حلم مستحيل يكاد يكون هراء ..ولذلك فإننا سنظل كما نحن ..وسيبقى الوضع كما هو عليه وربما أسوأ بحكم دلالات التاريخ منذ زمنك وحتى اليوم ! "

ايه يا أثر الطائر !!

كتابك هذه المرة له أهميته الكبيرة جدا ويطرح مشكلة ثقافية أكبر عن فرضيات المجتمع نفسه وقناعاته الأزلية..عن تراثه وأصوليته وما ظل عالقا بهما منذ الأمد ربما بحكم التوريث الأعمى والتقليد والنقل ..بل انه مؤكد ..كالعادة ! ولذلك فهو موضوع مثير للشجن ..مثير للحزن بالفعل على مجتمع زبائنى ..عشائرى لا يريد ولا لديه حتى أى استعداد اجتهادى فى أن يتخلص بالفعل من ذيول خيبته ..

إن قاسم أمين ..من وافقه ومن خالفه ..من أيده ومن ادعى عليه..من رماه بالباطل ومن سانده ..كان مجرد رجلا انسانا فقط لاغير ! فمعرفة أن المرأة كائن حى مثلها مثل الرجل ..يتساوا فى الآدمية ..بنى آدم له نفس الحقوق الإنسانية والواجبات.. أمر لا يحتاج فعلا سوى لإنسان ..انسان عادى..سوى ..منصف .. لديه من الحس الإنسانى العادل ما يستطيع به أن يقسط العدل وأن يوقظ الضمير وأن لا يغدر .. يفهم بالفعل شريعة الله كما أنزلها وكما يجب أن تكون على الأرض ..

كل ما حصل أن قاسم أمين كان رجلا شجاعا لأنه أول من حاول أن يوقظ ضمير المجتمع المستبد بجرأة وجهارة ..ليس للمرأة فقط..ولكن من أجل نصوص الله العادلة نفسها تجاه المرأة ..حاول أن يصحح مفاهيم المجتمع المغلوطة وتفسيرها لشرائع الله بشكل يحقق مصلحة الطرف الذكورى المستبد على اعتبار أنه الكائن الفوقى المتحكم والمسيطر فى الكائن التحتى الأضعف ..المرأة !

تغيرت الدنيا وجرت مقاديرها وعوائدها ..مرت أزمنة منذ دعوة قاسم أمين ولم تتغير العقول ..بل ازداد الأمر سوءا ..وكأننا نرجع للوراء على عكس كل الدنيا ..وبرغم أن القوانين الحديثة تطورت بالفعل ..حتى وصلت المرأة لمراكز قضائية بداية من هيئة قضايا الدولة والنيابة الإدارية مرورا بمحاكم الأسرة ومحاكم الإستئناف وانتهاء بالمحكمة الدستورية العليا....إلا أن الأزمة تبدو أزمة ثقافية وراثية متأصلة فى المجتمع وعقوله لا أزمة قوانين وضعية أرضية ..فمهما أنصفت القوانين المرأة تظل عاجزة على أن تغير فى العقول ..وتبقى العقول على ما هى عليه ضاربة عرض الحائط بقوانين السماء والأرض ..فالقوانين وضعت ولكنها لا تفعل ولا تحترم لأن من وضعوها هم نفس العقول لنفس الأشخاص فى ذات المجتمع ..فما الفائدة !!..للأسف هذا ما يحدث على أرض الواقع ولابد أن نعترف به بلا مواربة ..المرأة انسان ناقص منتقص حقه منهوب ..ينظر له نظره دونية على أساس انه التابع الأضعف الناقص العقل والدين .. فصورة المرأة المثقفة الذكية القوية لا يستسيغها الرجل الشرقى ويسعى بكل طريقة أن يحجم دورها بكافة السبل..

وفى أحسن الظروف.. تحترم احترام محدود داخل اسرتها كزوجة تؤدى واجبات مفروضة بنظام اجتماعى ولابد أن تقابل بمقايضة معقولة تحقق الإستمرارية وترضيها لتقدم المزيد..ويظل الحق منقوص إلا من رحم ربى ...إلا العقلاء ..إلا الربانيون ..إلا الإنسان !

أما عن نظرية القوامة ..وما إلى ذلك من حجج معروفة ومبررات .. فليس الأمر كما يرون ويفهمون من القوامة .. فليس قوامة الرجل في الإسلام قوامة السطوة والإستبداد والقوة والإستعباد .. ولكنها قوامة التبعات .. الإلتزامات والمسئوليات .. قوامة مبينة على الشورى والتفاهم على أمور البيت والأسرة .. قوامة ليس منشؤها تفضيل عنصر الرجل على عنصر المرأة ..وإنما منشؤها ما هيأ الله في الرجل من ميزات فطرية تؤهله لدور القوامة ولا توجد في المرأة بينما هيأ في المرأة ميزات فطرية أخرى تؤهلها للقيام بما خلقت من أجله .. وهو الأمومة ورعاية البيت وشؤونه الداخلية.. وما أعظمها من أدوار وأهمها !

الرجل بكل تأكيد أقوم من المرأة في الجسم .. وأقدر على الكسب والدفاع عن بيته وعرضه لا شك في ذلك .. وهو أقدر منها على معالجة الأمور بنوع من العاطفة القوية أحيانا .. وحل معضلات الحياة بتحكيم العقل .. والتحكم بعواطفه لا شك في ذلك أيضاً .. والأمومة والبيت في حاجة إلى نوع آخر من الميزات الفطرية .. في حاجة إلى العاطفة الدافقة والحنان الدافئ ..والإحساس المرهف ..لتضفي على البيت روح الحنان والحب .. وتغمر أولادها بالعطف والشفقة...المرأة هى المسئول الأول عن السعادة الأسرية وادخال الفرح على أسرتها ..المرأة هى الإحتواء ..ودورها فى نظرى أهم من الرجل ..المرأة هى عامل الإستقرار الأول والأخير ..

والرجل أيضاً أب الأولاد .. وإليه ينتسبون .. وهو المسئول عن نفقتهم ورعاية سائر شئونهم .. وهو صاحب المسكن .. عليه إيجاده وحمايته ونفقته..فرئاسة الرجل إذن إنما نشأت له في مقابل التبعات التي كلف بها وما وهبه الله من ميزات فطرية تجعله مستعداً للقوامة.. ثم إن القوامة التي جعلها الإسلام للرجل لا استبداد فيها .. ولا استعباد للمرأة ..بل هي مبينة على الشورى والتفاهم بين الشريكين..ولا يحدث الخلل إلا عندما يشعر طرف فيهم بالنقص والعيب ..

أما عن المساواة ..فهى تتمثل فى نظرية الإسلام في المرأة على أنها إنسان قبل كل شيء .. والإنسان له حقوقه الإنسانية .. وأنها شقيقة الرجل ..خلقت من نفس عنصره الذي خلق منه ..فهو وهي سيان في الإنسانية .. (إنما النساء شقائق الرجال) ..هكذا يقول رسول الله صلى الله عليه وسلم .. ويقول الله تعالى: (ومن آياته أن خلق لكم من أنفسكم أزواجاً..) وإذا استشعر الزوج ذلك .. وامتثل ما أمره الله .. وأمره رسوله به .. لا شك أنه سينصف المرأة .. ومن شذ عن ذلك واستبد وتعالى وجار على المرأة ..فهو مستبد وفهمه مخالف وناقص ..

على الجانب الآخر نجد ثمة نساء ينادين تقريبا بإلغاء الأنوثة والمساواة المطلقة مع الرجل بما يجشمنا المتاعب وبما لا يليق بطبيعتنا ..وأعتقد أن السبب يعود إلى أنها - المرأة التى تفعل - تحس في قرارة نفسها بشىء من ضيق الأنوثة مع تصور الرفعة في مكانة الرجل .. فتندفع وراء هذه الشعارات دون روية أو تمحيص لها ..تنشد إشباع رغبتها في أن تكون رجلاً لا أنثى .. فإذا أبت الطبيعة (طبيعتها) عليها ذلك فلا أقل من أن تكون رجلاً .. يقيم مضطراً في جسم أنثى .. وعليها أن تعمل على إرضاء هذا النزوع في نفسها بكل وسيلة ..وأن تحقق لهذا الكائن المتمرد في صدرها كل ما يرضيه من معانى ومواصفات الرجل الطبيعي..

أما عن الزواج يا أثر الطائر فقد حوله المجتمع إلى مجرد مظهر احتفالى لإعطاء المرأة للرجل وتمجيدها ظاهريا ولم يمنع ذلك المظهر من اعتبارها مخلوقا ناقصاً أدنى من الرجل والدليل أن الزواج والطلاق أصبح فى المجتمع موضة وترف وتغيير وتجديد !! .. وعلى الرغم من القفزة الكبيرة التي حققتها المرأة بالإنتقال من كونها جارية وامرأة مجردة للجنس – فى المرحلة الأوليه البدائية من التاريخ إلى زوجة وأم شرعية – بعد ظهور الإسلام – لم تتغير النظرة أبدا صدقنى ..يبقى الرجل كما هو ..المرأة بالنسبة له وعاء للمتعة والإنجاب ..وخادمة ناقصة عقل ودين ..والغريب أنه مهما علت فئة المثقفين – ليس كلهم بالتأكيد – تظل باقية هذه النظرة بل الأغرب أن صداها قد يرتفع جدا بين أكثر الناس ثقافة ...لم يدرك المجتمع فعلا بضمير صاحى وعدالة اجتماعية ..وحس انسانى راقى أن الزواج معناه كما قال الله تعالى فى كتابه الكريم " من آياته أن خلقنا لكم من أنفسكم ازواجا تسكنوا اليها وجعل بينكم مودة ورحمة " ..

أعرف أننى أطلت كثيرا ..ولكن الموضوع بالفعل معقد ودسم وملىء بالأفكار والعناصر والمسببات والنواتج ..الموضوع كبير جدا يا أثر الطائر ..وبرغم ذلك حاولت أن أختصر قدر استطاعتى ..

أشكر لك اتاحة هذه الفرصة للحوار فى مثل هكذا موضوع حيوى وضرورى ..وانتظر اضافاتك دائما مع خالص الود ..،

:clappingrose: :clappingrose:

رابط هذا التعليق
شارك

الكتاب: تحرير المرأة

المؤلف : قاسم أمين

الناشر : مكتبة الأداب (طبعة مكتبة الدقي الأصلية) - 2009

نظرات في "تحرير المرأة

1_2008511_2199.jpg

هى المرأة من جديد !!

شغل المجتمع الشاغل .. مادته الإنتاجية ..ووحدة أمومته ..المحطة الأخيرة والنهائية التى تتجه إليها كل الدوائر المتشابكة والمتعارضة للخلاص ..هى بالفعل المرأة ..محل المجتمع وسره ..

نعم فى هذا الزمن المرأة هى ذلك وأكثر ..هى المجتمع .كله .وليس نصفه فقط ..أؤكد على أنه لو انصلح حال المرأة وأنصفها المجتمع من خلال المساواة فى حق تحقيق الذات والمشاركة الحقيقية فى بناءه بحيث لا يطغى المجتمع الذكورى الذى يتعمد أن تدور كل دوائره المجتمعية وكل قوانينه وأعرافه فى فلك الرجل ويهمل تماما نظرية الأدوار الإجتماعية ويحط من بعضها ويُعلىِ من البعض الاخر دون سند حقيقى أو منطقى لانصلح حاله كثيرا وتقدم كثيرا ..

هذه ليست مغالاة أقصدها لأعلى بها من مكانة المرأة ..ولا أجد أيضا داعيا يجعلنى أنتقص منها..أحس أننى أتحدث بضمير الإنسان فقط ..فالمرأة ليست لغزا عجيبا كما يقول الكثير من الكتاب والمؤلفين ..ولا هي ينبوع الصفاء الخالد ومصدر الوحي والإلهام كما يتغنى الشعراء والأدباء ..ولا هى أجمل ما فى الكون ..وربما تكون كل ذلك ..فمع احترامى لكل هذه الآراء وبصرف النظر عن مدى اختلافنا أو اتفاقنا حولها ..أجد أن المرأة ببساطة انسان عادى جدا يتساوى فى انسانيته المجردة مع الرجل ..

ما حدث منذ زمن قاسم أمين يجعلنى أقول له بجدارة أن " المرأة يا سيادة المستشار بمحكمة استئناف مصر الأهلية هى المجتمع كله اليوم .. وان كنت رأيت أنها نصف المجتمع ..فقد كنت رجلا معتدل الفكر ..تصف مكانة المرأة بعدالة اجتماعية وأفق مستنير يتوافق مع متطلبات وظروف مجتمعك وقتها ..ولو كنت موجودا بيننا اليوم لأجزمت بلا أدنى شك – وبمنتهى الأسى على غباوة المجتمع التقدمية - أن المرأة هى المجتمع كله امارة على مدى التدهور الذى وصل اليه..وأن المجتمع كله فى حاجة كبيرة وملحة للمرأة اليوم ..المرأة بمعنى الأنوثة ..بمعنى الأمومة ..بمعنى تصحيح المسار ..وبناء القيم والمبادىء والدور الحقيقى ..وأن حال المجتمع كله اليوم تقريبا لن ينصلح حاله إلا اذا انصلح حال المرأة ليس على الطريقة الشعاراتية ولكن على طريق القناعة والتنوير ..ولكن يبدو أنه بالفعل حلم مستحيل يكاد يكون هراء ..ولذلك فإننا سنظل كما نحن ..وسيبقى الوضع كما هو عليه وربما أسوأ بحكم دلالات التاريخ منذ زمنك وحتى اليوم ! "

ايه يا أثر الطائر !!

كتابك هذه المرة له أهميته الكبيرة جدا ويطرح مشكلة ثقافية أكبر عن فرضيات المجتمع نفسه وقناعاته الأزلية..عن تراثه وأصوليته وما ظل عالقا بهما منذ الأمد ربما بحكم التوريث الأعمى والتقليد والنقل ..بل انه مؤكد ..كالعادة ! ولذلك فهو موضوع مثير للشجن ..مثير للحزن بالفعل على مجتمع زبائنى ..عشائرى لا يريد ولا لديه حتى أى استعداد اجتهادى فى أن يتخلص بالفعل من ذيول خيبته ..

