اذهب إلى المحتوى
محاورات المصريين

سلسلة مقالات الطريق الى ميدان التحرير


Recommended Posts

منذ فترة وانا متابع لسلسة تقارير على موقع الجزيرة نت الاخباري يتولى بالتحليل الأسباب التي أدت لثورة 25 يناير فى مصر تحت اسم ( الطريق الى ميدان التحرير ) وتتكون من عدة اجزاء وان شاء الله سانقلها جزءا تلو الاخر

تضمنت هذه التقارير تحليلا عميقا لدوافع الثورة المصرية

والمحلل يرى أن محفزات الثورة المصرية لم تكن فقط بسبب احداث العشر سنوات الاخيرة وما صاحبها من تزواج للمال مع السلطة

ولكن المفاجاة ان التقرير يرى ان أحداث عام 1990 وإحتلال العراق للكويت كانت هى نقطة التحول المفصلية فى مصر والتي مهدت الاجواء لثورة الغضب المصرية ( 25 يناير ) كما يتطرق لامور كثيرة اخرى بما يجعله تأريخ لمصر قبل الثورة اكثر منه تحليلا .

ولنبدأ فى عرض التقرير :

الطريق الى ميدان التحرير - الجزء الاول باسم (جمر الغضب.. تحديات اقتصادية وأمنية)

إنه العام 1990. مصر تحت حكم الرئيس المخلوع محمد حسني مبارك تعيش حالة اضطراب بالغ، النظام الاقتصادي الموجه الذي بناه الرئيس الراحل جمال عبد الناصر، يتهاوي: المصارف تعاني شبه انهيار ومعدلات التضخم تقترب من 20%، والمصريون يلوذون بالدولار الأميركي لحفظ مدخراتهم بعدما انهار الجنيه في الأسواق العالمية.

وفوق هذا وجد مبارك نفسه في مواجهة تبعات ارتفاع أسعار النفط التي ألقت بظلال كثيفة على صادرات البلاد، فضلا عن تقلص تحويلات المصريين العاملين في الخليج.

ليس هذا فقط، بل غرقت مصر في ذاك العام في موجة عنف دموية جراء تصاعد هجمات الجماعات المسلحة، فاغتيل رفعت المحجوب رئيس مجلس الشعب المصري ووقع هجومان داميان ضد سياح أجانب، الأول بين القاهرة والإسماعيلية والآخر على الحدود المصرية الإسرائيلية قرب إيلات، ما أثار شكوكا متعاظمة في قدرة وكفاءة أجهزة أمن الدولة، وتسبب في انخفاض حاد في عائدات السياحة.

وما إن أطل القرن الحادي والعشرين برأسه، حتى بدا الاقتصاد المصري في شبه انهيار وهو الذي يعاني من ترهل القطاع العام والمعتمد على الإعانات الخارجية والغارق في البيروقراطية.

الثورة -كما يقال كثيرا- تبدو مستحيلة قبل أن تقع، تماماً كما يبدو لا مفر منها بمجرّد أن تنفجر. لكن بالنسبة لثوار مصر الذين أوقدوا فتيل ثورة 25 يناير، كانت نقطة التحول ضربا من المستحيل أو معجزة كما وصفها الروائي المصري علاء الأسواني في مقدمة كتابه الأخير (عن الدولة المصرية).

غير أن الحقبة الواقعة بين المستحيل والمحتوم في التاريخ المصري هي حقبة واقعية، يختلط فيها الفعل البشري بالتدخل الإلهي. هذه الحقبة التي دشنت نذر سقوط مبارك، بدأت بالأزمة الاقتصادية عام 1990.

بدا أن غزو الرئيس صدام حسين للكويت في أغسطس/آب في العام ذاته فرصة لحل المشكلات المالية والاقتصادية التي يعاني منها الرئيس المصري. ففي مقابل الدعم الدبلوماسي والعسكري الذي قدمه لقوات التحالف بقيادة الولايات المتحدة لإنهاء الغزو العراقي، حصلت مصر على "سلة من المكافآت الاقتصادية" كما ذكر بروس روثرفورد، الأستاذ المساعد في قسم العلوم السياسية بجامعة كولغيت في كتابه: مصر بعد مبارك: الليبرالية والإسلام والديمقراطية في العالم العربي.

