اسلوب جديد للاخضاع والقمع:

[Gharib fi el zolomat]

اسلوب جديد للاخضاع والقمع:

دولة نيغروبونتي العراقية

بقلم :بطرس عنداري

قبل ان نبدأ بمعالجة موضوعنا نري من الضروري ان نورد بعض المعلومات الضرورية والهامة عن سفير امريكا الجديد لدي العراق جون نيغروبونتي الذي هو الحاكم الفعلي المطلق لوطن الرافدين.

يبلغ نيغروبونتي الخامسة والستين من العمر وهو من مواليد لندن، والده يوناني الاصل ومن كبار الاثرياء . تلقي علومه في ارقي المعاهد والجامعات البريطانية والسويسرية والامريكية.

كان في الثانية والعشرين من عمره عندما انتسب الي وكالة المخابرات المركزية عام 1960 ملتحقاً بوزارة الخارجية فخدم في فيتنام كمسؤول عن محطة السي اي ايه في بداية الحرب الفيتنامية حيث كان دائماً من مؤيدي الحسم العسكري والقمع والقتل الجماعي.

تنقل في عدة مناصب كان اكثرها اثارة للجدل وجوده كسفير لدي هندوراس حيث اشرف علي دعم ثوار الكونترا في نيكاراغوا وقدم لهم مساعدات بمئات الملايين كما وجه حكومة هندوراس لتصفية المعارضين حيث اختفي خلال وجوده هناك 180 مسؤولاً سياسياً. وعلم فيما بعد ان فرق الاعدام التي شكلت بإيعاز من نيغروبونتي هي التي اغتالت هؤلاء.

ويؤكد الباحث الامريكي تشيدفسكي في مجلة غلوبال ريسرتش ان بوش اقدم علي اختيار نيغروبونتي بسبب خلفياته المخابراتية والقمعية لأن حركة المقاومة العراقية تتحرك في جميع انحاء العراق ومن الضروري التصدي لها بشراسة وضراوة. وقد تأكد هذا النهج في القصف الجوي شبه اليومي لمدن الفلوجة والنجف وتلعفر اضافة الي بغداد حيث سقط حوالي خمسة آلاف قتيل خلال اول 70 يوماً من حكم نيغروبونتي.

ومنذ ان غادر بول بريمر العراق تغيّر النهج الاعلامي والسياسي في بلاد ما بين النهرين المحتلة. تغيرت التوجيهات والتوصيات لاستعمال لغة سياسية جديدة خضعت لها معظم اجهزة الاعلام العربية. وكادت عبارات قوات الاحتلال الامريكي وعمليات القتل الجماعي بالقصف الجوي وتعذيب الاسري واضطهادهم ان تغيب عن واجهة الاحداث لولا تطرق بعض الاعلام الامريكي والاوروبي اليها من وقت الي آخر.

وقد بدأت الجهات الرسمية العربية تتعامل مع التوجهات الجديدة الي درجة توهم المراقب بأن العراق لا يواجه احتلالاً ودماراً شاملاً وقتلاً جماعياً بل تحكمه حكومة ديمقراطية لا يعكر صفوها سوي بعض الارهابيين والخارجين علي القانون من الذين يقاومون ويزعجون قوات التحالف الغيورة علي شعب العراق ونفطه وثرواته و.. دماء ابنائه!

ولعل من اغرب ما قرأت كان تصريح العلامة اللبناني محمد حسين فضل الله عند حصار النجف والصحن الحيدري الشريف من قبل قوات الاحتلال الامريكي حيث قال: كان يجب علي الحكومة العراقية ان لا تسمح لقوات التحالف ان تذهب الي النجف الأشرف ومحيطه... ... من يقرأ هذا الكلام يعتقد ان الحكومة العراقية التي اختار الامريكيون اعضاءها هي الحاكمة الفعلية للعراق وهي التي توجه وتأمر القوات الامريكية.

