اذهب إلى المحتوى
محاورات المصريين

هيكل علي قناة الجزيرة


سقراط المصري

Recommended Posts

http://www.elosboa.co.uk/elosboa/issues/407/0403.asp

8 السنة - 407 ه - العدد 1425 ذو القعدة من 22 - م 2005 يناير من 3 الإثنين

في حوار مطلع العام الجديد مع هيكل علي قناة الجزيرة

2004 عام الغيبوبة .. و2005 سيكون عام الفزع العربي

السياسة المصرية تحولت من طرف إلي صديق ثم وسيط .. والآن تساعد اسرائيل

إما أن يوقع أبو مازن علي القائمة التي رفضها عرفات أو يلقي مصيره

لو تمت تصفية القضية الفلسطينية فلن يكون هناك جولان محررة

بعد الأرض مقابل السلام .. إسرائيل ترفع شعار الأمن مقابل الأمن

قبل أن يتكلم الملك

عبد الله عن الخطر الإيراني فليحدثنا عن علاقته باسرائيل

المقاومة العراقية مفاجأة .. وتقرير أ مريكي يكشف كذب بوش

هيكل يتحدث عن 2004 يحدد 'دستة' لحظات وصفها بالدالة.. لحظات اتضحت فيها أمور وانكشفت فيها توجهات وحقائق لم يبصرها السواد الأعظم في عام الغيبوبة أو الغياب ..2004 لكن عام الفزع 2005 قد يشهد استفاقة ما بعد الغيبوبة.. والاستفاقة تلك قد تجعل (العربي النائم) فزعا لهول ما صنعت أياد كثيرة في المشهد العربي.

لكن أقرب التعليقات علي كلام هيكل بعد إطلالته ليلة رأس السنة علي قناة الجزيرة كانت حول النقاط الدالة وهل استوفاها الأستاذ فعلا حينما حصرها في اثنتي عشرة نقطة أم أن نقاطا أخري حاملة للدلالة غابت عنه في غمرة الإعداد للحلقة في أيام سبقت تسجيل الحوار في القاهرة.

استوقف الكثيرين عدم تضمين الأستاذ في نقاطه الدالة نقطة هامة علي الصعيد الداخلي في مصر تتعلق بمحاولات شهدناها ونشهدها ويبدو أننا سنشهد المزيد منها لضرب السلم الأهلي المصري.. محاولات خبيثة لا نعرف بالضبط من وراءها ونتخوف جدا علي مصر من آثارها.. وقد يكون الفزع الذي أشار إليه هيكل حقيقيا متحققا فعلا إذا ما استمرت تلك السيناريوهات المرسومة لأسباب لا يعلمها إلا الله.

وأطلق المتابعون للحلقة تساؤلات حول ذلك.. لماذا لم يخض هيكل مع الخائضين في بحر الظلمات هذا، متحدثا عن احتقان موجود فعلا وهي أزمة تطل برأسها ولا يخطئها مبصر؟!

الحقيقة أن مصر طيلة الأيام الماضية شهدت فعلا تجاذبا وجوا مشحونا بألف شحنة علي كل الأصعدة واجتهد فيه رسل (الاحتقان) في ارسال رسائلهم علي الجانبين.. وقد وصلت كلها كاملة واجتهد سعاة البريد في ذلك علي مواقع انترنت وجرائد وشاشات تجندت (لا نعرف لماذا) لتوصيل الرسائل بين الطرفين.. ذلك ما جعل محمد حسنين هيكل الصحفي يحدد خياره في أن لا يكون من رسل (الاحتقان) مؤكدا مرة أخري أنه من رسل (العقل).. رسل (التنوير).. لم يخض في هذا الملف مفضلا أن يشير بكل أصابع يده التي طالما كتب بها إلي هذا المشهد المشين 'سياسة مصر تحولت من طرف إلي صديق.. إلي وسيط.. إلي العمل علي مساعدة إسرائيل'.. سياسة مصر اختارت أمريكا في كل شيء في التنمية والاقتصاد والتوجهات الاستراتيجية وحتي في علاقات الجوار كان الاختيار أن نستبدل إسرائيل بإيران كعدو امتثالا للتوجه الأمريكي.

هذا مشهد جدير بالتوقف.. جدير بالبحث في داخله عن الدلالة وعن المعني.. المعني الذي يستمر الأستاذ في البحث عنه علي قناة الجزيرة في حلقات تأتي قريبا نتابعه فيها كما عهدناه رسولا للعقل يجتهد في الإشارة إلي الحقائق بينما ينصرف نظر الجميع إلي ما أراد البعض أن نتلهي به.. في لحظة من مطلع عام الفزع يحدثنا فيها هيكل وكأنما يقوم بدورية حراسة علي الوطن.. وهو يدرك الجبهة التي لا بد وأن يحارب فيها وعليها.. ويدرك العدو الذي لابد وأن يحارب حتي ولو هرع كل المقاتلين في لحظة (العمي العام) إلي جبهات أخري تاركين الجبهة الأهم والأخطر مفتوحة أمام جيوش استعدت وتجهزت وهي في ذلك مخدوعة بتغير كاذب يخلط الحابل بالنابل والغث والسمين.. لكن هيكل ومعه رسل الوطن قادرون علي النفخ في النفير الصواب في اللحظة الصواب في المعركة الصواب.

محمود التميمي

بدأت الحلقة بتقديم لمذيعة قناة الجزيرة خديجة بن قنة قالت فيهإ إن العرب يدخلون العام الجديد غير متفقين وإن القيادة الفلسطينية الجديدة تحت رحمة شارون وقد اختلف معها الاستاذ.

