اذهب إلى المحتوى
محاورات المصريين

شروع في تمرد


Sherief AbdelWahab

Recommended Posts

لسنوات طويلة ، عاش "ماهر" حياته كلها أشبه بمدافع ، بل بحارس مرمى ، فقد كان يتلقى سيلاً من الانتقادات والنصائح والأوامر من كل ممن حوله ، غير متيحين له مجرد متنفس للرد أو الدفاع أو لالتقاط الأنفاس..

في البداية فكر مراراً في معرفة السبب ، لكن مع استمرار هذا الطوفان أقر بأن مجرد التفكير في سببه ترف لم يعد يملكه..

فكر في إرضاء من حوله ، أرضى أهله أولاً بقبول وظيفة لا يفهمها ولا يحبها .. فقط لأن أهله لا يريدون إحراج الموظف الكبير الذي توسط من أجلها .. وأرضى ذلك الموظف الذي يعمل تحت إمرته بالطاعة العمياء وبربط الحمار حيث يريد صاحبه ، حتى مع رفضه العميق لتلك الفلسفة ، وأرضى الاثنين معاً بالاقتران بفتاة سليطة اللسان خاوية العقل فقط لأنها قريبة لذلك الموظف الكبير ، وحاول إرضاء تلك الفتاة بدورها بأن يغير من مظهره ، وطريقة كلامه ، رغم اقتناعه بأن فاقد الشيء لا يعطيه.. كل تلك المحاولات ذهبت ، وتذهب ، ويبدو أنها ستذهب أدراج الرياح.. "مافيش فايدة".

ذلك اليوم ، عاد للمنزل بعد يوم عمل حارق للأعصاب ، تبادل حواراً قصيراً "مقطوماً" مع أهله ، يعلم أنه سيسمع الدش المعتاد ، قائمة النصائح التي كان يكتب مثلها على كراسات التلاميذ قبل عقود طويلة من الزمان!..

غرفته .. المتنفس الوحيد له ، والتي خلت له بعد زواج شقيقه الأكبر وسفر الأصغر للعمل في بلد عربي..ومنذ ذلك الحين وهي كهفه الذي يأوي إليه.. حتى وهو يسمع صدى هدير الكلام الذي يضرب جدران أذنه ليل نهار..

اتجه إلى المرآة أول الأمر ، ليخلع رباط عنقه الخانق البشع الذوق ، نظر فيها وهو يحاول خلعها .. لترتج أعماقه بصدى صوت:

"ارتدي هذه الربطة يا أحمق ، ألا تخجل من نفسك ، شاب في الخامسة والعشرين ولا يرتدي رباط عنق وهو ذاهب إلى العمل؟"

قال في نفسه:

-لا أعرف ما سيزيدني أوسينتقص مني إذا ما شنقت نفسي بقطعة قماش قبيحة رديئة المنظر كهذه..

بالكاد وسع رباط العنق ، ليخرجه من رقبته بصعوبة شديدة ، لينتكش شعره ، ليسمع صوتاً آخر:

"إلى م ستبقى هكذا غير مهندم وغير مهتم بمظهرك ، أليس هناك مشط في جيبك يا هذا؟"..

رد في نفسه بغضب:

-بلى هناك مشط ، ومنذ ما سمعت هذه الترهات وأنا لا أتركه ولا يتركني.. وأمشط به شعري آناء الليل وأطراف النهار .. حتى عندما حلقته "زيرو" أيام الجيش.. وعندما مشطت شعري "الزيرو" وقتئذ سمعتكم تقولون لي "برافو عليك"!..

هز رأسه في تململ..فتش جيوب جاكيت البذلة التي يرتديها.. وتذكر أخيراً حرارة البذلة الصوف في نهار أغسطس .. وألقى بجاكيت البذلة بكل قرف على السرير.. قبل أن يرتد الصوت القديم إلى أعماقه:

"ولد شقي ومهمل ، ألا تخجل من نفسك عندما تلقي ببذلة ثمنها كذا وكذا على السرير؟"

-وهل يستحق ذلك العمل اللعين بذلة ، إنها مجرد مؤسسة حمقاء فاشلة في عملها ولا تملك من حطام الدنيا سوى مجرد مقر كبير على النيل ، أشبه بمقهى يحل فيه السادة الموظفون الكلمات المتقاطعة ، بينما أتحمل كل عبء العمل بمفردي وبلا تقدير ، فرئيسي الوغد يتلقى الآلاف كل شهر بينما أنتزع أنا مائة وخمسين جنيهاً بخلع الضروس ، كما أن هناك اختراع اسمه بذل صيفية بدلاً من التلظي بشيء كهذا في ذروة الحر.. وبما أن مرتبي محدود فمن المفترض أن يساعدني على ذلك أهلي الذين هم أحرص على مظهري مني..

زفر في غضب .. ونظر للأرض ، فوجد بعض النقود قد سقطت من جيب الجاكيت على الأرضية .. ومعها نفس الصدى..