في مقابل ذلك أعفيت مصر من قروضها وديونها للولايات المتحدة ولنادي باريس -وهو مجموعة غير رسمية من الدائنين من القطاع الخاص من 19 من كبرى اقتصاديات العالم، 12 منها شاركت في الغزو الأميركي للعراق-، وانهالت على مصر مساعدات اقتصادية طارئة بنحو 15 مليار دولار أميركي.

وبدا أن مبارك لعب أوراقه آنذاك على أفضل وجه ممكن.

ومع أن المساعدات لعبت دوراً حاسماً في إحياء القطاع المصرفي المتعثر وتحقيق استقرار الاقتصاد المصري، إلا أنها حملت في طياتها بذور فناء نظام مبارك في نهاية المطاف.

القروض التي ربطت بشروط برنامج إعادة الهيكلة بناء على طلب صندوق النقد الدولي، أجبرت مبارك على تقليص الإعانات الحكومية وتحرير أسعار الفائدة وتنفيذ برنامج خصخصة قاس.

وحسب رأي دينا شحاتة -وهي باحثة في مركز الأهرام للدراسات السياسية والإستراتيجية- فقد تخلى مبارك عن "صيغة عبد الناصر" وهو وعد من الزعيم الراحل جمال عبد الناصر للمصرين بأن يوفر لهم الخدمات الاجتماعية والوظائف والإعانات والتعليم والرعاية الصحية مقابل احتكاره الحياة السياسية.

غير أن كل هذا لا ينفي ولا يقلل من أهمية الأحداث والتجاوزات التي سبقت ثورة 25 يناير مثل التزوير الفاضح للانتخابات البرلمانية عام 2010 ومقتل خالد سعيد، الشاب الذي ضرب حتى الموت على أيدي ضباط الأمن والذي جُعل اسمه عنوانا لصفحة "فيسبوك" التي فجرت الثورة. فضلا عن توق المصريين وتطلعهم إلى نيل حقوقهم غير المادية كالحرية والكرامة والعدالة الاجتماعية وهي عوامل ألهبت حماسهم وجعلتهم يبذلون حياتهم رخيصة في سبيل تغيير النظام.

لكن التدهور التدريجي للأوضاع الاقتصادية في مصر طيلة عقد تسعينيات القرن الماضي ومطلع الألفية الجديدة وما رافق ذلك من تصاعد الحركة العمالية المستقلة -التي لعبت دوراً مهماً إن لم يكن حاسماً في الثورة المصرية- يشير إلى أن قراءة مطوّلة للتاريخ قد تكشف الأسباب الكامنة وراء سقوط مبارك بعد حكم دام ثلاثة عقود تقريبا.

وفي النهاية، وكما قال روبرت زارتسكي أستاذ التاريخ في جامعة هيوستن، في مقالة له بمجلة "فورين أفيرز" العريقة: "الأهرامات تنهار ببطء"، ولعلّ ذلك ما حدث مع الرجل الذي قال عنه كثير من المصرين على سبيل النكتة إنه سيبني يوما ما هرماً خاصاً به.

في الحلقة المقبلة سنتبين كيف أن برنامج الخصخصة المصري حقق نموا دون تنمية يجني حصادها عوام الشعب.

22a6e3c5-9edb-4f2a-8ffd-d5374f952097.jpg

رابط هذا التعليق
شارك

الطريق الى ميدان التحرير - الجزء الثاني باسم (الخصخصة.. نمو بلا تنمية)

النصائح الاقتصادية المدمرة التي قدمها صندوق النقد الدولي لنظام مبارك، ونشوء "رأسمالية المحسوبية" جراء ذلك هي التي أوقدت جذوة غضب المصريين وفجرت ثورة يناير لاحقا.

الخصخصة.. "نمو بلا تنمية"

في ميزان الاقتصاد الكلي (macroeconomics)، حقق برنامج تحرير الاقتصاد الذي طبقته الحكومة المصرية نجاحاً باهرا، فالاقتصاد التي انكمش بنسبة 2% عام 1990، نما بنسبة كبيرة بلغت 5% عام 1996، والتضخم الذي كان بحدود 20% في أواخر ثمانينيات القرن الماضي تراجع إلى مستوى 7%، وثقة المستثمرين التي تردت بصورة خطيرة، استعادها الاقتصاد بصورة كبيرة.

لم تمضِ سوى عشر سنوات حتى منح صندوق النقد الدولي مصر لقب "أفضل دولة في الإصلاح الاقتصادي"، بعدما سجل إجمالي ناتجها المحلي الإجمالي نموا بنسبة 7% عام 2007.

