اذهب إلى المحتوى
محاورات المصريين

مقدمة في التعرف علي خطر استمرار الرئيس مبارك


mb14

Recommended Posts

محمد عبدالحكم دياب -القدس العربى

الوصلة

التطورات في مصر تتسارع، والأحداث تتلاحق، والقدرة علي المتابعة والرصد أدني من إمكانية تغطية ما يجري ويتم نشره بتفاصيله، والمعركة الدائرة حول الديمقراطية بين الرغبة الشعبية وبين المشروع الأمريكي تتصاعد بمعدلات عالية، والسبب هو أن الرغبة الشعبية العارمة تنشد حرية وديمقراطية كاملتين، تنطلق نحو آفاق أوسع وأرحب، بينما المشروع الأمريكي يوظف الديمقراطية كشعار وشكل فارغ من المضمون لتنفيذ مشروع لا علاقة له بالحرية ولا بالمعني الحقيقي للديمقراطية، هدفه إعادة احتلال الوطن العربي وإعادة تقسيم وتشكيل ورسم المنطقة، بشكل جديد، وتمكين الدولة الصهيونية من قيادتها والتحكم فيها، وشتان بين نظرتين: إحداهما تنظر للديمقراطية كطريقة للتغيير الشامل في كافة المجالات، وأخري تستعير آلياتها، وليس مضمونها، لتنفيذ أهداف وأغراض أعداء المنطقة والطامعين فيها.

ما يطلبه بوش وبلير وشارون، وبقية العنصريين الجدد في الغرب، مخالف للرغبة الشعبية، ولهذا تتركز مهمتهم في تشويه القيم النبيلة والأهداف النافعة، ويتولون تزكيتها بما يفسدها، ولهذا يشيعون، من خلال كلماتهم وإعلامهم وصحافتهم، ما يسيء للديمقراطية إساءة بالغة، وذلك بتجاهل كفاح المنطقة الطويل، في مجال الحريات والديمقراطية ودولة القانون والمواطنة المتساوية، وإلغاء هذا الكفاح بكذبة كبري، تقول بأن الديموقراطية والتطلع إلي الحرية جاءا نتيجة لغزو العراق واحتلاله، وهم بذلك يدقون آخر مسمار في نعش مشروعهم، علي المستوي النظري، تمهيدا لموته علي المستوي الميداني. فخسروا عددا ممن راهن، سذاجة أو جهلا، علي الضغط الخارجي والتدخل الأجنبي، من أجل تسريع عملية التغيير، وبان للعامة والخاصة أن ديمقراطية العنصريين الجدد متصادمة مع أماني الشعوب، وحاجبة لحقها في الحرية والحياة، لتصبح مهمة حملة لواء المشروع الأمريكي خداع النفس أكثر من خداع الغير، لأن الديمقراطية ليست وسيلة لارتكاب الجرائم، ولا تصلح غطاء للغزو ونشر الدمار والخراب، وهم أول من يعلم أنها بذلك تتحول إلي ديمقراطية مغشوشة، مثلها تماما مثل السلام المغشوش الذي تعاني المنطقة من ويلاته.

هذا هو أساس أزمة نظام الرئيس حسني مبارك.. فبعد أن كان نظاما مقبولا من أصحاب المشروع الأمريكي، حتي شهور قليلة مضت.. فجأة صار مرفوضا. والأمر واضح، فمن كان يصلح لنشر وتبني التزامات سلام مغشوش من الصعب أن يكون مؤهلا لتطبيق الديمقراطية، في حالتيها الأصيلة والمغشوشة. فكلتاهما تحتاجان إزاحته وإحلال نظام سياسي جديد محله، ولا يعني التطابق في نقطة البداية وجود اتفاق في المرامي والأهداف والنتيجة.. والقطب الأمريكي، الأوحد، حقق بـ السلام المغشوش ، الذي جند له كل مجهوده السياسي والعسكري والاقتصادي والثقافي، هيمنة كاملة علي المنطقة، ونجح في تدميرها، وتمكن، في بعض مراحله، من استخدام التطهير العرقي، وهو ما شاهدناه في أكثر من موقع علي الخريطة العربية.

