رحمة

[bentmasria]

كانت المغارب هالة علينا بلونها المصبوغ بالحمرة و لون البحر صافى و متعافى من لبنى لازرق

ملفوف ببياض الموج الدافى و متحوط بالنخيل و الخضرة ... حتة لوحة جبارة ما تملكش معاها غير انك تقول سبحان الله ابدع فيما خلق و لا مبدع سواه... شدتنى اللوحة الربانى و سرحت فى الملكوت و صاحب الملكوت كما العادة و لسه كلام القصايد هيتبعتر على الورق اغانى ... دخل استاذنا الفاضل علينا ف الجنينة ... سلمنا و قعدنا ادبا .... عوجت الكرسى بخباثة عشان يبقى وشى للمجموعة ووشى ناحية البحر اكمل الاحساس اللى كان ابتدا يسرح ف حتة بعيييد اوى ....

لكن فجأة....

سمعت استاذنا و هو بيحكى اخر اخباره ... لجنة دولية اختارته عشان يكون من ضمن العلما اللى يجتمعوا عشان ياخدوا قرارات و يحددوا معايير انهاء حياة الجنين المشوه....

انهاء حياة مين ....؟؟؟؟؟؟

راحت اللوحة ... لاحول ولا قوة الا بالله .... ادورت بالكرسى و استعنت ع الشقا بالله و سالت تانى يمكن ودانى خانتنى ...

حضرتك بتقول مين يافندم ... انهاء حياة مين بالظبط .... هو مش فيه حاجة اسمها قتل النفس برضك...

عاد على الكلام تانى اللى كانت خلاصته انه بقى فيه اجهزة بتقول ان الجنين حيبقى مشوه... فالجنين بدل ما ييجى و امه تتعذب بيه نموته احسن عشان نقيها شر العذاب ...

حضرتك قصدك قبل ما تدب الروح قبل تلات شهور زى ما بعض المشرعين ما اباحوا ...

لا انا قصدى عموما ... انا لى راى تانى ف موضوع الحياة تدب دى لكن مش ده موضوعنا دلوقتى .... احنا قصدنا ف اى وقت مجرد ان الجنين مشوه يعنى نخلص منه... ده مش حيخدم البشرية ف حاجة و عبء على اهله و على الدولة مادى و نفسى و مالوش لزوم الاحتفاظ بيه و مالوش لزوم امه تتعلق بيه ع الفاضى...

طب لو سمحت لى يا فندم اعكس الصورة بعد اذنك مادمت اذنت لنا بالحوار ... يا ترى لو ابويا الله يرحمه كان ف اخر عمره جاله عته و ضمور ف خلايا المخ و اصبح عبء مالى و نفسى على و على اخويا هل كنت اخلص منه و ارميه ف اى دار مسنين او اضربه رصاصة زى ما بنضرب الحصان العجوز لما يهلك ...؟؟؟

لا الاب ده خدم و عمل مجهود و صرف و حقه انك تخدميه ...

بلاش دى يافندم ... افرض حضرتك ان انا ابويا كان راجل غير مسئول سابنى انا و اخويا و مشى راح لحاله عاش حياته بعيد عننا تماما و استمتع بصحته و عمره ف اى مكان بعيد عننا و انا و اخويا حتى ما نعرفهوش ... و بعدين فجاة كلمونا كده قالوالنا ليكوا اب لقيناه ف الشارع تايه و ما يعرفش اسمه و مالوش حد غيركم ... مش المولى عز و جل وصانا برضك على الاب .. مش كنا حنروح نستلمه و نتحمل عبئه المادى و النفسى برضك ولا حضرتك رايك ايه .... و بعدين يعنى لما اكون انا كابن حاجى اسعدك و ابهجك و اسليك و ابقى امتداد تفتخر بيه تحبنى و تخلينى ف بطن امى و لما تكتشف انى حابقى عبء عليك تضربنى رصاصة و ترمينى... يا فندم حضرتك كده بمفهوم علمانى و مادى بحت بتلغى اجمل شىء فى العلاقات الانسانية ... السراء و الضراء ... يعنى لو ف اول زواجك زوجتك السليمة العفية اللى زى القمر خبطتها عربية تانى يوم و اتشوهت و اتدشدشت و جات لها عاهة و بقت عبء مادى و نفسى عليك ما تستحملهاش ... و لو العكس بعد الشر يعنى لو و انت ف اول يوم زواج و كل رصيد خدمتك عند زوجتك كام شهر و اصابك شلل لا قدر الله ترميك و تدور على واحد غيرك ما يبقاش عبء عليها .... يا فندم حضرتك بتضرب العلاقات الانسانية ف اغلى و اعز و انقى شىء فيها و بتحولها لارقام و حسابات رخيصة اوى...

