ابو خليل بتاريخ: 15 فبراير 2005 تقديم بلاغ مشاركة بتاريخ: 15 فبراير 2005 بسم الله .. سأبدأ في عرض بحوثي "المتواضعة" في التربيةوالتعليم المنشورة وغيرا لمنشورة ... طبعا لم اتمكن من نشر الهوامش وساجعل المراجع في نهاية البحث .. منهج الإسلام في التربية المقدمة الحمد لله الذي جعل التربية مشتقة من اسمه وجعل اشرف الأعمال عمل المربين ،والصلاة والسلام على من كان وما زال أفضل قدوة للمربين ، وصفه الله بقوله : (وَإِنَّكَ لَعَلى خُلُقٍ عَظِيمٍ) وجعله هاويا ومبشرا نذيرا و داعيا الي الله بإذنه وسراجا منيرا وعلى اله وصحبه أجمعين وبعد. فمما يلاحظ على الواقع الذي يعيشه العالم اليوم أن المجتمعات البشرية ليست سواء في مثله العليا ولا في عادات العمل والتفكير ودوافع الشعور عند كل منها .. بل إنها لتختلف في ذلك كله اختلافا يبلغ حد التناقض أحيانا . لقد بُسطت جميع أسس هذه التربية وأهدافها وأساليبها ووقايته ودونت متناثرة في آيات القرآن الكريم العظيم وكتب السنة واصبح من الميسور استنباطها من هذين المرجعين الأساس يين ثم تجميعها والتأليف بينها على نسق مستوحي من طبيعة الإسلام ومن الأسلوب التربوي لرسولنا محمد خير الأنام ، وهذا هو الأسلوب الموضوعي العلمي لدراسة التربية الإسلامية. وفي بحثي هذا سوف أتناول المشكلات الناجمة عن مشكلة التعليم والتي نشأت منذ أن تسرب إلى البلاد الإسلامية نظام المدرسة المعاصرة على غرار ما هو عليه في أوروبا . فقد جاءتنا هذه المدارس الحديثة بنظم تعليمية مستوردة وبمناهج علوم غير تلك التي كانت تدرس في المساجد والمدارس الإسلامية القديمة فكان غاية ذلك بعد مدة قليلة ، فوضى فكرية هائلة ، واضطراب وتناقض في الأفكار والآراء ـ وشك وارتياب في الدين واستخفاف بفرائضه ووجباته و ثورة على الآداب و الأخلاق وتقليد للأجانب في القشور والظواهر (1). و في بحثي هذا سوف أتتناول مشكلة التعليم في عالمنا اليوم مع ذكر القواعد العامة التي يجد بالمدرس ان يعرفها حتى ينجح في عملية التدريس . والله الموفق والمستعان،،،، رابط هذا التعليق شارك المزيد من خيارات المشاركة
ابو خليل بتاريخ: 15 فبراير 2005 كاتب الموضوع تقديم بلاغ مشاركة بتاريخ: 15 فبراير 2005 الفصل الأول الإطار العام لمنهج التربية في التصور الإسلامي الدين (في مفهوم الإسلامي ) هو النظام العام أو المنهج الذي يحكم الحياة ،فهو مرادف لكلمة(نظام )أو منهج في الاصطلاحات الحديثة ،مع شمول المدلول للأيمان والاعتقاد في القلب والسلوك في الواقع والشريعة يشتمل على كل جوانب المجتمع الإسلامي . ان النظام الإسلامي يختلف في طبيعته الأصيلة عن سائر النظم الأخرى ، ذلك لانه نظام من صنع الله، و لانه عالمي النزعة ، ينظر إلى العالم على انه وحدة متكاملة ، ويرمي إلى ضم البشرية كلها إلى لوائه متساوية متآخية متكاملة . ( فالقاعدة التي يقوم عليها النظام الإسلامي تختلف عن القواعد التي تقوم عليها الأنظمة البشرية جميعا، انه يقوم على أساس ان الحاكمة لله وحده ، فهو الذي يشرع وسائر الأنظمة تقوم على أساس ان الحاكمة للإنسان ، فهو الذي يشرع لنفسه ، وهما قاعدتان لا تلتقيان ، ومن ثم فالنظام الإسلامي لا يلتقي ابدأ مع أي نظام ، ولا يجوز وصفه بغير صفة الإسلام ) . ويقوم النظام الإسلامي على مبدأين أساس يين مستمدين من تصوره الكلي للألوهية والكون والحياة والإنسان :الأول هو وحدة الإنسان ية في الجنس والطبيعة والنشأة والثاني هو أن الإسلام هو النظام العالمي العام الذي لا يقبل الله من أحد نظاما غيره لأنه لا يقبل من أحد دينا غير الإسلام {وَمَا أَرْسَلْنَاكَ إِلَّا رَحْمَةً لِّلْعَالَمِينَ } 2 وقيام النظام الإسلامي على المبدأين السابقين كان له أُثره القوي في كل النظم والسياسات التي تفرعت منه كمنهجه في التربية ، وسياسته في الحكم وسياسته في المال و الاقتصاد إلى أخره ومن ذلك أنه لا يشرع لجنس ولا لجيل وإنما للأجناس جميعا ، في كل زمان ومكان ، فاتبع الأسس الإنسان ية الشاملة في كل تشريعاته و نظمه ، ووضع القواعد العامة والمبادئ الواسعة وترك الكثير من التطبيقات لتطور الزمان وبروز الحاجات 3. وتأسيسا على هذا فان الإسلام هو نظام النظم حيث انه يندرج تحته عدة نظم ، ففيه النظام الاقتصادي ، ونظام للسياسة و نظام للاجتماع و نظام للتربية . وهذه النظم وان اختلفت في أشكالها و أساليبه ووسائلها من وقت لأخر ، أو من بيئة لأخرى ، إلا إنها تستمد أصولها من خصائص ومقومات النظام الأكبر ألا وهو الإسلام ، كما انها تهدف إلى غاية واحدة وهي ( بناء الإنسان الصالح ) . واذا عدنا إلى التربية الإسلامية ، فإننا يجب ان نفرق بين أمرين : أولهما هو أصول التربية الإسلامية في الكتاب والسنة ،وهي تلك المستمدة من الأصول الموجودة في نصوص الوحي المنزل وهي القرآن وسنة الرسول . وثانيهما : اجتهادات علماء التربية الإسلامية التي هي مجموع أراء المفكرين المسلمين من فقهاء و تربويين خلال العصور الإسلامية وهذه تسمى اجتهادات وتصورات ، لانها تمثل محاولة إنسانية للفهم جاءت في إطار الأصول والنصوص الثابتة ، و هذه معرضة للتعديل و التطوير بما لا يتعارض مع الأصول والقيم الثابتة 1. ضرورة فهم طبيعة التصور الإسلامي : أن مفهوم منهج التربية في التصور الإسلامي (شأنه في ذلك شأن كل منهج اسلامي أو نظام في الاقتصاد او السياسة او الاجتماع .. إلى أخره ) لابد وان يُستمد من المفهوم الإسلامي العام ، الذي هو نظام او منهج لحكم الحياة . كما ان خصائص منهج التربية في التصور الإسلامي لابد ان يستقى من مقومات المنهج الإسلامي العام وخصائصه التي حددها لنا تحديداً دقيقاً شاملاً متكاملاً رواد الصحوة الإسلامية المعاصرة ، ابتداء من الإمام محمد عبده والشيخ حسن البنا إلى العلامة أبو الأعلى المودودي والشيخ محمد الغزالي ، والدكتور يوسف القرضاوي ، سيد قطب .. وهذه الخصائص هي : الربانية ، والتوحيد ، والعالمية ، الثبات والشمول ، والتوازن ،و الإيجابية ،والواقعية 2. وهذا المنهج بمفهومه وخصائصه لابد ان يعتمد في تصميمه وتنفيذه ، وتطويره على أساس فهم طبيعة التصور الإسلامي لحقائق :الألوهية و الكون ،والإنسان ، والحياة . فهذه الحقائق الأربع هي الأسس التي يقوم عليها بناء منهج التربية في التصور الإسلامي ، فحقيقة الألوهية هي الأساس الأول باعتبارها مصدر كل شيء ومرجع كل شيء . والكون غيبه و شهوده - هو الأساس الثاني – هو آيه الله الكبرى ، ومعرض قدرته المعجزة المبهرة ، اراده الله فكان وقدره تقديرا محكما . واما الحياة ، غيبها وشهودها ، دنا وآخره ، فهي الأساس الثالث من أسس بناء منهج التربية ، بل ان وضوح الحياة ودور الإنسان فيها ، وعلاقة الحياة الدنيا بالحياة الآخرة لهو أمر حاسم في التصور الإسلامي لبناء منهج التربية أو أي منهج آخر في المجتمع الإسلامي . الأساس الرابع هو الإنسان : ومنهج التربية يهتم بدراسة الإنسان من جانبين : الجانب الأول يتصل بخلقه ، وطبيعة إنسانيته ، ونموه و حاجاته . والجانب الثاني : يتصل بمصدر وجوده وعلاقته بالكون والحياة من حوله ، وتصميم منهج التربية وتنفيذه و تطويره على أساس الفهم التام لهذين الجانبين أمر حاسم للأسباب التالية : أولا : انه لابد للإنسان من أن يفهم فطرته التي فطر الناس عليها ، وطبيعته الإنسانية ، وحقيقة نفسه ، ومكوناتها و نموها وحاجاتها ومتطلبات كل ذلك وآثاره في مناهج التربية المختلفة . ثانيا: انه لابد للمسلم من تفسير شامل للوجود ، يتعامل على أساس ه مع هذا الوجود ، فلابد من أن يفهم حقيقة الألوهية ، وحقيقة الكون ، و حقيقة الإنسان و حقيقة الحياة و ما بينها جميعاً من ارتباطات . ثالثا: لابد للمسلم من معرفة حقيقة مركز الإنسان في هذا الوجود الكوني ، وغاية وجوده الإنسان ي ، وحدود اختصاصاته ، وعلاقاته بخاله وخالق الكون جميعاً . رابعا: انه بناء على فهم الإنسان لذلك التفسير الشامل ، وعلي فهمه لحقيقة مركزه في الوجود الكوني ، ولغاية وجوده الإنسان ي يتحدد منهم حياته ، ونوع النظام الذي يحقق هذا المنهج والفرق بينه وبين المنهج الأرضية الأخرى . خامسا :انه لابد للمسلم من أن يعرف ان الإسلام انما جاء لينشئ أمة ذات طابع خاص متفرد ، وهي في الوقت نفسه أمة جاءت لقيادة البشرية ، وتحقيق منهج الله في الأرض ، و إدراك المسلم لكل هذا هو الذي يكفل له ان يكون عاملا ايجابيا صالحا في بناء هذه الأمة وقائداً وموجها في عملية البناء والترقية . ولكي يقوم الإنسان بهذه الوظيفة على الوجه الأكمل ،لابد له من منهج تربوي يعده للقيام بهذه الوظيفة ،والمنهج التربوي كي يقوم بوظيفة الإعداد هذه بطريقة متكاملة ،لابد ان يستقي مفهومه وخصائصه من مفهوم منهج الإسلام العام وخصائصه ،كما انه لابد ان يعتمد في بنائه وتنفيذه وتطويره على أساس فهم طبيعة التصور الإسلامي لحقائق الألوهية ، والكون ،و الإنسان و الحياة ، وفهم طبيعة العلاقات والارتباطات بينها 1. ومن هذا المفهوم للمنهج وخصائصه ، ومن الأسس التي يقوم عليها بناؤه تشتق مكونات هذا المنهج وهي : 1- الأهداف العامة : التي يمكن ان تشتق منها الأهداف الخاصة بكل مرحلة تعليمية و بكل مادة ، حسب طبيعة المتعلمين ، وطبيعة كل مادة على حدة . 2- محتوي المنهج الذي هو مجموعة من الحقائق والمعايير والقيم الإلهية الثابتة ، والمعلومات والخبرات والمهارات الإنسانية المتغيرة التي تناسب كل مرحلة ، و كل علم وكل فن ، و هذا المحتوي يجب ان يكون مناسباً ، كما وكيفاً – للأهداف السابقة . 3- طرق وأساليب التدريس ، وهذه يجب أن تنسق مع كل من الأهداف والمحتوي السابقين . 4- طرق وأساليب التقويم ، لمعرفة ما تحقق من الأهداف ، وتشخيص جوانب القوة والضعف في المنهج ، واتخاذ القرارات اللازمة للتطوير والمتابعة . رابط هذا التعليق شارك المزيد من خيارات المشاركة
