اذهب إلى المحتوى
محاورات المصريين

طبيعة التحولات التي أحدثتها كفاية في المجتمع


mb14

Recommended Posts

محمد عبدالحكم دياب-القدس العربى

فاق معدل تسارع الأحداث السياسية الداخلية في مصر تصور وخيال أكثر المراقبين تفاؤلا أو تشاؤما، فلا يمر يوم حتي تتشكل جماعة جديدة، فئوية أو سياسية، وكلها ليست معارضة بالمعني التقليدي، إنما رافضة لاستمرار الحكم الحالي، ورغم قلق بعض القوي من عملية التوالد هذه إلا أن هذا القلق يتبدد اذا ما نظرنا إلي عمق الأشياء، فمن موات سياسي قاتل، وفراغ قيادي مربك، وإنتهاءًً بتكريس الجهود لتنفيذ مخطط التوريث والاستجابة لعُقَد الشبق السياسي ، بكل انعكاساته علي احتكار السلطة والثروة والنفوذ، و اختطاف عائلة الرئيس حسني مبارك للدولة، بعد فترة، طالت لأكثر من ربع قرن، من الطبيعي أن تكون ظاهرة التوالد بهذا الاتساع.

وعلينا أن نرصد بدقة ما أحدثته الحركة المصرية من أجل التغيير كفاية من تحولات، قد لا يكون لها تأثيرها المباشر الآن، أو لعدة شهور وسنوات قادمة، فـ كفاية أتاحت الفرصة أمام الطبقة الوسطي لاستعادة دورها، بعد أن كانت مستهدفة بالتصفية من نظام الرئيس حسني مبارك وعائلته وحلفه، المكون من رجال مال وأعمال ووكلاء احتكارات عالمية، أُهملت الطبقة الوسطي بشكل متعمد، ودمرت معها الطبقات المنتجة.. الفلاحون والعمال، وقضي علي دورها وتأثيرها الاجتماعي، وانتزعت الرأسمالية الوطنية ، المكونة من أرباب الصناعات الصغيرة والمتوسطة، وأصحاب محلات ومتاجر التجزئة، والحرفيين وصغار الكسبة، انتزعت من بين أحضان الطبقة الوسطي، لتأخذ وجها تابعا وملحقا علي الاحتكارات الأجنبية، ما كان لها أن تقبل به. وترتب علي ذلك تصفية الانتاج الوطني والنشاط الاقتصادي العام، وقد تولي الرئيس حسني مبارك ربط كل هذه القطاعات بالاحتكارات الأجنبية، الأمريكية والصهيونية تحديدا، وإعادة الاعتبار للطبقة الوسطي وباقي الطبقات المنتجة، هو المدخل الذي يعيد للمجتمع المصري توازنه وفعاليته.

كان ذلك هو التحول الأول، أما التحول الثاني تمثل في هدم جدار الخوف الذي أقامه حسني مبارك، بالترويع والإهدار الممنهج لكرامة المواطن واستقلال الوطن، ووصل الترويع مداه بتعميم التعذيب المنظم في مراكز الأمن والشرطة، وقد نجح في فرض نوع من المساواة السوداء، إذا جاز التعبير، فلكل نصيبه من التعذيب البشع والوحشي، سواء كان شاكيا أو مشكو في حقه، ومن لم يذهب شهيدا أيام الحروب ذهب شهيد الأقبية ووطأة العتاة والجلادين، الذين انتزعت من قلوبهم الرحمة تماما، رغم هذه البشاعات هدمت كفاية جدار الخوف وازاحته من الطريق.

وكان التحول الثالث هو ذاك الذي جري في الشارع المصري، فبعد مرحلة التأميم التي نجحت فيها جماعة الإخوان المسلمين لهذا الشارع، وأعطت الانطباع بأن لها السيطرة الكاملة عليه وعلي الرأي العام، هذا التأميم تخصخص بلغة العصر الأمريكي الصهيوني، وعن طريق هذه الخصخصة تمكنت الجماعات السياسية، المدنية واليسارية والشبابية والعمالية، وجماعات المرأة، من احتلال مساحة كبيرة من الشارع، فمن جانب انكشف نظام الحكم وظهر أنه مرفوض من جموع الشعب، وليس من الإسلاميين وحدهم، وأحدث هذا حيوية بالغة، بشكل أثر تأثيرا نوعيا علي حركة الإخوان المسلمين، فبعد أن كانت أسيرة نهج المساومة مع الحكومة والأمن، رغم الضربات المتلاحقة، دخلت إلي حلبة المنافسة، ونزلت إلي الشارع تتولي إيصال رسالتها إلي المواطن بنفسها، فطورتها لتتواءم مع سقف مطالب حركة كفاية ، الرافض للتمديد لمبارك والتوريث لإبنه.

