اذهب إلى المحتوى
محاورات المصريين

رياح اقليمية ودولية مواتية للتغيير في مصر


mohamed dahshan

Recommended Posts

رياح اقليمية ودولية مواتية للتغيير في مصر

2005/02/19

محمد عبدالحكم دياب

في الوقت الذي ينهك الرئيس مبارك نفسه، ويكون معتقلا ويضع نفسه رهن الاعتقال والأسر في قصوره وأماكن إقامته باعترافه، نجده يبحث عن كل ما يمكنه من الاستمرار في الحكم والتجديد لفترة خامسة، وعندما تسيطر مثل هذه الفكرة علي رئيس دولة بحجم مصر، فإن ذلك يزيد من إعيائه، ويفقده القدرة علي مواجهة ما يحيط به، ولأنه محاط بأكبر كم من الفساد والمفسدين فإن مبررات استمراره تصبح هي نفسها مسببات سقوطه، فهذا الكم من الفساد والمفسدين لا يحصر نفسه في عدم القدرة علي الفعل، بل يمتد إلي العجز عن مواجهة النفس حتي بدت جزءا من منظومة الفساد، الحاكمة للسلوكيات والتصرفات السياسية والسيادية المصرية، وكان الغطاء الخارجي - وما زال - ضروريا للرئيس مبارك، ويمثل له مسألة حياة أو موت، بحكم أنه لا يستمد قوته من تأييد شعبه إنما من وجود الغطاء الخارجي، ومن كفاءة وسائل القمع والترويع، المستندة إليه.

صب الوضع الإقليمي والدولي، حتي منتصف التسعينات، في صالح الرئيس مبارك، ففضلا عن ظروف الحرب الباردة جاءت حرب الخليج الثانية لتجعل لدوره أهمية لمنح التحالف الذي قادته الولايات المتحدة لتحرير الكويت غطاء شرعيا عربيا، بالمشاركة مع سورية والسعودية ومجلس التعاون الخليجي، وكوفئ علي ذلك بإسقاط الديون وتقديم تسهيلات اقتصادية وشخصية قوت من مركزه. وكان الوضع الإقليمي، قبل ذلك، يعيش ظروفا اقتصادية ومالية جيدة قللت من تأثير غول البطالة في الداخل، بعد أن تولت امتصاص كل فائض العمالة المصرية، وحققت رخاء نسبيا امتص ما يمكن أن ينشأ من احتقان، ولم يقتصر الأمر عند هذا الحد، حيث أن هذه الظروف أفسحت الطريق أمام الرئيس للثراء الشديد، فـ الأولاد كبروا ، ودخلوا سوق المال والأعمال، ورأي الرئيس أن مساعدته لهم واجبة، واستغل في ذلك نفوذه وسلطاته الواسعة، وعلاقاته مع الرؤساء والملوك والأمراء والمشايخ العرب، وكبار رجال المال والأعمال.

وبعد حرب الخليج الثانية عادت أفواج الأفغان العرب ، بعد نجاح مهمتهم في أفغانستان وسقوط الاتحاد السوفييتي، وبعد أن كانوا قد انشغلوا بعيدا عن الرئيس مبارك ردحا من الزمن، فعندما عادوا استرجعوا الثار البايت بينهم وبينه.. دخلوا في مواجهة عنيفة معه، سقط فيها عشرات القتلي ومئات الجرحي من الطرفين، وارتطمت هذه المعركة بغياب التأييد الحقيقي لها داخل المجتمع، ليس كراهية في هذه الجماعات إنما خوفا من اتساع دائرة العنف، التي طالت مواطنين عاديين، وأصابت الطبقة الوسطي بصدمة، في وقت كانت تواجه فيه زحف رجال الأعمال علي مؤسسات الدولة، وتشاهد تأصيل وترسيخ الدولة البوليسية وتمكنها من كل شيء، ولم يكن السبب قاصرا علي رغبة رجال الأمن لبلوغ هذا المستوي، لكن جاء بفعل غياب المشروع الوطني واستبدال مبارك له وما يستلزمه من عمل سياسي بعمل بوليسي غلب فيه عنف الدولة علي النشاط السياسي الحقيقي.

