اذهب إلى المحتوى
محاورات المصريين

إلياس بين الشك واليقين ... رحلة البحث عن الايمان .


اسامة يس

Recommended Posts

أنا اعي تماما ما أقول ، فأنت لم تكن في يوم من الأيام كما حاولت أن تظهر لنا، أعلم أنك كثير ما نجحت بحركاتك البهلوانية أن تسحر أعيننا وتجعلها تبتعد عن الحقيقة التي تعلم أننا شغوفون مشتاقون لمعرفتها ..

هنا نطق المعلم جبرائيل وهو يخفي غيظه في صدره قائلا : ولكنني لم أكن المعلم الوحيد لكم، كما أنني كنت مثلكم تماما أعلمكم ما أراه صوابا وما علمني إياه معلمي القدامى ، ألا تذكر عندما قلت لك منذ سنين وأنت في بداية البلوغ عندما بدأ عودك يشتد أنك سترى تفاحا تشتهيه فلا تأكل منه إلا إذا دفعت ثمنه ....

بدا الخجل على وجه إلياس وحاول أن ينطق ولكن معلمه لم يمهله وتابع قائلا :

ما ذا فعلت أنت وقتها أكلت من التفاح حتى صار عندك كثيرا من الأولاد غير الشرعيين وأنت لم تبلغ الثلاثين بعد لا تعرف عنهم شيئا، وتأتي الآن لتقول أنني خدعتك وسحرتك ، قد أكون أنا بالفعل علمتك الحقيقة التي أتبناها ولم أعط لعقلك مساحة للتفكير في غير ما منحتك إياه من علم ..

خرج إلياس عن صمته وقال : هذا ما قصدته بالضبط يا سيدي لقد احتكرت الحقيقة وكان نتاج ذلك أنني رفضت كل شيء سواها وعندما وجدت أناسا يجادلونني فيدحضون حججي الواحدة تلو الأخرى، ويكذبون حقائقي الراسخة كنت كثيرا ما أكابر وأجحد رغم يقني بصدق قولهم ، سيدي لم يكن الأمر سهلا أن أقع من فوق قمة جبل وتصطدم رأسي بالأرض ...

تظاهر جبرائيل بالتأثر بحديث تلميذه ولم يعقب إلا بعبارات أنهت للأبد علاقته بتلميذه : أيها التلميذ النجيب اذهب وابحث عن الحقيقة في مكان آخر فقد فرغ الزاد عندي ، والحق أقول لك إنك ستعاني الكثير وستضيق بك السبل وستشعر أحياننا كثيرة من شدة حيرتك كأنما مسك الجان بنصب وعذاب ..

قبل أن يغادره إلياس سأله هل تعتقد حقا يا سيدي في وجود الجان .. ثم تركه وانصرف دون أن ينتظر جوابا .

..........................

وقف إلياس أمام المرآة ليهندم منظره ويصفف شعره ولكنه صرخ من أعماقه كأنما لأول مرة ينتبه لذلك سائلا نفسه هذا السؤال ؟ من أدراني أن الذي أمامي في المرآة هو إلياس ، ألا يمكن أن يكون هو الجان متجسدا في شكلي ويقلد حركاتي ، ثم كيف لقطعة كهذه أن تراني وتحتويني وتحاكيني ، استفزته المرآة ولكنه قال في نفسه هي مفيدة على أي حال ...

عكف إلياس على قراءة الكتب التي كان محروما من قراءتها دهرا بسبب اعتقاده بالحق المطلق الذي يملكه بل لعله انضم رسميا إلى ذلك التنظيم السري الذي يرى كذب الحقائق التي يتبناها أهل المدينة وعلى رأسهم المعلم جبرائيل ، كان خرق قوانين تلك المدينة وحقائقها يعني القتل والتنكيل من قبل العوام قبل أن يكون من قبل المعلم وتلاميذه ..

