قرشى بتاريخ: 16 سبتمبر 2005 تقديم بلاغ مشاركة بتاريخ: 16 سبتمبر 2005 مضامين تغيير القيادة في العالم العربي: (العربية السعودية، سوريا، مصر) -1- 01-8-2005 دراسة لـ: دانييل بايمن* إن مسألة تغيير أي نظام والنتائج المترتبة على ذلك هي مسألة صعبة الرصد من الخارج. فالمعرفة الغربية للنخبة السياسية في الشرق الأوسط غالبا ما تكون محدودة. وبالفعل فحتى المحللين الذين يتمتعون بقدر جيد من المعلومات غالبا ما يتفاجئون إزاء ما يحصل: فالقليل على سبيل المثال توقعوا أن يقوم الملك حسين في الأردن بنقل ولاية العهد، التي قضى أخوه الحسن فيها وقتا طويلا، إلى ابنه عبد الله وذلك في الأسابيع الأخيرة قبل موته. تعتمد السياسة في الشرق الأوسط على طموحات وأهواء القيادات الفردية أكثر منها في أي مكان آخر في العالم. فالقيادات الشرق أوسطية غالبا ما تكون غير مقيّدة بالمؤسسات السياسية أو بالرأي الشعبي: فطموحاتهم وخياراتهم كما أخطائهم ونقاط ضعفهم من الممكن أن تشكل الفرق بين الحرب والسلام، الثورة والثبات. إن تغيير القيادة في الشرق الأوسط هو أمر نادر وغير روتيني على الإطلاق لدرجة أنه غالبا ما يبدو لك أنّ المنطقة مجمدة زمنيا خاصة فيما يخص بعض القيادات مثل "معمر القذافي في ليبيا، ياسر عرفات في السلطة الفلسطينية (قبل وفاته) حسني مبارك في مصر" التي تحكم منذ عقود.(1) وعلى الرغم من أن العديد من القيادات العربية قد جاءت إلى السلطة في السبعينيات أو الثمانينيات، فإن السنوات القليلة الماضية قد شهدت تغييرات مذهلة. ففي عام 1997 فاز الرئيس محمد خاتمي في الانتخابات الإيرانية من أجل إصلاح النظام الثوري. وفي عام 1999 جاء قادة جدد إلى السلطة في كل من الجزائر، البحرين، الأردن، المغرب. وفي العام 2002 ، وفي واحدة من أكثر الدول محافظة على السلطة وقياداتها ذهبت سوريا حافظ الأسد وجاء بشار، وفي عام 2004 رحل ياسر عرفات بعد ثلاث عقود أمضاها على قمة السياسة الفلسطينية. * رؤساء بعض الدول الشرق أوسطية: على العموم، تحاول هذه الدراسة أن تبني أولا فكرة عامّة حول موضوع تغيير النظام، ثمّ تقوم بتقييم نتائج إمكانية تغيير النظام في كل من المملكة العربية السعودية، سوريا، ومصر.(2)وقد تمّ اختيار هذه الدول بالذات لأهميتها في المنطقة وبالنسبة للولايات المتحدة. فبالنسبة لسوريا، فهي تمثل نظاما عدائيا لمصالح الولايات المتحدة في منطقة رئيسية من الشرق الأوسط، لكن مصر والسعودية من جهة أخرى ربما هما أكثر الشركاء أهمية لواشنطن في المنطقة.(3) هذا وتحاول هذه الدراسة أن تميز، كل حالة على حدا، ماهي السياسات التي تنشأ عن مخاوف جيوبوليتيكية وبالتالي تكون على الأرجح مشتركة بين معظم الأنظمة، وماهي السياسات التي تقود إلى أنواع معيّنة من الأنظمة ( مثال إسلامي مقابل عسكري). وبالإضافة إلى ذلك، تحاول هذه الدراسة ملاحظة نقاط القوة والضعف لدى القادة الحاليين وورثتهم المحتملين لنستنتج كيف يمكن أن يؤثر تغيير الفرد الذي يوجه دفة القيادة في بلاده على السياسات الحكومية، وإمكان تقويم القوّة النسبية لعدد من القادة البدلاء المختلفين المرشحين لخلافة القادة الحاليين. هذا ويمكن ملاحظة أن الأنظمة الجديدة غالبا ما تكون أكثر حذرا، بينما يحاول قادتها أن يعزّزوا من سلطتهم. وعلى الرغم من ذلك، فإن القادة الجدد قد يكونوا ربما مترددين بشكل خاص ويغامرون بفقدان شعبيتهم عبر التعاون مع الولايات المتحدة كخطوة أولى. على العموم، فإن الخطوات الخاطئة لا يمكن اجتنابها، فقد يبالغ القادة الجدد أيضا في تقدير قوة قواتهم العسكرية، أو يثقون بشكل مفرط في الدعم الدولي بحيث يقومون بتخويف خصومهم، أو قد يفتقدون على العكس نفاذ البصيرة والقدرة على الفهم مما قد يؤدي إلى مشكلة. وبطبيعة الحل فإن التغييرات المحتملة ليست كلها سيئة. في السعودية، قد يستطيع ولي العهد الأمير عبد الله أن يكبح الرأي العام المعادي للنظام وأن يحدث إصلاحات صعبة. من ناحية أخرى قد يكون مغريا للولايات المتحدة أن تحاول التدخل بالشؤون الداخلية في عملية تغيير النظام والتهديد بالقوّة. فالولايات المتحدة تملك بعض الأدوات الفعالة لتدخل محدود، ومع ذلك وكما يقال فإن "فتح الضغط غالبا ما يرتد عليك"، بمعنى أن هذا التدخل قد يأتي بنتائج عكسية. وللحد من احتمال تغيير غير متوقع، يجب على الولايات المتحدة أن تأخذ بعين الاعتبار إجراء اتصالات متزايدة مع القادة والفئات الموجودة خارج السلطة، والتي تتمتع بدعم مقبول ومعقول. كما يجب على الولايات المتّحدة أيضا أن تركز أكثر على الرأي العام الشعبي في هذه الدول، آخذين بعين الاعتبار أن دولا عديدة غير حصينة ومعرّضة لتغييرات مفاجئة -ومعظم هذه الدول في مرحلة معيّنة مترددة في إعطاء المساحة للرأي العام الداخلي- يعدَ الحصول فيها على خيارات عديدة في مثل هذه الحالات أمرا ضروريا.(4) * مؤشرات تغيير النظام: إن مسألة تغيير أي نظام والنتائج المترتبة على ذلك هي مسألة صعبة الرصد من الخارج. فالمعرفة الغربية للنخبة السياسية في الشرق الأوسط غالبا ما تكون محدودة. وبالفعل فحتى المحللين الذين يتمتعون بقدر جيد من المعلومات غالبا ما يتفاجئون إزاء ما يحصل: فالقليل على سبيل المثال توقعوا أن يقوم الملك حسين في الأردن بنقل ولاية العهد، التي قضى أخوه الحسن فيها وقتا طويلا، إلى ابنه عبد الله وذلك في الأسابيع الأخيرة قبل موته. وفي بعض الأحيان تكون المفاجأة دراماتيكية أكثر من ذلك بكثير، ففي عام 1979 شهدت إيران ثورة أوقعت جميع المراقبين في مفاجأة كبرى. في دول أخرى كانت العديد من الانقلابات والاضطرابات تحصل بشكل متكرر، بينما لم يكن يتوقعها إلا القليلون. القادة يختلفون بشكل مذهل حتى ولو كانت الأنظمة الاجتماعية لدولهم والبيئة الإستراتيجية تتسم بالثبات. فالقادة قادرون على تغيير سياسة بلادهم الخارجية وتوجهاتها بشكل دراماتيكي، أو الذهاب إلى الحرب على الرغم من الظروف العسكرية غير المناسبة، أو تصميم مؤسسات متخصصة جديدة أو إضعاف أخرى قديمة أو حتى تشكيل بنائهم السياسي أو حتى ظروفهم الدولية الخاصّة بهم(5) . الرئيس المصري أنور السادات على سبيل المثال، قاد مصر خارج المعسكر السوفيتي ملتحقا بالمعسكر الأمريكي وشنّ هجوما ناجحا ومفاجئا على إسرائيل، فاوض على اتّفاق سلام معها وحرّر الاقتصاد المصري وعير أيضا السياسة المحلية الإقليمية والدولية لمصر. إن مسألة تغيير النظام بطريقة سريعة ودراماتيكية، هو أمر ممكن في الشرق الأوسط، حيث ظهر الديماغوجيون والمنظرون هناك بسرعة مذهلة. ففي فترة الخمسينات والستينات، شهدت كل من مصر، العراق، ليبيا، سوريا واليمن انقلابات عسكرية. وفي عام 1979 أطاحت ثورة شعبية في إيران بالنظام. إن محاولة الجزائر للانفتاح السياسي في بداية التسعينات قاد إلى انقلاب عسكري كأمر واقع وإلى حرب أهلية. وحتى الدول الديمقراطية مثل تركيا وإسرائيل كانت قد غيّرت سياساتها بشكل دراماتيكي عندما صعد قادة جدد إلى سدّة القرار السياسي. إن التأثير الشعبي الكبير على عملية صنع القرار هو أمر ممكن أيضا بل مستحب. فالليبرالية والديمقراطية تتقدّم بثبات في المنطقة، بينما تجعل ثورة المعلومات المواطنين على اطلاع بجميع الأحداث، وبالتالي تتيح لهم التفاعل معها بسرعة. لا يعني ذلك أن هذه الوسائل تحدث تحولا كاملا في السياسة العربية، لكنها تطرح الرأي العام الشعبي كقوة متنامية يجب على صناع القرار الأمريكيين أخذها بعين الاعتبار. ولكي أكون واضحا، فإن الرأي العام الشعبي لن يمارس تأثيرا مباشرا ولكنه قد يحد مما يفعله القادة خاصة إذا كانوا ضعفاء سياسيا. * اتجاهات تغيير النظام: إن عمليّة التغيير في أي نظام من الممكن لها أن تسلك أو تتبع ثلاث ممرات أو اتجاهات على الأقل: الاتجاه الأول، وهو الأكثر وضوحا ويتضمن انتقال السلطة من قائد إلى آخر من نفس الكادر أو من نفس الطبقة أو من نفس القاعدة الموجودة في السلطة، وهذا بطبيعة الحال يتضمن أيضا عملية الانتقال من الأب إلى الابن مثلا في البحرين، قطر، المغرب، الأردن وسوريا في العقد الأخير. أو قد يتضمن الانتقال من فرد إلى فرد آخر من العائلة كما حصل في السعودية (على سبيل المثال حين جاء الملك فهد خلفا لأخيه، وكما سيكون الأمير عبد الله خلفا ووريثا للملك فهد). أو قد يتم الانتقال إلى قائد يأتي من نفس النخبة والمصالح التي كان القائد السابق يمثلها، مثال: (نائب الرئيس مبارك الذي خلف الرئيس أنور السادات بعد اغتياله عام 1981). هناك أيضا طريقة أخرى يتم الانتقال بالسلطة عبرها وليس من الضروري أن تكون رسمية أو حتى سلمية: مثال، انقلاب يستبدل قائدا عسكريا بآخر (حافظ الأسد على صلاح جديد)، أو انقلابات في العائلة الحاكمة (استيلاء السلطان قابوس في عمان سلميا على الحكم، انتزعه من أبيه) وهذا النوع يدخل أيضا ضمن هذه الفئة من التغيير