إن قاسم أمين ..من وافقه ومن خالفه ..من أيده ومن ادعى عليه..من رماه بالباطل ومن سانده ..كان مجرد رجلا انسانا فقط لاغير ! فمعرفة أن المرأة كائن حى مثلها مثل الرجل ..يتساوا فى الآدمية ..بنى آدم له نفس الحقوق الإنسانية والواجبات.. أمر لا يحتاج فعلا سوى لإنسان ..انسان عادى..سوى ..منصف .. لديه من الحس الإنسانى العادل ما يستطيع به أن يقسط العدل وأن يوقظ الضمير وأن لا يغدر .. يفهم بالفعل شريعة الله كما أنزلها وكما يجب أن تكون على الأرض ..

كل ما حصل أن قاسم أمين كان رجلا شجاعا لأنه أول من حاول أن يوقظ ضمير المجتمع المستبد بجرأة وجهارة ..ليس للمرأة فقط..ولكن من أجل نصوص الله العادلة نفسها تجاه المرأة ..حاول أن يصحح مفاهيم المجتمع المغلوطة وتفسيرها لشرائع الله بشكل يحقق مصلحة الطرف الذكورى المستبد على اعتبار أنه الكائن الفوقى المتحكم والمسيطر فى الكائن التحتى الأضعف ..المرأة !

تغيرت الدنيا وجرت مقاديرها وعوائدها ..مرت أزمنة منذ دعوة قاسم أمين ولم تتغير العقول ..بل ازداد الأمر سوءا ..وكأننا نرجع للوراء على عكس كل الدنيا ..وبرغم أن القوانين الحديثة تطورت بالفعل ..حتى وصلت المرأة لمراكز قضائية بداية من هيئة قضايا الدولة والنيابة الإدارية مرورا بمحاكم الأسرة ومحاكم الإستئناف وانتهاء بالمحكمة الدستورية العليا....إلا أن الأزمة تبدو أزمة ثقافية وراثية متأصلة فى المجتمع وعقوله لا أزمة قوانين وضعية أرضية ..فمهما أنصفت القوانين المرأة تظل عاجزة على أن تغير فى العقول ..وتبقى العقول على ما هى عليه ضاربة عرض الحائط بقوانين السماء والأرض ..فالقوانين وضعت ولكنها لا تفعل ولا تحترم لأن من وضعوها هم نفس العقول لنفس الأشخاص فى ذات المجتمع ..فما الفائدة !!..للأسف هذا ما يحدث على أرض الواقع ولابد أن نعترف به بلا مواربة ..المرأة انسان ناقص منتقص حقه منهوب ..ينظر له نظره دونية على أساس انه التابع الأضعف الناقص العقل والدين .. فصورة المرأة المثقفة الذكية القوية لا يستسيغها الرجل الشرقى ويسعى بكل طريقة أن يحجم دورها بكافة السبل..

وفى أحسن الظروف.. تحترم احترام محدود داخل اسرتها كزوجة تؤدى واجبات مفروضة بنظام اجتماعى ولابد أن تقابل بمقايضة معقولة تحقق الإستمرارية وترضيها لتقدم المزيد..ويظل الحق منقوص إلا من رحم ربى ...إلا العقلاء ..إلا الربانيون ..إلا الإنسان !

أما عن نظرية القوامة ..وما إلى ذلك من حجج معروفة ومبررات .. فليس الأمر كما يرون ويفهمون من القوامة .. فليس قوامة الرجل في الإسلام قوامة السطوة والإستبداد والقوة والإستعباد .. ولكنها قوامة التبعات .. الإلتزامات والمسئوليات .. قوامة مبينة على الشورى والتفاهم على أمور البيت والأسرة .. قوامة ليس منشؤها تفضيل عنصر الرجل على عنصر المرأة ..وإنما منشؤها ما هيأ الله في الرجل من ميزات فطرية تؤهله لدور القوامة ولا توجد في المرأة بينما هيأ في المرأة ميزات فطرية أخرى تؤهلها للقيام بما خلقت من أجله .. وهو الأمومة ورعاية البيت وشؤونه الداخلية.. وما أعظمها من أدوار وأهمها !

الرجل بكل تأكيد أقوم من المرأة في الجسم .. وأقدر على الكسب والدفاع عن بيته وعرضه لا شك في ذلك .. وهو أقدر منها على معالجة الأمور بنوع من العاطفة القوية أحيانا .. وحل معضلات الحياة بتحكيم العقل .. والتحكم بعواطفه لا شك في ذلك أيضاً .. والأمومة والبيت في حاجة إلى نوع آخر من الميزات الفطرية .. في حاجة إلى العاطفة الدافقة والحنان الدافئ ..والإحساس المرهف ..لتضفي على البيت روح الحنان والحب .. وتغمر أولادها بالعطف والشفقة...المرأة هى المسئول الأول عن السعادة الأسرية وادخال الفرح على أسرتها ..المرأة هى الإحتواء ..ودورها فى نظرى أهم من الرجل ..المرأة هى عامل الإستقرار الأول والأخير ..

والرجل أيضاً أب الأولاد .. وإليه ينتسبون .. وهو المسئول عن نفقتهم ورعاية سائر شئونهم .. وهو صاحب المسكن .. عليه إيجاده وحمايته ونفقته..فرئاسة الرجل إذن إنما نشأت له في مقابل التبعات التي كلف بها وما وهبه الله من ميزات فطرية تجعله مستعداً للقوامة.. ثم إن القوامة التي جعلها الإسلام للرجل لا استبداد فيها .. ولا استعباد للمرأة ..بل هي مبينة على الشورى والتفاهم بين الشريكين..ولا يحدث الخلل إلا عندما يشعر طرف فيهم بالنقص والعيب ..

أما عن المساواة ..فهى تتمثل فى نظرية الإسلام في المرأة على أنها إنسان قبل كل شيء .. والإنسان له حقوقه الإنسانية .. وأنها شقيقة الرجل ..خلقت من نفس عنصره الذي خلق منه ..فهو وهي سيان في الإنسانية .. (إنما النساء شقائق الرجال) ..هكذا يقول رسول الله صلى الله عليه وسلم .. ويقول الله تعالى: (ومن آياته أن خلق لكم من أنفسكم أزواجاً..) وإذا استشعر الزوج ذلك .. وامتثل ما أمره الله .. وأمره رسوله به .. لا شك أنه سينصف المرأة .. ومن شذ عن ذلك واستبد وتعالى وجار على المرأة ..فهو مستبد وفهمه مخالف وناقص ..

على الجانب الآخر نجد ثمة نساء ينادين تقريبا بإلغاء الأنوثة والمساواة المطلقة مع الرجل بما يجشمنا المتاعب وبما لا يليق بطبيعتنا ..وأعتقد أن السبب يعود إلى أنها - المرأة التى تفعل - تحس في قرارة نفسها بشىء من ضيق الأنوثة مع تصور الرفعة في مكانة الرجل .. فتندفع وراء هذه الشعارات دون روية أو تمحيص لها ..تنشد إشباع رغبتها في أن تكون رجلاً لا أنثى .. فإذا أبت الطبيعة (طبيعتها) عليها ذلك فلا أقل من أن تكون رجلاً .. يقيم مضطراً في جسم أنثى .. وعليها أن تعمل على إرضاء هذا النزوع في نفسها بكل وسيلة ..وأن تحقق لهذا الكائن المتمرد في صدرها كل ما يرضيه من معانى ومواصفات الرجل الطبيعي..

أما عن الزواج يا أثر الطائر فقد حوله المجتمع إلى مجرد مظهر احتفالى لإعطاء المرأة للرجل وتمجيدها ظاهريا ولم يمنع ذلك المظهر من اعتبارها مخلوقا ناقصاً أدنى من الرجل والدليل أن الزواج والطلاق أصبح فى المجتمع موضة وترف وتغيير وتجديد !! .. وعلى الرغم من القفزة الكبيرة التي حققتها المرأة بالإنتقال من كونها جارية وامرأة مجردة للجنس – فى المرحلة الأوليه البدائية من التاريخ إلى زوجة وأم شرعية – بعد ظهور الإسلام – لم تتغير النظرة أبدا صدقنى ..يبقى الرجل كما هو ..المرأة بالنسبة له وعاء للمتعة والإنجاب ..وخادمة ناقصة عقل ودين ..والغريب أنه مهما علت فئة المثقفين – ليس كلهم بالتأكيد – تظل باقية هذه النظرة بل الأغرب أن صداها قد يرتفع جدا بين أكثر الناس ثقافة ...لم يدرك المجتمع فعلا بضمير صاحى وعدالة اجتماعية ..وحس انسانى راقى أن الزواج معناه كما قال الله تعالى فى كتابه الكريم " من آياته أن خلقنا لكم من أنفسكم ازواجا تسكنوا اليها وجعل بينكم مودة ورحمة " ..

أعرف أننى أطلت كثيرا ..ولكن الموضوع بالفعل معقد ودسم وملىء بالأفكار والعناصر والمسببات والنواتج ..الموضوع كبير جدا يا أثر الطائر ..وبرغم ذلك حاولت أن أختصر قدر استطاعتى ..

أشكر لك اتاحة هذه الفرصة للحوار فى مثل هكذا موضوع حيوى وضرورى ..وانتظر اضافاتك دائما مع خالص الود ..،

:clappingrose: :clappingrose:

هي المرأة دائما لديها الجديد..وفيها الجديد..وبها الجديد..وهي قبلة التجدد المؤكدة في المجتمع والحياة..

حقا يا عشتار ما الذي يمكن أن يضيفه المرء على مرافعاتك ودفوعاتك التي لا تقل عقلا ولا منطقا ولا إصابة للحقيقة عن مرافعات ودفوعات رائد تحرير المرأة؟

لا أعتقد أنه لديّ ما يمكنني أن أضيفه على كلماتك بعد أن أنشدتها مرات متتاليات معجبا، مبهورا، منتشيا

ربما من أجل كلمات كهذه، ومن أجل امرأة كهذه (مثلك يا سيدتي النبيلة) بدأ "قاسم أمين" جهاده النبيل من أجل "تحرير المرأة"

أن نصل بعد أكثر من مئة عام إلى نساء يمتلكن من قوة العقل وحكمة المنطق ما يمكنهن من طرح قضيتهن بمثل هذه القوة والحنكة والاتزان التي طرحت بها تصوراتك الناضجة كثمار شهية ومغرية..أعتقد يا عشتار أنها ليست نتيجة مخيبة للأمال أبدا

المشكلة هنا قد تكون في عدد النساء القادرات فعلا على ذلك بحكم ما يمتلكن من عقل وحلم وحكمة وثقافة؟

ربما لسن كثيرات حقا..لكن الأمل لا يزال قائما وليست القضية ميئوسا منها أبدا

سوف ألحق ردي هنا يا عشتار بعرض آخر لكتاب آخر هو (تربية المرأة والحجاب)، وقد وجدتني مدفوعا لكتابة هذا العرض الجديد لكتاب جديد بحماس بعد قراءتي لك اليوم، ولعل هذا العرض يثبت أن النظرة العدائية المتخلفة العدوانية للمرأة قد شهدت تراجعا ليس بالقليل على اتساع قرن وعقد مضيا، وهو ما يبعث الدفء والأمل ويحمس المجتمع، نساؤه وطلائعه ومثقفوه، لاستكمال هذه المسيرة الإنسانية الظافرة والتي مهما انتصبت عوائقها وعلت السدود أمام تقدمها فلا خيار آخر أمامها غير التقدم والانتصار..ففي تقدمها انتصار للانسانية وفي تراجعها هزيمة أي هزيمة، هزيمة ربما يستلزم تخطيها قرن آخر يمضي، وأجيال أخرى تندثر، وأعمار أكثر تضيع.

..

أود أن أنوه بإعجابي الشديد بنظرتك الناضجة لنظرية القوامة، وهي نظرية لا تنهض أبدا - كما أشرت - على تفوق العنصر الذكري، ولا على امتلاك الرجل لقدرات وإمكانيات نفسية أو عقلية لا تمتلكها أو لا يمكن أن تمتلكها المرأة، إنما القوامة هي مفهوم اجتماعي بالأساس قائم على توزيع الأدوار وتبادلها بين الرجل والمرأة. وهي أشبه في تصوري بفكرة عقد الرياسة للربان في مجالات الملاحة والإبحار، وتلوح أهميتها القصوى أثناء مرور الأسرة باضطرابات أو أخطار تستلزم التصدي أو الحماية. ولا يعني وجود الربان على سطح السفينة أنه يفضل أو يرتقي، أهلية أو مقاما، على أي راكب آخر من ركابها، لكنها تشير إلى نوعية محدودة من المسئوليات تناط به تستلزم نوعية محدودة أيضا من السلطات يمارسها بصورة مقننة وفي أوقات محددة ومعروفة للجميع وبصورة جماعية لا انفرادية ولا استبدادية ولا تحكمية ولا ظالمة ولا منتهكة للحقوق.

لقد تعرضت نظرية القوامة خلال العقود الأخيرة من القرن العشرين في مجتمعنا لتغيرات مؤثرة، منها انخراط المرأة في مجالات العمل المختلفة، وهو ما يجعل قوامة الرجل تنحسر في أسر، ليست بالقليلة أبدا، عن مدار النفقة بعد أن أصبح للمرأة العاملة قدرتها على المشاركة فيها. كما أنه في أحوال معينة وإن كانت نادرة للغاية تتمكن المرأة عبر عملها أو ما تمتلكه ميراثا أو تجارة أو غيرهما من المشاركة في توفير مسكن الزوجية. وبغض النظر عن المقومات المادية لقوامة الرجل، والتي يمكن أن يطرأ عليها التغيير من زمن لآخر أو حالة لأخرى أو مجتمع لآخر، فإن بعدها الرمزي والإنساني الذي يجب أن تفهم في إطاره، والذي سبق لي أن طرحته، هو الأهم والأكثر فعالية وإنسانية، والأحرى أن تستوعب به فكرة القوامة بأكثر من الإطار المادي المتغير. والرسول عليه أفضل الصلاة والسلام يقول : "أتيتكم بشريعة حنيفية بيضاء لم يأت بها نبي من قبلي ولو كان أخي موسى وسائر الأنبياء في زمني لم يسعهم إلا إتباع شريعتي". وهو حديث يقطع بأن الشرائع الإلهية يجب أن تتأثر، ليس في مبادئها الكبرى ولكن في تفصيلاتها وجزئياتها، لعوامل التغير الزمني. ومن هنا يجب أن يأتي فهمنا للقوامة نابعا من التغيرات الاجتماعية التي يأتي بها العصر، وأن يتغير هذا الفهم طبقا للتغيرات في كل العصور.

عشتار..

