اذهب إلى المحتوى
محاورات المصريين

فوز ملغوم للرئيس مبارك


Recommended Posts

فوز ملغوم للرئيس مبارك
2005/09/10

عبد الباري عطوان
لا نعتقد ان الرئيس حسني مبارك كان يجلس متسمرا امام شاشة التلفزة للتعرف علي نتائج الانتخابات الرئاسية التعددية التي خاضها الي جانب تسعة مرشحين آخرين. فقد كان يعرف مسبقا النتيجة، ونسبة الاصوات، سواء لصالحه، او لصالح خصميه الرئيسيين، من حزب الغد الوليد، او حزب الوفد الهَرِم. فهو او بالاحري رجاله سيقومون بوضع هذه النسب بغض النظر عن صناديق الاقتراع.
انتخابات جاءت بلا مفاجآت، وخالية من اية اثارة، ولهذا كان الاقبال عليها ضعيفا، مما يعكس مزاج الشعب المصري العام، المشوب بالاحباط واللامبالاة.
ويظل من الواجب التسجيل بان هذه الانتخابات وما تضمنته من سوابق سياسية غير مألوفة، شكلت مرحلة جديدة من العملية السياسية المصرية. فهذه هي المرة الاولي التي تشهد فيها البلاد انتخابات تعددية، وهذه هي المرة الاولي التي ينزل فيها الرئيس مبارك من عليائه الي الشارع، ويعترف ان هناك شعبا يعاني من البطالة والفقر المدقع وانهيار الخدمات الصحية والتعليمية والمرافق العامة. وهذه هي المرة الاولي التي يري فيها الشعب المصري مرشحا آخر غير الرئيس الضرورة.
فالرئيس مبارك وعلي مدي ربع قرن من حكمه عزل نفسه كليا عن الشعب المصري، وفضل البقاء في منتجع شرم الشيخ بعيدا عن اي منغصات، واختار سياسة خيار الصفر اي ان لا يفعل الا اقل القليل حتي لا يخطئ، ويضر بالمسار الرتيب للاوضاع بالتالي. وسلم البلاد لمجموعة من المستغربين المحيطين بنجله جمال، لكي يحولوها الي حقل تجارب لمقتبساتهم الاقتصادية والسياسية والمستوردة من اوروبا والولايات المتحدة.
شاهدنا الرئيس مبارك في هذه الانتخابات يتخلي عن ربطات عنقه الانيقة، ويصافح الايادي المصرية السمراء المعروقة، ويغدق في اعطاء الوعود بالرخاء الاقتصادي، والاصلاحات السياسية والاقتصادية، وخلق الوظائف للعاطلين، والمنازل والشقق للعزاب المتطلعين الي بناء اسرة وحياة كريمة.
هذا الحراك السياسي غير المألوف، وغير المسبوق، لم يأت طوعا من الرئيس مبارك ونظامه للأسف الشديد، ولكن بسبب ضغوط غربية وامريكية علي وجه الخصوص. فالادارة الامريكية مارست هذه الضغوط ليس حرصا علي الشعب المصري، وانما خوفا منه. فقد ادركت ان الاحتقان بلغ ذروته، واوشك علي الانفجار في ثورة شعبية عارمة، يمكن ان تطيح بالنظام وتهز المنطقة العربية باسرها وتعبئها ضد الولايات المتحدة والدولة العبرية تماما مثلما فعلت ثورة تموز (يوليو) قبل خمسين عاما.
الضغوط الامريكية نجحت في اجبار النظام علي تحقيق امرين اساسيين، الاول ادخال تعديلات تجميلية علي الدستور، تسمح بانتخابات تعددية محسوبة النتائج، والثاني تقديم تنازلات جوهرية للدولة العبرية ابرزها تسخين التطبيع من خلال توقيع اتفاقات الكويز الاقتصادية، وبيع الغاز المصري لها، والاشادة بشارون كرجل سلام ليس له مثيل، واخيرا ممارسة ضغوط علي الفلسطينيين لتسهيل الانسحاب الاسرائيلي احادي الجانب من قطاع غزة والامتناع عن اي هجمات ضد القوات ومجموعات المستوطنين المنسحبة.
الآن انتهي سيرك الانتخابات الرئاسية المصرية، وبدأ غبارها ينقشع، ونحن الآن في انتظار ان تتبلور مرحلة ما بعد هذه الانتخابات والصورة التي ستكون عليها الاوضاع علي الارض.