خديجة: في التاريخ العربي سميت أعوام بعام النكسة وعام النكبة.. لو وصفت هذا العام 2004 بماذا تسميه؟

هيكل: الصينيين بيطلقوا علي كل عام اسم حيوان معين ففي سنة التنين وسنة الثعبان وسنة الفار.. لكن إحنا عندنا نسمي الأعوام بأوصاف فكان عندنا في مصر زمن الشدة مثل الشدة المستنصرية.. زمن الخلفاء الراشدين وهكذا.. هذا العام مستعد أسميه عام الغيبوبة العربية.. حضرتك في المقدمة قلتي كذا حاجة ممكن اختلف معاكي فيها.. قلتي مثلا هناك قيادة فلسطينية جديدة تحت رحمة شارون.. أنا عارف إن فيه قيادة فلسطينية جديدة.. لكن أخشي أن شارون مستعد يعطيها فرصة لانه أرادها بالتحديد.

الحاجة التانية انك قلتي العرب اتفقوا علي ألا يتفقوا في مطلع العام الجديد.. أنا أظن أن العرب عمرهم ما كانوا متفقين مثل تلك اللحظة لإني يبدولي لسوء الحظ أن العرب يدخلوا هذه السنة وهم اتفقوا علي أن يتحولوا إلي مادة سائلة توضع في انابيب سائلة تصل إلي الولايات المتحدة وتستهلك هناك وهذا يزعجني.. أنا كنت عايز وإحنا في رأس السنة نتكلم في حاجة سعيدة.. وإن إحنا مع الافراح لا نثير قلق الناس.. لكن 2004 لم تكن سنة سعيدة أتمني أن لو حد غيري كان هنا يقدم بشارات للناس لكن أنا شخصيا معنديش بشارات لعام .2005

كل سنة فيها مجموعة من الحوادث الدالة في اعتقادي لانه أنا أتصور أن ماله أهمية في الحوادث ليس جريانها ليس سطحها الظاهر وإنما الدلالات المنطوية عليها.. لو قلت مثلا إن كولن باول خارج من ادارة بوش وان كوندوليزارايس داخله بدلا منه.. هذا حدث في ظاهره يبدو مهم أو ملفت لكن اعتقد أن دلالاته الداخلية هي أهم حاجة.. وبالتالي أنا اتصور إن احداث أي سنة تقاس باللحظات الدالة فيها.. تقاس بما هو وراء الظاهر من حوادثها..

خديجة: وما أبرز لحظة دالة في رأيك؟

هيكل: أنا أتصور ان احنا بنتكلم عن 2004 واللحظات الدالة بالنسبة لي وكانت أول علامة في أول يوم للسنة.. ما حدث أول يوم شيء خطير لم ندركه وهو ما جري للقنبلة النووية الباكستانية وقد كانت مشروع نصف عربي لإننا نحن الذين مولناه.. العرب.. وباكستاني من حيث التنفيذ ولذلك فهذا أول شيء واجهناه في السنة.

.. اللحظة الدالة الثانية كانت في مارس تقريبا عندما تم اغتيال الشيخ أحمد ياسين والدكتور الرنتيسي وهذه الضربة القوية الموجهة لحماس وما الذي تعنيه في مجمل الوضع العام..

اللحظة الدالة الثالثة كانت الطريقة التي تعامل بها العرب في قضية الجدار.. نحن كنا نشكو دائما من أن الوثائق والسندات الدولية لاتؤيدنا وحينما جاء تأييد حتي ولو بشكل استشاري من محكمة العدل الدولية نحن أهملناه..

الحاجة الرابعة الدالة أنه مورس سلاح الابتزاز ضد المؤسسات الدولية وضد العرب.. كوفي عنان ابتز جدا وبوضوح لتعطيل دور الأمانة العامة للأمم المتحدة.. العالم العربي ابتز جدا حتي وصلنا إلي تهديد بتجميد حسابات كل سياسي أو أي زعيم عربي أو أي رئيس دولة عربية والأمريكان بيعرفوا ده بيوجع فين..

اللحظة الدالة الخامسة في رأيي ماجري في العراق والاشكالية التي تقدمها لنا المقاومة العراقية، وكيف يمكن أن ننظر إليها..

اللحظة الدالة السادسة في اعتقادي هي عزل قطاع غزة عن مصر وهو شيء يحدث لأول مرة في التاريخ.. فصل بهذه الطريقة المسلحة بين مصر وفلسطين.

اللحظة الدالة السابعة هي سوريا واستعدادها للتفاوض ثم الرد الإسرائيلي اننا لسنا جاهزين للتفاوض معكم وانتظروا دوركم في الطابور حتي يجئ.. مع إن إسرائيل كانت تتلهف باستمرار علي مفاوض عربي.

الحاجة الدالة الثامنة في رأيي أن العالم العربي صرف في خريف سنة (2004) 600 مليون دولار بتقدير جامعة (هارفارد) لكي يتكلم.. صرفها علي المؤتمرات والندوات والحكايات والكلام ده كله وهو في الواقع أما بيكلم نفسه أو بيكلم أمريكا أو بيكلم ربنا.

اللحظة الدالة التاسعة هي إعادة انتخاب بوش اللي سماها أحد زملائنا الصحفيين 'البيعة الثانية لبوش' بالمنطق العربي واللحظة الدالة العاشرة نهاية عرفات بالمظهر الذي بدا عليه.. مش هنتكلم علي مؤامرات كيف مات..

اللحظة الدالة الحادية عشرة تحول كل قضايانا إلي صفقات واللحظة الدالة الثانية عشرة هي هذا التمزق الداخلي وأنا عرضت هذه النقاط غير مرتبين اختاري نقطة نبدأ بها.

خديجة: نبدأ بتزايد المقاومة العراقية في هذه السنة.