ووفقاً لتقرير صندوق النقد الدولي لنفس العام، "فقد شهد الاقتصاد المصري عاماً آخر من الأداء المبهر مدعوماً بإصلاحات مستدامة وإدارة اقتصادية حصيفة وبيئة استثمارية مواتية". كما كال التقرير المديح "للحكومة الإصلاحية" لتنفيذها خطة الإصلاحات رغم تذمر الطبقات الفقيرة الوسطى من الارتفاعات الكبيرة في أسعار المواد الغذائية، وتزايد مشاعر الإحباط تجاه إصلاحات تحقق "نموا بلا تنمية".

قصة "النمو بلا تنمية" هي كل شيء بالنسبة لغالبية المصريين. فأرقام النمو هذه -التي أثارت إعجاب صندوق النقد الدولي- كانت بالنسبة للمصريين بكل بساطة موجات متعاقبة من تسريح العمال، وخفض الأجور، وإحالات بالجملة على التقاعد المبكر، ووقف الدعم الحكومي للسلع الاستهلاكية.

والحقيقة أن برنامج الإصلاح الاقتصادي في مصر ترك آثارا عميقة على سوق الوظائف والطبقة العاملة.

وحسب أستاذ تاريخ الشرق الأوسط في جامعة ستانفورد جويل بينين، فإن شركة صناعة البيرة المحلية (ستلا) وشركة كوكا كولا هما الشركتان الوحيدتان اللتان شهدتها نموا في عدد الوظائف في إطار برنامج الخصخصة.

وقد وصف الخبير الاقتصادي يسار جرار هذا الواقع -خلال مداخلة له في مؤتمر للبنك الدولي عُقد مؤخراً حول واقع الاستثمار في أعقاب الربيع العربي- بعبارة طريفة قائلا "عليك أن تكون مواطنا كليا (macro-citizen) لتستفيد من الخصخصة". (قياسا على الاقتصاد الكلي الذي استفاد من الخصخصة فقط.(

وقد كان انضمام مصر لمنظمة التجارة العالمية عام 1995 أيضا وبالا على الطبقة العاملة، لأن تقليص التعرفات الجمركية والقيود على السلع الأجنبية، قلص قدرة الدولة على حماية القطاعات التي توظف أعدادا كبيرة من المصريين. فصناعة الغزل والنسيج -التي تعود جذورها إلى عصر الفراعنة- تضررت بصورة كبيرة بعدما غزت المنتجات الصينية والآسيوية السوق المصرية مستفيدة من خفض الجمارك والقيود على دخولها.

هل كان هذا مفاجئا؟ لا. لقد صدرت تحذيرات مسبقة من الآثار الاجتماعية العميقة لتحرير التجارة على الطبقة العاملة في مصر، فتقرير الوكالة الأميركية للتنمية الدولية الصادر عام 2004 توقع أن يفقد 22185 مصريا وظائفهم في صناعة الغزل، وأن تخسر هذه الصناعة نحو 204 ملايين دولار من حصة صادراتها، وهو رقم يمثل 4% من قيمة الصادرات غير النفطية لمصر.

إذن من حصد ثمار تحرير الاقتصاد والانضمام لمنظمة التجارة العالمية؟ إنها مجموعة من الشركات التي تملكها فئة صغيرة من المستثمرين ورجال الأعمال المقربين من نظام مبارك، والعاملة بصورة رئيسية في قطاعات البناء والاستيراد والتصدير والسياحة والعقارات، والمواد الغذائية والمشروبات والسلع الاستهلاكية باهظة الثمن التي لا يقدر غالبية المصرين على شرائها، وذلك وفقاً لما يقوله عالم الاقتصاد السياسي في جامعة كولومبيا تيم ميتشل.

ويضيف ميتشل -في التقرير الخاص بالشرق الأوسط عام 1999- قائلا: "برنامج الخصخصة خلق طبقة جديدة من الأثرياء لكنها طبقة صغيرة الحجم. الدولة توقفت عن دعم قطاعات الزراعة والصناعة والتدريب وبرامج توفير التوظيف، وأصبحت تمول رجال الأعمال بدل المصانع، والمضاربين بدل المدارس".

في الحلقة المقبلة نتعرف على كيفية انهيار "ديمقراطية الخبز" التي ابتدعها مبارك، وقايض بها حقوق المصريين المادية بحقوقهم السياسية.