وأصبح كل رجال الرئيس، الذين استجدوا أو الذين استمروا، إما من أجهزة الأمن أو ممن يدينون بالولاء لها، فهي التي أتت بهم إلي مواقعهم، وزالت صفة نواب الشعب عن أعضاء البرلمان، بسبب انتقال ولائهم من الناخب إلي أجهزة الأمن التي زورت لهم النتائج.. فازداد الوضع اختلالا، وبدأ الرئيس يستعين بمساعدين ومسؤولين ذوي أياد مرتعشة وأفئدة واجفة، لا يقوون علي انجاز شيء دون التأكد من رضي أجهزة الأمن ورجاله، فأضحوا لقمة سائغة للفساد والمفسدين فاستخفوا بالرأي العام واستهانوا بمطالب الناس. المهم أن الأولاد الذين كبروا كبرت معهم طبقة رجال أعمال صممت علي مقاسهم.

هذه التحولات أثرت في أسلوب عمل الرئيس مبارك. فبعد أن كان يختار مساعديه ومستشاريه، غير الرسميين، من بين الأكاديميين لتذليل العقبات الإقليمية والدولية، جاءت سيطرة الدولة البوليسية وكبر الأولاد، لتفك الارتباط بين الرئيس مبارك وهؤلاء، وكان النموذج الأبرز هو سعد الدين إبراهيم، رئيس مركز ابن خلدون للإنماء.. كان من أقرب المساعدين والمستشارين إلي قلب وعقل الرئيس مبارك، ولم تكن توجهاته تحول دون هذا القرب، وكان الرئيس يعلم بمدي تأثيره علي مستوي عدد من الدوائر العربية، كعضو في منتدي الفكر العربي ، الذي يرأسه ولي عهد الأردن السابق، الأمير الحسن بن طلال، ومؤسسات بحثية أخري في لبنان. وفور أن عرف الرئيس بدوره، كقناة أهلية اعتمدتها الإدارة الأمريكية، من خلف ظهر الدولة، كان الصدام الذي أورده موارد التهلكة، ولولا تدخل الإدارة الأمريكية لإطلاق سراحه، وحصوله علي البراءة من محكمة النقض لبقي في السجن ومات فيه، ودارت في كواليس أجهزة الأمن، في تلك الفترة، أقوال تشير إلي أن النية كانت مبيتة إلي الحكم بإعدامه.

انفض المساعدون والمستشارون، غير الرسميين، من حول الرئيس مبارك، خوفا من المصير الذي آل إليه سعد الدين ابراهيم، وكانت فرصة ليحل جمال مبارك محلهم جميعا، فتراجعت دائرة تأثيرهم الإقليمي، وطغت العلاقات مع حكومات ومؤسسات غربية وصهيونية، ساعد علي نموها وجود جمال مبارك في لندن، وعمله في المصرف الأمريكي بنك أوف أميركا ، في مطلع التسعينات. وقد توجت هذه العلاقات بالدعوة التي وجهها جمال مبارك للرئيس الأمريكي السابق، بيل كلينتون، بعد ذلك بحوالي عشر سنوات، وحضر بموجبها حفل جمع تبرعات خاص بجمعية جيل المستقبل ، التي تم من خلالها تجنيد العناصر الذي شكل منها جمال مبارك أمانة السياسات وعدد من أعضاء الوزارة الأخيرة، ومن خلالهم استولي علي مفاصل الحزب والدولة، حتي استطاع أن يحتل بالفعل منصب الرئيس الموازي بصلاحيات يحملها ومسؤوليات يتولاها بقرارات سيادية، يصدرها الوالد علي أسس عائلية وشخصية. وتم حصر العلاقة مع الإدارة الأمريكية فيه، لكن المشكلة نشأت مع توجهات المحافظين الجدد ، الذين يقوم مشروعهم علي تفكيك المنطقة العربية، وبعض من العالم الإسلامي، بأسرع ما يمكن، في مدي زمني لا يتجاوز الفترة الثانية لرئاسة جورج دبليو بوش، وكانت هذه التوجهات أهم أسباب نجاحه ووقوف جماعات ومؤسسات الضغط الصهيونية (يهودية ومسيحية) داعمة له.