هيكل: المقاومة العراقية تواجهنا باشكالية فظيعة جدا ونحن نقف أمامها بحيرة.. هناك رأي يقول إن هذه المقاومة عشوائية وبعض الناس يقول إنها منظمة وشبه ثورة وطنية وبعض الناس يقولون إنه اندس فيها عناصر اجرامية، والبعض يقول هذا ارهاب اسلامي، وأنا اعتقد إن احنا بعض الأحيان نظلم أنفسنا بأكثر مما يجب لاننا نريد أن نري شيئا جاهزا يقدم نفسه كاملا دون حاجة إلي ايضاح ولا شرح ولا تفكير وأمامي تقرير من مركز الدراسات السياسية والاستراتيجية في الولايات المتحدة الأمريكية وهذا مركز من أهم المراكز المؤثرة في عملية صنع القرار في واشنطن وهو مطلٌîع يوم 22 ديسمبر آخر تقرير حول المسألة ويقول أولا: أمريكا تواجه في العراق ما لم تكن مستعدة له.. لانهم فوجئوا بما جري وأول شيء عملوه أنهم انكروه.. لانهم لم يتصوروا أن يواجهوا هذا.. هذا أمر كان فيه اكثر من المصادفات واعتبر أن هناك عناصر كثيرة في العراق شافت ما هو قادم مبكرا وأن بعضها رتب نفسه وبعضها نزل تحت الأرض وإلي آخره.. التقرير لا يستعمل كلمة ارهاب أو قتل ويلوم الادارة الأمريكية لانها قللت من قيمة ما يجري وتعسفت في وصفه وقالت إنه مش موجود ومش مهم.. الخ.. وأنا اعتقد أن جزء كبير من العالم العربي اللي وصفوا اللي جاري بانه عمليات ارهابية كانوا يتجنٌîوا ومش عارفين الصورة.. مع العلم اني لا استبعد أنه في وسط ما هو جاري أشياء ثانية وأنا شايف أنه تكلم عن عصيان عن حالة تمرد وهناك فشل أمريكي في مواجهة هذه العمليات وفشل في تقدير قوة المقاومة وهم نفسهم في هذا المركز يعترفوا بالخطأ وراجعوا كل التقارير..

وهذا التقرير يغطي المسافة بين اكتوبر 2003 إلي اكتوبر 2004 وهي الفترة التي أمكن حصر كل شيء فيها.. والتقرير يتكلم عن حجم العمليات وهي 5000 عملية هذا العام ويصفها علي النحو التالي:

ضد قوات التحالف ..3227

ضد القوافل 49 عملية وهكذا.. لكن هذا يعني إن أنا أمام شيء عليٌî أن أفهمه الهيصة اللي حاصلة في أمريكا اليوم جعلت ديك تشيني تحت النار لانه لم يحسن تقدير عدد القوات اللازمة ولم يتخذ خطة لما بعد العراق.. عمل بعده بريمر فقام بحل الجيش العراقي والأمريكان يقولون ان المقاومة تضرب المدنيين وهم بهذا يقصدوا الشباب اللي رايح يشتغل في قوات الأمن العراقية أو مشروع الجيش العراقي الجديد طيب.. هؤلاء شباب رايحين يتطوعوا لإنشاء قوة تواجه قوي ثائرة أو متمردة لكي تخلق جيش عراقي جديد يعمله الأمريكان ويدربوه لمواجهة مقاومة شعبية عراقية مهما ألتبست الظنون بي وأنا عارف أن فيه مشاكل كتير في الموضوع ده.

خديجة: أستاذ هيكل أنت تسميها مقاومة إذن؟

هيكل: أنا بلاش اسميها لإن أنا واحنا كلنا بعيدين عن الساحة لكن لما واحد من أهم المراكز الاستراتيجية في أمريكا يسميها عصيان، ويتكلم عنها بهذه الطريق أنا علي أقل تقدير لا أستطيع أن أكون بعيدا ببساطة هنا في القاهرة ليلة رأس السنة وأقول والله هذا إرهاب أو أقلل من أهمية ده أنا عارف إن فيه إشكالية أنا صعبان عليٌî كل مدني وكل شاب وكل عسكري بينضرب لكن أنا أمام قضية أعمق واعقد من كده واجهتها أمم كثيرة غيرنا في أوربا وهي هذه المعادلة بين ما هو إنساني وما هو سياسي.

في الإنساني نستطيع أن نحكم الأخلاق لكن في السياسي لا نستطيع أن نحكم إلا القوة علي اختلاف مظاهرها سواء بدأت بالعنف أو انتهت إلي القوة القادرة هذا موضوع تاني.. لكن أنا واحد أمام إشكالية هل سمح للأمريكان أن يأخذوا الوقت كي يعوضوا أخطاء رامسفيلد الذي لم يستعد للغزو باعداد كافية أو بريمر الذي حل الجيش العراقي لكي ينشيء لي جيش عراقي جديد من مدنيين يحتاجوا إلي عمل.. يوظفوا فيه لكي يقتلوا أبناء بلدهم وإخوانهم.. أو تجري أعمال مخيفة مبكرة لكي تخيف أمثال هؤلاء وتبعدهم عن الانضمام إلي بوليس أو إلي جيش.. أنا هنا أمام إشكالية شديدة جدا.

