أبو يمنى بتاريخ: 30 يناير 2012 تقديم بلاغ مشاركة بتاريخ: 30 يناير 2012 (معدل) - الحمدلله . "ثم دخلتْ سنةُ ثنتين وثلاثين وأربعمئةٍ وألفٍ ! وفيها كانتِ الحوادثُ العظامُ، والأحداثُ الجسامُ، وانتظمَ فيها من جليل الوقائع ما لم ينتظمْ في سواها، وشهدتْ فيها أمةُ العرب من زوالِ الملكِ، وتحوُّلِ الأحوالِ، وتبدُّلِ التصاريفِ مالايكون مثلُهُ إلا في المدد المتطاولةِ، والأزمنةِ المنفسحةِ. وماعلمنا في التاريخِ قطّ أن ملوكاً ثلاثةً كباراً زالَ ملكُهُم في عامٍ واحدٍ إلا ماكان في هذه السنةِ العجيبة! ففيها فرَّ طاغيةٌ ظالمٌ كان يحكمُ أرض القيروانِ، يُقال له: ابن عليّ! وقد ذكروا أنَّه ماترك سبيلاً يُحاربُ به الدين إلا سلكه! ولاهداه شيطانُهُ إلى شيءٍ فيه منقصةٌ للإسلامِ ورجالِهِ وتضييقٌ عليهم إلا أخذ به! فسجَنَ وعذَّبَ وقتلَ، ثم لم يرضَ حتى حوَّلَ بلادَ القيروانِ من عاصمةٍ شامخةٍ من عواصمِ الإسلام، وقلعةٍ منيعة من قلاع العلم، إلى حانةٍ كبيرةٍ، يتسلى فيها الفرنجةُ بكشفِ عوراتِهم، وإتيانِ رذائلهم، وقد بلغني فيما يرويه الثقاتُ أنَّ المسلمة العفيفةَ ماكانتْ تسطيع أن تلبسَ حجابَها، وأنَّ جلاوزةَ هذا الظالم ربما نزعوه عنها في الطرقاتِ وأماكنِ العمل! فالحمدُ لله الذي عجَّل بهلاكِهِ. والعجيبُ أنَّ الله قد جعل مبدأ هلاكِهِ على يدِ فتى فقيرٍ كان يبيعُ ثمارَ الأرضِ يتعففُ بذلك عن السؤال، فلمّا استبدَّ به الفقرُ، وغاظَهُ أن تمتدَّ إليه يدُ ذاتِ سوارٍ تلطمُهُ، أحرق – غفر الله لنا وله – نفسه، فلم يلبثْ أن هاجَ الناسُ ففرَّ ( بائعُ البلادِ ) بفعلةِ ( بائع الخضار ) ! ولله الأمر من قبل ومن بعدُ . وفيها أُسِرَ فرعونٌ كان يحكمُ أرضَ مصر، جعل عاليها سافلها، واتخذ له من سِفْلةِ الناس أعواناً وأنصاراً، فكان منهم الوزير والمدير والخفيرُ والساعي بالفساد والمغتصبُ لحقوق الناس والمشيعُ للفاحشةِ. وقد ذكروا أنّ شرَّ خصاله أنّه كان ردءاً لليهودِ يظاهرهم على بني دينه من أبناء فلسطين، ولقد سمعنا عن حصارِ القلاعِ، والمدنِ، ولكنّنا ماسمعنا قطُّ أن حاكماً مسلماً يحاصرُ شعباً مسلماً بأكمله سنين متطاولة، لايبالي بموتِ من ماتَ، ولا بهلاك من هلك، ولا بجوع من جاع، ولا بمرض من مرض! ولم أر فيما رأيتُ من تواريخِ الأمم والملوك والطغاة والظالمين حصاراً يكون تحتَ الأرض كما يكون فوقها! فقد ذكروا أنّه لم يرضَ بغلقِ المنافذِ ونصبِ العسكرِ على الحدود حتى شقَّ في الأرض شقاً عميقاً ثم دلّى فيه من ألوانِ الحديدِ وغيره ماصنع به جداراً يَعْيا الحاذقُ بنقْبِهِ، وأعجبُ من هذا أنَّه جعل فيه شيئاً لا يُدرى ماهو يجعلُ المرءَ إذا لمسه ينتفضُ فيموتُ! ثم هو بعد ذلك يبسطُ لليهود بيمينه ما قبضه عن الفلسطينيين بشماله، ولقد جعل الحر عبداً، والعبدَ حراً، حتى لَمصرُ في عهدِهِ أحقّ بقول أبي الطيب : نامتْ نواطير مصرٍ عن ثعالبِها ... فالحرُّ مستعبدٌ والعبدُ معبودُ فلم يلبثِ المصريون الأحرارُ أن ذَكَروا به الحاكم بأمر الله .. فهاجوا عليه كما هاجوا من قبلُ على الحاكمِ على أنّهم أسروه ولم يقتلوه. وقيل: إنّه احتشد في أرضٍ يقال لها التحريرُ ( ثمانية ألفِ ألفِ إنسان) فيهم الرجل والمرأة، والصغير والكبير، والمسلمُ وغير المسلم، فمازالوا ثَمّ يهتفون ويصرخون مارفعوا سلاحاً ولا آذوا إنساناً، ولا تلطخوا بجريرة، وظلوا لا يبرحون حتّى تنحّى ذلك الحاكمُ وأُخِذ أسيراً. وقيل: إنه بكى طويلاً لما زاره صديق قديم! ولله في خلقه شؤون ! وفيها قُتِلَ طاغوتٌ من طواغيتِ الأرضِ عزّ نظيرُهُ. قتلَهُ من قتلَهُ بعد أن أُخذَ أسيراً من سَرَبٍ كان قد اختبأ فيه ذليلاً بعد عزة، قليلاً بعد كثرة. قالوا: وكان هذا الرجلُ ولي أمر طرابلس وماحولها أربعين عاماً، ماترك قتلاً ولا ظلماً ولا نهباً ولا جنوناً ولاحماقةً إلا أتى بها! وبلغَ من حمقِهِ أنّه كان يلتقطُ المزقَ من الأقمشةِ فيجعل منها ثوباً! وأنّه كان يقف بين ملوك الأرضِ فيسخر ويهزأ ويتمخرقُ ويمزق الأوراق ويلقي بها في وجوه الناس! وأنّه جعل لنفسِهِ لقباً عجيباً ماعرف الناسُ أطولَ منه! وأنّه كانت له خيمةٌ يطوف بها الأرض، يضربُ أوتادها حيثُ حلَّ، ثم تكون هي مجلسَه ومضافتَهُ، وربما نصبها بجوار القصر الكبير الفخمِ، ثم يأتيه الرئيسُ أو الملك فلا يُجلسُهُ إلا فيها! وأنّه لم يرض أن يؤرخ بتاريخ المسلمين ولا بتاريخ غيرهم ! فابتدع لنفسه تاريخا ابتدأ من وفاةِ نبيّنا صلى الله عليه وسلم! ثم ألقى بأسماء الأشهر التي عرفها العربُ والعجمُ وسمى شهوره : أين النار! والماء! والتمور! والطير! وهلمّ جراً. وبلغَ من حمقه كذلك أن صنّف كتاباً سماه ( الأخضر ) ادّعى أن فيه صلاح العالمين، وخلاص الأرضِ من فقرِها وعنائها، وأنَّه دستورُ العصرِ سياسةً واقتصاداً! وفي الجملة فإن غرائبه لا تحصى. ومن وقائع هذه السنة كذلك ما فعله حاكمُ الشام لما تنادى أهلها بطلبِ حقوقهم وحريتهم، فلم يلبث أن سلط عليهم جلاوزتَه، ونفراً كانوا يُسمونهم ( الشَّبِّيْحة)، واحدُهم (شَبِّيْح)، وهو الرجلُ من غير العسكرِ يُعطى السلاحَ فيفعل به مايشاءُ. وفعل الرجلُ في أهل الشام مالو وجده إبليسُ في صحائفِهِ لأخزاهُ واستحيا منه! ومثلُ ذلك فعلُهُ رجلٌ ظلَّ يحكم اليمن ثلاثين عاماً، فلما ملّه الناسُ، وآذنوه بالرحيل، عاجلهم قصفاً وقنصاً وقتلاً وجرحاً، فكان ماكان مما لستُ أذكره! ثم انقضت هذه السنة ودخلت سنةُ ثلاث وثلاثين وأربعئمة وألف .. وفيها .. " . اهـ . هذا ماتصورتُ أنَّ المؤرخ الكبير الإمام ابن كثير سيكتُبُهُ لو قُدِّر له أن تكون هذه السنةُ العجيبةُ ضمنَ ما أرَّخ له في كتابِهِ الفذّ (البداية والنهاية). وإنما سلكتُ هذا المسلكَ لأبيِّن بتكثيف شديدٍ وبشيء من الطرافة كذلك حجم المفارقات التي عشناها، وكيف سينظرُ إليها التاريخُ إليها من بعدُ. أيها الأحبة .. بعد أسبوعٍ من الآن نطوي صفحةَ أعجبِ عامٍ هجريٍّ عشناه، وأحفله بالحوادث والتغييراتِ. ماجرى في هذا العام .. كان شيئاً مختلفاً بكل المقاييس. انقلابُ موازين القوى لصالح الشعوبِ .. هلاك الطغاة والظالمين .. تبدُّل مواقف الأنظمة والمؤسسات الدولية العربية .. صعودُ نجم الإسلاميين وتصدُّرُهم لقيادة العمل السياسي في بلدانهم .. أشياء لم يكن أكثرُنا إغراقاً في الحلم والخيال يتوقعها أو يتصوَّرُها .. هذا على المستوى الدوليّ .. وعلى المستوى المحلي الداخليّ كذلك .. حصلت تحوُّلاتٌ كثيرة ! فكرياً .. بلغت النقاشاتُ اليوم بين التيارات الإسلامية حول الشريعة وتطبيقاتها حداً غير مسبوقٍ، وارتادَت نقاطاً حرجةً كان يمرُّ بها مرَّ الكرام، ولكن بشائر التطبيق الميدانيّ أجبرتِ الفكر الإسلاميّ على أن يقف عندها. وبدأتْ بعضُ ملامح المنظومة الفكرية، والتصوّر الكلي للإسلامِ وتمثلِهِ تخضع للمراجعةِ والمفاتشةِ. واجتماعياً .. أصبح الصوتُ عالياً في موضوعات المرأة وقضاياها، بل تجاوز الأمر رفع الصوت إلى صدور قرارات قد تغيِّرُ الوجه الاجتماعيّ للبلادِ كقرارات مشاركة المرأة في الشورى والمجالس البلدية، وكل واقعيّ مستقرئ يتوقع أن تكون هناك قرارات أخرى على النسق نفسه قريباً. وسياسياً .. حوّلت الشبكات الاجتماعية ووسائط الإعلام الجديد قطاعاً عريضاً من شبابنا إلى ناشطين سياسيين، يتابعون الأحداث، ويعلقون عليها، ويناقشون التركيبة السياسية للبلد، ويقترحون، ويقبلون، ويرفضون .. وربما .. وربما يسجنون!! واقتصادياً .. هناك حالةُ طفرةٍ مادية أنعم الله بها علينا، ونسأله أن تدوم وأن تُستثمر على الوجه الصحيح. وأحبُّ أن أؤكد هنا إلى أنَّ كل ماقلتُهُ فيما مضى أقربُ إلى التوصيف منه إلى التقويم، فهي محاولة ناقصة لاستقراء وجوه التغيير، ولاتقصد إلى الحكم عليه، فلذلك مقامٌ آخرُ. ما أقصدُهُ في الجملةِ .. أنّ هذه السنة من بين كل ماعشناه من سنين هي سنةٌ مختلفةٌ، سنةٌ أستطيع أن أسميها سنةَ ( التغيير ) ! وهي شاهدةٌ شهادةَ صدقٍ بأنَّ الأمور بيد الله يجريها كيف يشاء ولو خالفت حسابات الحاسبين وتوقعات المتوقعين. وأنا أدعوا نفسي وإخواني إلى أن نتأمَّل معاً هذا الحشد من الآيات الكريمة في ظل وقائع هذا العام وحوادثه .. فوالله لنجدنَّ لها معنى عجيباً: ( والله غالب على أمره ولكن أكثر الناس لا يعلمون ) ( إنما قولنا لشيء إذا أردناه أن نقول له كن فيكون ) ( إنما أمره إذا أراد شيئاً أن يقول له كن فيكون ) ( فإذا قضى أمراً فإنما يقول له كن فيكون ) ( لله الأمر من قبل ومن بعد ) ( ولله غيب السموات والأرض وإليه يُرجع الأمر كله ) ( ولله عاقبة الأمور ) ( وإلى الله تُرجع الأمور ) ( ألا إلى الله تصير الأمور ) ( ولله مافي السموات ومافي الأرض وكفى بالله وكيلا، إن يشأ يذهبكم أيها الناس ويأتي بآخرين وكان الله على ذلك قديرا) ( وربك الغنيّ ذو الرحمة إن يشأ يُذهبكم