ابو خليل بتاريخ: 15 فبراير 2005 كاتب الموضوع تقديم بلاغ مشاركة بتاريخ: 15 فبراير 2005 الفصل الثاني مفهوم منهج التربية في التصور الإسلامي وخصائصه مفهوم منهج التربية في التصور الإسلامي : إن منهج التربية في التصور الإسلامي هو :نظام من الحقائق والمعايير والقيم الإلهية الثابتة ، والمعارف والخبرات والمهارات الإنسان ية المتغيرة التي تقدمها مؤسسة تربوية إسلامية إلى المتعلمين فيها ، بقصد إيصالهم إلى درجات الكمال التي هيأهم الله لها ، و بذلك يستطيعون القيام بحق الخلافة في الأرض عن طريق الإسهام بايجابية وفاعلية في عمارتها وترقية الحياة على ظهرها وفق منهج الله 1. الخصائص التي يتميز بها هذا المفهوم : وهذا المفهوم لمنهج التربية الإسلامية ، يتميز ويتفرد بمجموعة من الخصائص أهمها ما يلي: الخاصية الأولي : هي أن منهج التربية الإسلامية "نظم" أي انه بمفهومه وخصائصه وأسس بناءه ، وعناصره يكون كلاً متكاملاً ، كل جزء فيه يتأثر ببقية الاجزاء ويؤثر فيها . الخاصية الثانية : هي أن هذا المنهج بما أنه نابع من التصور الإسلامي للكون والإنسان والحياة فهو منهج رباني . يقول الدكتور يوسف القرضاوي ان المراد بالربانية هنا امران2 : 1- ربانية المصدر والمنبع : ان أولى مقومات النظام الإسلامي انه نظام رباني ( صادر من الله للانسان ) وليس من صنع الإنسان ، تتلقاه الكينونة الإنسان ية بجملتها من بارئها ، وليست الكينونة الإنسان ية هي التي تنشئه ،كما تنشيء التصور الوثني ، او التصور الفلسفي ، على اختلاف ما بينهما ، وعمل الإنسان فيه هو تلقيه وادراكه والتكيف به وتطبيق مقتضياته في الحياة البشرية . واذا كان الفكر البشري لم ينشىء هذا النظام ، فان له وجوداً قوياً في مجاله للعمل به ، بيد ان عمله هو التلقي والادراك والتكيف والتطبيق في واقع الحياة ، غير ان القاعدة المنهجية الصحيحة للتلقي ، هي هذه أنه ليس مصدر للفكر البشري أن يتلقي هذا التصور بمقررات سابقة ،يستمدها من أي مصدر أخر ،أو يستمدها من مقولاته هو نفسه ، ثم يحاكم إليها هذا التصور ، ويزنه بموازينها ، انما هو يتلقي موازينه ومقرراته من هذا التصور ذاته ، ويتكيف به ويستقيم على منهجه . إذن فوظيفة الإنسان في هذا النظام هو التلقي في حدود طبيعته الإنسان ية ، وفي حدود وظيفته ، فالإنسان محكوم عليه أولا وفقا بطبيعته : طبيعة انه مخلوق حادث ، ليس كلياً و لا مطلقاً ، ليس ازليا ولا أبدياً ، ومن ثم فان ادراكـه لابد ان يكون محدوداً بما تحده به طبيعته ، ثم هو محدود بوظيفته ، وظيفة الخلافة في الأرض . لتحقيــق معني العبودية لله فيها ، ومن ثم فقد وهب من الإدراك ما يناسب هذه الخلافة بلا نقص ولا زيادة ، وهناك امور كثيرة لا يحتاج إليها في وظيفته هذه ومن ثم لم يوهب القدرة على إدراكها ،وان كان موهوبا ان يدرك إمكانها ،وان يحيل هذا على معرفته بطلاقة المشيئة الإلهية من ناحية ومن ناحية أخرى على معرفته بانه مخلوق حادث غير كلي ولا مطلق ، فلا يمكن ان يحيط بخصائص الأزلي الأبدي ، الذي هـو بكل شيء محيط 1. ويشير القران الكريم إلى بعض هذه الجوانب كعدم إدراك الإنسان لكنه الذات الإلهية : {لاَّ تُدْرِكُهُ الأَبْصَارُ وَهُوَ يُدْرِكُ الأَبْصَارَ وَهُوَ اللَّطِيفُ الْخَبِيرُ} 2 و { لَيْسَ كَمِثْلِهِ شَيْءٌ وَهُوَ السَّمِيعُ البَصِيرُ} 3 وفيما عدا ذلك، فان الفكر البشري والإدراك البشري مدعو للتفكير والتدبر والنظر والاعتبار ، والتكيف والتأثر ، والتطبيق في علام الضمير و عالم الواقع ، وفي التصور الشامل لهذا النظام الكبير. إن الإسلام هو منهج الله الذي تحكم به الحياة ، وهو من خلق الله ، فالإنسان لا يستطيع ان يشرع لنفسه ، و ليست لدية الامكانيات و القدرات التي تجعله يضع منهجاً شاملا لحياته ، لانه يجهل نفسه ، ويجهل نتائج تصرفاته ، و كثيرا ما يخضع لسلطان شهواته و من هناكان من الخطر على وجوده ان يستند اليه امر وضع منهج حياته. {ثُمَّ جَعَلْنَاكَ عَلَى شَرِيعَةٍ مِّنَ الْأَمْرِ فَاتَّبِعْهَا وَلَا تَتَّبِعْ أَهْوَاء الَّذِينَ لَا يَعْلَمُونَ} 4 {كُتِبَ عَلَيْكُمُ الْقِتَالُ وَهُوَ كُرْهٌ لَّكُمْ وَعَسَى أَن تَكْرَهُواْ شَيْئًا وَهُوَ خَيْرٌ لَّكُمْ وَعَسَى أَن تُحِبُّواْ شَيْئًا وَهُوَ شَرٌّ لَّكُمْ وَاللّهُ يَعْلَمُ وَأَنتُمْ لاَ تَعْلَمُونَ} 5 إن الله هو الذي خلق الإنسان و فضله على كثير من المخلوقات ، و سخر له كثير من الكائنات فمن حق ملك الناس ، اله الناس ، رب الناس ، ان يشرع لهم منهج حياتهم الذي يحققون له غاية وجودهم ، وهي عبادة الله . 