خديجة: هل تري إنها مقاومة سنية بالأساس؟

هيكل: هذا التقرير يقول إن المقاومة موجودة بدرجات متفاوتة ولكن لا توجد منطقة في العراق ممكن يقال إنها هادئة.. بالتأكيد المثلث السني أكثر المناطق اشتعالا لأسباب تاريخية.. الجنوب الشيعي الأمريكان عملوا فيه أخطاء وتقدموا بشكل مستفز نحو مراقد الأئمة ثم طلبوا من كل الشيعة في العالم كله أن يتصوروا أن هذا المنظر طبيعة الأشياء.. هناك مشاكل في الجنوب لكنها قليلة.. حتي أنا شايف أن بلير لما كان في المنطقة عندنا من حوالي أسبوع كان بيتكلم عن أن القوات البريطانية تتبع أسلوب أكثر ذكاء من القوات الأمريكية ولما تلاقي مشاكل في الشارع تنسحب للثكنات.. لكن هذا لا يعني أن مفيش حاجة.. الجنوب فيه مشاكل والوسط مشتعل والشمال هادئ.

خديجة: وانتخاب الرئيس بوش كلخطة دالة وعلاقته بالعراق.. يعني النعوش العائدة والأخطاء.. كل أسباب سقوط بوش كانت موجودة كيف نجح؟

هيكل: الانتخابات الأمريكية لعبة مختلفة لا علاقة لها بتصوراتنا إحنا علينا أن ندرك أن أمريكا كلها فاهمة موضوع البترول.. دايما باستمرار فيما يجري في السياسة هناك الغطاء المبدئي وهناك المصالح الحقيقية.. ولو رأيتي بوش وكيري في الانتخابات لم تكن هناك خلافات في المصالح، الخلاف كان في التعبيرات.. لكن المصالح كان يعبر عنها تعبير واحد.. والمسكوت عنه هو المصلحة وهذه طبيعة في تكوين الشعب الأمريكي لانه لما بلد تم انشاؤه بهذه الطريقة المقتحمة لابد أن نعرف أن المنظومة الاخلاقية والسياسية لها دعاويها وغطاؤها لمصالح حقيقية..

الحاجة التانية ان اللحظة الانتخابية تصنعها مؤشرات خارجية أحيانا وصناعية أحيانا أخري ويكاد يكون التليفزيون يلعب دور فادح.. لما حضرتك تتصوري إن الحملة الانتخابية اللي فاتت تقديرات ما صرف فيها حوالي 5 بليون دولار فنحن أمام عملية صناعة رأي عام.. الحاجة الثالثة إن فيه جماعات عندها مصلحة استمرار سياسة معينة ودول اليمين الجديد والحاجة الرابعة ان فيه مشروع امبراطوري عنده قوات علي الأرض تحارب وتقتل وموضوع مثل ذلك الخسائر البشرية ممكن التلاعب فيها وممكن استعمال مسألة الخسائر في المعارك الانتخابية لكن المعارك مش بالضرورة عقاب لرئيس أساء ولا مكافأة لرئيس أحسن وبالتالي لابد أن ينظر لها بطريقة تانية.

خديجة: كنت ذكرت ان وفاة الرئيس عرفات تعتبر محطة أو لحظة من اللحظات الدالة خلال هذه السنة ما قراءتك في هذا المشهد؟

هيكل: في مرحلة من المراحل كانت السينما تحاول تقلد السياسة وتعمل أفلام سياسية.. لكن وصلنا في تلك اللحظة إلي سياسة تقلد السينما.. جنرال فرانكس في مذكراته يصف آخر مشهد تلقي فيه الأمر ببدء العمليات بطريقة سينمائية عبثية.. مؤتمر علي الفيديو علي دائرة مغلقة مشفرة وهو موجود وأمامه قادة القوات ويسأل كل واحد: قواتك جيدة؟ فيجيب أيوا كويسة فيقول: 'جود لك'.. وهكذا مع كل القادة.. هذه طريقة سينما.. أنا كنت أشاهد مشاهد نقل عرفات من رام الله إلي باريس ورأيت مشاهد ما أحاط بالمستشفي ثم العودة وكنت شاعر علي نحو ما إن السياسة تمثل السينما وانها اختارت فيلم بالتحديد تمثله وهو (الأب الروحي) الذي يتحدث عن صراعات المافيا مع الأسف الشديد.. ناس جمعتهم مصالح ومغانم غير قانونية كلها.. ولا يستطيعوا المجاهرة بها وواحد من الاطراف ذهب إلي منتصف الطريق ثم لا يستطيع أن يكمل لانه وجد ما يصده.. وما تم أصبح عقبة لاتمام الصفقة أمام الباقين وتحتم علي نحو ما ازاحته سواء باللجوء إلي ربنا أو بوسائل طبيعية تانية.. لكنه كان مطلوب ازاحة ذلك الرجل في هذا التوقيت لاتمام صفقة وانا حزين اني أقول ده لكنه لم يستطع ان يكملها.

خديجة: ما تقوله يوحي بأن عرفات مات مقتولا؟!

هيكل: هل كان مصادفة أن تكون نهاية هذا الرجل في لحظة اعادة بيعة بوش.. في لحظة اقرار الانسحاب المنفرد من غزة كعلامة علي سياسة إسرائيلية سوف ترفض التفاوض مع أي طرف عربي، في وقت عزلت فيه الحدود المصرية كاملة عن قطاع غزة؟!.. أول ما اختفي عرفات تحركت كل المسارات وكأن هناك صخرة واقفة تعترض الطريق فازيحت.

خديجة: ازيحت لصالح أبومازن؟

هيكل: وأنا بتكلم عن فيلم الأب الروحي هناك سيد المافيا وهو شارون والباقي أدواره ثانوية.. كل ما حدث من أجله.. الازاحة لمصلحة اتمام صفقة في وجود عالم عربي كله رايح لأمريكا جاءت لحظة أسماها شارون (لحظة مناسبة).. ليست هناك تسوية.. المشكلة التي يواجهها أبومازن هي التي ايقظت عرفات في الرمق الأخير ومنعته من توقيع اوراق لم يكن يستطيع أن يوقعها وهذه هي القائمة المطروحة أمام أبومازن، وإما أن يوقع أو يلقي مصيره.