سأضع الآن عرضي لكتاب (تربية المرأة والحجاب) ممتنا لقراءتك التي تفتح لي لخطواتي طرقها، وتمنح لزهرات العقل ألوانها، ولثمرات الفكر شهوتها..وأستحلفك ألا تتوقفي عن الإطالة المثمرة ولا مرة واحدة..

عشتار الغالية..... :clappingrose: :clappingrose:

رابط هذا التعليق
شارك

الكتاب: تربية المرأة والحجاب

المؤلف : محمد طلعت حرب

الناشر : مكتبة الأداب (صورة من طبعة الأداب الأصلية) - 2009

نظرة رجعية للمرأة

319image.jpeg

(1)

تقدم "مكتبة الأداب" للقارئ المصري خدمة ثقافية جليلة وفائدة عقلية جمّة حين تعيد طباعة كتاب "تربية المرأة والحجاب" للرائد الاقتصادي المصري الشهير "محمد طلعت حرب" بالتلازم مع إعادة طباعة كتاب "قاسم أمين" التاريخي "تحرير المرأة". إذ تمكن القارئ من زيارة الجانب الآخر من الشاطيء أو – بالأدق - رؤية "الوجه المظلم للقمر". فالمتضمن في كتاب "التربية والحجاب" لطلعت حرب هو صورة المرأة كما تنعكس في ثقافة مجتمع ذكوري مراهق، يسعد جدا بسيطرته الصبيانية على نساء مهيضات الجناح، جاهلات، مذعورات، تولى هو بنفسه مهمة تقديمهن قربانا على مذبح إحساسه الذكوري الدفين بالنقص وبقلة الاستحقاق والقدرة، وأتخذ منهن ضحايا لهلاوسه وظنونه وكوابيسه التي ترسم صورة مظلمة وظالمة للمرأة، تخسف بقدرها – بكل أقدارها – إلى سابع أرض.

يقدم الاقتصادي المصري الرائد "طلعت حرب" ثقافة تستهين بعقل المرأة وقوتها وتنزلها منزل القاصر، ضعيف العقل، منعدم الضمير، مستهتر الخلق، سيء الخليقة والتكوين (معاذ الله).

ولابد قبل الدخول إلى صفحات الكتاب واستعراض بعض ما فيه التوقف أمام هذه المفارقة الإنسانية المذهلة، فنحن بصدد اقتصادي وطني حقيقي ينتمي لطائفة الندرة من الاقتصاديين المصريين عبر تاريخنا الحديث، من جهة منطلقاته الوطنية الأصيلة، وتوجهاته الليبرالية العميقة، وممارساته الاقتصادية التي جعلت منه رائدا للرأسمالية الوطنية في مصر، بل وفي الشرق كله.

والمفارقة واضحة ومذهلة بين رأسمالي وطني يؤمن بالاقتصاد الحر لكنه يتبنى رؤية اجتماعية رجعية ونظرة بالغة التخلف للمرأة. رأسمالي يؤمن بحرية السوق وعبودية المرأة في نفس الوقت!!. والشاهد في تاريخ المجتمعات البرجوازية (أي مجتمعات الطبقة الوسطى) وتطورها هو حتمية وجود متلازمة للتقدم تجمع ما بين الحريات السياسية والاجتماعية والاقتصادية والدينية والثقافية..إلخ. متلازمة لا ينفصل فيها ما هو حقوقي خاص بحقوق المواطنة وحزمة الحريات الشهيرة في التفكير والتعبير والاعتقاد والمساواة بين المواطنين على أساس الجنس واللون والطبقة والمعتقد..لا ينفصل فيها ذلك كله عن باقي منظومة الحريات التي تعتبرها هذه المجتمعات حقوقا للإنسان ونتائج مترتبة بالضرورة على حق المواطنة في مجتمع يحترم حقوق الإنسان.

فكيف يفسر هذا التلازم المشوه بين حرية السوق وعبودية المرأة عند رائد من رواد الرأسمالية الوطنية في مصر؟

ظني أن الأمر مرتبط بمفهوم "الحداثة المشوهة" وهو شكل من أشكال التحديث المبتور أو الناقص أو المشوه والذي شاب كل بناءات الدول الحديثة في العالم العربي وعلى رأسها مصر. هذه الحداثة المشوهة أنتجت على المستوى الاجتماعي الكثير من المفارقات المؤسفة، مثل تبني المنتج المادي أو الصناعي الحداثي (السيارة، المصنع، الطائرة، التلفزيون، الصاروخ، جهاز التكييف..إلخ) مع رفض الأساس الفكري أو الثقافي للمجتمع الصناعي نفسه (المواطنة وحقوق الإنسان والمساواة وسيادة القانون..إلخ).

هذه الحداثة المريضة كانت مسئولة إلى حد كبير عن كل أزمات الإنسان المصري والعربي المعاصر، بدء من أول محاولة كبرى للتحديث في الشرق التي تولاها "محمد علي الكبير" وحفلت بهذا النوع من التناقضات، كبناء أول جيش مصري قوامه فلاحون مصريون لأول مرة في التاريخ منذ الفراعنة متلازما مع نظام الالتزام شبه الإقطاعي والذي أعاد الفلاح المصري إلى أقرب وضع ممكن من العبودية. وحتى هذه اللحظة التي تتنازع فيها حياتنا الفكرية والثقافية والروحية صراعات وتمزقات حادة تدور كلها حول متلازمات ثنائية تبدو كالمتناقضات وما هي كذلك، متلازمات مثل : الهوية والحداثة، الأصالة والمعاصرة..وصولا إلى الحجاب وحرية المرأة.

[

(2)

لابد أولا من إيضاح مفهوم (الحجاب) الذي يدافع عنه المرحوم "طلعت حرب"، وهو مفهوم لا علاقة بما نقصده هذه الأيام من كلمة (الحجاب) الذي يقصد به شكل ملبس معين، مختلف أو متفق عليه، ترتديه المرأة امتثالا لأوامر الشرع والدين. مفهوم (الحجاب) الذي دافع عنه "طلعت حرب" يعني (الاحتجاب) أي احتجاب المرأة عن المساهمة في الحياة العامة بمختلف صورها، وقصر وجودها على البيت، وقصر كل مهامها وأعمالها في الحياة على رعاية الأسرة وولادة الأبناء، أي "سجن المرأة بين الأناجيل الأربعة أو الجدران الأربعة" بحسب ما نقل "طلعت حرب" نفسه عن كاتب ألماني يؤيد هو نظرته للمرأة.

الحجاب بمفهومه القديم يتضمن أن تكون المرأة حبيسة بيتها ونقابها وأولادها وأزواجها وأهلها الأقربين دون أن يكون لها حق المشاركة في الحياة الذكورية العامة!!. وهو ما يتعرف عليه قارئ كتاب "تربية المرأة والحجاب" من إلقاء النظرة الأولى على غلافه الداخلي الذي أحاله المؤلف في جنوح هستيري يثير الدهشة إلى جدار مملوء بالشعارات الرجعية حول المرأة. فبعد أن يقع بصر القارئ على عنوان الكتاب واسم مؤلفه يجد العبارات التالية متصدرة المشهد :

"إن لكل دين خلقا وخلق هذا الدين الحياء (حديث كريم)

أصلح شيء للمرأة ألا ترى رجلا وألا يراها رجل (فاطمة عليها السلام)

أكفف أبصارهن بالحجاب فشدة الحجاب خير لهن من الارتياب (علي بن ابن طالب)

لا تدعوا نساءكم يزاحمن العلوج في الأسواق : قبح الله تعالى من لا يغار (الحسن عليه السلام)"

ولا يكتفي "طلعت باشا حرب" بذلك وإنما يضيف بعض أقوال الحكماء على الشاكلة السابقة في المساحة الصغيرة المتبقية في كعب الغلاف!!

وطبيعي أن يلاحظ القارئ أنه ما من آية قرانية واحدة تتصدر هذه الطائفة من الأقوال المنسوبة إلى الرسول عليه الصلاة والسلام (وليس في قوله ما يؤيد قضية الحجاب) ثم ثلاثة من آل البيت الأطهار (فاطمة – علي – الحسن) قدس الله سرهم. وهم في النهاية بشر من البشر، قالوا وفعلوا، ولم يزعموا أن ما قالوه أو فعلوه يتعدى نطاق العادات الشائعة في زمنهم ومجتمعه، أو أنه ملزم لغيرهم كإلزام الشرع أو الدين. بالإضافة إلى أقوال الحكماء الذين لا يتصور المرء أنهم يمتلكون حكمة بشرية لها صفة الإطلاق وتعدي الأزمان أو العصور!!.

وعلى هذا النحو المستفز بادي الفجاجة يلج القارئ المتحير كتاب "تربية المرأة والحجاب".

ومنذ السطور الأولى يعمد المؤلف إلى القول بأن كتابه أتى في سياق رودود كثيرة، ينقل هو بعضها بين صفحات كتابه، على "كتاب "تحرير المرأة" الذي وضعه الفاضل قاسم بك أمين ويقول فيه : إن المرأة مساوية للرجل من جميع الوجوه وأن الرجل ظالم لها في حقوقها ويحث فيه على تربية وتعليم الرجل والمرأة سواء بسواء. ويقول بلزوم رفع الحجاب ووجوب الاختلاط لأن حجاب المرأة وعدم اختلاطها مما يقيد حريتها التي منحها الله إياها ويمنع قيامها بالعمل المكلفة به في الهيئة الاجتماعية إلى آخر ما يدعو إليه"

وطبعا لا يوافق "طلعت حرب" على شيء مما ورد عند "قاسم أمين" في كتابه "تحرير المرأة". لكنه يلتزم هذا المنوال الذي يعرض فيه للقارئ أقوال "قاسم أمين" دون أن يحفل كثيرا بتضمين بعض من أقواله وسطور من كتابه "تحرير المرأة" بعكس ما يفعله مع الردود التي أتت على الكتاب، إذ يضمن من هذه الردود في كتابه تضمينات مطوله تتجاوز أحيانا عدة صفحات. ولا أعرف سببا يدفع المؤلف إلى القيام بدور الشارح لأقوال "قاسم أمين" دون الاقتباس المباشر – والمطول أيضا - منها إلا الرغبة في وضع هذه الأقوال بدورها قيد "الحجاب" تماما كما المرأة. ورغم أن المؤلف يهتم بإلحاق لقب "البكوية" دلالة تهذيب وإبداء لاحترام إزاء شخص "قاسم أمين"، بل وإنه يحرص على تبرئة الرجل من جهل خصومه الذي نال منه اتهاما بغير حق بل ويحرص على إبداء الاتفاق معه في مقولة هامة جدا، إذ يقول بوضوح ومباشرة :

"وإني أجلّ حضرة الفاضل قاسم بك أمين عن أن يكون له غاية من وضع كتابه خلاف حب الخير والارتقاء لأمته كما هو ظاهر من كلامه على تربية المرأة فإنه وصف حالتها اليوم أحسن وصف وقال بوجوب تربيتها تربية تهذب أخلاقها وتقوم نفسها فلحضرته مزيد الشكر على ذلك وسيرانا في هذا الكتاب داعين لمثل دعوته رافعين صوتنا مع صوته علّ دعوتنا تخرق تلك الأذان الصماء فيهتم القوم بأمر هذه التربية.."

لكن لا يجب أن ينخدع القارئ بتاتا بهذه اللهجة اللينة الغريبة على المؤلف وكتابه، على القارئ أن يرى ببصيرته الحقائق التي يضمنها "طلعت حرب" بين سطور هذه المقدمة ثم يعود للتصريح بها بفجاجة خلال فصول كتابه. فتربية المرأة التي "تهذب أخلاقها" تعني عنده بالقطع أن أخلاق المرأة غير مهذبة في الواقع، وتربية المرأة التي تقوم نفس المرأة تعني أن هذه النفس الشقية تعاني أعوجاجا خلقيا يطلب إصلاحه و .. طبعا .. هيهات أن يقع لها هذا الإصلاح طبقا لما يراه "طلعت حرب" نفسه

وهذا التناقض بين ما يزعمه المؤلف من اتفاق مع "قاسم أمين" بينما هو مختلف معه اختلاف الظلام مع النور، هو عينه التناقض بين ما يبديه من دفاع عن رائد تحرير المرأة، من التهم الباطلة والإشاعات الشائنة التي تعلقت به في حياته وبعد موته، وبين ما يعود ليثيره حوله من ريب ومن غبار اتهامات أخرى أخلاقية. فمن بين ما أتهم به الرائد الكبير ممالأة الفرنج ومجاراة أفكارهم، وهو ما يثيره "طلعت حرب" حين يشير إلى توقيت صدور كتاب "تحرير المرأة" بقوله :

"فهل هذا أيضا من باب وقوع الحافر على الحافر أو من توافق الخواطر كما كان الأمر في ظهور كتاب تحرير المرأة في الوقت الذي ظهرت فيه مقالة انكليزية قيل إنها لأحد علماء الهند يدعو فيها صاحبها إلى مثل ما يدعو إليه صاحب كتاب تحرير المرأة"

والإجابة التي لم يقدمها المؤلف ويتوقعها من القارئ أن يقول : إنها ليست مصادفة أن يصدر كتاب في مصر ومقال في إنجلترا عن تحرير المرأة..ليست مصادفة لكنها بكل تأكيد مؤامرة!!

ولطالما كانت نظرية المؤامرة هي الدرع الوحيد الذي يتذرع به الضعفاء الذين لا يملكون من بضاعة العقل غير المكابرة والريب والتخمينات ولا يملكون من بضاعة المستقبل غير الفرار منه إلى أحضان الأسلاف الآمنة وأزمانهم التي ولت بغير رجعة.

(3)

كما يمكن أن يلحظ قارئ هذا الزمان من أن "ترتيب البديهيات" العقلية والوجدانية والشرعية والإنسانية كان هو السمة الغالبة على كتاب "تحرير المرأة". يمكن أيضا لقارئ زمننا اليقظ أن يلحظ أن "سوق التناقضات" هو السمة الغالبة على كتاب تربية المرأة والحجاب". حقا – وبلا أي نزوع للسخرية – فإن التناقض هو المحور الذي تدور حوله كل أفكار وطروحات "طلعت باشا حرب" في كتابه. بدء من صفحات المقدمة وما رأيناه فيها من تناقض تجاه "قاسم أمين" نفسه وحتى ما يقدمه من حجج وبراهين، بل ومنطق حافل كله بالتضارب.

والأمثلة على ذلك أكثر من الإحاطة بها في عرض أو نقد أو انتقاد واحد للكتاب. لكني سأسوق عددا قليلا ولكنه دال منها.