لم يكن إلياس يطالع ما تحت يديه من كتب ممنوعة على أنها الحق المطلق فلقد تعلم من تجربته أن الحقيقة المطلقة قد تكون في غير هذه الكتب وانه على الإنسان أن يسعى دائما ويظل هكذا إلى أن يموت ، ولكنه وجد فيها ما هدم كثيرا مما كان يعتقده وجد فيها ما ذاد حيرته حيره ، وجعله ينظر للكون كأنما يبصره لأول مرة ، فها هو لأول مرة يسمع ويقرأ عن رسل و أنبياء مرسلين من الله بل لعله مكث شهرا في جدال مستمر مع صديقه الجديد صهيب لكي يعرف متى وأين أرسل هؤلاء الرسل ولماذا لم تنعم عليهم السماء برسول ينقذهم ويعطيهم الحقيقة المطلقة ...

وبدأت نفسه تحدثه هل يعلم معلمه عن الرسل شيئا ؟ انه بالتأكيد يعلم و إلا لماذا منعني أن أقرأ أو أسمع لأحد ممن سماهم أهل البدع والباطل ، إن هناك احتمال قد يصل إلى حد اليقين أنه يخشى أن أعرف أن ما يفعله هو الباطل ، ولكني لن أتعجل الحكم فقد أكون على خطأ ..

شهرين ونصف الشهر مرت منذ آخر حديث دار بين المعلم و إلياس ، ها هو إلياس يتجرع كؤوسا من الخمر كي يغيب عقله ويرتاح قليلا من عناء التفكير الدائم عن الحقيقة ، ولكنه في هذه المرة كان يشرب الخمر بمفردة دون امرأة تزيد من أولاده غير الشرعيين ولدا آخر ، أخذ يشرب ويشرب حتى ثقل جسده واحمر أنفه الدقيق ثم راح يضحك ويهذي إلى أن راح في سبات عميق ، استيقظ إلياس ليجد نفسه مكبلا بالحديد وملقى به في حجرة ضيقة لا تسع فردا هو وجميع أعضاء أهل البدع والباطل كما يسميهم معلمه أو لنقل من كان معلمه ...

لم يكن إلياس قد اعتنق ما يعتنقون من أفكار ، فهم يؤمنون بأن للكون إلها واحدا وأنه سيرسل عما قريب رسولا يخرجهم من الظلمات إلى النور ، لم يكن إلياس قد اعتنق هذا الاعتقاد ولكنه قرأ ما كان ممنوعا عليه أن يقرأه ولذلك وجب عليه العقاب ...

يتبع ...

تم تعديل بواسطة اسامة يس
رابط هذا التعليق
شارك

كيف لم ألحظ هذا الموضوع فور تشريفه قاعدة البيانات؟؟؟

لن أتحدث عن اختلافى أو اتفاقى معك فيم ترمى اليه ... سأنتظر حتى تكمل ... لكن .. لكن .. لكن أفكارك يا أسامة جديرة بوقفة متأملة ... وقفة من نوع "هناك من يفكر فى المدينة .." ...

أعذرنى ان لم أستطع التعبير الدقيق عن تأثير موضوعك .. بل فكرتك الرا... لا .. لن أصفها الآن قبل أن تكمل موضوعك ...

لكنى -وصادقا أقول لك- انك ممن يفكرون بشراهة ... بافراط .. مع كل نفس و كل اختلاجة ...

الفكرة نفسها تستحق و قفة ... و صاحبها يستحق نظرة تأمل طويلة ... كتلك التى نرمق بها موج البحر وقت الغروب ... نظرة تأمل عميقة ... و تساؤل ينمو بداخلنا عن ذلك العالم القابع تحت فروة رأسك ...

أثرت فضولى بشدة ... و أثرت لهفتى لاكمال قراءة موضوعك ...

تم تعديل بواسطة مهيب

<span style='font-size:14pt;line-height:100%'>حين يصبح التنفس ترفـاً .. و الحزن رفاهية .. والسعادة قصة خيالية كقصص الأطفال</span>

رابط هذا التعليق
شارك

اخي الكريم مهيب ...

اشكركم على اطرائكم الكريم .. ومروركم العطر ...

وفيض كرمكم ...

ان شاء الله يعجبكم الآتي الذي انتظر مرورك العطر عليه ..

خالص تحياتي ..

رابط هذا التعليق
شارك

تجمهر الناس في الساحة والغضب يتطاير من أعينهم ينتظرون بشغف خروج المبتدعين الضالين لينفذ فيهم حكم الإعدام ، هكذا حكم المعلم عليهم جميعا باستثناء إلياس الذي حكم عليه بعشر سنين سجن ..