والخدعة التي روجت لـ السلام المغشوش ربطت بينه وبين الرخاء، منذ زيارة الرئيس الأمريكي الأسبق، نيكسون، للقاهرة في 1974، وعبورا علي زيارة السادات للقدس المحتلة 1977، وطوال سني الثمانينات، ومع طلوع التسعينات، وبفعل تداعيات احتلال الكويت قويض السلام المغشوش بالأرض.. الأرض مقابل السلام ، نتيجة أعمال مؤتمر مدريد 1991، فتمكنت الدولة الصهيونية من تثبيت توسعها واحتلالها لفلسطين بما فيها الضفة الغربية وغزة. وكان الرئيس مبارك أهم لاعب في تمكين الدولة الصهيونية من تحقيق هدفها.

استقر وضع الرئيس معتمدا علي التزامه بقواعد هذه اللعبة، ولم يلتفت مطلقا إلي تداعياتها الداخلية، إلي أن انتهي به الأمر للتحول إلي حالة اللانظام حيث أدت هذه القواعد إلي استيلاء عائلة الرئيس علي السلطة والثروة والنفوذ، ومع ظهور الإبن في الصورة انتقلت حالة اللانظام من الاعتماد علي النهج البوليسي إلي تبني النهج الفاشستي، بنمو جماعة جمال مبارك، المحسوبة علي الليبراليين الجدد، الامتداد المصري للمحافظين الجدد في الإدارة الأمريكية، وبترجمته الخاصة لتوجهات المسيحية الصهيونية في الولايات المتحدة، وكان من الممكن أن تسير الأمور علي هوي عائلة الرئيس ، التي حاولت، علي طريقتها، الاستعداد لهذا التحول.. سعت لإنشاء حزب للإبن أطلق عليه حزب المستقبل ، ولما نجح الحرس القديم في إجهاض الفكرة، تم الالتفاف حولها، وحلت محله جمعية جيل المستقبل التي تولت منذ نهاية القرن الماضي إعداد جماعات من الشباب، تم علي أساسها الجمع بين من درسوا في الجامعة الأمريكية بالقاهرة ومن تلقوا تعليمهم في الخارج، وتفضيلا الولايات المتحدة وكندا.. من بين هؤلاء اختير عدد من الوزراء في التشكيل الأخير، وعدد من أعضاء مجلس الشوري ومسؤولين عن هيئات المال والاستثمار والبورصة، أما خريجو المدارس والجامعات المصرية، فتشكلت منهم مليشيات ، بدأت اقتصادية وتحولت إلي عسكرية وبلطجة أمنية، في السنتين الأخيرتين، وهناك من يجزم، بأن هؤلاء هم الذين يتولون الاعتداء علي الشخصيات المعارضة، وأن ما جري لرئيس تحرير جريدة العربي الناصرية، عبد الحليم قنديل، لا علاقة للأمن به وهو من صنع مليشيا تتبع صهرا من أصهار عائلة الرئيس .. من كبار رجال الأعمال وكون ثروة بالمليارات في سنوات قليلة نتيجة هذه المصاهرة!!

