في مستوطنة العقاب العالمية

[Gharib fi el zolomat]

في مستوطنة العقاب العالمية

2004/11/20

عزت القمحاوي

إن أول شيء ينبغي عليك القيام به أن تكون كتوما، بقدر الإمكان، فيما يتعلق بحكمك علي هذه الإجراءات، وما لم يوجه إليك سؤال مباشر فعليك ألا تقول شيئا علي الإطلاق، وما ينبغي أن تقوله يتعين أن يكون مقتضبا وعاما، دعهم يلاحظون أنك تؤثر ألا تناقش الأمر، وأنك ضقت ذرعا به، وأنك لو تركت لنفسك العنان لاستخدمت أسلوبا عنيفا، إنني لا أطالبك بطرح أية أكاذيب، علي الإطلاق، ينبغي أن تطرح إجابات مقتضبة، مثل: نعــــم لقد شاهدت تنفيذ الحكم، أو نعم لقد تم إيضاح الأمر لي ہ

هكذا أخذ الضابط السادي يوجه المستكشف الذي وصل إلي الجزيرة الغامضة لتفقد آلة التعذيب الجهنمية في نوفيلا فرانز كافكا في مستوطنة العقاب . الضابط في هذه النوفيلا الغريبة كان آخر سلالة الساديين ويتمسك بآلته التي يدينها القائد الجديد ويحاول إبطال عقوبتها الوحشية، حيث يوثق المحكوم عليه مطروحا علي وجهه علي جزئها السفلي، بينما يتحرك الجزء العلوي ليحرث بالإبر ظهر الضحية حتي الموت، وبعد ذلك يُلقي بجثته في الحفرة التي امتلأت بدمائه أسفل الآلة.

الكاتب الذي كتب أعماله في بداية القرن العشرين وتركها وصية سرية ونبوءة لما سيجري من قمع في قرن موحش بالحروب والإيديولوجيا، مضي بأحداث قصته حتي أقام الضحية في اللحظة الأخيرة، وجعل الضابط اليائس من التأييد يستلقي داخل آلته ليكون آخر ضحاياها ويدفن إلي جوار قائده المؤسس.

ولا تنتهي القصة بهذه الخاتمة المريحة، لأن كافكا لم ينس أن ينبهنا إلي عبارة منقوشة علي باب قبر رائد التعذيب تتنبأ بأنه سوف يعود بعد عدد معين من السنين ليقود أنصاره لاسترداد المستعمرة!

وإذا كان علينا أن نثق في الكتابة الجيدة فإن بوش وأتباعه هم بالحقيقة هذا القائد وأعوانه.

القائد قام!

بالحقيقة قام، وأعاد تزييت آلة العذاب بعد أن حول العالم إلي مستعمرة واحدة كبيرة ومهزومة، وحول سكانها إلي مستكشفين ينبغي عليهم ألا يقولوا شيئا علي الإطلاق، وإن قالوا فبعبارات مقتضبة نعم شاهدنا تنفيذ الحكم .

لم يفت كافكا سوي التنبؤ بمولد الفضائيات؛ تلك التي جعلت سكان العالم أجمع شهودا، إذ ينفذ بوش حكمه في أبي مصعب الزرقاوي الذي ـ كقطط الفراعنة ـ يمكنه أن يتلبس أي جسد من أجساد سكان الفلوجة حتي الأطفال منهم والنساء، بل والقطط والأشجار. لهذا كان إعدام الجرحي والحرق لكل ما ينبض بالحياة مجرد إجراء احتياطي يضمن تنفيذ الحكم دون هروب روح الزرقاوي مثلما فعلت روح ابن لادن من قبل إذ أفلتت من العــقاب رغم إبادة الآلاف من أبناء الشعب الأفغاني.

روح ابن لادن قفزت فوق آلاف الجثث المتعفنة، متخفية في جسد حصان.

وقائد مستوطنة العذاب العالمية يعرف هذه الحقيقة، وسوف يتدارك الخطأ في العراق. وهو مثل ضابط قصة كافكا، يصدر حكمه الفاصل دون أن يتيح للضحية فرصة الدفاع عن النفس لأن هذا الدفاع سيفتح الباب أمام الأكاذيب بينما هو يعرف الحقيقة. ابن المستوطنة الأوروبية السابقة يعرف أن الوطن كلمة معجمية بائسة لاوجود لها إلا في مخيلة أبناء الأمم البائدة الذين يجب أن ينالوا الراحة الأبدية قبل أن يتبجحوا بكلمة وطن .

كل من يحمل السلاح إرهابي وعلي جميع الشهود أن يحنوا هاماتهم وهم يعلنون باقتضاب: لقد شاهدنا تنفيذ الحكم أو نعم لقد تم إيضاح الأمر لنا !

قائد التعذيب الذي قام لن يسره أن يموت ثانية حتي لو أمات الناس جميعا. ومن العار أن يقف العالم باطمئنان رسولي ينظر إلي آلة التعذيب الوحشية انتظارا لقرقعة أجزائها وتحللها من تلقاء نفسها.

من العار أن ننتظر بهذا الاطمئنان الجبان مبادرة بوش وشارون وبلير بتــــناوب النــــوم علي الآلة ليكونوا آخر وقودها.

ما يحدث غير عادي وعلي كل المستكشفين من سكان العالم أن يتذكروا هذا.

ما يجري في العراق غير عادي، وما يجري في فلسطين غير عادي حتي لو تخطي ثلاثة أرباع القرن، بل إن استمراره دليل دامغ علي شذوذه.

والمثقفون علي وجه الخصوص؛ هنا وفي كافة أقطار الأرض، يعرفون منذ البداية خطورة الاعتياد الذي يخلقه تكرار الصور. وعليهم ألا يسقطوا في هذا الفخ، عليهم أن يتذكروا ويذكِّر أحدهم الآخر في كل فرصة: هذا الجنون غير عادي .

المثقفون علي وجه الخصوص عليهم أن يفعلوا شيئا.

مفكرو عصر التنوير تمكنوا من ترويض وحوش الدولة القومية وكانت كلماتهم إشارة بدء للأزمنة الحديثة. وإن أحدا في زمن السماوات المنتهكة بقاذفات القنابل الأمريكية لن يحق له أن يدعي بأنه يمتلك شيئا من شرف المهنة النبيلة دون أن يعمل علي ترويض هذا الوحش العالمي.

المقاومة لا تزال ممكنة وضرورية لإنقاذ ما تبقي من الحياة.

وإذا كان مستكشف قصة كافكا اللامبالي قد وجد في النهاية نوتيا جدف به علي مركبه بعيدا عن مستوطنة العقاب بنبوءتها المعلقة، فإن أحدا ليس بوسعه الهرب من مستوطنة بوش العالمية.

ہ في مستوطنة العقاب ، فرانز كافكا، ترجمة: كامل يوسف حسين ـ شرقيات ـ القاهرة

[Katamando]

هل من الممكن أن أفهم ما هو الغرض من هذا المقال ؟ ولماذا تعرضه علينا؟

[homer]

كافكا يا زعيم

[Gharib fi el zolomat]

هل هناك شيئ مسيئ بالمقال???