واتسع التأثير، فلم يبق قاصرا علي القوي المدنية، ونري مقدمات تشير إلي تجاوز ذلك إلي القوات المسلحة، وهناك تقارير، خاصة جدا، عن تحركات، ذات دلالة، داخل المؤسسة العسكرية. تبلورت من خلالها عدة مطالب، نقلت إلي الرئيس حسني مبارك، وتدور حول التخلي عن الرئاسة، وتقديم رموز الفساد إلي المحاكمة، واسترداد الأموال المهربة للخارج، وهي أموال قدرتها المصادر العسكرية بمئة وخمسين مليار دولار، وإذا كان الوضع قد وصل إلي هذا الحد فإنه يقتضي إعادة النظر في طرق التعامل مع المؤسسة العسكرية المصرية، وذلك بالاعتراف باختلافها عن غيرها في بلدان أخري، فقد كانت سندا للمشروع الوطني منذ عصر محمد علي، وتصدت للهيمنة الأجنبية والاحتلال تحت قيادة أحمد عرابي، ومعه محمود سامي البارودي، رب السيف والقلم، والكاتب عبد الله النديم داعية الثورة والمحرض عليها. ووقفت ضد التسلط العثماني بدور متميز للفريق عزيز علي (المصري)، وشعرت بالطعنة في 4 شباط (فبراير) 1942، يوم حصار القوات البريطانية لقصر عابدين وفرض وزارة النحاس علي الملك، وأيقنت بضرورة التغيير بعد نكبة فلسطين في 1948، وبث البطل أحمد عبد العزيز، الذي استشهد علي أرض فلسطين، في شبابها روح الثورة، فتفجرت سنة 1952، صار رموزها من رموز العمل الوطني والقومي، من عرابي وحتي محمد نجيب وجمال عبد الناصر، وصولا إلي محمد فوزي وعبد المنعم رياض، وسعد الدين الشادلي وعبد الغني الجمسي وعبد المنعم واصل، وغيرهم من أبطال مواجهة النكسة، ورجال حرب الاستنزاف، وصناع نصر اكتوبر الحقيقيين.

وقد يغري الوضع المتردي الذي أحدثه حسني مبارك، والذي قد يؤدي إلي دخول القوات المسلحة إلي حلبة الفعل السياسي، وبداية ليس هناك ما يمنع من دور ضاغط لها من أجل التغيير الوطني، مع التنبه لتأثير عوامل كثيرة مستجدة علي أصعدة محلية وإقليمية ودولية، فظروف ما بعد الحرب العالمية الثانية، واتساع موجة التحرر الوطني اقتضت أن يكون للجيوش دور متقدم في معركة المواجهة مع الاستعمار، وكذا فإن الحرب الباردة اقتضت الاعتماد علي الانقلابات العسكرية للتغيير السياسي والاجتماعي في البلدان المُسْتَعْمَرة، وخاصة التي لم تكن قد شهدت ظهور أحزاب تمارس العصيان المدني، أو الكفاح المسلح ضد المستعمر.. مثل حزب المؤتمر الهندي، أو جبهة التحرير الجزائرية، وبعض أحزاب آسيا وأمريكا اللاتينية. هذه الظروف تغيرت وحلت محلها ظروف جديدة، تعطي الأولوية لتحرير المواطن، وأصبح مطلب الديمقراطية ملحا وضروريا، كمدخل لتوفير الحريات الأخري، وليس كما كان عليه الأمر في خمسينات وستينات القرن الماضي.

والعمل في ظروف أغلق فيها حسني مبارك أبواب الرحمة والتغيير السلمي، وتداول السلطة ديمقراطيا، أمام القوي السياسية المدنية وظهور احتمال إزاحته عن طريق القوات المسلحة، حسب مصادر موثوقة، وكشف أهمية استرداد الأموال المهربة، حيث كان التخيير بين ذلك أو تحمل النتيجة، ومن الواضح أن القوات المسلحة المصرية نظرت إلي تهريب الأموال باعتبارها جريمة ترقي إلي مستوي خيانة الأمانة ، فأموال الشعب وقف عليه وعلي مصالحه، وأي تجاوز لذلك فهو تجاوز يستوجب المساءلة.. مثل هذا العمل يقتضي تقدير دور القوات المسلحة كإضافة إلي قوي التغيير.