ومخاطر استمرار نظام الرئيس مبارك في الحكم، ناشئة من محاولته التحكم في التغيير أو مقاومته، والاستمرار بالعمل وفق القواعد القديمة، ويري في كلام جورج دبليو بوش مخرجا، فالرئيس الأمريكي، وهو ينادي بالديمقراطية يراها ممكنة من خلال اللانظام الحالي، ولهذا وجه حديثه إلي مصر الرسمية، التي نجحت، علي حد تعبيره، في قيادة مسيرة السلام، ولديها القدرة علي قيادة عملية تسويق الديمقراطية، ومعني هذا أنه فتح باب المساومة بين الإدارتين الأمريكية والمصرية، وعليه يعمل الرئيس حسني مبارك جاهدا علي إثبات قدرته علي خدمة المشروع الأمريكي في صورته الجديدة، والرئيس حسني مبارك المستعد، في سبيل البقاء في الحكم، لما هو أكثر من الاستسلام والتفريط يواجه بفشل ذريع، جعل من الأوضاع الداخلية والاقليمية والدولية أوضاعا غير مواتية للمساومة، حتي لو أرادت الإدارة الأمريكية، فالتفاعلات الداخلية والرفض المطلق له ولعائلته أضافت زخما إلي الشارع المصري، المتربص بالرئيس وعائلته. حتي ساد الانطباع بأن أيامهم في الحكم معدودة. وهذا زاد وضعهم تعقيدا. لدرجة أن الرئيس مبارك لم يتمكن من تسويق نفسه، وفقد الثقة في حزبه، حزب الأغلبية ، الذي بدا عاجزا عن إدارة حملة الرئيس الانتخابية، الأمر الذي اضطره للاستعانة بشركة علاقات عامة، تتولي إدارة الحملة، وتقوم بتسويقه للرأي العام، وكل ما فعلته هذه الشركة أنها انهكته، وفاقمت من وضعه الصحي، وقد انهارت بورصة الأوراق المالية المصرية فور تسرب أخبار مرض الرئيس، قبل موعد سفره لحضور مؤتمر القمة العربية بأيام. وهذا ما دعاه فور انفضاض القمة، للتوجه مباشرة إلي فرنسا للعرض علي الأطباء.

قد تكون هذه الأمور محسوبة من جانب شركة العلاقات العامة، أو لدي من رشحها أو تعاقد معها. ويرجح السفير أمين يسري، في مقاله بصحيفة العربي المصرية، في عددها قبل الأخير، أن هذه الشركة هي التي نصحت الرئيس حسني مبارك بتأجيل اتخاذ قراره بالترشيح لولاية خامسة حتي شهر أيار (مايو) القادم، ويكثر من زياراته وافتتاحه لمشروعات، حتي ولو كانت صغيرة، كمحطة مياه بني سويف ـ علي حد قوله ـ التي علي الأكثر تليق فقط بالمحافظ أو رئيس مجلس المدينة افتتاحها.

وتحت وطأة الإحساس بأن الرئيس حسني مبارك ونظامه العائلي، يعيشان أيامهما الأخيرة، بادر الرئيس الموازي جمال مبارك لطمأنة الرأي العام المصري، يوم الأربعاء الماضي، بتصريح بثته وكالات الأنباء يقول فيه ان الرئيس لم يحدد موقفه حتي الآن بشكل نهائي من موضوع الترشيح لرئاسة الجمهورية ونفي نيته (أي جمال مبارك) في الترشيح لمنصب الرئيس. وأقل وصف لهذا التصريح أنه كاذب لأنه يتناقض مع تصريحات سابقة يرفض فيها الرئيس مبارك تحديد شغل منصب الرئيس بمدتين، وأصر علي تركها مفتوحة ليتمكن من التجديد. ومتناقض مع تصريحات أقطاب الحزب الحاكم الذين أعلنوا ترشيحهم للرئيس، وتكذبه هوجة المبايعات التي يتولاها رجال الأمن في أنحاء الجمهورية، وكم أطلقت تصاريح كاذبة عن التوريث في وقت منح فيه الإبن صلاحيات جعلت منه الشخص الأقوي في البلاد، وجعلته يتصرف في مصر وكأنها مزرعة ورثها عن والده، وهذا ما حدا بنا لنعته بصفة الرئيس الموازي بسبب ما لديه من مسؤوليات تسقط أي درجة من التكافؤ والمساواة بينه وبين نظرائه، ممن ليسوا أبناء لرئيس الدولة، رغم تواضع إمكانياته ومحدودية قدراته، التي قد تقل عن قدرات والده ذاته، وهي بشهادات من عمل معه وبالتجربة، قدرات محدودة للغاية، يؤكدها فشله الذريع والدائم في كل ما قام به علي مستوي الداخل، خلال ما يقرب من ربع قرن، ونجاحه الملموس كان في مجال ترسيخ وتثبيت المشروع الصهيوني وتمكينه من مصر والمنطقة.