2- ربانية الوجهة والغاية : اما ربانية الوجهة الغاية : فنعني بها الاسلام يجعل غايته الأخيرة و هدفة البعيد ، هو حس الصلة بالله تبارك وتعالي، والحصول على مرضاته ، فهذه غاية الإسلام ، وبالتالي هي غاية الإنسان ، ووجهة الإنسان ومنتهي أمله وسعيه وكدحه في الحياة 1. {يَا أَيُّهَا الإنسان إِنَّكَ كَادِحٌ إِلَى رَبِّكَ كَدْحًا فَمُلَاقِيهِ} 2 ويتفق مع هذا المنطلق ان الإسلام جعل غاية الوجود كله هي عبادة الله : {وَمَا خَلَقْتُ الْجِنَّ وَالْإِنسَ إِلَّا لِيَعْبُدُونِ} (56) 3 كما ان العبادة هنا ليست مقصورة على الشعائر المعروفة من صيام وصلاة وزكاة وحج .. إلى آخره ، ولكنها منهج حياة كاملة انها العبودية لله وحده ، والتلقي من الله وحده في كل أمر من الامور الدنيوية و الآخراوية ،فكل فكر أو قول أو عمل أو سلوك يتقرب به الإنسان إلى الله طمعاً في رضاه ، وخوفاً من عضبه ، هو عبادة ، وبذلك يكون المؤمن عابداً لله في كل وقت و في كـل حين ، لانه دائم الصلة بالله ، يرجع اليه في كل لحظة ويستشيره في كل أمر . وبناء على ما سبق ،فانه يترتب على كون المنهج الإسلامي منهج رباني المصدر والغاية ، انه منهج ( كامل متكامل ، لا يقبل تنمية ولا تكميلاً ، كما انه لا يقبل ( قطع غيار ) من خارجه فهو من صنعـة الله فلا يتناسق معه ما هو صنعـة غيره ) ووظيفة الإنسان في هذا المنهج هو تلقيه ، وادراكه و الاجتهاد في اطاره والتكيف معه و تطبيق مقتضياته في واقع الحياة . الربانية والمنهج أن منهج التربية الإسلامية كمنهج الإسلام العام ، منهج رباني في مصدره وغايته ، ولذلك فهو يزود الإنسان ( المتعلم ) بمجموعة من الحقائق والمعايير والقيم الثابتة التي توجه عمله ونشاطه ،بل وتعينه على عمارة الارض وترقيتها وفق منهج الله ، فلامراء انه ضروري لكل إنسان (متعلم) ان يفهم الحقائق الثابتة في الكون : كحقيــقة الألوهية وحقيقة الربوبية ، وحقيقة الكون وحقيقة الحياة ، وحقيقة الإنسان .. إلى اخره .. فبدون فهم هذه الحقائق لا يستطيع الإنسان ان يفهم وجوده ولا دوره في هذا الوجود ، فضلا عن مصدر وجوده وغايته .ومن الضروري ان يفهم الإنسان ( المتعلم ) مجموعة القيم الأساس ية التي يقوم عليها نظام الحياة الإنسان ية الراقية ، فالعلم واستخدامه في اعمار الحياة وترقيتها ( لا في خرابها ) ، والإحسان و الدقة في العمل ، والنظام والنظافة ، وصدق الشعور في القول والعمل ، كل هذه قيم ثابتة ، لا يمكن ان يقوم نظام انساني راق ( في أي وقت )على وجه الارض بدونها . ان الإسلام لا يتسامح كما يقول سيد قطب ان يتلقي المسلم أصول عقيدته ولا مقومات تصوره و لا تفسير قرآنه و حديثه وسيرة نبيه و لا منهج تاريخه و تفسير نشاطه ، ولا مذهب مجتمعه ولا نظام حكمه ، ولا منهج سياسته ولا موجبات فنه وأدبه وتعبيره .. من مصادر غير اسلامية ، ولا ان يتلقي في كل هذا من غير مسلم يثق في دينه وتقواه1 . وهذا الامر أكبر وأثقل في ميزان الله من أن يعتمد فيه على راي شخصي فالامر فيه لله ولرسوله ، يقول الله تعالى : {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوَاْ إِن تُطِيعُواْ فَرِيقًا مِّنَ الَّذِينَ أُوتُواْ الْكِتَابَ يَرُدُّوكُم بَعْدَ إِيمَانِكُمْ كَافِرِينَ} 2 والواقع ان الإسلام يفرق في هذا الأمر بين نوعين من العلوم : العلوم التي تتصل بتفسير النشاط الإنسان ي كله كالفنون والآداب والعلوم الإنسان ية عموماً ، فهذه يجب على المسلم الا يتلقاها إلا على يد مسلم يوثق في علمه ودينه . أما ما يردده البعض عن ان الفنون والاداب يجب ان تدرس كفنون جميلة في حد ذاتها ، دون ربطها بالعقائد والاخلاقيات ، فهذا رأي مرفوض ، لان الإسلام لا يعترف بتظريات ( العلم للعلم ) و( الفن للفن ) فالعلوم والفنون ما هي إلا وسائل وأدوات خلفها الله ليتعلمها الإنسان ويستخدمها في عمارة الارض وترقيتها وفق منهج الله . أما العلوم البحتة لعلوم الكيمياء و الفيزياء والأحياء و علوم الصناعة والزراعة .. الخ فالاصل ان يسعى المجتمع المسلم لتوفير الكفايات فيها، باعتبار تعلمها فرض كفاية ، فاذا لم يوفر الكفايات اثم المجتمع كله ، والي ان تتوفر الكفايات في هذا الميدان ، فان للمسلم ان يتلقي هذه العلوم عن المسلم وغير المسلم . وليس معنى ماتقدم أي ادعو إلى الانغلاق و عدم التفكير ، وعدم الاستفادة من افكار الاخرين اينما كانوا ، فليس هذا من الإسلام في شيء وقد وضع لنا الرسول الكريم عليه الصلاة والسلام المبدأ الهادي في كل هذه السبل حيث قال: ( الحكمة ضالة المؤمن ، حينما وجدها فهو أحق الناس بها ) اذن فهذه دعوة إلى الانفتاح ، لا إلى الانغلاق ، لكنه الانفتاح الذي ينشد الحكمة ويزن كل شيء وفقا لمعايير وقواعد منهج الله . رابط هذا التعليق شارك المزيد من خيارات المشاركة