في هجومه على وضع المرأة في الغرب الذي يتهم "قاسم أمين" ودعاة تحرير المرأة بالتطلع إلى تقليده يقول "طلعت حرب" في صفحة 13 :

"فإن المرأة ظلت راضخة لنير الرجل ولم تنل ما نالته من حريتها في أوروبا إلا بسعي الرجل نفسه ورضاه بتخفيف الوطأة عنها كما هو شأن القوي إذا أراد أن يخفف عن الضعيف المقهور له شيئا من أثقاله"

ويسوق المؤلف هذه العبارة ليدلل بها على أن المرأة لا تساوي الرجل في "جميع المواهب الطبيعية" مما يدعو ارتكانا إلى "ناموس الغلبة والقهر" إلى أن تكون المرأة في ضعفها تابعة وملحقة ومستلبة القوى إزاء الرجل. وفضلا عن فجاجة الفكرة، ورعونتها بما تحتويه من انحياز أعمى لدراوينية اجتماعية قبيحة، إلا أنه ليس على القارئ أن يجهد ذهنه في نقضها، إذ يتولى ذلك عنه "طلعت حرب" نفسه في صفحة 32 حين يشير في تضميناته إلى أن "علماء العمران" في أوروبا.."أصبحوا يتوقعون انهدام عظمة أوربا بيد المرأة الضعيفة إذا لم يتوصلوا إلى إيقافها عند حدها"!!

"المرأة الضعيفة" وفي نفس الوقت تهدم عظمة أوربا القوية!!

ولماذا لا "يتوصلوا إلى إيقافها" طالما أنهم هم من بدأوا بتخفيف الوطأة عنها كما يزعم!!

وكيف وصلت "أوربا العظيمة" إلى مدارات العظمة في ظل تحرير المرأة الأوربية يا ترى!!

بلا شك فإن أفكار رائد التحديث في الاقتصاد المصري تمتلأ بعنصرية رجعية قبيحة تجاه جنس المرأة، عنصرية لا تتمالك إلا التعبير الصريح عن ذاتها. فهو يعزو مثلا سيطرة الرجل على المرأة إلى ضعف خلقي تكويني في إدراك المرأة وعقلها، ويتساءل قبل أن يجيب :

"هل المرأة أضعف من الرجل إدراكا؟

نقول نعم وأحوال الشعوب الحاضرة والغابرة تؤيد هذا القول بالشواهد العيانية فإن كل الأعمال الاختراعية والاكتشافات العلمية التي بنيت عليها سعادة الإنسانية صدرت من الرجل دون غيره"!!.

وما يراه المؤلف هو أن صدور الأعمال الاختراعية عن الرجل دليل على ضعف إدراك المرأة لكنه ليس بحال من الأحوال دليل على حرمانها من التفكير أو القيام بأي أعمال، اختراعية أو غير ذلك، خارج جدران منزلها/حبسها.!!

وهو لا يكتفي بذلك دون أن يقضي على أي أمل في إمكانية تحرر المرأة من هذا الوضع العقلي الإدراكي البائس، ويجعل منه وضعا مؤبدا لا فرار للبائسة ولا فكاك لعقلها منه لأن :

"الوظيفة التي نيطت بها من الحمل إلى الوضع إلى الإرضاع إلى التربية تجبرها أن تصرف معظم حياتها في الابتعاد عن مصادر التغذية الفكرية. وبناء على هذا يستحيل عليها أن تبلغ شأو الرجل في سعة الإدراك"!!

ولا أجد شخصيا ما أعلق به على هكذا كلام، غير أن أسوق تناقضا أخيرا ينسف به "طلعت باشا حرب" كل فكرته عن قوة الرجل الطبيعية وضعف المرأة الطبيعي والتي أستغرق الصفحات في البرهنة على صحتها وتثبيتها تثبيتا في ذهن القارئ، إذ يقول:

"على أن من أنصف سلم بأن المرأة عند أغلب المسلمين الآن وقبل الآن هي صابحة الأمر والنهي في بيت زوجها والقول قولها. وكم من رجل لا يمكنه أن يبدي أي رأي أو يعمل أي عمل إلا بعد أن يشاور زوجته وإن يكن في قلبه من مشوراتها حسرات وغصص لجهالته المترتب عليها طبعا جهالتها"!!

إذن من يسيطر على من؟!

من هو القوي ومن هو الضعيف في حقيقة الأمر؟!

(4)

وبمثل هذا المنطق السطحي المتضارب يلج "طلعت حرب" ميدان التأويل الفقهي أو الديني لآيات القرآن الكريم وأحاديث النبوة والسيرة النبوية. فيبدأ بتقديم دال غير منطقي لمدلول متعسف، ومقدمة غريبة لنتيجة أغرب، حين يقول في فوائد احتجاب المرأة عن مجالات الحياة والمجتمع:

"هو بلا شك أحسن وأفيد ما جرب الأقوام من طرق الاحتراس للصون والعفة ولإراحة النفس من الشكوك والارتياب فلقد دلت التجاريب على أن لا نطاق عفة يفيد ولا تربية تقوى على صد تيار القوة الشهوانية الغريزية في الإنسان ولا على رد جماحها عند الثوران مهما بلغ تهذيب المرأة"!!

وكما هو واضح فإنه يبدو أن المرأة وحدها هي من يمكن أن تتعرض للغرق في تيار القوة الغريزية، أو أنها وحدها من تتحكم فيها غرائزها، وهو ما يجعل من التربية مساوية تماما في الفشل لنطاق العفة هذا الحزام الحديدي القبيح الذي أستخدمه الأوربيون خلال العصور الوسطى يضربوه على منطقة العفة من الزوجات ويحكموا إغلاقه بمفتاح يضعه الزوج في جيبه. فأي أهمية تبقى للتربية بعد مثل هذه القول الشاذ؟!!. وأي نتيجة يمكن تخيلها بعده غير أن قبر المرأة وحبسها وتقييدها بالقيود هو الحل الوحيد الذي يستطيع به الرجل / المالك أن يصون عفتها!!

بعد هذه المقدمة يعمد "طلعت حرب" إلى إيراد النصوص الدالة على فرض الشرع للحجاب على المرأة المسلمة. وهي نصوص يعمد إلى تأويلها بطرق عقلية لا تستقيم وبمنطق واضح الالتواء. ومن أوضح الأمثلة لذلك فهمه، أو أعجوبة توصله إلى فهم "الزينة" في الآية الكريمة : "..ولا يبدين زينتهن إلا لبعولتهن.."، فيسوق من أقوال السلف ما يؤكد أن الزينة هي "خلقة المرأة" التي تتضمن أيضا وجهها وكفيها مرة، وما يؤكد أن الزينة هي جلباب المرأة وحجابها نفسه مرة أخرى، وأخيرا يلجأ إلى لوي عنق الحقائق والكلمات لمجرد أن يصل إلى ما يبغاه من نتائج، حين يقول :

"ولقد حلت لنا هذا الإشكال السيدة عائشة رضي الله عنها..فقد سئلت عن الزينة الظاهرة فقالت : "هي الكحل والخضاب". أفليس هذا القول هو الفصل والحاسم لكل نزاع في هذا الموضوع؟. وإلا فما معنى أن تمنع المرأة من إبداء زينتها ويرخص لها بكشف الوجه، لو لم يكن الوجه هو عين الفتنة وأعظم زينة يجب عدم أبدائها"!!

وهو يعمد في تأكيد شرعية الحجاب من خلال إيراد حوادث تاريخية نقلا عن مصادر مجهولة لا يهتم بذكرها ولا بتوثيقها للقارئ، حوادث بعضها يعد إساءة، وأي إساءة، للصحابة والنبي عليه السلام، مثل هذه الحادثة التي يزعم أن أبطالها عمر والزبير رضي الله عنهما، وهما يرتكبان فيها مخالفة صريحا ورفضا وتحايلا لا يليق بالصبيان لأوامر النبي عليه السلام فيما يخص منع احتجاب المرأة وسأورد الحادثة هنا بنصها لأترك لك فرصة الاندهاش كاملة، يقول :

"أجتهد بعض الصحابة في منع النساء حتى من الخروج إلى المساجد (!!) فأتوا حيلا حببت النساء في القعود في منازلهن. يدل على ذلك ما روي عن عمر والزبير بن العوام رضي الله عنهما فإنهما لما شق عليهما خروج زوجتيهما إلى المسجد للصلاة ولم يكن في استطاعتهما منعهما من ذلك لحديث الرسول "إذا استأذنت امرأ’ أحدكم إلى المسجد فلا يمنعها" فتعرض كل منهما لزوجته ليلة في ظهر المسجد وهي لا تره وضربها على عجيزتها فرجعت امرأة عمر قائلة : "نعم ما رأيت فقد فسد الزمان" وقالت عاتكة امرأة الزبير لما قعدت عن الخروج وسألها زوجها ألا تخرجين يا عاتكة؟ : "كنا نخرج إذ الناس ناس وما بهم من باس أما الآن فلا"

أي تدني وأي وصف لزمن عاش فيه رسول الله بالفساد وبأن ناسه ليسو بناس!!

..

لن أستفيض أكثر من ذلك في ضرب الأمثلة على التناقضات العجيبة والحوادث الغريبة والمنطق المتهافت، درجة الهزل أحيانا، الذي يحفل به كتاب "تربية المرأة والحجاب" فهذا حديث لا ينتهي تقريبا في كل سطور وصفحات وفصول الكتاب. لكني أقدم هذه الأمثلة القليلة دليلا على تهافت منطق القوة، وعلى فقدان الاستبداد الذكوري بالمرأة للحس العقلي والإنساني السليم بل ولأبسط قواعد المنطق المستقيم، وطبعا على عدم صلاحية ثقافة استعباد المرأة لإقامة حياة إنسانية سوية، ولمجتمع بشري صحيح البنية ولائق بكرامة الإنسان، الإنسان كما خلقه الله : أنثى وذكرا.

رابط هذا التعليق
شارك

الكتاب: تربية المرأة والحجاب

المؤلف : محمد طلعت حرب

الناشر : مكتبة الأداب (صورة من طبعة الأداب الأصلية) - 2009

نظرة رجعية للمرأة

319image.jpeg

(1)

تقدم "مكتبة الأداب" للقارئ المصري خدمة ثقافية جليلة وفائدة عقلية جمّة حين تعيد طباعة كتاب "تربية المرأة والحجاب" للرائد الاقتصادي المصري الشهير "محمد طلعت حرب" بالتلازم مع إعادة طباعة كتاب "قاسم أمين" التاريخي "تحرير المرأة". إذ تمكن القارئ من زيارة الجانب الآخر من الشاطيء أو – بالأدق - رؤية "الوجه المظلم للقمر". فالمتضمن في كتاب "التربية والحجاب" لطلعت حرب هو صورة المرأة كما تنعكس في ثقافة مجتمع ذكوري مراهق، يسعد جدا بسيطرته الصبيانية على نساء مهيضات الجناح، جاهلات، مذعورات، تولى هو بنفسه مهمة تقديمهن قربانا على مذبح إحساسه الذكوري الدفين بالنقص وبقلة الاستحقاق والقدرة، وأتخذ منهن ضحايا لهلاوسه وظنونه وكوابيسه التي ترسم صورة مظلمة وظالمة للمرأة، تخسف بقدرها – بكل أقدارها – إلى سابع أرض.

يقدم الاقتصادي المصري الرائد "طلعت حرب" ثقافة تستهين بعقل المرأة وقوتها وتنزلها منزل القاصر، ضعيف العقل، منعدم الضمير، مستهتر الخلق، سيء الخليقة والتكوين (معاذ الله).

ولابد قبل الدخول إلى صفحات الكتاب واستعراض بعض ما فيه التوقف أمام هذه المفارقة الإنسانية المذهلة، فنحن بصدد اقتصادي وطني حقيقي ينتمي لطائفة الندرة من الاقتصاديين المصريين عبر تاريخنا الحديث، من جهة منطلقاته الوطنية الأصيلة، وتوجهاته الليبرالية العميقة، وممارساته الاقتصادية التي جعلت منه رائدا للرأسمالية الوطنية في مصر، بل وفي الشرق كله.

والمفارقة واضحة ومذهلة بين رأسمالي وطني يؤمن بالاقتصاد الحر لكنه يتبنى رؤية اجتماعية رجعية ونظرة بالغة التخلف للمرأة. رأسمالي يؤمن بحرية السوق وعبودية المرأة في نفس الوقت!!. والشاهد في تاريخ المجتمعات البرجوازية (أي مجتمعات الطبقة الوسطى) وتطورها هو حتمية وجود متلازمة للتقدم تجمع ما بين الحريات السياسية والاجتماعية والاقتصادية والدينية والثقافية..إلخ. متلازمة لا ينفصل فيها ما هو حقوقي خاص بحقوق المواطنة وحزمة الحريات الشهيرة في التفكير والتعبير والاعتقاد والمساواة بين المواطنين على أساس الجنس واللون والطبقة والمعتقد..لا ينفصل فيها ذلك كله عن باقي منظومة الحريات التي تعتبرها هذه المجتمعات حقوقا للإنسان ونتائج مترتبة بالضرورة على حق المواطنة في مجتمع يحترم حقوق الإنسان.

فكيف يفسر هذا التلازم المشوه بين حرية السوق وعبودية المرأة عند رائد من رواد الرأسمالية الوطنية في مصر؟

ظني أن الأمر مرتبط بمفهوم "الحداثة المشوهة" وهو شكل من أشكال التحديث المبتور أو الناقص أو المشوه والذي شاب كل بناءات الدول الحديثة في العالم العربي وعلى رأسها مصر. هذه الحداثة المشوهة أنتجت على المستوى الاجتماعي الكثير من المفارقات المؤسفة، مثل تبني المنتج المادي أو الصناعي الحداثي (السيارة، المصنع، الطائرة، التلفزيون، الصاروخ، جهاز التكييف..إلخ) مع رفض الأساس الفكري أو الثقافي للمجتمع الصناعي نفسه (المواطنة وحقوق الإنسان والمساواة وسيادة القانون..إلخ).

