محمود تركى بتاريخ: 19 أكتوبر 2013 تقديم بلاغ مشاركة بتاريخ: 19 أكتوبر 2013 عظمة القانون فى العصر الفرعونى , و الآن, هل تقدمنا؟, أم تخلفنا؟. الزملاء الأعزاء, كان طلبة كليات الحقوق فى مصر( على أيامى) يدرسون تاريخ القانون المصرى القديم, كما كانوا يدرسون بعض مبادئ القانون الرومانى, و قليل جدا ما يعرفونه عن القانون الإنجليزى المستمد من العرف و أحكام المحاكم , و يسمى(Common Law ).. و متى إنتهت فترة دراسة طالب الحقوق, و مارس المحاماة او أية مهنة أخرى, تنتهى صلته بهذه الدراسة, و لا يعود إليها إلا إذا كان يُحضّر لشهادة الماجيستير أو الدكتوراة. و بعد الحصول على هذه المؤهلات, تذهب كل هذه المعلومات إلى الردهات الخلفية من العقل, فقد أدت مهمتها, و آن أوان نسيانها. هذا التجاهل لتاريخ قوانينا ليس معروفا فى الغرب, بل أن الدراسات التى تتعلق بتاريخ القوانين هى من أنشط الدراسات, و يستفيد منها دارس القانون, و دارس التاريخ, لأن دراسة تاريخ قانون حضارة ما توضح مدى تقدم أو تأخر هذه الحضارة , و بالتالى, المجتمعات. و الدارس فى تاريخ قانوننا القديم سوف يشعر بفخر يزيد عن فخره بحضارتنا القديمة التى تتمثل فى ثماثيل و معابد, و آثار. إن تاريخ القانون الفرعونى يُوضّح أن مصر كانت الرائدة فى مجال تمجيد و احترام القانون, وهو ما نفتقده الآن, و أن كثيرا من المبادئ القانونية التى يلتزم بها القانون المعاصر هى إقتداء, و امتداد للقانون المصرى القديم. و إهتمامى بالقانون المصرى أرجعه إلى الدكاترة شفيق شحاته ( صاحب عدة شهادات دكتوراة), رحمه الله, الذى كانت محاضراته فى تاريخ القانون هى فاكهة تتصدر المواد المملة الأخرى التى كنا ندرسها وقتئذ.و تذكرت الدكتور شفيق شحاتة عندما إهتممت بتاريخ قوانين أخرى قديمة, و منها القانون العمومى الإنجليزىCommon Law ( الذى تتم الاشارة إليه فى الدراسات العربية بمصطلح " القانون العرفى"), الذى تخصصت فى تدريس تاريخه و فلسفته. و أثناء إعداد رسالة الدكتوراة, عدت إلى قراءة مؤلفات الدكتور شفيق شحاتة المترجمة إلى اللغة الإنجليزية, و كانت هذه الكتب ضمن المراجع التى تضمنتها الرسالة. فقد كانت القوانين الفرعونية أكثر عراقة من القانون الإنجليزى الذى بدأت نهضته بعد غزو النورماند ( الفرنسيين) لإنجلترا عام 1066. فالقانون العرفى الإنجليزى كانت بدايته تجميع للعادات و التقاليد المختلفة التى كانت تسود المجتمعات التى تكونت منها إنجلترا على مر العصور, بينما كان قانوننا المصرى القديم قانونا متكاملا منذ البداية, و إن اختلفت مصادر تقنينه. و يعتبر القانون المصرى الفرعونى من أقدم القوانين فى العالم, فقد تبلور فور توحيد شُقّى مصر تحت حكم الملك مينا ( حوالى عام 2929 قبل الميلاد), و تطور و نما حتى تاريخ الغزو و إلإحتلال الرومانى( عام 30 قبل الميلاد), و قد إستمرت النهضة القانونية الفرعونية لمدة أطول من أى من الحضارات الأخرى, فحتى بعد الإحتلال الرومانى, إستمر تطبيق القانون الفرعونى فى المناطق الخارجة عن المدن, التى كان تواجد الرومان بها مُركّزا.