ابو خليل بتاريخ: 15 فبراير 2005 كاتب الموضوع تقديم بلاغ مشاركة بتاريخ: 15 فبراير 2005 الفصل الثالث مشكـــــلات التعـــــليم تأخذ مشكلة التعليم في عالمنا اليوم حيزاً كبيراً من اهتمام كل دولة ، وترصد لها نسبة لا يستهان بها من الأموال والجهود والكفاءات ، وميزانية لا تقل عن ميزانية تنظيم الجيش أو التموين أو المواصلات أو سائر شؤون الدولة ، ويرجع ذلك إلى أن الدول المعاصرة اخذت على عاتقها أن تعلم كل ابناء الشعب وأن تهيء لهم كل اسباب التعليم من مدارس ومعلمين وكتب وتختار لهم العلوم والمناهج ، و ذلك في ضمن ما تأخذه الدولة المعاصرة على عاتقها من تنظيم لما يحتاج إليه الشعب وتوفيره كالعمل والأمن و الازدهار والحماية والحرة و الكرامة والغذاء والكساء ، وحرية التجارة وحرية العمل .. الخ 1. وهذه الامور كلها تبني على التربية والتعليم ،فالتربية تنمي الثروة البشرية وهذه الثروة اذا وجهت توجيها صالحا حققت الأمة في أجيالها حب العمل واتقانه واستنباط ثروات الارض باسلوب تقني يعطي أفضل انتاج ،واعظم كمية ، بأقل جهد وأسرع وقت. وبالتعليم والتربية تستطيع الدول الكبري ان توجه الدولة التي تسيطر عليها وفق مصالحها و أهدافها ، ولكن يلاحظ في المقابل انه يمكن ان يكون للتعليم في الدول الناشئة المكان الأول في تحقيق الاستقلال الثقافي والاقتصادي وفي تحقيق الكفاح ضد الظلم والطغيان ، وفي تخليص الشعب من التبعية الفكرية والثقافية و الاقتصادية والسياسية . وبالتعليم والتربية يعتاد الشعب النظام وحفظ الامن بنفسه و البعد عن الجرائم، اذا وجه توجيها زبانياً ، و يعتاد التعاون والتعاطف الصادق والتجارب ، ويربي على احترام الاموال والاملاك والأعراض والأرواح 2. ب- أبعاد المشكلة وجوانبها في نظر التربية الإسلامية : وهكذا يلاحظ ان لمشكلة التعليم جوانب وابعادا كثيرة متعددة مختلفة الاتجاهات و الالوان ، مما جعلها تسفر عن مشكلات فرعية متعددة ، فهناك مشكلة معالجة الطفولة ورعايتها أثناء التعليم و تنوعها بتنوع الخبرات والمعارف التي يراد نقلها إلى الأجيال وتعليمها، ، وهناك مشكلة تعميم التعليم وتنوعها بتنوع الخبرات والمعارف التي يراد نقلها إلى الاجيال وتعليمها، وهناك مشكلة الاتجاه الاعتقادي ( التوجية الايدلوجي ) للتعليم ،وثمة مشكلة تعميم التعليم على جميع أبناء الشعب ، والزام جميع الناشئين بالتعليم وفرض العقوبات على من يخالف ذلك ، ثم ان مما يصادف جميع الدول مشكلة ايجاد الكفاية من المعلمين ،كما ونوعاً و تمويل التعليم من أكبر المشكلات التي تجابه الدول الفقيرة والناشئة . ومن المشكلات الفنية مشكلة الوسائل التعليمية ، واستخدام البرمجة والكمبيوتر في تنظيم التعليم ، ومشكلة الكتب الدراسية ، ومشكلة الادارة المدرسية ، وعلاقة المدرسة بالشعب ومشكلة الشهادات و الامتحانات ، على ان هذه المشكلات تختلف في درجة اهميتها ومساسها بصميم العقيدة والتربية الإسلامية ،و لو اردنا علاجها جميعا بالتفصيل لاحتجنا إلى سفر مستقل لذلك سنكتفي بوضع الخطوط العريضة لعلاج أهم هذه المشكلات 1. جـ – علاج اهم المشكلات الناجمة من مشكلة التعليم : 1- التوجية الاعتقادي للتعليم : نشات هذه المشكلة أساس ا منذ ان تسّرب للبلاد الإسلامية نظام المدرسة المعاصرة على غرار ما عليه في اوروبا ، فقد جاءتنا هذه المدارس الحديثة بنظم تعليمية مستوردة ، وبمناهج وعلوم غير تلك التي كانت تدرس في المساجد والمدارس الإسلامية القديمة ، فكانت غاية ذلك بعد مدة قليلة ، فوضىفكرية هائلة ، وتناقض في الافكار والاراء ، وشك وارتياب في الدين واستخفاف بفرائضه وواجباته وثورة على الاداب والاخلاق و تقليد للاجانب في القشور و الظواهر2. ولو تتبعنا هذه العلوم الغربية التي سادت مدارسنا ، لوجدناها تصدر فعلاً من ( منطلقات عقائدية) تعارض عقيدة التوحيد التي تحيا في قلب كل مسلم ونستطيع ان نلخص هذه ( الخلفية العقائدية ) المشتركة في كل فروع المعرفة والثقافة الغربية بان الوجود كله ( في زعمهم ) منحصر في الطبيعة والإنسان ، وهو ( أي الإنسان ) جزء منها ونوه من أنواعها ، والطبيعة وجدت هكذا بنفسها ، وكذلك سننها أو قوانينها ، فهي ( حسب رأيهم ) مقدرة بنفسها من غير مقدر لها ،العقل عندهم وحده طريق المعرفة ، وليس ثمة طريق أخر . وليست القيم والأخلاق الا وقائع وحوادث كالحوادث الطبيعية ، وليس في هذه الفلسفة الغربية او التصور الوجودي للكون ، مكان للإله ولا لصلته بالإنسان و بالكون ، ولا للوحي والنبوة ، ولا للجزاء والحياة الخالدة و لا لسائر الغيبيات 3. ويقدم لنا محمد المبارك الحل لهذه المشكلة : " ان حل هذه المشكلة ليس بطرد هذه العلوم ، ولا إيصاد الأبواب أمامها ، وانما الحل الذي نطرحه وندعو إلى الأخذ به هو صياغة العلوم جميعها صياغة إسلامية أو بعبارة ادق إقامتها على أسس إسلامية ، أي بناؤها على التصور العام للوجود كما يقدمه الإسلام " فالمجتمع الإسلامي في حاجة ملحة إلى نظام