اذهب إلى المحتوى
محاورات المصريين

أبي: هل أتاك حديث يعقوب


راشد المزروعي

Recommended Posts

السلام عليكم ورحمة الله وبركاته

أبي : هل أتاك حديث يعقوب؟

أبي : هل أتاك حديث يعقوب عليه السلام ؟ هل قرأت القرآن يا أبي و تفكرت في أحسن القصص , اقرأ فإن من القصص عبرة , ومن العبرة حكمة .

كان لسيدنا يعقوب اثنا عشر ولدا من البنين , فغلبته عاطفته بحب يوسف و لم يخف ذلك عن أخوة يوسف الذي كان يتحلى بحسن الخلق و الخلقة , و لقد أثار تفضيل يعقوب عليه السلام ليوسف غيرة أبناءه الآخرين , مما دفعهم للتآمر على أخيهم و التخلص منه ليخلو لهم وجه أبيهم , فقرر الأخوة التسعة التخلص منه , فأشار بعضهم إلى قتله أو رمية في أرض بعيدة ثم يتوبوا, إلا أخوهم الأكبر فقد خالفهم الرأي و قال: لا تقتلونه و أرموه في البئر تأت قافلة تأخذه , فيصفو لكم وجه أبيكم , فاتفقوا على ذلك , و عادوا إلى المنزل يتوددون إلى يوسف أمام سيدنا يعقوب و يمسحون على رأسه و يتظاهرون بالحب له, ثم طلبوا من أبيهم أن يدع يوسف يخرج معهم يلعب و يلهو , ولم يكن مطمئنا لهم عليه السلام , إلا أنه سمح لهم بأخذه . فذهبوا به ثم رموه في البئر .

و لقد قص الله علينا هذه القصة لنعتبر, و مثل قصة يوسف عليه السلام كثيرة , في الأزمنة الماضية أو في هذا الزمان , فكم من بيت هُدم بعاطفة غير عادلة من الوالدين , و كم من صراع نشب بين الأخوة لقلة حكمتهم .

و لذلك أقول إن للبيوت قواعد غير التي نراها و المتشكلة من الأسمنت , فهناك قواعد معنوية لا تُرى بالعين و إنما بالقلب و الأحاسيس و دون هذه القواعد لا قيمة للبيت, و إذا أختلت قاعدة معنوية واحدة يوشك البيت أن يتداعى و يهدم .

وأهم هذه القواعد المعنوية: وجود الأبوين و صلاحهم وحكمتهم و المشاعر المتبادلة بين الأبناء .

فوجود الأبوين يجعل للأسرة أهمية عند الأبناء و احتراما للعلاقة الأسرية , و خاصةً إذا كان الوالدان صالحين و على وفاق , و ربوّا أبنائهم على ما هم عليه من الصلاح, و حرصوا على التقريب و العدل بينهم , ولا يُقربان أو يعطيان ابنا أكثر من الآخر , فذلك بلا شك يشعل الغيرة و تخلق الحواجز بينهم , و العاقل منهم سيرغم نفسه على عدم المبالاة لما يراه , و المؤمن سيتجاهل و يتغاضى عن ذلك بزهده عن الحياة و طلبه الآخرة , ولكن لماذا نخلق هذا الشعور في أبنائنا من الأساس؟

فعلى الوالدين أن يفهوا المعادلة الثابتة وهي أنهم إن فضلوا أحد ابنائهم سيبتعد الآخرون عنهما تلقائياً ولا إرادياً , و بدل من كسب مودتهم و التفاف أبناءهما حولهما, سيجدون التواصل بينهم كاتصال هاتفي ضعيف الإرسال متقطع و صعب .

يقول لي أحد الأصدقاء: قالت لي أختي أبي يُفضلك على أخوتك , فقلت لها: كيف عرفتي ذلك؟, قالت: من معاملته معك و تودده لك و الثناء عليك . فقال لها: هذا ليس صحيحاً . وفي نفسه يقول: فعلاً.

و لم يلاحظ تفضيل والده له إلا عندما أخبرته أخته , و ليس العجيب في هذه القصة تفضيل أبيه له ,و لكنك ستتعجب من تصرفه إزاء ذلك , هو بطبيعة الحال سعيد برضا والده ولكن لا يسعده تمييزه عن أخوته , و من رجاحة عقلة لم يقل: أنا أحسن من أخوتي. بل خاف على والده من الذنب , و تذكر قول الرسول صلى الله عليه وسلم "أعدلوا هو أقرب للتقوى واتقوا الله" .