التي نتكلم عنها. الاتجاه الثاني في التغيير، ويتضمن انتقالا من مجموعة واحدة من النخب إلى أخرى. إن نطاق البدائل في هذه الحالة كبير جدا من الناحية النظرية. فالنخب يمكن أن تأتي من مجموعة عرقية مختلفة، أو من فئة اجتماعية مختلفة، أو من منطقة مختلفة في الدولة وهكذا. ومع ذلك فإن القادة الدينيين هم في الغالب المجموعة الأكثر تنظيما في النخب الثورية. و على الأغلب، فإن الأنظمة الشرق الأوسطية استطاعت أن توظف أو تكبح الاتحادات التجارية، المفكرين، الاختصاصيين والتجار بينما كانت تواجه مشاكل في قمعها المجموعات الدينية وذلك لأنها استطاعت رسم وترسيخ مؤسسات دينية وشبكات اجتماعية قوية. ولأن الدين متجذّر في نفوس الكثير من المواطنين، فإن عددا قليلا من الأنظمة كان مستعدا لأن يقمع الممارسات الدينية بشكل مفتوح ومستمر. وأكثر من ذلك، فإن هناك عددا من الأنظمة في الشرق الأوسط تعتمد على الدين من أجل أن تؤمن شرعيتها. وهكذا فإنه من غير المفاجئ رؤية أن الإسلاميين استطاعوا أن يبرهنوا في السنوات الأخيرة عن قدرتهم على تحدي الأنظمة. لقد سبق واستولى الإسلاميون على الحكم في إيران والسودان، وشكلوا تحديا كبيرا بالنسبة للدولة وللأنظمة في أماكن أخرى مثل سوريا، مصر، السعودية، البحرين، الأردن، الجزائر، ليبيا والسلطة الفلسطينية. أما بالنسبة للاتجاه الثالث في التغيير، فإنه يتضمن انتقالا من حكم قاعدة نخبوية إلى نظام أكثر شعبية بشكل عام. ويمكن حدوث ذلك من خلال ثورة شعبية تأتي بنظام يعتمد على قطاعات واسعة من الشعب، أو من خلال نقلة باتجاه "الدمقرطة" التي تسمح لأناس عاديين بتواجد أكبر في القطاع السياسي وبحرية أكبر في اختيار القادة. وعلى أية حال، فإن هذا النمط من التغيير قد لا ينطوي على تغيير شخص القيادة بالضرورة بقدر ما ينطوي على تغيير المصالح التي يمثلها القادة. فالقادة الحاليين قد يكرسوا شعبية الالتزام الأصيل بالديمقراطية وذلك من أجل الحصول على تأييد للتغييرات المكروهة أو لتدعيم سلطتهم في وجه النخب المنافسة. وبشكل عام، فإن كل اتجاه أو فئة من الاتجاهات التي شرحناها أعلاه تحاج إلى مستوى مختلف من التحليل. المستوى الأوّل فردي: ما هي نقاط القوّة، الضعف، الخصائص وأهداف بعض الأفراد المعيّنين؟ المستوى الثاني يستند إلى قاعدة النخبة التي تحكم ويركز على خصائص معينة للعائلة أو للقاعدة التي تحكم. أما المستوى الثالث، فهو يقوم على المجموعات المنافسة المحتملة وجداول أعمالها وأهدافها. كيف تختلف هذه النخب عن النخب الحاكمة؟ هل لديها أهداف مختلفة أو تعتمد على مجموعات اجتماعية مختلفة لكسب الدعم؟ إن التعرف على أجوبة هذه الأسئلة يتطلب فهم مصادر الاستقرار والثبات، ومعرفة الحقائق والحدود الجيوسياسية التي قد تمنع التغييرات. وتنطبق وتنسحب العينة الدراسية التالية التي تشمل ثلاث بلدان (السعودية، سوريا ومصر) على كافة مستويات التحليل المختلفة التي سبق وذكرناها. بحيث يطرأ التحليل في كل بلد إلى الأفراد الذين يشكلون المفاتيح السياسية المختلفة في النخب الحالية، جدول المجموعات المنافسة، ومشاعر وموقف عامة الناس بشكل عام. * دانييل بايمن: بروفسور مساعد في برنامج الدراسات الأمنيّة في مدرسة ادموند والاش للسلك الأجنبي في جامعة جورج تاون. زميل في مركز "سابان" لسياسات الشرق الأوسط في معهد "بروكينجز". وهذه الدراسة له هي جزء من تقرير ضخم أعدّته "راند" لصالح القوات الجوية، كدراسة مستقبلية عن المنطقة وهي بعنوان: "مستقبل البيئة الأمنية في الشرق الأوسط: النزاع، الاستقرار والتغيير السياسي". -2- تغيير القيادة في العربية السعودية من يحكم الرياض؟ سؤال حيوي بالنسبة للولايات المتّحدة الأمريكية. وعلى الرغم من أن البدائل المرتقبة قد تخدم مصالح الولايات المتّحدة, إلا أن التغيير الدراماتيكي في السعوديّة يبقى ممكنا وإن كان ضئيلا. لكن في حال حدوثه، فهذا يعني أن السعودية انتقلت من حليف مخلص إلى عدو محتمل. فالسعوديون عدائيون بالنسبة لأمريكا وإسرائيل، وعلى الرغم من أنهم قد لا يتحالفون مع إيران أو العراق، إلا أنهم سيختصرون التعاون مع الولايات المتّحدة وسيقطعونه على الصعيد العسكري. إن عملية الوراثة في العربية السعودية تبدو مستقرة. فقد نجح آل سعود الذين حكموا المملكة منذ عبد العزيز (بحيازة السلطة عام 1920) في البقاء في السلطة على الرغم من المرور بمحطات تاريخية عديدة منها الامبريالية الغربية، القومية العربية، التطرف الإسلامي، الاعتداء الخارجي وتهديدات أخرى كثيرة في القرن العشرين. وخلال تلك الفترة، فقد شدوا بقوة قبضتهم على المجتمع السعودي وقاموا بنقل القيادة بطريقة سهلة وسلسة من فرد من عائلة عبد العزيز إلى آخر(6). وعلى الرغم من ذلك، فإن مجرد التغيير أو حتى التغيير الدراماتيكي يبقى أمرا ممكنا في المملكة العربية السعودية. حيث يترتب على التراخي في المراقبة الرسمية لأعمال الملك وسلطته، والانتقال في السلطة من الملك فهد إلى ولي العهد الأمير عبد الله، والتعاقب الوشيك في الوراثة، نتائج مهمة. بالإضافة إلى ذلك فإن قوة وحكم آل سعود ليس شيئا أكيدا: فقد يبرز منافس يعكس الشعور الشعبي والرأي العام بشكل أفضل منهم، أو قد يظهر منافس نخبوي كالعديد من إسلاميي المملكة. وعلى العموم، فإن هذا القسم من الدراسة يهدف إلى استكشاف الخطوات المحتملة للتغيير في العربية السعودية، وإلى معرفة البدائل المختلفة والمحتملة للقيادة الحالية ونتائج السياسات المتبعة. فيما يحاول هذا القسم أيضا معرفة ما هو الشيء الذي لن يتغير، وعلى كل ففي المملكة العربية السعودية كما في غيرها من البلدان، فإن السياسة لا بد وأن تكون مطبوعة بالعامل الجغرافي. * التغيير ضمن آل سعود: لقد باتت أيام الملك فهد الأخيرة معدودة، ووريثه ولي العهد الأمير عبد الله يندمج شيئا فشيئا في السلطة. فالملك فهد يتخلى يوما بعد يوم عن القيادة لأخيه وذلك منذ مرضه في العام 1996. لكن عبد الله على أية حال في أواخر السبعينيات من العمر، وهو أصغر من فهد بسنتين فقط مما يشير إلى إمكانية أن يأخذ قائد آخر مكانه بعد فترة وجيزة من توليه الحكم(7). * ثوابت آل سعود: وبغض النظر عمن سيتولى السلطة من أفراد العائلة المالكة، فإن الملك القادم لا بد أن يكون له بعض الخصائص والأهداف المشتركة مع العائلة بشكل عام. هذا فيما يتفق آل سعود غالبا على معظم القضايا فيما بينهم. وكما علق أحد الأمراء: "نحن لا نناقش أبدا في الاتجاه، نحن نناقش في هدفه وسرعته ونوعه، ألوانه وأشكاله".(8) يمثل معظم الحكام من آل سعود مصالح العائلة في المقدمة قبل المملكة العربية السعودية، وبالتالي فإن التأكيد على استمرارية حكمهم تصبح أولوية. وكنتيجة لذلك فإن المخاوف الأمنية غالبا ما تعكس الجهود لإضعاف المعارضة الداخلية، كما أنها تعكس المحاولات لتأمين حدود البلاد من الاعتداءات الخارجية(9). لقد كانت العائلة حساسة جدا خاصة فيما يتعلق بتحديات صدام حسين المتكررة لشرعيتها، وأيضا فيما يتعلق بالعلاقة مع إيران، والتي بدأت تتحسن منذ العام 1996 بعد أن خففت إيران من حدة لهجتها الخطابية تجاه آل سعود. وبشكل عام، فإنّ أي زعيم سيحتاج إلى أن يكون تصالحيا وساعيا لتحقيق الإجماع حوله. وعلى الرغم من أن الحكم ملكي، إلا أن لآل سعود العديد من خصائص الأوليغارشيّة: القيادة جماعية وأساسها الإجماع في غالب الأحيان، اتخاذ وتنفيذ القرارات ثابت ومستقر ولكنّه بطيء.(1). ومنذ إمساكهم بالسلطة، فإنّ آل سعود أثبتوا أنهم حذرون وأنهم يعتمدون على ردّات الفعل أكثر منه على صياغة الأحداث. والعائلة متضاربة في سلوكها تجاه الولايات المتّحدة الأمريكية. فهد، عبد الله وقادة آخرون يدركون أهميّة الروابط الأمنية مع الولايات المتحدة الأمريكية، ويقدرون الدور الأمريكي في الدفاع عن المملكة ضدّ العراق. لكنهم يخشون أن يكون الالتزام الأمريكي مؤقتا وعابرا. بالإضافة إلى ذلك، فهم يدركون أن الولايات المتحدة ليست محبوبة في المملكة وقلقين من أنّ الوجود الأمريكي في المملكة قد يعطي الذريعة للمعارضين في الداخل. إن آل سعود يبحثون عن استمرار العلاقات الأمنية مع الولايات المتحدة الأمريكية، لكنهم يفضلون أن تكون خلف الكواليس عندما يكون ذلك ممكنا.(11). إن المقترحات الحالية بتخفيض أو إزالة الوجود الدائم للقوات الأمريكية من المملكة لها أصداء واسعة عند المطالبين بذلك. هذه الازدواجيّة تظهر خاصّة فيما يتعلّق بالتعاون في الحرب على الإرهاب. إن آل سعود يدركون أن القتال ضد الإسلاميين المدعومين من قبل القاعدة يشكل خطرا عليهم، وهو الخطر الأعظم ربما لحكمهم. فالتعاون المفتوح مع الولايات المتّحدة يضيف مصداقيّة إلى تهم الإسلاميين لآل سعود بأنّهم مجرد دمية في يد واشنطن. لقد واجه آل سعود انتقادا من هذا القبيل سنة 2003 خلال الحرب ضدّ العراق, لكنّ العائلة لا تزال تشعر بقلق من أن هذا التعاون المفتوح قد يقوّض من شرعيتها. * الخلافة بعد فهد: على الرغم من أنّ آل سعود يشتكون في أهداف كثيرة، إلا أن معرفة أي فرد من أفراد الأسرة الذي سيقود المملكة، يبقى أمرا مهما ومسألة حيوية. عبد الله يختلف عن فهد بنواحي عديدة خاصة فيما يتعلق بالتأثير على سياسات النظام المحلية الداخلية والخارجية. عبد الله أيضا أكثر تدينا وأكثر اهتماما بالحد من النفقات والتقليل من تبذير العائلة المالكة الحاكمة من فهد. عبد الله لديه علاقات قوية مع العديد من الزعماء القبليين المحافظين والتقليديين في المملكة العربية السعودية. وعلى الرغم من أنه ليس معاديا لأمريكا، إلا أنّه انتقد في مرّات عديدة واشنطن بقوّة لدعمها إسرائيل ولقيمها الغربية التي لا يتماشا معها(12). إذا نجح عبد الله في الاستحواذ على السلطة وقدّر له أن يعيش طويلا للاستفادة منها، فإنه سيستطيع معالجة المشكلة المزعجة المتعلّقة بالإصلاح الاقتصادي، وذلك بشكل أفضل مما فعله فهد أو أي وريث آخر ممكن أن يأتي مكانه. فعبد الله يدرك بأنّ اقتصاد المملكة يحتاج إلى أن يتحرّر، واستقامته ونزاهته تمكّنانه من أن يطلب من الشعب السعودي أن يقدّم التضحيات، التي لو قام بها أحد غيره وطلبها من الشعب لاتّهمومه بالنفاق. وهو أيضا لديه الرغبة في أن يحاول منع أو قطع تدخل العائلة المالكة في الأعمال والصفقات التي تجري.(13). ثانيا، عبد الله أكثر قدرة على التحكّم بانتقادات الإسلاميين للنظام بشكل أفضل من غيره. فالإسلاميون يحترمون استقامته ونزاهته ممّا يجعل النظام تحت حكمه أقل عرضة للانتقادات والاتهامات بالفساد والتبذير والهدر، وهي غالبا ما تشكّل أسلحة جيّدة يستخدمها الإسلاميون في خطاباتهم لانتقاد النظام.(14) هذا فيما تبدو صورة الخلافة أو الوراثة بعد عبد الله غير واضحة. و لى الرغم من أنّ آل سعود شكّلوا مجلسا عائليا سنة 2 للمساعدة على التأكّد من حل المواضيع الأساسية الشائكة وللحصول على الإجماع في القضايا الأساسية، لكنّ هذا الأمر ما قاد إلى الوضوح فيما يتعلّق بمن سيكون الشخص الذي سيحكم في المستقبل. إن الجهل بطبيعة السياسة السعودية بدأ يقل ولكنه مازال عميقا، خاصّة فيما يتعلّق بديناميكية اتّخاذ القرارات في العائلة الحاكمة. وعلى الرغم من أنّ النظام يبدو مستقرا، إلا أن هذا التصور يقوم على معلومات شحيحة، فحتى أهل البلاد لا يملكون إلا إشارات قليلة وضعيفة عن قضايا القيادة في بلادهم.(15) وإذا أخذنا يعن الاعتبار ما تمّ توضيحه سابقا، فإنّ أسماء عديدة مرشّحة لتولي القيادة في الملكة إذا ما تمّ طرح موضوع الوراثة أو الخلافة. شقيق فهد، الأمير سلطان وزير الدفاع والطيران يعتبر على نحو كبير من أبرز المرشحين لخلافة عبد الله بعد توليه منصب الملك. فيما يعتبر جميع أخوة الملك فهد أيضا وهم (عبد الرحمن، تركي، نايف، سلمان، وأحمد) من المنافسين أيضا. كما يحظى العديد من أبناء الراحل الملك فيصل (سعود، تركي، وفيصل) باحترام كبير بصفتهم إداريين مقتدرين، وهم يعتبرون من المنافسين الجدّيين بينما أخوة فهد يشيخون في العمر. العديد من هؤلاء القادة السياسيين، مثل عبد الله، يعتبرون من رجال الإدارة المتمرسين ويشاطرون منظور وتطلعات آل سعود بشكل عام سواء تجاه المنطقة أو تجاه العالم. لكنّهم ليسوا بنفس المهارة والحنكة وهم يختلفون بذلك فيما ببينهم. فأولاد فيصل يعتقد أنّهم يفتقرون إلى اللمسة السياسية الحذقة ما يشير إلى إمكانية أنّ النظام سيكون غير قادر على إدارة الانشقاقات والتعامل مع المعارضة بشكل حسن.(16)أما سلطان، فهو الوريث المتوقع لعبد الله ويوصف من قبل الكثيرين بأنّه من المطالبين المحتملين والدائمين بتولي العرش، وهو شعور سيؤدي إلى تزايد النقمة الشعبية على العائلة المالكة وسينمي إحساس الناس بالعزلة المتنامية لتغييبهم عن القرار. وفي إطار التساؤل عمّن سيستلم السلطة، وعن ظروف انتقال هذه السلطة، تبرز مشكلتان: الأولى هي أن آل سعود هم أقل تماسكا ووحدة ربّما عمّا كانوا عليه في الماضي، فالغموض حول وجود منافس واضح بعد الأمير عبد الله ربما سيؤدي إلى انشقاقات في العائلة المالكة. ثانيا، من المحتمل أن يظهر قائد فقير ولا يلهث وراء السلطة ولا يطمح للحكم مثل الملك سعود (1953-1964) والملك خالد (1975-1982) على التوالي. هذا وقد شهدت المملكة في السابق مشاكل عديدة ومماثلة تمّ تذليلها عبر القيادة الجماعية التي ضمّت عددا كبيرا من المنافسين مثل الملك فهد الحالي الذي دعم الملك خالد، ولكن يبقى مثل هذا الطرح والحل غير مؤكّد إذا ما ظهرت مثل هذه المشاكل مستقبلا.(17) بالرغم من أن آل سعود يبدون محصّنين بشكل محكم، فإنّ معرفتنا المحدودة بديناميّة السياسة السعوديّة تتطلّب تقييما لبدائل القيادة المحتملة. الإسلاميون السعوديون يشكّلون المصدر الأكثر تنظيما وشعبية للمعارضة للنظام على الأرجح. وهم يختلفون بشكل دراماتيكي عن آل سعود ولا يتفقون مع الولايات المتحدة على مواضيع مثل الوجود الأمريكي في المملكة. بالإضافة إلى ذلك، فإنّ قائدا يعكس الخيارات الشعبية بشكل أفضل من غيره، قد يظهر. وهذا الاحتمال الأخير، سوف يدشّن عهدا جديدا وحقبة جديدة للعلاقات السعوديّة – الأمريكية، علاقات سيكون التعاون فيها صعبا جدّا. * الثوابت في المجتمع السعودي: بالنسبة لمعظم السعوديين فإنّ الاهتمامات الداخلية تبدو ذات أولوية على حساب السياسات الخارجية. ففي الخمسينيات والستينيات كان انشغال النخبة السعودية يدور حول التوجّه المناسب تجاه القوميّة العربية، لكنّ معظم السعوديين اليوم يركزون على مسائل الفساد والازدهار والأخلاق. السياسة الخارجية غالبا ما تأتي بعد هذه الأولويات أو يتم طرحها مع هذه المواضيع المتعلّقة ولكن كل مع ذاته. هذا ويعارض كثير من السعوديين العلاقات الحميمة مع الولايات المتحدة وينظرون إليها كعدو أكثر منها كصديق. ويقول جورج جوز إن: "العديد من السعوديين مازالوا يعتقدون أن أفضل وقت للمملكة العربية السعودية كان عام 1973 عندما حظرت المملكة النفط عن أمريكا".(18). إن السعوديين يقبلون الكثير من نظريات المؤامرة تجاه النوايا الأمريكية في المنطقة، وحتى الليبراليين المثقفين على الطريقة الغربية لازالوا يعتقدون أن أمريكا تبحث عن حماية آل سعود وليس المملكة العربية السعودية.(19). كما أن معظم السعوديين لا يشاركون نظرة النظام التي تحاول أن توازن بين القلق الأمريكي والقلق العربي تجاه الموضوع الفلسطيني. وقد حصلت تظاهرات قليلة وكانت غير مرخّصة في السعودية ضدّ إسرائيل وذلك دعما لانتفاضة الأقصى.(2). وعلى الرغم أن عددا كبيرا من السعوديين لا يدعم الإرهاب ضدّ الولايات المتّحدة، لكن بعض شرائح المملكة على الأٌقل أيّدت هجمات 11 أيلول، وهي بشكل عام تعتقد أن العنف مبرر ضدّ الأمريكيين خاصّة الجنود الأمريكيين الذين يحاربون في العراق أو في أي مكان آخر في الشرق الأوسط. وعدد آخر من السعوديين تبنى نظرية المؤامرة حول من هو المسئول عن هذه الهجمات، بينما ذهب آخرون إلى القول إن السياسة الأمريكية في الشرق الأوسط هي السبب الأساسي والرئيسي وراء الهجمات. السعوديون بشكل عام لديهم تعاطف قليل مع العراقيين وأقل مع الإيرانيين. وعلى الرغم من ذلك فإنّ معاناة الشعب العراقي تحت العقوبات الأمريكية لاقى صدى واسعا عند الدوائر المعارضة. ويعتبر الكثير من السعوديين لاسيما الإسلاميين معاديين للشيعة بشكل كبير..، وكنتيجة لذلك فالسعوديين لديهم شكوك دائمة تجاه النظام الإيراني، وكذلك حول مستقبل العراق ذي الغالبية الشيعية، وسينظر الإسلاميون السعوديون إلى عراق علماني أو يسيطر عليه الشيعة بقلق كبير. على أية حال، فإن نظاما عراقيا أكثر ديمقراطية ولديه حكومة محاسبة ومسئولة سيظهر أيضا كنموذج محتمل للمملكة مما يزيد الضغط على آل سعود نحو التحرر و الليبرالية. * الإسلاميون السعوديون: يعتبر الإسلاميون في السعودية من أكثر الجماعات المعارضة للنظام تنظيما، وإذا ما أصبح آل سعود مشلولين عبر نزاعاتهم أو إذا غرق الاقتصاد السعودي في فترة ركود طويلة، فقد يجد الإسلاميون ثغرة ليزيدوا من تأثيرهم. وقد استطاع الإسلاميون الحصول على وسائل تنظيم لأنفسهم وإيصال رسالتهم وذلك عبر شبكة من المساجد، المدارس، والمؤسسات الدينية التي يتم دعم العديد منها من قبل الدولة. هذا ويرى حوالي 20% من السعوديين أنفسهم محافظين جدا خاصة في المسائل التي تتعلق بالدين، وأكثر منهم يشارك الإسلاميين العديد من أهدافهم.(21). إن تصرّفات الإسلاميين تجاه آل سعود متناقضة. منهم من ينتقد النظام معتبرا أن الإسلام يتعرّض لحصار وأن آل سعود ساهموا في ذلك أكثر ممّا عالجوا المشكلة. تيار أكبر من الإسلاميين يسوؤهم تبذير العديد من أمراء آل سعود والفساد الذي يعيشون فيه، لدرجة أنّهم يعتبرون ذلك انعكاسا لانحلال أو انحطاط أخلاقية السعودي. وعلى الرغم من ذلك فإن ولي العهد الأمير عبد الله يحظى باحترام لنزاهته وشفافيته.