اذهب إلى المحتوى
محاورات المصريين

رسالة من حسن البنا إلى بطريرك الأقباط الأرثوذوكس


Simba

Recommended Posts

حضرة صاحب الغبطة الأنبا يوساب بطريرك الأقباط الأرثوذكس

تحيةً مباركة طيبة، وبعد..

فأكتب إلى غبطتكم وأنا معتكف لمرض ألمَّ بي، أذهلني ما يكتب وما يقال اليوم حول وحدة عنصري الأمة المصرية، تلك الوحدة التي فرضتها الأديان السماوية وقدستها العاطفة الوطنية وخلدتها المصلحة القومية ولن تستطيع أن تمتد إليها يد أو لسان، وكما- يا صاحب الغبطة- أن الإسلام فُرِضَ على المؤمنين به أن يؤمنوا بكل نبي سبق, وبكل كتاب نزل, وبكل شريعة مضت، معلنًا أن بعضها يكمل بعضًا، وأنها جميعًا دين الله وشرعته، وأن من واجب المؤمنين أن يتوحدوا عليها وألا يتفرقوا فيها ﴿شَرَعَ لَكُمْ مِنْ الدِّينِ مَا وَصَّى بِهِ نُوحًا وَالَّذِي أَوْحَيْنَا إِلَيْكَ وَمَا وَصَّيْنَا بِهِ إِبْرَاهِيمَ وَمُوسَى وَعِيسَى أَنْ أَقِيمُوا الدِّينَ وَلا تَتَفَرَّقُوا فِيهِ﴾ (الشورى: من الآية 13)، كما أنه دعا المسلمين وحثهم أن يبروا مواطنيهم, وأن يقسطوا إليهم, وأن يكون شعار التعامل بين الجميع التعاون والإحسان ﴿لا يَنْهَاكُمْ اللهُ عَنْ الَّذِينَ لَمْ يُقَاتِلُوكُمْ فِي الدِّينِ وَلَمْ يُخْرِجُوكُمْ مِنْ دِيَارِكُمْ أَنْ تَبَرُّوهُمْ وَتُقْسِطُوا إِلَيْهِمْ إِنَّ اللهَ يُحِبُّ الْمُقْسِطِينَ﴾ (الممتحنة: 8).ـ

على أن النبي صلى الله عليه وسلم قد اختص قبط مصر بوصيته الطيبة، حين قال: "فاستوصوا بقبطها خيرًا؛ فإن لكم عليهم رحمًا"، وأشار القرآن في صراحة إلى عاطفة المودة المتبادلة بين أهل الدينين في قوله: ﴿وَلَتَجِدَنَّ أَقْرَبَهُمْ مَوَدَّةً لِلَّذِينَ آمَنُوا الَّذِينَ قَالُوا إِنَّا نَصَارَى ذَلِكَ بِأَنَّ مِنْهُمْ قِسِّيسِينَ وَرُهْبَانًا وَأَنَّهُمْ لا يَسْتَكْبِرُونَ﴾ (المائدة: من الآية 82).

وما جاء الإنجيل إلا لتقرير روح المحبة والسلام والتعاطف بين الناس، حتى إنه ليدعوهم إلى أن يحبوا أعداءهم, ويباركوا لاعنيهم، ويصلوا من أجل الذين يبغضونهم، وبذلك وحده تكون على الأرض المسرة وفي الناس السلام.

هذه الحقائق نؤمن بها ونعمل على أساسها، ويدعو الإخوان المسلمون إليها، وقد بعث مكتب الإرشاد العام إلى شُعَبه، خلال هذا الأسبوع، بنشرةٍ يذكر فيها الواجب المقدس الذي حتم على كل مسلم أن يعمل ما وسعه العمل على تدعيم هذه الوحدة القومية وتوثيق هذه الرابطة الوطنية.ـ

وإني لشديد الأسف لوقوع مثل هذه الحوادث التي لا يمكن مطلقًا أن تقع من الإخوان المسلمين، أو من أي مسلم أو مسيحي متدين عاقل, غيور على دينه ووطنه وقومه، والتي هي- ولا شك- من تدبير ذوي الأغراض السيئة، الذين يحاولون أن يصطادوا في الماء العكر، وأن يسيئوا إلى قضية الوطن في هذه الساعات الحرجة، والظروف الدقيقة من تاريخه.ـ

ومن حسن الحظ أنهم لا يوفقون إلى شيء- ولن يوفقوا بإذن الله- ولم يعد أمر هذه الحوادث الصبيانية التافهة التي نأسف لها جميعًا، والتي أرجو أن نعمل جميعًا متعاونين على عدم تكراراها؛ صيانةً لهذه الوحدة الخالدة بين عنصرَي الأمة وبهذا التعاون المشترك يرد كيد الكائدين، وتعلو كلمة الوطنيين العاملين المخلصين.ـ

وفَّق الله الجميع لخير ما يحب ويرضى, وهو نعم المولى ونعم النصير.

وتفضلوا يا صاحب الغبطة بتقبل تحياتي واحترامي

حسن البنا

القاهرة مستشفى الروضة 17 جمادى الأولى 1366هـ، 9 أبريل 1947م

رابط هذا التعليق
شارك

انشئ حساب جديد أو قم بتسجيل دخولك لتتمكن من إضافة تعليق جديد

يجب ان تكون عضوا لدينا لتتمكن من التعليق

انشئ حساب جديد

سجل حسابك الجديد لدينا في الموقع بمنتهي السهوله .

سجل حساب جديد

تسجيل دخول

هل تمتلك حساب بالفعل؟ سجل دخولك من هنا.

سجل دخولك الان
  • المتواجدون الآن   0 أعضاء متواجدين الان

    • لا يوجد أعضاء مسجلون يتصفحون هذه الصفحة
×
×
  • أضف...