ragab2 بتاريخ: 13 نوفمبر 2004 تقديم بلاغ مشاركة بتاريخ: 13 نوفمبر 2004 عاش الإمام الشيخ محمد عبده ستة وخمسين عاما فقط، ولكنه خلال هذه السنوات القليلة عددا الكثيرة عطاء استطاع أن يثرى الحياة السياسية والاجتماعية والدينية فى مصر، وكرس علمه وفكره وحياته لمشروعه الإصلاحى فى كافة مجالات الحياة فترك ميراثا ضخما لتلاميذه الذين واصلوا المشوار من بعده ومنهم قاسم أمين.. مذكرات الإمام تعتبر تأريخا للحياة السياسية والوطنية فى مصر منذ عام 1849 وحتى 1905. جمعها الأستاذ طاهر الطناحى لأن حياة الإمام القصيرة لم تتح له فرصة جمع ما كتب وبحث فقام الأستاذ طاهر بجمع ما كتبه الشيخ محمد عبده عن نفسه وعن حكام مصر وعن الثورة العرابية، ولهذا أطلق على ما جمعه وأعده مذكرات لأنها كلها كتبت بقلم الإمام. فقد اخترنا أن نركز على الفترة غير المعروفة فى حياة الإمام وهى نشأته وتربيته فى بيت والده، وكيف استطاع الشيخ درويش خال والده أن يغير من طريق الشيخ محمد عبده فى خمسة عشر يوما فقط. لماذا أكتب سيرتى؟ حرص الإمام محمد عبده فى مقدمة مذكراته أن يؤكد أنه لم يكتبها رغبة فى التباهى، «فما أنا ممن تكتب سيرته، ولا ممن تترك للأجيال طريقته، فإنى لم آت لأمتى عملا يذكر ولم يكن لى فيها اليوم أثر حتى أكون لأحد منها قدوة.. ولكن عرض لى أن زرت يوما بعض أصدقائى من الغربيين ممن نظروا فى الآفاق، وبحثوا فى العادات والأخلاق، وجابوا لذلك الأقطار.. فدار الحديث بيننا عن شئون بعض الأمم الحاضرة، فذكرت ما عندى وما أقيم عليه رأيى من مشاهدات، فرأوا فيما ذكرت شيئا يستحق أن يذكر، ولا ينبغى أن يهمل، وزادوا على ذلك أن قالوا أنهم يتمنون أن يروه منقولا إلى لغتهم، ولن يكمل ذلك حتى يكون مدرجا فى سيرتى، معروضا فى تضاعيف وصفى لمعيشتى، وما تنقلت فيه من أدوار، وما تدرجت إليه من آراء وأفكار.. ورأيت أن الإضراب عن الإجابة إغراق فى الخمول، وتقصير فى احترام رأى لم يشبه رياء». نظر الإمام إلى بداياته وأحداث تربيته والطريق الذى سار فيه وما انتهى إليه فيما تأخر من أيام عمره، فوجد اختلافا قد ينتفع به الناس. «نشأت كما نشأ كل واحد من الجمهور الأعظم من الطبقة الوسطى من سكان مصر، ثم لم ألبث بعد قطعة من الزمن أن سئمت الاستمرار على ما يألفون، واندفعت إلى طلب شىء مما لا يعرفون، فعثرت على ما لم يعثروا عليه وناديت بأحسن ما وجدت ودعوت إليه، وارتفع صوتى بالدعوة إلى أمرين عظيمين، الأول: تحرير الفكر من قيد التقليد وفهم الدين على طريقة سلف الأمة قبل ظهور الخلاف والرجوع فى كسب معارفه إلى ينابيعه الأولى واعتباره ضمن موازين العقل البشرى التى وضعها الله لترد من شططه.. أما الأمر الثانى فهو إصلاح أساليب اللغة العربية فى التحرير سواء كان فى المخاطبات الرسمية بين دواوين الحكومة ومصالحها، أو فيما تنشره الجرائد على الكافة، أو