22a6e3c5-9edb-4f2a-8ffd-d5374f952097.jpg

رابط هذا التعليق
شارك

الطريق الى ميدان التحرير - الجزء الثالث باسم ( ديموقراطية الخبز )

"ديمقراطية الخبز"

ومع تقدم خطة صندوق النقد الدولي للخصخصة، سنت الحكومة المصرية قوانين لتخفيف تبعات برامج تحرير الاقتصاد على الطبقة العاملة، لكن تلك القوانين لم تجد في أغلب الأحيان طريقها نحو التطبيق بسبب "غياب الإرادة السياسية" حسب رأي بروس روثرفورد، أستاذ العلوم السياسية بجامعة كولجيت ومؤلف كتاب مصر بعد مبارك: الليبرالية والإسلام والديمقراطية في العالم العربي.

والنتيجة كما يضيف روثرفورد أن "عشرات آلاف المصريين فقدوا وظائفهم وأصبحوا غير قادرين على الحصول على مساكن مدعومة من الحكومة".

وفي الوقت ذاته، فقد أدى الوقف شبه التام للدعم الحكومي عن جميع القطاعات بموجب برنامج إعادة الهيكلة الذي فرضه صندوق النقد الدولي، أدى إلى مزيد من التآكل في "صيغة عبد الناصر" وفاقم من محنة الطبقة العاملة المصرية. ومع أن الدعم المقدم للخبز لم يرفع بسبب إدراك الحكومة لتبعات ذلك وهي التي لا تزال تذكر الثورة التي كادت تتفجر عام 1977 لما حاول أنور السادات إلغاء الدعم عن هذه السلعة الأساسية فقد تقلص عدد السلع المدعومة حكوميا من 18 إلى أربع فقط (الخبز والطحين والسكر وزيت الطهي) وفقا لروثرفورد.

غير أن الإبقاء على دعم الخبز لم يكن كافياً لمنع انهيار "ديمقراطية الخبز", حسب تعبير الباحث التونسي العربي الصادقي، التي ابتكرها مبارك.

وعندما ارتفعت أسعار الحبوب في الأسواق العالمية بين عامي 2007 و2008، ارتفع سعر الخبز في المخابز الخاصة بمعدل خمسة أضعاف، فكان أن أصبح كثير من المصريين غير المعتمدين أصلا على دعم الدولة، غير قادرين على تحمل نفقات طعامهم.

وقد حدث أن قتل عدد من الأشخاص وهم مصطفون في طوابير الخبز، وبدت البلاد على فوهة بركان، ثم ما لبثت أن اندلعت ما تعرف "بانتفاضة الخبر" ووقعت أعمال شغب واسعة، ولم تتوقف إلا بعد أن أعلنت الدولة وضع إنتاج الخبر وتوزيعه تحت إشراف السلطات. وفي أعقاب أعمال الشغب تلك، تحول الخبز إلى "رمز للتحدي" وفقا للصحفية آنيا سيزالدو، وغدا يمثل نكوص الحكومة عن وعدها مقياسا للهوة بين آمال الناس وواقعهم المعيش.

أرقام البنك الدولي

أرقام البنك الدولي ترسم صورة مثيرة للواقع: ما بين العامين 2000 و2008 (حيث لا تتوفر إحصائيات عدا عن هذه الفترة) ارتفعت نسب الفقر في المناطق الحضرية والريفية، بحيث صعدت المعدلات الحضرية من 22.1% إلى 30%. أما معدل البطالة حسب التقديرات الرسمية (والذي غالبا ما يكون أقل من المعدل الحقيقي) فقد ارتفع من 8.9% إلى 9.2% خلال الفترة نفسها، مع أنه وصل 11.4% عام 2005.

وإذا ما ألقينا نظرة فاحصة على الفترة من عام 1990 وحتى عام 2008 فسنكتشف ارتفاعا موازيا في معدلات البطالة بنسبة قدرها 1.%. بينما نجد أن زيادة الدخل في نفس الفترة انحصرت في فئة صغيرة وضيقة لم تتجاوز 10% وهي الطبقة الثرية في المجتمع المصري، أما الفئة الأضيق والبالغة نسبتها 1% فقد تحولت إلى حيتان تستحوذ على موارد طائلة.