و لم يتم حفظ كل القوانين الفرعونية الرسمية و لكن التاريخ يشير إلى بعض الفراعنة " خالقو القوانين" و منهم الفرعون " بوخوريس " (القرن السابع قبل الميلاد) و بعد القرن السابع قبل الميلاد, عندما بدأ استعمال أحد النمط الكتابية الهيروغلوفية الأكثر شعبية و المسمى : “ Demotic Language” إستلزم القانون ( حينئذ) إستعمال المستندات و الحجج المكتوبة عند إجراء التعاقدات, و الإتفاقات, حتى يمكن إثبات الحقوق, و إمكان المطالبة بها, و هذا بدلا من الطريقة التى كانت متبعة فى ذلك الوقت, وهى التعاقد الشفوى . و قد كانت هذه العقود و الحجج هى التى بينت مدى تقدم القانون الفرعونى ( أو المصرى القديم) على بقية قوانين الحضارات الأخرى فى ذلك الوقت. كان الحَكم الأخير فى الأمور القانونية هو الفرعون نفسه, الذى كانت قراراته هى بمثابة حكم نهائى غير قابل للطعن.و لكن وقت الفرعون لم يكن يسمح له بالنظر فى كل المنازعات, لذا, أوكل هذا الاختصاص لبعض حكام المديريات, و موظفين عموميين آخرين. و قد تكرر ( بعد عدة قرون ) إتباع هذا النمط من التوكيل أثناء الحكم الرومانى, و أثناء تطور القانون الإنجليزى ( الذى بدأ عام 1066), حيث أوكل الحكام النرومانديين, و الملوك الإنجليز (بعد ذلك) إلى بعض كبار رجال الدولة, فى النظر فى المنازعات. و قد شارك " الوزير" فى سلطات الفرعون, حيث كانت فى يده مقاليد الإدارة الحكومية,كما كان يجلس على منصة القضاء, و يصدر أحكاما. و نظرا لتزايد هذه الواجبات, فإن الوزير أعطى بعض سلطاته القضائية, ( كما فعل الملك قبلا منه ), إلى بعض المسئولين الذين تم تعيينهم كقضاة لحل المنازعات القضائية و كانت قواعد الإجراءات وقتها تتطلب من " المدعى" أو " صاحب الحق" أن يتقدم بشكوى إلى الجهة القضائية المختصة. و كانت مهمة هذه الجهة هى أن تأمر المدعى عليه بالحضور أمام المحكمة, متى كانت هناك نقاط قانونية تستلزم الإيضاح. و كانت كل محكمة مجهزة بكاتب يشبه كاتب الجلسة فى محاكمنا الحالية , الذى بعد هذه الآلاف من السنوات مازال يكتب بخط يده, مكررا ما يفعله الفلاح الآن , حيث يحرث الأرض الزراعية بالمحراث الذى يجره الثور أو أية دابة أخرى. كانت مهمة هؤلاء " الكتبة" هى إمداد أطراف النزاع بالمعلومات اللازمة لبدأ الإجراءات. و لكن يلاحظ أنه فى تلك الأوقات, لم يوجد من يمثل طرفى النزاع( أى محامى), بل كان على كل من المدعى, و المدعى عليه أن يقوم بمهمة شرح وجهة نظره. و سمح النظام لكل من طرفى النزاع بأن يُحضر إلى المحكمة جميع الأدلة التى تؤيد حقه, سواء أكانت أدلة فى شكل شهادة شهود, أو أدلة مادية, فى شكل محررات أو مستندات بردية. و كان القاضى يحكم بناءا على المستندات , التى كان لها وقتئذ ثقل يفوق ثقل شهادة الشهود. ( هذه القاعدة مازالت من أقوى وسائل الإثبات فى العصر الحالى) و كان الحُكم يتضمن توصيات بالمحافظة على المستندات الخطية ( على البردية), الخاصة بطرفى النزاع, و تسجيل كامل لما يحدث فى الجلسة. و قد كان هذا هو سبب تمكننا حاليا من فهم ماذا كان يحدث فى المحاكم وقتئذ. و رغم أن قوانين الإرث فى العصر القديم قد كانت تسمح للإبن البكر الذكر بالحصول على كل التركة, إلا أن هناك من البرديات ما يفيد أن التركة كان يمكن إقتسامها بالتساوى بين الأبناء, ذكور و إناث. و حتى , عندما لم توجد وصية بتقسيم التركة, فإن حق الإبن البكر لم يبتلع كل التركة, بل أجاز القانون تخصيص جزء منها لبقية الأشقاء, ذكورا و إناثا. و كان يمكن الالتفاف حول قوانين الإرث التقليدية, بأن يكتب الأب مثلا وثيقة يعطى فيها للإبنة المفضلة حقا أكثر من حقها طبقا للقانون. ( و