ولن يجري تفاوض.. ولن يجلس العرب مع إسرائيل علي تفاوض ممكن.. مائدة عشا أو غدا لكن تفاوض لا.. نحن في مرحلة اجراءات اسرائيلية من طرف واحد يقبل العرب بها كاملة أو يرفضوها كاملة علي الأقل في تلك الأوضاع الراهنة.. والدولة الفلسطينية و'لا حاجة ابدا' مسمي بلا معني.. أنا أري اتصالات أو وساطات وهناك فترة للكلام وقد يعلن اتفاق علي اساس انه لا دولة ولا قدس ولا عودة لاجئين وممكن السلطة الوطنية يسموها دولة لكي ترضي تصورات بعض الراغبين في الحل.

الحاجة التانية المهمة تتعلق بسوريا.. إذا نامت القضية الفلسطينية وانتهت الجولان لن تتحرر الجولان في ظل تلك الأوضاع ولن تتفاوض إسرائيل بشأن الجولان..

الجولان تصبح أرض عقارية وهذا التعبير قاله مسئول عربي كبير ومهم جدا قال: خلصوا مسألة فلسطين لانه إذا خلص تتحول الجولان إلي أرض عقارية بلا قداسة الموجود فقط أمن مقابل أمن ولكن ليس أرض مقابل أمن.

خديجة: مصر وعلاقاتها مع إسرائيل.. هل يراد لمصر أن (تبيع القضية)؟.

هيكل: لا يمكن أن استخدم لفظ البيع ناسبا اللفظ لمصر.. لان هناك فرق بين مصر الوطن ومصر الادارة التي تحكم في تلك اللحظة.. أنا مختلف مع هذه الادارة لكن لست مختلفا مع مصر.. هذه الادارة قد ترتكب ما اعتقد أنه خطأ.. لكن مصر تعرف مكانها.. مصر السياسية في هذه اللحظة أخذت خيارا أنا حزين له شخصيا.. خيار مصر هو 'مصرأولا وثانيا واخيرا' وهذا يعني أنها أخيرا فقط لا أولا ولا ثانيا لان مصر دون عالم عربي دون امتداد.. ليس هناك بلد يستطيع أن يقول أنا وحدي.. لكن مصر في لحظة فيها ادارة سياسية تتبع سياسات تتصور أنها سليمة وأنا اتصور أنها خاطئة ولكن هذه السياسات بدأت مبكرا بالخروج من القضية الفلسطينية ومع الأسف نحن تحولنا في تلك القضية من طرف إلي صديق إلي وسيط إلي تسهيل ومساعدة إسرائيل بأدوار لا اتصورها.

خديجة: ما الذي تحققه مصر من ذلك؟

هيكل: أكاد اعتقد أن العالم العربي قايض الأمن القومي بصفقات والصفقة هي أمن الأنظمة مقابل الأمن القومي مع انه كان ممكن علاقة توفيق طبيعية وشرعية بين الأمنين.. لكن غيبة القانون والشرعية والاستراتيجية.. نحن نسينا يعني إيه سياسات وانهمكنا في المناورات.. وليس مصر وحدها.. كلهم خايفين من أمريكا حتي اللي مش خايف تصور أن المستقبل أمريكي وأنا اختلف مع ذلك.

خديجة: من اللحظات الدالة الجدار العازل ومحكمة العدل الدولية والفلسطينيون لم يستغلوا الحكم.

هيكل: فيه فرق كبير أن احدهم معندوش فرصة وواحد تاني معندوش عقل.

خلينا نشوف القرار ده لان احنا كنا باستمرار مش لاقيين أساس شرعي قانوني ظاهر وإحنا قبلنا قرار التقسيم لكن الحكم بيقول من المحكمة ان اسرائيل اعتدت علي القانون الدولي ببناء الجدار وبيقول انه لابد من تصحيح الخطأ ده بوقف الاحتلال وانها تدفع تعويضات للناس اللي اضيروا.. وقوة الالزام ليست للحكم ولكن لاصحابه بالارادة.. وانشاء دولة إسرائيل كان بوعد لواحد لا صفة له الا ان عالم اسرائيل مهتم واخذت الخطاب وجندت عليه القوة وحركت حركات وبعد 30 سنة لقينا الدولة.. وإذا لم تكن الادارة المصرية جادة والحكومات الأخري. فالعالم لن يأخذنا مأخذ الجد والقرار لم يستثمر دوليا وهكذا يجرنا أمر واقع إسرائيلي إلي أمر واقع آخر ثم لا نجد خيارات وبعدين نتكلم عن واقعية وما إلي ذلك.

خديجة: تنامي الدور الايراني والاتهامات هل تراها نقطة دالة في 2004؟

هكيل: أولا أعرف ما تفعله ايران ولكن لا اعتبره خطر.. ايران دايما في التاريخ ودخلنا معها في احتكاكات ولكنها جوار حقيقي مختلف عن إسرائيل وأنا مندهش إن احنا نقع في نفس الخطأ بتاع عام 1980 استبدل عدو حقيقي بعدو مفترض واتكلم عن خطر شيعي ولا اتكلم عن خطر إسرائيلي وأقول وأزال شيعي ولا اتكلم عن النجمة الإسرائيلية اللي موجودة في الأفق.

خديجة: استبدال اسرائيل بايران كعدو للعرب.