"أنت الآن رجل "ملو هدومك" .. وعليك أن تظهر ذلك لأهل خطيبتك ، أخرج قليلاً من "تحت البلاطة" لتشتري بها هدايا لوالدة خطيبتك ، فضلاً عن هدية خفيفة لها"..

-بلاطة؟ .. هل يوجد لدي بلاطة أصلاً حتى تسألونني ما تحتها؟ .. كل ما يرد لهذا الجيب بعد عناء شهر من العمل يذهب إلى خطيبتي وأهلها (غير) الأكارم ، كما لو كانوا فتوات يتقاضون من العبد الفقير إتاوة نهاية كل شهر!

التقط تلك النقود ، ووضعها في جيب الجاكيت ، وذهب لتعليقه على الشماعة ، ونظر في يده للحظة ، ليجد الصدى اللعين يعاود الظهور:

"ألا تغسل يديك يا هذا؟"..

-ألا أغسلها؟ .. بل متى لا أغسلها؟ أنا أغسل يدي قبل الأكل وبعد الأكل وفي العمل وقبل النوم وبعد النوم ، سبعاً وعشرين مرة في اليوم والليلة تقريباً ، لقد أصبحت موسوساً بشدة في هذا الأمر لحدٍ جعل مني مضحكة أمام من يساوي ومن لا.. الرحمة..

علق الجاكيت .. لتذهب عيناه تلقاء زجاجة اسبراي ..

"هذا الاسبراي يبدو أظرف ، علبته جميلة المنظر وتستأهل شاباً مثلك"..

-أسميتيه اسبراي يا حمقاء الزمان ، إنه أقرب للمبيد الحشري ، ولا يمكن لفتاة عاقلة يفترض أنها خطيبتي – وأنا فعلياً مخطوب لها- أن تختار لي زجاجة اسبراي لمجرد شكلها ، فيفترض والله أعلم أن ما بداخلها له رائحة يشتريها الناس من أجلها.. تلك الحمقاء لا تعرف حتى قائمة الأشياء التي لدي حساسية ضدها ، وليست على استعداد لتصديق تلك القائمة حتى لو أشهدت عليها طبيبي المعالج!..

أمام تلك الثواني الخانقة .. لم يكن أمامه سوى أن يلتفت داخل الغرفة ، لتقع عيناه أخيراً على الشيء الوحيد الذي يحبه في هذه الغرفة .. الكمان..

كمان قديم ، كان جده يحتفظ به ، فحسب ما سمع أنه كان يعزف عليه وقت الفراغ ، ويقال أنه كان ماهراً في العزف.. هذا الكمان استعاده من فيلا جده التي أخليت بعد وفاته ، لحسن حظ "ماهر" أنه يجيد العزف عليه إلى حد ضعيف..

امتدت يده إلى الكمان ، والأخرى إلى القوس في تلهف ، قبل أن يرتد الصدى من جديد:

"أوقف العزف على هذا الشيء أيها المختل!"

تردد بعض الشيء ، قبل أن يرتد الصدى بصوت أعلى:

"أوقف العزف على هذا الشيء أيها المختل!"..

أسند رقبة الكمان تحت ذقنه في ارتعاش..والصدى يرتد بصوت أعلى وأعلى:

"أوقف العزف على هذا الشيء أيها المختل!"..

يصر على العزف مهما علا الصدى..يحاول السيطرة على رقبة الكمان تحت ذقنه .ترتعش يمناه على الأوتار ، يحاول الضغط على أماكن الأوتار على مشط الكمان ..أما يسراه فتعتصر القوس الذي يرتج بين أصابعها ..يحاول انتزاع نغمة من الكمان كمن ينتزع مسماراً من حائط بيديه العاريتين.. الكمان كله ينتفض بين يديه.. والصدى يعلو ويعلو..

"أيها المختل!".."أيها المختل!"..

تنزلق يده بالقوس على وتر من أوتار الكمان بحركة عصبية ، فيتمزق الوتر .. ونظر في ذهول ..

-رباه.. ماذا فعلت؟

انتفض جسمه .. وانفلت جسم الكمان من يده ، فارتطم بالأرضية وانكسر ..

نزل على الأرض في حزن وذهول شديدين ، ناظراً في يأس إلى الكمان المكسور على أرضية الغرفة .. مخفياً وجهه بين يديه في حزن وإحباط .. دقائق كاملة قبل أن يحمله في تثاقل ويدخله إلى درج مكتبه..ويجلس على كرسيه .. في استسلام.

خلص الكلام

Sherief El Ghandour<br /><br />a furious Egyptian

رابط هذا التعليق
شارك

لا يمكن ان يخلص الكلام بهذه الطريقة

رائع سيدى الفاضل

وصفية دقيقة لملامح بقايا انسان

شائهة

مستسلمة

ضعيفة

لكنها فى مكان ما منها بشر رغم .............

