الديموقراطية العربية

[ragab2]

جميلة

هي الديمقراطية ، تلك الطريقة ، والتي يحلو للبعض تسميتها بالفكر ، أو أي شيء آخر ، والتي تحترم إرادة الشعوب في اختيار حكامها وتداولها للسلطة ، كما تحترم حريتها في المعتقد والتعبير والتجمّع وبناء المدارس وافتتاح وسائل الإعلام ، وتأسيس الأحزاب والنقابات ، وإلى ما هنالك من قيم ديمقراطية تجعل الإنسان يشعر بمسؤوليته ضمن المجتمع الذي يعيش فيه . والأجمل من هذا الفكر أو الطريقة أو المبدأ ، العمل به وممارسته وتحويله من مجرد النظرية إلى حيّز التطبيق .

فالغرب عموماً قد سلك مسلك النظام الديمقراطي الذي يخضع للقوانيين والأصول في الحكم وممارسة السلطة ، والذي يعتبر المعارضة الوجه الآخر للعملية الديمقراطية ، والمكمّل لنجاح النظام الديمقراطي إلى جانب السلطة ، ونحن نرى ونسمع ونشاهد كيف يـُمارس النظام الديمقراطي في هذا الغرب ، وكيف يتحاشى رجال السياسة وصنّاع القرار تجاوز هذا النظام ، أو القفز فوقه ، أو تمرير شيء من تحته ، ويخضعون له مهما كانت النتائج . كما نرى كيف تتم عملية تداول السلطة وفقاً لهذا النظام بين المتنافسين للوصول إلى سدة المسؤولية . أما نحن العرب فإننا ندّعي أننا نسلك طريق الديمقراطية ، وأننا من المتمسكين بها والمحافظين عليها ، وما من نظام يخلو دستوره من تأكيد على إلتزام هذا المبدأ ، وما من وسيلة إعلام عندنا ( رسمية بالطبع ) إلاّ وتؤكّد على ديمقراطية النظام الذي تتبعه ، وتبدأ بسوق الأدلة والبراهين لإقناعنا بما لا يمكن لطفل رضيع أن يقتنع به ، وما نسب 99,99% أو ما يقاربها إلاّ عيّنة عن ديمقراطيتنا .

العالم

اليوم يعيش إنتخابات رئاسية في قطرين ، الأول غربي والثاني عربي . ففي الولايات المتحدة الأمريكية (وليس من باب الدعاية أو التسويق بل كلمة الحق يجب أن تقال ) تجري الإستعدادات لإجراء الإنتخابات الرئاسية في تشرين الثاني المقبل . والشعب الأمريكي بكل أطيافه مدعو إلى انتخاب رئيس جديد لأقوى قوة في عالم العصر . ونحن نرى كيف تنظّم المؤتمرات والمهرجانات الإنتخابية لكلا المرشحين للرئاسة ، الرئيس الحالي جورج دبليو بوش ، والمرشح الديمقراطي جون كيري ، بل كيف تتم المناظرات العلنية والمباشرة والمتلفزة بين الرئيس وبين منافسه ، وكيف يقيم جون كيري " المرشح" الدنيا ولا يقعدها على خصمه الرئيس ، وكيف يسوق له التهم ، والتي منها ما قد يكون صحيحاً ، ومنها ما قد يكون ممجهراً ( موضوع تحت المجهر لتكبيره ) وكيف يدافع الرئيس عن نفسه ، ويحاول تبرئتها من التهم الموجهة إليه ، وتحويل الدفاع إلى هجوم ، لتنتهي المناظرة باستطلاع للرأي العام يبيّن النقاط التي حصل عليها كل من المرشحين ، وبعد ذلك تأتي الإنتخابات ، ويأتي فرز الأصوات ، ليذهب الفائز منهما إلى البيت الأبيض ، ويذهب الآخر ليعيش بقية حياته كبقية الأمريكيين ، ولينتهي المشهد على صورة تستحق كل احترام بكل تأكيد .

أما

عندنا – نحن العرب – فالإنتخابات قد بدأت لإختيار رئيس جديد للقطر التونسي ، وقد فتحت السفارات التونسية أبوابها أمام التونسيين المسجلين – ولا ندري إن كان كل التونسيين مسجلين – ليقوموا بواجبهم بانتخاب رئيس جديد أو قل متجدد . ولكن من منا قد سمع عن مرشح آخر غير فخامة الرئيس زين العابدين بن علي ، وإن كان ثمّة مرشح آخر – مع احترامنا الشديد – فهو غير معروف ، وغير موجود على خريطة العمل السياسي والإعلامي . ثمّ أين الفرصة الممنوحة لكل المرشحين على قدم المساواة في الإعلام الرسمي الذي لا وجود لغيره ، بل هل يجرؤ مرشح على توجيه مجرد سؤال استفسار لفخامة الرئيس المرشح ، ولا نقول سوق تهمة في تسبب مشكلة للشعب ؟ بل قل هل يجرؤ أحد على الترشح سوى بضوء أخضر من فخامته حتى لا يتحوّل الإنتخاب إلى مجرد استفتاء مضمون النتائج ؟ ثمّ لو قـُدّر وحصلت إنتخابات فاز فيها منافس الرئيس ، فهل يذهب هذا الفائز إلى القصر أم إلى القبر ؟ وهل يؤمن قادتنا فعلاً بالنظام الديمقراطي وتداول السلطة ويرتضون كل النتائج التي تفرزها الإنتخابات ؟ ألم يملّ هؤلاء من السنين الطوال وهم على كرسي الحكم ؟ أليس من حقهم أن يتنزهوا بين البساتين والروابي والجداول ؟ أليس من حقهم ان يعيشوا يومين كبقية الشعب مرتاحي البال ؟ أليس من حقهم أن يعيشوا كبقية الناس مع أهليهم وفي مزارعهم ومنتجعاتهم ؟ أليسوا بشراً كبقية البشر ؟ إرحموهم أيها الشعوب وحمّلوا المسؤولية لغيرهم ، فهم قد تعبوا من حملها ، وملـّوا من متابعتها ، ولكن ماذا نفعل لكم أيها الحكام ، إنها ديمقراطيتنا التي لا تريح الحاكم ، بل تعصره حتى آخر نقطة وهو على ضفة القبر .

........

منقول