وكما يقول أسامة حسنين -أستاذ إدارة الأعمال في الجامعة الأميركية في القاهرة- فقد انتهى الأمر إلى أن نحو مائتي عائلة فقط تستحوذ على 90% من ثروة بلد يقطنه ثمانون مليون إنسان ويبلغ إجمالي ناتجه المحلي السنوي نحو خمسمائة مليار دولار أميركي.

وبينما كان الأثرياء في مصر يزدادون ثراءً والفقراء يزدادون فقراً، بدأ شيء جديد في الظهور من رحم هذه الفوضى. ما هو هذا الشئ؟ في الحلقة المقبلة سنعرض لذلك.

22a6e3c5-9edb-4f2a-8ffd-d5374f952097.jpg

رابط هذا التعليق
شارك

الطريق الى ميدان التحرير - الجزء الرابع باسم ( الحركة العمالية تكشر عن أنيابها )

بدا واضحا أن الطبقة الوسطى تتآكل في مصر، فيما أزمة الطبقة الفقيرة تتعمق ويتعمق معها شرخ اجتماعي ينبئ بانفجار وشيك؛ الحركة العمالية ستقود هذا الانفجار.

اشتعلت الحركة العمالية كما تشتعل النار في الهشيم. فبين عامي 1998 و2011، شهدت مصر 3500 احتجاج وإضراب عمالي بمشاركة أكثر من مليوني شخص. وقد وقعت معظم هذه الاحتجاجات بعد عام 2004، حينما تشكّلت حكومة جديدة عُرفت باسم "حكومة رجال الأعمال".

وبضغوط مباشرة من جمال مبارك -نجل الرئيس المخلوع حسني مبارك، والرئيس غير المتوج كما أطلقت عليه الصحافة المصرية- وعدد من شركائه من رجال الأعمال، مثل حوت صناعة الصلب أحمد عز، والاقتصادي حسام بدراوي، ومحمود محيي الدين، تسارعت وتيرة الخصخصة بصورة غير مسبوقة.

ووفقا لما أشار إليه أستاذ تاريخ الشرق الأوسط في جامعة ستانفورد الأميركية جويل بنين، في مقابلة أجراها معه مؤخرا مركز ستانفورد للدراسات الإنسانية، بلغ حجم أصول الدولة التي أقدمت الحكومة الجديدة على بيعها في العام الأول من تنصيبها، أكثر مما جرى بيعه في السنوات العشر السابقة. وهو ما ترتب عليه ارتفاع كبير في عدد الإضرابات والاعتصامات والاحتجاجات العمالية في الفترة ما بعد منتصف عام 2004، وفقا لبنين.

وقد رفعت معظم هذه الاحتجاجات شعارات تطالب برفع سقف الأجور، ووقف موجات تسريح العمال التي غالبا ما كانت تتم بصورة غير قانونية عقب كل عملية خصخصة. فعلى سبيل المثال، احتجاجات العمال في مصنع قليوب للغزل وقعت عام 2005 بعدما سرت تكهنات بأن بيع المصنع لمستثمر خاص ستعقبه موجة تسريحات وتخفيضات كبيرة في الأجور، وهي تكهنات تبدو مبررة بالنظر إلى سجل شركة إسكو المالكة للمصنع، التي سرحت كثيرا من عمالها في عمليات خصخصة سابقة.

وفقا لبيانات وردت في "تقرير الشرق الأوسط" الذي أعده بنين ونشره في عام 2005، فقد جرى تسريح آلاف العاملين في شركات إسكو الست التي جرت خصخصتها قبل بيع مصنع قليوب للغزل، فانخفض العدد الإجمالي للعاملين في هذه الشركات من حوالي 24 ألف موظف في عام 1980 إلى ثلاثة آلاف وخمسمائة موظف فقط في عام 2000.

وقد شهد عام 2007 مزيدا من الإضرابات والاعتصامات في مصنع المنصورة إسبانيا للغزل والنسيج في الدقهلية شرق القاهرة، ووقع المزيد من هذه الإضرابات والاعتصامات في الأعوام 2006 و2007 و2008 في شركة مصر للغزل والنسيج في مدينة المحلة الكبرى.

ولم تقتصر الاضطرابات والقلاقل العمالية على قطاع الغزل والنسيج، إذ نظم المراقبون الجويون ومهندسو السكك الحديدية وعمال النفط والغاز إضرابات في أوقات مختلفة على مدار العقد المنصرم.