فى المراسلات بين الناس». ويبين الإمام أن أساليب الكتابة فى مصر تنحصر فى نوعين كليهما تنكره لغة العرب، الأول ما كان مستعملا فى مصالح الحكومة.. وهو ضرب من ضروب التأليف بين الكلمات رث خبيث غير مفهوم، والنوع الثانى ما كان يستعمله الأدباء والمتخرجون من الجامع الأزهر، وهو ما كان يراعى فيه السجع، وإن كان باردا وتلاحظ فيه الفواصل وأنواع الجناس وإن كان رديئا، وهو إن كان يمكن رده إلى أصول اللغة العربية فى صورته، لكنه لا يعد من أساليبها المرضية. أهلى وبيتى «أول ما عقلت من أنا ومن والدى ومن والدتى ومن هم أقاربى وجيران بيتى، عرفت أنى ابن عبده خير الله من سكان قرية محلة نصر بمركز شبراخيت من مديرية البحيرة، ووقر فى نفسى احترام والدى ونظرت إليه أجل الناس فى عينى، وسكن من هيبته فى قلبى ما لم أجده لأحد من الناس اليوم عندى، أما عوامل هذا الاحترام وذلك الإجلال فأتذكر منها قلة الكلام أمامى، ووقارا كان فى الحركات والأعمال والهيئة والتنزه عن مخالطة الناس، ومشاهدتى أهل بلده يحترمونه ويبالغون فى توقيرهم له، وانفراده بالطعام دون والدتى وإخوتى. فما كان يواكل نساءه وأولاده فى تلك الأوقات إلا الفقراء وأهل الطبقة السفلى من أهل القرية، ثم وجدت والدى يقرى الضيف، ويؤوى الغريب، ويفتخر بإكرام النزيل.. وذلك كان يزيد منزلته من نفسى علوا، وأعتقد أنه أعظم رجل فى القرية، وكل من فيها دونه.. وهو بذلك كان أعظم رجل فى الدنيا، فإن الدنيا عندى لم تكن أوسع من قرية محلة نصر.. وكان يؤكد اعتقادى هذا رؤيتى لبعض الحكام كناظر القسم «مأمور المركز» وحاكم الخط «معاون المركز» ينزلون عندنا ولا ينزلون فى بيت العمدة، مع أنه كان أوسع رزقا من والدى وأكثر دورا وعقارا.. ونشأ عندى لذلك الاعتقاد بأن الكرامة وعلو المنزلة لا يتعلقان بالثروة ووفرة المال». أخذ الإمام محمد عبده كل صفات والده إلا صفة واحدة وهى القسوة، فقد كان الوالد شديدا فى معاملاته وقاسيا على من يعاديه، وعندما وعى الإمام هذه القسوة استبعدها من الصفات التى يحب أن يتصف بها. أما والدته فكانت منزلتها بين نساء القرية تماثل منزلة والده، كانت ترحم المساكين وتعطف على الضعفاء وتعد ذلك مجدا وطاعة لله وحمدا. وحرص الإمام فى مذكراته أيضا أن يتحدث عن عمه وجده لأبيه، أما عمه فاسمه بهنس، وتوفى والإمام صغير فاتجه إلى ابن عم والده، الذى كان يسكن فى نفس البيت، أما جده فكانت له عصبة من أبناء عمومته لهم مكانة كبيرة حتى جاء رجل غريب إلى البلدة وسكن فيها وأصابه الحسد من أهل بيت خير الله فوشى بهم عند الحكام بحجة أنهم ممن يحملون السلاح ويقفون فى وجوه الحكام وأعوانهم عند تنفيذ المظالم، وهكذا قبض على أبناء عمومته وزجوا فى السجن وماتوا فيه، وبقى جده وحده، وكان شيخا للبلدة، وبعد وفاته جاء هذا الواشى بمساعدة أعوان الحكومة وسلبوا كل ما كان