Handicraft بتاريخ: 8 يناير 2005 تقديم بلاغ مشاركة بتاريخ: 8 يناير 2005 كل شيء عن الغجر! من هم الغجر ؟ ومن أين يأتون ؟ إلى أين يرحلون ؟ عالم أشبه بالأساطير ، ظن البعض أن ولوجه محرماً. واعتبر كثيرون أنه وقف على أصحابه ، لا يعرف أسراره سواهم ، يطوون هذه الأسرار بين خباياهم ـ في الشتاء يغرقونها في السواحل، وفي الصيف ينقلونها معهم إلى أعالي الجبال. الرجال والنساء يعملون، كل له عمله الخاص به. منذ أمد بعيد والمحاولات جارية للكشف عن سر تلك الجماعات التي تملك في كل بلد مكاناً. والتي تعيش مع الحضارة وعلى هامشها في آن معاً. دويلات داخل الدول، لها كل المقومات إلا مقومات الأرض والحدود. مئات الكتب خصصت للحديث عنهم ، وجميع الوسائل استخدمت لخرق أسرار أصلهم ، وفك رموز رحيلهم الدائم، وتسلسل اختلاط قبائلهم. بيد أن سر الغجر ما يزال غامضاً، وشعبهم ما زال أكثر الشعوب مدعاة إلى الدهشة في تاريخ البشرية. ذلك أنهم آخر من يمد يد العون لعلماء التاريخ، الذين ينكبون على دراسة أصلهم، فيخرجون باستنتاجات متناقضة ، وبلمحات من الحقيقة التاريخية ممزوجة بحكايات وأساطير ، لا يُعرف مدى ارتباطها بالوقائع التاريخية وتضخيمها لها. يعيش الغجر في أوروبا في رحيل بطيء ، ولأنهم رُحّل يبتعد الناس عنهم ويخافونهم . فالناس لا يحبذون أن يتصرف الآخرون على غير شاكلتهم . وهذا ما دفع بالأوروبيين لأن ينظروا إلى الغجر على غير حقيقتهم ، ويحملونهم بعض ما لا يطيقون من الأوزار. اتهموهم بسرقة الأطفال، والواقع أن هذه التهمة لا تمت للحقيقة بصلة، إذ درج الغجر على التقاط الأولاد المنبوذين ، فسارع الناس إلى صبغ هذه العادة بنوايا سوداء ، وقالوا أن الغجر إنما يلتقطون الأطفال لتشغيلهم فيما بعد. قام بعض المؤرخين بإجراء دراسات حول الغجر ، ومن خلال استنتاجاتهم تبين لديهم أن تاريخ هذه القبائل يعود إلى أصول البشرية تقريباً ، أي إلى ما قبل ثلاثة آلاف سنة من التاريخ القديم. فقد تجمعت آنذاك على شواطئ الهندوس قبيلة من الجنس الأبيض ، يتقن أفرادها صنع المعادن ، ويعرفون أسرار البرونز . تلك الأسرار التي اطلعوا عليها شعوباً أخرى ، عندما حان موعد الهجرة الكبرى. بدأت هذه الهجرة حوالي سنة 1000 ق.م ، فانطلق العجر من الهند، وتوجهوا نحو آسيا الصغرى . ومن هناك تفرقوا إلى مجموعتين كبيرتين ، انقسمتا إلى فروع متعددة. اتجهت قافلة جزيرة كريت وبلاد البلقان. وتقدمت أخرى نحو مصر وأفريقيا الشمالية لتصل أخيراً إلى أسبانيا . وتفرع عنها قسم اجتاز شبه الجزيرة الإيطالية ، وعبر منها إلى سويسرا وفرنسا وألمانيا وبلجيكا، ومن هناك إلى انكلترا. ومن الفرعين الأساسيين ، انطلقت فروع في اتجاهات عدة، فبلغت أوروبا الشمالية والدانمارك والسويد. اكتشف المؤرخون أن الغجر زرعوا أولى بذور الحضارة في كل مكان اجتازوه ، منذ أزمنة ما قبل التاريخ . حتى إن هوميروس أطلق عليها اسم «شعب النجمة» . وقد أسس بعضهم بقيادة زعمائهم بلداناً