ويستخلف من بعدكم مايشاء ) ( قل إنما يأتيكم به الله إن شاء وما أنتم بمعجزين ) ( أفأمن الذين مكروا السيئات أن يخسف الله بهم الأرض أو يأتيهم العذاب من حيث لايشعرون، أو يأخذهم في تقلبهم فما هم بمعجزين). ( وقالوا من أشدّ منا قوة، أولم يروا أن الله الذي خلقهم هو أشد منهم قوة) ( ثم استوى على العرش يدبّر الأمر ) ( يدبر الأمر من السماء إلى الأرض ) ( وماتشاؤون إلا أن يشاء الله رب العالمين ) إنها شواهد صدق، ونواطقُ حقٍّ بأنَّ الله جلَّ جلالُهُ على كل شيءٍ قدير. أيها السادة ... إنَّ الدرسَ الذي أجدُهُ ملائماً جداً بنهاية هذا العام خصوصاً هو (درس التغيير) فمن العيب حقاً .. أو من الغريب على الأقل .. أن يشهد الإنسان عاماً كهذا حافلاً بتغييراتٍ جسامٍ عظامٍ ثم يخرجَ منه وما غيَّرَ من نفسه شيئا !! أو تتغير الدنيا كلها من حولك وأنت لاتتغير ؟ يتبدّلُ كل ماحولك وأنت أنت لا تتبدَّل ؟ لستُ هنا بصدد الحديث عن ( المبادئ والقيم ) حتى يعترض عليّ أحدٌ بمبدأ الثبات وضرورته، أتكلم هنا عن التغيير نحو الأفضل، عن مفارقة الإنسان موضعه ليتقدّم، عن صنعِ شيءٍ مختلف يجعل منك شخصاً مختلفاً بحيث تكون في غدك خيراً منك في يومك. أعتقدُ أن من أبسط حقوق هذا العامِ على كل واحدٍ منا أن يتخذ قراراً تغييرياً ما .. في توجهه نحو الله، في وظيفته، في حياته الاجتماعية، في أخلاقه، في أهدافه، في نمط حياته .. إنَّ التغيير أيها الأحبة – ومرة أخرى أؤكد أنني أقصد التغيير نحو الأفضل – إنّ التغيير ضرورة دينية، وفطرة إنسانية، وحاجةٌ حياتيّة. فهو ضرورة دينية لأنَّ الإسلام في حد ذاتِهِ أكبرُ تغيير في حياة الإنسان عندما ينتقلُ من كفرٍ إلى إيمان. والكثير من المفاهيم الإسلامية هي مفاهيم تغييرية، فمفهوم التوبة مفهوم تغييري يتغيّر به الإنسان من المعصية إلى الطاعة، ومفهوم الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر مفهوم تغييري يتجاوز به الإنسان تغيير نفسه إلى تغيير مجتمعِهِ، ومفهوم المسابقة للخيراتِ أيضاً مفهوم تغييري يتميّز بالديمومة، ( وسارعوا إلى مغفرة من ربكم ) ، ( سابقوا إلى مغفرة من ربكم ) ، ( إنهم كانوا يسارعون في الخيرات ) . وحتى المفاهيم التي يرفضها الإسلام كثيرٌ منها مفاهيم قائمةٌ على الجمود وعدم التغيير نحو الأفضل. انظر مثلاً إنكار الإسلام على مفهوم ( الآبائية ) أي: التقليد الأعمى للآباء .. ( وكذلك ما أرسلنا من قبلك في قرية من نذير إلا قال مترفوها إنا وجدنا آباءنا على أمة وإنا على آثارهم مقتدون ) هذا الإنكار في حقيقته هو إنكار على الجمود والتكلُّسِ ودعوة إلى التغيير ونشدان الأفضل. وكما أن التغيير ضرورة دينية فهو كذلك فطرةٌ إنسانية. تأمل نفسك في جانبك الإنساني .. جسدك يتغير، خلاياك تتغير وتتجدد، شعرك يتغير، أظافرك، كثيرٌ من تفاصيل جسدك، مشاعرك أيضا تتغير من وقت لآخر، أفكارك مفاهيمك قناعاتك مع الزمن .. إنها تتغير بشكل طبيعي وتلقائي. إنّ التغيير مفروض عليك في جوانب كثيرة .. وبقي الجانب الاختياري جانب السلوك .. عليك أن تتخذ قرارك التغييري الإيجابي فيه لتكون أكثر تناسقاً مع فطرتك الإنسانيّة. ثمّ إن التغيير حاجةٌ واقعيّةٌ .. انظر إلى نفسك .. إلى أسرتك .. إلى مجتمعك .. إلى دولتك .. إلى أمتك .. ألستَ ترى كثيراً مما لا يسرُّك ؟ أليس التغيير الإيجابيّ هو السبيل لتجاوز هذه السلبيات ؟ أيمكن لنا أن نخطو أي خطوة للأمام ونتجاوز أي سلبية إذا لم نغير في حياتنا أي شيء مطلقا ؟! إن الله سبحانه قد ربط التغيير بالتغيير .. ( إن الله لايغير ما بقوم حتى يغيروا ما بأنفسهم ) ( ذلك بأن الله لم يك مغيراً نعمةً أنعمها على قوم حتى يغيروا ما بأنفسهم ). فلننشط إذن إلى التغيير في عام التغيير . = الخطبة الثانية : حين يتخذُ الإنسان قرار التغيير يكون قد خطا خطوته الأولى . ولكن يلزمُهُ بعد ذلك أن يتخذ الوسائل الصحيحة .. والخطوات الفاعلة لتحقيق هذا الحلم التغييريّ . لا أريد هنا تحويل الخطبة إلى (دورة إداريّة) .. ولكنّ ثمتَ معاني من الضروري جداً أن تُساق هنا .. ليتحوّل التغيير من حلُمٍ إلى واقع. أول هذه المعاني .. ( التوكُّل على الله ) .. القلوب بيد الله .. والجوارح بيده .. وتصريف الأقدار بيده .. فإياك أن تغفل عنه وأنت تسعى للتغيير .. توكل على الله ولا تتكل على نفسك .. إنّ الإنسان مفتقر إلى الله افتقاراً ذاتياً في كل حياته ، وحاجته إلى عون مولاه في تحقيق أهدافه لا تقل عن حاجته إليه في بقاء حياته ، وانضباط تنفسه ، وجريان دورته الدموية . (( يا أيها الناس أنتم الفقراء إلى الله والله هو الغني الحميد )) ، (( والله الغنيّ وأنتم الفقراء )) . وصدق الشاعر إذْ يقول: إذا كان عون الله للمرء صاحبا تهيا له من كل صعب مراده وإن لم يكن عون من الله للفتى فأول ما يقضي عليه اجتهاده والمعنى الآخر الضروري هو التوازنُ بين واقعك وطموحك، بين ما تقدر عليه وما ترغب فيه، فلا يليق بك أن تستأسر لواقعٍ مخذِّلٍ، ولا يليق بك أن تجري وراء حلمٍ جامحٍ. كن وسطاً .. يجذبُك واقعك إلى حدود الإمكان، ويقفز بك طموحكَ إلى أقصى مكانْ .. وبين هذين أنت تتوسط، فلاترتهن للواقع، ولاتجري وراء الخيال. وقد أحسن من قال: " والإسراف في الحسابات على قاعدة وجوب دراسات الجدوى إنما يليق بالشركات لكن ميادين الفكر والتربية والتأثير السياسي ينبغي أن تحكمها قواعد دراسات النفس. ومفاد تجربة المتأصّلين الوصية بإرخاء العنان لتطلعاتها والاستجابة لنداء الطموح" فإن تكن الأيام فينا تبدلت بنعمى وبؤسى والحوادث تفعل فما لينت منا قناة صليبة ولا ذللتنا للتي ليس تجمل ولكن رحلناها نفوسا كريمةً تحمل ما لا تستطاع فتحمل وقال إبراهيم الخواص : ماهالني شيء إلا ركبته ! والمعنى الثالث : الوضوح وأكثر ما أشتكي منه ويشتكي منه الكثيرون أنَّ أهدافنا التغييرية لاتكون واضحةً تماماً ! ( إن هناك ثلاثة مستويات من الأهداف : أهداف عامة ، وأهداف مرحلية ، وأهداف سلوكية إجرائية )) [ دليلك الشخصي للسعادة والنجاح : 40 ] والمشكلة أن بعضَ أهدافنا عامةٌ جداً لدرجةٍ يصعبُ معها أن نمارسَ فعلاً تغييرياً محدداً ! ولذلك نحن بحاجةٍ للتدريب على ( مَرْحلةِ ) أهدافنا وجعلها في ثلاث مراحل . المرحلة الأولى : الأهداف العامة الكبرى. المرحلة الثانية : الأهداف المرحلية .. بمعنى أن نقسّم ذلك الهدف الكبير إلى مراحل ، ونحدد المرحلة التي تسعها سنتنا القادمة، فإذا كان هدفُ أحدنا أن يصبح عالما مثلا ، فإنه يقسم هذا الهدف إلى مراحل : الأولى : أن يدرس كتاب كذا في الفقه ، والثانية : أن يدرس كتاب كذا في الأصول ، والثالثة : أن يدرس كتاب كذا في النحو .. وهكذا ، ثم يقول : في عامنا القادم سأدرس كذا وكذا تحديدا . وإذا كان يريد أن يحفظ القرآن كاملا .. فإنه يقسم ذلك إلى مراحل ، كل مرحلة على سبيل المثال خمسة عشر جزءا وتمتد لسنة . وهكذا . المرحلة الثالثة : الأهداف السلوكية الإجرائية .. أي الأهداف المحددة التي هي عبارة عن خطوات عملية ، ويسميها البعض الوسائل ، فيقول مثلا في شأن طلب العلم : سأخصص كل يوم ساعة بعد العصر أقرأ فيها مع الشيخ فلان الكتاب المقرر ، أو يقول : سأفرغ ما بين المغرب والعشاء لأحفظ كل يوم نصف صفحة وأراجع خمس صفحات . وبمثل هذه القسمة يتفتت الهدف الكبير الذي قد يبدو بعيدا إلى خطوات سهلة وواضحة ويمكن متابعتها بشكل يوميّ واضح . وثمتَ معانٍ أخرُ ضرورية ولكن المقام لا يتسعُ لها .. وحسبك من القلادة ما أحاط بالعنق . وأنت إن تأملتَ وجدتَ أصول هذه المعاني وجماعها –ماذكرتُ منها ومالم أذكر- في الوصية النبوية الشريفة لأبي هريرة رضي الله عنه حين قال له: ((المُؤْمِنُ الْقَوِيُّ، خَيْرٌ وَأَحَبُّ إِلَى اللهِ مِنَ الْمُؤْمِنِ الضَّعِيفِ، وَفِي كُلٍّ خَيْرٌ احْرِصْ عَلَى مَا يَنْفَعُكَ، وَاسْتَعِنْ بِاللهِ وَلَا تَعْجَزْ، وَإِنْ أَصَابَكَ شَيْءٌ، فَلَا تَقُلْ لَوْ أَنِّي فَعَلْتُ كَانَ كَذَا وَكَذَا، وَلَكِنْ قُلْ قَدَرُ اللهِ وَمَا شَاءَ فَعَلَ، فَإِنَّ لَوْ تَفْتَحُ عَمَلَ الشَّيْطَانِ)). [مسلم] رابط المقال على موقع الدكتور عادل با نعمة تم تعديل 30 يناير 2012 بواسطة تامر حسن محمد اقتباس رابط هذا التعليق شارك المزيد من خيارات المشاركة
أبو يمنى بتاريخ: 30 يناير 2012 كاتب الموضوع تقديم بلاغ مشاركة بتاريخ: 30 يناير 2012 (معدل) خطبة طيّبة حول قضية الثورات العربية ولا تخلو من بعض اللطائف . تم تعديل 30 يناير 2012 بواسطة تامر حسن محمد اقتباس رابط هذا التعليق شارك المزيد من خيارات المشاركة
Recommended Posts
انضم إلى المناقشة
You are posting as a guest. إذا كان لديك حساب, سجل دخولك الآن لتقوم بالمشاركة من خلال حسابك.
Note: Your post will require moderator approval before it will be visible.