بمعني آخر، هل ستختفي الـNew Look او الشكل الجديد الذي ظهر به الرئيس مبارك اثناء حملته الانتخابية، اي يعود الي سيرته القديمة، وينسحب الي منتجعه المفضل في شرم الشيخ، ام انه سيستمر في نهجه الحالي ويواصل عملية التغيير، ليس من حيث الشكل فقط وانما من حيث المضمون ايضا. فالمسألة ليست محصورة في ربطة عنق وصدر مفتوح وانما في ما يمكن ان يطبق علي الارض من سياسات واصلاحات.
الرئيس مبارك وعد بخلق اربعة او خمسة ملايين وظيفة جديدة، ومثلها من الشقق السكنية للشباب، والغاء حالة الطواريء واطلاق الحريات، وبدء عملية الاصلاح الديمقراطي. السؤال المطروح الآن هو حول الاستراتيجيات العملية التي سيطبقها لتنفيذ هذه الوعود التي باتت ملزمة له في السنوات المقبلة.
مليون انسان يدخلون سوق العمل سنويا في مصر، بينما لا يوفر اقتصادها الحالي الا اقل من مئتي الف وظيفة تقريبا، الامر الذي يعني ان هناك حوالي ثمنمئة الف شاب سيكونون عاطلين عن العمل كل عام. فكيف سيواجه الرئيس مبارك ولجنة السياسات التي يتزعمها نجله جمال هذا التحدي؟
خلق مليون وظيفة سنويا يحتاج الي استثمارات مالية ضخمة في قطاعات انتاجية مجدية تخلق دورة اقتصادية نشطة في مختلف القطاعات. ولم نقرأ او نسمع عن اي خطة مصرية رسمية لجذب هذه الاستثمارات او حول كيفية توظيفها في الميادين الصحيحة، وكل ما نسمعه هو مجرد وعود وتمنيات فقط، وربما يفيد التذكير بتجربة مشروع توشكي شبه الفاشل في هذا الصدد.
أليس غريبا ان الرئيس مبارك، وطوال حملته الانتخابية، وبرامجه الاعلامية لم يتحدث مطلقا عن الفساد، ولم يتعهد باجتثاثه ومحاكمة المتورطين فيه.. الجواب علي هذا التساؤل بسيط للغاية، لانه يدرك جيدا ان اي تعهد في هذا الخصوص سيعني البدء بأهل بيته وبطانتهم الاخطبوطية المتخصصة في نهب المال العام، وهو لا يريد الاقتراب من حقل الالغام شديدة الانفجار هذا.
في جميع الاحوال ستظل الانتخابات الرئاسية المصرية هذه، وبكل ايجابياتها القليلة وسلبياتها الكثيرة، نقطة تحول رئيسية في تاريخ مصر السياسي، لانها ستضع مصر علي طـــريق التغيير الصحيح. فقد اثبتت ان هناك حالة صحوة في الشارع المصري، وان هذا الشارع لا يمكن ان يقبل بملحق جديد لربع قرن من الفشل. وقد صوت للرئيس مبارك لاعطائه فرصة اخيرة، ولعدم وجود البديل المؤهل لحكم بلد عظيم مثل مصر.
مشكلة الرئيس مبارك الحقيقية بدأت بعد اعلان نتائج الانتخابات، واصبح يعيش مرحلة اختبار صعبة للغاية، وفي تقديرنا لن يخرج منها فائزا، فلا سنه الذي تجاوز السابعة والسبعين يسمح، ولا آلياته الحالية في الحكم قادرة علي انقاذه.
العد التنازلي لسقوط نظام مبارك بدأ وبسرعة قياسية، منذ اللحظة الاولي لاغلاق صناديق الاقتراع، فقد دارت عجلة التغيير ولن تتوقف الا بوصولها الي نقطتها النهائية.

كثيرون هم الذين اتخذوا من الاوهام

والمعجزات الزائفة وخداع البشر تجارة لهم

الجهل يعمي أبصارنا ويضللنا

أيها البشر الفانون ! افتحوا أعينكم !

رابط هذا التعليق
شارك

انشئ حساب جديد أو قم بتسجيل دخولك لتتمكن من إضافة تعليق جديد

يجب ان تكون عضوا لدينا لتتمكن من التعليق

انشئ حساب جديد

سجل حسابك الجديد لدينا في الموقع بمنتهي السهوله .

سجل حساب جديد

تسجيل دخول

هل تمتلك حساب بالفعل؟ سجل دخولك من هنا.

سجل دخولك الان
  • المتواجدون الآن   0 أعضاء متواجدين الان

    • لا يوجد أعضاء مسجلون يتصفحون هذه الصفحة
×
×
  • أضف...