وبحلول عشية الثورة، غدت الاضطرابات العمالية طقسا شائعا جدا، لدرجة أن حرم الجامعة الأميركية في القاهرة شهد إضرابا للعاملين في الجامعة في أكثر من مناسبة.

وبالتالي، يجد المراقب أن ثورة يناير جاءت كتطور طبيعي لأمور أكثر منها قطيعة حاسمة مع الماضي. وكما يقول خالد الخميسي مؤلف رواية "تاكسي حواديت المشاوير" ، وهي إحدى الروايات الأكثر مبيعا، "ثمة استمرارية بين تلك الإضرابات التي شهدها العقد الماضي وبين ثورة يناير 2011".

في الحلقة المقبلة نتوقف عند المشهد المصري المتفجر قبيل النزول إلى ميدان التحرير.

تم تعديل بواسطة ابراهيم عبد العزيز

22a6e3c5-9edb-4f2a-8ffd-d5374f952097.jpg

رابط هذا التعليق
شارك

الطريق الى ميدان التحرير - الجزء الخامس باسم ( قبيل النزول الى ميدان التحرير )

بطبيعة الحال، كان من المستحيل تتبع الخيط الواصل بين الحركة الاحتجاجية العمالية المتدرجة وقرار شباب الثورة تنظيم احتجاجات واسعة في عيد الشرطة يوم 25 يناير/ كانون الثاني 2011. حتى أن أحمد ماهر، وهو أحد مؤسسي حركة شباب 6 أبريل، شكك في مقولة أن العمال لعبوا دوراً كبيراً في الثورة التي أطاحت بنظام مبارك.

غير أن مسوغات تأسيس شباب 6 أبريل (وهي حركة احتجاجية شارك فيه عشرات آلاف الطلاب والمصريين العاطلين عن العمل وعمال الغزل والنسيج بالمحلة الكبرى) تشير إلى عكس ذلك.

وكما يقول طارق مسعود، أستاذ السياسة العامة بكلية كنيدي للدراسات الحكومية بجامعة هارفارد الذي كتب مؤخراً بصحيفة جورنال أوف ديموكراسي "تكمن عبقرية حركة شباب 6 أبريل في أنها تمكنت من شحذ الطاقة الثورية المكتشفة حديثاً للعمال ووضعها في سياق التحرك الوطني من أجل الديمقراطية".

في ميدان التحرير، أخذت تلك الطاقة شكل شعارات ربطت المطالب السياسية بالمطالب الأساسية التي رفعها العمال خلال الاحتجاجات المتكررة على مدار العقد المنصرم. وقد بدا ذلك واضحا في هتافاتهم "همه بياكلوا حمام وفراخ واحنا الفول دوّخنا وداخ"، "يا للعار يا للعار، العشرة جنيه ما تجيبش خيار".

إن التدقيق في المطالب الأساسية لشباب الثورة يظهر وجود صلة وثيقة بين نشطاء جيل فيسبوك وبين أسلافهم من المفكرين.

فبالإضافة إلى المطالبة بإقالة وزير الداخلية حبيب العادلي، ورفع حالة الطوارئ، ووضع سقف لعدد ولايات الرئيس، رفع منظمو الاحتجاجات مطلبا رابعا: تطبيق قانون الحد الأدني للأجور والتي كانت حتى يناير/ كانون الثاني الماضي لا تزيد على 118 جنيها شهريا أي ما يعادل عشرين دولارا أميركيا، وهو ذات المطلب الذي لطالما ردده العمال مرارا وتكرارا في احتجاجاتهم طيلة العقدين الماضيين.

لقد لعب العمال دوراً مباشراً في إسقاط نظام مبارك، وقد بدا ذلك جليا في عناوين كل من صحيفة نيويورك تايمز وموقع "إن بي آر" وصحيفة الأهرام القاهرية المملوكة للدولة، بالأيام الثلاثة التي سبقت الإطاحة بمبارك "التحركات العمالية توقد جذوة الاحتجاجات"، "الإضرابات العمالية تعزز الضغوط على نظام مبارك"، "عمال مصر ينضمون إلى الثورة".

وفي حين شارك آلاف العمال في الثورة بشكل فردي، فإن قرارهم البدء في إضرابات منظمة يومي 9 و10 فبراير/ شباط عجل بنهاية مبارك وسقوط نظام حكمه.

