اذهب إلى المحتوى
محاورات المصريين

الزمن المسيحي الإسلامي..صور ومشاهد ولوحات


أثر الطائر

Recommended Posts

الزمن المسيحي الإسلامي

صور ومشاهد ولوحات

2011-634353112811944268-194.jpg

بسبب أخ لي مات رضيعا كان يمكن لأمي أن تفعل أي شيء حتى تحتفظ بي على قيد الحياة..

كان ذلك في الريف المصري..الريف المصري القديم الذي عرفناه خلال العقدين الأخيرين من القرن العشرين

كان يشيع في الريف هذه الأيام من أجل الاحتفاظ بأطفال مهددين بالموت عادات ربما تكون غريبة علينا هذه الأيام..غريبة جدا..

أتذكر منها مثلا أن المسلمة كانت تسمى ابنها : شنودة أو جورج أو بشاي..إلى آحر الأسماء ذات الطابع المسيحي..حتى تكتب له الحياة

وبالمثل فكانت المرأة المسيحية تسمى ابنها أحمد أو محمود أو عبدالحميد..إلى آخر الأسماء ذات الطابع الإسلامي..أيضا حتى تكتب له الحياة

وبرغم ما في هذه المفارقة العجيبة من تفكير خرافي وطرافة أيضا إلا أنها كانت تعكس عمق ومتانة وتوغل العلاقة بين المسلمين والمسيحيين في مصر وارتفاع ما بينهم من حساسيات..كما أنها تعكس بالطبع رؤية شديدة التسامح والجوهرية والصدق تجاه مفاهيم الدين محللاته ومحظوراته ونواهيه..أسبابا وأحكاما وسياقا

لكن أمي لم تفعل ذلك..

عند أذان الفجر أبتدأت ألام الطلق، وأبتدأ معها اضطراب أبي بطيبته المعهودة، وسريعا ما أرسل من يوقظ "سماعين" سايس الحنطور الوحيد في البلد كي يأتي بالطبيب بسرعة

كان أبي من الناس الذين بدأوا أيامئذ لا يثقون في عمل الداية وجهلها وما تسببه أحيانا من مصائب أثناء الولادات..وسريعا أيضا ما أتى الطبيب

كان مسيحيا مشهورا في بلدنا ونواحيها اسمه "الدكتور جورج"

ومع شروق الشمس حدثت الولادة وتشرف عالمنا لأول مرة بإشراقة وجهي الرضيع

كانت أمي تتابع الحمل لدى الدكتور جورج، وكان الطبيب يعرف مأساتها، وكان جاهزا بما طلبت منه أمي أن يأتي به، وبابتسامة متسامحة وضع يده في جيبه وأخرج صليبا صغيرا من الفضة علقه في رقبتي..

cross(1).jpg

وحملت أنا المسلم صليبا على صدري بعد ثوان فقط من مولدي..

وظللت أحمل الصليب على صدري حتى بلغ عمري الثامنة أو التاسعة

وكان لوجود هذا الصليب على صدري الفضل في تفتح وعيي باكرا جدا على معاني ودلالات وتجليات هذا الفضاء المصري المشترك : الإسلامي/المسيحي

عاينت هذه الوحدة الحقيقية التي صنعتها ثورة 1919 ضد المحتل الإنجليزي وحافظ عليها المجتمع المصري في أعز وأعمق وأمنع مكان في وجدانه

كما عاينت معنى أن تكون مسلما ويكون أخاك مسيحيا دون أن يؤدي ذلك إلا إلى إضافة ما يحتفل به إخوتنا من أعياد دينهم إلى أعياد ديننا..ويضيف إلى من نتوسل شفاعتهم من أولياء من نتوسل شفاعتهم من قديسين..ويضيف إلى ما يحفل به وجداننا من إيمان وحكمة إسلامية..إيمانا وحكمة مسيحية

كما عاينت الوجه الآخر اللإنساني المظلم للتعصب وللفرقة وللإحساس الكاذب بالاختلاف

وأعتصرت قلبي الشائعات المتبادلة والأحقاد المتبادلة والدماء المتبادلة والجفاء الإسلامي والعزلة المسيحية

163493_131697326893131_131531436909720_225150_2686879_s.jpg

وفي هذا العمر أجد وجداني وذاكرتي حافلين بالصور والأحاسيس المتابينة تجاه هذه العلاقة

ما عاينت وجربت..ما قرأت وسمعت..ما أفرحني وأحزنني..ما آلمني واعتصرني وأفقدني الثقة في كل شيء..ما أبهجني وجعلني أستشعر حلاوة انسانيتي..

محصول ضخم بعضه شخصي وبعضه عام..بعضه معاصر وبعضه تاريخي..

محصول أصبحت تنوء به ذاكرتي ويصرخ به وجداني طالبا التخفف منه بالبوح..