تعليمي بسلامي في الروح والوضع والسبك و الترتيب ،لا يخلو كتاب من كتبه من ابسط كتاب يعلم مبادئ اللغة المحلية ، إلى اخر كتاب في العلوم والآداب الإنجليزية ، لا يخلو من روح الدين و الإيمان . وهذا الحل لا يتحقق الا اذا اعتمد على الاسس الهامة الأتية1 : الأساس الأول : تهيئة جيل من العلماء والباحثين يعتزون بالإسلام نظاماً للحياة ومنطلقاً عقائدياً يشمل كل علم وكل بحث ولك تصرف ويجمعون بين العلوم الإسلامية و الغربية ويتقنون احدي اللغات الأوروبية الحية كالإنجليزية و الفرنسية . الأساس الثاني : إعداد وإيضاح النظام التربوي الإسلامي بأسسه و أهدافه ووسائله وأساليبه مستنبطاً من القرآن الكريم و السنة ليكون عملية اعداد الكتب والمناهج اعداداً إسلامياً ، حلقة من حلقات تطبيق هذا النظام المتكامل . الأساس الثالث : اقامه هذا النظام ، وجميع البحوث التابعة له أو المحققة لاهدافه على أساس اصالة الإسلام وتميزه وتميز اتباعه وعدم تبعيته لاي اعتبار اخر او أي نزعة أخرى ،وهذا الموقف من جيمع النظم والعقائد والنزعات غير الإسلامية يجب ان يكون واضحاً ومتفقاً عليه وان يكون منطلقاً من منطلقات البحث . 2- مشكلة إلزامية التعليم وتعميم ومجانيته : تنص دساتير معظم دول العالم على ان التعليم الابتدائي إلزامي ومجاني ، و هذا يلزم الحكومات المتتالية العاملة بالدستور ان تهيء كل وسائل التعلم ، من كتب وابنية تعليمية و مديرين اكفاء وان تهيئ وسائل الايضاح والتغذية اثناء الدوام ان احتاج الأمر ، وكل شيء لا يتحقق التعلم الا به ، كما تستلزم النص الدستوري تحريم العمل على الأحداث الذين هم في سن التعليم الابتدائي 2. وقد قامت الدول والحكومات في البلدان الناشئة ، ان الاقتناع هو الأساس الذي يقوم عليه تعميم التعليم فقامت بحملات توعية في الإذاعات ووسائل الإعلام لتوعية الناس بأهمية التعليم . وعن حل هذه المشكلة نجد انه لا يكون الا بعد الإيمانوالعمل بمبدأي فرضية التعلم ، وفرضية التعليم ، فالمبدأ الأول هو الذي يغرس في النفوس العزم والتصميم على التعلم والإيمان بضرورته ، لان الإيمان والإسلام ، عقيدة وعبادة وتنظيماً وعملاً لا يتحققان الا بالتعلم ، ولما للتعلم من ثواب عظيم و مكانة عند الله ، ولأن التعليم واجب على كل من يستطيعه ، كما يؤخذ من الأحاديث التي نقلناها في ذلك البحث ، ومن أوامر الرسول للوفود التي كانت ترد عليه و تعلن إسلامها ، بان يعلمـوا قومهم ، كما في حديث وفد عبد القيس : قال البخاري1 : " وقال مالك بن الحويرث ، قال لنا النبي "ارجعوا إلى اهليكم فعلموهم" ثم ساق حديث وفد عبد القيس بسنه وفي آخره قال أي رسول الله احفظوا واخبروه من وراءكم " ومن الأمر العام الذي اعلنه الرسول على جميع المسلمين " بلغوا عني ولو أية " " ليبلغ الشاهد الغائب " " حدثوا عني كما تسمعون ولا تقولوا الا حقا" . فمتي استقر الإيمان بوجوب التعلم ،وأيقن كل فرد ان دينه لا يستقيم ولا يستطيع ان يلقي الله ناجيا من العذاب الا اذا تعلم ثم عمل بعلمه وان هذا لا يتم الا بتعلم القران والحديث والقراءة وبعض مبادىء اللغة .. لم يعد الناس بحاجة إلى ( شرطي) يقود الناشئين إلى المدارس او يخرجهم من المعامل والمزارع 2. 3- مشكلة تعدد أساليب التعليم : تختلف اساليب التعليم باختلاف العلوم التي يراد تدريسها كما تختلف أيضا باختلاق المرحلة التعليمية ، ونوعية المتعلمين ، وقد وضع علماؤنا المسلمون منذ عشرة قرون أصولا وأسسا لهذه الأساليب في علوم قائمة بذاتها، كعلم أصول الفقه ومصطلح الحديث وهو من أقدمها ، ولكنهم لم يربطوا ربطا واضحاً بين هذه العلوم وبين أساليب التعليم التي كانت قائمة بل جعلوا تلك العلوم أساس اً للبحث والتنقيب العلمي . ثم وضع بعضهم لنفسه قواعد للبحث العلمي في طيات دراساته العلمية ، كما فعل ابن الهيثم وابن سينا وغيرهما . على ان المشكلة تطورت اليوم حتى أسفرت عن علم قائم بذاته اصبح فرعاً من فروع علـــم التربية ، سمي طرق التدريس ، و لكن هذه الطرق نقلت إلينا من الثقافات الجاهلية الغربية او الشرقية ، بقضها وقضيضها ،وبطابعها الذي أشرنا إليه سابقاً ، فتسرب إلى عقول أجيالنا أن الفضل في وضعها وتأسيسها إنما يعود إلى علماء الغرب ، وان أجدادنا ليس لهم في ذلك أي باع .. وانطلاقا من هذا الواقع وجدنا أنفسنا مضطرين إلى تفنيد بعض قواعد التدريس القائمة اليوم وإرجاعها إلى أصولها أو التلميح إلى هذه الأصول من تاريخها الفكري او التشريعي 1. رابط هذا التعليق شارك المزيد من خيارات المشاركة