كانت المحاكمة ظالمة ولكنها فضحت كثيرا من زيف هؤلاء المعلمين ورسخت في ذهن إلياس أنهم مدعين يخشون زوال مناصبهم ..

جاءت المحاكمة هزلية حيث يسأل العضو هذا السؤال : هل تنتمي إلى تنظيم الضالين السري ؟

جاءت إجابتهم جميعا نفس الإجابة نحن لسنا ضالين ولكننا نرى غير ما ترون ونبصر غير ما تبصرون ..

يساق الواحد منهم إلى حبل المشنقة فلا يبالي ويسير في ثبات ولا يلتفت إلى حجارة العوام الممطرة عليه من كل صوب حتى أن أحدهم مات مرجوما قبل أن يصل إلى المشنقة ...

كانت الساحة تضج بالتصفيق والفرحة كلما أعدم أحدهم ، وجاء الدور على إلياس الذي تعمد معلمه أن يتركه للنهاية ووجه له نفس السؤال : هل تنتمي إلى تنظيم الضالين السري ؟

أجاب إلياس في ثبات : كنت قبل تنفيذ حكمكم الجائر على أصدقائي لا أعتقد بما يعتقدون فقط اطلعت على معتقداتهم ولكن لولا أنني لا استيقن إلا بما يملئ على كياني ولا تناقشني فيه نفسي ولا توسوس لي نفسي بشك فيه لولا هذا كله لحذوت حذوهم دون تردد فمن يموت في سبيل قضيته يمنحني ثقة كبيرة في صدقها ..

إذن أنت مؤمن بما ذهبوا إليه ؟

ليس بعد ولكن هذا قد يحدث يوما ما ..

ألا تعلم أن مجرد الإطلاع على معتقداتهم جريمة ؟

أجاب إلياس : ألم أخبرك من قبل بأنك مجرد ساحر لا أكثر تخفي الحقائق وكان جوابك أن اذهب فأبحث عن الحقيقة بعيدا عني ، وأنك لم تعط لعقلي مساحة حرة من التفكير ، لقد عرفت الآن أنك أردت أن توقعني في هذا الفخ الذي أنا فيه الآن ، عندما وجدت روحا من التمرد داخلي ، واستيقنت أنني سأناقشك في حقائقك طلبت مني الرحيل فقد نفد زادك لكي تقطع عنقي فقد كنت على يقين من أنني سأقرأ كتبهم لأنك تعلم أن قلبي وعقلي لا ينفكان عن البحث عن الحقيقة أليس كذلك ؟ افعل ما يحلو لك ولأمثالك .....

لم يعلق جبرائيل على شيء مما قاله إلياس ونطق بالحكم : السجن عشر سنين على أن يقضي عاما منها حبسا انفراديا ، لاقترافه جريمة الإطلاع على معتقدات الضالين المبتدعين ....

............

الحياة بين أربعة جدران ضيقة لا يتجدد فيها الهواء صعب جدا على إلياس ، كان حكم الموت أهون عليه فلقد مر عام وهو معزول عن العالم لا يرى النور ولا يكلم أحدا ولا يزوره أحد ، بل لا يبصر إلى الظلام ، فكل شيء ممنوع منعا مطلقا .......

ظل إلياس يحدث نفسه ليسليها حتى ظن أنه أصابه الجنون وبدا يتراءى له في الظلام الحالك أشباحا لأصدقاء التنظيم اللذين شنقوا أمامه كأنهم يعتبون عليه فأخذ يحدثهم واستيقن حينها بوجود الأرواح وعالمها بل لعله انس بهذا الأشباح التي لم تكن سوى تخيلات أبدعها ذهنه ....

بعد هذا العام سمح له بالخروج من السجن الانفرادي ، ليقضي بقية سجنه مع الجناة ، لشد ما كان منظره سيئا ولكنه تذكر فجأة عندما كان يصفف شعره أمام المرآة وشعر براحة انه لم يكسرها ، فهو الآن أمام مرآة السجان ومقصه يقص له شعره الذي نمى كثيرا خلال العام المنصرف ..