هذه الحداثة المريضة كانت مسئولة إلى حد كبير عن كل أزمات الإنسان المصري والعربي المعاصر، بدء من أول محاولة كبرى للتحديث في الشرق التي تولاها "محمد علي الكبير" وحفلت بهذا النوع من التناقضات، كبناء أول جيش مصري قوامه فلاحون مصريون لأول مرة في التاريخ منذ الفراعنة متلازما مع نظام الالتزام شبه الإقطاعي والذي أعاد الفلاح المصري إلى أقرب وضع ممكن من العبودية. وحتى هذه اللحظة التي تتنازع فيها حياتنا الفكرية والثقافية والروحية صراعات وتمزقات حادة تدور كلها حول متلازمات ثنائية تبدو كالمتناقضات وما هي كذلك، متلازمات مثل : الهوية والحداثة، الأصالة والمعاصرة..وصولا إلى الحجاب وحرية المرأة.

[

(2)

لابد أولا من إيضاح مفهوم (الحجاب) الذي يدافع عنه المرحوم "طلعت حرب"، وهو مفهوم لا علاقة بما نقصده هذه الأيام من كلمة (الحجاب) الذي يقصد به شكل ملبس معين، مختلف أو متفق عليه، ترتديه المرأة امتثالا لأوامر الشرع والدين. مفهوم (الحجاب) الذي دافع عنه "طلعت حرب" يعني (الاحتجاب) أي احتجاب المرأة عن المساهمة في الحياة العامة بمختلف صورها، وقصر وجودها على البيت، وقصر كل مهامها وأعمالها في الحياة على رعاية الأسرة وولادة الأبناء، أي "سجن المرأة بين الأناجيل الأربعة أو الجدران الأربعة" بحسب ما نقل "طلعت حرب" نفسه عن كاتب ألماني يؤيد هو نظرته للمرأة.

الحجاب بمفهومه القديم يتضمن أن تكون المرأة حبيسة بيتها ونقابها وأولادها وأزواجها وأهلها الأقربين دون أن يكون لها حق المشاركة في الحياة الذكورية العامة!!. وهو ما يتعرف عليه قارئ كتاب "تربية المرأة والحجاب" من إلقاء النظرة الأولى على غلافه الداخلي الذي أحاله المؤلف في جنوح هستيري يثير الدهشة إلى جدار مملوء بالشعارات الرجعية حول المرأة. فبعد أن يقع بصر القارئ على عنوان الكتاب واسم مؤلفه يجد العبارات التالية متصدرة المشهد :

"إن لكل دين خلقا وخلق هذا الدين الحياء (حديث كريم)

أصلح شيء للمرأة ألا ترى رجلا وألا يراها رجل (فاطمة عليها السلام)

أكفف أبصارهن بالحجاب فشدة الحجاب خير لهن من الارتياب (علي بن ابن طالب)

لا تدعوا نساءكم يزاحمن العلوج في الأسواق : قبح الله تعالى من لا يغار (الحسن عليه السلام)"

ولا يكتفي "طلعت باشا حرب" بذلك وإنما يضيف بعض أقوال الحكماء على الشاكلة السابقة في المساحة الصغيرة المتبقية في كعب الغلاف!!

وطبيعي أن يلاحظ القارئ أنه ما من آية قرانية واحدة تتصدر هذه الطائفة من الأقوال المنسوبة إلى الرسول عليه الصلاة والسلام (وليس في قوله ما يؤيد قضية الحجاب) ثم ثلاثة من آل البيت الأطهار (فاطمة – علي – الحسن) قدس الله سرهم. وهم في النهاية بشر من البشر، قالوا وفعلوا، ولم يزعموا أن ما قالوه أو فعلوه يتعدى نطاق العادات الشائعة في زمنهم ومجتمعه، أو أنه ملزم لغيرهم كإلزام الشرع أو الدين. بالإضافة إلى أقوال الحكماء الذين لا يتصور المرء أنهم يمتلكون حكمة بشرية لها صفة الإطلاق وتعدي الأزمان أو العصور!!.

وعلى هذا النحو المستفز بادي الفجاجة يلج القارئ المتحير كتاب "تربية المرأة والحجاب".

ومنذ السطور الأولى يعمد المؤلف إلى القول بأن كتابه أتى في سياق رودود كثيرة، ينقل هو بعضها بين صفحات كتابه، على "كتاب "تحرير المرأة" الذي وضعه الفاضل قاسم بك أمين ويقول فيه : إن المرأة مساوية للرجل من جميع الوجوه وأن الرجل ظالم لها في حقوقها ويحث فيه على تربية وتعليم الرجل والمرأة سواء بسواء. ويقول بلزوم رفع الحجاب ووجوب الاختلاط لأن حجاب المرأة وعدم اختلاطها مما يقيد حريتها التي منحها الله إياها ويمنع قيامها بالعمل المكلفة به في الهيئة الاجتماعية إلى آخر ما يدعو إليه"

وطبعا لا يوافق "طلعت حرب" على شيء مما ورد عند "قاسم أمين" في كتابه "تحرير المرأة". لكنه يلتزم هذا المنوال الذي يعرض فيه للقارئ أقوال "قاسم أمين" دون أن يحفل كثيرا بتضمين بعض من أقواله وسطور من كتابه "تحرير المرأة" بعكس ما يفعله مع الردود التي أتت على الكتاب، إذ يضمن من هذه الردود في كتابه تضمينات مطوله تتجاوز أحيانا عدة صفحات. ولا أعرف سببا يدفع المؤلف إلى القيام بدور الشارح لأقوال "قاسم أمين" دون الاقتباس المباشر – والمطول أيضا - منها إلا الرغبة في وضع هذه الأقوال بدورها قيد "الحجاب" تماما كما المرأة. ورغم أن المؤلف يهتم بإلحاق لقب "البكوية" دلالة تهذيب وإبداء لاحترام إزاء شخص "قاسم أمين"، بل وإنه يحرص على تبرئة الرجل من جهل خصومه الذي نال منه اتهاما بغير حق بل ويحرص على إبداء الاتفاق معه في مقولة هامة جدا، إذ يقول بوضوح ومباشرة :

"وإني أجلّ حضرة الفاضل قاسم بك أمين عن أن يكون له غاية من وضع كتابه خلاف حب الخير والارتقاء لأمته كما هو ظاهر من كلامه على تربية المرأة فإنه وصف حالتها اليوم أحسن وصف وقال بوجوب تربيتها تربية تهذب أخلاقها وتقوم نفسها فلحضرته مزيد الشكر على ذلك وسيرانا في هذا الكتاب داعين لمثل دعوته رافعين صوتنا مع صوته علّ دعوتنا تخرق تلك الأذان الصماء فيهتم القوم بأمر هذه التربية.."

لكن لا يجب أن ينخدع القارئ بتاتا بهذه اللهجة اللينة الغريبة على المؤلف وكتابه، على القارئ أن يرى ببصيرته الحقائق التي يضمنها "طلعت حرب" بين سطور هذه المقدمة ثم يعود للتصريح بها بفجاجة خلال فصول كتابه. فتربية المرأة التي "تهذب أخلاقها" تعني عنده بالقطع أن أخلاق المرأة غير مهذبة في الواقع، وتربية المرأة التي تقوم نفس المرأة تعني أن هذه النفس الشقية تعاني أعوجاجا خلقيا يطلب إصلاحه و .. طبعا .. هيهات أن يقع لها هذا الإصلاح طبقا لما يراه "طلعت حرب" نفسه

وهذا التناقض بين ما يزعمه المؤلف من اتفاق مع "قاسم أمين" بينما هو مختلف معه اختلاف الظلام مع النور، هو عينه التناقض بين ما يبديه من دفاع عن رائد تحرير المرأة، من التهم الباطلة والإشاعات الشائنة التي تعلقت به في حياته وبعد موته، وبين ما يعود ليثيره حوله من ريب ومن غبار اتهامات أخرى أخلاقية. فمن بين ما أتهم به الرائد الكبير ممالأة الفرنج ومجاراة أفكارهم، وهو ما يثيره "طلعت حرب" حين يشير إلى توقيت صدور كتاب "تحرير المرأة" بقوله :

"فهل هذا أيضا من باب وقوع الحافر على الحافر أو من توافق الخواطر كما كان الأمر في ظهور كتاب تحرير المرأة في الوقت الذي ظهرت فيه مقالة انكليزية قيل إنها لأحد علماء الهند يدعو فيها صاحبها إلى مثل ما يدعو إليه صاحب كتاب تحرير المرأة"

والإجابة التي لم يقدمها المؤلف ويتوقعها من القارئ أن يقول : إنها ليست مصادفة أن يصدر كتاب في مصر ومقال في إنجلترا عن تحرير المرأة..ليست مصادفة لكنها بكل تأكيد مؤامرة!!

ولطالما كانت نظرية المؤامرة هي الدرع الوحيد الذي يتذرع به الضعفاء الذين لا يملكون من بضاعة العقل غير المكابرة والريب والتخمينات ولا يملكون من بضاعة المستقبل غير الفرار منه إلى أحضان الأسلاف الآمنة وأزمانهم التي ولت بغير رجعة.

(3)

كما يمكن أن يلحظ قارئ هذا الزمان من أن "ترتيب البديهيات" العقلية والوجدانية والشرعية والإنسانية كان هو السمة الغالبة على كتاب "تحرير المرأة". يمكن أيضا لقارئ زمننا اليقظ أن يلحظ أن "سوق التناقضات" هو السمة الغالبة على كتاب تربية المرأة والحجاب". حقا – وبلا أي نزوع للسخرية – فإن التناقض هو المحور الذي تدور حوله كل أفكار وطروحات "طلعت باشا حرب" في كتابه. بدء من صفحات المقدمة وما رأيناه فيها من تناقض تجاه "قاسم أمين" نفسه وحتى ما يقدمه من حجج وبراهين، بل ومنطق حافل كله بالتضارب.

والأمثلة على ذلك أكثر من الإحاطة بها في عرض أو نقد أو انتقاد واحد للكتاب. لكني سأسوق عددا قليلا ولكنه دال منها.

في هجومه على وضع المرأة في الغرب الذي يتهم "قاسم أمين" ودعاة تحرير المرأة بالتطلع إلى تقليده يقول "طلعت حرب" في صفحة 13 :

"فإن المرأة ظلت راضخة لنير الرجل ولم تنل ما نالته من حريتها في أوروبا إلا بسعي الرجل نفسه ورضاه بتخفيف الوطأة عنها كما هو شأن القوي إذا أراد أن يخفف عن الضعيف المقهور له شيئا من أثقاله"

ويسوق المؤلف هذه العبارة ليدلل بها على أن المرأة لا تساوي الرجل في "جميع المواهب الطبيعية" مما يدعو ارتكانا إلى "ناموس الغلبة والقهر" إلى أن تكون المرأة في ضعفها تابعة وملحقة ومستلبة القوى إزاء الرجل. وفضلا عن فجاجة الفكرة، ورعونتها بما تحتويه من انحياز أعمى لدراوينية اجتماعية قبيحة، إلا أنه ليس على القارئ أن يجهد ذهنه في نقضها، إذ يتولى ذلك عنه "طلعت حرب" نفسه في صفحة 32 حين يشير في تضميناته إلى أن "علماء العمران" في أوروبا.."أصبحوا يتوقعون انهدام عظمة أوربا بيد المرأة الضعيفة إذا لم يتوصلوا إلى إيقافها عند حدها"!!

"المرأة الضعيفة" وفي نفس الوقت تهدم عظمة أوربا القوية!!

ولماذا لا "يتوصلوا إلى إيقافها" طالما أنهم هم من بدأوا بتخفيف الوطأة عنها كما يزعم!!

وكيف وصلت "أوربا العظيمة" إلى مدارات العظمة في ظل تحرير المرأة الأوربية يا ترى!!

بلا شك فإن أفكار رائد التحديث في الاقتصاد المصري تمتلأ بعنصرية رجعية قبيحة تجاه جنس المرأة، عنصرية لا تتمالك إلا التعبير الصريح عن ذاتها. فهو يعزو مثلا سيطرة الرجل على المرأة إلى ضعف خلقي تكويني في إدراك المرأة وعقلها، ويتساءل قبل أن يجيب :

"هل المرأة أضعف من الرجل إدراكا؟

نقول نعم وأحوال الشعوب الحاضرة والغابرة تؤيد هذا القول بالشواهد العيانية فإن كل الأعمال الاختراعية والاكتشافات العلمية التي بنيت عليها سعادة الإنسانية صدرت من الرجل دون غيره"!!.

وما يراه المؤلف هو أن صدور الأعمال الاختراعية عن الرجل دليل على ضعف إدراك المرأة لكنه ليس بحال من الأحوال دليل على حرمانها من التفكير أو القيام بأي أعمال، اختراعية أو غير ذلك، خارج جدران منزلها/حبسها.!!

وهو لا يكتفي بذلك دون أن يقضي على أي أمل في إمكانية تحرر المرأة من هذا الوضع العقلي الإدراكي البائس، ويجعل منه وضعا مؤبدا لا فرار للبائسة ولا فكاك لعقلها منه لأن :

"الوظيفة التي نيطت بها من الحمل إلى الوضع إلى الإرضاع إلى التربية تجبرها أن تصرف معظم حياتها في الابتعاد عن مصادر التغذية الفكرية. وبناء على هذا يستحيل عليها أن تبلغ شأو الرجل في سعة الإدراك"!!

ولا أجد شخصيا ما أعلق به على هكذا كلام، غير أن أسوق تناقضا أخيرا ينسف به "طلعت باشا حرب" كل فكرته عن قوة الرجل الطبيعية وضعف المرأة الطبيعي والتي أستغرق الصفحات في البرهنة على صحتها وتثبيتها تثبيتا في ذهن القارئ، إذ يقول:

"على أن من أنصف سلم بأن المرأة عند أغلب المسلمين الآن وقبل الآن هي صابحة الأمر والنهي في بيت زوجها والقول قولها. وكم من رجل لا يمكنه أن يبدي أي رأي أو يعمل أي عمل إلا بعد أن يشاور زوجته وإن يكن في قلبه من مشوراتها حسرات وغصص لجهالته المترتب عليها طبعا جهالتها"!!

إذن من يسيطر على من؟!

من هو القوي ومن هو الضعيف في حقيقة الأمر؟!

(4)

وبمثل هذا المنطق السطحي المتضارب يلج "طلعت حرب" ميدان التأويل الفقهي أو الديني لآيات القرآن الكريم وأحاديث النبوة والسيرة النبوية. فيبدأ بتقديم دال غير منطقي لمدلول متعسف، ومقدمة غريبة لنتيجة أغرب، حين يقول في فوائد احتجاب المرأة عن مجالات الحياة والمجتمع:

"هو بلا شك أحسن وأفيد ما جرب الأقوام من طرق الاحتراس للصون والعفة ولإراحة النفس من الشكوك والارتياب فلقد دلت التجاريب على أن لا نطاق عفة يفيد ولا تربية تقوى على صد تيار القوة الشهوانية الغريزية في الإنسان ولا على رد جماحها عند الثوران مهما بلغ تهذيب المرأة"!!