كألبانيا ، التي تأخذ اسمها من كلمة «ألبا» أي أبيض. وكانت كلمة أبيض تطلق على الرؤساء بصفة خاصة ، وتطلق بصفة عامة على الشغب الغازي المنتصر ، بينما تطلق كلمة «أسود» على الشعوب المغلوبة على أمرها. وكان من شيوع استعمال كلمة أبيض عند الغجر ، ما حمل بعض المؤرخين غلى اتخاذها بمثابة مؤشر لتتبع آثار هجراتهم حتى أقدم الأزمنة. فكانت لهم عوناً أكيداً ، لأن تراث هذا الشعب الرّحّال ، تراث شفهي كله ، ينتقل من الأم إلى ابنتها ، ولا يمكن معرفة شيء عنه ، سوى ما يقبل الغجر بكشفه. أسفرت البحوث عن أن الغجر هاجروا حوالي سنة 500 ق.م إلى أسبانيا ، مروراً بالمغرب ، وصادفوا الكثير من الاضطهاد في شبه الجزيرة «الأيبيرية» وأطلق عليهم اسم «السود» ، أما في قشطيليلة فقد أطلق عليهم لقب «خيتانونس» أي الأشرار. ولكن حين يطلب الباحث الحقيقة من أفواه أصحابها ، يجد أن الأساطير تختلط لديه بالوقائع التاريخية . فالغجر يتقنون رواية القصص ، ويزينون بالحكايات الخارقة أطول السهرات ... وهم يؤكدون أنه من الطبيعي جداً أن يرى الغجر المستقبل بأكثر وضوح من سائر الشعوب، لأنهم شعب مختار ، ويؤكدون مقولة عمرها نصف قرن تقول أن الغجر ، حين تحين ساعتهم ، وينتهي الناس البلهاء من إفناء بعضهم بعضاً ، بإطلاقهم قوى عشواء ، ينزلون من جبال تيبت ، ويصبحون ينبوع حياة جديدة على الأرض. ويطلق الغجر على أنفسهم ألقاباً مختلفة ، كأولاد الطرقات ، وشهود الزمان ، وأبناء الرياح لأنهم لا يركنون أبداً إلى مكان ثابت. إن من يستقصي أخبار الغجر ، يتضح له أنهم قد انتظموا منذ أمد بعيد في طبقات اجتماعية تختلف عاداتها وطرق حياتها . انهم يصنفون إلى مجموعتين رئيسيتين : المانوش والروم. يشكل المانوش قاعدة الهرم الاجتماعي عند الغجر ، ويتكلمون لغة ، تقربها من الألمانية نقاط تشابه عديدة . ويكثر من بينهم الموسيقيون وعازفو الكمان والغيتار. أما الروم فينقسمون إلى ثلاث فئات ، أو طبقات اجتماعية : اللوارا ، والتشوراترا ، والكالديراش. يحتل اللوارا مبدئياً قمة الهرم الاجتماعي. ومن وظائفهم الرئيسية نقل أسرار الأجداد من الأم إلى ابنتها ، وكذلك القوانين التي تسير عليها قبائل الغجر منذ فجر التاريخ . وكانت هذه الفئة تحصل على قوتها من الاتجار بالخيل ، ثم ما لبثت أن تحولت ببطء إلى الاتجار بالسيارات المستعملة . وهي تتواجد بكثرة في ألمانيا الغربية وهولندا وبلجيكا وفرنسا. ليس من نقاط تشابه بين اللوارا والتشوراترا سوى تجارة الخيل . وفيما عدا ذلك ، فإن أعضاء هذه الفئة يفضلون المشاجرات على الكمان والغيتار، ويحبون التنقل أكثر من جميع أقرانهم، حتى أنهم نادراً ما يبقون في مكان واحد أكثر من ساعات معدودة. أما الكالديراش ، فهم أقل القبائل تنقلاً ، حتى ليعتبرهم البعض شبه حضر. ومن عاداتهم أن يقيموا في ضواحي المدن ويمارسوا فيها حرفهم اليدوية لبعض الوقت . ثم لا يلبث الحنين إلى الرحيل أن يحملهم على شد رحالهم ، لأنهم هم أيضاً