ابو خليل بتاريخ: 15 فبراير 2005 كاتب الموضوع تقديم بلاغ مشاركة بتاريخ: 15 فبراير 2005 الفصل الرابع القـــواعد العــــامة للتــدريـــس هناك قواعد عامة يجدر بالمدرس ان يعرفها حتى ينجح في عملية التدريس ويشهد تاريخ التربية الإسلامية ان المربين المسلمين قد سبقوا إلى القول بهذه القواعد ولكن أحداً منهم لم يجمعها كلها بل كانت متناثرة في كتبهم كمقدمة ابن خلدون وكتاب احياء علوم الدين للغزالي وغيرها.. وقد نام جيلنا الإسلامي الحالي وأجيال سبقته عن إحياء تراثه ، على حين كان علماء النهضة في الغرب قد سبقوا إلى نقل هذا التراث والاستئثار به ثم انتحاله لانفسهم ، كما استطاعوا إلى ذلك سبيلاً . و قد استعانوا بالأساليب الحديثة ، كأساليب البرمجة والتجريب ، فاخرجوا كل القواعد العلمية اخراجا جديداً ، وجمعوا كل طائفة منها في عالم مستقل ، وكان علم التربية ، وعلم النفس ، وعلم الاجتماع ، من أهم العلوم الإنسان ية التي ادعي علماء العرب انهم واضعوا اسس الموضوعية التجريبية وتعزي1 قواعد التدريس الأساس ية اليوم إلى فيلسوف انكليزي اسمه " هربرت سبنسر " الذي تناولت بالبحث والشرح هذه القواعد في كتاب اسمه التربية وسنعرض هذه القواعد بأسلوب يناسب طلابنا. 1- التدرج من المعلوم إلى المجهول : تقوم هذه القاعدة على مبدأ نفسي اقره من علماء النفس أصحاب النظرية الترابطة ، وهي نفس النفس مفطورة على ربط الجديد من المدركات بما سبق ان تعلمه الإنسان او عرفه وان الإنسان لا يتعلم الا عن طريق الترابط ولذلك وجب على المدرس ان يبحث عن نقط ارتكاز من معلومات الطلاب السابقة ، تتناسب مع الدرس الجديد ليبني المعلومات الجديد ( المجهولة بالنسبة للطالب ) على المعلومات السابقة لديهم وينقل عقول الطلاب من المعلوم إلى المجهول ، ومن المألوف لديهم إلى الغريـب عنهم . 2- التدرج من السهل إلى الصعب : تراعي في هذا المبدأ استعدادات الناشئ وقدراته ، فلا يطالب بما لا طاقة له بإدراكه أو بما لا يمكن ربطه بمعلومات سابقة لديه فمن الأمور السهلة على الناشئين عادة الأشياء المحسوسة وقد يراعى هذا المبدأ في ترتيب مواد المنهج ، فيبدأ المقرر بالأسهل من الدروس ثم يتدرج إلى الأصعب فالأصعب ، فإدراك الزمن القريب اسهل على الطفل من إدراك البعيد لذلك يري بعض علماء التربية بدء تدريس التاريخ في المرحلة الابتدائية بقصص الأبطال مجردة من التسلسل الزمني ، ويحسن البدء بأقربهم عهدا بالزمن الحاضر لان إدراك الحوادث القريبة اسهل من إدراك غيرها . وقد كانت هذه القاعدة معروفة عند علمائنا منذ عهد الصحابة فالتابعين ومن بعدهم : (( عن ابن مسعود ان الرجل ليحدث بالحديث ، فيسمعه من لا يبلغ عقله فهم ذلك الحديث فيكون عليهم فتنة 1)) . 3- التدرج من البسيط إلى المركب : يعتبر علماء النفس ان بساطة المدركات هي المقياس لهذا المبدأ ، فالإدراك الإجمالي للبرتقالة مثلا ابسط من إدراك تفاصيلها، كلونها وطعمها وحجمها و على هذا يجب مراعاة السهولة بالمعني النفسي بالنسبة للناشئين بحسب مراحل أعمارهم و هذا إنما يعرف بتتبع علم نفس النمو . فالبدء ببحث السهل والجبل والبحر و الإقليم مثلا ، يقدم على بحث الجغرافيا الطبيعية لقطر من الأقطار لان هذه الأخيرة تشمل كل تلك العناصر و غيرها فجغرافيا المملكة ، لكي تدرس من الناحية الطبيعية ، يجب ان تسبقها معرفة معين الاقليم القاري والجهات الأربعة والحدود و البحر والساحل ونحو ذلك من العناصر البسيطة التي يجب البدء بها لانها ابسط من بحث الجغرافيا الطبيعية بصورة عامة ، وإعراب الألفاظ مقدم على اعراب الجمل . 4- الانتقال من المبهم إلى الواضح : يجب على المربي أن يحتسب لما في عقول طلابه من معلومات غامضة ( مبهمة ) من الموضوعات التي يريد القاءها عليهم ، ويحسن هنا أن يبدأهم بالسؤال ليعرف ما في ذهنهم ويصحح الخاطئ ويوضح الغامض منها ، فقد يفهم الطلاب من كلمة ( جبال ) إنها مجرد كتل كبيرة من الصخور يرتفع عن سطح الأرض مئات الأمتار ولكنهم لا يدركون تفاصيل هذا المصطلح الجغرافي وأثره بالنسبة إلى قطر معين ، وتأثيره على الرياح ودرجات الحرارة والأمطار ، ولا يدركون معني ( سلسلة الجبال ) بدقة لذلك يجب سؤالهم أولا ثم توسيع مداركهم شيئا فشيئا حتى يحيطوا بتفاصيل الموضوع الجديد الذي يراد تدريسه لهم إحاطة تتناسب مع منهجهم او مع العلم الجديد الذي يدرسونه . 5- الانتقال من المحسوس إلى المعقول : فطر الإنسان على إدراك المحسات قبل المجردات ،وقد جاءت ادلة القران الكريم مناسبة لهذه الفطرة ، فالقران الكريم ما يزال يلفت أنظارنا إلى ما حولنا مما نحسه بأبصارنا و أسماعنا ليدلنا على قدرة الله ووحدانيته ، ففي تاريخ الأمم السابقة والشعوب يلفت القرآن انظارنا إلى أثار تلك الامم : ( قل سيروا في الارض فانظروا كيف كان عاقبة المجرمين ) لذلك كله كان على المدرس ان يبدأ طلابه دائما بالأمثلة الواقعية وبلفت أنظارهم إلى المشاهد الملموسة فيما حولهم ليتوصل إلى افهامهم الامور المعقولة الناتجة عن هذه المشاهدات ، وان يجلب في دروسه كل ما يستطيع من خرائط جغرافية او تاريخية ، ومشاهد للاثار او للحواضر والمدن لينقل عقولهم من هذه المرئيات إلى تصور الحوادث التاريخية او الاقطار الجغرافية البعيدة فياخذوا فكرة واضحة عن حياة الامم والشعوب و وسائل عيشها وتستنير عقولهم وتصبح معلوماتهم دقيقة متميزة لانها مبنية على الادراكات الحسية والواقعية . 