شعر أثناء ما كان يستحم أنه في نعيم ليس له مثيل، فلم يكن يدور بخلده أن يخرج من قبو السجن الانفرادي ويرتد إليه بصره وحركته من جديد ..

عندما ناقشه السارق الذي تعلل له بشدة فقره وكثرة عياله أحقيته في أن يسرق ، واعترف له آخر بعد أن وعده بكتمان سره كي لا يعدم أنه لا يؤمن بوجود الآلهة وأنه لا يؤمن بوجود إله على الإطلاق ، شعر حينها أن العام الذي قضاه وحيدا قد أخره كثيرا عن أن يبحث عن الحقيقة وأنه إذا ظل هكذا محبوسا فلن يصل إلى شيء يذكر ولكن ما عساه أن يفعل ليس هناك سوى الهرب فهو المناص الوحيد ..

يتبع ........

رابط هذا التعليق
شارك

  • الزوار
فها هو لأول مرة يسمع ويقرأ عن رسل و أنبياء مرسلين من الله بل لعله مكث شهرا في جدال مستمر مع صديقه الجديد صهيب لكي يعرف متى وأين أرسل هؤلاء الرسل ولماذا لم تنعم عليهم السماء برسول ينقذهم ويعطيهم الحقيقة المطلقة ...

وبدأت نفسه تحدثه هل يعلم معلمه عن الرسل شيئا ؟ انه بالتأكيد يعلم و إلا لماذا منعني أن أقرأ أو أسمع لأحد ممن سماهم أهل البدع والباطل ، إن هناك احتمال قد يصل إلى حد اليقين أنه يخشى أن أعرف أن ما يفعله هو الباطل ، ولكني لن أتعجل الحكم فقد أكون على خطأ ..

عبقري المنتدي أسامة...

تحية من قلبي يملاؤها عطر زهور الربيع التي بدات تتفتح في أيامنا هذه وكأنها علي موعد مع إبداعاتك التي تملأنا بعطر الكلم..

أريد المزيد حتي النهاية ..فلن أستريح حتي أجد إجابة ما يشغلني ...فيما بين الإعتقاد.. و الشك..هل يتجاوز المنهج البشري لمرحلة الإله سبحانه وتعالي... أم لا؟!!

في إنتظار المقطع الثالث و .... حتي الأخير

رابط هذا التعليق
شارك

فها هو لأول مرة يسمع ويقرأ عن رسل و أنبياء مرسلين من الله بل لعله مكث شهرا في جدال مستمر مع صديقه الجديد صهيب لكي يعرف متى وأين أرسل هؤلاء الرسل ولماذا لم تنعم عليهم السماء برسول ينقذهم ويعطيهم الحقيقة المطلقة ...

وبدأت نفسه تحدثه هل يعلم معلمه عن الرسل شيئا ؟ انه بالتأكيد يعلم و إلا لماذا منعني أن أقرأ أو أسمع لأحد ممن سماهم أهل البدع والباطل ، إن هناك احتمال قد يصل إلى حد اليقين أنه يخشى أن أعرف أن ما يفعله هو الباطل ، ولكني لن أتعجل الحكم فقد أكون على خطأ ..

عبقري المنتدي أسامة...

تحية من قلبي يملاؤها عطر زهور الربيع التي بدات تتفتح في أيامنا هذه وكأنها علي موعد مع إبداعاتك التي تملأنا بعطر الكلم..

أريد المزيد حتي النهاية ..فلن أستريح حتي أجد إجابة ما يشغلني ...فيما بين الإعتقاد.. و الشك..هل يتجاوز المنهج البشري لمرحلة الإله سبحانه وتعالي... أم لا؟!!

في إنتظار المقطع الثالث و .... حتي الأخير

اخي الكريم الفاضل .. Mohd Gramoun

اطرائكم هذا وساما على صدري ...

فجزاك الله خيرا ...

وان شاء الله يعجبك بقية الاجزاء ...

ولا حرمنا الله من مرورك وتكرار زيارتك ...

خالص تحياتي ..