بالبيت، كان ولد الإمام محمد عبده فى الرابعة عشرة من عمره وعمر شقيقه السادسة عشرة فهاجرا مع ابن عمهما ولجأوا إلى خالهم الذى كان عمدة فى قرية صغيرة تعرف بكنيسة أورين من مركز شبراخيت، ولكنه خاف أن يؤويهم فأخذهم وسار بهم إلى مديرية الغربية عند أحد أقاربه فى قرية تسمى «شترا».. كان معهم بعض المال فقاموا باستئجار أطيان يعملون فى زراعتها. فى هذا الوقت اشتد الظلم على أهل قرية محلة نصر، فكان أهلها يتسللون حربا ويذهبون ليقيموا فى المكان الذى استقر فيه والد الإمام محمد عبده، الذى اشتهر بالفتوة والبراعة فى استخدام السلاح، ولهذا ألقى القبض عليه بتهمة إيواء فارين من العسكرية، وأرسل إلى مديرية البحيرة ليسجنوا هناك.. وبعد وفاة عباس باشا مدير البحيرة أفرج عنه فعاد إلى مسقط رأسه ولم يجد مما كان يملكه أسلافه إلا جدران البيت مهدمة، فاستقر هناك مع زوجته وأولاده ومنهم الإمام محمد عبده. نشأتى وتربيتى تعلم الإمام القراءة والكتابة فى منزل والده، ثم انتقل إلى دار حافظ قرآن فأتم حفظه فى مدة سنتين، ثم حمله والده إلى طنطا ليواصل تعليمه هناك، فمضى عام ونصف العام فى الدراسة دون أن يفهم شيئا بسبب رداءة التعليم، «كان المدرسون يفاجئوننا باصطلاحات نحوية أو فقهية لا نفهمها، ولا عناية لهم بتفهيم معانيها لمن لم يعرفها، فأدركنى اليأس من النجاح وهربت من الدروس واختفيت عند أخوالى مدة ثلاثة شهور، ثم عثر على أخى فأخذنى إلى المسجد الأحمدى، وأراد إكراهى على طلب العلم فأبيت وقلت له : قد أيقنت أن لا نجاح لى فى طلب العلم، ولم يبق علىَّ إلا أن أعود إلى بلدى وأشتغل بملاحظة الزراعة، كما يشتغل الكثير من أقاربى، وانتهى الجدال بتغلبى عليه فأخذت ما كان لى من ثياب ومتاع، ورجعت إلى محلة نصر على نية ألا أعود إلى طلب العلم وتزوجت على هذه النية». كان هذا ما تركه.. طريقة التعليم فى طنطا على الإمام الذى يؤكد أن نفس هذه الطريقة تتم فى التعليم فى الأزهر، وهو الأثر الذى يجده خمسة وتسعون فى المائة من الدارسين، ولكن بعد زواجه بأربعين يوما جاءه والده وألزمه بالذهاب مرة أخرى إلى طنطا لطلب العلم، حاول الرفض ولكن والده أصر وأحضر له فرسا ركبه إلى محطة إيتاى البارود ليركب منها قطار السكك الحديدية إلى طنطا، «كان يوما شديد الحر، والريح عاصفة ملتهبة تحصب الوجه.. فلم أستطع الاستمرار فى السير فقلت لصاحبى: أما مداومة المسير فلا طاقة لى بها مع هذه الحرارة، ولابد من التعريج على قرية أنتظر فيها حتى يخف الحر، فأبى على ذلك فتركته وأجريت الفرس هاربا من مشادته وقلت إنى ذاهب إلى «كنيسة أورين»، وقد فرح بى شبان القرية لأننى كنت معروفا بالفروسية واللعب بالسلاح، وأملوا أن أقيم معهم مدة يلهو فيها كل منا بصاحبه، وبقيت فى هذه القرية خمسة عشر يوما تحولت فيها حالتى وبدلت فيها رغبة غير رغبتى، ذلك أن أحد أخوال