(22). الأجندة الإسلامية تبتعد شيئا فشيئا عن السياسة السعودية بطرق عديدة. فأجندة الإسلاميين الرئيسية داخلية: مقاومة التغريب والعلمانية، وحفظ نظام العربية السعودية التقليدي. الإسلاميون يعارضون أيضا الفساد والتبذير الاستهلاكي المسرف الذي طبع كثيرا حكم آل سعود.(23). خططهم الاقتصادية تبدو مشوّشة، وهم ينادون بالفضيلة والعدالة ووضع حد للفساد ولكنّهم لا يقدّمون إلا القليل من التفاصيل. على العموم، فللإسلاميين أيضا أجندة خارجية طموحة، فهم ينادون بمساعدة المحتاجين من المسلمين في كل مكان في العالم ومعارضة الأنظمة العربية المعادية للدين كسوريا، وحتى الولايات المتّحدة لدعمها إسرائيل.(24). تظهر الولايات المتحدة في عيون الكثير من الإسلاميين كخطر مزدوج. فالإسلاميون لا يتّفقون مع العديد من مظاهر السياسة الخارجية الأمريكية والتي يرون أنها عدائية ومعادية للإسلام. هذا وينظر الإسلاميون أيضا إلى أمريكا على أنها خطر اجتماعي: فالوجود الأمريكي للقوات الأمريكية يجلب بنظرهم الاختلاط الغربي و الرذيلة و الفساد الاجتماعي إليهم ممّا يهدّد فضائل المجتمع الذي يتواجدون فيه. ويعتقد كثير منهم أن وجود القوات الأمريكية يشجّع النساء وغيرهم على تحدّي قواعدهم التقليدية.(25). إن الانسحاب الأمريكي من المملكة سوف يقلل من بعض الانتقادات، لكنّ المخاوف المتعلّقة بالثقافة الأمريكية والعداء للإسلام سوف يبقي الشكاوى والانتقادات حول هذا الموضوع حادّة جدا. * ثوابت جغرافية سياسية: إن العربية السعوديّة غير محصّنة على الإطلاق ويمكن أن تتعرض لأي هجوم. فهي ينقصها الكثافة السكانية والقوة المقاتلة للدفاع عن نفسها ضد الجيوش الكبرى لجيرانها, ما أنها ستكون عرضة للتهديد وربما بعمل عدواني إذا ما قامت الولايات المتّحدة بسحي قوّاتها من المنطقة. على العموم فإن نظام أي نظام آخر من الممكن له أن يأتي مكان آلا سعود، سيكون عليه الاعتماد على التقنية الغربية لزيادة استخراج النفط وزيادة الإنتاج وعملية خطوط الإمداد والنقل. وحتى لو جاءت قيادة أخرى إلى السلطة فإنها ستواجه مشاكل فيما يتعلّق بالشق الأمني وستضطر حينها إلى النظر خارج المملكة للحصول على المساعدة. لقد أعطى سقوط صدّام حسين مساحة للنظام السعودي لتنفّس الصعداء لعدّة سنوات قادة. لكن تبقى تشكّل كل من إيران والعراق دائما قلقا كبيرا على المدى لبعيد للسعودية نظرا للعدد السكّاني والمنظور التاريخي لقيادة المنطقة. على العموم فانّ أي نظام يأتي بعد آل سعود سيجد نفسه يواجه نفس المعضلة التي أرّقت آل سعود. تحت قيادة آل سعود, كانت المملكة "بكل بساطة غنيّة جدا و ذات تأثير حتى و لو شكليا، ليتم تجاهلها من قبل الآخرين، و هي ضعيفة جدا و حذرة لتتجاهل الآخرين".(26). فالقيادة البديلة على الأرجح ستشارك في هذه المعادلة من الغنى و الضعف. و لكن هذا النظام الجديد قد لا يشعر أنّه يواجه مشكلّة إلا عندما يواجه خطرا قويا و مفاجئا, عندها سيدرك ذلك. * مضامين: من يحكم الرياض؟ سؤال حيوي بالنسبة للولايات المتّحدة الأمريكية. وعلى الرغم من أن البدائل المرتقبة قد تخدم مصالح الولايات المتّحدة، إلا أن التغيير الدراماتيكي في السعوديّة يبقى ممكنا وإن كان ضئيلا. لكن في حال حدوثه، فهذا يعني أن السعودية انتقلت من حليف مخلص إلى عدو محتمل. فالسعوديون عدائيون بالنسبة لأمريكا وإسرائيل، وعلى الرغم من أنهم قد لا يتحالفون مع إيران أو العراق، إلا أنهم سيختصرون التعاون مع الولايات المتّحدة وسيقطعونه على الصعيد العسكري. الجغرافيا السياسية قد تدفعهم في النهاية للاستعانة بقوة خارجية للتوازن مع العراق, لكن قد يلزم تنفيذ الأمر سنوات عديدة أو قد يستلزم الأمر أزمة سريعة وكبيرة حتى يدرك النظام الجديد مدى ضعفه. على الصعيد الداخلي، قد تتجه السعودية لتصبح محافظة أكثر وليس أقل، كما أن التحرر السياسي ونمو المجتمع المدني قد يشجّع الإسلاميين، على اعتبار أنهم القوة المعارضة الأكثر تنظيما والتي تتمتع برسالة لها وقعها على الشارع السعودي. هذا وقد يواجه النظام أيضا ضغطا كبيرا لتجنب الإصلاحات الاقتصادية المعقدة منها خصوصا. وكخلاصة، فحتى لو حافظت المملكة العربية السعودية على علاقاتها الوثيقة مع الولايات المتحدة، فإنه من المتوقع أن تواجه صعوبات في العمل بشكل حاسم. إن تعزيز السلطة ودمجها سيتطلّب وقتا، وعمر عبد الله قد يجعل مسألة الوراثة والخلافة الشغل الشاغل لبعض الوقت في ذلك الحين. وكنتيجة، فإنّ أي قائد سيتوجب عليه أن يحصل على إجماع العائلة المالكة، وهي عملية في أحسن الأحول تستغرق وقتا، وفي أسوئها تشله. وحتى لو لم يكن هناك انتقال صريح من آل سعود إلى فئة أخرى من المجتمع السعودي، فإن القادة المستقبليين قد يكونون أقل رغبّة بأن يضحّوا بشعبيتهم في بلادهم داخليا من أن يحافظوا على علاقاتهم القويّة بالولايات المتّحدة الأمريكية. وعلى الرغم من أن آل سعود يعرفون أهميّة الروابط الأمنية مع واشنطن بشكل عام، فإنّ قائدا قصير النظر أو يواجه ضغوطا داخلية من الممكن أن يقلّص أو يقطع الروابط مع الولايات المتّحدة لصالح وخدمة الإسلاميين. * دانييل بايمن: بروفسور مساعد في برنامج الدراسات الأمنيّة في مدرسة ادموند والاش للسلك الأجنبي في جامعة جورج تاون. زميل في مركز "سابان" لسياسات الشرق الأوسط في معهد "بروكينجز". وهذه الدراسة له هي جزء من تقرير ضخم أعدّته "راند" لصالح القوات الجوية، كدراسة مستقبلية عن المنطقة وهي بعنوان: "مستقبل البيئة الأمنية في الشرق الأوسط: النزاع، الاستقرار والتغيير السياسي". 3- تغيير القيادة في سوريا بغض النظر عمّن سيكون في السلطة في دمشق، فإن عليه أن يواجه عدّة حقائق مرة تتعلق بالموقع السياسي الحالي لسوريا. والأكثر أهمية من ذلك هو أنّ سوريا فقيرة. لقد آل الاقتصاد إلى الركود شيئا فشيئا في عهد حافظ الأسد، وجهود بشّار المبذولة لتحرير الاقتصاد لا تزال قليلة حتى الآن. وأيّ نظام سيأتي ستكون مصادره وموارده قليلة ومحدودة ولن تكفي لإرضاء المجموعات الداخلية وكسب اهتماماتها أو لتطير قدرات الجيش السوري. فعلى العكس من العربية السعودية، فإن سوريا تفتقر إلى التأثير الاقتصادي. يبدو أن نظام بشار الأسد يتجه إلى أن يبقى في السلطة، لكن قبضته قد تضعف في السنوات القادمة. لقد حكم حافظ الأسد والد بشار الأسد بيد من حديد حوالي 30 سنة إلى حين مماته في عام 2000، محولا سوريا من بلد يعاني من عدم استقرار مزمن إلى حصن دائم من الاستقرار. هذا التحول جاء بثمن. لقد اعتمد النظام على القمع الوحشي وعلى حكم الأقلية للبقاء في السلطة. ليس من الواضح ما إذا كان باستطاعة بشار غير المتمرس في السلطة أن يلهم نفس الخليط من إخلاص رجاله والخوف في صفوف معارضيه، بينما يقوم بإصلاحات ناجحة في الاقتصاد كما وعد أن يفعل. ومن هنا فإن تحليل الخطوط العريضة لتغيير النظام في سوريا تصبح ضرورية إذا أردنا أن نفهم السيناريوهات المحتملة لمستقبل البلاد. * بشار في مواجهة حافظ: من الصعب رسم خطوط التشابه بين بشار الأسد ووالده حافظ الأسد. فبشار ظهر على الساحة السورية منذ أقل من عقد تقريبا، فيما كان والده مشهورا ويعرف باسم "أبو الهول دمشق"، كما أنه حير المراقبين في سوريا والمنطقة حول ماهية أهدافه الحقيقية. ومع ذلك وانطلاقا من طبيعة تركز السلطة في النظام السياسي السوري، فإنه من المهم والضروري فهم الفوارق بين الاثنين. بطبيعة الحال فإن بشار تنقصه الخبرة التي كان يتمتع بها والده عندما استلم السلطة بعد سنوات أمضاها حافظ الأسد في الجيش وبالتالي في السياسة في سوريا، حيث أصبح فيما بعد مفتاحا أساسيا في الانقلاب الذي وقع عام 1966 والذي قاد المجتمع العلوي إلى السلطة، إذ استلم هو نفسه القيادة رسميا عام 1970 بعد القضاء على معارضيه. وعلى عكس والده، فإن بشار كان قليل الخبرة في السياسة والحكم عند استلامه للسلطة. كان لبشار أخ أكبر اسمه باسل وقد تربع على عرش الخيل، ولكنه مات في حادث سير عام 1994 وكان بشار حينها يبلغ من العمر 28 سنة، وهو طبيب عيون ويعيش في انكلترا حيث تم استدعاؤه وترقيته بسرعة عاجلة.(27) وعلى الرغم من ذلك، فإن لكلا القائدين أوجه شبه عديدة وكلاهما لا يسمح للأيديولوجيا أن تعميه حينما يكون هناك استحقاقات سياسية مهمة في السلطة. فحافظ الأسد على سبيل المثال عمل مع المسيحيين في لبنان ضد القوميين العرب محاولا تقسيم المعسكر الفلسطيني، وساعد إيران ضد العراق خلال حرب الثماني سنوات بين إيران والعراق، كما أنه أدار ظهره لأجندة قوميي البعث العربي. أما بالنسبة إلى بشار، فحاول بعد فترة وجيزة من تسلمه الحكم أن يتقرب بشكل متردد من العراق والأردن وانتهج سياسة هادئة في الخارج ومتماسكة في الداخل. لكن في المقابل، فإنه لا يمكن معرفة ما إذا كان بشار يتمتع بنفس الخصائص والمميزات التي يملكها والده، والتي ساعدته على البقاء في السلطة وعلى الحفاظ على تأثير سوريا في المنطقة. لقد كان حافظ الأسد واعيا وحذرا. بعد الانتصار الإسرائيلي عام 1967، أدرك حافظ الأسد آنذاك قدرات سوريا العسكرية، فحاول مذ ذاك تفادي الاحتكاك المباشر واستعمل "الإرهاب" لإبقاء الضغط على إسرائيل.