وإذا ما استمرت الخيارات في الضيق والمحدودية، واستمر حكم الرئيس حسني مبارك في تشبثه بالسلطة، ومواجهة قوي التغيير بالصلافة والتجبر الزائدين، وفي حالة اضطرار القوات المسلحة لأخذ زمام الأمر بيدها، فعليها أن تتيقن بأن تحصر دورها في نطاق انتقالي لمدة زمنية لا تتجاوز العام، تهيئ فيها البلاد وتنقل السلطة إلي القوي الوطنية، بعد الدعوة لجمعية وطنية لوضع دستور جديد وإعداد المجتمع لانتخابات حرة، تتمخض عن حكومة وطنية نزيهة، تتسلم أمر الحكم بعد ذلك، وقد شاركت بمناقشة هذه القضايا مع أطراف معنية، وكان هناك ما يشبه التسليم، بحاجة مصر، في حالة الضرورة، إلي نموذج متفهم لهذه الأوضاع والظروف، شبيه بالفريق عبد الرحمن سوار الدهب في السودان، الذي سلم السلطة للأحزاب بعد سنة من الحكم العسكري.

والسؤال هو لماذا أوصل الرئيس حسني مبارك الأمور إلي مستوي يستفز القوات المسلحة، وقد يجعلها تمارس أبغض الحلال عسكريا وسياسيا؟ الرئيس مبارك يتحمل المسؤولية الأولي في وصول الأوضاع إلي هذا المستوي، وأضف إلي ذلك دور عائلته الذي زاد الأوضاع تفاقما وسوءا، وقد بدأت طاقة المصريين علي التحمل تنفد تزامنا مع ظهور نية التوريث، وممارسة الألاعيب والحيل لتحقيق ذلك، ومنها مشروع حزب المستقبل الفاشل، والدور اللقيط لجمعية شباب المستقبل، لصاحبها جمال مبارك، التي صارت الجسر الوحيد إلي الشباب، واحتكرت الإعداد السياسي للمسؤولين والوزراء، وانتهي بها الأمر إلي اختطاف الدولة بالكامل، وصارت هي، لا غيرها، جسر العبور إلي النفوذ والحكم والثروة.

نتيجة كل هذا نفد الصبر ولم تعد هناك قدرة لأحد علي التحمل، بما في ذلك القوات المسلحة. والمشكلة أن الموقف قد يصبح أكثر تعقيدا في علاقة القوات المسلحة بالرئيس حسني مبارك، نتيجة الزيارة المرتقبة لكونداليزا رايس للقاهرة، حيث من المتوقع أن تبارك خطوات الإصلاح !!، وتحدد للرئيس حسني مبارك الدور المطلوب منه في خطة غزو سورية، المتوقع تنفيذها خلال شهور قليلة، والثمن هو وعد باسقاط جزء من ديون مصر!

الوصلة

ومن لا يحب صعود الجبال يعش أبد الدهر بين الحفر
رابط هذا التعليق
شارك

  • بعد 5 سنة...

سبحان الله فعلا

مقالة تم كتابتها عام 2005 وعندما تقراها تشعر كما لو كانت توصف مصر وثورتها بعد حدوثها

صحيح أن الكل كان يشعر منذ سنوات أن هناك سيئا ما فى المستقبل سيحدث خصوصا مع تصاعد الغضب الشعبى

لكن أن تأتى مقالة ووتوقع الأحداث بهذه الدقة هو شىء مثير للاعجاب

22a6e3c5-9edb-4f2a-8ffd-d5374f952097.jpg

رابط هذا التعليق
شارك

انشئ حساب جديد أو قم بتسجيل دخولك لتتمكن من إضافة تعليق جديد

يجب ان تكون عضوا لدينا لتتمكن من التعليق

انشئ حساب جديد

سجل حسابك الجديد لدينا في الموقع بمنتهي السهوله .

سجل حساب جديد

تسجيل دخول

هل تمتلك حساب بالفعل؟ سجل دخولك من هنا.

سجل دخولك الان
  • المتواجدون الآن   0 أعضاء متواجدين الان

    • لا يوجد أعضاء مسجلون يتصفحون هذه الصفحة
×
×
  • أضف...