والاغرب من هذا الكلام ورد في البيان المشترك لمجموعة من المرجعيات ورجال الدين في النجف الذين عارضوا استعمال السلاح ضدّ قوات التحالف . وينطبق هذا الموقف المتجاهل لاحتلال دولة بأكملها علي مواقف جميع الدول العربية التي ادانت اعمال الارهاب في العراق كما جاء في بيان وزراء الخارجية العرب في مصر دون الاشارة الي الاحتلال.

وفي ظل هذا الخنوع المتعمّد الذي سبّبه الذعر من بطش الوحش الامريكي يعتمد جون نيغروبونتي الحاكم الحالي للعراق الذي يحمل لقب سفير واشنطن اسلوباً مرناً جديداً سبق له ان مارسه خلال مهماته السابقة في فيتنام وامريكا اللاتينية.

فمنذ ان وصل جون نيغروبونتي الي مركز عمله في بغداد اعتمد اسلوب العمل التالي:

1- عدم الظهور اعلامياً في لقاءاته اليومية مع رئيس الوزراء واعضاء الحكومة والاكتفاء باصدار توجيهاته الي وكلاء الوزارات من الامريكيين حيث لكل وزارة مستشار امريكي يشرف علي عملها ونشاطاتها باستثناء وزارة النفط التي يسيّر الامريكيون اكثر من 90 بالمئة من اعمالها بما فيها عقد الاتفاقيات وتقاضي ثمن النفط.

2- عدم عقد مؤتمرات او ندوات صحافية كما كان يفعل سلفه بريمر وتعمّد غياب شبه كامل عن الواجهة السياسية.

3- التقرب من المرجعيات الدينية الشيعية والسنية وصرف مبالغ سخية لترميم المساجد والمؤسسات الدينية التي دمرها القصف الجوي والبري الامريكي كان اولها ابلاغ السيد السيستاني بتخصيص مبلغ 500 مليون دولار لاعادة بناء الصحن الحيدري وتنظيف المدينة من ركام الدمار مقابل الاستمرار بمعاداة مقتدي الصدر والمطالبة بابعاده من النجف الاشرف مع مؤيديه.

4- توجيه رئيس الوزراء اياد علاوي ووزير دفاعه الشعلان ليكثفا بيانات التهديد والحسم الي كل المقاومين للاحتلال كما حصل خلال معارك النجف والفلوجة وتلعفر وبعقوبة والحلة وغيرها. في الوقت الذي لا يملك فيه علاوي والشعلان اي قوة لتنفيذ تهديداتهما.

5- ابعاد اجهزة الاعلام التي تنقل صوراً واقعية عن حالة المقاومة ضد الاحتلال مثل فضائيتي الجزيرة والعربية ومراسلي بعض الصحف الاجنبية.

6- استغلال مساندة اكثر من 90 بالمئة من اجهزة الاعلام العربية للاحتلال الامريكي للعراق وتشجيع الكتاب والمراسلين العرب للتركيز علي ان الاكثرية العظمي من الضحايا في العراق تتسبب بها عمليات المقاومة ونعتها بالارهاب والتطرف والصاق التهم بافرادها بوجود صلات لهم مع الزرقاوي وبن لادن والظواهري وامثالهم من مخلفات الاختلاق الامريكي.

7- اجبار علاوي علي التعامل مع بعض البعثيين واعادتهم الي مراكز حكومية بهدف تخفيف ضغط المقاومة مستغلة حاجة هؤلاء الي اعالة عائلاتهم وبهدف شقّ جبهات المقاومة التي بدأت تتواصل وتتعارف باتجاه تشكيل جبهة مقاومة موحدة تحارب الاحتلال الامريكي والتغلغل الصهيوني.