وجمال الذي كان مقبولا من الإدارة الديمقراطية، لم يحظ بنفس درجة القبول لدي الإدارة الجمهورية، رغم علاقته مع أهم صقورها، وهو ديك شيني، نائب الرئيس بوش، الذي يحرص علي عقد اجتماع مغلق في كل زيارة يقوم بها جمال مبارك لواشنطن، والسبب يكمن في مشروع المحافظين الجدد ، فبضاعتهم المراد تسويقها للمنطقة هي الديمقراطية، بمعناها الأمريكي، وتقوم علي عدة ركائز، الأولي: القبول بالدولة الصهيونية، كدولة طبيعية في المنطقة، والتخلي بالكامل عن كل طموح عربي أو إسلامي لتفكيك نظام التمييز العنصري (الأبارتايد) الصهيوني وتحرير فلسطين، وهذا المخطط يقوم علي ضرورة تحمل المنطقة مسؤولية حماية الدولة الصهيونية وضمان أمنها. والثاني: هو الحفاظ علي مصالح أمريكا، وتمكينها من مصادر الطاقة، كأحد أدواتها في معركتها المتوقعة مع القوي الدولية الكبري الصاعدة، مثل الصين والاتحاد الأوربي، والثالث: تصفية الثقافة العرية والإسلامية، باعتبارها ثقافة مفرخة للإرهاب، وهي في حقيقتها معادية لمخطط المحافظين الجدد ، واستخدام كل الوسائل الممكنة في ذلك، مثل التطهير العرقي كما هو جار علي الساحة الفلسطينية، وضد جماعات المقاومة المسلحة، وطنية وقومية وإسلامية، والغزو والاحتلال المباشر، كما حدث في أفغانستان والعراق، وكما هو متوقع للسودان وإيران وسورية والسعودية ومصر، وبتزكية النعرات العرقية والمذهبية، وتفتيت المنطقة، وفق خريطة عرقية ومذهبية، وإفقار اقتصادي، وإضعاف عسكري، وتجهيل تاريخي وثقافي، وعودة فرق التبشير ومدارس الإرساليات، وهيمنة التعليم الأجنبي، وتغيير مناهج التعليم الديني والوطني والقومي، ونشر الانحلال والإباحية والعري في أجهزة الإعلام العامة والخاصة.

وجمال مبارك لا يرفض خدمة هذه التوجهات، ووالده لا يمانع من تبنيها، وإذا ما نظرنا إلي تفاقم مشكلة الحريات وزيادة مستوي الاستبداد الذي أصبح لا يحتمل، بالإضافة إلي آثار ما يجري في فلسطين والعراق والسودان وحول سورية ولبنان، والعنف الذي اندلع في السعودية والكويت، كل هذا جعل البضاعة الأمريكية بائرة، لا تجد من يشتريها من الغالبية العظمي من المصريين، بالإضافة إلي الكراهية الشديدة للسياسة الأمريكية، وهو ما يفرض علي الإدارة الأمريكية ضرورة تغيير الوجوه، وتقليل مستوي الكراهية وحجم العداء لسياستها، وهذا يضع نظام الرئيس مبارك علي قائمة التغيير، ويجعل التوريث عملية صعبة في الظرف الراهن.

وقد لا يبدو هذا واضحا الآن، بسبب قيادة الرئيس مبارك للسياسة المصرية للقيام بدور المحلل للزواج المحرم بين العرب والدولة الصهيونية، وهو دور تحتاجه الإدارة الأمريكية للتغطية علي فشلها الذريع في العراق، ويبذل الرئيس مبارك قصاري جهده، بمبادرات يدعو فيها إلي مؤتمرات دولية وإقليمية، في شرم الشيخ، لتحقيق غرضين في وقت واحد.. الأول: تجديد أوراق اعتماده، من خلال الدولة الصهيونية، إلي المحافظين الجدد لتمكينه من التجديد ثم التوريث فيما بعد. والثاني: الهروب من الأزمات الداخلية المتفاقمة والمستعصية علي الحل، و أوراق الاعتماد سيقل مفعولها خلال الشهرين القادمين، وساعتها يتغير الموقف الأمريكي وتكثف الإدارة الأمريكية من ضغوطها لتغيير نظام الرئيس مبارك، ولن تكون الإدارة الأمريكية وحدها في هذا الجهد إنما سينضم إليها الاتحاد الأوربي، الذي يري أن الرئيس مبارك قد استهلك وعليه إفساح الطريق، بجانب أن الهروب من الأزمات الداخلية لا يمثل حلا، وفور أن يرفع الغطاء الخارجي، مع استمرار غياب الحلول الحقيقية للأزمات الداخلية المتفاقمة، لن يبقي هناك ما يمكن تقديمه للشعب غير إرهاب وعنف مليشيات فاشية أعدت في الظلام، من وراء ظهر الناس وبعيدا عن مؤسسات الدولة الرسمية وفي غيابها، ومثل هذه المليشيات لن تقوي علي التصدي لأنها تكونت علي نمط المرتزقة وأساليبهم، ويوم ينقطع عنها المال فسوف تكون عبئا علي من شكلوها ومولوها، وتزيد من رصيد الكراهية الموجه للرئيس وإبنه وأسرت ونظامه.

