منافذ الشعراء !

[ابو خليل]

يا لعبقريتهم !

بالفعل لا يمكننا إلا الاعتراف بأن الشعر ديوان العرب .. سطروا فيه امجادهم و ألامهم .. أطلالهم و ووصفهم ..

ومن بين عيون الشعر العربي اخترت هذه الأبيات .. لأحللها تحليلا متواضعا ..

إنها أبيات عربية رائعة .. بقيت في ذاكرتي ... لجمالها .. ولطالما تعجبت ..

كيف وصولوا لهذه ( المنافذ ) العجيبة من الصور والكلمات والتراكيب ..

وهم الذي عاشوا في بيئة كلها رمال و قطح وجدب !! و حروب وقبلية ‍‍‍‍!!

كيف نفذوا الي هذه المنافذ الرائعة ‍‍‍‍‍‍‍

فلتسمحوا لي أن اعرض عرضا بسيطا متواضعا .. لمنافذ الشعراء العرب ..

[ابو خليل]

1- جًننا بليلي وليلي جًنت بغيرنا وغيرها بنا مجنون

هذا البيت يمكنك أن تراه في اعيدت صياغته في في مسلسل عربي لاكثر من ثلاثون حلقة!! !!!!

ولكن الشاعر المبدع صاغه في بيت شعري واحد ..

البيت يحكي ليس قصة واحدة بل مجموعة قصص متداخلة ! في بيت واحد !

-الشاعر المسكين المحب قد جن بحب (ليلى ) !

- وليلي الجميلة لا تحس به .. بل هي تحب شخص أخر ! وربما كان هذا الشخص لا يحسب بحبها !

-وثمة فتاة أخرى لا تقل بؤسا .. عن شاعرنا وعن ليلى .. هذه الفتاة المسكينة قد جنت بحب شاعرنا الذي لا يحس بها ... !!

إنها دائرة رائعة التصوير من المحبين المعذبين بسبب الحب من طرف واحد !!!

و قد صاغه الشاعر في ايجاز شديد الإتقان .. ليصور لنا كيف ان الثلاثة معذبين بحيهم مع أطراف لا تحس بحبهم ...

وبدأ الشاعر البيت بنفسه ( جننا ) ، ثم ختمه بنفسه أيضا ( بنا )

وكأنه أراد أن يغلق الدائرة .. لتبدو الأمور كدورة الحياة .. لا تنتهي .. مستمرة .. بلا حل !!

ولنواصل منافذ الشعراء العرب

[ابو خليل]

2- نظرت إلىّ بحاجة لم تقضها .. نظر المريض الي وجوه العودُ

البيت للنابغة الذبياني . وقيل ان المنخل البشكري (دسه) علي النابغة في القصيدة الشهرية ( المتجردة ) حقدا منه علي الصداقة التي جمعت النابغة بالنعمان بن المنذر

تلك القصيدة التي كانت سببا في غضب النعمان بن المنذر علي النابغة الذبياني ...

والمتجردة هي زوجة النعمان ، وسميت بالمتجردة .. لانها كانت جميلة بالفطرة فلا تستعمل أي كحل أو اصباغ لزيادة جمالها ...فكانت متجردة عن استعمال أي (مساحيق للتجميل )

وعلي العكس كان زوجها الملك الجبار .. النعمان بن المنذر .. حيث كان قصيرا قبيح المنظر ..

وسبب القصيدة الشهيرة ... أن النابغة شاهد مصادفة .. المتجردة في قصر النعمان ، فلما رأته اضطربت وسقط نصيفها (غطاء الراس ) فظهرت بكامل فتنتها .. فنظرت له وهي الزوجة الجميلة التي ابتلاها الله بزوج كهل قبيح المنظر قاس الطباع .. نظرت له ... ثم التقتت نصيفيها من علي الأرض و اسرعت بالإنصراف !

فانشد الشاعر هذه القصيدة .. الخالدة

وبعد أن عرضت لجو القصيدة ..

اأتي للبيت الذي اعجبني ..

نظرت إلى بحاجة لم تقضها .. نظر المريض الي وجود العود

فالسيدة الجميلة التي تعاني من قبح زوجها و فضاضته .. لما رات النابغة .. في القصر نظرت له نظرة ذات مغزى ...

وفي هذا البيت يحلل الشاعر البدوي هذه النظرة .. بمنتهى الأناقة ..

فلا يصفها وصفا تقليديا ..بانها مثلا نظرة ساحرة .. نظرة كالسهم .. كشعاع الشمس ...

بل علي العكس وصفها بوصف يبعد كل البعد عن الجمال والأناقة ...

وصفها بنظرة من ينتظر الموت !!!!!

فيقول انها نظرة تكاد تنطق بالإنكسار النفسي الذي تعانيه هذه المرأة الجميلة مع زوجها الذي تكرهه..

وكأنها عندما رأت الشاعر الشاب .. اعجبت به وتمنته لنفسها ..

إنها نظرة المريض الذي لا يقوى علي التحدث .. وقد جاء من يزوره ..

فصار ينظر اليهم في يأس وهو ينتظر الموت .. ولا يكاد يقوى علي التكلم .. يريد

ان يشكو لهم ألامه .. ولا يستطيع .. يريد أن يرفع يده يلمسهم .. ولكنه لا يقوى !

فلقد اقعده المرض ..

وهكذا هذه المرأة .. فعفافها وأخلاقها و بطش زوجها .. يمنعانها من تخون زوجها .. أو تهرب منه .. فقط لم تستطع سوى هذه النظرة الرهيبة البائسة ...

ولنكمل قريبا منافذ الشعراء ....

[ابو خليل]

3- أحبها وتحبني وتحب ناقتها بعيري !

كثيرون من (اجتهدوا ) في وصف مقدار عشقهم !

كثيرون من شبهوا حبهم بالبحر والسماء والقمر ..

ولكن جاء هذا العربي البدوي .. بمعنى في غاية الحداثة والروعة ..

فحبه لحبيبته تجاوز حدودهما ...

حتى أنه الناقة التي تتهودج عليها حبيبته

صارت تحب البعير (الجمل ) الذي يمتطيه فارسنا !!

وكأن من تكرار لقاء العاشقين ( مستخدمين وسائل النقل المتاحة في هذه العصور : الناقة والجمل والحصان ) ... صار الجمل والناقة أيضا حبيبان ...

وكأن كل ما حول العاشقين صار أيضا عاشق ..

حتى البعير !!!