وكما هو واضح فإنه يبدو أن المرأة وحدها هي من يمكن أن تتعرض للغرق في تيار القوة الغريزية، أو أنها وحدها من تتحكم فيها غرائزها، وهو ما يجعل من التربية مساوية تماما في الفشل لنطاق العفة هذا الحزام الحديدي القبيح الذي أستخدمه الأوربيون خلال العصور الوسطى يضربوه على منطقة العفة من الزوجات ويحكموا إغلاقه بمفتاح يضعه الزوج في جيبه. فأي أهمية تبقى للتربية بعد مثل هذه القول الشاذ؟!!. وأي نتيجة يمكن تخيلها بعده غير أن قبر المرأة وحبسها وتقييدها بالقيود هو الحل الوحيد الذي يستطيع به الرجل / المالك أن يصون عفتها!!

بعد هذه المقدمة يعمد "طلعت حرب" إلى إيراد النصوص الدالة على فرض الشرع للحجاب على المرأة المسلمة. وهي نصوص يعمد إلى تأويلها بطرق عقلية لا تستقيم وبمنطق واضح الالتواء. ومن أوضح الأمثلة لذلك فهمه، أو أعجوبة توصله إلى فهم "الزينة" في الآية الكريمة : "..ولا يبدين زينتهن إلا لبعولتهن.."، فيسوق من أقوال السلف ما يؤكد أن الزينة هي "خلقة المرأة" التي تتضمن أيضا وجهها وكفيها مرة، وما يؤكد أن الزينة هي جلباب المرأة وحجابها نفسه مرة أخرى، وأخيرا يلجأ إلى لوي عنق الحقائق والكلمات لمجرد أن يصل إلى ما يبغاه من نتائج، حين يقول :

"ولقد حلت لنا هذا الإشكال السيدة عائشة رضي الله عنها..فقد سئلت عن الزينة الظاهرة فقالت : "هي الكحل والخضاب". أفليس هذا القول هو الفصل والحاسم لكل نزاع في هذا الموضوع؟. وإلا فما معنى أن تمنع المرأة من إبداء زينتها ويرخص لها بكشف الوجه، لو لم يكن الوجه هو عين الفتنة وأعظم زينة يجب عدم أبدائها"!!

وهو يعمد في تأكيد شرعية الحجاب من خلال إيراد حوادث تاريخية نقلا عن مصادر مجهولة لا يهتم بذكرها ولا بتوثيقها للقارئ، حوادث بعضها يعد إساءة، وأي إساءة، للصحابة والنبي عليه السلام، مثل هذه الحادثة التي يزعم أن أبطالها عمر والزبير رضي الله عنهما، وهما يرتكبان فيها مخالفة صريحا ورفضا وتحايلا لا يليق بالصبيان لأوامر النبي عليه السلام فيما يخص منع احتجاب المرأة وسأورد الحادثة هنا بنصها لأترك لك فرصة الاندهاش كاملة، يقول :

"أجتهد بعض الصحابة في منع النساء حتى من الخروج إلى المساجد (!!) فأتوا حيلا حببت النساء في القعود في منازلهن. يدل على ذلك ما روي عن عمر والزبير بن العوام رضي الله عنهما فإنهما لما شق عليهما خروج زوجتيهما إلى المسجد للصلاة ولم يكن في استطاعتهما منعهما من ذلك لحديث الرسول "إذا استأذنت امرأ’ أحدكم إلى المسجد فلا يمنعها" فتعرض كل منهما لزوجته ليلة في ظهر المسجد وهي لا تره وضربها على عجيزتها فرجعت امرأة عمر قائلة : "نعم ما رأيت فقد فسد الزمان" وقالت عاتكة امرأة الزبير لما قعدت عن الخروج وسألها زوجها ألا تخرجين يا عاتكة؟ : "كنا نخرج إذ الناس ناس وما بهم من باس أما الآن فلا"

أي تدني وأي وصف لزمن عاش فيه رسول الله بالفساد وبأن ناسه ليسو بناس!!

..

لن أستفيض أكثر من ذلك في ضرب الأمثلة على التناقضات العجيبة والحوادث الغريبة والمنطق المتهافت، درجة الهزل أحيانا، الذي يحفل به كتاب "تربية المرأة والحجاب" فهذا حديث لا ينتهي تقريبا في كل سطور وصفحات وفصول الكتاب. لكني أقدم هذه الأمثلة القليلة دليلا على تهافت منطق القوة، وعلى فقدان الاستبداد الذكوري بالمرأة للحس العقلي والإنساني السليم بل ولأبسط قواعد المنطق المستقيم، وطبعا على عدم صلاحية ثقافة استعباد المرأة لإقامة حياة إنسانية سوية، ولمجتمع بشري صحيح البنية ولائق بكرامة الإنسان، الإنسان كما خلقه الله : أنثى وذكرا.

يا خبر !!!

تناقض مثير وعجيب جدا يا أثر الطائر بين هذا العرض ..والعرض الذى سبقه !

وخيرا فعلت الحقيقة - برؤيتك الواعية - ان جئتنا بالعرضين متلازمين على هذه الطريقة حتى يتضح الفارق جليا ليس بين شخصين بالتأكيد وان كان هذا جديرا بالإهتمام ..ولكن بين المنهجين ..وياله من فارق !!

فى الواقع ليس لدى جديد أود تقديمه هنا ..فأنت تعرف رأيى ..وهو المذكور أعلاه بالكامل ..ولست أرى فى طلعت حرب باشا ..رائد الإقتصاد المصرى الأشهر أى فارق بينه وبين المنادين اليوم بقمع المرأة ..والمناهضين لها ولحريتها على المعنى المطلوب المعروف ..فمهما اختلفت الحقب والأزمنة ..وتغيرت الأسامى ..يبقى المنهج نفسه يا أثر الطائر كتوجه مخالف ومغاير ..ومعارض ..فلا بأس ..نحن نعرف ذلك ..وتشبعنا من مثل هذه العقول وفهمناها حتى رضينا بوجودها ..وحتى لم يعد الأمر جديدا ولا مثيرا بالفعل !

الغريب فى الأمر فعلا هى هذه المتلازمة التى كما أثارت انتباهك ..أثارت انتباهى أنا الأخرى ..فكون الرجل اقتصاديا هاما ..مستنيرا ..وحداثيا ..لم يكفه ذلك على ما يبدو ولم يمنعه من تغيير أفكاره حول المرأة بل لم يؤثر إطلاقا وبمثل هذه البدائية والإستبداد والتخلف !! لم تتطور أفكاره الأخرى ولو قيد أنمله فى الإجتماعيات ..فالإنسان كما نعرف ..جزء لا يتجزأ من كله ..أفكاره تحمل نفس اللون حتى يحدث انسجام داخلى غير متعارض مع كله ..أما هنا ومع طلعت حرب ..بدا واضحا أنه مسكونا بطلعت حرب آخر ..ولكن لا بأس أيضا هذه المرة ..فالمتناقضات موجودة والثنائيات ..بل بالعكس ..أصبحت موجودة وطبيعية حتى ادمنا ذلك ..ومن لم يناقض داخله يا جماعة ..فليناقضها !!

حدثت طفرة فى المجتمع غريبة للإنسان ..والطفرة تكون على هيئة فجوة تتسع كلما كان العد تصاعديا وليس تنازليا ..وهذا مما يدهش حقا ..ولكن بالنظر والتمعن سنجد أن هذه الأمور -التناقضات فيما يتعلق بالحداثة والحريات - فى مجتمعاتنا الشرقية مقبولة ..فثقافتنا عن الحرية والديمقراطية واحترام المرأة وغيرهم .. أمور مستجدة واردة..على الأقل كتفعيل فى المجتمع ..نجد أنه عندما يَقبل بها الإنسان على غير قناعة ..أو أن يُجبر على الإقتناع بها نتيجة مسايرة أجواء حداثة ولكى يبدو الإنسان المودرن تظهر التناقضات فورا لأنه ليس مكافئا لمسئولية حمل مثل هذه الأفكار ..فهو غير مقتنع ..ولذلك تكون الحداثة بالفعل مشوهة ..

لم يكتف طلعت حرب بذلك وانما جاهر فى كتابه به ..كان واضحا وضوح التشويه ..ومن ناحية أخرى قد نجد له عذرا مقبولا عندما نقول مثلا أن دراسة الإقتصاد ..والإفراط من تداولاته قد أثرت على عواطفه ونواحيه الإجتماعية فلم يستطع أن يجمع بين الحسينين ..وهذا وارد أيضا فى طبيعة البشر ..وفى كل الأحوال انتهى طلعت حرب ولازالت أفكاره باقية يتبناها آخرون وآخرون لا يملون أبدا من اظهار الحداثة المشوهة ..

أشكرك من عميق قلبى يا أثر الطائر على كل ما تنظمه لنا ويحمل روحك المستنيرة وأكثر ..عندما يؤسس لنا طريقا مستقيما من نور وانارة نحو خير كثيرا .. وأملا كبيرا ..

:clappingrose:

تم تعديل بواسطة عشتار
رابط هذا التعليق
شارك

الكتاب: تربية المرأة والحجاب

المؤلف : محمد طلعت حرب

الناشر : مكتبة الأداب (صورة من طبعة الأداب الأصلية) - 2009

نظرة رجعية للمرأة

319image.jpeg

(1)

تقدم "مكتبة الأداب" للقارئ المصري خدمة ثقافية جليلة وفائدة عقلية جمّة حين تعيد طباعة كتاب "تربية المرأة والحجاب" للرائد الاقتصادي المصري الشهير "محمد طلعت حرب" بالتلازم مع إعادة طباعة كتاب "قاسم أمين" التاريخي "تحرير المرأة". إذ تمكن القارئ من زيارة الجانب الآخر من الشاطيء أو – بالأدق - رؤية "الوجه المظلم للقمر". فالمتضمن في كتاب "التربية والحجاب" لطلعت حرب هو صورة المرأة كما تنعكس في ثقافة مجتمع ذكوري مراهق، يسعد جدا بسيطرته الصبيانية على نساء مهيضات الجناح، جاهلات، مذعورات، تولى هو بنفسه مهمة تقديمهن قربانا على مذبح إحساسه الذكوري الدفين بالنقص وبقلة الاستحقاق والقدرة، وأتخذ منهن ضحايا لهلاوسه وظنونه وكوابيسه التي ترسم صورة مظلمة وظالمة للمرأة، تخسف بقدرها – بكل أقدارها – إلى سابع أرض.

يقدم الاقتصادي المصري الرائد "طلعت حرب" ثقافة تستهين بعقل المرأة وقوتها وتنزلها منزل القاصر، ضعيف العقل، منعدم الضمير، مستهتر الخلق، سيء الخليقة والتكوين (معاذ الله).

ولابد قبل الدخول إلى صفحات الكتاب واستعراض بعض ما فيه التوقف أمام هذه المفارقة الإنسانية المذهلة، فنحن بصدد اقتصادي وطني حقيقي ينتمي لطائفة الندرة من الاقتصاديين المصريين عبر تاريخنا الحديث، من جهة منطلقاته الوطنية الأصيلة، وتوجهاته الليبرالية العميقة، وممارساته الاقتصادية التي جعلت منه رائدا للرأسمالية الوطنية في مصر، بل وفي الشرق كله.

والمفارقة واضحة ومذهلة بين رأسمالي وطني يؤمن بالاقتصاد الحر لكنه يتبنى رؤية اجتماعية رجعية ونظرة بالغة التخلف للمرأة. رأسمالي يؤمن بحرية السوق وعبودية المرأة في نفس الوقت!!. والشاهد في تاريخ المجتمعات البرجوازية (أي مجتمعات الطبقة الوسطى) وتطورها هو حتمية وجود متلازمة للتقدم تجمع ما بين الحريات السياسية والاجتماعية والاقتصادية والدينية والثقافية..إلخ. متلازمة لا ينفصل فيها ما هو حقوقي خاص بحقوق المواطنة وحزمة الحريات الشهيرة في التفكير والتعبير والاعتقاد والمساواة بين المواطنين على أساس الجنس واللون والطبقة والمعتقد..لا ينفصل فيها ذلك كله عن باقي منظومة الحريات التي تعتبرها هذه المجتمعات حقوقا للإنسان ونتائج مترتبة بالضرورة على حق المواطنة في مجتمع يحترم حقوق الإنسان.

فكيف يفسر هذا التلازم المشوه بين حرية السوق وعبودية المرأة عند رائد من رواد الرأسمالية الوطنية في مصر؟

ظني أن الأمر مرتبط بمفهوم "الحداثة المشوهة" وهو شكل من أشكال التحديث المبتور أو الناقص أو المشوه والذي شاب كل بناءات الدول الحديثة في العالم العربي وعلى رأسها مصر. هذه الحداثة المشوهة أنتجت على المستوى الاجتماعي الكثير من المفارقات المؤسفة، مثل تبني المنتج المادي أو الصناعي الحداثي (السيارة، المصنع، الطائرة، التلفزيون، الصاروخ، جهاز التكييف..إلخ) مع رفض الأساس الفكري أو الثقافي للمجتمع الصناعي نفسه (المواطنة وحقوق الإنسان والمساواة وسيادة القانون..إلخ).

هذه الحداثة المريضة كانت مسئولة إلى حد كبير عن كل أزمات الإنسان المصري والعربي المعاصر، بدء من أول محاولة كبرى للتحديث في الشرق التي تولاها "محمد علي الكبير" وحفلت بهذا النوع من التناقضات، كبناء أول جيش مصري قوامه فلاحون مصريون لأول مرة في التاريخ منذ الفراعنة متلازما مع نظام الالتزام شبه الإقطاعي والذي أعاد الفلاح المصري إلى أقرب وضع ممكن من العبودية. وحتى هذه اللحظة التي تتنازع فيها حياتنا الفكرية والثقافية والروحية صراعات وتمزقات حادة تدور كلها حول متلازمات ثنائية تبدو كالمتناقضات وما هي كذلك، متلازمات مثل : الهوية والحداثة، الأصالة والمعاصرة..وصولا إلى الحجاب وحرية المرأة.