رابط هذا التعليق
شارك

قرر إلياس الهرب وساعده بعض المسجونين على ذلك بعدما أحبوه وصادقوه بعدما وجدوا فيه نفسا نقية قلما وجدوها في إنسان ، وكان له ما أراد ، هرب مع خمسة من قطاع الطرق والقتلة الذين سرعان ما اختفوا عن الأنظار وسط الصحراء كثيفة الرمال التي يعرفون أسرارها وأغوارها حيث استقبلهم بقية أفراد عصابتهم وضربت الطبول حتى الصباح ابتهاجا بعودتهم سالمين ، هذه العصابة التي تقطع الطريق على القوافل الذاهبة والآتية من وإلى مدينتهم سهرت حتى صباح اليوم التالي يغنون ويرقصون ووسطهم إلياس الذي أنساه الخمر أنه بذلك بعيدا كل البعد عن الحقيقة ، فهل في الهرب حقيقة ؟ وهل في الاحتماء بقطاع الطرق حقيقة ؟!

هكذا حدثته نفسه عندما استيقظ بعد نوم عميق ليجب عن أسئلة عديدة وضعها نصب عينيه ، هل ما فعلته يا إلياس هو الصواب والحق أم الباطل ؟

أمهل نفسه قبل أن يجيب كأنه يخشى أن يخطئ ، وبدلا من أن يجيب سأل نفسه محدثا إياها كشخص غريب أمامه قائلا : ولكن يا نفسي ما هو المعيار الذي يفصل بين الحق والباطل؟

ما هو معيار الحقيقة ؟ أرجوك أن تجيبي ..

ثم قال : هل كلمة حقيقة ذاتها كلمة حقيقية أم باطلة ؟ أعرف أن هناك باطلا إذن فهناك حق و إلا لما عرفت الباطل و لاختلط الأمر ثم ابتسم لنفسه قائلا : الأمر بالفعل مختلط ..

ثم إلى أي حقيقة أريد أن أصل ؟ حقيقة من ؟ حقيقة نفسي أم حقيقة الكون بأسره ؟

قطع عليه رفائيل حديثه مع نفسه ليخبره أنهم ذاهبون لينقضوا على القافلة التي بدأت تلوح في الأفق ..

دار بينه وبين إلياس حديث طويل ولم تفلح جهود إلياس ومحاولاته الصادقة لتثنيته عن قرار الهجوم على القافلة ، فقد بدأ رفائيل يعيد على مسامعه أنه لا خيار لهم وأن حبل المشنقة أو الموت جوعا ينتظرهم وليس أمامهم خيار ثالث ...

في النهاية طلب إلياس من رفائيل أن تضرب له خيمة خاصة به لأنه يريد أن يبحث عن الحقيقة فيها هنا انفجر رافائيل ضاحكا أما زلت تبحث عن الحقيقة أخبرني عن مكانها وأنا آتيك بها في الحال ، أخشى أن يصيبك الجنون إن لم تكن هكذا فعلا يا صديقي إلياس ..

انقض رفائيل وجنوده على القافلة فأتوا عليها وحملوا إلى وكرهم جميع أمتعتها ، وعندما طلع النهار أخذوا يقسمون الغنائم بينهم كان إلياس الذي يأس من نصحهم يجلس على ربوة من الرمال وينظر إليهم في حسرة ولكنه أبصر وسط الغنائم شيئا جعله يقوم ويقترب ثم أمسك به وبدا عليه وجهه علامات السرور كأنما عثر على كنز لقد عثر على كتاب من كتبهم ، كتاب كان يحمله أحد رجال القافلة لشد ما كان سعيدا بهذا الكتاب ولكنه عندما استقر في خيمته شعر بغصة في قلبه فكيف يقرأ كتابا ليبحث فيه عن الحقيقة وهذا الكتاب مستولى عليه وروح صاحبه لم تنم بعد ،إذن فهو مثلهم ارتضى بنصيبه من الغنيمة ، فهم يحبون الأموال بينما هو يحب الكتب ..

ظل حائرا مترددا بل نزفت دموعه وشعر بأنه ضل الطريق وأن الوصول صعب بعيد المنال وأبعد الكتاب عنه شهرا ظل خلالها ينظر إلى السماء والرمال دون أن ينطق إلا قليلا حتى ظنه الجميع مجنونا ..

ثم حدثته نفسه قائلة ألا تأكل مما يأكلون ألا تشرب مما يشربون ؟ إذن أنت شريكهم ولكنه أجابها : إن لم أفعل لمت عطشا وجوعا فقالت له نفسه : وإن لم تصل إلى الحقيقة لمت جنونا وعتها ..