ومع ذلك فإن الاضطرابات العمالية التي ولدت من رحم عقود من المعاناة الاقتصادية وبسبب برنامج إعادة الهيكلة الذي انطلق عام 1990، لم تكن العامل الوحيد في تحديد نتيجة الثورة، فسياسات الانفتاح الاقتصادي تلك وضعت نظام مبارك أيضا في صدام مع المؤسسة العسكرية (الجيش).

كيف كان الجيش ضحية أخرى من جراء سياسات تحرير الاقتصاد المصري؟ وكم تبلغ حصته من إجمالي الناتج المحلي؟ وما هي الامتيازات والمنافع الاقتصادية التي يحظى بها قادة وضباط الجيش؟ كل ذلك سنتطرق إليه في الحلقة المقبلة.

22a6e3c5-9edb-4f2a-8ffd-d5374f952097.jpg

رابط هذا التعليق
شارك

الطريق الى ميدان التحرير - الجزء السادس باسم ( الجيش يرقب عن كثب )

بالنسبة لمن هم خارج المؤسسة العسكرية، ثمة هالة من الغموض تحيط بالجيش المصري الذي حافظ على علاقات وثيقة مع مؤسسة الرئاسة منذ ثورة 1952 التي قادها الرئيس الراحل جمال عبد الناصر. ثمة تقليد راسخ يبقي المعاملات المالية للقوات المسلحة في منأى عن أعين العامة والبرلمان.

يقول بروس روثرفورد، الأستاذ المساعد بقسم العلوم السياسية بجامعة كولغيت "ما نعرفه عن الجيش المصري ضحل للغاية". لكنه يضيف أنه من المعروف برغم ذلك أنه يسيطر على شطر كبير من الاقتصاد القومي. وتشير تقديرات إلى أنه يدير إمبراطورية اقتصادية تضم عشرات الفنادق والمنتجعات والمصانع بما يمثل ما قد يصل إلى 40% من إجمالي الناتج المحلي الإجمالي.

ولما كان الجيش يملك عددا من شركات القطاع العام التي تحظى بمزايا استثنائية تعطيه قدرة تنافسية، كالإعفاءات الضريبية واعتماده على عمالة من بين صفوفه، فإن سياسات تحرير الاقتصاد بدت مصادمة لمصالحه.

يضيف روثرفورد "إن فتح السوق المصرية أمام المنتجين من الخارج، يعني تضاؤل حصته منها لصالح المنتجات القادمة من آسيا وجنوب آسيا والتي لا يستطيع منافستها".

ومن هنا ليس مستغربا أن تشير برقية صادرة عن السفارة الأميركية بالقاهرة عام 2008 ونشرت على موقع ويكيليكس إلى ذلك قائلة "إننا نرى أن دور الجيش في الاقتصاد كقوة تعوق الإصلاحات الاقتصادية عبر زيادة تدخل الدولة المباشر في الأسواق.. ويتفق معظم المحللين على أن الجيش يعتبر برامج الخصخصة الحكومية تهديدا لمصالحه الاقتصادية، وهو بالتالي يعارض الإصلاحات الاقتصادية بالجملة".

ولقد أثارت العلاقة الوثيقة التي جمعت نظام مبارك بأباطرة العقارات حفيظة كبار الجنرالات الذين "رأوا في سياسة بيع الأراضي لشركات التطوير العقاري بأسعار بخسة تهديدا لمصالحهم" وفقا لطارق مسعود من جامعة هارفارد. ولكونه أكبر جهة لتطوير الأراضي في مصر، واجه الجيش منافسة متزايدة من طبقة رجال الأعمال الجدد مثل هشام طلعت مصطفى المدان بقتل المغنية اللبنانية سوزان تميم، والذي أثرى ثراءً فاحشاً نتيجة التوسع السريع الذي شهدته العاصمة المصرية.

جمال مبارك

وبينما كانت إجراءات تحرير الاقتصاد والمحسوبية تقوض مصالح الجيش الاقتصادية، بدا أن جمال مبارك يستعد لخلافة والده في الحكم.

ففي عام 2002، أصبح مبارك الابن أمين عام لجنة السياسات بالحزب الوطني الحاكم آنذاك، ثم ما لبث أن ارتقى عام 2006 لمنصب نائب الأمين العام للحزب، وهو المنصب الذي دفع كثيرين للتكهن بأنه سينتهي به في سدة الرئاسة قريبا.