هنا سأبوح بكل ذلك أو شيء منه..هو بوح لكنه في نفس الوقت تاريخ

لن ألتزم فيه طريقة معينة في السرد..لا زمنيا ولا موضوعيا

سأقفز من زمن لزمن..من عصر لعصر..من عام لشخصي..من تاريخ لتاريخ

تاريخ فعلا لأن العلاقة المسيحية الإسلامية في مصر أقوى من أن تنحسر في صفحات الكتب أو أدوات الإعلام

إنها علاقة تختلط بدمائنا..بتواريخنا..بوجودنا الشخصي..ووجودنا العام

:clappingrose:

 

رابط هذا التعليق
شارك

في عدم جواز مصافحة المسيحيين

أو تهنئتهم بالعيد

1_490.jpg

1

خلال أعوام التسعينيات أكتسح المصريين - الذين شعروا باستياء شديد واندهاش أشد - سيلا من الفتاوى والتصريحات التي تندرج كلها في خانة "فتاوى وتصريحات الفتنة"..

كان من هذه الفتاوى فتوى صادرة عن أحد "الدعاة"، وكان "الداعية" يعمل في أكاديمية البحث العلمي قبل تفرغه للدعوة والإمامة والخطابة والمحاضرة في بيوت الفنانات المحجبات ثم الظهور أخيرا في برنامج شهير للمذيعة المحجبة "كريمان حمزة"، وهو الدكتور عمر عبدالكافي.

كان واضحا أن الفتاوى لا تمثل لدى صاحبها وجمهوره (سواء جمهور المسجد أو جمهور الكاسيت) أكثر من فتاوى "للاستهلاك المحلي" تدخل في إطار "صناعة النجومية الدينية" و"حسابات الشهرة الإعلامية"، فالفتوى بلغت من الشذوذ والغرابة ما جعلها تردد خلال أيام قليلة على كل الألسنة. وكان من الواضح أن الرجل ليس مقدرا خطورة مثل هذه الفعلة الشنعاء التي تسيئ إساءة بالغة لنسيج الوحدة الوطنية المصرية التي ربطت لقرون بين أبناء الشعب المصري من المسلمين والأقباط، والتي لم يكن أحد يتصور أنها يمكن أن تتعرض لمثل هذا الهجوم الفج والرخيص.

2

في ضوء هذه الحسابات الساذجة الخاصة بالشهرة والانتشار ورواج الكاسيت كان من الممكن لأمر بهذه الخطورة أن يمر لولا أن تنبه لخطورته صحفي شاب شجاع اشتهر قلمه بالنقد الحر الجرئ والصريح وبالبعد التام عن حسابات المجاملة والمصالح الصغيرة، هو الصحفي "إبراهيم عيسى". قام الأستاذ "إبراهيم عيسى" بتفريغ شرائط "الدكتور عمر" ونشرها على الملأ بصحيفة "روزاليوسف" في عدة مقالات مطولة تحت عنوان "حاكموه أو حاكمونا" لتقوم الدنيا ولا تقعد. اتسعت الأصداء وردود الأفعال الغاضبة اتساعا بالغا بحيث يمكننا القول أن الدنيا قامت ولم تقعد وشعرت الجميع بحرج الموقف وحساسيته البالغة وأنه لابد من التوصل إلى إجراء يهدأ ثائرة الرأي العام المصري الغاضب.

3

كان "عبدالكافي" قد حرّم على المسلم ضيافة المسيحي أو مصافحته أو تهنئته بالعيد أو مجاملته في الأعياد والمناسبات الدينية أو زيارة الكنيسة في المناسبات السارة أو الحزينة. وأعقب هذا التحريم القاطع بقوله : "وإذا لم يكن من الأمر بد فلا تقل له السلام عليكم بل "جود مورننج" أو "بونجور" والأفضل أن "تتوهه" بالسؤال عن اعتلال صحته ولماذا هو أصفر الوجه هكذا.."!!

كانت الفتوى شديدة الجرأة والتدني، الأمر الذي دفع بإبراهيم عيسى إلى الدعوة إلى محاكمته وهو ما لم يقع بالفعل..

4

في مناسبة عيد القيامة، وكان مكتب قداسة البابا "شنودة الثالث" بالمقر البابوي مزدحما بالشخصيات العامة المهنئة بالعيد، لمعت كاميرات المصورين لدخول وزير الأوقاف آنذاك "محمد علي محجوب" بصحبة شخص أثار حضوره إندهاش الجميع، لم يكن الشخص الذي جاء بصحبة الوزير سوى الدكتور عبدالكافي الذي حرم على المسلم دخول أية كنيسة، وكانت المناسبة هي "عيد القيامة" وهو العيد الذي حدده "عبدالكافي" ليكون مثالا لمقاطعة المسلم للمسيحي حتى لا يكفر.

5

تقدم الوزير من البابا فاتحا ذراعيه ومهنئا بالعيد، وقبل أن ينتحي جانبا قدّم الرجل الذي جاء صحبته إلى البابا : د.عمر عبدالكافي يا صاحب القداسة. فتقدم د.عمر مصافحا وهو يردد : كل عام وأنتم طيبون، بارك الله فيكم، كل عام وأنتم طيبون، عيد سعيد بإذن الله، شكرا لكم (يقصد على استقباله).

