احمد رضوان بتاريخ: 1 يناير 2012 تقديم بلاغ مشاركة بتاريخ: 1 يناير 2012 دولة الجنرال بقلم محمد دياب 1/ 1/ 2012 استيقظ الجنرال كعادته مبكراً، لم يقطع هذه العادة على الرغم من خروجه من الخدمة العسكرية منذ سنوات، تناول إفطاره فى نشاط، وأخرج بدلته العسكرية التى لم يرتدها منذ زمن، طلب من خادمه أن يأتى له بمكواة، صرف الخادم وأخذ يكوى البدلة بنفسه، لاحظت زوجته أنه يضغط بشدة على المكواة لم تكن تعلم أنه يتذكر ماذا حدث له بعدما خرج من الخدمة بعد اتفاق مع القوى السياسية على خروج آمن.. يتذكر الإحساس بالمهانة أسبوعياً وهناك مظاهرات لا تتوقف تطالب بمحاكمته وبعض زملائه. اليوم سيرد شرفه، اليوم سيعلم الجميع أن الطريقة التى حكموا بها مصر خلال الفترة الانتقالية كان عيبها الوحيد أنهم لم يكونوا أكثر حسماً وقوة وعنفاً. ارتدى بدلته واتجه لميدان التحرير، استقبله الملايين بالهتاف والتصفيق، لم يكن وحده فقد سبقه رجال مجلسه للميدان.. المظاهرات هذه المرة اقتصرت فقط على كلمة واحدة من الهتاف الشهير الذى ميز ثورة يناير «عيش، حرية، عدالة اجتماعية» الكلمة الوحيدة التى تترد أصداؤها فى الميدان هى «عيش.. عيش.. عيش». كان يعلم أن هذا سيحدث، بل عمل على أن يحدث هذا. فعلى الأقل ثلث اقتصاد البلد فى يد الجيش، وكان من الطبيعى بعد المهانة التى شعرت بها المؤسسة العسكرية أن ترفع يدها عن المساعدة فى الاقتصاد، بل فى بعض الأحيان تعمدت إيقاف الكثير من المشاريع والاستثمارات بتعقيد الأمور ورفض منح التصاريح أو التخلى عن أراض. انهار الاقتصاد تماماً والقشة التى قسمت ظهر البعير هى الفشل فى تدبير المبلغ اللازم لاستيراد القمح. كل القوى السياسية تم حرقها فى الوزارة الائتلافية الفاشلة، والناس اليوم تتظاهر ضد الديمقراطية وتريدنا أن نحكمهم مرة أخرى.. لم تهتم الغالبية بالتحسن الذى طرأ على حقوق الإنسان، أو الحلول الجذرية للمشاكل الطائفية أو تغير العقيدة الأمنية واستبدال التعذيب بوسائل البحث التكنولوجية. بالطبع تم تدبير مبلغ شحنة القمح من تبرع سخى من ميزانية الجيش... الآن أصبح الشعب جاهزاً، أعلن الجنرال الجمهورية الثالثة نظراً لأنها أتت بعد الثورة الثالثة، طلب منه الشعب أن يكون رئيساً وعلى الرغم من أنها مسؤولية لا يريد تحملها نظراً لسنه الكبيرة لكنه قبل، لأن إنقاذ البلاد واجب وطنى تهون من أجله راحته الشخصية. أصدرت المحكمة العسكرية الثورية أحكاماً ضد آلاف من الفوضويين وصل بعضها للإعدام- ومنعت أى وسيلة إعلامية من أن تطلق عليهم «ثواراً». خفف الجنرال جميع أحكام الإعدام إلى المؤبد فقد كان يعلم أن أغلب هؤلاء الفوضويين كانوا ضحية المؤامرة الكبرى التى تجلت فى 25 يناير والتى اشترك أغلبهم فيها بجهل. التخلص من الإسلاميين كان سهلاً فلسنوات اتفق الجميع اتفاقاً غير معلن أن يقبلوا الطرف الثالث حلاً سحرياً لأى مشكلة لا يريدون مواجهتها. وبمساعده صغيرة من الأجهزة الأمنية تم تلفيق بعض الأدلة وأصبح الإسلاميون هم الطرف الثالث. أغلقت كل الأحزاب التى قامت على خلفية دينية، وأودع قادتها فى السجون. الجنرال توقع بعض المقاومة من بعض الإسلاميين وبعض الفوضويين إلا أن انفجاراً