8- حل الوحدات المسلحة التي اسندت اليها مهمة استئصال البعث وكان شكلها بول بريمر باقتراح من احمد الجلبي الذي تطوّع انصاره مع هذه الوحدات التي اغتالت اكثر من الفي شخص بينهم حوالي 200 عالم. وامر نيغروبونتي بأن تكتفي اجهزة الامن التي يشرف عليها الامريكيون بمطاردة المسؤولين السابقين بعد تحديد اسمائهم واهميتهم.

9- تنسيق يومي بين نيغروبونتي كحاكم مطلق للعراق والقيادة العسكرية الامريكية التي طُلب منها توجيه ضربات جويّة وقصف مدفعي مباشر لجميع المراكز والمنازل التي يشتبه بها بحجة انها تأوي انصار الزرقاوي وبن لادن.

10- منع الجنود الامريكيين من القيام بدوريات في الشوارع الا ضمن الدبابات والمصفحات والمدرعات وتأمين غطاء جوي لها بواسطة المروحيّات العسكرية.

11- الطلب من واشنطن لرفع مخصصّات دعم الاعلام العربي عدة اضعاف كما اشارت الي ذلك مجلة نيويوركر هذا بعد ان اظهرت النسبة الكبري من هذا الاعلام ميلاً ضد المقاومة العراقية وتحميلها مسؤولية الفوضي واطالة فترة بقاء قوات الاحتلال في العراق التي اصبحت قوات تحالف ... وسوف تتحول فيما بعد الي قوات حليفة للحكام الذين تزرعهم واشنطن.

12- التكتم الشديد علي التغلغل الاسرائيلي داخل العراق ونفي كل الانباء المتعلقة بذلك.

ان الهدوء والتستر وعدم الظهور العلني هي الشعارات الرئيسية لجون نيغروبونتي الحاكم السامي والمطلق لبلاد الرافدين. وقد اشتهر نيغروبونتي خلال مهماته في فيتنام وامريكا اللاتينية بالاناقة والمظهر الديبلوماسي.. ويقال انه اقترح شخصياً علي الرئيس بوش ان يلغي مركز الحاكم المدني او الممثل الاعلي للادارة الامريكية في العراق والاكتفاء بتعيين سفير عادي مثلما للولايات المتحدة في جميع بلدان العالم.

وقد استحسن بوش الفكرة وطلب من نيغروبونتي ان يكون هو شخصياً الحاكم الجديد للعراق متلبساً قفازات وبذلات الدبلوماسية .

والحاكم الجديد احتل جميع الابنية التي كانت تشغلها 23 وزارة عراقية اضافة الي القصر الجمهوري ومباني الامن وفندقي الرشيد والمنصور ليستوعب ستة آلاف موظف معظمهم من الجواسيس والعسكريين المدرّبين في اسرائيل. وسيرتفع عدد موظفي دولة نيغروبونتي مع نهاية العام الجاري الي ثمانية آلاف موظف كما يتوقع ان يستمر ارتفاع جنود الاحتلال الي اكثر من 200 الف بعد ان قررت القيادة الامريكية زيادة شهرية من 1500 جندي اضافة الي البحث الدائم عن المزيد من المرتزقة من دول اوروبا الشرقية تحت عنوان قوات التحالف كما هي الحال مع بولندا وبلغاريا وغيرها من دول الاتحاد السوفييتي السابق المفلسة.

يحاول الحاكم الاستعماري الجديد نيغروبونتي ان يوصل للرأي العام العربي والدولي بأن للعراق رئيسا وحكومة وجيشا وقرار استقلال. ولذلك طلب من الذين عينهم في مواقع المسؤولية ان يكثروا من التصريحات والتهديدات والزيارات الي الخارج.

كما يواصل نيغروبونتي اكمال خطة ابعاد بعض القوي والشخصيات المفضوحة مثل احمد الجلبي واعوانه في خطوات لتخفيف الكراهية تجاه الوجوه الجديدة التي عينها الامريكيون حكاماً ومسؤولين علي العراق.