مابلاش بقى العواطف دى يا سمية...

يافندم انا ماجبتش سيرة العواطف لسه خالص انا باتكلم بمبدا الربح و الخسارة و بمنطق هات و خد اللى حضرتك بتتكلم بيه... و باحط نفسى بدل الجنين المشوه و باتصور و انا الابنة لانى للاسف مش ام ... ان امى كانت ممكن تخلص منى لانى مش حابقى شاطرة و حلوة و طريفة و لطيفة و خفيفة كده... و بعدين معلهش بقى يا ترى شوية التعب اللى مع جنين معوق اهون ولا ولد سليم و عاق و مجرم و تنتهى بانك بتدعى عليه بدل ما تدعى له ... سلب النعمة يافندم مش بالضرورة يكون ف كفاءة الاعضاء بس ... ولا ناوى حضرت تموت كمان الفصام و اضطرابات الشخصية و خلافه ماهو كله حيبان ف مشروع الجينوم الفتاك ... احنا يعنى كده حنعمل اللى هتلر عمله .... هم مش الاوروبيين بتوع الهيئة الدولية دول هم برضك اللى هاجموا هتلر و مسحوا بكرامته البلاط برضك....

لا ده مش زى هتلر.... دى حاجة تانية و بعدين احنا ممكن نخير الام و الاب هم اللى ياخدوا القرار...

عموما يافندم انا بادعيلك من قلبى ان ربنا ينور بصيرتك لان سيدنا عمر قال احذروا ذلة العالم فان الناس تتبعه فحضرتك دايما اطلب من الله الهداية و البصيرة لان كل عيل حيموت بالقرار ده حضرتك حتشيل وزره و وزر اهله ...

......

عموما انا ساعتها حاكون قتلت الموضوع بحثا و مستعد اقف قدام ربنا يوم الحساب...

و قمنا لصلاة المغرب ....

و بعد الصلاة و بعد ما هديت من اللى سمعته ....

افتكرت رحمة ....

و رن ف ودنى صوت زميلتى و هى بتسلمنى النبطشية و بتقول لى ف الدور التانى طفلة عمرها تلات ايام انا عاملالها محضن صغير على قدها هى مليانة تشوهات و اللى قاعدة بيها عمتها عشان امها تعبانة ف قسم النسا ... هى مش حتكمل الليلة لما تموت اطلبى لى تشريح فى شهادة الوفاة عشان نشوف ايه الاصابة اللى حصلت لها... استلمت البنت فى هدوء و انا مستاءة غصب عنى من الاحكام صعب اوى على بنى ادم بيشتغل سبب امام الله ف المحافظة على حياة خلقه انه يكون بيعرف يستنى الموت ف العيانين...

و بدات النبطشية

و فجاة ندهولى الحقى يا دكتورة رحمة توقف القلب... طلعت جرى ... و انا طالعه طبعا كالعادة قومت الدنيا ما قعدتهاش جرى حضروا ادرينالين... هوا حصلونى باكسجين ورايا مش عايزة اشوف ممرضة قاعدة على حيلها ... المهم وصلت للفسفوسة النونو البيضة المحمرة اللى اسمها رحمة لقيتها محطوطة تحت لمبة حمرا عشان تنزل نسبة الصفرا ... زحت اللمبة و بصوابعى بدات ادلك القلب و اعمل تنفس صناعى ... و قبل ما امد ايدى على الادرينالين ... سمعت... هوف..هوف...هوف... و رجعت رحمة ... و انتظم النفس و رجعت الفسفوسة الصغننة تانى للحياة .... و ابتسمت انا و اخدت نفس غويط و نزلت الاستقبال و انا سعيدة جدا ....

شوية ....

و تانى يا دكتورة الحقى رحمة قطعت النفس تانى ... اتكرر نفس المشهد بتاع الفيلم اللى فات بحذافيره لحد ما وصلنا ل .. هوف..هوف...هوف... و رجعت رحمة... و نزلت انا الاستقبال..و انا سعيدة برضه...

شوية كمان ... كلاكيت تالت مرة ... الفرق بس ان المرة دى انا اللى طالعة بالقف و تقريبا حاقطع النفس من الجرى و طلوع السلالم لكن ماقدرش طبعا اتاخر على رحمة .... و عمتها بمنتهى الحنية ...بالهداوة يا دكتورة على مهلك ربنا يبارك لك والله .... و نكرر الحتة اللى فاتت من الشريط لحد هوف..هوف...هوف... و رجعت رحمة ....

و فضل المشهد ده يتكرر بانتظام كل شوية و الفسفوسة الصغننة دى زى واحد عمال يتفسح بين البرزخ و الدنيا لما قطعت قلبى .... و اخيرا ف اخر النبطشية كان لازم ادخل انام شوية ...و انا داخلة وصيت دكاترة الامتياز ...لما رحمة تقطع النفس حد يسبق جرى يحضر الادرينالين و يبدا تدليك القلب على ما تصحونى بالهداوة عشان انا لو فزعتونى ممكن اقطع النفس و الحياة من اصله بس ادونى فرصة اقوم بالهداوة عشان ضغطى ما يوطاش و اطب ساكتة وماعرفش الحق رحمة ....

كل اللى فاكراه بعد كده ان الساعة 3 صباحا و انا نايمة ف اوضة الاستقبال اللى تحت الارض انى سمعت صوت امل صاحبتى و هى بتعدل الغطا على بهدوء شديد و بتقول لى سمية الاستقبال هدى و مافيش عيانين و رحمة ماتت و انا طالعة السكن انام كملى نومك بقى....رديت من قلب بير التعب اللى كنت غطسانة فيه ....رحمة ماتت ...!!! و بعدين مادريتش .... و اتقلب على النهار ما صحيتش غير الساعة 8 صباحا .....

من الحاجات اللى كانت بتؤلمنى اوى انى افقد طفل ...

قال يعنى احنا اللى بنعيشهم ولا بنموتهم ولا حتى بنعالجهم ... لكن بتاخد كتير اوى على ما الواحد يفهم انه بيشتغل سبب بس و ان من بخته ان ربنا يجعله سبب ف الخير ... لو راعيته ف المرضى و ده الواجب المطلوب سواء كان القضاء هو الحياة او الموت فانت واجبك بس تؤدى مهمتك كسبب صح انما ممكن تمشى اخر مظبوط و الناس تموت عشان جه الميعاد اللى يتشد فيه الكوبس و الوديعة ترجع لصاحبها و الرحلة تنتهى....

و افتكرت الشيخ الشعراوى و هو بيقول الموت سهم ارسل اليك تنتهى رحلتك ف الحياة الدنيا عندما يصل السهم ...

و افتكرت حديث الرسول عليه الصلاة و السلام اللى معناه ان الست اللى تولد طفل و يموت ينتظرها يوم العرض على الله و ياخد بايدها على الصراط و يدخلها الجنة ...

و رن كمان ف ودنى صوتين ...

صوت واحدة زميلتى و احنا ف الطيارة و هى بتحكى على امها بصوت مليان تاثر و مرارة ... حاولت تخلص منى كذا مرة عشان انا بنت و هى كان نفسها ف ولد يحجب الورث و ياخد بايد ابوه لكن هى فاكره نفسها ربنا انا عشت و نزلت و انا مطلعالها لسانى ....