من «أبناء الرياح». الجديد بالذكر أن للغجر ، من حيث أتوا ، وإلى أي طبقة اجتماعية انتموا ، لغة مشتركة أسهمت كثيراً في الحفاظ على وحدة عميقة بين صفوفهم . يقيمون عليهم رئيساً ، يمكن تمييزه بوضوح من عصاه والأزرار المذهبة على سترته . وهذا الرئيس يمارس سلطة قريبة من السلطة المطلقة ، كما أنه يطلق الأحكام القضائية ، ولا استئناف لحكمه. وفضلاً عن ذلك ، فإنه هو الذي يبارك الزواج ، وفقاً لعادات قديمة ، تقوم على تقديم الخبز والملح للخطيبين ، ومبادرتهما بالصيغة التالية : «عندما لا يبقى لهذا الخبز وهذا الملح أي طعم في فمكما ، تكونان قد مللتما واحدكما الآخر» ثم يجرح معصمي الرجل والمرأة ويمزج دمائهما. ووما يذكر أنه قد تردد الحديث في الستينات عن إنشاء دولة مستقلة للغجر ، وقد تدخلت الأمم المتحدة في الموضوع ... ولكن لم يسفر عن أية نتيجة . والسبب الذي أعطى عن ذلك ، هو أن عشرات الألوف من الغجر عارضوا هذا المشروع. لماذا عارض هؤلاء؟ يبدو أن الإجابة عن هذا السؤال تعد من الأسرار التي يحتفظ بها الغجر بشدة. ولكن ما يعرف بالتأكيد ، هو أن الغجر يعتبرون أنفسهم: «أبناء الرياح ... الشعب المختار». يقول مثل غجري: «إذا قطعت غجرياً إلى عشرة أقسام، فلا تظن أنك قتلته. وإنما أنت في الحقيقة قد صنعت منه عشرة غجريين». ------------- ونكمل معا حكايات من تراث الغجر لطالما فقدت الأمل فى هذه البلد الميت... ولكن اليوم تعود الروح للجسد الموهون وتجري فى شريانه دماء الأمل ...فانتظروا بترالأطراف الفاسدة من الجسد. "لا اله الا انت سبحانك ... إنى كنت من الظالمين" "سبحان الله وبحمده سبحان الله العظيم" رابط هذا التعليق شارك المزيد من خيارات المشاركة
Handicraft بتاريخ: 9 يناير 2005 كاتب الموضوع تقديم بلاغ مشاركة بتاريخ: 9 يناير 2005 من حكايات الغجر ترجمة / صالح سعد حكاية الحصان العجوز و البنت القمرية .. كان يا ما كان .. ولم يكن من شئ سواها.. هناك .. خلف السور الحجري العتيق ، الملفوف حول المدينة الأولى ، مثل ثعبان حنطه الكهنة الأوائل ، وأودعوه تلك اللعنة الغامضة ، التي تكفي لرد أسراب الجائعين المتجولة حول معابدهم الملونة .. كانت هناك .. بالقرب من أنفاس المدى الساخنة ، الملونة بحمرة وجه الشمس الخجول .. كانت هناك .. ولم يكن من شئ سواها على صدر الصحراء العارية ، القائمة منذ أول الزمان تنتظر الوليف .. كانت .. مثل كل شئ نفخ فيه الإنسان الأول من روحه ، وكان فيها – أيضا – بعضاً من روح كل شئ ولو قليل . تراها الطيور العابرة نحو الشمال البارد ، فتظنها كرمة عنب دامية ، قلمتها أصابع فنان ، لكنها لم تكن لتهبط إليها أبداً .. تلمحها عيون الضواري المختبئة بين أحراش الغرب المظلمة ، والكثيفة ، فتحسبها هضبة صخرية ممشوقة كالهرم ، تحجب خلفها سحر الشرق السعيد .. بينما كان يحكي عنها دائماً رجال القوافل الجنوبية ، أنها ظل خالد لعجوز حكيم ، عاقبته الآلهة الغضبى ، على حكمته الزائدة ، فتصلب هكذا في الفراغ .. كانت .. وكان ياما كان .. قبلنا .. ـ نحن الجيل الأخير من الغجر ، أحفاد ذلك الأب العجوز ، المطارد دائماً ، وامرأته الطفلة بذنب من لا ذنب لهم .. ـ كانت هي .. خيمة حمراء صغيرة . لم يعرفها أحد سوانا ، رحبة كالصحراء ، دافئة كالحشا ، قابضة ، تأنس إليها أنفاس الشمس الطيبة .. كانت كذلك حتى عرفها يوما القمر الشقي ، ـ أيام كان هلالا في عمر الشباب ـ .. ولكن .. مهلا.. لماذا لا نبدأ الحكاية من أولها ، وتكون لنا بداية مثل كل البدايات ، التي توضع لكل الحكايات !! كان يا ما كان .. أن عاش في أول أول الزمان ، في الخيمة الحمراء الوحيدة ، زوجان : حصان عجوز ، وامرأة طفلة .. كان هو .. حصانا عجوزا ، لا ندري كم من السنوات قد تعاقبت فوق ظهره ليصبح بمثل هذا الكبر .. لكنه كان – مع ذلك – قوياً مثل صخرة ، ناعماً كالريح ، نشيطاً مثل ذكر النحل . أما هي .. فكانت مجرد امرأة طفلة ، كان قد اختطفها من سوق المدينة البعيدة يوم حرب . كانا يسكنان تلك الخيمة الملونة بعلامة الدم .. والتي كانت فضلا عن كل ما سبق منورة دائما بالغناء والألحان الساحرة .. أجل .. فقد كان النور يأتي الخيمة دائماً من فم المرأة الطفلة ، عندما كانت تغني لزوجها بعضا من أغانيها الحزينة ، بصوتها المحلى برائحة البحر ، وبطعم السكر البري الغامض. هكذا كانا .. وكان ياما كان بينهما ، في تلك الجنة المتواضعة ، حتى جاء يوم قررت فيه الشمس أن تطلق فيها ابنها الصغير " قمر" ليتعرف على المجرة والكواكب والأرض ، بعدما رأت أنه قد أصبح شاب في عمر البلوغ ، ولا يجب أن يظل هكذا دائماً في صدرها ، وهو هلال يناطح أعمامه وأخواله النجوم .. وحتى لا يتوه بين ظلام الفضاء الهائل ، كان لا بدأن تكشف له أمه عن علامة يستدل بها على موقعها بين الكواكب ، ولم تكن العلامة سوى تلك الخيمة الحمراء الوحيدة علي الأرض ، النائمة بالقرب من أنفاس المدى الساخنة ، وعلى صدر الصحراء العارية ، وبالطبع كان يجب أن تحكي الشمس الأم لأبنها – ولو باختصار – حكاية تلك الخيمة ، وسرها ، ولماذا تأنس بها دون غيرها من علامات الكون الواسع .! وهنا يقع المحظور ، كما يحدث في كل الحكايات ، فعندما سمع الهلال الشاب قصة الحصان العجوز والمرأة الطفلة ، تيقظ خياله النائم ، واشتعل رغبة في سماع صوت مُحلى برائحة البحر ، وبطعم السكر البري الغامض ، لكنه لم يفصح لأمه عن رغبته هذه ، وهو يودعها مقبلاً إياها علي جبينها قبلة عرفان ، قبل أن ينطلق حثيثاً عبر المجرة يرسل بعضا من أشعته المرتعشة يفتش بها عن الخيمة ، العلامة . والغريب أنه عندما وجدها ، لعب القدر لعبته مرة أخرى ، إذ تصادف لحظتها خروج الحصان العجوز من الخيمة ، قاصداً سوق المدينة البعيدة ، وكان قد تعود علي مثل هذه السفرة كل ثلاثين يوما ليشتري حطب الأيام الباردة من السوق مقابل يوم عمل شاق ، وما العمل فقد كانت امرأته الطفلة تحتاج دائماً إلى الدفء الصريح بعدما تفرغ من الغناء كل