أبى واسمه الشيخ درويش كان يحفظ «الموطأ» وبعض كتب الحديث، ويجيد حفظ القرآن وفهمه، جاءنى هذا الشيخ وبيده كتاب يحتوى على رسائل كتبها السيد محمد المدنى إلى بعض مريديه بخط مغربى دقيق وسألنى أن أقرأ له لضعف بصره، فرفضت طلبه بشدة ولعنت القراءة ومن يشتغل بها، ونفرت منه أشد النفور، ولما وضع الكتاب بين يدى رميته إلى بعيد، لكن الشيخ تبسم ولم يزل بى حتى أخذت الكتاب وقرأت منه بضعة أسطر، فاندفع يفسر لى معانى ما قرأت بعبارة واضحة، وبعد قليل جاء الشبان يدعوننى إلى ركوب الخيل واللعب بالسلاح والسباحة فى نهر قريب من القرية فرميت الكتاب وانصرفت إليهم، بعد العصر جاءنى الشيخ بكتابه وألح علىَّ فى قراءة شىء منه، فقرأت ثم تركته إلى اللعب، وفعل فى اليوم التالى كما فعل فى الأول، أما اليوم الثالث فقد بقيت أقرأ له فيه وهو يشرح لى معانى ما أقرأ نحو ثلاث ساعات، لم أمل فيها، فقال لى أنه فى حاجة إلى الذهاب إلى المزرعة ليعمل فيها فطلبت منه إبقاء الكتاب معى فتركه.. ومضيت أقرأه وكلما مررت بعبارة لم أفهمها وضعت عليها علامة لأسأله عنها إلى أن جاء وقت الظهر، وعصيت فى ذلك اليوم كل رغبة فى اللعب، وكل هوى ينازعنى إلى البطالة.. وعصر ذلك اليوم سألته عما لم أفهمه فأبان معناه على عادته، وظهر عليه الفرح بما تجدد عندى من الرغبة فى المطالعة والميل إلى الفهم.. كانت هذه الرسائل تحتوى على شىء من معارف الصوفية وكثير من كلامهم فى آداب النفس وترويضها على مكارم الأخلاق وتطهيرها من دنس الرذائل، وتزهيدها فى الباطل من مظاهر هذه الحياة الدنيا». إلى ساحة الدرس بعد يومين من هذه الحادثة أصبح الإمام لا يبغض شيئا أكثر من رغبته فى اللعب واللهو، أما أحب شىء إلى نفسه فهو ما كان يبغضه من المطالعة والفهم.. كره صور أولئك الشبان الذين كانوا يدعونه للخروج واللهو معهم ويحاولون إبعاده عن الشيخ درويش، فأصبح يهرب من لقائهم جميعا ويجلس مع الشيخ يقرأ هو ويشرح له، «فى اليوم السابع سألت الشيخ: ما هى طريقتكم؟! فقال: طريقتنا الإسلام، فقلت: أوليس كل هؤلاء الناس بمسلمين؟! قال: لو كانوا مسلمين لما رأيتهم يتنازعون على التافه من الأمر، ولما سمعتهم يحلفون بالله كاذبين بسبب وبغير سبب! هذه الكلمات كانت كأنها نار أحرقت جميع ما كان عندى من المتاع القديم، متاع تلك الدعاوى الباطلة والمزاعم الفاسدة.. متاع الغرور بأننا مسلمون ناجون وإن كنا فى غمرة ساهين. وقال الشيخ : اقرأ بعد كل صلاة أربعة من أرباع مع الفهم والتدبر. قلت: أنى لى أن أفهم القرآن ولم أتعلم شيئا»؟! وبدأ الشيخ يقرأ مع محمد عبده فلم تمض إلا بضعة أيام وجد نفسه بعدها فى عالم آخر غير الذى يعرفه. عالم كان ضيقا ثم اتسع، صغر عنده ما كان يعتبره كبيرا، تخلص من كل الهموم، ولم يبق له إلا هم واحد هو أن يكون كامل المعرفة أدب النفس، ولم يجد من يرشده إلا الشيخ درويش، ذلك الشيخ الذى أخرجه فى بضعة أيام من سجن الجهل إلى فضاء المعرفة، ومن قيود التقليد إلى إطلاق التوحيد.. هو مفتاح سعادته فى هذه الحياة، وهو الذى رد إليه ما غاب عنه من غريزته وكشف له ما كان خفيا مما أودع فى فطرته».. «فى اليوم الخامس عشر مر بى أحد سكان بلدتنا محلة نصر فأخبرنى أن والدتى ذهبت إلى طنطا لترانى فعلمت أنها ستقول لوالدى أننى ماأزال فى بلدة الكنيسة، فأصبحت مبكرا إلى طنطا خوف عتاب والدى واشتداده فى اللوم، لأننى لو كنت أقمت له ألف دليل على أننى وجدت فى مهربى مطلبه ومطلبى لما اقتنع. ذهبت إلى طنطا، وكان ذلك قرب آخر السنة الدراسية، وكان هناك أحد الشيوخ ماتت ابنته فعاقه الحزن عليها عن إتمام شرح الزرقانى على العزبة، وشيخ آخر عرض له عارض منعه عن إتمام شرح الشيخ خالد على الأجرومية، فأدركت كلا منهما فى أوائل الكتاب الذى كان يدرس وجلست فى الدرسين فوجدت نفسى أفهم ما أقرأ وما أسمع والحمد لله، وعرف ذلك منى بعض الطلبة فكانوا يلتفون حولى لأطالع معهم قبل الدرس ما سنتلقاه. وفى يوم من شهر رجب من تلك السنة كنت أطالع بين الطلبة وأقرر لهم معانى شرح الزرقانى، فرأيت أمامى شخصا يشبه أن يكون من أولئك الذين يسمونهم المجاذيب، فلما رفعت رأسى إليه قال ما معناه: ما أحلى حلوى مصر البيضاء. فقلت له: وأين الحلوى التى معك؟! فقال: سبحان الله من جد وجد! ثم انصرف فعددت ذلك القول منه إلهاما ساقه الله إلى ليحملنى على طلب العلم فى مصر دون طنطا». وهكذا ذهب الإمام محمد عبده فى تلك السنة إلى الأزهر وداوم على طلب العلم مع محافظته على العزلة والبعد عن الناس حتى إنه كان يستغفر الله إذا تكلم مع أى شخص كلمة لغير ضرورة! وكان فى نهاية كل سنة دراسية يعود إلى بلدته محلة نصر ليقيم بها مدة شهرين من منتصف شعبان وحتى منتصف شوال، فكان يجد هناك الشيخ درويش سبقه ليواصل معه ما درسه حتى يوم سفره. وكل سنة يسأله ماذا قرأت، وعندما يخبره يسأله وما درست المنطق، وما درست الحساب، وما درست شيئا من مبادئ الهندسة، فيخبره أن هذه العلوم غير معروفة فى الأزهر. ولكن الشيخ درويش قال له أن طالب العلم لا يعجز عن تحصيله فى أى مكان. لقاء جمال الدين الأفغانى قرر الإمام أن يلتمس هذه العلوم التى ذكرها له الشيخ درويش فعاد إلى القاهرة يبحث عمن يعرفها فكان تارة يصيب وتارة يخطئ، إلى أن حضر إلى مصر السيد جمال الدين الأفغانى، «صاحبته من ابتداء شهر المحرم سنة 1287هـ، وأخذت أتلقى عنده بعض العلوم الرياضية والفلسفية والكلامية، وأدعو الناس إلى التلقى عنه كذلك.. وأخذ مشايخ الأزهر والجمهور من طلبته يتقولون عليه وعلينا الأقاويل، ويزعمون أن تلقى تلك العلوم قد يفضى إلى زعزعة العقائد الصحيحة، وقد يهوى بالنفس فى ضلالات تحرمها خيرى الدنيا والآخرة، فكنت إذا رجعت إلى بلدى عرضت ذلك على الشيخ درويش فكان يقول