[

(2)

لابد أولا من إيضاح مفهوم (الحجاب) الذي يدافع عنه المرحوم "طلعت حرب"، وهو مفهوم لا علاقة بما نقصده هذه الأيام من كلمة (الحجاب) الذي يقصد به شكل ملبس معين، مختلف أو متفق عليه، ترتديه المرأة امتثالا لأوامر الشرع والدين. مفهوم (الحجاب) الذي دافع عنه "طلعت حرب" يعني (الاحتجاب) أي احتجاب المرأة عن المساهمة في الحياة العامة بمختلف صورها، وقصر وجودها على البيت، وقصر كل مهامها وأعمالها في الحياة على رعاية الأسرة وولادة الأبناء، أي "سجن المرأة بين الأناجيل الأربعة أو الجدران الأربعة" بحسب ما نقل "طلعت حرب" نفسه عن كاتب ألماني يؤيد هو نظرته للمرأة.

الحجاب بمفهومه القديم يتضمن أن تكون المرأة حبيسة بيتها ونقابها وأولادها وأزواجها وأهلها الأقربين دون أن يكون لها حق المشاركة في الحياة الذكورية العامة!!. وهو ما يتعرف عليه قارئ كتاب "تربية المرأة والحجاب" من إلقاء النظرة الأولى على غلافه الداخلي الذي أحاله المؤلف في جنوح هستيري يثير الدهشة إلى جدار مملوء بالشعارات الرجعية حول المرأة. فبعد أن يقع بصر القارئ على عنوان الكتاب واسم مؤلفه يجد العبارات التالية متصدرة المشهد :

"إن لكل دين خلقا وخلق هذا الدين الحياء (حديث كريم)

أصلح شيء للمرأة ألا ترى رجلا وألا يراها رجل (فاطمة عليها السلام)

أكفف أبصارهن بالحجاب فشدة الحجاب خير لهن من الارتياب (علي بن ابن طالب)

لا تدعوا نساءكم يزاحمن العلوج في الأسواق : قبح الله تعالى من لا يغار (الحسن عليه السلام)"

ولا يكتفي "طلعت باشا حرب" بذلك وإنما يضيف بعض أقوال الحكماء على الشاكلة السابقة في المساحة الصغيرة المتبقية في كعب الغلاف!!

وطبيعي أن يلاحظ القارئ أنه ما من آية قرانية واحدة تتصدر هذه الطائفة من الأقوال المنسوبة إلى الرسول عليه الصلاة والسلام (وليس في قوله ما يؤيد قضية الحجاب) ثم ثلاثة من آل البيت الأطهار (فاطمة – علي – الحسن) قدس الله سرهم. وهم في النهاية بشر من البشر، قالوا وفعلوا، ولم يزعموا أن ما قالوه أو فعلوه يتعدى نطاق العادات الشائعة في زمنهم ومجتمعه، أو أنه ملزم لغيرهم كإلزام الشرع أو الدين. بالإضافة إلى أقوال الحكماء الذين لا يتصور المرء أنهم يمتلكون حكمة بشرية لها صفة الإطلاق وتعدي الأزمان أو العصور!!.

وعلى هذا النحو المستفز بادي الفجاجة يلج القارئ المتحير كتاب "تربية المرأة والحجاب".

ومنذ السطور الأولى يعمد المؤلف إلى القول بأن كتابه أتى في سياق رودود كثيرة، ينقل هو بعضها بين صفحات كتابه، على "كتاب "تحرير المرأة" الذي وضعه الفاضل قاسم بك أمين ويقول فيه : إن المرأة مساوية للرجل من جميع الوجوه وأن الرجل ظالم لها في حقوقها ويحث فيه على تربية وتعليم الرجل والمرأة سواء بسواء. ويقول بلزوم رفع الحجاب ووجوب الاختلاط لأن حجاب المرأة وعدم اختلاطها مما يقيد حريتها التي منحها الله إياها ويمنع قيامها بالعمل المكلفة به في الهيئة الاجتماعية إلى آخر ما يدعو إليه"

وطبعا لا يوافق "طلعت حرب" على شيء مما ورد عند "قاسم أمين" في كتابه "تحرير المرأة". لكنه يلتزم هذا المنوال الذي يعرض فيه للقارئ أقوال "قاسم أمين" دون أن يحفل كثيرا بتضمين بعض من أقواله وسطور من كتابه "تحرير المرأة" بعكس ما يفعله مع الردود التي أتت على الكتاب، إذ يضمن من هذه الردود في كتابه تضمينات مطوله تتجاوز أحيانا عدة صفحات. ولا أعرف سببا يدفع المؤلف إلى القيام بدور الشارح لأقوال "قاسم أمين" دون الاقتباس المباشر – والمطول أيضا - منها إلا الرغبة في وضع هذه الأقوال بدورها قيد "الحجاب" تماما كما المرأة. ورغم أن المؤلف يهتم بإلحاق لقب "البكوية" دلالة تهذيب وإبداء لاحترام إزاء شخص "قاسم أمين"، بل وإنه يحرص على تبرئة الرجل من جهل خصومه الذي نال منه اتهاما بغير حق بل ويحرص على إبداء الاتفاق معه في مقولة هامة جدا، إذ يقول بوضوح ومباشرة :

"وإني أجلّ حضرة الفاضل قاسم بك أمين عن أن يكون له غاية من وضع كتابه خلاف حب الخير والارتقاء لأمته كما هو ظاهر من كلامه على تربية المرأة فإنه وصف حالتها اليوم أحسن وصف وقال بوجوب تربيتها تربية تهذب أخلاقها وتقوم نفسها فلحضرته مزيد الشكر على ذلك وسيرانا في هذا الكتاب داعين لمثل دعوته رافعين صوتنا مع صوته علّ دعوتنا تخرق تلك الأذان الصماء فيهتم القوم بأمر هذه التربية.."

لكن لا يجب أن ينخدع القارئ بتاتا بهذه اللهجة اللينة الغريبة على المؤلف وكتابه، على القارئ أن يرى ببصيرته الحقائق التي يضمنها "طلعت حرب" بين سطور هذه المقدمة ثم يعود للتصريح بها بفجاجة خلال فصول كتابه. فتربية المرأة التي "تهذب أخلاقها" تعني عنده بالقطع أن أخلاق المرأة غير مهذبة في الواقع، وتربية المرأة التي تقوم نفس المرأة تعني أن هذه النفس الشقية تعاني أعوجاجا خلقيا يطلب إصلاحه و .. طبعا .. هيهات أن يقع لها هذا الإصلاح طبقا لما يراه "طلعت حرب" نفسه

وهذا التناقض بين ما يزعمه المؤلف من اتفاق مع "قاسم أمين" بينما هو مختلف معه اختلاف الظلام مع النور، هو عينه التناقض بين ما يبديه من دفاع عن رائد تحرير المرأة، من التهم الباطلة والإشاعات الشائنة التي تعلقت به في حياته وبعد موته، وبين ما يعود ليثيره حوله من ريب ومن غبار اتهامات أخرى أخلاقية. فمن بين ما أتهم به الرائد الكبير ممالأة الفرنج ومجاراة أفكارهم، وهو ما يثيره "طلعت حرب" حين يشير إلى توقيت صدور كتاب "تحرير المرأة" بقوله :

"فهل هذا أيضا من باب وقوع الحافر على الحافر أو من توافق الخواطر كما كان الأمر في ظهور كتاب تحرير المرأة في الوقت الذي ظهرت فيه مقالة انكليزية قيل إنها لأحد علماء الهند يدعو فيها صاحبها إلى مثل ما يدعو إليه صاحب كتاب تحرير المرأة"

والإجابة التي لم يقدمها المؤلف ويتوقعها من القارئ أن يقول : إنها ليست مصادفة أن يصدر كتاب في مصر ومقال في إنجلترا عن تحرير المرأة..ليست مصادفة لكنها بكل تأكيد مؤامرة!!

ولطالما كانت نظرية المؤامرة هي الدرع الوحيد الذي يتذرع به الضعفاء الذين لا يملكون من بضاعة العقل غير المكابرة والريب والتخمينات ولا يملكون من بضاعة المستقبل غير الفرار منه إلى أحضان الأسلاف الآمنة وأزمانهم التي ولت بغير رجعة.

(3)

كما يمكن أن يلحظ قارئ هذا الزمان من أن "ترتيب البديهيات" العقلية والوجدانية والشرعية والإنسانية كان هو السمة الغالبة على كتاب "تحرير المرأة". يمكن أيضا لقارئ زمننا اليقظ أن يلحظ أن "سوق التناقضات" هو السمة الغالبة على كتاب تربية المرأة والحجاب". حقا – وبلا أي نزوع للسخرية – فإن التناقض هو المحور الذي تدور حوله كل أفكار وطروحات "طلعت باشا حرب" في كتابه. بدء من صفحات المقدمة وما رأيناه فيها من تناقض تجاه "قاسم أمين" نفسه وحتى ما يقدمه من حجج وبراهين، بل ومنطق حافل كله بالتضارب.

والأمثلة على ذلك أكثر من الإحاطة بها في عرض أو نقد أو انتقاد واحد للكتاب. لكني سأسوق عددا قليلا ولكنه دال منها.

في هجومه على وضع المرأة في الغرب الذي يتهم "قاسم أمين" ودعاة تحرير المرأة بالتطلع إلى تقليده يقول "طلعت حرب" في صفحة 13 :

"فإن المرأة ظلت راضخة لنير الرجل ولم تنل ما نالته من حريتها في أوروبا إلا بسعي الرجل نفسه ورضاه بتخفيف الوطأة عنها كما هو شأن القوي إذا أراد أن يخفف عن الضعيف المقهور له شيئا من أثقاله"

ويسوق المؤلف هذه العبارة ليدلل بها على أن المرأة لا تساوي الرجل في "جميع المواهب الطبيعية" مما يدعو ارتكانا إلى "ناموس الغلبة والقهر" إلى أن تكون المرأة في ضعفها تابعة وملحقة ومستلبة القوى إزاء الرجل. وفضلا عن فجاجة الفكرة، ورعونتها بما تحتويه من انحياز أعمى لدراوينية اجتماعية قبيحة، إلا أنه ليس على القارئ أن يجهد ذهنه في نقضها، إذ يتولى ذلك عنه "طلعت حرب" نفسه في صفحة 32 حين يشير في تضميناته إلى أن "علماء العمران" في أوروبا.."أصبحوا يتوقعون انهدام عظمة أوربا بيد المرأة الضعيفة إذا لم يتوصلوا إلى إيقافها عند حدها"!!

"المرأة الضعيفة" وفي نفس الوقت تهدم عظمة أوربا القوية!!

ولماذا لا "يتوصلوا إلى إيقافها" طالما أنهم هم من بدأوا بتخفيف الوطأة عنها كما يزعم!!

وكيف وصلت "أوربا العظيمة" إلى مدارات العظمة في ظل تحرير المرأة الأوربية يا ترى!!

بلا شك فإن أفكار رائد التحديث في الاقتصاد المصري تمتلأ بعنصرية رجعية قبيحة تجاه جنس المرأة، عنصرية لا تتمالك إلا التعبير الصريح عن ذاتها. فهو يعزو مثلا سيطرة الرجل على المرأة إلى ضعف خلقي تكويني في إدراك المرأة وعقلها، ويتساءل قبل أن يجيب :

"هل المرأة أضعف من الرجل إدراكا؟

نقول نعم وأحوال الشعوب الحاضرة والغابرة تؤيد هذا القول بالشواهد العيانية فإن كل الأعمال الاختراعية والاكتشافات العلمية التي بنيت عليها سعادة الإنسانية صدرت من الرجل دون غيره"!!.

وما يراه المؤلف هو أن صدور الأعمال الاختراعية عن الرجل دليل على ضعف إدراك المرأة لكنه ليس بحال من الأحوال دليل على حرمانها من التفكير أو القيام بأي أعمال، اختراعية أو غير ذلك، خارج جدران منزلها/حبسها.!!

وهو لا يكتفي بذلك دون أن يقضي على أي أمل في إمكانية تحرر المرأة من هذا الوضع العقلي الإدراكي البائس، ويجعل منه وضعا مؤبدا لا فرار للبائسة ولا فكاك لعقلها منه لأن :

"الوظيفة التي نيطت بها من الحمل إلى الوضع إلى الإرضاع إلى التربية تجبرها أن تصرف معظم حياتها في الابتعاد عن مصادر التغذية الفكرية. وبناء على هذا يستحيل عليها أن تبلغ شأو الرجل في سعة الإدراك"!!

ولا أجد شخصيا ما أعلق به على هكذا كلام، غير أن أسوق تناقضا أخيرا ينسف به "طلعت باشا حرب" كل فكرته عن قوة الرجل الطبيعية وضعف المرأة الطبيعي والتي أستغرق الصفحات في البرهنة على صحتها وتثبيتها تثبيتا في ذهن القارئ، إذ يقول:

"على أن من أنصف سلم بأن المرأة عند أغلب المسلمين الآن وقبل الآن هي صابحة الأمر والنهي في بيت زوجها والقول قولها. وكم من رجل لا يمكنه أن يبدي أي رأي أو يعمل أي عمل إلا بعد أن يشاور زوجته وإن يكن في قلبه من مشوراتها حسرات وغصص لجهالته المترتب عليها طبعا جهالتها"!!

إذن من يسيطر على من؟!

من هو القوي ومن هو الضعيف في حقيقة الأمر؟!

(4)

وبمثل هذا المنطق السطحي المتضارب يلج "طلعت حرب" ميدان التأويل الفقهي أو الديني لآيات القرآن الكريم وأحاديث النبوة والسيرة النبوية. فيبدأ بتقديم دال غير منطقي لمدلول متعسف، ومقدمة غريبة لنتيجة أغرب، حين يقول في فوائد احتجاب المرأة عن مجالات الحياة والمجتمع:

"هو بلا شك أحسن وأفيد ما جرب الأقوام من طرق الاحتراس للصون والعفة ولإراحة النفس من الشكوك والارتياب فلقد دلت التجاريب على أن لا نطاق عفة يفيد ولا تربية تقوى على صد تيار القوة الشهوانية الغريزية في الإنسان ولا على رد جماحها عند الثوران مهما بلغ تهذيب المرأة"!!

وكما هو واضح فإنه يبدو أن المرأة وحدها هي من يمكن أن تتعرض للغرق في تيار القوة الغريزية، أو أنها وحدها من تتحكم فيها غرائزها، وهو ما يجعل من التربية مساوية تماما في الفشل لنطاق العفة هذا الحزام الحديدي القبيح الذي أستخدمه الأوربيون خلال العصور الوسطى يضربوه على منطقة العفة من الزوجات ويحكموا إغلاقه بمفتاح يضعه الزوج في جيبه. فأي أهمية تبقى للتربية بعد مثل هذه القول الشاذ؟!!. وأي نتيجة يمكن تخيلها بعده غير أن قبر المرأة وحبسها وتقييدها بالقيود هو الحل الوحيد الذي يستطيع به الرجل / المالك أن يصون عفتها!!