هيكل: هل هذا معقول؟ .. اتخوف من المشروع النووي الايراني وأمامي مشروع نووي إسرائيلي تحقق وأنا لا أمانع ان ايران تكون دولة نووية.. إسرائيل دولة نووية فيها 200 قنبلة.. لكن المشروع الايراني يكون خطر بالنسبة لي لأن الأمريكان شايفين كدة.. هذا خطأ نرتكبه مرة أخري.. لما جاءت الثورة الاسلامية وعجزنا عن التفاهم معاها حتي وان اختلفنا معاها.. دخلنا في تجسيد الوهم ودفعنا صدام حسين وهو اعترف انه غلط.. ودفع العراق كله في حرب 8 سنوات و800 بليون دولار في معركة وهمية ضد دوله لم تمثل خطر.

خديجة: الملك عبدالله يقول انها خطر!!

هيكل: علي عيني وراسي الملك عبدالله بس الأول يقول لي علاقته باسرائيل ايه وبعدين يكلمني عن ايران.

أنا احترم كل العالم العربي لكن لا يصح لأحد أن يعطي نصائح قبل أن ينظر في موقفه هو.. لما أقول اسرائيل صديقة ولا أخاف منها وهو يصفي أهم قضية ويبتلع أرض وعامل نووي.. ده مش خطر وايران الخطر؟!

الملك عبدالله ربنا يعطيه الفرصة يشوف الحقائق كلها بلاش يقول الهلال الشيعي يكلمني الأول عن النجمة الإسرائيلية وبعدين يقول ايران.. ايران ليست خطر ولا تريد التوسع.

خديجة: نظرة استشرافية لعام 2005 منك أستاذ هيكل.

هيكل: العراق سيستمر علي ما هو موجود فيه لكن انا اعتقد أن السنين تمر ومرورها هو التاريخ وكل يوم في حساب الأيام يعمل عدد وليس قيمة هذه نقط فاصلة نحن وضعناها (أول العام) العراق فيه وطن بيقع والمزيد قادم.

أما عن سوريا.. صعب نتكلم عن اللي جاي لكن سوريا مثل الكل تواجه مشكلة داخلية واسرائيل لن تتفاوض وتذكري شارون قال ايه في طلب سوريا للتفاوض هو قال سوريا ضعيفة معندهاش حاجة والتفاوض اما لان هناك طرف أقوي من طرف أو اني اخشي من معركة لا أضمن عناصرها أو ان عندك حاجة عايزها.. إذا غابت تلك الشروط سقط التفاوض.. الآن فقط أمن مقابل أمن.. في فلسطين لا يوجد حل.. أنا مش عايز أبص في فنجان مثل العرافة لكن القيادة الجديدة لو دخلت في لعبة كسبت الوقت فأمامنا 10 سنين وبعدين نتكلم.

خديجة: وصفت سنة 2004 بأنها سنة غيبوبة كاملة سنة 2005 هي تكون غيبوبة أعمق؟!

هيكل: السنة توصٌîف نفسها.. تداعيات الغيبوبة والغياب ستنتهي وفي السنة الجديدة سنفيق مفزوعين.. أنا متوقع انها تكون سنة فزع مكنتش أحب أقول كده ليلة راس السنة لكن أرجو يكون عندكم بعد كدة برامج فيها مزيكا وغنا وحاجات حلوة زي كدة يعني.

خديجة: علي قناة الجزيزة لا اعتقد.. لكن نتمني أن لا تكون هذه السنة المقبلة سنة الفزع بالنسبة لهم.

<span style='font-family: Arial'><span style='font-size:14pt;line-height:100%'><span style='color: blue'><strong class='bbc'><br />زوجتي الحبيبه ، امي الغاليه ، حماتي الطيبه<br /><br />برجاء تجهيز مايلي يوم وصولي لأرض المحروسه :<br /><br />باميه باللحم الضاني ، محشي ورق عنب ، كباب حله ، قلقاس باللحمه ،نص دستة زغاليل محشيه ، بطه راقده على صينية بطاطس ، وزه متشوحه كفتح شهيه ، صينيه رقاق ، موزه مشويه على الفحم ، سلطة طحينه بالليمون ، مية "دقه" ، ملوخيه بالارانب ، شربة فرخه بلدي بالحبهان والمستكه، برميل تمرهندي............... وكفايه كده عشان انام خفيف.<br /><br />سقراط المصري<br /></strong></span></span></span>

رابط هذا التعليق
شارك

http://www.ahram.org.eg/archive/Index.asp?...e2.htm&DID=8370

عام المسئولية‏..‏

بقلم : د‏.‏ عبدالمنعم سعيد

عندما طالعت ما قاله الأستاذ محمد حسنين هيكل‏.‏ بين العام والعام علي قناة الجزيرة في قطر‏,‏ شدني وصفه بالغيبوبة لعام كان يلفظ أنفاسه‏,‏ ووصفه بالفزع لعام كان بطريقه الي الميلاد‏.‏ وكان ذلك دافعا لمراجعتي لعدد غير قليل من تعليقات الأستاذ علي أعوام وأزمنة ذاهبة وأخري لاحقة‏,‏ فما وجدت ـ منذ عام‏1974‏ علي الأقل ـ إلا ما هو متشائم‏,‏ وما هو سوداوي‏,‏ وما هو مظلم‏,‏ للعام المقبل واللاحق‏.‏ وللحق فقد كنت معجبا بقدرته الفذة علي النحت والتجديد للألفاظ الحاملة لعصور متعاقبة علي الانهيار والزوال والتصدع‏,‏ وحقب محملة بهيمنة متنوعة المصادر‏.‏ وللحق‏,‏ وحتي يكون السجل وافيا‏,‏ فقد كان هناك مرة واحدة خرج فيها رجلنا عن الطابع‏,‏ فقال بوجود ظواهر جديدة‏,‏ وربما تكون مبشرة‏,‏ في التنمية المصرية‏,‏ وكان أكثرها بشرا يقوم علي فك ارتباط مصر بالسلاح‏.‏ أيامها كان ذلك سببا في غضب الكثيرين من الناصريين‏,‏ ولكن‏,‏ وعلي أي الأحوال‏,‏ ما لبث أن انتهي الغضب مع انتهاء البشارة‏,‏ ومع مطلع كل عام راح أبرز الكتاب العرب يخرج علينا كل عام نذيرا بهوائل الأيام وعظائم الويل القادم بلا بشارة واحدة‏.‏