وهكذا هي إشكالية التغيير في مصر.. وقعت بين فكي كماشة الرغبة الإقليمية والدولية ومطالب الغالبية العظمي من المصريين، وهذا يطرح سؤالا عن كيفية التعامل مع هذه الإشكالية.

رابط هذا التعليق
شارك

الاخ الدهشان ...

المقال سرد مختصر مفيد لفترة حكم مبارك ... ووصلنا فى النهاية الى أن الرئيس مبارك يضع نفسه رهن الاعتقال والأسر في قصوره وأماكن إقامته باعترافه، ونجده يبحث عن كل ما يمكنه من الاستمرار في الحكم والتجديد لفترة خامسة، وعندما تسيطر مثل هذه الفكرة علي رئيس دولة بحجم مصر، فإن ذلك يزيد من إعيائه، ويفقده القدرة علي مواجهة ما يحيط به،من مطالب التغيير سواء من جانب الولايات المتحدة ووقوفها ضد مبدأ التوريث .. التى لا يؤيدها غالبية أبناء مصر ..

ووصل بنا كاتب المقال الى أن أصبحت هذه هى إشكالية التغيير في مصر.. حيث وقعت بين فكي كماشة الرغبة الإقليمية والدولية ومطالب الغالبية العظمي من المصريين، وهذا يطرح سؤالا عن كيفية التعامل مع هذه الإشكالية.

وأنا من خلال سرد المقال أتبين أن الرئيس وأسرته قد كونوا ثروات طائلة ... سبقه اليها العديد من الرؤساء .. مثل الرئيس سوهارتو وأسرته ... وماركوس الفلبين .. وموبوتو سيسيسيكو .. وعائلة الاسد ... وحكام نيجيريا .. وغيرهم كثيرون والمقال غير مخصص لمناقشة هذا الموضوع ...

ماأراه هنا أن من تتكون لديه هذه الثروة ... لابد أن يفكر فيها مرات ومرات وليس من السهل التضحية بها أو تعريضها للخطر ... والمثل بيقول رأس المال جبان ..

لذا أسهل طريقة للتعامل مع هذه الاشكالية ... هى وعكه صحية وهمية طارئه .. يخرج على أثرها الرئيس ومعه أفراد العائلة كلهم مصحوبين بالسلامه والدعوات بالشفاء العاجل ... من شعب مصر .... والموضوع يطول شويه ... والسلطه تروح لصاحب نصيبها ... بلا انتخابات واستفتاء بلا وجع دماغ ...

إيه رأيك فى السيناريو ده ... يمشى والا ندور على غيره ....

تحياتى لكاتب المقال ...

رابط هذا التعليق
شارك

انشئ حساب جديد أو قم بتسجيل دخولك لتتمكن من إضافة تعليق جديد

يجب ان تكون عضوا لدينا لتتمكن من التعليق

انشئ حساب جديد

سجل حسابك الجديد لدينا في الموقع بمنتهي السهوله .

سجل حساب جديد

تسجيل دخول

هل تمتلك حساب بالفعل؟ سجل دخولك من هنا.

سجل دخولك الان
  • المتواجدون الآن   0 أعضاء متواجدين الان

    • لا يوجد أعضاء مسجلون يتصفحون هذه الصفحة
×
×
  • أضف...