بعد هذه المقدمة يعمد "طلعت حرب" إلى إيراد النصوص الدالة على فرض الشرع للحجاب على المرأة المسلمة. وهي نصوص يعمد إلى تأويلها بطرق عقلية لا تستقيم وبمنطق واضح الالتواء. ومن أوضح الأمثلة لذلك فهمه، أو أعجوبة توصله إلى فهم "الزينة" في الآية الكريمة : "..ولا يبدين زينتهن إلا لبعولتهن.."، فيسوق من أقوال السلف ما يؤكد أن الزينة هي "خلقة المرأة" التي تتضمن أيضا وجهها وكفيها مرة، وما يؤكد أن الزينة هي جلباب المرأة وحجابها نفسه مرة أخرى، وأخيرا يلجأ إلى لوي عنق الحقائق والكلمات لمجرد أن يصل إلى ما يبغاه من نتائج، حين يقول :

"ولقد حلت لنا هذا الإشكال السيدة عائشة رضي الله عنها..فقد سئلت عن الزينة الظاهرة فقالت : "هي الكحل والخضاب". أفليس هذا القول هو الفصل والحاسم لكل نزاع في هذا الموضوع؟. وإلا فما معنى أن تمنع المرأة من إبداء زينتها ويرخص لها بكشف الوجه، لو لم يكن الوجه هو عين الفتنة وأعظم زينة يجب عدم أبدائها"!!

وهو يعمد في تأكيد شرعية الحجاب من خلال إيراد حوادث تاريخية نقلا عن مصادر مجهولة لا يهتم بذكرها ولا بتوثيقها للقارئ، حوادث بعضها يعد إساءة، وأي إساءة، للصحابة والنبي عليه السلام، مثل هذه الحادثة التي يزعم أن أبطالها عمر والزبير رضي الله عنهما، وهما يرتكبان فيها مخالفة صريحا ورفضا وتحايلا لا يليق بالصبيان لأوامر النبي عليه السلام فيما يخص منع احتجاب المرأة وسأورد الحادثة هنا بنصها لأترك لك فرصة الاندهاش كاملة، يقول :

"أجتهد بعض الصحابة في منع النساء حتى من الخروج إلى المساجد (!!) فأتوا حيلا حببت النساء في القعود في منازلهن. يدل على ذلك ما روي عن عمر والزبير بن العوام رضي الله عنهما فإنهما لما شق عليهما خروج زوجتيهما إلى المسجد للصلاة ولم يكن في استطاعتهما منعهما من ذلك لحديث الرسول "إذا استأذنت امرأ’ أحدكم إلى المسجد فلا يمنعها" فتعرض كل منهما لزوجته ليلة في ظهر المسجد وهي لا تره وضربها على عجيزتها فرجعت امرأة عمر قائلة : "نعم ما رأيت فقد فسد الزمان" وقالت عاتكة امرأة الزبير لما قعدت عن الخروج وسألها زوجها ألا تخرجين يا عاتكة؟ : "كنا نخرج إذ الناس ناس وما بهم من باس أما الآن فلا"

أي تدني وأي وصف لزمن عاش فيه رسول الله بالفساد وبأن ناسه ليسو بناس!!

..

لن أستفيض أكثر من ذلك في ضرب الأمثلة على التناقضات العجيبة والحوادث الغريبة والمنطق المتهافت، درجة الهزل أحيانا، الذي يحفل به كتاب "تربية المرأة والحجاب" فهذا حديث لا ينتهي تقريبا في كل سطور وصفحات وفصول الكتاب. لكني أقدم هذه الأمثلة القليلة دليلا على تهافت منطق القوة، وعلى فقدان الاستبداد الذكوري بالمرأة للحس العقلي والإنساني السليم بل ولأبسط قواعد المنطق المستقيم، وطبعا على عدم صلاحية ثقافة استعباد المرأة لإقامة حياة إنسانية سوية، ولمجتمع بشري صحيح البنية ولائق بكرامة الإنسان، الإنسان كما خلقه الله : أنثى وذكرا.

يا خبر !!!

تناقض مثير وعجيب جدا يا أثر الطائر بين هذا العرض ..والعرض الذى سبقه !

وخيرا فعلت الحقيقة - برؤيتك الواعية - ان جئتنا بالعرضين متلازمين على هذه الطريقة حتى يتضح الفارق جليا ليس بين شخصين بالتأكيد وان كان هذا جديرا بالإهتمام ..ولكن بين المنهجين ..وياله من فارق !!

فى الواقع ليس لدى جديد أود تقديمه هنا ..فأنت تعرف رأيى ..وهو المذكور أعلاه بالكامل ..ولست أرى فى طلعت حرب باشا ..رائد الإقتصاد المصرى الأشهر أى فارق بينه وبين المنادين اليوم بقمع المرأة ..والمناهضين لها ولحريتها على المعنى المطلوب المعروف ..فمهما اختلفت الحقب والأزمنة ..وتغيرت الأسامى ..يبقى المنهج نفسه يا أثر الطائر كتوجه مخالف ومغاير ..ومعارض ..فلا بأس ..نحن نعرف ذلك ..وتشبعنا من مثل هذه العقول وفهمناها حتى رضينا بوجودها ..وحتى لم يعد الأمر جديدا ولا مثيرا بالفعل !

الغريب فى الأمر فعلا هى هذه المتلازمة التى كما أثارت انتباهك ..أثارت انتباهى أنا الأخرى ..فكون الرجل اقتصاديا هاما ..مستنيرا ..وحداثيا ..لم يكفه ذلك على ما يبدو ولم يمنعه من تغيير أفكاره حول المرأة بل لم يؤثر إطلاقا وبمثل هذه البدائية والإستبداد والتخلف !! لم تتطور أفكاره الأخرى ولو قيد أنمله فى الإجتماعيات ..فالإنسان كما نعرف ..جزء لا يتجزأ من كله ..أفكاره تحمل نفس اللون حتى يحدث انسجام داخلى غير متعارض مع كله ..أما هنا ومع طلعت حرب ..بدا واضحا أنه مسكونا بطلعت حرب آخر ..ولكن لا بأس أيضا هذه المرة ..فالمتناقضات موجودة والثنائيات ..بل بالعكس ..أصبحت موجودة وطبيعية حتى ادمنا ذلك ..ومن لم يناقض داخله يا جماعة ..فليناقضها !!

حدثت طفرة فى المجتمع غريبة للإنسان ..والطفرة تكون على هيئة فجوة تتسع كلما كان العد تصاعديا وليس تنازليا ..وهذا مما يدهش حقا ..ولكن بالنظر والتمعن سنجد أن هذه الأمور -التناقضات فيما يتعلق بالحداثة والحريات - فى مجتمعاتنا الشرقية مقبولة ..فثقافتنا عن الحرية والديمقراطية واحترام المرأة وغيرهم .. أمور مستجدة واردة..على الأقل كتفعيل فى المجتمع ..نجد أنه عندما يَقبل بها الإنسان على غير قناعة ..أو أن يُجبر على الإقتناع بها نتيجة مسايرة أجواء حداثة ولكى يبدو الإنسان المودرن تظهر التناقضات فورا لأنه ليس مكافئا لمسئولية حمل مثل هذه الأفكار ..فهو غير مقتنع ..ولذلك تكون الحداثة بالفعل مشوهة ..

لم يكتف طلعت حرب بذلك وانما جاهر فى كتابه به ..كان واضحا وضوح التشويه ..ومن ناحية أخرى قد نجد له عذرا مقبولا عندما نقول مثلا أن دراسة الإقتصاد ..والإفراط من تداولاته قد أثرت على عواطفه ونواحيه الإجتماعية فلم يستطع أن يجمع بين الحسينين ..وهذا وارد أيضا فى طبيعة البشر ..وفى كل الأحوال انتهى طلعت حرب ولازالت أفكاره باقية يتبناها آخرون وآخرون لا يملون أبدا من اظهار الحداثة المشوهة ..

أشكرك من عميق قلبى يا أثر الطائر على كل ما تنظمه لنا ويحمل روحك المستنيرة وأكثر ..عندما يؤسس لنا طريقا مستقيما من نور وانارة نحو خير كثيرا .. وأملا كبيرا ..

:clappingrose:

عشتار النقية .. دائما لديك الجديد الذي تأتين به والذي يأتي في زهوة حضورك :clappingrose:

أفهم ما تودين توكيده بحسك الإنساني النبيل فهما جيدا .. فلا يجب مطلقا أن تجعلنا أراء (طلعت حرب) ميالين إلى أن نغمط أو نغض من شأن دوره الاقتصادي الوطني والتاريخي، وريادته، بل وعظمته، في تحقيق وتجسيد حلم التحرر الاقتصادي المصري وبناء صناعة وطنية جبارة لأول مرة منذ (محمد علي الكبير). لكننا، وكما تعرفين، لا يجب أن نقدس رموزنا الوطنية، ولا أن نلتمس لهم أعذارا، فهم بشر مهما بلغ شأنهم ولهم أخطاؤهم الفادحة أحيانا. والأفضل دائما من تقديس الرواد هو محاولة فهم دورهم الريادي فهما واقعيا صحيحا في سياقه الاجتماعي التاريخي، وتحليل أسباب ونتائج مواقفهم وكشف أسرار تناقضاتهم الفكرية أو السلوكية.

تعرفين الموقف العظيم لـ(طلعت حرب) من كوكب الشرق "السيدة أم كلثوم". ولعلك تعرفين أن هذه الموهبة الغنائية التي لا تتكرر كانت مهددة، في مرحلة حساسة من مشوارها الفني، بالتوقف عن الغناء بعد أن تورطت في توقيع عقد احتكار لإحدى شركات الاسطوانات، تسببت في عرقلة كادت فعلا أن تقضي على النبوغ الكلثومي وتعيدها إلى قريتها طماي الزهايرة مع أسرتها. أتدرين من أنقذها وقتها بأمواله ووضع قدمها مجددا على طريق مجدها الفني وأهدى لمصر "أم كلثوم" الشامخة؟

إنه "طلعت حرب"!!..

وكما تعرفين أيضا فإن الرجل هو مؤسس وصاحب "استوديوهات مصر" السينمائية والتي أغنت وأثرت الفيلم العربي بتحف فنية لا مثيل لرقيها ولا لجمالها ولا لمتعتها!!.

وهذا هو الوجه العملي لتناقض الرجل .. عندما يتضارب الفكر مع الممارسة .. ويأتي العمل على حساب الاعتقاد. يحق لنا أن نتساءل : من من الرجلين كان "طلعت حرب"؟!!. وكيف يمكننا أن نفهم كونه الرجلين معا؟!!

وكما قلت أنت تماما فقد أصبح التناقض سمة من سمات اليومي والمعاش، وأصبح من المألوف في مجتمعاتنا أن يعيش المرء بعدة شخصيات، وأن يتميز عقله ووجدانه وتعاني روحه من السيولة والضبابية واللاتحدد.."ومن لم يناقض داخله يا جماعة ..فليناقضها !!" :)

لا يسلم من هذه السيولة الفكرية والأخلاقية حتى رموز المجتمع وطلائعه بل ربما كان هؤلاء بحكم مواقعهم على قمة الهرم الاجتماعي، حريصين طول الوقت على استجلاب رضاء مجتمعهم (المتناقض)، وأكثر عرضة للإصابة بكل هذاءات المجتمع المرضية. هي إشكالية التحديث وفخ الحداثة الذي وقعنا فيه ولم تسمي علينا عقولنا ولا أفئدتنا، وقعنا فيه بحمولة ثقيلة من مواريث التخلف العثمانلي الأصلي :)

والطريق الآمن الوحيد للخروج من المأزق يا عشتار هو كما أسلفت في أن نضع أيدينا على هذه التناقضات المدوخة، سواء تجلت في المجتمع أم في الرموز المجتمعية، وفي تحليلها وفهم أسرارها ومنطقها التاريخي. هكذا نحصل على الحلول الملائمة للتخلص من التناقض في حاضرنا الآني، ونخلص من الفخاخ والعراقيل الكامنة في طريق المستقبل.

كما أن هناك درس آخر ربما كان ماثلا في قصة "طلعت حرب"، ولا مناص من أن نعيه ونستوعبه، وهو درس يتصل بأزمة الطبقة الوسطى المصرية طوال تاريخنا المعاصر، أزمتها مع ذاتها ومع الحداثة. بعض مؤرخينا يصف هذه الأزمة بـ"خيانة التحديث" ويعتبر الطبقة الوسطى المصرية "طبقة خائنة" لكل المشروعات التحديثية، بدء من انقلابها على المشروع النهضوي لـ (محمد علي)، مرورا بانقلابها على المشاريع التحديثية الثورية لـ (عرابي ومصطفى كامل وسعد زغلول)، وحتى انقلابها على مشروع "جمال عبدالناصر" الذي كان أضخم مشاريع التحديث والنهضة المعاصرة للدولة المصرية.

السر في فشل الطبقة الوسطى المصرية في بناء مشروع الحداثة والمنبع الذي تأتي منه كل نكساتها التحديثية كان - دائما - هذا الفشل في التعامل مع المتناقضات، وفي تبني التناقض والتعايش معه بالتوفيق أو التلفيق دون أي محاولة حقيقية للتخلص منه.

عشتار..

سيظل وجودك هنا، كما في كل مكان، أكثر من دافع للفهم والاستنارة والتأمل والمناقشة والكتابة .. سيظل وجودك ذاته دافعا، مؤكدا وحميما وجميلا، للحياة يا استنارتها

عشتار ... :clappingrose: :clappingrose:  

رابط هذا التعليق
شارك

انشئ حساب جديد أو قم بتسجيل دخولك لتتمكن من إضافة تعليق جديد

يجب ان تكون عضوا لدينا لتتمكن من التعليق

انشئ حساب جديد

سجل حسابك الجديد لدينا في الموقع بمنتهي السهوله .

سجل حساب جديد

تسجيل دخول

هل تمتلك حساب بالفعل؟ سجل دخولك من هنا.

سجل دخولك الان
  • المتواجدون الآن   0 أعضاء متواجدين الان

    • لا يوجد أعضاء مسجلون يتصفحون هذه الصفحة

×
×
  • أضف...