أرفض تاجيل الانتخابات

[مصطفىالكومي]

ذهبت إلى ميدان التحرير, ولاحظت أن الكثافة البشرية قد ملئت نصف الميدان حول الصينية , لاحظت المطالب بتأجيل الانتخابات وعمل دستور قبلها قد دُست وسط مطالب شرعية متفق عليها , لاحظت أن أحد صييحة الميكرفون هتف وقال "ارفع راسك فوق أنت مصري" فردد الميدان معه , ثم أردفها "بالشعب يريد دستور جديد" فلم يتجاوب معه الميدان , كررها خمس مرات فما كررها معه إلا قليل فهمت وتأكدت من وعي الشعب المصري , وأن الأغلبية مع المطالب التي لا تلتف على الاستفتاء الشعبي الذي عبرت فيه الأغلبية عن رغبتها في العودة السريعة للحياة النيابية .

الآن بعد أن أصبح معروفا أن جهات دولية وراء عدم الاستقرار والانقلاب على الديمقراطية وبعد تصريحات عوفديا رئيس المخابرات الإسرائيلي السابق بإدخال مصر في فتن وأزمات , والقروض والمساعدات الدولية التي لا يمكن تكون من اجل عيون الشعب المصري ولا يمكن أن تكون بلا مقابل , والتمويل الأجنبي لوسائل الإعلام و بعض منظمات المجتمع المدني , يجب أن ننتبه , أن أعداء الشعب وجماعات المصالح تعمل على الخروج بأقل خسائر ممكنة , وتقول أنه إذا كان مبارك قد سقط فلا يجب أن نسقط جميعا وإذا سقط الحزب الوطني فلا يجب أن تسقط العلمانية .

ويجب أن نعلم : أن للثورة شرعية استثنائية موقوتة ولذلك يجب العودة للشرعية الدستورية و النيابية بأسرع وقت ممكن , التأجيل يصب في مصلحة أعداء الشعب الراغبين في دكتاتورية علمانية بأي شكل كان . وبأقل خسائر ممكنة من المناصب والسلطات , و المعروف أن القانون الذي هو اقل شأن من الدستور يقوم بوضعه نواب الشعب , فكيف يراد للدستور أن تقوم بإصداره جهة غير مختصة .

و تأجيل الانتخابات إلى سبتمبر حسب طلب فئة من العلمانيين هو الذي آخر عملية التطهير وهو الذي أدخلنا في فتنة طائفية وأزمات اقتصادية .. وستكون الفرصة متاحة أكثر للأزمات والفوضى , وسوف تعطي المبرر للفئات الرافضة للديمقراطية للانقلاب عليها ولو عسكريا , والخائفون من الديمقراطية والرافضون لاختيارات الشعب والقائلون بقول الحزب الوطني " الشعب غير مؤهل للديمقراطية " هم أعداء الثورة والشعب.

من الواضح أن التيارات العلمانية تؤثر مصلحتها ورغبتها في صدارة المشهد السياسي على مصلحة البلد ومخاوفها الوحيدة تلتقي في اختيار الشعب هويته الإسلامية .

البعض يفترض أن مجلس الشعب القادم والرئيس القادم سيتم إعادة انتخابهم بعد إصدار الدستور , لكن هذا على سبيل الفرض ومن الممكن ألا يكون صحيحا , ولو فرضنا صحته فما المانع من إعادة الانتخابات مرة أخرى نحن في حالة تحتاج إلى إعادة نظر وتصحيح متواصل للطريق بعد هذا العمى الذي أصابنا طوال ستين سنة استبداد .

ثم إن التطهير الذي يريده الشعب المصري لن يتم إلا في ظل حكومة غير منتخبة من الشعب , أي حكومة جاءت في غياب الإرادة الشعبية هي في الحقيقة أذناب النظام البائد , من غير المعقول أن يتخلى الفاسد عن صاحبه أو تلميذه أو أستاذه الذي علمه الفساد ونصبه في منصبه , من المستحيل أن يتطهر الفاسد من عمه وخاله وبن خالته وبن عمه وعمته .

إن كثير من النخبة الحالية التي هي في الحقيقة بقعة زيت فوق برميل من الماء , تم تصعيدها وتصديرها في ظل النظام البائد , ولن تكون حريصة على مصلحة هذا البلد بدليل التفافها على الإرادة الشعبية , ولقد دست السم في العسل حين طالبت بمطالب مشروعة وربطتها بتأجيل الانتخابات وإصدار دستور قبل الانتخابات البرلمانية , ومن قبل طالبت بالعفو عن مبارك وطالبت الجيش بالتمسك بالحكم العسكري ولما خابت مطالبهم هذه , دست السم في العسل لتمرير مطالبهم الفئوية .

إن كان غالبية المراقبين قد أقروا أن الفتنة الطائفية التي حدثت في إمبابة وراءها فلول الحزب الوطني فهل كانت هذه الفلول إلا علمانية فمن غير المتصور أن فلول الوطني إسلاميون وإذا كان الاتهام كان موجها تحديدا لجهاز أمن الدولة فهل كان أمن الدولة إلا اليد الغليظة للعلمانية الحاكمة البائدة .

بعض الرافضون للهوية الإسلامية لمصر ـ مع أنهم يعرفون أن مناوراتهم مجرد تأجيل للعودة للهوية الإسلامية لمصر ـ إلا أنهم رافضون للديمقراطية فقط لهذا السبب , لأنهم يعلمون أن الشعب سيختار هويته ومَن على هويته .

على الجيش باعتباره الحاكم الشرعي الحالي للبلاد أن يوازن بين رغبة قلة من العلمانيين تخشى أن تكنسها رياح الديمقراطية وبين اختيار 77% من الشعب المصري الذي يهتم بالاستقرار السياسي وسريان عجلة الاقتصاد.

إن كنا حقا نريد دستورا جديدا واستقرارا سياسيا وتطهير حقيقي للفاسدين فإن هذه المطالب مرتبطة بتغيير الوجوه الحالية بوجوه يختارها الشعب عبر انتخابات حرة ونزيهة وهذا ما يجب أن نعجل به أولا .

كنت أتمنى من الإسلاميين أن يشاركوا , فقط ليثبتوا أن الأقلية التي تطالب بإصدار الدستور قبل الانتخابات ومن ثم تأجيل الانتخابات , أقل من القلة , ولذر الرماد في عيون المتحاملين .