الرئيس حسني مبارك وهو يحاول أن يؤكد للإدارة الأمريكية قدرته علي أن يكون الرجل المناسب لترويج سلعتها الجديدة، يبذل محاولاته الأخيرة، ولم ييأس بعد، ومنها الضغط المكثف علي المواطنين لدرجة التهديد، عن طريق وزارة الداخلية وأجهزة الأمن، وهذا الضغط كان وراء نكتة انطلقت من محافظ المنصورة عندما اختصر كل سكان المحافظة في شخصه، معلنا، منذ أسابيع قليلة، مبايعة كل سكان محافظة الدقهلية، البالغ عددهم خمسة ملايين نسمة لاستمرار الرئيس مبارك في الحكم، وصاحب ذلك نزول كبار قادة الأمن للضغط علي الناس، ومنهم ضابط بدرجة لواء تفقد منتجعات سيناء، وتجول بين صغار المستثمرين في محافظة البحر الأحمر، مهددا إياهم بالطرد وهدم ما أقاموه من مبان ومشروعات إذا لم يبايعوا الرئيس، ومن رضخ أعفي من المخالفات وسقطت عنه القضايا المرفوعة ضده!!

والخلاصة أن التغيير في مصر ملح، وعقدته في ذلك التناقض بينه وبين الديمقراطية المغشوشة ، والمرجح أن هذا التغيير الوارد سيتم بدونها، ودون مساومة علي بقاء عائلة الرئيس في الحكم، فالكل يشعر أن استمرار هذه العائلة يعرض مصر لمخاطر جمة تهددها وتهدد المنطقة العربية بأسرها، وقد تكون هذه المخاطر موضوع حديثنا القادم، باذن الله.

ومن لا يحب صعود الجبال يعش أبد الدهر بين الحفر
رابط هذا التعليق
شارك

مخاطر استمرار الرئيس مبارك في حكم مصر:

2- تلاشي المسافة بين الجوع والموت في حياة المصريين اليومية

محمد عبدالحكم دياب -القدس العربى

الوصلة

1) مخاطر استمرار الرئيس حسني مبارك في الحكم ليست جديدة.. لم تكتشف فجأة، والتركيز عليها الآن يأتي بعد نفاد الصبر وضياع الفرص التي أتيحت، بحكم طبيعة المصريين، وصبرهم الطويل، المفترض فيه أنه يتيح الفرص للمراجعة والتصحيح، ومن لم يعط لهذا الصبر قدره أو يستغل الفرص التي أتيحت يقع تحت طائلة الكشف والتعرية والمحاسبة، والرئيس حسني مبارك يجني في هذه المرحلة حصاد فترة طويلة من الجمود والانعزالية، ومن واجه نفس الموقف، لا يجد غير قرار واحد عليه اتخاذه.. هو قرار التخلي عن الحكم والخروج منه إلي حياة مدنية أقل وطأة. وتبدو مقولة الشيخ أحمد حسن الباقوري، رحمه الله، كاشفة لصعوبة مثل هذا القرار في بلادنا، يقول ذلك الشيخ الحكيم، الذي جرب منصب الوزارة: الوزير يفقد نصف عقله عندما يدخل الوزارة ويفقد النصف الآخر عند الخروج منها ، فما بالنا والمنصب المقصود ليس لوزير إنما لرئيس دولة.

2) الخطر المركزي.. أساس كل الأخطار.. هو استمرار نهج التفريط في الاستقلال الوطني، بكل ما ترتب عليه من قبول بالتبعية، والتخلي عن كل مكمن قوة لدي مصر، بحكم الوزن والموقع والدور، أو باعتبارات الظروف التاريخية والحضارية، واستقرار هذه السياسة اقتضي إعمال السلطة لسوط الأمن تلهب به الظهور وتفرض العزلة، ولا ننسي أثر تصفية المنجزات الاقتصادية، أو ما جري من تخريب لمواقع الانتاج، وتدمير الثروة البشرية، الرصيد الحقيقي للبلاد. فإلغاء التصنيع، الذي بدأته مصر مع محمد علي، في القرن التاسع عشر، وأحياه عبد الناصر، في القرن العشرين، وفرض الانسحاب علي الدولة، إلا من دورها البوليسي، وإلغاء دورها الإجتماعي، ترك البلاد نهبا لمافيا المضاربات علي الأراضي والعقارات والخدمات.. تراجعت الزراعة في بلد النيل، وضاعت القدرة علي تحقيق أي نوع من الاكتفاء الذاتي في الغذاء أمام حمي التصدير، التي تحولت إلي نهم في استيراد القوت الضروري، دون نجاح يذكر علي أي مستوي من مستويات التصدير المزعوم، وانتهي الأمر بأن أصبحت مصر تحت رحمة المتحكمين في قوتها الذي يأتيها من خارج الحدود.

