المعقول واللامعقول في خطاب المعارضة اللبنانية

[amr2003]

كان مشهدا عظيما . . تلك الجموع الحاشدة الهادرة التي أتت من كل حدب وصوب . . لتشييع جنازة الشيخ الشهيد رفيق الحريري . .

الإنسان المؤمن . . الصادق .. الصريح ، الذي خدم لبنان بوقته وحياته وأمواله.

استعدت الجنازة مشهد جنازة عبد الناصر حينما خرج الشعب يبكي وينوح على فقده . . بغض النظر عن الروايات التي تسنج حول حشد الشعب المصري للخروج.

لم تتوقف مشاهد الحشود الغاضبة على الساحة اللبنانية ، وإنما امتدت لتعمّ الدول العربية ، والجاليات اللبنانية فيها ، وفي دول أخرى مثل أستراليا . .

كان اغتيال الحريري . . شرارة أشعلت بنزينا سُكب على مر سنوات سابقة

*****************************

وإذ أدانت كل الطوائف بلا استثناء اغتيال رفيق الحريري .. فإن الإدانة وحدها لا تكفي . . والشجب وحده لا يجدي . .

في البحث عن أصل المشكلة ، نجدها معروفة ، وإن حرصت حكومتي سوريا ولبنان على تجاهل أصوات المعارضة دائما . . والتعامل بسياسة ( التنطيش )

*****************************

وإذ ندين تلك السياسة التي تنتهجها حكومتي الدولتين الشقيقتين ، فإنني أريد أن أتوقف هنا في هذا المقال قليلا . . أمام خطاب المعارضة اللبنانية بعد اغتيال الحريري .

هل هي معارضة حقا ؟! وماهي الأوصاف التي يمكن أن تتصف بها تلك المعارضة !؟

إن المتابع لخطاب بعض ، وأقول بعض وليس كل ، طوائف ورموز تلك المعارضة ، يجده في الحقيقة خطابا لا ينم عن حب للوطن . . أو تبييت الخير له !!

إذا كان وجود الرأي والرأي الآخر في حد ذاته أمرا مقبولا ، ومؤشر على الصحة السياسية والثقافية . . فإن ثمة تداعيات في خطاب المعارضة اللبنانية لا يمكن تجاوزها أو المرور عليها مر الكرام !

يتجلّى ذلك اللغط الذي تميز به خطاب بعض ( المعارضين ) في تصريحات ، ( وليد جنبلاط ) حينما قال أنه يرحب بالتدخل الأمني الخارجي لإخراج سوريا من لبنان !!

يرحب بتدخل أمريكا ، وفرنسا ، بينما لا يطيق تدخل سوريا في شئون بلاده !

أين المبدأ الذي يدافع من أجله هذا الرجل ؟!

إذا كان هو غاضب حقا من تواجد أمني سوري في بلاده ، وتدخل سوري واضح في صناع القرار داخل لبنان ، فإن ما يدعو إليه ، إذا لم نصمه بالخيانة والعمالة ، فهو في أقل الأحوال مساويا للتدخل السوري في لبنان .

إن هذا اللغط الذي شاب خطاب بعض ( المعارضين ) لا يمكن وصفه سوى بالتطرف الفكري ، والعمالة للدول الغربية . .

ليست تلك دعوة إلى حسم النقاش ، وطوي الملفات الساخنة . . فالجرح غائر والمسألة في حاجة إلى تعقيم شامل . لكن معالجة القضية لن تأتي فيما يدعو إليه جنبلاط ومن خلفه القوى الغربية . . التي لا تفعل ما تفعل من أجل عيون لبنان أو نهضتها !!

إنما هي فقط دعوة لمزيد من العقل في الحوار ، ومزيد من فتح الملفات التي تحاول السلطة اللبنانية والسورية التغافل عنها . . وطيّها في كتمان.

وبغض النظر عن المستفيد الأول من عملية اغتيال الحريري - وهي إسرائيل بدون كثير ذكاء - فإننا ندعو إلى حوار شامل بين كل من يهمه أمر ومصلحة لبنان .

حوار عربي - عربي في المستوى الأوسع ، ثم حوار لبناني - سوري في المستوى الأضيق .

وقبل كل ذلك - والأهم - هو حوار لبناني - لبناني ، بين فصائل المعارضة والحكومة ومؤيديها

فالشعب اللبناني يكاد يكون منقسما - رغم إدانة الجميع لاغتيال الوطني الكبير والفقيد العزيز - إلا أن الشعب منقسم بالفعل حول الوجود السوري في لبنان .

قبل أن تجلس سوريا للحوار مع لبنان ، يجب أن يكون اللبنانيين أنفسهم قد وصلوا لحد أدنى من المتفق عليه . . يذهبوا بهذا الحد الأدنى للنقاش مع سوريا بعد ذلك . .

وفي قراءتنا لخطاب المعارضة اللبنانية أو غيرها ، فإن الاستعانة بالغرب هو لعب بالنار ، وتخط لحدود المعارضة الوطنية.

وفي خطاب المعارضة الوطنية ، أعتقد أن وضع آلية محددة للإنسحاب السوري من لبنان بما لا يضر بمصلحة المقاومة الإسلامية في جنوب لبنان ، وبما يتفق مع اتفاق الطائف . . هو المطلوب والمندوب.

وليس وفقا لقرارات الغرب ، وأعني بها قرار 1559 . .

أعجبني ما توصل إليه حزب الله اللبناني بعد اجتماعه مع مسئول لبناني ، من أن القاعدة يجب أن تكون اتفاق الطائف وليس الأمم المتحدة

أعجبني كذلك ما دعت إليه الجماعة الإسلامية ( كبرى الجماعات السنية في لبنان ) في مبادرتها* لنزع فتيل الأزمة اللبنانية.

حيث دعت إلى الحوار كحل جذري للأزمة . . والحق أن الحوار أولا والحوار ثانيا وثالثا ، ولا شيء غير الحوار يمكن أن يحل الأزمة جذريا .. وكل ما عدا الحوار الصريح المباشر فهو مسكنات

لابد من جلوس المؤيدين والمعارضين للوجود السوري ، في حوار صريح من أجل ردع فتنة تراد بلبنان الشقيق . .

-------------------------------------------------------------

* اقرأ نص مبادرة الجماعة الإسلامية لمعالجة الأزمة اللبنانية