(28). وقد كان حافظ الأشد هادئا ومتماسكا على الرغم من الكارثة العسكرية واللااستقرار الذي حصل آنذاك. في النهاية، لقد كان حافظ الأسد قاسيا في أغلب الأحوال، وكانت رغبته دائما تدعيم السلطة برفقائه القدماء الذين عذبوا عشرات الآلاف من السوريين.(29). ونتيجة لذلك استطاع أن يطبّق برنامجه على الرغم من عدم شعبيته داخليا، وسيطر أيضا على الجدل السياسي كله. إن انعدام خبرة بشّار الأسد لا توحي لا بالضعف ولا بالقوّة. ويصف أصدقاؤه سلوكه بأنّه معتدل ولكنه مربك(3)، فيما يشكّك الآخرون ما إذا كان باستطاعته أن يحكم بشكل مؤسساتي وفعال أكثر، أو ما إذا كان يحق له أن يحكم أصلا.(31). ونتيجة لذلك، فإن عليه التحرك بحذر في الوقت الذي يدعم فيه حكمه وقاعدته. وحتى الآن فإن التأثير الأكبر لبشّار الأسد كان على الصعيد الداخلي. وهو لم يستحدث تغييرات من شانها أن تهدد النظام بشكل أساسي أو تهدّد حكمه، ولكنه أدخل بعض التعديلات على سياسة أبيه المتشددة بحيث أصبحت المعارضة البسيطة مقبولة، كما أنه أكد على ضرورة إجراء إصلاحات اقتصادية في خطاباته. بالإضافة إلى ذلك، فقد سمح لمنظمات حقوق الإنسان والمجتمع المدني بالظهور بشكل تدريجي.(32). لقد حقق بشار أيضا، لكنه لم ينه التعقيدات التنافسية في السياسات الخارجية السورية. فقد تحسنت العلاقات مع تركيا منذ استلامه للحكم(33)، وقد بدا بشّار أكثر استعدادا للتعامل مع عراق صدام حتى في أيام النظام الأخيرة.(34). إن موقف حافظ الأسد من النزاع الإسرائيلي — الفلسطيني هو خليط ما بين الفخر والاحتقار والانتهازية، فهو أبدا اهتماما قليلا بعرفات والحركة الكفاحية الفلسطينية بشكل عام، ولكنه اعتقد أن النزاع الفلسطيني كان في قلب عدم الاستقرار الإقليمي. وهكذا أراد استغلال السيطرة على الكفاح الفلسطيني وقياداته في محاولة لتخفيف توجّه الراديكاليين الذين قد يهزون نظامه، كذلك من أجل إضعاف إسرائيل بشكل يخدم مصالح وأغراض سوريا. لكنّ سياساته قد لا تكون ميكيافيلّلية كليّا. فبعض المحللين يعتقدون بأنّه يرى أنّ كرامته وكرامة سوريا مرتبطة بالأسلوب الذي يتم فيه حل النزاع، وهو توجه جعله ممانعا في تقديم التنازلات في مفاوضات السلام.(35). هذا فيما يواصل بشّار مبدئيا نفس النظرة التي اتّبعها والده تجاه مفاوضات السلام. فكما والده، دعا أيضا إلى "سلام الأقوياء"، مما يعني عمليا القليل فقط من التنازلات فيما يتعلق بمرتفعات الجولان. وبينما كانت الانتفاضة الثانية في أوجها، سمح بشّار (وفي بعض الأحيان شجّع) الراديكاليين العرب والإسلاميين (في سوريا وخصوصا لبنان) بمهاجمة إسرائيل، واستخدم خطابات عروبيّة ضدّ إسرائيل وذلك ليؤمّن حصوله على الدعم من قبل السوريين بشكل عام. بالإضافة إلى ذلك، واصل دعم هجمات حزب الله على إسرائيل كوسيلة لإبقاء الضغط على الحكومة الإسرائيلية. وبسبب وضعه الداخلي الضعيف، فإنه من الصعب عليه تقديم تنازلات إلى إسرائيل تذهب أبعد ممّا قدّمه والده. وعلى أية حال، فإن دعم بشّار للراديكاليين المعادين لإسرائيل يذهب أبعد من سياساته الداخلية. وكما يبدو فهو ملتزم بدعم النشاط الراديكالي ولو بأقل درجاته. * الانتقال من بشّار إلى فاعلين محلّيين آخرين: بشار لم يوضّح مَن مِنَ الممكن له أن يخلفه في حال مات قبل أوانه على سبيل المثال. لكنّ من الواضح أن الخطر يأتي من المنافسين الموجودين في طبقة السلطة الحاكم خاصة "بارونات" الطبقة العلويّة. فيما يبدو أنّ خطرا أقل حدة يتأتى من الإسلاميين، الذي إن حصل فسيغيّر شكل سوريا بشكل رئيسي.(36). فالذي سيستلم السلطة سيكون لديه على الأرجح قائمة يسعى من خلالها إلى تطبيق سياساته الخاصّة بسبب الحالة الضعيفة للمؤسسات السورية. * "بارونات" العلويين: خلال سنوات حكمه، أنشأ حافظ الأسد نظاما علمانيا قائما على زمرته التي تخفي عيوبها بالأيديولوجيا المتّبعة.(37). لقد قام حافظ الأسد وبشكل دوري بتعيين أعضاء من طائفته العلوية في مراكز قيادية ورئيسية في البلاد وخاصة في الجيش. وهؤلاء الأفراد يسيطرون على الاستخبارات العسكرية، مديرية المخابرات العامة، مخابرات القوة الجوية، والأمن السياسي بالإضافة إلى عدة وحدات عسكرية خاصة والتي تعمل بتأثير وفعالية وإخلاص كحرس "إمبراطوري". هؤلاء "البارونات" من الممكن لهم أن يهدّدوا حكم الرئيس بشار الأسد ويتحركوا ضدّه إذا اثبت أنّه يتحدّاهم و ينافسهم أو يهدّد بقاء قبضتهم المحكمة على السلطة. هل سيحصل انقلاب في النخبة الحاكمة؟ إذا حصل فإنه لن يغيّر السياسة الخارجية السورية بشكل دراماتيكي. فهؤلاء "البارونات" مركّزون على تأمين طائفتهم ومجتمعه الخاص بهم وعلى المراكز والمناصب العليا أكثر من أي اهتمام بتحقيق أهداف سياسية معيّنة.(38). وكما حافظ الأسد، فإن هؤلاء سيكون عليهم تجنّب السياسات المتضاربة جدّا، والتي قد تثير استياء الرأي العام. على كل حال، من الممكن أن يظهر قائد ويستلم قيادة الحكم ويعزز قبضته عليها، وكما حافظ الأسد يتمكن من أن يطبّق رؤيته الخاصّة على سوريا وعلى سياساته. * الإسلاميون السوريون: الإسلاميون في سوريا ضعفاء، لقد اضطهد النظام البعثي الحركة الإسلامية بعد قيادتها للمعارضة التي أدت إلى عنف واسع وعدم استقرر في سوريا من عام 1977 إلى العام 1982. اعتقالات، سجن، تعذيب، وأشكال أخرى من الاضطهاد في القمع بما فيها تدمير مدينة حماة حيث مركز تجمّع الإخوان المسلمين، ما أدى إلى سقوط الآلاف من المدنيين موتى، الأمر الذي ترك الجماعة بدون قيادة فاعلة أو منظّمة داخل سوريا.(39). ومع ذلك فإن الشعور الإسلامي يبقى قويا. وربما 70% من السوريين هم من المسلمين السنّة، المنظّمات الدينية تحتفظ بشبكة اجتماعية متغلغلة في المجتمع السوري.(4). الإسلاميون مرتابون جدّا ويشككون بالنظام العلوي القائم. ويرى كثير من الاسلاميين أنّ العلويين مرتدّون، وهم جميعا يعارضون العلمانية التي يدافع عنها حزب البعث. إن القمع الوحشي الذي قام به الأسد في أوائل الثمانينات تجاه الاسلاميين، أدى إلى كراهية كبيرة بين صفوف الاسلاميين.(41). وإذا ما شلّت المشاكل الداخليّة العلويين، خاصّة إذا قاد ذلك إلى انشقاقات في الجيش، فإنّ تأثير الإسلاميين قد يزيد. وإذا ما سيطر الإسلاميون، فإن تحولات كبيرة ستطرأ بالجملة على المجتمع السوري... إن توجّهات السياسة الخارجية للإسلاميين ليست واضحة تماما، وشأنهم شأن جميع الإسلاميين في أي مكان آخر، فإن الإخوان ينتقدون بشدّة مفاوضات السلام مع إسرائيل.(42). * ثوابت جيوسياسية: بغض النظر عمّن سيكون في السلطة في دمشق، فإن عليه أن يواجه عدّة حقائق مرة تتعلق بالموقع السياسي الحالي لسوريا. والأكثر أهمية من ذلك هو أنّ سوريا فقيرة. لقد آل الاقتصاد إلى الركود شيئا فشيئا في عهد حافظ الأسد، وجهود بشّار المبذولة لتحرير الاقتصاد لا تزال قليلة حتى الآن. وأيّ نظام سيأتي ستكون مصادره وموارده قليلة ومحدودة ولن تكفي لإرضاء المجموعات الداخلية وكسب اهتماماتها أو لتطير قدرات الجيش السوري. فعلى العكس من العربية السعودية، فإن سوريا تفتقر إلى التأثير الاقتصادي. هذا وقد تتعرّض دمشق لهجوم وإرهاب من قبل جيرانها الأقوى. فالقوات العسكرية التقليدية السورية ضعيفة، والفجوة بينها وبين جيرانها لاسيما تركيا وإسرائيل تزداد. صحيح أن قواتها العسكرية كبيرة من حيث الحجم، إلا أنها تفتقر إلى التجهيز والتدريب الحسن. إن العديد من الوحدات الخاصة تركز على الاستقرار الداخلي وليس على حماية سوريا من أعدائها. في عام 1998 أجبرت تركيا سوريا على وقف دعمها لحزب العمّال الكردستاني من خلال التهديد المباشر بالقوّات العسكرية. بالإضافة إلى ذلك، فإن سوريا لا يمكنها المخاطرة بتصعيد أكثر من اللازم في مجابهة إسرائيل، فالقوات الإسرائيلية متفوقة على نظيرتها السورية وستهزمها بسهولة عندها. ونتيجة لهذا الضعف التقليدي، فإنه ومن المحتمل أن تعتمد سوريا على الأرجح على الأسلحة الكيميائية، برامج تطوير الصواريخ، وعلى تهديدات أخرى. الصواريخ تسمح لسوريا بان تجد وسيلة لضرب إسرائيل، وهي مهمة قد تعجز القوة الجوية الضعيفة أو القوات المسلّحة التقليدية القليلة التدريب والتسليح عن إنجازها. لكنّ الصواريخ تتيح لسوريا أيضا تحميل رؤوس كيميائية أيضا وهو ما قد يشكّل رادعا محتملا ضدّ قوة إسرائيل النووية. ومن المرجح أن تبقي سوريا علاقاتها مع المنظمات الإرهابية حتى ولو لم تستخدمها، وذلك لكي تحتفظ بوسائل رخيصة وفعّالة لضرب أعدائها.