3) هناك مخاطر مردها العناد المصاحب لدعوة التجديد ، بشكل قضي علي فرص المراجعة والإصلاح والتغيير، وزاد من جمود الواقع السياسي، وثبت قواعد تجاوزت الشأن الموضوعي إلي النطاق الشخصي البحت، فضاق الأفق، واختلت الحسابات واختزلت المصلحة العامة إلي حدود مصلحة عائلة الرئيس ، فأضحت رفاهيتها علي حساب القوت اليومي للمواطن. وألغيت الحدود بين ثروة العائلة وميزانية الدولة.. أصبحت السياسة وشؤون الاقتصاد، استثمارا وشأنا عائليا خاصا، موزعا بين الرئيس والزوجة والإبنين، كل في مجاله.. شؤون المال والأعمال لطرف، وشؤون السياسة والهيمنة لطرف آخر، ومهمات التيسير والتسهيل مهمة طرف ثالث، واحتكار القرار السياسي والسيادي، لطرف رابع.. ومن ذلك تحول الشأن الأهلي والثقافي والتعليمي والصحي والاجتماعي والطفولة والمرأة، إلي شأن خاص، موكول بالكامل إلي حرم الرئيس، دون سند من القانون أو الدستور.

4) قبول االرئيس حسني مبارك بالتبعية للولايات المتحدة، جعل السياسة الرسمية المصرية تواجه الضغط عليها بمكافأة من يمارسون الضغط، ومن الطبيعي أن يكون ذلك علي حساب دور مصر العربي والإقليمي، ومن الطبيعي، كذلك، أن يمتد هذا إلي المجال الدولي فخف وزنها العالمي، وهذا زاد من إضعاف القدرة علي معالجة المشاكل الإقليمية، والحجة الجاهزة هي الالتزام بـ شرعية دولية تقوم فيها السياسة المصرية بدور محامي الشيطان الذي استبعد أي إمكانية لمعالجة المشاكل من خلال التضامن أو التنسيق العربي.. تأمركت وتصهينت كافة معالجات المشاكل. فحذا كثير من العرب حذو الرئيس حسني مبارك، هرولوا نحو اوروبا وأمريكا والدولة الصهيونية، مفضلين التعامل المباشر مع شرعية دولية عميت تماما عن الحقوق العادلة في فلسطين وغير فلسطين.. ولسان حال الرئيس حسني مبارك يقول علمناهم الشحاتة سبقونا علي الأبواب ، كما يقول المثل الشعبي المصري الشهير، وهكذا وجد الرئيس مبارك من يزايد عليه من العرب والمسلمين وينافسه في مجالات الأمركة والصهينة، ولم يعد الأمر حكرا عليها.

5) وخطر استمرار الرئيس حسني مبارك علي النطاق الإقليمي.. سببه حماسه الزائد لاقتلاع أي نبتة مقاومة مشروعة للاحتلال والاستيطان، وحصارها وملاحقتها، فلحظة قبوله الاندماج، بلا شروط، في حلف اجتثاث المقاومة في فلسطين والعراق، قبل ذلك باعتباره إرهابا، فتحققت نجاحات سلبية ، صبت، في النهاية، لصالح الغزو الأنجلو أمريكي للعراق، وعززت الضغط الأمريكي والنشاط الاوروبي المكثف لوقف الانتفاضة الثانية في فلسطين، وتم كل ذلك بدعوي دعم القضية الفلسطينية، ومساعدة الشعب العراقي في الخروج من محنته.