لى: إن الله هو العليم الحكيم ولا علم يفوق علمه وحكمته، وأن أعدى أعداء العليم هو الجاهل وأعدى أعداء الحكيم هو السفيه، وما تقرب أحد إلى الله بأفضل من العلم والحكمة». كان قد مضى على الشيخ محمد عبده ثلاث سنوات فى طلب العلم بالجامع الأزهر حين جاء السيد جمال الدين الأفغانى إلى مصر، وكان قد أصاب منذ التحاقه بالجامع الأحمدى فى طنطا حظا غير قليل من العلوم، وبعد حضور السيد جمال الدين استقل بدراسة علوم اللغة والفلسفة والمنطق والتوحيد، وبعد نفى الأفغانى من مصر عمل محمد عبده كرئيس تحرير لجريدة الوقائع المصرية «وكانت الجريدة الرسمية توزع على المأمورين وعلى البلاد توزيع الضرائب ترسل إلى من ترسل إليه بغير طلبه ويجبر على دفع قيمتها، وأراد رياض باشا أن يجعل للجريدة قيمة فى ذاتها تحمل الناس على طلبها رغبة فيها، وكان قد أحس بتوجه أفكار الناس إلى طلب شىء من طلاوة العبارة ووفرة المعنى وحسن الانتقاد فهداه بحثه إلى تعيينى لتحريرها وطلب وضع خطة لإصلاحها، فوضعت اللائحة فى قليل من الزمن، فوافق عليها وعين محررين تستميل الناس أقلامهم فتحولت حال الجريدة الرسمية إلى ما حمده العامة والخاصة». ابتداء من هذه المرحلة فى حياة الشيخ عبده التى كانت تتطور يوما بعد يوم بدأت مواقفه وأفكاره فى مشروعه الإصلاحى والذى كتب عنه جيلبر دولانو ما ترجمه حازم محيى الدين، فقد كان الشيخ الشاب يكافح فى هذا الوقت على جبهتين ضد المثقفين الليبراليين المفتونين بالأفكار الغربية وبالديمقراطية على الطريقة الفرنسية من جهة وضد العلماء التقليديين من جهة أخرى، وكانت الفكرة التى يدعو لها هى مقاومة الاستعمار الأوروبى فى جميع البلاد الإسلامية، ثم أقام الشيخ محمد عبده ثلاث سنوات فى بيروت. حيث قام هناك بالعمل فى مدرسة دينية درّس ففيها علم التوحيد، وعندما سمح له بالعودة إلى مصر منعته السلطات من العمل فى مجال التدريس الذى يحبه ويفضله على غيره وعينته فى سلك القضاء، وقد أظهر فى هذا المجال كفاءة ونزاهة لفتت إليه الأنظار فتم تعيينه فى منصب مفتى مصر الأكبر، وهو أعلى منصب دينى يمكن أن يصل إليه عالم بالشريعة فى مصر، وقد حرص أثناء عمله على القيام ببعض الإصلاحات التى تعكس رؤيته، أما فيما يتعلق بالأزهر فقد نجح فى إدراج بعض المواد الجديدة على الدراسة فيه مثل التاريخ والجغرافية والرياضيات. الإمام فى السجن قبل سفر الشيخ محمد عبده إلى بيروت كان قد ألقى القبض عليه مع من قبض عليهم من زعماء الأمة لمحاكمتهم بعد الثورة العرابية، وقد قضى فى السجن ثلاثة أشهر وأياما، بعد محاكمته تم نفيه خارج القطر المصرى، فأقام فى بيروت ثلاث سنوات ثم إلى باريس، وكان أكثر ما أثر فيه هؤلاء الخونة المنافقون الذين انتهزوا فرصة القبض عليه وكتبوا فيه تقارير وحشدوها بالكذب والبهتان فكتب الإمام خطابا إلى أحد أصدقائه - لعله سعد