يوم. هكذا قرر الهلال الشاب أمره ، وأفرد بعضاً من أشرعته النحاسية المنورة ، حبالا ذهبية ، ثم ألقى بها سريعاً نحو الخيمة وراح يهبط عليها في خفة ورشاقة ، حتى إذا لامس الأرض لملم حباله ، وبلمسة سحرية واحدة صنع منها عباءة واسعة يُغشي ضوءها الذهبي العيون ، فلم يتعرف عليه أحد عندما دلف – عندئذ – نحو الخيمة مسرعاً . وبصرف النظر عما حدث في تلك الليلة ، فإنها كانت تكفي لكي يتيه كل من الهلال المزهو ببريقه ، والمرأة الطفلة ، كلُُ بالآخر إلى حد العشق ، فالمرأة قد غُشي بصرها بالبريق الذهبي الساطع ، وسرى في روحها دفء الشباب الصريح ، أما الهلال الشقي فقد ضاع عقله تماماً عندما افترش أعشاب الحصان العجوز ، وشرب من مائه القديم ، وبعدما أكل قطعة من صوت المرأة المحلى برائحة البحر ، وبطعم السكر البري الغامض. كان من الطبيعي أن تتكرر هذه المرة المفعمة بالدفء والدهشة مرة كل ثلاثين ليلة ، أي في نفس الموعد الشهري الذي تعودت فيه الشمس أن تطلق ابنها الهلال الشاب ليتجول بين الكواكب ، والذي يخرج فيه – أيضاً – الحصان العجوز ليشتري حطب الأيام الباردة من سوق المدينة البعيدة ، مقابل يوم عمل شاق . وتذهب أيام لتأتي أخري .. والحال هو الحال ، ولا أحد يدري بما يدور كل شهر مرة داخل الخيمة الحمراء الوحيدة .. فما زالت الشمس تواصل دورتها اليومية ، وتستدل علي الأرض بتلك العلامة الحمراء ، ومازال الحصان العجوز يجلس إلى امرأته كل ليلة يستمع صوتها المحلي وأغانيها الحزينة .. فلا الشمس لاحظت شحوب وشرود ابنها القمر ، ولا العجوز أدرك الضعف الذي كان يدب في صوت المرأة الطفلة شهراً بعد شهر .. بل إنه حتى لم يفطن لملمس الهلال الساخن فوق أعشابه ، ولا نقصان مائه القديم . وحتى لا تذهب بكم الظنون بعيداً ، أقول لكم أنه حتى هذه اللحظة من حكايتنا لم يمس الهلال جسد المرأة الطفلة ، لا ولا فعل معها ما قد ترونه عيباً في حق الزوج العجوز .. فقط .. كان القمر الشاب مغرماً بالتأمل – كما تعرفونه – ، وكان – أيضاً – مولعاً بالغناء الحزين ، وخاصة غناء مثل تلك الأصوات المحلاة بشيء مثل رائحة البحر أو طعم السكر البري الغامض .. فقد كان – بعد – لا يعرف سوي أن يتبادل تلك النظرات الحالمة ، الشاردة مع الساهرين تحت نافذة الليل لا يفعلون شيئاً سوي النظر إليه في حزن صامت تقطعه بعض الزفرات اليائسة بين الحين والحين . فقط كان القمر المتأمل ، يقضي زيارته الشهرية في عد التفاصيل الصغيرة المتناثرة بين زوايا جسد المرأة الطفلة ، التي كانت مغرمة ـ من جهتها ـ بسلاسل النور الذهبية التي تصنع عباءة الهلال . لكن هذا – وبالطبع – لم يستمر طويلاً ، إذ كان لابد من لحظة يدرك فيها كلاهما سر حاجته الحقيقية إلى الآخر ، وقد حدث هذا – ولا أخفي عليكم – ببساطة شديدة ، عندما تكررت أكثر من مرة تلك الآلام الباردة التي كانت تملأ حوض المرأة كلما آتى قمرها لزيارتها وبعد انصرافه بقليل . كان شيئاً مؤلماً أن يراها في مثل هذه