و صوت امى و احنا ف الا قصر لما دخلنا الكرنك و شفت البحيرة اللى ياما حكيتلى انها لفت حواليها عشان تحمل فيه زى ما كانوا زمان بيقولوا للستات... و لقيتها بحيرة كبيرة اوى و اتسرعت و قلت لها يا خبر يا سوسن بقى انا استاهل تعملى كده عشانى ... اد كده حبتينى من قبل ما اجى للدنيا و من قبل ما تعرفى اذا كنت حابقى حلوة و لا وحشة ولا حاطلع سليمة ولا معوقة ... تصدقى انا مش عارفة اذا كنت استاهل ده ولا لأ ... مش ممكن استاهل تعبك ده ابدا....

و افتكرت رحمة تانى...

يعنى لو ماكانتش رحمة اتولدت و ماتت ما كانتش امها لقت اللى يدخلها الجنة و ماكنتش انا و اللى ساعدونى فى اتقاء الله فيها خدنا دعا او ثواب و ما كنتش عرفت الوجع و الضعف بتاع انك مش لازم تعرف تنقذ كل حياة تقع تحت ايدك لكن لازم تعرف تتقى الله فيها و ما كنتش فهمت معنى الحب الغير مشروط بتاع الرحم و الرحمة و الحب ف الله اللى يخللى العمة تقعد جنب طفلة مشوهة و مليانة عيوب خلقية و محكوم عليها بالموت و تاخد بالها منها لحد اخر نفس و ف السكة تدعيلى لانى عرفت احبهم ف الله و اراعى اللى خلقهم فيهم انا و كل الطقم اللى معايا من غير غرض و لا مصلحة.... اهم حاجة ف العلاقات الانسانية انك ترحم من غير شروط و تحب ف الله من غير غرض ولا مصلحة و تفرج كروب من حولك من امة الحبيب عليه الصلاة و السلام عشان تنفرج كرباتك ....هو ده المنهج الربانى الانسانى اللى فى طاعة الله و فى عزة جلاله ....هى دى الرحلة اللى مفروشة بالطاعة و ملفوفة بالحب و مكارم الاخلاق ...

مع انى ساعتها ماكنتش فاهمة حاجة لكن النور كان بينور كل مرة تحصل حاجة شبه كده ...

و مع انى زعلانة على افكار استاذنا ده لكن انا متاكة انه لو كان شاف رحمة كان فهم انه غلطان و مع ذلك انا بادعيله بظهر الغيب ربنا يكرمه و ينور بصيرته و يجعل رحلته لعدن ان شاء الله.... اصل صراحة لو تاه عن عدن ابليس حيفرح فينا و سيدنا محمد عليه الصلاة و السلام حيزعل على عبد من امته تاه عن الطريق و ضحك عليه ابليس و قرقشه بسنانه ف لحظة عدم تركيز ....

و بعدين ماقدرش اعتب عتبتك يا عدن و اورى وشى لسيدنا محمد عليه الصلاة و السلام ولا اترجى رحمة المولى عز و جل و انا ماطلبتكيش لكل امة الحبيب المصطفى عليه الصلاة و السلام .... ماقدرش اجى لوحدى يا عدن.... الحدوتة و المنهج كلهم ونس ف الله و بذات الله...

يا ترى يا عدن رحمة حتفتكرنى و هى بتاخد بايد امها للجنة ....!!!

آآآآآآآه يا عدن....

س.م.

2\9\2004

من مذكرات طبيبة شابة :blink:

[Salwa]

لا يابنت يا مصرية ....الحكاية مش زى كل الحكايات ...

لأنها ببساطة حكاية حقيقية ..حكاية انسانة نقية افتكرت نفسها بتحكى حكاية ونسيت ان هى حكايتها هى ومش حكاية رحمة .....

كام رحمة بتمر عليكى فى حياتك ؟؟.....فى المستشفى وفى الطريق وفى المدرسة وفى كل مكان ؟؟؟

كام رحمة بتطلب الرحمة ؟؟؟....من المخلوق مش من الخالق ؟؟؟

جميل كلامك يابنت يا مصرية ....

لكن اهم ما فيه ..ان الطبيبة نامت قريرة العين ....

ادت واجبها ...واستعانت بالله وبالرحمة ...وبالعلم ......

تحياتى ......