هنا مسح بيده التراب من على الكتاب وشرع في قراءته ..

في بقعة من الأرض مباركة بها البيت الذي يحج الناس فيه سيظهر رسول يخرج الناس من الظلمات إلى النور في هذه البقعة سيكون آخر رسول وخاتم الأنبياء من الله الواحد للعالم أجمع فهو آخر نذير وبشير لهم .......

اخذ إلياس يكمل ويكمل وترتعش يده كلما قرأ أكثر وعندما انتهى من قراءة الكتاب أعاد قراءته مرات عديدة وأحس أن هناك بوادر أمل قد تلوح ..

بعد سنة من قراءة الكتاب بدأ الشك يراود إلياس من جديد فلم يظهر رسول ولم يظهر أحدا على الإطلاق وبدأ يقول في نفسه : هذا عام آخر ضاع من عمري بعد عام السجن فبدلا من أن أبحث عن الحقيقة انتظرتها ولكنني غبي فلماذا صدقت أنها هي الحقيقة ؟؟؟ ثم أردف أشعر بأنها الحقيقة فنفسي لم توسوس لي وقلبي لم يكذبني وشعرت برعشة حينما قرأت الكتاب ثم أخذ يصرخ ويقول يا إله من شنقوا إن كنت موجودا فابعث برسولك كي أصل إلى الحقيقة ، ابعث به فاني أشعر بصدق أصحابي اللذين شنقوا ...

قتل رافائيل أثناء هجمة من هجماته ولم تعد هناك حماية لهذا الإلياس الذي كرهت العصابة شروده الدائم ونصحه المؤلم وعزلته المفرطة ، فذهبوا إليه ووضعوه بين خيارين لا ثالث لهما : إما أنت تعتزلنا مطلقا فلا نطعمك ولا نسقيك فأنت عالة علينا وإما أن تخرج معنا للكر على القوافل فتصيب منهم ما نصيب ويصيبك منهم ما نصاب ..

ولكنه طلب منهم أن يعمل راعيا للغنم التي يستولون عليها حتى يستطيع أن يعيل نفسه ويشتري بعضا منها فيعتزلهم في خيمته نهائيا ، فوافق الرئيس الجديد

ورعى إلياس الغنم عاما آخر من أعوام البحث لعله يعتزلهم ويبتعد عن شرورهم ، كان يعلم أن الغنم التي اشتراها ليست من حقه وأن النقود القليلة التي بقيت معه ليست من حقه وظل دائما يعاني مرارة ضميره اليقظ ..

يتبع ...

رابط هذا التعليق
شارك

في خيمته التي استقل بها عنهم أصبح سلوكه أقرب إلى زاهد في الدنيا لا يأكل إلى لقيمات تقمن صلبه بل يمكث أياما وليالي دون طعام صائما هائما على وجهه ينتظر تحقيق مأربه ..

ضجيج وصوت قتال يحمله الريح إليه خرج من خيمته ينظر لقد اشتبكت العصابة مع قافلة أخرى ولكن القتال اليوم مختلف فالقتال في السابق كان بعيدا عن مكاننا يبدوا أن رجال القافلة حققوا نصرا كبيرا وفر أمامهم القطاع مذعورين وتحولوا من موقف الهجوم إلى الدفاع ، دقق النظر هذا ما يحدث بالفعل ساعة أو أكثر والقتال يشتد ولكن الأمور أخذت تهدأ لقد تم سحق قطاع الطريق ولم يتبقى منهم على قيد الحياة سوى ثلاثة أو أربعة أصبحوا عبيدا لسيد القبيلة التي حطت رحالها في تلك البقعة لترتاح قليلا ولتكمل المسير إلى مدينة إلياس بعد أسبوع على الأكثر ..

رغم أن إلياس لم يكن ممن هجموا على القافلة وكانت خيمته تبتعد عنهم الشيء اليسير وضعت الأغلال في يديه وكبل أسيرا مع الثلاثة الناجين ..