بين الحين والآخر كفيل بأن ينهى على تعاطف الشعب معهم، ويجعلهم يقبلون إعدام من تختار الأجهزة الأمنية تلفيق الأمر له قرارات مثل هذه هى ما تميز العسكريين، هكذا فكر الجنرال وهو يقرأ خبر إعدام بعض الفوضويين والإسلاميين الذين أُدينوا بتفجير إرهابى. نحن نفكر فى الصورة الكبيرة ونستطيع أن نقبل بعض الخسائر من أجلها، نعم سيموت البعض ويسجن آخرون ولكن هذا أقل ثمن من أجل مصر ومن أجل المصلحة العليا للبلاد.. هل كان حاكماً مدنياً يستطيع أو يقبل مثل هذه الحلول السريعة؟ بالطبع لا.. إلى الجحيم بحقوق البشر جميعاً إذا كانت ضد الاستقرار. على عكس ما تخيل الجميع لم يلغ الجنرال الدستور بموجب شرعيته الثورية بل أضاف إليه مادة واحدة (قانون الاستقرار) والذى بموجبه ينزع عن أى شخص أى حق من حقوقه لو كان يستخدمه ضد استقرار الدولة- وما أدراك ما استقرار الدولة بالنسبة للجنرال. تقرر من تبعيات هذا القانون أن يقتصر استخدام الإنترنت على الشركات فقط ومنعه فى المنازل، مع تجريم استخدام مواقع التواصل الاجتماعى. تقرر أن يؤمم الإعلام بصحفه وقنواته، وأن يصادر أى دش (طبق فضائى) وأصبحت حيازة أى وسيلة للاتصال بأخبار العالم الخارجى جريمة يعاقب عليها القانون بالحبس. خرجت مظاهرات تشيد بهذه القرارات بل طالبت بإعدام إعلاميين وقفوا فى صف الفوضويين إلا أن الجنرال لم يقبل هذا فهو لا يريد أن يتذكر أحد فترة حكمه بأنها الفترة التى قصفت فيها رقاب أصحاب الرأى فاكتفى بقصف أقلامهم وإخراس ألسنتهم فقط. لم يكتف الجنرال بالحكم من القصور، بل كعادة الحكام الصالحين كان ينزل متنكراً بين الناس ليتفقد الأحوال، توقف أمام «فرشة» لبيع الصحف، تطلع إلى عناوين مختلف الصحف والتى تدندن جميعاً حول نفس المعنى من إشادة بقرار اتخذه بالأمس، لاحظ فتوراً من الناس على شراء الصحف وإحباطاً فى الوجوه جلس على أحد المقاهى وأنصت لحوارات الناس، بدأ يسمع نغمة جديدة فمعظمهم ناقمون على الأوضاع الاقتصادية التى تزداد تردياً، فمنذ الحكم العسكرى ولم يدخل مصر أى استثمار أجنبى. واختفت السياحة بسبب الخطاب الإعلامى الذى ركز على أن كل الأجانب جواسيس يريدون الشر بالبلاد فعزف السياح عن القدوم خوفاً من اعتداءات متكررة عليهم، والرجوع للحلول الأمنية مع البدو والمشكلة الطائفية مما زاد من الأمور اشتعالاً.. أكثر ما أغضب الجنرال أنه سمع اليوم ولأول مرة منذ زمن بعض مرتادى المقهى يتذكرون الفوضويين وينعون أيامهم وأفكارهم الإصلاحية الجذرية، التى صعب عليهم تقبلها وقتها، بل وصل الأمر بهم إلى أن وصفوهم بالثوار!!!! اجتمع الجنرال بمجلسه ونقل لهم ما سمعه وحذرهم من أن ترف هامش الحرية الذى ميز عصر مبارك هو ما أدى لسقوطه. بعدما استبعد المجلس الحل الجذرى بإغلاق كل مقاهى مصر، توصلوا إلى حل آخر أكثر بساطة وتأثيراً، تقرر أن تضاف مادة جديدة لقانون الاستقرار يكافأ بموجبها كل من يبلغ عن أى شخص معترض على سياسة الدولة وبالتالى يعرض استقرارها للخطر. تنوعت المكافآت بين ترقيات للعاملين بالدولة مكافآت مالية للقطاع الخاص وحتى الطلبة فى المدارس والجامعات تقرر أن تضاف لهم درجات إضافية لنتيجة آخر العام. لاحظ الجنرال عندما جلس على نفس المقهى بعد تطبيق المادة الجديدة من القانون، أن أحداً لم ينطق بكلمة واحدة عن السياسة وبالطبع لاحظ اختفاء بعض الوجوه التى سمعها تعترض سابقاً. اطمأن الجنرال، فحاكم محنك مثله يعلم أن المشكلة الأهم من الاعتراض على الحاكم هى مشاركة هذا الاعتراض مع آخرين. استقبل الجنرال شاباً فى قصره الرئاسى أبلغ عن انتهاك أخيه قانون الاستقرار فى محادثة شخصية بينهم. وأمر كتائبه الإعلامية أن تجعل من هذا الشاب بطلاً وأن تسفه من أخيه الفوضوى. أراد الجنرال أن يخاف كل شخص من أن يحول ما يشعر به من غضب إلى كلمات حتى ولو لنفسه. طلب الجنرال بأن يأتوا بالشاب الفوضوى إليه، كان يعلم أن تراجع الفوضوى عما يقول تأثيره أكبر من سجنه. أتى الشاب وكل جزء من جسده متورم من التعذيب، واجهوه بما قال لأخيه من اعتراضه على طريقة الحكم العسكرى وأنه غاضب ككثيرين فلم ينكر. قال له الجنرال «عن أى غضب تتحدث وقد أتى بنا الشعب» أجابه الشاب «لكم فى فرنسا عظة، فالثورة الفرنسية انتكست ثلاثة مرات رجعت فيها للحكم الشمولى بين ملكية وإمبراطوريتين، إلا أن الشعب اختار فى النهاية الديمقراطية واختارها فقط لأنها الوسيلة الوحيدة لتحقيق ما يأمل أن يصل إليه» بادرة سجانية بضربات متلاحقة، ألقته أرضاً إلا أنه لم يتوقف عن الكلام «الثورة قادمة ولو لم يتكلم مصرى مع آخر، الثورة قادمة ولو قتلتم كل ثائر، الثورة قادمة كل 25 يناير» عند هذه النقطة هشم سجانوه وجهه تماماً. لم ينم الجنرال يومها، ولا أى ليلة حتى 25 يناير التالى، فكر كالعادة بدلاً من حل للمشكلة أن يتحايل عليها فقرر أن يلغى يوم 25 يناير ويصبح اليوم التالى ليوم 24 هو 26 يناير، وقرر نقل هذا اليوم الزائد لشهر فبراير الذى كان يعانى من نقص ولن يضيره زيادة يوم. طلب من أجهزته الأمنية أن تزيد من قبضتها وتراقب الجميع وتسجن كل من يشتبهون به، ورغم تأكيدهم أن كل شىء على ما يرام، إلا أنه لم يكن مطمئناً، فصوت هذا الشاب قبل أن يقتلوه ظل يتردد فى أذنه وأكثر ما أخافه من قصة هذا الشاب أنه لم يكن من قبل مع الفوضويين، بالعكس كان ضدهم فى السابق، بل كان من الذين تظاهروا وجاءوا بالجنرال ومن معه. جاء اليوم المشهود، بدا على الجنرال التوتر والإرهاق، قرأ الجريدة ليجد اليوم عليها 26 يناير، فتح التلفاز ليجد الجميع يؤكدون أنه يوم 26، قرر أن يسأل الطاهى الذى أتى له بإفطاره عن اليوم فأكد هو الآخر أنه يوم 26 يناير وأنه لم يسمع من قبل عن25 يناير. بدأ الاطمئنان يتسلل إلى الجنرال وتناول إفطاره فى استمتاع، إلا أن أصواتاً بدأ صداها يقترب من القصر.. أصواتاً كثيرة للغاية تؤكد أن هذا اليوم هو.. 25 يناير. http://www.almasry-alyoum.com/article2.aspx?ArticleID=323035&IssueID=2367 لك الله يا مصر مدونتى : حكايات عابر سبيل radws.blogspot.com رابط هذا التعليق شارك المزيد من خيارات المشاركة
Recommended Posts
انشئ حساب جديد أو قم بتسجيل دخولك لتتمكن من إضافة تعليق جديد
يجب ان تكون عضوا لدينا لتتمكن من التعليق
انشئ حساب جديد
سجل حسابك الجديد لدينا في الموقع بمنتهي السهوله .
سجل حساب جديدتسجيل دخول
هل تمتلك حساب بالفعل؟ سجل دخولك من هنا.
سجل دخولك الان