(43) * مضامين: وسواء ستقوم النخبة السورية الموجود في السلطة حاليا بدعم بشّار الأسد حاليا أو على المدى البعيد أم لا، يبقى سؤالا مفتوحا، إذا أخطأ أو تعثّر فربما يطردونه أو يقلّصوا من سلطاته محوّلين البلد من ديكتاتورية إلى أوليغارشيّة. إن حاجة بشّار الأسد إلى تدعيم سلطته قد تجعله حذرا خاصة فيما يتعلق بقضايا السياسة الخارجية المعقدة مثل مفاوضات السلام مع إسرائيل. بالإضافة إلى ذلك فإنّ الجهود المبذولة لإصلاح الاقتصاد السوري المتراجع (والمهم جدا والضروري إذا ما أرادت سوريا أن تتجنب الانحدار في السلطة والتأثير) قد يولّد أيضا مناخا من عدم الاستقرار. وكذا السماح بالتنقل الحر للأفراد وتبادل الأفكار سيعكس تحدّي هيمنة البعث السياسية في البلاد. طبقة التجّار السورية كانت معقلا تقليديا للسنّة، وإصلاحات البعث الاقتصاديّة تؤكّد سيطرة الدولة أو التصنيع كوسيلة لموازنة سلطة التجّار ونفوذهم.(44). بالإضافة إلى ذلك، فإن الكثيرين ضمن صفوف العلويين والسنة في السلطة يعتمدون على الوصول الخاص إلى العقود الحكومية وعلى الفساد لضمان فوائدهم. ويلاحظ الاقتصاديون أنه "إذا لم يستطع الجيش استخدام الطريق العسكري الخاص إلى لبنان كقناة معفيّة من الضرائب، فكيف سيتفادى ضريبة الـ25% على السيارات المستوردة وعلى الكماليات الأخرى؟!"(45). إن عدم الاستقرار من الممكن له إن يتعمق في حال استلام قادة علويين آخرين أو إسلاميين السلطة. وكما يلاحظ نيكولاس فان دام "فإنه وفي سوريا لم يتم ممارسة القيادة الجماعية في الجيش خاصّة بشكل ناجح لمدّة طويلة من الزمن".(46)، ومن الممكن سياسيا أن تعود البلاد إلى منطق عدم الاستقرار الذي ساد في الخمسينيات والستينيات، عندما كانت الانقلابات موضة ذلك الوقت. وعليه فإنه إذا أجبر العلويون على ترك السلطة وتم طردهم فإن العنف سيكون حدثا محتملا، خاصّة أن الاسلاميين وضحايا الحكم البعثي الآخرين سيسعون إلى الثأر. وإن الصدمة الناجمة عن تغيير النظام ستكون على الصعيد الداخلي أكبر منها بكثير عن الصعيد الخارجي. كما أن انتقالا للسلطة ضمن نفس النخبة العلوية سيؤدي على الأرجح إلى تغيير بسيط فقط. وعلى الرغم من أنّ حكومة ذات طابع إسلامي ستكون أكثر عداء لإسرائيل ممّن سبقها، لكنها ستكون مقيّدة بالوضع الاقتصادي السوري الضعيف والقوّات العسكرية التقليدية المنهارة... 4- تغيير القيادة في مصر في الوضع الراهن، فإن الإصلاح والتحرر السياسي من المحتمل له أن يفشل في حين أن الإصلاح الاقتصادي سيكون محدودا على الأرجح. وعلى الرغم من أن الدعم للتحرر قد يكون معتبرا، إلا أنه لا يوجد قاعدة منظمة له. لقد نجح النظام الحالي في تقديم نفسه للنخب الأخرى على أن الحصن الوحيد ضد الإسلاميين وهو لن يتردّد بالتذكير بهذه المقولة وتكرارها إذا ما رأى أن التحدي بدأ يتصاعد ضده. ولأن النظام يعتمد بقوة على المصالح والأعمال والصفقات إن الرئيس المصري حسني مبارك لا يحكم بنفس الدرجة من السيطرة التي يحكم بها العديد من القادة غيره في العربية السعودية وسوريا على سبيل المثال. لكن هذا الحكم المرخي قليلا هو قوة للنظام المصري وليس ضعفا: فهو يشير إلى أن النظام محصن ويذهب أبعد من إرادة الفرد الواحد، العائلة، أو المجموعة الطائفية. ومع ذلك فإن النظام المصري شأنه شأن العديد من الأنظمة في الدول العربية الأخرى يعتمد على مزيج من التعيين والإجبار لضمان قاعدته. أما الجمهور المصري و خصوصا الذي يعارض النظام الحالي فيتم إهماله أو قمعه. ولأن الشعب المصري والمعارضة لديهم أهداف مختلفة تماما عن تلك التي يمثّلها النظام الحالي في القاهرة، فإن أي تغيير للنظام من الممكن أن يؤدي إلى تحولات جذريّة في سياسات مصر الداخلية والخارجية. * التغيير ضمن النخبة المصرية نفسها: إن الرئيس المصري حسني مبارك غالبا ما يعتبر رئيسا عاديا غير مميّز. و جهة نظره تبدو أقرب إلى النخب المصريّة ممّا كان عليه أسلافه من الزعماء المصريين. ومن جهة أخرى يظهر مبارك وكأنه يمثل منظور قيادة الجيش والأمن في مصر. وعلى الرغم من ذلك، فهو يفتقد هيبة وكاريزما جمال عبد الناصر، ويفتقد أيضا إلى دينامية أنور السادات.(47). فمبارك بليد ومحافظ وتحركاته متوقعة ومعروفة ويمكن رصدها. الاستقرار الداخلي يعتبر أولوية بالنسبة له، لقد تجنب أخطاء كبيرة في العشرين سنة التي قضاها في السلطة ولكنّه في المقابل سمح للحكومة أن تصبح بليدة.(48). لا توجد في مصر آلية واضحة لعملية تداول السلطة خاصة على مستوى الرئاسة، وخليفة مبارك غير واضح، لكن إذا توفي مبارك، فمن المتوقع أن يكون خليفته صاحب خلفية عسكرية أو أمنية.(49). فمبارك لم يعيّن نائبا للرئيس إلى الآن، وربما يعود السبب في ذلك إلى خوفه من أن يقوم أي منافس له ببناء قاعدة في السلطة تدعمه.(5) . ومنذ سقوط الحكم الملكي في عام 1952، فإن كل القادة المصريين الذين جاؤوا هم من الجيش. وعلى العموم، فمن المرشحين المحتملين لخلافة مبارك في الحكم، عمر سليمان وهو شخص متمرس في قيادة أجهزة الأمن المصرية، أحمد الشريف رئيس وقائد القوات الجويّة، مجدي حطّاط رئيس هيئة أركان القوات المسلحة، وأسامة الباز مستشار الرئيس مبارك للشؤون السياسية.(51). هؤلاء الأشخاص باستثناء الباز لديهم خبرة قليلة في السياسة الخارجية. هذه الدائرة الضيّقة نسبيا من قادة الأمن والجيش حاولوا كسب مسئولين آخرين من الجيش والحكومة إلى جانبهم، بالإضافة إلى رجال الأعمال البارزين وتقريبهم إليهم، بينما بقي الشعب المصري بعيدا عن عملية صنع القرار واتّخاذه.(52). هذا وتشترك النخب المصرية في هدف واحد رائد لضمان بقاء قبضتهم على السلطة، وهم يتمتعون بموقع اقتصادي مميز، ويعتقدون أن النظام الحالي يشكل حاجزا منيعا ضد الراديكاليين الدينيين. الزعماء المصريون على العموم يتمتعون بهامش كبير من المناورة تقليديا: فلقد أظهر كل من ناصر والسادات أن القادة المصريين لديهم فسحة من التفاوت المسموح به حتى في قضايا تتعلّق بالإصلاح الاقتصادي أو العلاقات مع إسرائيل. وعلى أية حال فإن النخب العسكرية والأمنية تصبح حساسة جدا عندما تؤدّي الإصلاحات الاقتصادية أو تغييرات السياسية الخارجية إلى اضطرابات في الداخل. هذا فيما تدرك العديد من النخب المصرية أهمية العلاقات الأمريكية — المصرية. فمنذ توقيع معاهدة كامب دايفيد في عام 1979، قدمت الولايات المتّحدة لمصر حوالي 4 مليار دولار كمساعدات عسكرية واقتصادية. وتعتقد بعض النخب أنّ هذه المساعدات والمنح ساعدت مصر على تخطّي فترة الركود التي شهدها اقتصادها إثر حرب الخليج. بالإضافة إلى ذلك، فالولايات المتحدة تظهر أيضا كعامل موازن فيما يتعلّق بالتوترات العربية — الإسرائيلية.(53). وتعتبر هذه النخب الاقتصاديّة أن السلام والعلاقات الجيّدة مع الولايات المتّحدة الأمريكية ضرورية إذا ما أرادت مصر النجاح والازدهار. فيما انتقدت العديد من النخب والأوساط الأخرى العلاقات الأمريكية — المصرية خاصّة فيما يتعلق بمفاوضات السلام في الشرق الأوسط على الرغم من أنّهم يدركون أن هذه العلاقات تأتي بقدر من المنافع لمصر.(54). * ثوابت جيوسياسية واجتماعية حضارية: بغض النظر عمّن سيحكم مصر، فإنه سيتوجب عليه أن يتنافس مع خصائص البلاد المتميزة ويتأقلم مع موقفها الجغرافي السياسي. وهذا يتضمّن: توقّعات القيادة: فلطالما اعتبر المصريون أنفسهم قادة للأمة العربية، وهو مفهوم عززه عدد سكان مصر الكبير وتاريخها المشرف، ولذلك فإن الشعب المصري يتوقّع دائما أن يقوم قادته بلعب دور فعّال في القضايا العربية والإقليمية وأن يكون دورهم نشيطا فيها. نقاط (الضعف والقوة) العسكرية: مصر قوية عسكريا على الورق. فهي تمتلك كميات كبيرة من المعدات المعقدة .(55) . وإذا ما كان هناك من حاجة لمساعدة مجلس التعاون الخليجي على بناء قوة دفاعية بالاعتماد على قوات عربية، فإن القوات المصرية قد تكون أول المرشحين لهذا الدور. وعلى الرغم من أن الجيش المصري يمتلك قدرات تنافسية ولو قليلا مع إسرائيل، إلا أنه ضعيف التدريب ولا يستخدم تكنولوجيا متطورة بشكل جيد ولا يمكنه أن يتواصل مع إجراء عمليات عسكرية مشتركة. وعلى العموم، فحتى لو ساءت العلاقات المصرية — الإسرائيلية فإن الخيار العسكري التقليدي غير مطروح أو غير متاح بالأحرى. بشكل عام، فإن المتضرّرين خارج إطار أو دائرة السلطة الحاكمة لا يسعون إلى علاقات حميمة مع الولايات المتّحدة الأمريكية. أما الإعلام المصري بما فيه المؤيد للحكومة المصرية، فإنه غالبا ما ينتقد السياسات الأمريكية بشكل كبير ويلوم "اللوبي اليهودي" في واشنطن.(56). إن الدعم الأمريكي لإسرائيل يتم انتقاده بشكل دائم بنفس القدر الذي يرى فيه المصريون أن واشنطن يمكنها دفع إسرائيل لتقديم تنازلات.