6- التدرج من الجزئيات إلى الكليات : وهذا أيضا مما فطر عليه العقل البشري ، والجزئيات هي الحوادث او الأمثلة الفردية ، تأتي بالمناسبات او يعرضها المدرس ، الواقعة تلو الأخرى ، او المثال تلو الآخر ، ويقارب بين وجوه الشبه والاختلاف بينها ليصل إلى قاعدة او قانون علمي يجمعها وتسمي القواعد والقوانين ( الكليات ) ، والانتقال من الجزئيات ، بالتدريج والتمحيص إلى الكليات ، عملية تفكير منطقية اعتمد عليها العلم تسمي (( الاستقراء )) والاستقراء بالإضافة إلى انه فطرة فطر الله عليها عقول البشبر ، هو افضل أساليب الاكتشاف والبحث العلمي ، به توصل علماء الغرب إلى معظم كشوفهم العلمية وابحاثهم في عصر النهضة و ما تلاها1 . و من المربين من يبدأ بذكر القواعد والقوانين وهي مختصرة صعبة الفهم على الطلاب ، وقد عاب ابن خلدون هذا الأسلوب فقال : (( وهو فساد في التعليم وفيه إخلال بالتحصيل لان فيه تخليطاً على المبتدئ بإلقاء الغايات من العلم ( أي القوانين والقواعد ) عليه وهو لم يستعد لقبولها بعد وهو منسوء التعليم . رابط هذا التعليق شارك المزيد من خيارات المشاركة
ابو خليل بتاريخ: 15 فبراير 2005 كاتب الموضوع تقديم بلاغ مشاركة بتاريخ: 15 فبراير 2005 الخاتمـــــــة مما سبق يتضح منهج التربية الإسلامية يهدف إلى بناء الإنسان من الداخل كي يكون صالحاً لتقوي الله ، وعمارة الأرض طبقا لمنهج الله ، وأداء الالتزامات المترتبة على استخلاف الله له فيها ، فالتربية في هذا المنهج ليست من أجل اجتياز الامتحانات ، واداء الاختبارات بل من أجل اكتساب المعارف و المفهومات والمهارات واستخدامها في عمارة الأرض و ترقية الحياة بما يتفق مع منهج الله . ونظام التربية في هذا المنهج فردي وجماعي ، : جماعي في دراسة علوم المقاصد والغايات، وفردي في دراسة ما بعد ذلك من العلوم ، والمتعلم في هذا المنهج يتمتع بقسط كبير من الحرية ، فهو بعد دراسة علوم المقاصد يختار من المواد الدراسية الأخرى ما يناسب فطرته واستعداداته وميوله المختلفة ، فالهدف من التربية في هذا المنهج هو النمو الكامل : جسميا وعقليا ووجدانياً ، وليس حفظ المعلومات وحشو الذهن بها يقصد اجتياز الامتحانات ثم نسيانه بعد ذلك . وقد كان الأساتذة يكتفون بمعرفتهم الوثيقة لكل طال بمن لال مناقشاته ومحاوراته ومناظراته أثناء الدراسة ، فبدلا من الامتحان كان الاساتذه يعطون طلبتهم الأكفاء شهادة أو اجازة ينصون فيها على ان الطالب قد أتم دراسة منهج معين ، تحت اشراف الأستاذ فلان ، و ذلك دون ان يؤدي الطالب امتحاناً بالطريقة الشكلية المعروفة اعتمادا على معرفتهم العملية بالطالب أثناء الدراسة ، وكان الغرض من الإجازة الإقرار بكفاءة الطالب وفهمه واستيعابه لعلم أو مادة معينة ، وقدرته على البحث ، و كانت الإجازة العلمية شهادة شخصية من الأستاذ للطالب . واخيرا أتمنى ان اكون قد وفقت في هذا البحث ،و أخر دعوانا أن الحمد لله رب العالمين . قائمة المراجع (1) الإمام أبو حسن الندوي : التربية الإسلامية الحرة: بيروت المكتب الإسلامي ، ط2، 1404هـ (2) سيد قطب : العدالة الاجتماعية في الإسلام ، بيروت ، دار الشروق ، 1403هـ . (3) سيد قطب : خصائص التصور الإسلامي ومقوماته ، الطبعة السابعة ، بيورت ، دار الشروق ، 1402هـ ، 1982م. (4) عبد الرحمن نجلاوي : أصول التربية الإسلامية وأساليبها ، بيروت المكتب الإسلامي ، ط2، 1404هـ (5) عبد الرحمن نحلاوي : التربية الإسلامية والمشكلات المعاصرة ، بيروت المكتب الإسلامي ، ط2، 1404هـ (6) على أحمد مدكور : المفاهيم الأساس ية لمناهج التربية ، الرياض : دار أسامة للنشر والتوزيع ، 1410هـ . (7) على أحمد مدكور : منهج التربية في التصور الإسلامي ، بيروت : دار النهضة ، 1411هـ- 1990م (8) يوسف القرضاوي : الخصائص العامة للإسلام ، القاهرة : مكتبة وهبه ، 1401هـ ، 1981. رابط هذا التعليق شارك المزيد من خيارات المشاركة
ابو خليل بتاريخ: 15 فبراير 2005 كاتب الموضوع تقديم بلاغ مشاركة بتاريخ: 15 فبراير 2005 اسف للإطالة .. ولكن هذا أقصر ما كتبت ! :rolleyes: عموما .. انا جاهز لأي استفسار أو مناقشة .. رابط هذا التعليق شارك المزيد من خيارات المشاركة
Recommended Posts
انشئ حساب جديد أو قم بتسجيل دخولك لتتمكن من إضافة تعليق جديد
يجب ان تكون عضوا لدينا لتتمكن من التعليق
انشئ حساب جديد
سجل حسابك الجديد لدينا في الموقع بمنتهي السهوله .
سجل حساب جديدتسجيل دخول
هل تمتلك حساب بالفعل؟ سجل دخولك من هنا.
سجل دخولك الان