الحالة ، وكأنها تود لو تقذف إليه سراً دفيناً لا تقوى على الاحتفاظ به ، لكنها لا تستطيع .. وكان أن بادرت هي بشرح آلامها ، في إحدى تلك الليالي ، وكيف أنها تشعر الآن ببرد لافح يشمل كيانها ، وأنها تحتاج لنوع من الدفء الصريح الذي لا يؤمنه لها حطب حصانها العجوز . عندها فكر القمر الشاب بأنه لو استطاع أن يحتوي الكيان الطفولي الناعم ـ الذي كان قد فرغ من حساب تفاصيله الصغيرة ـ لأمكنه أن يمسح عن المرأة الطفلة آلامها الباردة .. وهكذا .. كانت تلك الليلة ، نصف المعتمة ، التي خرج فيها الحصان العجوز ، كعادته ، وتدلى القمر المراهق علي حباله اللامعة كالذهب ، في عباءته النورانية ، وتسلل إلى الخيمة الحمراء الوحيدة ، ليجد المرأة الطفلة وقد انتابتها ذات الآلام الباردة لكنها كانت نصف نائمة .. تنتظر .. وفي هذه المرة لم يفترش أعشاب العجوز ، بل لقد خلع عنه ثوبه المسحور لأول مرة ، وأفرده لتنام إليه المرأة المأخوذة بجماله الغريب ، مسلمة إليه كيانها يلفه بأشعته الساخنة .. ولم يفارق الخيمة – في تلك الليلة نصف المعتمة – إلا وقد تهالك منه الضوء ، وأصبح شاحباً مثل أي صخرة قديمة أكل منها الطل وشرب .. ( وبالطبع ما كان لأحدكم أن يعرفه لو رآه في تلك الليلة ، صاعداً إلى بيته الفضائي مهتزاً ، مثل عنقود ضوء غرير ، فاجئنه بنات باخوس المتدفقات بالنشوة ، فأخذنه ليعتصرنه خمراً يُسكر المحتفلين .) ولكن وما أن استقر القمر إلى موضعه المعتاد ، مطمئناً إلى نوم أمه الثقيل في الجهة الأخرى من الفضاء ، وكذا ما أن عادت المرأة الطفلة إلى نومها علي أعشاب العجوز ثملة بالنشوة ، حتى أدرك كلاهما أن شيئاً ما قد تغير فيهما ، وقد يكونا قد شعرا ببعض الندم ، إلا أن السيف كان قد سبق العزل كما يقولون . إذا كان هذا هو ما حدث في تلك الليلة الملوثة ، برائحة العرق وطعم الدم ، والتي تلاشت فيها تماماً رائحة البحر واختفي طعم السكر البري من صوت المرأة الطفلة بعدما سقط في قاعها حبه من ضوء القمر النحاسي ، ذلك الذي ظنته ذهباً في البداية.. فإن القمر المراهق ، قد أمسى من يومها ، وكما نراه ، أشبه برجل نزع عنه الكبر شعره الذهبي . بعد أن قل نوره ، وأصبح مجرد مرآه تعكس ضؤ أمه الباهر .. فمن يومها والقمر ـ كما تراه العيون الساهرة ، الحالمة ، عيون الشعراء والفتيات على أعتاب البلوغ ـ حزيناً بلا دواء ، يتمنى لو تعود إليه حبات ضوئه المفقودة في قاع المرأة ، لذا فهو ما يزال يظهر مرة كل شهر على صورة هلال ، فقط لينتقم من أجساد النساء الأطفال علي الأرض، ويرمي إلى أحواضهن ببعض الألم البارد ، فيما هو يفتش عن حباته ضوئه الضائعة بينهن . وكان ياما كان .. أن نما الضوء في أحشاء المرأة الطفلة – التي لم تعد كذلك – ونمت معه كل آلامها الباردة القديمة ، بعدما انقطع القمر الحزين عن زيارتها مرة كل شهر دون ما سبب . وكالعادة فإن الحصان العجوز ، لم يستطع أن يفهم سر التكور في جسد تلك المرأة ، التي تنام بين قوائمه