فكان حب الأبن لأبيه كبيرا إذ خاف عليه من الذنب و الخطأ , فقرر أن يبتعد قليلاً و لكن دون أن ينقص من بر أبيه , و إذا جلس معه يثني على أخوته , و يظهر له محاسنهم , فكان تصرفه فيه الحكمة و صفاء القلب , ولو كان لئيم لفرح و سعد دون أن يبالي بالعواقب التي تنتظر والده جراء عدم عدله و مساواته بين الأبناء من الآثام .

وأما اللئام فهم كثر, و منهم رجل قدمه والده على سائر أخوته , و حرص على أن يبقى هو المفضل بوقاحة , فتارةً يذم بعض أخوته أمام والده , و تارةً يقطع حديث من يثني على أخوته عند والده , و تارةً أخرى, إذا قصر أحد أخوته و لّومهُ والده و قدم الأبن الأعذار , يسعى هو بتجريده من الأعذار لإثارة والده على أخوه , و أنا حقيقةً لم أعلم بهذه التصرفات إلا في النساء لكثرة غيرتهن , ولم أعرف في الرجال هذا الطبع .

و النوايا في القلوب لا يعلمها إلا الله و وصاحب النية , و إن الله يعطي الإنسان على قدر النوايا , فإن كان خيراً فله الخير , و إن كان شراً كان مآبه شرا , و مثل أبناء يعقوب كثر , و قد يختلف الشكل و يكون شخص واحد في العائلة يشبه أبناء يعقوب, و لكن الفكرة لا تختلف - غيره و حسدا - . فعجباً لمن ترك منافسة الناس في الخير و قعد ينافس أخوته في باطل و يمكر لهم ظناً منه أن في ذلك عز الدنيا , لا والله أنه خزي في الدنيا و الآخره , و إذا أبتليت بأخوة يوسف , فكن في مقام يوسف , الذي علا مقامة بحسن نيته , و ترك لهم الدنيا مرضاة لربه , حتى أتوه إخوانه مصر مكسورين مذلولين , و مع ذلك عفا عنهم و لم يلومهم و كان من الصافحين , و اجعل غاية مرادك رضى والديك و برهما , فهي التي تدخلك الجنة و ترضي الرب عنك وتذكر قول علي بن أبي طالب : "إذا نافسك الناس في الدنيا فنافسهم في الآخرة" .

فمن كان قلبه حي , لابد أنه فيه الرحمة , و في زوال الرحمة شقاء الإنسان , و إن الغيرة والرحمة كالشمس والماء , فحرارة الشمس تبخر الماء , و حرارة الغيرة تبخر الرحمة , كما حدث في قصة هابيل و قابيل , حين تنازع الأخوين في الزواج من أختهم , و أختار الله سبحانه و تعالى قربان هابيل , فعمت عين قابيل الغيرة و بخرت الرحمة من قلبه , مما جعله يقبل على قتل أخيه ظلماً و عدواناً , و بعد أن قتل أخاه , جعل يبكي عليه ندماً حتى تجمعت عليه الغربان و السباع .

فالغيرة بين الأخوة لا تعني كرههم لبعضهم , و إنما زوال الرفق بينهم .

فمن كان حقوداً على إخوانة غيوراً منهم , فهو أشد حقداً على الناس لو وُلي أمرهم , و بعض العائلات يسكنون في منزل واحد و من شدة خلافاتهم لا يأكلون على مائدة واحدة , و من جانب آخر, نعرف عائلات مَنَ الله عليهم بالرفق , يسأل الأخ عن أخيه , والأخت عن أختها , و يؤثر في الخير كل منهم الآخر على نفسه .

رسالة إلى كل أب و أم: أنكم تبنون بيوتكم سنيناً و تبذلون المال والجهد , فلا تهدموا بيوتكم بعواطفكم.

رسالة إلى كل أخ و أخت: لا تكن أنت سبب زوال الرفق بين أهل بيتك , فالسعادة الأسرية نعمه لا تعوض , و ستبكي ندماً إن رحلوا عنك ولم تسعدهم و تسعد معهم في لحظات حياتهم.

الكاتب: راشد خليفة المزروعي

المصدر الرئيسي

twitter: @rashidkhalifa

05-03-2012

رابط هذا التعليق
شارك

انشئ حساب جديد أو قم بتسجيل دخولك لتتمكن من إضافة تعليق جديد

يجب ان تكون عضوا لدينا لتتمكن من التعليق

انشئ حساب جديد

سجل حسابك الجديد لدينا في الموقع بمنتهي السهوله .

سجل حساب جديد

تسجيل دخول

هل تمتلك حساب بالفعل؟ سجل دخولك من هنا.

سجل دخولك الان
  • المتواجدون الآن   0 أعضاء متواجدين الان

    • لا يوجد أعضاء مسجلون يتصفحون هذه الصفحة
×
×
  • أضف...