هذا هو المبدأ المستعمل حاليا فى قوانين الوصايا المتبع فى جميع الأنظمة الحديثة, بما فيها الشريعة الإسلامية) و يستخلص من القليل الذى تم ذكره أن الذكر و الأنثى قد تمتعا بحقوق متساوية تحت مظلة القوانين الفرعونية القديمة, التى سمحت للنساء أن يصبحن حكاما للدولة, و الأمثلة كثيرة. و فضلا عن حق النساء فى امتلاك الأشياء و العقارات, فإنهن كان لهن الحق فى منح الهبات, و ترك وصايا, كما أعطى القانون للنساء الحق فى رفع القضايا ( حق التقاضى )و الشهادة أمام المحاكم بدون حاجة لاستئذان الأب أو الزوج. و حتى العبيد, كان لهم الحق فى التملك بشروط معينة. كانت عقود الإتـفاقات يتم التعامل معها تماما كعقود تبادل المكية, فاتفاقية تأجير " عبد" مثلا, كانت تعتبر أيضا اتفاقا لنقل ملكية " العبد" لفترة معينة, و كانت المقايضة هى إحد وسائل التعامل( البيع و الشراء), و لكن بدلا من إستبدال سلعة بنقد, ثم إستبدال النقد بسلعة أخرى, فقد ساعدت " المقايضة" على إختصار الوقت فى كثير من المعاملات التجارية. كذلك كانت العمالة تتم بالمقايضة, حيث يعمل العامل مقابل الطعام مثلا, أو مقابل مزايا أخرى, مثل السكن. و كان يُسمح للأفراد وضع شروط خاصة فى الاتفاقيات, مثل ضمان جودة السلعة, أو ضمان صحة " العبد" و قدرته على تحمل مشاق العمل. و قد إستلزم القضاء الجنائى خلق تشكيل هرمى للجرائم, و ذلك تبعا لخطورتها, أو لجسامتها, أو لضررها. و لكن أفظع و أخطر الجرائم كنت تُعرض على الفرعون وحده, الذى كان يساعده الوزير فى جمع الأدلة, و سؤال الشهود. ومتى أتم الوزير هذه المهام, يُحيل القضية مرة أخرى إلى الفرعون ليقضى فيها. وفى بعض الحالات, كان الفرعون يُكوّن هيئات خاصة لمحاكمة أنواع معينة من الجرائم, و كان يفوض هذه الهيئات, أو الأشخاص, فى القيام بالأعمال التمهيدية, و محاكمة المتهم, ثم توقيع العقاب المناسب, الذى كان يأخذ أحد الأشكال الآتية: الإعدام بتر أعضاء من الجسم ( مثل قطع يد السارق فى الشريعة الإسلامية) و الجلد فى الجرائم الأقل خطورة. و رغم أن العقوبات فى مصر القديمة كانت قاسية, بل " بربرية" بالمنظور الحديث, إلا أن القوانين الفرعونية كانت سخية فى حماية حقوق الإنسان المصرى. و قد إهتم الفرعون" بوخوريس" بحقوق المواطن المصرى, فقد كانت معظم تشريعاته تهدف إلى حماية هذه الحقوق. كما أوقف عقوبة الحبس للفشل فى سداد الديون, و أحدث تعديلات فى قوانين نقل الملكية. و كانت إبتكارات الملك " بوخوريس" القانونية هى السبب فى أن يحضر إلى مصر المشرع القانونى اليونانى " سولون" ( القرن السادس قبل الميلاد), لكى يقتبس من قوانينها للإضافة إلى القوانين التى أصدرها فى" أثينا" . و استمر تأثير القانون المصرى القديم على القانون اليونانى خلال فترة الإزدهار الإغريقى, كما وضح نفوذ إبتكارات " بوخوريس " على القانون الرومانى الذى مازالت مبادئه ذات نفوذ على القوانين الحديثة. تقبلوا التحية مع تحيات محمود تركى..... "متفرج" سابقا رابط هذا التعليق شارك المزيد من خيارات المشاركة
Recommended Posts
انشئ حساب جديد أو قم بتسجيل دخولك لتتمكن من إضافة تعليق جديد
يجب ان تكون عضوا لدينا لتتمكن من التعليق
انشئ حساب جديد
سجل حسابك الجديد لدينا في الموقع بمنتهي السهوله .
سجل حساب جديدتسجيل دخول
هل تمتلك حساب بالفعل؟ سجل دخولك من هنا.
سجل دخولك الان