كل مساء ، منذ يوم اختطفها من سوق المدينة .. مثلما لم يقوى على فهم سر ضياع صوتها الجميل ولا سبب نسيانها أغانيها الحزينة التي كانت تغنيها له من قبل .. وبينما كانت تمضي بهما الليالي والفصول ثلاثة متعاقبات ، جاءت ليلة أخرى ، نصف معتمة أيضا ، خرج فيها الحصان العجوز إلى سوق المدينة متعباً ، كعادته ، لكنه عاد ليلتها سريعاً بعدما رفض التجار أن يعطوه ما يطلبه من حطب بالأجل ، وعندما اقتربت أقدامه من أبواب خيمته ، سمع زوجته المسكينة تصرخ الألم ، وتغني أنيناً جديداً بصوت نحاسي ليست له رائحة البحر ، ولا طعم السكر البري الغامض .. صوت يثير البرودة في العرق ، ويبعث الحرارة في الدم .. أسرع إليها مستفهماً ، ليرآها – عندئذ – غارقة في بركة ملونة بحمرة النار ، وبعض من زرقة الفضاء البعيد . وفكر المسكين أن هذا كله قد يكون من أجل الحطب الذي لم يقدر على شراءه لها ، فجلس علي باب الخيمة يبكي فحولته ، ويشكو إلى القمر الشاحب قلة حيلته . وفي الصباح التالي.. وبعدما اتخذت الشمس مكانها على ظهر النهار ، وألقت إلى الخيمة بتحيتها المعتادة ، حزمة ضؤ لاهبة تحرق الجلد ، أفاق الحصان العجوز مستغرباً ، وكان قد سقط في نوم الإعياء ليلة الأمس ، ولما هرول إلى داخل الخيمة قلقاً ، لمح فوق أعشابه القديمة ، شيئاً ما منوراً يغني أغنية حزينة بصوت محلى برائحة البحر ، وطعم السكر البري الغامض فلما اقترب رأى بين يديه طفلة قمرية خضراء ، تداعب أقدامها الفراغ ، وتعلق عيناها بالفضاء البعيد ، بينما كانت الزوجة تغط في نوم عميق كأنه الموت . ولا ندري كم من السنوات تعاقبت ، حتى جاءت تلك الليلة نصف المعتمة التي فهم فيها الحصان العجوز سر ما حدث في الماضي ، وكان الشيب والوهن قد نالا منه إلى أقصى حد فلم يعد بمستطاعه العمل الشاق في السوق مقابل حطب الأيام الباردة .. ليلتها حمل الحصان امرأته ، وطفلتها القمرية الخضراء ، وخرج إلى سوق المدينة ، ولم يعد إلا ومعه كمية كبيرة من الحطب حملها علي ظهره ، ومن فوقها كانت جالسة طفلة قمرية ، في عمر البلوغ ، تغني ، بصوت محلى برائحة البحر وطعم العنب البري الغامض .. أغنية قمرية خضراء حزينة ، وكأنها تبكي أمها التي تركها الحصان هناك مقابل حطب الأيام الباردة اللازم للطفلة التي ستحتاج حتماً إلى الدفء الصريح . لطالما فقدت الأمل فى هذه البلد الميت... ولكن اليوم تعود الروح للجسد الموهون وتجري فى شريانه دماء الأمل ...فانتظروا بترالأطراف الفاسدة من الجسد. "لا اله الا انت سبحانك ... إنى كنت من الظالمين" "سبحان الله وبحمده سبحان الله العظيم" رابط هذا التعليق شارك المزيد من خيارات المشاركة
Recommended Posts
انشئ حساب جديد أو قم بتسجيل دخولك لتتمكن من إضافة تعليق جديد
يجب ان تكون عضوا لدينا لتتمكن من التعليق
انشئ حساب جديد
سجل حسابك الجديد لدينا في الموقع بمنتهي السهوله .
سجل حساب جديدتسجيل دخول
هل تمتلك حساب بالفعل؟ سجل دخولك من هنا.
سجل دخولك الان