6) ومتابعتنا للتطورات زادت من قناعتنا بأن الرئيس مبارك من الممكن أن يقبل بتجريد مصر من بقايا قوتها. فمن يتابع ما تنشره وتبثه وتكتبه الصحف وأجهزة الإعلام الأمريكية والصهيونية، من اتهمات بمد الرئيس العراقي المخلوع، صدام حسين، بمواد وخبرة ومعرفة خاصة بإنتاج أسلحة كيماوية، وعن خطر امتلاك مصر لسلاح نووي، مع تجاهل أن ما جري من دعم ومساندة للرئيس العراقي السابق، جاء تلبية لـ رغبة أمريكية و نصيحة من البنتاغون، وكذلك كان الحال في عملية إقناع مصر بالتوقيع علي اتفاقية حظر انتشار الأسلحة النووية، في الوقت الذي تعفي فيه الدولة الصهيونية من أي التزام في هذا المجال. وجاء، كذلك، والعالم يعلم أن الضغط الأمريكي قضي علي أي إمكانية قوة تلوح في الأفق لها علاقة بإمكانية استخدام مصر للذرة في المجال السلمي، وكان آخرها تحويل منطقة الضبعة ، علي ساحل مصر الشمالي، كانت مرشحة لبناء مفاعل نووي لتوليد الكهرباء، إلي منطقة سياحية مملوكة لشركات أمريكية وصهيونية، لقطع الطريق علي أي احتمال للاستخدام السلمي للذرة، وأمام الغرض الحقيقي تتم تعبئة الرأي العام العالمي لفرض رقابة دولية علي مصر ومسحها، من أقصاها إلي أقصاها، بحثا عن خطر مزعوم، كما حدث مع العراق الذي مسحته فرق تفتيش، عجت بجواسيس من كل حدب وصوب.

7) ولأن الطلبات الأمريكية والصهيونية لا تتوقف، في هذا الزمن العربي الكسيح، فمن المتوقع إجبار مصر علي التجرد من السلاح التقليدي، كذلك، لتحويل منطقة الطوق المحيط بالدولة الصهيونية، وامتدادها الشرق أوسطي، إلي نطاق مجرد من السلاح التقليدي، وكما تجففت منابع الثقافة العربية والإسلامية، فمن المتوقع أن تتجفف موارد السلاح التقليدي، أو أي قدرة علي التصنيع العسكري كذلك.. وحتي السلاح الأبيض.. من سيوف وخناجر وسكاكين سيخضع لقيود صارمة، لحرمان مصر من إمكانية الدفاع المشروع عن النفس. لأن المطلوب هو تحويل المنطقة إلي مزرعة للخراف الوديعة ، المهيأة للنحر عند اللزوم، وهناك مقدمات لوضع قيود صارمة علي أعداد الجيش ومستوي تسليحه، بحيث لا يتجاوز حجم وعدد جيش المحمل ، الذي اقتصرت مهمته السنوية علي حمل كسوة الكعبة، وهي في طريقها إلي مكة كل عام، أيام الاحتلال البريطاني.

8) وخطر استمرار الرئيس حسني مبارك يحول بين مصر، وإمتلاكها قدرة كوريا (جنوبية أو شمالية) أو الصين أو ماليزيا أو فنزويلا، ويحرمها من الثأثير، حتي ولو كان علي مستوي تأثير حزب الله في لبنان صغير الحجم، مقارنة بحجم مصر، ويمتد هذا إلي مجال الإعلام. فمصر، تحت حكم الرئيس مبارك، عاجزة عن ملاحقة التقدم في مجال البث الفضائي، ومثال قناة الجزيرة ، واضح في هذا المجال. والسبب هو قواعد حكمت سياسته. تتمثل في التجهيل والتجويع والترويع، فالإنسان الجاهل لا يستوعب ما يحيط به، والجائع يمكن ترويضه، والخائف من السهل السيطرة عليه، ومثله لا يمتلك أي إمكانية للمساهمة أو المشاركة الفعلية، واستمرار هذه القواعد يصيب الأمة بخطر أكبر هو خطر التحلل والتلاشي.