سيدي إنني هربت من السجن لأبحث عن الحقيقة وإذا سرت معكم إلى مدينتي سيعدمونني أنا أستحق أن أكون أسيرا في أيديكم وهذا عدل أرتضيه ما دمت قد مكثت مع قطاع الطريق رغم أنني لم أشترك قط في مؤامراتهم إلا أنني لا أشعر بالجور مما حدث لي ..

إذا كنتم تريدون أن تفقدوا عبدا من عبيدكم فخذوني معكم ، أما .. قاطعه شيخ القبيلة قائلا : ولماذا دخلت إلى السجن ؟

لأنني قرأت كتب القائلين بإله واحد..

كتب من يا عبد ؟

هل تعرفهم يا سيدي ، همهم الشيخ ونفر من قبيلته بكلام لم يفهمه إلياس ثم قال الشيخ : إذن أنت من الحنفاء

سيدي هل تسمح بفك أغلالي لأذهب إلى خيمتي فآتي بأحد كتبهم لتقرأه ،أمر الشيخ أحدهم فأسرع وأتى بالكتاب ثم أمر بقارئ القبيلة فالشيخ لا يجيد القراءة ولا الكتابة

فقرأ بصوت جهوري :

في بقعة من الأرض مباركة بها البيت الذي يحج الناس إليه سيظهر رسول يخرج الناس من الظلمات إلى النور، وفي هذه البقعة سيكون آخر رسول وخاتم الأنبياء من الله الواحد للعالم أجمع فهو آخر نذير وبشير لهم ، اسمه فيه الحمد .......

اندهش الجميع وبدا عليهم الارتباك وأخذوا ينظرون إلى بعضهم البعض دون أن ينطقوا بحرف واحد ولكن شيخ القبيلة أمر بفك أغلال إلياس ووعده أن ينظر في أمره غدا في الصباح ولكن قبل أن يغادر إلى خيمته سأله شيخ القبيلة : كيف تجيد نطق وقراءة العربية وأنت لست من أهلها ؟

أجاب إلياس إنني منذ الصغر تطوق نفسي إلى الحقيقة وإلى التعلم وفي بلادنا يبدأ الطفل في تعلم القراءة والكتابة إذا بلغ الثامنة ، ولكنني لم أكتف بتعلم لغتي فقط بل تعلمت لغتكم من رجال القوافل الذين كانوا يأتون إلينا أمثالكم بحكم احتكاكي الكبير بهم ولقد علمت من أحدهم أن قليل منكم من يجيد قراءة لغته فعزمت على تعلم القراءة عندما عرض علي أحد اللذين شنقوا قراءة كتابا من كتبهم ، هنا سأله الشيخ عن الذين شنقوا فأخبره إلياس بقصتهم، أراد أحدهم أن يعيد الأغلال في يده ولكن الشيخ نهره وأمر عبده الجديد أن ينصرف ..

عادت النظرات الزائغة إلى أبصارهم من جديد من هذا الرسول القادم ؟ الذي سيخرجنا من الظلمات إلى النور نحن أهل مكة أهل البيت الذي يحج إليه الناس ، من يا ترى منا سيكون رسول ؟ هكذا حدثتهم أنفسهم دون أن ينطق أحدهم بكلمه إلا أن سيد القبيلة قطع صمتهم قائلا : ما ذا تقولون في هذا الأمر ؟ أشيروا علي ؟

نقتل العبد ونحرق الكتاب ونرتاح ..

قال آخر معلقا على كلامه : وهل سنرتاح بعد اليوم وهل سنرتاح إذا حرق الكتاب وقتل العبد ...

قال الأعمى : ننتظر الرسول الجديد وننظر ماذا يريد ؟

]تبع ...

تم تعديل بواسطة اسامة يس
رابط هذا التعليق
شارك

انشئ حساب جديد أو قم بتسجيل دخولك لتتمكن من إضافة تعليق جديد

يجب ان تكون عضوا لدينا لتتمكن من التعليق

انشئ حساب جديد

سجل حسابك الجديد لدينا في الموقع بمنتهي السهوله .

سجل حساب جديد

تسجيل دخول

هل تمتلك حساب بالفعل؟ سجل دخولك من هنا.

سجل دخولك الان
  • المتواجدون الآن   0 أعضاء متواجدين الان

    • لا يوجد أعضاء مسجلون يتصفحون هذه الصفحة
×
×
  • أضف...