كانت عدسات التصوير في حركة لا تنقطع حتى أشار البابا للوزير أن يجلس على يمينه ولعمر عبدالكافي أن يجلس على يساره. حينئذ بدأ الوزير كلامه بأن أشاد بحرارة وحماس بوطنية الأنبا شنودة والكنيسة القبطية والأخوة التاريخية الراسخة بين الأقباط والمسلمين على أرض مصر منذ أربعة عشر قرنا، وأضاف:

"إن أبناء الدينين السماويين هم أبناء أب واحد وأم واحدة هي أرض مصر وسماءها".

أنصت البابا شنودة باهتمام ، وكان يهز رأسه هزات خفيفة كل حين مؤمنا على كلمات الوزير بينما كان "عمر عبدالكافي" يهز رأسه مستمعا وهو يردد بين الحين والآخر : هذا صحيح، هذا حق، لم تقل سوى الصدق.

وعندما أنتهى الوزير أضاف عبدالكافي وكان يتكلم وهو ينظر إلى أسفل :

"لعن الله من أصاب أرض الكنانة بسوء، ملعون في الأرض وفي السماء، كل من يظن بمصر السوء يستحق اللعنة سواء تطرف في القول أو الفعل، نحن أمة وسط في الدين والدنيا، هكذا يقول الإسلام وهكذا تقول مصر على طول تاريخها، الاعتدال جوهر حياتنا ومن ينحرف عن هذا الجوهر فهو ينحرف عن دينه ودنياه."

حينئذ قال الوزير:

"نعم يا دكتور عمر، هذا هو الكلام، أليس كذلك يا قداسة البابا؟"

فابتسم البابا شنودة مرحبا :

"أهلا وسهلا، أنتم شرفتم، يا أهلا وسهلا".

قال عمر عبدالكافي :

"شكرا لك وللسيد الوزير على إتاحة هذه الفرصة التي تمنيتها كثيرا وطويلا، فالإسلام كرم عيسى عليه السلام ولم يذكر القرآن من النساء سوى مريم في تبجيل وتوقير وأوصى دائما بأهل الكتاب، لهم مالنا وعليهم ما علينا دون فرقة أو تمييز، وهذه مصر بلادنا معا لا فضل فيها لأحد إلا بقدر ما يعطي لدينه ووطنه، والعطاء لا يكون إلا خيرا، وليس خيرا للفرد وحده بل للناس جميعا في دنياهم وآخرتهم..."

عند هذا الحد قاطعه الوزير قائلا :

"جميل يا دكتور عمر ونرجو ألا نكون قد أثقلنا على قداسة البابا."

علق البابا شنودة قائلا :

"في الإنجيل آية تقول "كل ما يعمل، يعمل للخير للذين يحبون الله أما الشر فمصيره الزوال ولأصحابه الدينونة" ومن يسئ إلى مصر فقد أساء إلى الله"

وكان هذا هو كل ما علّق به قداسة البابا شنودة. قبل أن ينهض الوزير والدكتور مصافحين مهنئين من جديد وخرجا تلاحقهما أضواء وعدسات التصوير.

.

.

بعد سرد هذه الواقعة التاريخية التي سجلتها عدسات التصوير وصفحات الصحف والمجلات كان لابد أن يسدل الستار وأن توضع كلمة "النهاية"..لكن السؤال : هل للفتن من نهاية؟!!

لماذا نتذكر هذه الحكاية يا ترى؟

لأن الكثيرين اليوم أصبحوا يجهلون السبل والوسائل والأدوات..وكذلك الرموز والأشخاص..الذين ساهموا لعقود طويلة في تدهور العلاقة بين المسلمين والأقباط..

البعض منا يصدمه ما حدث ويحدث..ولا يدري كيف ساءت هذه العلاقة..وقد يظلم من لا يدري كيف شعب مصر أو يتهمه في غياب الحقائق اتهامات باطلة..

نتذكر هذه الحكاية أيضا..لأننا لو لم نعرف بكل دقة كيف حدث الخطأ فإننا سنفتقد بكل تأكيد الطريق إلى تصحيحه..أليس كذلك؟

:clappingrose:

 

رابط هذا التعليق
شارك

انشئ حساب جديد أو قم بتسجيل دخولك لتتمكن من إضافة تعليق جديد

يجب ان تكون عضوا لدينا لتتمكن من التعليق

انشئ حساب جديد

سجل حسابك الجديد لدينا في الموقع بمنتهي السهوله .

سجل حساب جديد

تسجيل دخول

هل تمتلك حساب بالفعل؟ سجل دخولك من هنا.

سجل دخولك الان
  • المتواجدون الآن   0 أعضاء متواجدين الان

    • لا يوجد أعضاء مسجلون يتصفحون هذه الصفحة
  • الموضوعات المشابهه

×
×
  • أضف...