::::::::مخفياً وجهه بين يديه في حزن وإحباط .. دقائق كاملة قبل أن يحمله في تثاقل ويدخله إلى درج مكتبه..ويجلس على كرسيه .. في استسلام:::::::::::::

كم ابدعت فى سرد احباطاته المتكررة وتسربها الى ذاته الى ان اصبحت منه

حتى القديم

الغالى

انيس وحدته الوحيد

سرق منه تحطم امام صياح وتهديد ووعيد

هل يمكن حقا ان تنسل منا انفسنا هكذا

هل نملك حقا اختياراتنا ام ان إرضاء الآخرين يسلبنا إياها؟؟؟؟

اشكرك على التساؤل

واشكرك على الاجابات

دمت مبدعا

البنت المصريه

عندما تشرق عيناك بإبتسامة سعادة

يسكننى الفرح

فمنك صباحاتى

يا ارق اطلالة لفجرى الجديد

MADAMAMA

يكفينى من حبك انه......يملأ دنياى ....ويكفينى

يا لحظا من عمرى الآنى.....والآت بعمرك يطوينى

يكفينى .....انك........................تكفينى

رابط هذا التعليق
شارك

العزيزة بنت مصرية:شاكر لك جداً قراءتك لقصتي المتواضعة :D ، وفي انتظار آراء باقي الزملاء الأعزاء..

خلص الكلام

Sherief El Ghandour<br /><br />a furious Egyptian

رابط هذا التعليق
شارك

انشئ حساب جديد أو قم بتسجيل دخولك لتتمكن من إضافة تعليق جديد

يجب ان تكون عضوا لدينا لتتمكن من التعليق

انشئ حساب جديد

سجل حسابك الجديد لدينا في الموقع بمنتهي السهوله .

سجل حساب جديد

تسجيل دخول

هل تمتلك حساب بالفعل؟ سجل دخولك من هنا.

سجل دخولك الان
  • المتواجدون الآن   0 أعضاء متواجدين الان

    • لا يوجد أعضاء مسجلون يتصفحون هذه الصفحة
  • الموضوعات المشابهه

    • 0
      تمرد إنه في يومنا هذا قامت معركة ضاريه في اعماق  الآنسه معدة وعليه كان ولا بد من تدخل  قوات عسكريه صارمه -لا تخضع للحلول السلميه ولا تنحني للتهديدات -لفض.الاشتباك  وقد إشترك في وقف  العراك عقيد طبيب.. ملازم أول محلول جلوكوز.. ملازم  ثاني سرنجة..مأمور  قسم مسكن آلآم المعدة..بالإضافة إلى ضباط وصف من الفيتامينات اللازمة للدعم وقد قام  الفريق بعمله على أكمل وجه وعاد إلى قواعده  رافعاً راية النصر ..هذا ونعلنلكم أن مانرمي إليه هو مايقال عنه حرفياً (حتى مصارين البطن بتتعارك)   6/9/202
    • 1
      البس يا بتاع 30/6عاجل : النائب العام يامر بفتح ملف قضية يتهم تمرد باثارة الفوضى ف الشارع ويشككون فى نزاهة القضاء.. تمرد : والملاحة والملاحة . . سمعك يالى بتقولى عايز المصدر اهاااااااااااااااا عايز المصدر ااااااااااااااهاا أااادى مصدر http://www.almasryalyoum.com/node/2054346 تاخد مصدر تانى http://almogaz.com/news/politics/2013/08/22/1061962 وادى مصدر تانى http://www.shorouknews.com/news/view.aspx?cdate=22082013&id=db2f23a4-9ff9-4c07-930a-2d894a54c7e5 ااستنى لا خود مصدر تانى http
    • 6
      http://www.youtube.com/watch?v=H547pw8YOeI
    • 4
      يتبادل النشطاء علي تويتر اخبار عن تمرد واسع علي تويتر داخل السجن الحربي وسماع اصوات طلقات نارية وتوجه عدد كبير من الشرطة العسكرية نحو السجن الحربي الآن !!!
    • 4
      لست أنا لا أعرفني من أكون؟ لم أعد أدري أشعر أني أشاهد مخلوقة أخرى غريبة عني من أكون؟ من يكتب كلماتي روحي نفسي عقلي جسدي من أكون فيهم؟؟ أين أسكن؟؟ لماذا أخاف مني؟؟ أحيانا انظر في مرآتي فأخاف من صورتي تفكير تأملات فلسفة تعبير سئمت مللت أريد أن أتوقف لا أستطيع مخنوقة أريد التنفس تزدحم الأفكار في رأسي و لكن أشعر أن كل شيء فقد معناه بلا معنى ما قيمة أي شيء ما قيمتي؟ هل تتحدد بمدى نفعى؟ آه لقد بدأتي الفلسفة ارحميني قلت لا أريد التفكير ماذا تريدين إذن؟؟؟ أحتاج لل
×
×
  • أضف...