(57)... هذا فيما تظهر صورة أمريكا بشكل عام بأنها مستبدة ومتحيزة جدا ضد العرب. إن انتفاضة الأقصى والحرب ضدّ العراق قد عمقت سلبية النظرة المصرية للولايات المتحدة الأمريكية. ففي استطلاع واحد أجرته مؤسسة "بيو" الخيرية في الأشهر الأخيرة من عام 22 أظهرت أن 6% فقط من المصريين كان لديهم انطباع جيد عن أمريكا.(58). هذا وبينما تقدر بعض النخب المصرية الحالية فوائد العلاقة مع أمريكا، فإن هذا التقدير لا يعززه شعور جيد تجاه أمريكا. * البديل الإسلامي: يمثّل الإسلاميون في مصر المصدر الأكثر تنظيما في المعارضة للنظام المصري. هناك العديد من الميول ضمن الحركة الإسلامية تراوح ما بين الجماعة الإسلامية الراديكالية إلى المنظمات الأكثر انتشارا وحضورا على الساحة مثل الإخوان المسلمين، إلى القادة الدينيين الفرديين الذين يعملون بشكل منتظم مع الحكومة المصرية. الجماعات غالبا ما تكون على خلاف مع بعضها البعض، وحتى الجماعات التي تسعى إلى تحقيق نفس الأهداف المتشابهة، إلا أن لديها وجهات نظر مختلفة جدا حول كيفية تحقيقها.(59). الجماعات الإسلامية تركّز دائما على المظالم لزيادة شعبيتها. الجماعة الإسلامية استفادت من المشاعر الناجمة عن عزلها لتنتشر بين الفقراء خاصة الذين يعتقدون أن صوتهم لا يصل وأن فرصهم ضئيلة. وحتى أولئك الذين لا يسلّمون كل شيء للأيديولوجية الإسلامية فقد بدا أنّ عددا كبيرا منهم يتعاطف مع الإسلاميين. وتسود نظرة تجاه الإسلاميين بأنهم نزهاء وبأن رسالتهم تحمل تغييرا دراماتيكيا. ومن حيث التأثير فهم يمثلون الصوت الوحيد للمعارضة الفاعلة للنظام القائم.(6). إن أهداف الإسلاميين تتعارض مع أهداف وسياسات النظام الحالي. وكما الإسلاميين في الأماكن الأخرى، فإنّ أولوياتهم داخلية: فهم يبحثون عن تطبيق الشريعة على مستوى النظام المصري. العديد من الجماعات الإسلامية عدائية تجاه اليهود والمسيحيين بمن فيهم أكبر أقلية قبطية مسيحية في البلاد والتي تشكل بحدود 6% من عدد السكان.(61) . والعديد من الإسلاميين أيضا يشكك بالبرنامج التحرري للاقتصاد المصري الذي قاده كل من السادات ومبارك، وينادون بالعدالة الاقتصادية ودور الحكومة الرئيسي في الاقتصاد. في خطاباتهم، يسعى الإسلاميون للعودة إلى سياسة المواجهة مع إسرائيل وينتقدون بشكل كبير العلاقات الأمريكية الحميمة معها.(62). إلى الآن، لا يبدو أن باستطاعة الإسلاميين أن يسقطوا هذا النظام. إن الجماعات الإسلامية الراديكالية مثل جماعة الجهاد والجماعة الإسلامية خاضت كفاحا شبه مسلح ضد النظام منذ عام 199 وحتى عام 1997 ما أدى إلى سقوط حوالي 13 إصابة.(63) . وفي إطار الصراع مع النظام أيضا اعتقلت قوّات الأمن المصرية آلاف الإسلاميين واخترقت وبعثرت خلاياهم. وقام النظام بالترخيص لعدد من المنظمات الإسلامية المدنية التي يسيطر عليها, كما قام النظام بحملة تطهير للجيش من الراديكاليين المحتملين. فيما قامت المعارضة غير الإسلامية والتي تخشى رسالة الإسلاميين بدعم حملة الحكومة.(64) . وقد أدّت الحملة التي قام بها النظام المصري غالى تدمير الإسلاميين: المجموعات الراديكالية تبعثرت، والمجموعات السائدة مثل جماعة الإخوان المسلمين وجدت نفسها على هامش النقاش العام،(65) فيما استمر النظام باعتقال وحجز الراديكاليين المشتبه فيهم مما صعب عليهم عملية إعادة التجنيد والتنظيم. بالإضافة إلى قمع الإسلاميين ومؤيديهم، حاول النظام أيضا أن يكسب عناصر أقل راديكالية في منتصف التسعينيات، فروج النظام لشعائر الإسلام وسمح بزيادة التعليم الديني وبرامجه الإعلامية. وسمح للتيار العام من الإسلاميين مثل الأزهر والمعاهد الدينية التقليدية بانتقاد المثقّفين العلمانيين بشكل عنيف.(66) . هذه السياسات المتبعة خفضت من عدد الراديكاليين وقوتهم ولكنها في نفس الوقت زادت من قوة التيار العام للحركات السائدة.(67). على العموم، فإنه إذا أصاب الاقتصاد المصري الآن ركودا مثلما كان سابقا، فإنه سيجد نفسه بحاجة إلى شرعية أكبر، مما قد يدفعه للسماح للإسلاميين بأن يكونوا أكثر فاعلية. * مضامين: إن تغييرا يطرأ في القيادة ضمن النخبة المصرية الحالية قد يغير من تأثير السياسة الخارجية لكن ليس من اتجاهها. فقائد آخر غير مبارك قد يصبح أكثر قدرة على المضي خارج إطار الإجماع الضيق في النخبة الحالية ويعيد تشكيل سياسة مصر من جديد بدلا من الاكتفاء بتطبيق الأهداف المتفق عليها مسبقا بكل بساطة كما يتم الآن. إما إذا تمّ الانتقال خارج إطار قاعدة النخبة والسلطة الحالية ولا سيما إلى نظام إسلامي، فإن ذلك من شأنه أن يؤدي إلى تغيير أكثر جذرية وأعمق تأثيرا وتبدلا، لكن الإسلاميين سوف يواجهون أيضا قيودا على حرية حركتهم وليس كما يتوقعون وذلك بسبب ضعف مصر العسكري. أما في الوضع الراهن، فإن الإصلاح والتحرر السياسي من المحتمل له أن يفشل في حين أن الإصلاح الاقتصادي سيكون محدودا على الأرجح. وعلى الرغم من أن الدعم للتحرر قد يكون معتبرا، إلا أنه لا يوجد قاعدة منظمة له. لقد نجح النظام الحالي في تقديم نفسه للنخب الأخرى على أن الحصن الوحيد ضد الإسلاميين وهو لن يتردّد بالتذكير بهذه المقولة وتكرارها إذا ما رأى أن التحدي بدأ يتصاعد ضده. ولأن النظام يعتمد بقوة على المصالح والأعمال والصفقات، فإنه من المستبعد أن ترجع التحولات الاقتصادية إلى السياسات التي كانت فيها الدولة تسيطر بقوة على الاقتصاد كما في الماضي. إن علاقات مصر القوية بالولايات المتحدة الأمريكية تستند في حقيقة الأمر إلى مؤسسات ضعيفة. التعاون على مكافحة الإرهاب ممتاز، ولكن هذا عادة ما يتم خلف الكواليس، وذلك لأن عامة المصريين والأشخاص المعارضين الفاعلين غير متجاوبين في هذا الموضوع، ولأن نخب عديدة تكون فاترة في أحسن الأحوال تجاه الروابط المصرية الأمريكية، وهذا ما قد يدفع النظام إلى الابتعاد قليلا عن أمريكا في حال شعر بوجود مشاكل وأزمات داخلية. وهذا التوجه سيكون حادا خاصة إذا زاد التوتر الفلسطيني الإسرائيلي بشكل كبير، الأمر الذي من شأنه أن يزيد الانتقادات الحادة للعلاقات المصرية- الأمريكية. إن العديد من السلطات الإسلامية التقليدية تمتلك الآن درجة من الاستقلالية عن الحكومة، من الممكن لها أن تستخدمها للضغط عليها لاسيما في المواضيع الاجتماعية.(68). من الممكن لهذه المراجع أن تستخدم هذه الاستقلالية الدينية في الضغط من أجل تغيير سياسة مصر الخارجية خاصة فيما يتعلق بمفاوضات السلام والعلاقات مع الولايات المتحدة في مسائل بالغة الأهمية. إن "السلام البارد" مع إسرائيل من الممكن له أن يصبح أبرد. إن السلام بالنسبة لمصر مهم وضروري من أجل العلاقات الجيدة مع أمريكا، والوضع العسكري الضعيف لمصر يجعل أمر المواجهة العسكرية صعبة الحدوث. والنظام قد يصبح أقل مساندة للتنازلات الفلسطينية وأكثر عدوانية في خطاباته، وقد يخفض الروابط الاقتصادية أو يبعد نفسه عن إسرائيل إلى أقصى الحدود. وفي هذه الحالة، فإن التصلب المصري قد يدفعها لتجديد مساعيها لامتلاك أسلحة الدمار الشامل. هذا ويعتقد أن مصر تمتلك حاليا قوة كيميائية وهي لم توقع على اتفاقية الأسلحة الكيميائية على الرغم من أنه يعتقد أن مصر لا تمتلك حاليا برنامجا حيويا سواء كان كيميائيا أو نوويا.(69). لكن التوتر المتزايد مع إسرائيل على أية حال قد يدفع القاهرة للسعي لامتلاك أسلحة الدمار الشامل لتحقيق التوازن مع التفوق الإسرائيلي العسكري التقليدي والنووي. * التحضير لتغيير الأنظمة: إن التحليل السابق أعلاه يقترح السيناريوهات الأكثر احتمالا، والتي تتأرجح بناء على الأفكار الرئيسية المتعلقة بالنظريات الحالية. الأولاد سيخلفون الآباء، أو أن فردا من نفس قاعدة السلطة سيستلمون هذه السلطة في حال موت أو مرض القائد الحالي. على أية حال، فإن إمكانية التغيير قد تكون كبيرة، وبشكل عام فإن القادة غير متواصلين مع الشعب في أغلب الأحيان والأصوات المعارضة لديها القليل فقط لتقوله. ونتيجة لذلك، فإن تغييرا في الطبقة الحاكمة قد يؤدي إلى تغيير دراماتيكي في سياسة الدولة. وبالفعل، وبسبب تركز السلطة في معظم الدول العربية، فإن أي انتقال في السلطة وحتى من فرد إلى فرد آخر داخل الطبقة الحاكمة من الممكن أن يؤدي إلى نتائج مهمة بالنسبة للسياسة الأمريكية. الحقائق الجيوسياسية والثوابت الاجتماعية سوف تحدّ من التغيير أو تعيد تشكيله إلى درجة ما. لكن ومع ذلك فإن تغييرا دراماتيكيا في تحالفات أي بلد وسياساته أمر ممكن وغير مستبعد. هذا القسم الأخير من الدراسة يلخص عددا من أكثر وأهم المخاطر والضغوط التي قد تنجم عن الحالات التي تمّ ذكرها أعلاه، وهو يدلنا على الطريق التي من الممكن أن تشير إلى احتمال حدوث تغيير ما في نظام ما. وهو يطرح فيما بعد عددا من الخطوات التي يمكن لها أن تعيد تشكيل البيئة الحاصلة لمنع تغيير النظام الغير مناسب، وفي حال كان ذلك