والحقيقة أن الكتاب والمحللين‏,‏ خاصة من كان منهم بوزن وثقل الأستاذ هيكل‏,‏ ليسوا كالأنبياء فيكون الواحد منهم مبشرا ونذيرا‏,‏ وانما عليهم أن يصدقوا أمتهم القول‏,‏ ويبصروها بما سيأتي من أيام كالحة وفزع عظيم‏.‏ ولكن القضية مع غير الأنبياء هي أنهم محاسبون أمام البشر بما يقدمونه من مسارات وطرق وحلول ووسائل للتعامل مع واقع تحكمه في الواقع الاجتماعي علاقات الطبقات والفئات‏,‏ وفي الواقع الاقتصادي قاعدة الندرة‏,‏ وفي الواقع السياسي توازنات القوي‏.‏ وتصبح الكارثة والفزع واقعة في الأمة التي يتفرغ أبرز كتابها للطم الخدود مع مطلع كل عام‏,‏ وتصبح كارثة الأمة مضاعفة عندما تتحول الولولات الي نوع من الاناشيد القومية التي تنشدها كل الصحف وترددها كنوع من الحكمة الذائعة وأمثال الحكمة الشعبية‏,‏ وطالما أن العام المقبل هو عام الفزع‏,‏ والعام الفائت كان عام الغيبوبة‏,‏ وما قبله من سنوات كان حقبة الهيمنة الاسرائيلية‏,‏ وما فات وما قدم ما هو إلا سلسلة من سواد الأيام‏,‏ فما هي المشكلة اذن في حياة معتادة؟‏!.‏

ولكن المسألة ليست حالة نفسية من التشاؤم‏,‏ وانما هي حالة لها مرجعية لعب فيها الأستاذ دورا تاريخيا‏,‏ وهي أن العصر الذهبي للأمة كان في الخمسينيات والستينيات‏,‏ في ظل القيادة الناصرية لمصر والأمة‏,‏ وفي عصر سطوة فكرة القومية العربية‏,‏ وما بعدهما لم يكن إلا ركاما واهوالا وعصورا مظلمة‏.‏ وبغض النظر عن حقيقة ذلك من زيفه‏,‏ وبغض النظر عن الوقائع والأرقام التي تقول كلها ان العقود الذهبية كانت عصرا من صفيح‏,‏ إلا أن وظيفة الكاتب والمحلل أرقي بكثير من ماض ولي وراح‏,‏ والأهم تغير عالمه ودنياه‏,‏ والفارق ما بين عصور الراديو الترانزيستور في الستينيات من القرن الماضي والمحطات التليفزيونية الفضائية مع القرن الحالي كالفارق ما بين استئناس الدواب في العصور السحيقة واختراع الطائرة النفاثة في القرن العشرين‏.‏ ولكن المرجعية الأخطر للأستاذ هي القضية الإسرائيلية فهي المفتاح لكل ما سبق‏,‏ والبداية لكل ما لحق‏,‏ وعندما سألت المذيعة خديجة الأستاذ هيكل عن ايران كان رده الفوري إسرائيل‏,‏ فمن يتحدث عن تخصيب اليورانيوم الايراني عليه أن يتحدث عن إسرائيل‏,‏ ومن يتحدث عن الهلال الشيعي عليه أن يتحدث عن النجمة الإسرائيلية‏,‏ ومن يتحدث عن أنواع الخطر المختلفة في المنطقة عليه أن يبدأ وينتهي بالخطر الإسرائيلي‏.‏

وبالطبع لا يوجد خلاف حول الخطر الإسرائيلي‏,‏ وعندما توجد دولة استعمارية وتحكمها اتجاهات متطرفة ومسلحة حتي الأسنان تقليديا ونوويا فهي دولة خطرة‏,‏ بل وبالغة الخطورة‏.‏ ولكن هذه الخطورة ذاتها هي التي تستوجب النظر في كل الاتجاهات‏,‏ وحساب كل المواقع‏,‏ وتدبير كل الامكانات‏.‏ ومن ناحيتي ربما لا أختلف إلا في الكم مع تحليل الأستاذ هيكل للحالة الايرانية‏,‏ ولكن ما يقلق هو استبعاد كل الموضوعات من التحليل الاستراتيجي واستحضار موضوع واحد ووحيد‏.‏ وعندما يجري العالم في اتجاه طهران بحثا عن اليورانيوم المخصب‏,‏ وتجري حرب عراقية ـ ايرانية لمدة ثمانية سنوات‏,‏ وعندما ينوه كل قائد عراقي وخليجي بأنواع مختلفة من الخوف من ايران‏,‏ وعندما تكون كل المناورات العسكرية الايرانية قائمة علي الاستعداد لعمليات تجري علي الجانب الآخر من الخليج‏,‏ فإن الحديث عن ايران ليس من الخطايا الاستراتيجية الكبري‏,‏ التي تستوجب الوضوء قبلها بالحديث عن الخطر الإسرائيلي‏!.‏