9) والرئيس حسني مبارك وهو يراعي المصالح الأجنبية في كل شاردة وواردة، تبدو قناعته ما زالت راسخة في هذا الشأن، وهذا نلاحظه في ترويضه لكل الأطراف، يستغل عقدة القلق الغربي من الإسلام (فوبيا الإسلام)، فيلوح لأهله بأن إزاحته تأتي بالإسلاميين، بقوة الأصولية الوهابية، وبتأثيرات الإخوان المسلمين، ورموزهم من فقهاء السعودية، كعبد العزيز بن باز، وأصولي الباكستان ومصر، كأبي الأعلي المودودي وسيد قطب، لكسب الدعم والتأييد. وفي الداخل يوظف خطر الفتنة الطائفية لتخويف كل جماعة من الأخري، والملفت للنظر أن الرأي العام المصري يستشعر الخطر، ويتوجس خيفة من التوظيف غير البريء لهذه اللعبة.. وهناك شائعة راجت في الأسابيع الأخيرة، تقول بأن مخابرات أجنبية، وتحديدا الموساد ، تعمل علي توظيف هذا المناخ لتفجير الوضع، علي الطريقة اللبنانية.. إما بالاعتداء علي قس قبطي وإلصاق التهمة بمسلمين، أو إصابة رجل دين مسلم واتهام مسيحيين بها، لتغوص البلاد في حرب أهلية تكون مبررا للتدخل.

10) ومع كل ما مر قد يستمر حكم الرئيس حسني مبارك، بالدعم الخارجي، لأنه الأنسب الذي يجعل احتلال مصر مهمة سهلة. فمع أول بادرة طلب أو إنذار بالتدخل العسكري، أو غيره.. من المتوقع أن يتبني الرئيس ذرائع وتبريرات، كتلك التي تبناها لغزو العراق، أو لإيقاف الانتفاضة، أو التي يبرر بها طلب الدولة الصهيونية تجريد الفلسطينيين وحزب الله والسوريين واللبنانيين من سلاحهم، وقد تكون من بينها تبريرات تعودناها مثل تشجيع شارون علي الدخول إلي عملية السلام !!.. وكلها تبريرات بائسة.

ولا يخلو هذا من انعكاسات علي الرئيس وعائلته.. تحولوا إلي أسري ورهائن بين جدران قلاع وقصور، لم تحصن مستبدا قبله، ولن تحمي ظالما يأتي بعده.. فالأسوار العالية والجدران الحصينة لا تمنع قدرا، ولا تريح بالا، ولا تجعل الظالم آمنا.

في النهاية فإن مصر مهددة، فقد انتهي الأمر بالرئــــيس حسني مبارك بأن جعلها أسيرة محبسين.. الفوضي وثورة الجوع، مما قد يفتح الباب أمام تدخل إنساني مزيف، كما في دارفور السودان، وعندما تشير الحكمة الشعبية إلي أن الجوع كافر فهو كافر بالفعل، وهنا تلح علي ذهني عبارة ذكرها عادل حمودة في كتابه عن النكتة السياسية.. كيف يسخر المصريون من حكامهم أن الثورة تندلع عندما تنتهي المسافة بين الموت والجوع، وهذه المسافة تلاشت تماما في عهد الرئيس حسني مبارك!!.

ومن لا يحب صعود الجبال يعش أبد الدهر بين الحفر
رابط هذا التعليق
شارك

انشئ حساب جديد أو قم بتسجيل دخولك لتتمكن من إضافة تعليق جديد

يجب ان تكون عضوا لدينا لتتمكن من التعليق

انشئ حساب جديد

سجل حسابك الجديد لدينا في الموقع بمنتهي السهوله .

سجل حساب جديد

تسجيل دخول

هل تمتلك حساب بالفعل؟ سجل دخولك من هنا.

سجل دخولك الان
  • المتواجدون الآن   0 أعضاء متواجدين الان

    • لا يوجد أعضاء مسجلون يتصفحون هذه الصفحة
×
×
  • أضف...