وبصفته القوة الدافعة وراء تشكيل "حكومة رجال الأعمال" ووراء الكثير من الإصلاحات التي تصب في مصلحة النخبة الاقتصادية من أصدقائه ومقربيه، بدا جمال خصما للمؤسسة العسكرية بحكم انعدام ولائه لها وتبنيه أيديولوجيا مناقضة لها.

ولأنه مصرفي يؤمن بنظام اقتصاد السوق غير الموجه، فإن سياساته ستستمر في نخر مصالح الجيش الاقتصادية، ومرشح لأن يكون أول رئيس مدني لمصر (من خارج مؤسسة الجيش) فإنه سيعمل على إقصاء الجيش عن مؤسسة الرئاسة بكل ما أوتي من قوة.

وقد عبر عن هذا الاستنتاج ستيفين كوك الباحث بشؤون الشرق الأوسط بمجلس العلاقات الخارجية ومؤلف الكتاب الذي سيصدر قريباً (النضال من أجل مصر.. من جمال عبد الناصر إلى ميدان التحرير) قائلا "قبل الثورة ساد انطباع بأن الجيش غير مرتاح كثيرا لفكرة توريث الحكم لمبارك الابن. أما الآن، تجدهم يتحدثون صراحة عن معارضتهم لها".

ظل جمال متحمساً لمشروع تحرير الاقتصاد، وقال في المؤتمر السنوي للحزب الحاكم الذي عقد بالقاهرة في ديسمبر/ كانون الأول 2010 "علينا أن نبدأ فوراً بموجة جديدة من الإصلاحات.. على أن تكون طموحة وجريئة أكثر".

وما أن بلغت مشاعر السخط الشعبي ضد مبارك والطغمة المحيطة به ذروتها واندلعت ثورة يناير بعد ذلك المؤتمر بنحو شهر، لم يكن لدى الجيش سبب يدعوه إلى مساندة نظام سيرثه جمال، بل كانت لديه كل الأسباب التي تدعوه لتركه يتهاوى.

وبانتهاء حكم سلالة مبارك بعد ثلاثة عقود من الحكم، واستقرار المقام به "منفيا" في منتجع شرم الشيخ، أصبحت أجندة الإصلاح الاقتصادي (التي قادها جمال مبارك) بيد المؤسسة العسكرية، وبذلك ضمنت حماية مصالحها الاقتصادية مجددا وأظهرت الجيش بمظهر "حامي الثورة ورافعتها."

ومنذ ذلك الوقت، دشن المجلس الأعلى للقوات المسلحة (الذي يتولى إدارة الدولة حاليا) حملة ملاحقات قضائية ضد معظم الشخصيات البارزة في دائرة جمال الداخلية، بمن فيهم وزير المالية السابق يوسف بطرس غالي ووزير التجارة السابق رشيد محمد رشيد.

غير أن هذا التحرك يبدو في حقيقته تحركا انتهازيا أكثر منه سعيا لإحقاق العدالة. فالرجلان (غالي ورشيد) محل غضب وسخط شعبي كبير بسبب علاقاتهما بمبارك الابن. وكما أشار مصدر مقرب من دائرة رجال الأعمال بمصر، فإن للأمر دوافع شخصية أكثر من أي شيء آخر. وقال المصدر الذي طلب عدم الإفصاح عن اسمه "لقد اغتنم الجيش الفرصة ليضع هذين الشخصين موضع ملاحقة قانونية (كتصفية حسابات) لأنهما كانا قوة دافعة وراء سياسات الانفتاح الاقتصادي التي أضرت بمصالح الجيش".

وعلى أي حال، فإن المجلس العسكري يبدو أسعد الناس بأن عهد حكومات رجال الأعمال لن يعود ثانية، على الأقل في المستقبل القريب.

في الحلقة المقبلة نلقي نظرة على المستقبل

22a6e3c5-9edb-4f2a-8ffd-d5374f952097.jpg

رابط هذا التعليق
شارك

انشئ حساب جديد أو قم بتسجيل دخولك لتتمكن من إضافة تعليق جديد

يجب ان تكون عضوا لدينا لتتمكن من التعليق

انشئ حساب جديد

سجل حسابك الجديد لدينا في الموقع بمنتهي السهوله .

سجل حساب جديد

تسجيل دخول

هل تمتلك حساب بالفعل؟ سجل دخولك من هنا.

سجل دخولك الان
  • المتواجدون الآن   0 أعضاء متواجدين الان

    • لا يوجد أعضاء مسجلون يتصفحون هذه الصفحة
×
×
  • أضف...