وربما كانت هاتان المرجعيتين ـ العصور الذهبية والخطر الإسرائيلي ـ هما اللذين يضعان نظارة سوداء علي المستقبل‏,‏ وتمنعان محللا استراتيجيا بوزن الأستاذ هيكل في البحث عن الفرص في المستقبل‏,‏ والعام المقبل تحديدا‏,‏ والتي تجعله عاما سعيدا ومضيئا ومطمئنا‏.‏ قد بدأ عام الفزع بوقائع لا بأس بها‏,‏ وفي اليوم التاسع من يناير جرت الانتخابات الرئاسية الفلسطينية‏,‏ ومن يصدق فقد جرت الانتخابات بين أكثر من مرشح‏,‏ ومن يصدق أكثر فقد جرت عمليات التصويت والفرز دون تزوير‏,‏ ومن يصدق فوق ذلك كله أن تتاح في بلد عربي فرص متكافئة للجميع في عقد المؤتمرات والمسيرات والوقوف أمام أجهزة الاعلام‏.‏ وفي نفس اليوم جرت مراسم توقيع اتفاق السلام الأهلي في السودان بين الشمال والجنوب‏,‏ وفي أول أيام عام الفزع جرت الطمأنينة الي عشرات الملايين من السودانيين الأشقاء الذين بلغت ضحاياهم في الحرب الأهلية علي مدي نصف قرن مليونين‏,‏ والخارجين من ديارهم خمسة ملايين‏.‏ وقبل نهاية الشهر الأول من عام الفزع سوف تجري الانتخابات العراقية لانتخاب مجلس تشريعي‏,‏ ووضع دستور جديد‏,‏ وقبل نهاية العام سوف تكون هناك حكومة شرعية منتخبة‏.‏ كل ذلك سوف يحدث في العراق‏,‏ حيث كان الرئيس ينتخب بنسبة‏100%,‏ وحيث لم يجرؤ أحد علي تحدي سلطته ليس في ادارة البلاد‏,‏ وانما في اقامة المقابر الجماعية استنادا الي فكرة القومية العربية‏,‏ والوحدة التي لا يغلبها غلاب‏,‏ والحديث الذي لا ينبغي له أن يخرج أبدا عن موضوع واحد وهو الخطر الإسرائيلي‏!.‏

المهم في هذه الأحداث ليس وقوعها لأول مرة في بلاد عربية‏.‏ كانت تستعد توا للفزع في عامها الجديد‏,‏ وانما ما تفتحه من فرص‏,‏ وما تطالب به من مسئولية حتي لا تتحول الفرص غير المنتهزة الي مخاطر جمة‏,‏ فالفزع لا يأتي دوما إلا لهؤلاء الذين ينتظرون الاحداث لكي تكون رحيمة بهم‏,‏ والآخرون بشرا ودولا لكي يكونوا رحماء بهم‏,‏ وفي سبيل ذلك لا يعملون ولا ينتهزون فرصة‏,‏ ولا يزيدون موارد‏,‏ ولا يستخدمون قدرات‏,‏ وحسبهم ندب الحظ أو لطم الخدود‏,‏ فما لدينا في فلسطين والسودان والعراق فرصة‏,‏ وكما في كل الفرص فهي محفوفة بالمخاطر‏,‏ فهي يمكن أن تكون فاتحة لمفاوضات جادة في فلسطين تنتهي بالجلاء الاسرائيلي عن الأراضي الفلسطينية التي كانت محررة وفقا لاتفاقية أوسلو‏,‏ ثم اعيد احتلالها‏.‏ وهي يمكن أن تكون بداية لدولة عراقية ديمقراطية فيدرالية موحدة‏,‏ وفاعلة الي الدرجة التي تجعلها قادرة علي تحقيق جلاء كل القوات الاجنبية منها قبل بداية عام ما بعد الفزع‏!..‏ وهي مايمكن أن تكون بداية مبشرة للسنوات الست الاختبارية بين الوحدة والانفصال فيبقي السودان موحدا قويا عفيا‏,‏ حرا تقتسم فيه السلطة والثروة بعدل‏,‏ ويتشارك فيه الناس في اتخاذ القرار دون تمييز علي أساس من الدين أو العرق أو اللون‏.‏

كل ذلك في فلسطين والسودان والعراق‏.‏ لا يحدث مرة واحدة‏,‏ وانما يحدث بجهد الناس والساسة والمفكرين الاستراتيجيين‏,‏ الذين لا يتخلون عن مسئولياتهم التاريخية في الدفع بأمور الأوطان نحو الأمام‏,‏ ولا تنتهي مهامهم بالغمز واللمز في الساحات الوطنية والقومية لكل الاطراف علي الساحة دون تحديد بديل واحد لما يجري قابل للمناقشة والحوار‏.‏ إن الاعوام لا تكون سببا للغيبوبة‏,‏ وهي لا تكون أبدا مدعاة للفزع‏,‏ وهي ليست حقبة للسيطرة والهيمنة لهذا أو ذاك من الاطراف الدولية‏,‏ وانما هي في النهاية زمن يعطي نفسه لمن يستغله‏,‏ ويعمل فيه‏,‏ وبالنسبة للمحللين الاستراتيجيين‏.‏ فهي لتحديد البدائل والخيارات والمسارات للأمة‏,‏ انطلاقا من واقع معلوم‏!..‏ وللحديث بقية عما قاله الأستاذ للسيدة خديجة في قناة الجزيرة في قطر‏!.‏

رابط هذا التعليق
شارك

انشئ حساب جديد أو قم بتسجيل دخولك لتتمكن من إضافة تعليق جديد

يجب ان تكون عضوا لدينا لتتمكن من التعليق

انشئ حساب جديد

سجل حسابك الجديد لدينا في الموقع بمنتهي السهوله .

سجل حساب جديد

تسجيل دخول

هل تمتلك حساب بالفعل؟ سجل دخولك من هنا.

سجل دخولك الان
  • المتواجدون الآن   0 أعضاء متواجدين الان

    • لا يوجد أعضاء مسجلون يتصفحون هذه الصفحة
×
×
  • أضف...