غير ممكن بحيث لا يمكن تفادي حصوله، فإنه يقدم الاقتراحات المناسبة لتقليل الخطر الممكن حدوثه نتيجة لهذا التغيير والناجم عنه. * الأخطار والفرص المحتملة: إن تغيير القيادة في الشرق الأوسط يزيد من أخطار ظهور مخاطر كثيرة. ومن بين الأمور الأكثر أهمية سواء للأصدقاء أو للخصوم هي الصعوبات المتأصلة في المحافظة على السلطة. وحتى لو لم يكن هناك تغيير في قاعدة السلطة لنظام معين، فإن قائدا جديدا سوف يتوجب عليه بجميع الأحوال أن يؤسس مكانا في السلطة لمناصريه بينما يقوم في نفس الوقت بتقليل تأثير منافسيه المحتملين. وخلال هذه الفترة المؤقتة، ستكون قدرة القائد على رسم ووضع سياسة معينة مقيدة على الأرجح. وأكثر من ذلك، فإن قادة جدد سوف يركزون على السياسة الداخلية بشكل أساسي ورئيس وسيرفضون أخذ المخاطرة في السياسة الخارجية. فقد تصبح الروابط المفتوحة مع الولايات المتحدة موضع شك من قبل الجماهير ومناصريهم، لذلك فإن القادة الجدد قد يترددون في المخاطرة بشعبيتهم مقابل التعاون مع المبادرات الولايات المتحدة الأمريكية. وبشكل عام أكثر، فإن تحالفات الولايات المتحدة والتطورات الإيجابية في مفاوضات السلام تستند إلى بناء ضعيف جدا. إن القادة الذين لا يأخذون الجمهور بعين الاعتبار هم أكثر قدرة وأفضل من غيرهم في تقديم التنازلات لإسرائيل، أو على الأقل في تعديل وتلطيف سياسات حكوماتهم. وإذا حدث التحرر في مصر والعربية السعودية، دون أن نتحدّث عن ازدياد تأثير الإسلاميين، فإن السياسات المعادية لأمريكا والمعادية لإسرائيل من المتحمل أن تزداد بقوة.(7). إن انعدام خبرة بعض الزعماء الجدد قد تتضمن أخطارا أيضا. وبالرغم من أنّ ولي العهد الأمير عبد الله خبير جدا، فإن بشار الأسد لا يزال يعتبر مبتدئا. إن القادة المستقبليين للمملكة العربية السعودية بعد عبد الله، وخلفاء مبارك وصدّام قد يكونوا أكثر خبرة في السياسات الداخلية منه على صعيد العلاقات الخارجية. وهذا قد يؤدي إلى السقوط في بعض العثرات والأخطاء ولكنه قد يؤدي أيضا إلى نتائج خطيرة جدا. القادة ممكن أن يبالغوا في تقدير قدرة قواتهم العسكرية، أو يأملون بشكل مفرط بالدعم الخارجي، بحيث يعتقدون أنه باستطاعتهم إخافة خصومهم، أو قد يسيئون التقدير مما من شأنه أن يؤدي إلى نزاع معين. الدمقرطة أيضا اقتراح مختلط. التحرر الناجح ومشاركة السلطة تزيد من توقع وجود أنظمة أكثر استقرارا. لكن عددا مكن الجماهير في الشرق الأوسط تبدو عدائية للولايات المتّحدة وإذا ما حصلوا على صوت أكبر، فإنه من المتوقع أن تواجه أنظمتهم ضغطا كبيرا لتخفيض العلاقات والروابط مع واشنطن. الإسلاميون بشكل خاص غالبا ما يكونون الأفضل تنظيما ومستعدين ليستغلوا أكثر أي انفتاح يحصل في النظام السياسي. مضامين تغيير القيادة في العالم العربي: 5-5 توصيات: إن المجموعات الإسلامية تستحق أن نعطيها اهتماما خاصا أكبر. والعديد من هذه الجماعات معادي للولايات المتّحدة الأمريكية، لكن الحوار مع بعض الأفراد يبقى ممكنا وضروريا بالفعل، خاصّة إذا كان من شأنه أن يبدّد العديد من الصور النمطية ونظريات المؤامرة. وبالتأكيد، فإن التفاوض مع أشخاص خارج إطار السلطة من شأنه أن يغضب الأنظمة، ولكنه توازن خادع للتفاوض. على الولايات المتّحدة أيضا أن تركّز أكثر على الرأي العام الشعبي والمتنامي بقلم ترجمة: علي حسين باكير يجب على الولايات المتحدة أن تتوقع تغييرات محتملة في الفرضيات الحالية حول استقرار الأنظمة وشكلها، على النحو التالي: * التوقع يغير الفرضيات: على المحّلين أن يتابعوا التوقعات المتغيرة حول القادة الأفراد ليحددوا بشكل أفضل من من الممكن له أن يستلم السلطة في حال موت الزعيم الحالي أو تعطله. وبطبيعة الحال، فإن توقع تغيرات أكثر جذرية يعتبر أمرا أكثر صعوبة: فتوقع انقلاب، ثورة أو أشكال أخرى من التغيير السريع والجذري يعتبر أمرا صعبا جدّا. على أية حال، تشير بعض المعطيات إلى أن الأنظمة التي قد تواجه عدم استقرار تتضمن: - وجود ديمقراطية جزئية: فالديمقراطيات الناضجة بشكل عام والأوتوقراطيات المطلقة تكون مستقرّة بشكل واسع. أما الأنظمة التي تكون في مرحلة انتقالية فهي غالبا ما تواجه حالة من عدم الاستقرار، وتذهب في الغالب إلى الحرب. وإذا ما تحرّرت كل من سوريا ومصر والدول الإقليمية الأخرى فإنها قد تتعرّض لتغييرات مفاجئة.(71). - حدوث أزمة في النخبة: العديد من الثورات تبدأ غالبا بعد انشقاقات تدب في أوساط في النخب الموجودة. وكنتيجة، فإن الأنظمة قد تجد حينها من الصعب عليها أن تقمع أو تتعاون مع المعارضة ممّا سيعطي الفرصة للثوريين. - انتشار الشعبوية: فحتى إذا لم تنتشر الديمقراطية، فإن النخب قد تتجه للاعتماد بشكل أكبر على الشعبوية لتؤمّن دعما لحكمها. لسنوات عديدة، كان القادة في الشرق الأوسط، في نظر النخب السائدة، مالكي أراضي أغنياء ورجال أعمال. فإذا احتاج الزعماء أكثر فأكثر إلى الشعب لدعمهم، فإن الرأي العام ووجهات النظر الشعبية، والتي غالبا ما تكون ضد تلك الموجودة في السلطة، تصبح مهمة أكثر صعوبة وتعقيدا. وبحسب أهمية النظام الذي قد يتعرض للتغييرات، فإن الأمر قد يصبح مغريا للولايات المتحدة من أجل التدخل في هذه العملية. إلا إذا كانت الولايات المتحدة تنوي التدخل بشكل حاسم منذ البداية في العملية، كما فعلت في العرق. وعدا عن ذلك، فإن تأثيرها غالبا ما يكون له فعالية قليلة فيما يتعلق بعملية الخلافة والتعاقب على السلطة في معظم البلدان. وبشكل عام كلما نقصت المعلومات التي يمكن استعمالها، كلما قل التأثير الذي تمتلكه. وممارسة الضغط قد ترتد على الولايات المتحدة مؤديا إلى ظهور قادة وزعماء معاديين للولايات المتحدة.(72). يجب على واشنطن أيضا أن تزيد من تواصلها مع القادة والفئات الذين هم خارج دائرة السلطة، ولكنهم يتمتعون بدعم واسع وشعبية كبيرة. فالتركيز بشكل حصري على السلطة الحالية الموجودة في جميع البلدان ينطوي على مجموعة مخاطر قد تجعلنا لا نبصر إلا بعين واحدة، الأمر الذي من شأنه أن يؤدي إلى تغيير دراماتيكي كما حصل في إيران. إن المجموعات الإسلامية تستحق أن نعطيها اهتماما خاصا أكبر. والعديد من هذه الجماعات معادي للولايات المتّحدة الأمريكية، لكن الحوار مع بعض الأفراد يبقى ممكنا وضروريا بالفعل، خاصّة إذا كان من شأنه أن يبدّد العديد من الصور النمطية ونظريات المؤامرة. وبالتأكيد، فإن التفاوض مع أشخاص خارج إطار السلطة من شأنه أن يغضب الأنظمة، ولكنه توازن خادع للتفاوض. على الولايات المتّحدة أيضا أن تركّز أكثر على الرأي العام الشعبي والمتنامي. فالتركيز الحالي للولايات المتّحدة على النخب الموجودة حاليا سيصبح بدون جدوى وفعالية (غير مثمر) في السنوات القادمة إذا لم تؤخذ بعين الاعتبار قوة الرأي العام المتنامية. إن احتمال أن يلعب الرأي العام دورا أكبر في عملية صنع القرار مما كان عليه الأمر سابقا، يعد خطرا بالنسبة للولايات المتحدة الأمريكية بسبب التوجهات المعادية التي يحملها الرأي العام تجاه سياسة أمريكا. على الولايات المتحدة أن تجد إستراتيجية إعلامية لكي توضح موقع ودور الولايات المتحدة، وأن تذهب أبعد من المعايير الغربية وتركز على المحطات الفضائيات العربية وعلى الصحف. على الولايات المتحدة أن تزيد من تبادل الطلاب والعسكر لتحسن من صورة الولايات المتحدة وتجعلها مألوفة أكثر. على الجيش الأمريكي أيضا أن يتخذ لنفسه قواعد وبنى تحتية متنوعة ومنتشرة، وأن يتوصل إلى اتّفاقات عديدة ليتجنب حالة عدم الاستقرار أو التغيير المفاجئ الذي قد يطرأ في بلد ما، آخذين بعين الاعتبار أن بلدان عديدة غير محصنة وقابلة للاختراق والتغيير المفاجئ وأن غالبيتها تقريبا متردد في إشراك الرأي العام الداخلي، فإن الحصول على خيارات عديدة بهذا الشأن يعد أمرا ضروريا، خاصة في المملكة العربية السعودية ومصر على سبيل المثال، حيث يظهر الرأي العام الداخلي والمعارض بصورة واضحة أنه يرفض العلاقات مع الجيش الأمريكي ويعبر عن مخاوف أخرى تجاهها. * دانييل بايمن: بروفسور مساعد في برنامج الدراسات الأمنيّة في مدرسة ادموند والاش للسلك الأجنبي في جامعة جورج تاون. زميل في مركز "سابان" لسياسات الشرق الأوسط في معهد "بروكينجز". وهذه الدراسة له هي جزء من تقرير ضخم أعدّته "راند" لصالح القوات الجوية، كدراسة مستقبلية عن المنطقة وهي بعنوان: "مستقبل البيئة الأمنية في الشرق الأوسط: النزاع، الاستقرار والتغيير السياسي". رابط هذا التعليق شارك المزيد من خيارات المشاركة
Recommended Posts
انشئ حساب جديد أو قم بتسجيل دخولك لتتمكن من إضافة تعليق جديد
يجب ان تكون عضوا لدينا لتتمكن من التعليق
انشئ حساب جديد
سجل حسابك الجديد لدينا في الموقع بمنتهي السهوله .
سجل حساب جديدتسجيل دخول
هل تمتلك حساب بالفعل؟ سجل دخولك من هنا.
سجل دخولك الان