زغلول - جاء فيه: «اشتد ظلام الفتن حتى تجسم بل تحجر، رأيت نفسى اليوم فى مهمة لا يأتى البصر على أطرافه فى ليلة داجية غطى فيها وجه السماء بغمام سوء فتكاثف ركاما، لا أرى إنسانا ولا أسمع ناطقا ولا أتوهم مجيبا، أسمع ذئابا تعوى وسباعا تزأر وكلابا تنبح، كلها يطلب فريسة واحدة هى ذات الكاتب، والتف على رجلى تنينان عظيمان، وقد خويت بطون الكل وتحكم فيها سلطان الجوع.. ومن كانت هذه حاله فهو لا ريب من الهالكين». ولكن الشيخ لم يهلك وعاد إلى مصر إماما لحركة الإصلاح التى تنادى بوجود إسلام حقيقى يخلص المجتمعات الإسلامية من هذا التخلف العلمى، إسلام قادر على تصحيح الأوضاع وإصلاح المؤسسات والأخلاق. .................. منقول مصر أكبر من نظام الحكم الفردى الديكتاتورى الإستبدادى الذى فرضه علينا عسكر حركة يوليو فى الخمسينات وصار نظاما لحكم مصر برنامج الرئيس الإنتخابى لإسكان فقراء الشباب .. سرقه مسؤولون وزارة الإسكان مع المقاولين ..! رابط هذا التعليق شارك المزيد من خيارات المشاركة
عقل حر بتاريخ: 13 نوفمبر 2004 تقديم بلاغ مشاركة بتاريخ: 13 نوفمبر 2004 رحم الله الشيخ الإمام ووقانا شر من جاؤا بعده يرون الذبح من الدين و تفجير المسلمين في طابا نصرة لدين الله ألا تروننا أكثر تخلفا مما كنا عليه منذ مائة عام يوم مات الأستاذ الإمام محمد عبده ؟؟؟؟ لماذا أراك على كل شئ.... كأنك في الأرض كل البشر كأنك درب بغير انتهاء.... و أني خلقت لهذا السفر اذا كنت أهرب منك اليك .... فقل لي بربك أين المفر نامت نواطير مصر عن ثعالبها.... فقد بشمن و ما تفنى العناقيد (بيت شعر للمتنبي قيل منذ ألف عام ولايزال صحيحا الى اليوم) رابط هذا التعليق شارك المزيد من خيارات المشاركة
masr_watany بتاريخ: 13 نوفمبر 2004 تقديم بلاغ مشاركة بتاريخ: 13 نوفمبر 2004 رحمة الله انا احب هذا الرجل العظيم احد مؤسسي الليبرالية الوطنية وصاحب مشروع اصلاحي لم يكتمل بعد ما اشد الحاجة للعودة الي نهجة و اكمال مشروعة لمواجهة المتشددين و الأصوليين و السلفيين الذين يريدوا ان ياخذوا المستقبل و الحاضر و يشدوة الي الماضي و محمد عبدة قام بعكس هذا فاخذ الماضي و شدة الي الحاضر و المستقبل و مشروعة الأصلاحي لم يكتمل بعد و نحن باشد الحاجة لمن يكمل المسيرة و ساكتب باستفاضة عن هذا الشيخ العظيم حيت تأتي الفرصة حسنا أيها العصر ,, لقد هزمتنى ,, لكنى لا أجد فى كل هذا الشرق , مكانا مرتفعا أنصب عليه راية استسلامى 000/ رابط هذا التعليق شارك المزيد من خيارات المشاركة
Recommended Posts
انشئ حساب جديد أو قم بتسجيل دخولك لتتمكن من إضافة تعليق جديد
يجب ان تكون عضوا لدينا لتتمكن من التعليق
انشئ حساب جديد
سجل حسابك الجديد لدينا في الموقع بمنتهي السهوله .
سجل حساب جديدتسجيل دخول
هل تمتلك حساب بالفعل؟ سجل دخولك من هنا.
سجل دخولك الان